رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الرابع والثمانون بقلم شمس بكري
"العَين لا ترىٰ سواكِ كي له تنظر، و قلبي لِـ غيركِ لا يُبصر"
_________________________
لم يخْجَل حين قال:
"خشِيت على نفسي فذهبتُ إلى خديجة "
لم يذهب إلى قبيلتهِ ولا عشيرتهِ اللّذان هما الأحَق...كأنّهُ أرادَ إخبارَنا فيما بعْد
"خديجة هي قبيلتي وكل أُناسي".
إنه الحَبيب المُصطفى الذي علَّمنا كيف يكُون الحب حقاً...صلُّوا عليهِ و سلِّموا تسْليمًا.
انسحبت الروح من جسديهما فور سقوطها مغشيةً عليها، لذا ركضا نحوها بسرعةٍ كُبرىٰ و قد التقطها "ياسين" بين ذراعيه و هو يناديها بلهفةٍ و خوفٍ و "وليد" يربت على وجنتها و زاد خوفه أكثر و هو يرى شحوب وجهها، و كأنها في خلال ثوانٍ دخلت ضمن عداد الموتى !! رفعها "ياسين" ما أن أدرك أدرك وضعها او ربما حينما زاد خوفه، و خلفه "وليد" يركضان بها حتى اقتربت منهما احدى الممرضات تشير له على غرفةٍ من الغرف حتى يدخل بها، لاحظت "ريهام" حركتهم فاقتربت من الغرفة تسأل بلهفةٍ:
"خديجة مالها يا وليد ؟؟! حصل إيه هي مش كانت كويسة ؟!"
رد عليها بخوفٍ و صوتٍ مهتز و عينينه تدور بتشوشٍ:
"مش....مش عارف....ممكن تكون اتخضت أو خافت من الصوت، ماهي مبتستحملش حاجة"
دلفت الغرفة بسرعةٍ كبرىٰ فوجدت "ياسين" يضعها على الفراش و يفك حجابها حتى لا تختنق، و في تلك اللحظة دلفت الممرضة مرةً أخرى و معها الطبيبة التي تحدثت بنبرةٍ عملية ثابتة:
"اتفضل برة حضرتك و أنا هكشف و اطمنك، اتفضل يا فندم"
رد عليها مسرعًا بخوفٍ:
"لأ مش هينفع، أنا مش هسيبها، أكشفي عليها و أنا معاكِ هنا، أنا مش هخرج و أسيبها"
اقتربت منه "ريهام" تقول بنبرةٍ هادئة تحاول اقناعه:
"معلش يا ياسين، اخرج دلوقتي و أنا معاها هنا، بس علشان الدكتورة تكشف براحتها، اتفضل"
زاغت عينيه في المكان حتى استقرتا عليها و هي تنام على الفراش و عينيها مغلقتين فوق بعضهما باحكامٍ و كفها يرتمي على الفراش بوهنٍ كما شُحِب وجهها بشدة و استحال لونه إلى الأصفر و بُهِتَّ على الفورِ، حركت "ريهام" رأسها تحثه على الخروج حتى وافق هو على مضضٍ.
في الخارج وقف "وليد" بخوفٍ حتى جلس على المقعد يمسك رأسه بكفيه معًا بقلقٍ عليها حتى خرج "ياسين" و جلس بجواره بكتفين متهدلين بخيبةٍ فسأله هو بلهفةٍ:
"مالها يا ياسين ؟! فيها إيه ؟؟ أنا مش هقدر اشوفها كدا....هي كويسة ؟!"
حرك كتفيه كدليلٍ منه على عدم معرفته بالأمر ثم ارجع رأسه للخلف و زفر بقلة حيلة و في تلك اللحظة دلفت "عفاف" تركض بخوفٍ و في يدها "يونس" و خلفها "ميرفت" والدة "ياسر"؛ رآهما "ياسين" فوقف حينما وجدها تقترب منه تسأله بخوفٍ:
"إيمان فين يا ياسين ؟؟ بنتي فين ؟! طمني ؟!"
رد عليها بنبرةٍ هادئة:
"اتطمني يا طنط متخافيش، إيمان في العمليات، اتطمني"
سألته و هي تلهث بنبرةٍ متقطعة:
"طب و أنتَ هنا بتعمل إيه ؟؟ أوعى تكون بتكدب عليا !!"
حرك رأسه نفيًا ثم زفر بقوةٍ و قال بنبرةٍ هادئة:
"دي مراتي هي اللي هنا، تعبانة شوية و أغمى عليها، خير إن شاء الله"
سألته "ميرفت" بلهفةٍ:
"يا حبيبتي ؟! ألف سلامة عليها يا ياسين، طب هي فيها إيه ؟!"
حرك كتفيه ثم قال بقلة حيلة:
"معرفش و الله معرفش مالها"
ربتت "عفاف" على كتفه و هي تقول مُطمئنةً له:
"ألف سلامة عليها يا حبيبي، ربنا يطمن قلوبنا عليهم هما التلاتة"
حرك رأسه موافقًا فمسك "يونس" يده بعدما ترك يد جدته، فقالت هي مسرعةٍ:
"خليه معاك يا ياسين معلش، عن اذنك هروح أشوف إيمان و سارة"
حرك رأسه موافقًا فتحركتا من أمامه فيما جلس هو على المقعد و تابع الغرفة بنظره و ثبت عيناه عليها و بجواره "يونس" الذي كان يجلس دون أن يفهم شيئًا، و حينما حرك رأسه نحو "وليد" فوجده مُطرقًا برأسه للأسفل و يحرك قدماه بانفعالٍ و تشنجٍ فاقترب منه "يونس" يربت على فخذه و هو يقول ببراءةٍ:
"معـلش"
رفع "وليد" رأسه ينظر له بتشوشٍ فمد "يونس" يده له يعطيه حلوى مُغلفة أخرجها من جيب بنطاله، حينها امسكه "وليد" يرفعه على قدميه ثم تنهد بعمقٍ و مسح وجهه ثم قبل وجه "يونس" و ربت على ظهره، تابعهما "ياسين" و ابتسم رغمًا عنه ثم تنهد بعمقٍ و كل ما يجول بخاطره هو إهمالها في صحتها و طعامها و خاصةً بعدما تولت مسئولية في الدار، فأصبحت تعطيها كامل طاقتها و وقتها و أخر ما تفكر به نفسها هي.
_________________________
أمام غرفتي العمليات وقفوا بتوترٍ و خوفٍ، و نظرهم لازال مُثبتًا على الغرفتين التي تلد بكلٍ منهما "سارة" و "إيمان" و نظرًا لعمل "ياسر" بالمشفى كانت الأمور على ما يرام في الداخل مع كافة الرعاية التامة التي توفرت لهما، لكن الوضع في الخارج كان صعبًا للغاية، فكلٍ منهما كان يأكله قلبه من الخوف و خصوصًا "عامر" وقف بجانب غرفة زوجته يحاول الاستماع لأي شيءٍ يطمئنه و يثلج نيران خوفه التي تحرق روحه، فيما وقف "ياسر" بثباتٍ يتنافى مع خوفه لكنه آثر أن يقف ثابتًا، لكن داخله كانت رأسه تعُج بالأفكار و الخوف هو الأخر.
داخل غرفة "خديجة" فاقت هي من غفوتها بعد الكشف و كامل الفحوصات، و "ريهام" بجوارها لم تتركها حتى قامت الطبيبة بوضع الإبرة الطبية في كفها تصلها بالمحلول الطبي، طالعتها "خديجة" بخوفٍ خاصةً أنها تكره تلك الإبرة و موضع دخولها الذي يلتهب في كل مرّة تستخدمها، و حينما لاحظت
"ريهام" خوفها سألت الطبيبة بصوتٍ مهتز:
"معلش يا دكتورة هي مالها، كويسة و لا فيه حاجة تعباها، ممكن تكون اتخضت بس من الوضع برة ؟!"
نظرت لها الطبيبة و هي تقول بهدوء و لهجة صوتٍ عملية:
"هي للأسف شكلها مهملة أكلها، و دا غلط مينفعش، لازم تاكل كويس و ترتاح، مينفعش تهمل صحتها كدا"
ردت عليها "خديجة" بلهفةٍ:
"لأ و الله باكل بس مش كتير، يعني مش بعرف أفطر، بتغدى مع جوزي لما يجي من الشغل"
ردت عليها الطبية بثباتٍ:
"لأ مينفعش، خصوصًا إنك في الأول يعني أي اهمال أو استهتار نتايجه هتكون سلبية، المراحل الأولى هي الأهم"
عقدت "خديجة" ما بين حاجبيها فيما سألتها "ريهام" باستنكارٍ:
"مراحل إيه يا دكتورة ؟؟ هي مالها ؟!"
_"المدام حامل بقالها غالبًا اسبوعين، و دا اللي التحاليل هتوضحه إن شاء الله، هو حضرتك متعرفيش ؟!"
نظرت لها "خديجة" بعينين متسعتين و كسا الاستنكار ملامح وجهها لم تصدق ما وقع على سمعها، فيما ابتهج وجه "ريهام" و هي تسألها بلهفةٍ ممتزجة بالفرحة:
"بــجد ؟؟! بجد يا دكتورة ؟! خديجة حامل ؟!"
ابتسمت لهما الطبيبة و هي تقول بتفهمٍ:
"واضح كدا أنكم متعرفوش، على العموم ألف مبروك بس أهم حاجة تخلي بالك من نفسك و تهتمي بيها و بأكلك، بلاش تتعبي نفسك خاصةً في الشهر الأول دا...عن اذنكم"
خرجت الطبيبة من الغرفة فتحدثت "خديجة" بغير تصديق و استنكارٍ لحديث الطبيبة:
"بجد ؟! هي قالت أني حامل يا ريهام ؟؟ هي قالت كدا و لا أنا بيتهيألي ؟!"
اقتربت منها "ريهام" تجلس بجوارها و هي تقول بحماسٍ و لهفةٍ:
"أيوا يا خديجة مبروك يا روح قلبي، أنتِ حامل، مش سمعتيها بنفسك ؟!"
سألتها بتيهٍ و تشوشٍ:
"ازاي بس ؟! أنا كنت عند الدكتورة من شهر و قالت إني ممكن اتأخر شوية، ازاي ؟!"
ابتسمت "ريهام" و هي تقول بقلة حيلة:
"دا أنتِ ضايعة خالص يا خديجة، يا ستي افرحي و فرحي جوزك، ألف مبروك ليكم، ربنا يقومك بالسلامة يا رب"
نزلت العبرات من عينيها تعرف السبيل جيدًا نحو وجنتيها، فاحتضنتها "ريهام" و هي تقول مؤازرةً لها:
"بس يا حبيبتي بتعيطي ليه ؟! أنتِ مش فرحانة ؟!"
بكت "خديجة" و هي تقول من بين صوتها المتقطع:
"فرحانة.... فرحانة علشان كنت خايفة اتأخر أكتر من كدا، ياسين هيفرح صح ؟!"
ربتت "ريهام" على ظهرها بتفهمٍ لتخبط مشاعرها، ثم وقفت و هي تقول بهدوء:
"أنا هخرج اطمنهم و اتطمن على سارة و إيمان، خلي بالك من نفسك"
حركت رأسها موافقةً ثم رفعت كفها الحر تمسح دموعها و الكف الأخر موصول بالإبرة الطبية، و في تلك اللحظة خرجت "ريهام" و تركت "خديجة" خلفها كما هي على الفراش لكنها حركت كفيها تحاوط بطنها بهما و هي تبتسم بغير تصديق.
خرجت "ريهام" من الغرفة فسألها "ياسين" بلهفةٍ:
"ها يا ريهام ؟! هي مالها الدكتورة قالتلي كويسة و مشيت، هي كويسة ؟!"
ابتسمت له تطمئنه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"اتطمن هي بخير متخافش عليها، ادخلوا شوفوها هي مستنياكم جوة، عن اذنكم....يلا يا يونس تعالى معايا"
قالت حديثها لابنها الذي حرك رأسه موافقًا ثم ترك كف "ياسين" و اقترب منها يقف بجوارها فأمسكت كفه و هي تبتسم لهما ثم تحركت صوب غرفة العمليات.
دلفا سويًا لها بقلقٍ و لهفةٍ و كانت هي تنتظر دخولهما، حتى اقترب منها "وليد" يسألها بقلقٍ بالغٍ:
"طمنيني عليكي أنتِ كويسة ؟! عاملة إيه دلوقتي ؟!"
حركت رأسها موافقةً فاقترب "ياسين" منها يقبل قمة رأسها ثم قال بمعاتبةٍ:
"أكيد طبعًا قلة الأكل و الاهتمام بنفسك هي اللي عملت فيكي كدا، ليه يا خديجة ؟!"
أوشكت على التحدث فتدخل "وليد" يقول بنبرةٍ جامدة:
"بصي !! من ساعة ما بدأتي الفكرة بتاعتك و أنتِ خسيتي و أهملتي نفسك، يمين بالله لو ما ظبطي و خدتي بالك من نفسك لأخليه يحبسك في البيت، أنا مش هفرح لما تضيعي مني"
قالها منفعلًا في وجهها بنبرةٍ أقرب للصراخ، فقالت هي مسرعةً:
"و الله ماكنتش أعرف، بس هيـ..."
توقفت عن الحديث حينما حدجها "ياسين" بسخطٍ و هو يقول:
"خديجة ؟! أنا مش عاوز أمنعك من النزول للجمعية علشان عارف إنك فرحانة اللي بتعمليه دا، بس لو هتيجي على نفسك بلاش خالص"
ردت عليه هي بصوتٍ خافتٍ:
"شكلها كدا مفيش تاني، أنا حامل"
انتبه لها كليهما، فتأهب جسد "وليد" و فك ذراعيه من بعضهما، أما "ياسين" فسألها بدهشةٍ:
"إيه ؟؟ قولتي إيه يا خديجة ؟!"
وزعت نظراتها بينهما بالتساوي لترى الحماس الذي أشبه بالنيران المتقدة يطل من نظراتهما فقالت بحماسٍ نتج عنه اختناق صوتها:
"و الله أنا حامل، الدكتورة هي اللي قالتلي"
نظر لها كليهما بدهشةٍ فحركت رأسها موافقةً عدة مراتٍ و حينها
اعتصرها "ياسين" بين ذراعيه في عناقٍ ساحق و هو يردد بصوتٍ مختلط المشاعر:
"الحمد لله يا رب، الحمد لله"
رفعت ذراعها تربت على ظهره و الدموع تنهمر على وجنتيها بغزارةٍ و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"اكتر حاجة مفرحاني هي فرحتك أنتَ، أول مرة أحس أني فرحتك بجد"
ابتعد عنها يربت على رأسها و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"و الله العظيم من ساعة ما عرفتك و أنا فرحان و مبسوط، أنتِ وش السعد عليا يا خديجة"
ابتسمت هي له فاقترب "وليد" في تلك اللحظة يمسك "ياسين" من ذراعه حتى ابعده عنها و الأخر يتابعه بتعجبٍ، فيما جلس "وليد" بجوارها يقول بلهفةٍ:
"بجد ؟! حامل ؟! يعني أنا ربنا كرمني و هشوف ابني و ابنك في سنة واحدة ؟! هبقى خال ؟"
حركت رأسها موافقةً و الدموع تسيل على وجنتيها فاقترب منها "وليد" يقبل قمة رأسها ثم قال بتأثرٍ:
"شوفتي كنا فين و بقينا فين ؟! شوفتي كرم ربنا علينا حلو أزاي؟"
حركت رأسها موافقةً و هي تقول:
"شوفت.... شوفت و فرحت"
أمسك كفها الحر يربت عليه ثم قبل رأسها مرةً أخرى و قال بصوتٍ مختنقٍ:
"كنت خايف و زعلان علشانك، كنت حاسس إن فرحتي مش كاملة من غير فرحتك، بس دلوقتي أنا فرحان و مبسوط، كل يوم بتأكد إن اللي في قلبي ليكِ مش زي حد تاني"
ابتسمت له هي ثم رفعت نفسها تقبل رأسه و قالت براحةٍ:
"ربنا يباركلي فيك و يكرملي قلبك يا رب، أنا بحبك اوي"
اقترب "ياسين" منهما يقول بغيظٍ مكتوم:
"احمدوا ربنا أني متفهم و عاقل، واحد تاني كان ضربكم بالجِزم فوق دماغكم، وسع يالا"
أمسك "وليد" من ثيابه يبعده حينما دفعه بعيدًا عنها حتى أوشك "وليد" على السقوط لكنه استند على طرف الفراش فضحكت عليه "خديجة" و حاولت كتم ضحكتها حينما جلس "ياسين" بجوارها ثم أمسك حجابها يلفه على رأسها و هي تبتسم له، كل ذلك تابعه "وليد" بوجهٍ مُبتسمٍ و حينما لاحظ تواصل نظراتهما سويًا قال بتهكمٍ:
"لولا أنها فرحانة و مبسوطة كان زماني مزعلها عليك، بس يلا، أنا هسكتلك بمزاجي"
رفع "ياسين" حاجبه له فتنحنح "وليد" بخوفٍ و تراجع متقهقرًا و هو يقول:
"طب... سلام عليكم أنا بقى، هروح اتطمن على مراتي أصلها بطيخة و احنا في صيف....سلام"
فتح باب الغرفة و التفت حتى يغادر الغرفة و قبل خروجه رمى غمزة من عينيه و هو يقول بمشاكسىةٍ:
"أيوا يا أبو طويلة، هتبقى أب"
ضرب "ياسين" كفيه ببعضهما فيما ضحكت "خديجة" بملء شدقيها حتى أغلق هو الباب و خرج منه، فاحتضنها "ياسين" مربتًا فوق رأسها و هو يبتسم بخفةٍ و هي تتنفس الصعداء و كأنها تتنفس للمرةِ الأولى.
_________________________
في بعض الأحيان قد تمر عليك الدقيقة و كأنها مثل الدهر الكامل على المرء، مثل السيف البتار الذي تخشى ضربته لتمر عليك تلك اللحظة بهدوء حركتها مثل ذلك السيف يقطع في عنقك دون رحمةٍ و كذلك الانتظار يفتت روحك دون شفقةٍ منه.
هكذا كان الوضع على الجميع أمام غرف العمليات و خاصةً بعدما خرجت "خديجة" من الغرفة تجلس في الخارج و لقد زاد توترها و خوفها أكثر و هي ترى القلق باديًا على أوجه الجميع، لولا وجود "وليد" و "ياسين" معها لكانت بكت من الخوف أمامهم جميعًا.
خرجت الطبيبة من غرفة "سارة" فهبوا جيمعًا واقفين و أول من ركض إليها كان "عامر" و قد سألها بلهفةٍ:
"طمنيني عليها !! هي كويسة، هما....هما عاملين إيه ؟!"
ابتسمت له تطمئنه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"متخافش الحمد لله قامت بالسلامة و جابت ولد زي القمر يتربى في عزك"
ابتهج وجهه على الفور و شهق بفرحةٍ و احتضن "عمار" و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"أنا بقيت أب يا عمار، الحمد لله يا رب، أنا بقيت أب"
ربت "عمار" على ظهره و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"ربنا يبارك فيه يا حبيبي و يحفظه، ربنا يجعله ذرية صالحة ليك و لمامته يا رب"
اقترب من "خالد" يحتضنه و هو يقول بفرحةٍ:
"أنا بقيت بابا يا خالد"
اقترب "ياسر" منه يربت على كتفه و هو يقول بوجهٍ مُبتسمٍ:
"ألف مبروك يا حبيبي، ربنا يفرحك بيه و يباركلك فيه"
احتضنه "عامر" و رغمًا عنه بكى و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"ربنا يطمن قلبك عليهم إن شاء الله، هيخرجوا ليك بالسلامة، متقلقش"
تشبث به "ياسر" بخوفٍ و هو يقول بصوتٍ خافتٍ و كأنه يحدث نفسه:
"يا رب يا عامر، يا رب"
مرت دقائق قليلة حتى خرجت "سارة" من غرفة العمليات و خلفها الممرضة تحمل الصغير على يدها، فاعطته لـ "عامر" و هي تبتسم و تقول:
"اتفضل يا أستاذ يتربى في عزك، ربنا يكرمكم و يبارك فيه يا رب"
نظر لها "عامر" بتعجبٍ فاقترب "فهمي" منها يعطيها ورقة مالية و هو يأخذ منها الصغير حتى دعت هي الله أن يحفظه و يبارك فيه، اقترب "فهمي" من "عامر" يقول بوجهٍ مُبتسمٍ:
"اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، أمسك ابنك يا عامر، سَمِ الله و شيل ابنك"
مد "عامر" ذراعيه المرتجفين يحمل الصغير على يده و في تلك اللحظة نزلت دموعه و شعر بانتفاضة قلبه و كأن تحرك من موضعه، ابتسم و هو يرى وجه الصغير الذي أشبه بالملاك النائم، كهرباء مست جسده بالكامل، و ضربت أطرافه و هو يحمل قطعةً مصغرة منه على يده و كأنه النور الذي أضاء عتمة ليله، لم يشعر "عامر" بما يحدث حوله، فقط وقف يتابع الصغير الذي استكان بين ذراعيه حتى اقترب منه "ياسين" يربت على كتفه و قال بحكمةٍ و هدوء:
"دلوقتي بس بقى معاك أمانة تانية تحافظ عليها و تصلح رعايتها، افتكر إنك هتقف قدام ربنا و يسألك عليه، طلعه راجل زيك، خليه عامر صغير يفرح الناس كلها"
رفع "عامر" عيناه له و هو يسأله بخوفٍ:
"تفتكر هقدر ؟! هقدر أربيه ؟!"
ابتسم له "ياسين" و قبل أن يتحدث اقترب منه "خالد" يقول بثباتٍ:
"طالما سألت نفسك السؤال دا يبقى هتقدر تربيه، بعدين عيب دا أنتَ عامر حتى، مفيش حاجة بتصعب عليك"
ابتسم له "عامر" فأشار له "ياسين" و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"روح يلا الأوضة بتاعة مراتك و خليك هناك علشان لما تفوق تلاقيكم معاها، روح يلا"
حرك رأسه موافقًا ثم وجه بصره نحو "ياسر" الذي وقف أمام الغرفة بخوفٍ و ظهر عليه الحزن، فقال "عامر" بحزنٍ لأجله:
"خلوا بالكم من ياسر، خليكم معاه، و أنا هخرجله تاني"
تحرك "عامر" بصغيره نحو غرفة زوجته، فتحرك "خالد" و معه "ياسين" نحو "ياسر" الذي ارتمى عليهم يضع رأسه في كتف "خالد" الذي ربت على ظهره و "ياسين" الذي وقف بجواره يربت على كتفيه و هو يقول:
"خير إن شاء الله متخافش، هيخرجوا ليك بالسلامة إن شاء الله، خير"
تنهد "ياسر" بعمقٍ و أغمض عيناه و هو يفكر في حديث الطبيبة عن حالتها و أن ولادتها قد تكون صعبة و تخالطها المشقة، لم يتخيل أن تلد بتلك المفاجأة و بتلك الطريقة.
بعد مرور ساعة تقريبًا خرجت الطبيبة الأخرى من غرفة العمليات و هي تزفر بقوةٍ فسألها "ياسر" بلهفةٍ:
"طمنيني يا دكتورة سما ؟؟ عاملة إيه، كل حاجة تمام ؟!"
ابتسمت له تطمئنه و هي تقول:
"متقلقش يا دكتور ياسر، الحمد لله عدت على خير، جابت ولد و بنت زي القمر"
رفرفرف بأهدابه و هو يقول مستنكرًا:
"إيه ؟! ولد و بنت ؟! مين دي ؟"
ردت عليه هي بثباتٍ:
"مدام إيمان مرات حضرتك، هو حضرتك متعرفش إنها حامل في توأم ؟!"
عقد ما بين حاجبيه و هو يردد:
"توأم ؟! مين دي ؟!"
ابتسمت له ثم قالت:
"شكلك مصدوم يا دكتور ياسر، ألف مبروك و ربنا يبارك لحضرتك فيهم، شكلها كانت عملاها مفاجأة لحضرتك"
تحركت الطبيبة من أمامه و هي تحاول كتم ضحكتها، فيما ضرب هو كفيه ببعضهما حتى اقتربت منه والدته تقول بفرحٍ:
"ألف مبروك يا ياسر، ربنا ببارك فيهم و يجعلهم ذرية صالحة ليك يا رب، توأم دول رزق يا واد"
ابتسم هو رغمًا عنه ثم احتضن والدته و هو براحةٍ تخللت نبرة صوته:
"الحمد لله يا ماما، الحمد لله إن هي و هما بخير، الحمد لله"
اقترب منه "خالد" يحتضنه و هو يقول بفرحةٍ و مرحٍ:
"ألف مبروك يا دكتور يتربوا في عزك يا حبيبي، ربنا يفرحك بيهم"
في تلك اللحظة خرجت الممرضة تحمل الصغيرين على ذراعيها ثم اقتربت منه تقول بودٍ:
"ألف مبروك يا دكتور ياسر، ربنا يحفظهم ليك، الخالق الناطق أنتَ، اتفضل"
حملهما "ياسر" على ذراعيه و هو يبتسم لها و سرعان ما نزلت الدموع على وجنتيه و هو يتذكر ما مر عليه و تسبب في كسر قلبه، لذلك قال بصوتٍ باكٍ:
"وعد مني أني أكون أب ليكم، أب يقف في ضهركم لحد ما الموت ياخدني منكم، وعد إني مخليش الدنيا دي تكسركم و لا تشوفوا اللي أنا شوفته، ربنا يجعل نصيبكم أحسن من نصيب أبوكم في الدنيا دي"
نزلت الدموع من الجميع و خاصةً بعد حديثه الموجع للقلوب المكلومة، فاقترب منه "ياسين" يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"يا بختهم إنك أبوهم، ربنا حبك و عوضك و كرمك بزرق كبير، احمد ربنا على هديته ليك و حافظ عليهم، و شوف هتسميهم إيه، نقي اسامي حلوة ياض"
ابتسم له "ياسر" ثم حرك رأسه ينظر للصغيرين على ذراعيه حتى ارتفعت ضربات قلبه فورًا لذا تنهد بعمقٍ ثم قال بتأثرٍ و صدقٍ نبع من قلبه:
"الحمد لله على ما أُعطيت و الحمد لله على ما منه مُنعت، و سبحانك اللهم ربي فأمري و حالي و حيرتي و تقلبي كله بين يديك، الحمد لله دائمًا و أبدًا على ما منه حُرمت لأكتشف بفضلك و رحمتك على عبدك الضعيف أنني منه رُحِمت".
ابتسموا له جميعًا و تنفس هو بعمقٍ لتخرج في تلك اللحظة "إيمان" على الفراش المتحرك و تمر أمام نظره بكامل ضعفها فازدرد هو لعابه ثم تحرك خلفها مباشرةً و صغيريه على ذراعيه.
في تلك اللحظة ابتسم "وليد" و هو ينظر لـ "خديجة" التي مالت عليه تقول بنبرة صوتٍ هادئة:
"كلها أربع شهور و تجرب الاحساس دا، ربنا يكرمك و يبارك فيهم و في عبلة يا رب"
ربت على كتفها و هو يبتسم بخفةٍ ثم قال:
"ربنا يباركلي فيكم انتم الاتين يا رب، إن شاء الله أشوف ولادك و أشيلهم على أيدي، ربنا يحفظك و يبعد عنك أي أذىٰ"
ألقت رأسها على كتفه تشعر بالتعب و خاصةً أن "ياسين" انشغل في إجراءات المشفى و البقية انشغلوا بـ "سارة" و "إيمان" و لكن هل يعقل أن ينشغل عنها "ياسين" ؟!، اقترب منها "عمار" يقول بأدبه المعتاد:
"اتفضلي يا خديجة، ياسين بعتلك العصير و السندويتش دا و بيقولك خلصيهم، يا وليد يتصرف معاكِ"
اخذتهم من يده و هي تبتسم له ثم قالت له بامتنانٍ:
"شكرًا يا عمار معلش تاعبينك معانا، عقبال ما نتعب يوم شهادتك كدا"
ابتسم لها فتدخل "وليد" يقول بخبثٍ:
"و ليه يوم شهادته ؟! ما أنتِ كدا كدا هتتعبي يوم فرحه، مش أخت العروسة ؟؟"
ابتسمت "خديجة" رغمًا عنها فيما تحدث "عمار" بيأسٍ منه:
"أنا خلاص اتفضحت على إيديكم، شكرًا يا سيدي"
_________________________
في بيت آلـ "الرشيد" كان "أحمد" في غرفته يرتدي ثيابه، و بعد أن انتهى قام بنثر العطر الخاص به ثم تمم على خصلات شعره و هو يبتسم برضا لنفسه بالمرآة، كان يرتدي حِلة سترتها باللون الرمادي و أسفلها القميص باللون الأسود و البنطال أيضًا بنفس اللون، تنهد بعمقٍ و في تلك اللحظة دلفت "خلود" غرفته دون أن تطرق الباب و قبل أن تتحدث بانفعالٍ هدأت ثورتها و هي تقول بسخريةٍ:
"إيه دا ... إيه دا ... إيه دا ؟! رايح فين كدا بحلاوتك دي ؟! لابس بدلة و مظبط الدنيا ؟! عملها مفاجأة لعمك محمد و ناوي تتجوز سلمى النهاردة ؟!"
حرك رأسه ينظر لها بتهكمٍ و هو يقول بضجرٍ:
"و هو أنا لو هتجوز النهاردة هيبقى دا وضعكم ؟؟ اتطمني ياختي، خارج أنا و سلمى خروجة كلاسيك، ربنا يوعدك بيها إن شاء الله"
اقتربت منه تمسك كتفه و هي تقول بضجرٍ:
"نعم !! مخرج مين أنتَ ؟! طب و أنا هفضل هنا كدا ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف ببرود:
"آه، هتفضلي هنا عارفة ليه ؟؟ علشان تذاكري يا خوخة و لا ناسية إنك خلاص بدأتي دروس"
ضمت ذراعيها أمام صدرها و هي تقول بتهكمٍ:
"هو كل واحد فيكم يحبلي واحدة من بنات عم محمد حاله يتقلب كدا ؟! أومال لو مش أبوها خانقكم و قارفكم و مطهقكم و مزهقـ....."
قطع حديثها حينما رفع صوته في وجهها يقول:
"خـــلاص !! خـــلاص اسكتي بقى، روحي ذاكري يلا"
تمسكت بذراعه و هي تقول بلهفةٍ:
"طب خدني معاك علشان خاطري، أنا بقيت لوحدي مش معايا حد هنا، علشان خاطري مش هعمل صوت و الله، هسكت خالص، بالله عليك يا أحمد"
نظر لكفها المتشبث بذراعه ثم رفع رأسه ينظر لها فوجدها تطالعه بتوسلٍ و قبل أن ينطق هو تحدثت بلهفةٍ و صوتٍ أقرب للبكاء:
"علشان خاطري و الله العظيم الدراسة جاية على وشي و بابا بيديني التابلت يوم الخميس بس، خدني معاك و مش هضايقكم"
زفر بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:
"مصيبتي أني مبعرفش أرفضلك طلب يا خلود، يلا البسي و أنا هقول لسلمى و أعرفها إنك جاية"
_"نــعم !! هي هترفض ولا إيه بنت محمد ؟! متخلنيش اتجنن عليها، و أوريها شغل العمات"
رفع "أحمد" حاجبه بعدما رفعت صوتها بـ حديثها ذاك حتى تنحنحت هي و قالت برقةٍ زائفةٍ:
"آه...دا حقك طبعًا ربنا يخليكم لبعض، استأذنها و أنا هروح البس بقى، ربنا يسعدكم يا رب"
تحركت من أمامه حينما وجدته كما هو يحدجها بشررٍ فالتفتت تغادر من الغرفة ركضًا بخوفٍ منه، في تلك اللحظة ضحك رغمًا عنه ثم حرك رأسه نفيًا بيأسٍ منها.
في الأسفل تجهزت "سلمى" و ارتدت فستانًا باللون الأسود و حجاب باللون الرمادي و حذاء بنفس اللون، وقفت تتابع نفسها في المرآة بملامحها الهادئة الخالية من مساحيق التجميل و حينها تنفست بعمقٍ ثم خرجت من الغرفة حتى قابلتها "عبلة" في الرواق تحمل ثمرة الموز في يدها و في يدها الأخرى واحدة تأكل منها، ابتسمت لها "سلمى" و هي تقول بمرحٍ:
"ازيك يا بطيخة ؟! عاملة إيه"
ردت عليها "عبلة" بضجرٍ:
"ليدو بس اللي يقولي يا بطيخة، غير كدا مش مسموح، اتطمني حلوة ياختي، رايحة فين كدا ؟"
ردت عليها بهدوء:
"أحمد هيخرجني و عازمني على العشا، و خلود هتيجي معانا"
ابتسمت لها "عبلة" بقلة حيلة و هي بغلبٍ:
"عمتك خلود ؟! خروجة سعيدة إن شاء الله يا حبيبتي"
ابتسمت لها "سلمى" و قبل أن تتحدث طرق الباب بواسطة "أحمد" و قد ركضت إليه تفتح الباب بسرعةٍ كبرى و هي تبتسم له حتى وجدت "خلود" أمامها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"قبل ما تتفاجئي أحمد تحت مستني يلا انزليله"
عقدت "سلمى" ما بين حاجبيها و هي تسألها بتعجبٍ من حديثها:
"و أنتِ مش هتيجي معانا ؟! و بعدين ملبستيش ليه ؟!"
ردت عليها "خلود" مفسرةً:
"لأ مش هاجي، روحوا انتم اتبسطوا و أنا هقعد مع عبلة لحد ما ماما و عمتو و مراتات عمامك يرجعوا"
قبل أن تتحدث"سلمى" زفرت "خلود" بقوةٍ ثم دفعتها من وجهها بنفاذ صبرٍ حتى نزلت "سلمى" من الشقة و دلفت "خلود" مكانها تقول بصوتٍ عالٍ:
"يا سوبيا !! عبلة أنتِ فين ؟!"
عقدت "عبلة" ما بين حاجبيها بحيرةٍ حتى دلفت لها "خلود" الغرفة و هي تبتسم باتساعٍ فسألتها "عبلة" بتعجبٍ:
"مروحتيش معاهم ليه ؟! مش كنتي ناوية تخرجي أنتِ كمان ؟"
تنهدت بعمقٍ ثم دفعت نفسها على الفراش و هي تقول بهدوء يتنافى مع طبيعتها:
"بصراحة لما فكرت لقيتها عيب يعني، هما اتنين مخطوبين و حقهم يكونوا سوا مع بعض، بلاش أكون عازل وسطهم، قولت اقعد معاكي هنا لحد ما هما يرجعوا من المشوار بتاع سارة و إيمان دا"
وكزتها "عبلة" في كتفها و هي تقول بخبثٍ:
" دا إيه العقل دا كله ؟! من إمتى ؟! طب و أنتِ مروحتيش ليه ؟! مش واجب برضه تطمني على سلفتك ؟! مش أنتِ مرات عم المولود دا"
رمقتها "خلود" بغيظٍ فقالت "عبلة" بسرعةٍ كبرى:
"خلاص هتاكليني !! قومي بقى هاتلينا أي حاجة نتفرج عليها و قومي هاتي لب و فاكهة من برة"
صفقت "خلود" كفيها مع بعضهما ثم قفزت من على الفراش فضحكت "عبلة" رغمًا عنها و هي تقول بقلة حيلة:
"طب ماهي طلع جواها طيب أهو، أومال مالها ؟!"
_________________________
في شقة "حسن" جلست "هدير" تنتظره بمفرده و هي تشعر بالملل خاصةً أنه تأخر عليها على عكس المعتاد، و حينما زاد الملل أكثر قامت بفتح التلفاز على أحد الأفلام الكرتونية تشاهده حتى يحين موعد عودته لها.
مر بعض الوقت حتى شعرت بحركته خارج الغرفة و قبل أن تتحرك هي دلف هو لها مبتسمًا و ما إن رأى عبوس وجهها تحدث بآسفٍ:
"أنا آسف و الله على التأخير بس ولاد عمك مشيوا واحد ورا التاني و أنا كملت مكانهم، حقك عليا"
ابتسمت له و هي تقول بقلة حيلة:
"هعمل إيه يعني ؟! خلاص مسمحاك يا سيدي، بس هما راحوا فين ؟!"
جلس بجوارها على الأريكة و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عقبالك كدا إن شاء الله مرات عامر و مرات ياسر ولدوا، ربنا يقومك ليا بالسلامة إن شاء الله"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"ما أنا كل شوية أكلم ريهام و هي تطمني عليهم، و عرفت كمان إن خديجة حامل، فرحتلها أوي الحمد لله، ربنا عوض صبرها السنة و كام شهر دول خير، ربنا يقومها بالسلامة يا رب"
ابتسم هو لها ثم حرك رأسه موافقًا فسألته هي بلهفةٍ:
"طب أقوم ألبس علشان نروح نشوفهم ؟؟! هما هيخرجوا بكرة و أنا عاوزة أشوفهم علشان خاطري"
زفر بقوةٍ ثم قال بتعبٍ بلغ أشده:
"تعبان و الله العظيم يا هدير، حاسس إن جسمي مكسر، خليها لما يروحوا بيوتهم و خلاص"
تهجم وجهها و حل العبوس محل الراحة عليه و قالت بحنقٍ:
"يا حسن !! أنتَ من ساعة ما عرفت أني حامل و أنتَ حابسني هنا، مش عاوز حتى تخليني أخرج لوحدي، متجبهاش في تعبك علشان حتى لو أنتَ تعبان برضه مش هتتأخر عليا"
زفر بقوةٍ ثم قال بثباتٍ:
"آه يا هدير خايف عليكِ، الدكتورة قالت إن مناعتك ضعيفة و إن أي تعب أو أي حاجة ابعدي عنها، أنا مش هستنى لما أخسرك، و بعدين أنتِ عارفة إن تعبك بيتعبني"
اقتربت منه تمسك كفيه و هي تقول بحماسٍ تحاول اقناعه:
"بالعكس لما أخرج و انزل كدا نفسيتي هتتحسن، علشان خاطري يا حسن بقى، يلا و مشيني بعدها و شربني عصير كوكتيل نفسي فيه"
طالعها بغير تصديق فوجدها تتوسله بنظراتها، حينها اقترب منها يقبل رأسها ثم قال:
"ماشي يا هدير، قومي البسي خلينا نروح نشوفهم"
أقتربت منه هي تقول بحماسٍ:
"أنا بحبك و الله يا أبو علي، أقولك على حاجة ؟!"
حرك رأسه موافقًا منتظرًا تكملتها حتى قالت هي بنبرةٍ ضاحكة:
"احضني يا حسن"
احتضنها و هو يضحك بيأسٍ حتى ألقت رأسها على كتفه و هي تتتفس بعمقٍ و راحةٍ تلقاها بجواره هو فقط.
_________________________
في المشفى و بعد مرور ساعتين و بعد وصول "حسن" و "هدير" فاقت كلتاهما من أثر المخدر و تم وضعهما في غرفةٍ واحدة و الأشخاص يتوافدون على الغرفة لتهنئتهم جميعًا و منهم أفراد عائلة الرشيد.
تحدث "رياض" أمامهم جميعًا:
"العيال دول اسمهم إيه ؟! بقالهم كام ساعة من غير اسم، فيه حد يخلف من غير ما يكون مسمي عياله ؟!"
رد عليه "ياسر" بتهكمٍ:
"يا مؤمن دا أنا لسه عارف النهاردة انهم توأم و لا كأني أبوهم، بتخبي عليا يا إيمان ؟! لسه هحسدهم ؟!"
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"كنت عملهالك مفاجأة يا ياسوري، الله ؟! دا جزائي يعني"
رمقها بغيظٍ حتى قالت هي بنفس الطريقة:
"بص عليهم كدا لما فتحوا عيونهم، شكلهم حلو أوي بعيونهم الزرقا دي، لو حطيتهم في متحف بقى محدش يزعل"
ضحكوا عليها جميعًا فقال "مرتضى" بضجرٍ منهم:
"ما تخلصونا العيال دي اسمها إيه ؟! هنفضل كتير كدا ؟!"
تحدث حينها "عامر" بلهفةٍ:
"أنا ابني اسمه عمر، عمر عامر فهمي"
ابتسمت له "سارة" و هو أيضًا، فقال "رياض" بخبثٍ:
"عمر ؟! بدل ما تسميه فهمي على اسم أبوك ؟! اخس على دي رباية"
رفع "عامر" طرف أنفه بتشنجٍ فقال "فهمي" بضيقٍ منه:
"يا رياض أنتَ كمان، فيه طفل يبقى اسمه فهمي ؟! إيه الحِزن دا"
ضحكوا جميعًا عليه فقال "رياض" مستسلمًا:
"خلاص حلو عمر، مبروك عليك يا أبو عمر، عمر عامر فهمي، ها ياسر هتسميهم إيه ؟!"
وجه "رياض" حديثه لـ "ياسر" الذي نظر في وجه طفليه ثم تنهد و قال بنبرةٍ مرحة:
"أدي الزين و أدي الزينة، هسميهم زين و زينة"
ردت عليه "إيمان" بمرحٍ:
"حلوين اوي و الله العظيم سكر، اسم على مسمى ولاد الإيه"
تدخل "عامر" يقول بنبرة ثابتة و طريقةٌ جادة تتنافى مع هزل كلماته:
"طب بما أني حماها إن شاء الله، ممنوع حد يقولها أي اسم غير زينة، لحد ما عموري الصغير قلب عامر يكبر و يدلعها هو"
حاول الموجودين كتم ضحكاتهم فيما تحدث "ياسر" بحنقٍ منه:
"عموري مين و حما مين يا جدع أنتَ ؟! دا بعينك يا عامر"
رفع "عامر" حاجبه و هو يقول بتهكمٍ:
"طب متكترش يا ياسر علشان مخلاكش تروح من غيرها، عُمر لزينة و زينة لعمر، بَطل أنانية بقى مستخسر في أخوك جوز عيون زُرق من اللي معاك ؟! اخس على الطفاسة"
ضرب "ياسر" كفيه ببعضهما فتحدث "عامر" من جديد:
"كتر و استخسر فيا كمان و بعدين يا أخويا إيه البجاحة دي ؟! بنتك اللي لما لقت الواد نازل يشم نفسه، جت تكتم على نفسه، تسميه إيه دا إن شاء الله ؟!"
وضع "ياسر" كفيه في خصره منتظرًا تكملة الأخر فقال "عامر" بمعاندةٍ له:
"اسمه غِيرة، بنتك غيرانة على ابني و أول ما الواد نور الدنيا، جت بنتك كتمت على مراوحه و ساحبة معاها أخوها، بطلوا بجاحة بقى"
انفعل "ياسر" في وجهه و هو يقول بضجرٍ منه:
"بطل أنتَ بقى قلة أدب و سفالة، و لا ليه هستنى منك إيه ؟!"
تحدث "عامر" بزهوٍ و فخرٍ بنفسه:
"معاك عامر فهمي عديم الأدب العربي، حاجة مش جديدة عليا"
قبل أن ينطق "ياسر" تحدث "ياسين" بضجرٍ منهما:
"ما خلاص بقى يا زفت أنتَ و هو ؟! شايفينا واقفين نحجز الكوشة ؟! دول لسه مكملوش كام ساعة"
هدأت ملامح كلًا منهما، فتحدث "خالد" متشفيًا بهما:
"اللهم لا شماتة، لو عمر دا كان جه بنت كان زماني دلوقتي بدفع المهر، الحمد لله يا رب"
ضحكوا عليه جميعًا فقال "عامر" معاندًا له:
"طب صبرك عليا أجيب بنتين واحدة تاخد يونس و التانية تاخد زين، إيه رأيك بقى ؟!"
تحدثت "ريهام" بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ يونس عروسته جاية في السكة إن شاء الله، خديجة كلها كام شهر و تجيب نونو هي كمان"
اصطبغ وجه "خديجة" باللون الأحمر و هي ترى الأنظار موجهة نحوها، فاقترب منها "طـه" يقول بلهفةٍ و صوتٍ باكٍ:
"بجد دا ؟! أنتِ حامل ؟!"
حركت رأسها موافقةً بخجلٍ و حينها سحبها هو بين ذراعيه و هو يبكي بشدة و يرتجف من كثرة البكاء حتى بكت معه هي الأخرى و هي تتشبث به و تقول من بين دموعها بصوتٍ متقطعٍ:
"بتعيط ليه طيب ؟! أنا و الله مش بحبك تعيط، بزعل لما تعيط"
ابتعد عنها يمسح دموعه ثم أمسك وجهها بين كفيه و هو يقول بحبٍ بالغٍ و عاطفةٍ أبوية:
"و أنا بحبك و الله، غصب عني بحبك و نفسي أشوفك علطول فرحانة يا خديجة، ابتسمت له فوجدته يحتضنها من جديد يغلق عليها بين ذراعيه و هو يبكي بحرقةٍ.
نظر "رياض" لـ "ياسين" بتفهمٍ و كلٍ منهما يفهم نظرات الآخر حتى طمئنه "ياسين" بنظراته أن علاقتهما اصبحت على ما يرام.
في تلك اللحظة تحدث "مرتضى" بنبرةٍ ضاحكة:
"إن شاء الله أنا و رياض هنفتتح حضانة اسمها حضانة الرشيد، قولنا نستثمر العدد دا و احنا أولى الغريب، ها رأيكم إيه ؟!"
ردت عليه "مشيرة" بسخريةٍ:
"طب و هو أنتَ هتعلمهم إيه إن شاء الله ؟!"
_"الفرفشة، علشان العيال تبقى مرحرحة و روحهم حلوة، و لا عاوزاهم يبقوا نكديين و عالم مقفلة ؟!"
رد عليها "مرتضى" بذلك الحديث وهو ينظر لأخيه "محمد" بحنقٍ، فتحدث "محمد" يسأله بنبرةٍ جامدة:
"قصدك إيه يا مرتضى ؟! تقصد مين بالكلام دا إن شاء الله ؟!"
رد عليه "مرتضى" بتبجحٍ:
"قصدي عليك أنتَ يا أخويا، هيكون قصدي على مين ؟! و بعدين اشمعنا أنتَ اللي سألت، ما الأوضة كلها ناس مقفلة، مش يكمن بلقح على وئام ابني أو طارق إبنك ؟!"
نظر كلًا منهما للأخر و هو يحاول كتم ضحكته، فقال "طارق" بنبرةٍ ضاحكة:
"مقبولة منك يا عمي، متشكر"
_"من العفو يا أخويا"
رد عليه "مرتضى" بذلك و استمرت الجلسة على هذا الحال بالسخرية و الضحكات حتى مال "حسن" على اذن "عامر" يقول هامسًا:
"مش كنت فصلت الأوضتين عن بعض بدل الفضايح دي ؟! عجبك كدا ؟!"
غمز له "عامر" و هو يقول بثباتٍ:
"اتقل دا أنا دلوقتي هقرا فاتحة ابني على الزينة بنت ياسر"
_________________________
أمام نهر النيل جلس "أحمد" بجوار "سلمى" و نسمات الهواء الباردة تعبر عبر انفهما برحيقٍ أزهر نفوسهما، حتى سألها "أحمد" بهدوء:
"إيه رأيك في الخروجة ؟!"
ابتسمت و هي تقول براحةٍ:
"حلوة أوي، اليوم رايق و جميل، كان نفسي اروح المستشفى بس الحمد لله أني وافقت أجي معاك هنا"
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"طب أنا راضي ذمتك، حد يسيب الخروجة دي و يروح المستشفى ؟! دا يبقى اسمه فقر يا سلمى"
ابتسمت هي بخجلٍ من تفكيرها، حتى سألها هو بثباتٍ:
"كلميني عن نفسك كدا يا سلمى، نفسك في إيه ؟! بتحلمي بإيه ؟؟ قوليلي يمكن أساعدك"
تنفست بعمقٍ ثم تحدثت بحالميةٍ:
"نفسي أدرس الصيدلة و أحقق في المجال دا انجازات كتير، و في نفس الوقت عاوزة أكون زوجة شاطرة يعني عاوزة بيتي يكون دافي و حنين و روحه حلوة، عاوزة أكون شاطرة في كل حاجة اتحط فيها، أنا هادية و طلباتي هادية أوي، أنا عاوزة أيامي تعدي من غير مشاكل، أنا عاوزة أيام عادية يا أحمد، مش عاوزاها حلوة حتى، أنا اتعودت إن اليوم اللي يعدي بالستر من غير مشاكل هو دا أفضل النعم"
ابتسم لها بهدوء و هو يقلب حديثها في رأسه حتى تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت له بنبرةٍ لم تكن عادية لربما خالطها التوسل و هي تقول:
"أنا عاوزة أطلب منك طلب و اعتبره أهم طلب أنا بطلبه منك، أنا حياتي حلوة و مبسوطة فيها و راضية عنها، بس قلبي غالي عليا أوي، و عزة نفسي عندي بالدنيا دي كلها، أبوس إيدك متكسرنيش في كرامتي و تذل عزة نفسي، أنا سلمتك قلبي بكل رضا و اتعشمت فيك من الدنيا خير، عاوزة لأخر لحظة أنا معاك فيها، مندمش لحظة أني أمنتلك، هتقدر ؟؟"
تفاجأ هو من حديثها و ظهر ذلك بوضوح على ملامح وجهه فقالت هي متابعةٍ:
"صدقني أنا بديك أغلى حاجة أملكها و هو قلب بريء ميعرفش غيرك و مشافش غيرك أنتَ، حافظ عليه يا أحمد و أعتبرني بديك هدية، موافق ؟!"
سألته بحذرٍ حتى وجدته يقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال بثباتٍ و هدوءٍ:
"وعد مني لحد أخر نفس فيا، لحد ما الموت ييجي و ياخدني من الدنيا أكون ليكِ الراجل اللي بتتمنيه، اطمني أنا مش شايف غيرك أنتِ، و رغم إنك مش الوحيدة اللي ربنا خلقها في الدنيا دي، بس أنتِ الوحيدة اللي حبها اتخلق في قلبي."
ابتسمت رغمًا عنها له و العبرات تلمع في عينيها تأثرًا بصدق حديثه و نبرته حتى ابتسم هو الآخر لها و كلًا منهما يوعد الأخر بنظراته.
_________________________
رحلوا من المشفى جميعًا الأزواج و النساء والدات الفتيات، و قد وصل "ياسين" شقته مع زوجته و هو يبتسم بفرحةٍ تنبثق من نظراته، و هي أيضًا لم تختلف عنه كثيرًا بل كانت فرحتها تماثل فرحته و أكثر.
جلسا سويًا في غرفتهما و هي بجواره على الفراش بين ذراعيه تسأله بنبرةٍ ضاحكة:
"شوفت عمو رياض و هو بيغيظ بابا ؟! من دلوقتي بيحصل كدا أومال لما أولد هيعملوا إيه ؟؟"
مسد على خصلات شعرها بهدوء و هو يقول بحنقٍ:
"دماغي هتورم من أولها، مش دي المشكلة، المشكلة إن أبويا وسط العيال دي كلها ممكن يطرد أمي و يتبنى العيال كلها، ساعتها دا ورم الدماغ اللي بجد"
ضحكت هي بيأسٍ ثم تنفست بعمقٍ و هي تسأله مقررةً أكثر من كونها مستفسرةً:
"مبسوط صح ؟! أنا حاسة بكدا"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بعدما تتفس بعمقٍ:
"فرحان علشان واثق إنك ارتاحتي يا خديجة، أنتِ حتى لما الدكتورة طمنتنا أنتِ كنتي قلقانة، بدليل إنك طلبتي نكشف تاني، بس أنا قولتلك إنها رزق تيجي زي ما تيجي، حتى لو مكانش حصل أنا ماكنتش هتأثر، بالعكس أنا برضه فرحان إنك معايا"
تنفست بعمقٍ ثم قالت:
"الحمد لله بقى ربنا كاتبلي أني أكون أم و أنتَ تكون باباهم، واثقة إنك هتكون أب مهلبية"
ضحك رغمًا عنه بيأسٍ منها حتى سألته هي بتعجبٍ:
"صحيح هي طنط كانت بتسألك على فكرتي ليه ؟؟ أوعى تكون مش عجباها ؟!"
حرك رأسه نفيًا ثم قال مفسرًا:
"بالعكس، ماما قالتلي انها هتاخد ميعاد من الاخصائيين النفسيين في المدرسة عندها و تخليكي تقعدي معاهم في مرة علشان تفهميهم أنتِ عاوزة تعملي إيه، و قالتلي إن الفكرة عجباها أوي"
اندفعت من جواره تعتدل في جلستها حتى اصبحت مقابلةً له:
"بجد ؟! يعني طنط زهرة عجبها كلامي و فكرتي ؟؟! نفسي تطبق أوي و الناس كلها تنفذها، نفسي يلحقوا الأطفال قبل ما يكبروا"
سألها بإيجاز:
"ليه يا خديجة ؟!"
فهمت هي مقصد سؤاله فتنفست بعمقٍ و قالت بثباتٍ:
"اتطمن أنا نسيت كل حاجة و اتعافيت كمان منها، طبعًا دا بوجودك أنتَ، بس فكر كدا معايا و احسبها زيي، لو بصينا للموضوع هتلاقي فيه مليون خديجة زيي، و قصاد المليون دول ١٠٠ ياسين بس، لو اللي زي خديجة دول متعافوش من صغرهم لو كبروا بالوضع دا حياتهم هتضيع، هيخاف من العلام و يضيع كلية أحلامه زيي، و هيخاف من العلاقات و يعيش مسجون في وحدة متليقش بيه، عاوزة الناس تاخد بالها من الطفل الباهت اللي مبيتكلمش و مش ظاهر وسط الناس، عاوزاهم يعرفوا إنه لو خد فرصته هيكون زي باقي الأطفال، عاوزة المدرسين يحسبوها صح، و بدل ما يركز مع الطالب الشاطر اللي دمه خفيف بس، يشوف اللي ساكت علطول و مش قادر يحاول حتى مع نفسه، الأطفال هنا عندهم قدرات عجيبة، بس محدش عارف يستغلها علشان للأسف احنا بناخد بالمظاهر، بس أنا مش هيأس و الله هحاول تاني و تالت لحد ما كل الأطفال تاخد حقها أنها تكون زي غيرها"
ابتسم هو لها بفخرٍ ثم قربها منه يحتضنها و هو يقول بهدوء:
"و أنا معاكِ و في ضهرك و بشجعك لحد ما توصلي للي نفسك فيه، معاكِ لحد ما توصلي للي بتتمنيه، و واثق إنك هتكوني أحن و أطيب أم في الدنيا كلها، هتبقي كتكوتة بصحيح"
ابتسمت و هي تتخيل نفسها في ذلك الوضع فيما شدد هو عناقه لها ثم تنهد براحةٍ بعدما من الله عليهما بتلك النعمة، و خصوصًا هو بعدما تأكد من أنها هي من ستصبح أمًا لأولاده و عندما أخذه عقله لِـ تلك الفكرة شعر براحةٍ تكفيه الدنيا بأكملها.
_________________________
بعد مرور ثلاثة أيامٍ و تحديدًا يوم الخميس بعدما خرجت الفتيات من المشفىٰ، قرر الشباب الذهاب لإحدى القرىٰ الريفية حتى يجلبون منها الأضاحي للمولودين، و حينها ذهب "ياسين" و معه الشباب جميعهم، بعدما دلهم "رياض" على عنوان الرجل في إحدى المحافظات.
في السيارة الكبيرة الخاصة بعائلة "الرشيد" جلس بها الشباب جميعًا و خلفهم سيارة نقل كبيرة الحجم حتى يتم بها نقل الأضاحي للقاهرة، و في سيارة الشباب تحدث "خالد" أمرًا أخوته بقوله:
"عارفين لو حد فيكم نطق أنا هعمل إيه ؟؟! عامر !! لو فتحت بوقك بحرف واحد أنا هيتم ابنك و أخلي ياسين يضحي بيك"
ضحك عليه الشباب فيما رفع "عامر" صوته يقول بضجرٍ:
"إيـــه يــا عــم !! هو ابنك و لا ابني ؟! إيه القرف دا ؟! طب هتكلم بقى"
حدجه "خالد" بشررٍ يتطاير من نظراته فقال "ياسر" بثباتٍ:
"أنا عليا الفلوس بس و خلاص على كدا، أي حاجة تاني معرفهاش، غير أني اقطع اللحمة"
تحدث "حسن" بنبرةٍ ضاحكة:
"سامع يا عامر ؟! سامع كلام الناس المؤدبة ؟!"
رد عليه بحنقٍ:
"يا عم أنا مش متربي، ما تتكلم يا عم وليد، خلاص اتربيت ؟!"
رد عليه "وليد" بنبرةٍ ضاحكة:
"ياض افهم أنا ساكت علشان لو أنا كمان اتكلمت هيزعلونا كلنا، متخافش أنا بعمل تمويه و بأمنك"
تحدث "وئام" مستفسرًا:
"هو الراجل دا تبع مين يا ياسين ؟! تعرفوه ؟!"
رد عليه "ياسين" موضحًا:
"آه يا وئام دا تبع أبويا، صاحبه من زمان و قالي اعرفه أني ابنه علشان يكرمنا و مناخدش حاجة عجوزة، متقلقش أنا مظبط الدنيا"
تحدث "خالد" مؤكدًا:
"مش هقول تاني، مش عاوز نفس منكم، أمين ؟! أمين يا عامر؟!"
رد عليه "عامر" بنفاذ صبرٍ:
"يا عم خلاص ورمت دماغ أمي، أمين خلاص، متقرفناش بقى"
زفر "خالد" بيأسٍ و هو يرمقه بشكٍ.
توقفت السيارات أمام المنزل الذي قصده "ياسين" حينما قاد السيارة و أخبر الشباب أنهم أخيرًا وصلوا للمزرعة المقصودة، نزل الشباب خلف بعضهم تِباعًا و سيارة النقل في الخلف بالسائق.
خرج لهم الرجل و هو يقول مُرحبًا بهم:
"يادي النور يادي النور، يا ألف أهلًا و سهلًا، اؤمرني خير"
اقترب منه "ياسين" يسلم عليه بهدوء و هو يبتسم له و قال معرفًا نفسه:
"مع حضرتك ياسين رياض الشيخ، ابن المحامي رياض الشيخ"
رفع الرجل صوته مرحبًا بهم:
"الله أكبر، تبع الأستاذ رياض !! حبيبنا الغالي، دي البهايم بترقص من فرحتها بيكم، أنا نفسي عاوز ارقص من فرحتي"
حاول "عامر" كتم ضحكته لكنه فشل في ذلك فالتفت يوليهم ظهره حتى سأله "وليد" بنبرة هامسة:
"بتضحك على إيه يا حيوان ؟!"
_"مش قادر امنع نفسي أني اتخيل الراجل دا و البهايم بيرقصوا ترحيبًا بينا"
رد عليه "عامر" بذلك حتى كاد يضحك "وليد" هو الأخر حينما تخيل المنظر لكنه تحلى بالثبات ثم اعتدل هو و "عامر" فتحدث الرجل بعد التعارف عليهم:
"طب اؤمروني يا بهوات عاوزين إيه ؟! خير رقابتي سدادة ليكم"
قبل أن ينطق أيًا منهم تدخل "عامر" يقول بمرحٍ و حماسٍ نبع عن تلقائيته:
"عقبال ولادك و حبايبك إن شاء الله عندنا عقيقتين بتوع ابني و ولاد أخويا و عاوزين عِجلين حلوين زيك كدا علشان الأضحية."
تلاشت البسمة من على وجوه الجميع و اتسعت الأعين بغير تصديق و خيم الصمت و في تلك اللحظة هل الركض يفيد بشيءٍ ؟! أم أنهم سيلاحقون مصيرًا مجهولًا لم يعلمه أيًا منهم ؟!