رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثمانون 80 بقلم شمس بكري


رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثمانون بقلم شمس بكري 

"

‏"سُبْحَانَكَ ‏مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ

‏وَلكِنَّنا نُحَاِولُ ‏فَأَعِنَّا"...

_________________________


أتىٰ شَهرٌ مباركٌ يزيل عن قلوبنا الهموم و يطهر الأجساد ما بها من سموم، فأصبحنا نتغنى ببهجته و قارنت الفرحة ليالنا، فخير أنسٍ نجده في تلك الأيام و ابتهجت أراضينا، فياليت كل الدهر أيام رمضان، يا ليته يبقى و يبقى معه الأمان، اللهم اكتب لنا برحمتك و فضلك روضة الجِنان.


_"يــا عــيـال !! هنعلق زينة رمضان تعالوا، كل سنة و انتم طيبين"


تفوه بها "عامر" بصوتٍ عالٍ و هو على أعتاب البيت مما جعل الأولاد يركضون نحوه بسرعةٍ كبرى تزامنًا مع صوت تهليلهم و صرخاتهم بفرحةٍ، جعلت الشباب ينظرون لبعضهم بتعجبٍ و "حسن" الذي انفجر ضاحكًا.


اجتمع الأطفال يلتفون حول "عامر" الذي اتجه نحو جهاز الموسيقى يرفع صوت الأغاني و هو يقول بمرحٍ:


"هاتوا الفوانيس يا ولاد.....هاتوا الفوانيس.....هنزف عريس يا ولاد.....هنزف عريس"


تحدث "خالد" حينها بخبثٍ:

"ماشي....لما أزفك أنا متبقاش تزعل، أظن كدا عرفنا من العريس اللي هيتزف"


تدخل "ياسين" يقول بنفس نبرة خبث الأخر و كأنهما نفس الشخص:

"يمين بالله لأعملك زفة فوق السفرة تخلي السفرة ترقص بيك، صبرك عليا"


تجاهل "عامر" حديثهما ثم اقترب يقف بجوار الأولاد و هو يقول بمرحٍ:


"يلا ياض أنتَ و هو افرحوا و اتبسطوا، كل سنة و أنتم طيبين"


ركض الأولاد في الشارع يصرخون و خلفهم "عامر".


وقف وسطهم في الشارع و هو يضحك بملء شدقيه حتى اقترب منه "ياسر" يقول بقلة حيلة:

"مفيش زينة و ليلة السحور بكرة، هنعمل إيه يابن المحروسة؟!"


حرك "عامر" كتفيه بقلة حيلة و كأنه يعبر عن جهله بالأمر و في تلك اللحظة اقترب منهما "عمار" و هو يبتسم بخفةٍ فقال "عامر" مُسرعًا:

"عمار !! هات مفتاح المكنة بسرعة، هاته يا عمو بسرعة"


أخرجه له شقيقه بتعجبٍ، حينها خطفه "عامر" من يده بسرعةٍ كبرى ثم ركض نحو بيت والده، مما جعل "عمار" ينظر في أثره بغرابةٍ فتحدث "ياسر" ساخرًا:


"أخوك معمول على شرفه حفلة النهاردة على سُفرة ميمي، أوعى تفوتك دا ياسين بنفسه مشارك"


ابتسم "عمار" بسخريةٍ فيما زاد عدد الأولاد و الصبية حولهما و أمام البيت حتى يشاهدون تزيين الشارع و البيت، و "خالد" و البقية في مدخل البيت يقومون بربط أسلاك الكهرباء في المصابيح الكهربية.

_________________________


دلفت "خلود" و هي تبتسم بخبثٍ لـ عمها "مرتضى" جلست بجواره ثم قالت بسرعةٍ كبرى:


"عاوزاك معايا في موضوع محدش هيعمله غيرك، ركز معايا يا حج مرتضى كدا"


عقد ما بين حاجبيه فتحدثت هي بسرعةٍ تقص عليه ما تريد و ما خططت له و هو يستمع لها بانصاتٍ و لم ينكر اعجابه بفكرتها و حديثها حتى انهت حديثها فأضاف هو بمرحٍ:


"يا سوسة ؟؟! هو بعينه و الله نفس التفكير و نفس استغلال الناس، انقلب السحر على الساحر !!"


ردت عليه هي ببراءةٍ زائفة:

"خالص و الله يا عمو، دا أنا غرضي شريف و الله، تعالى بس معايا بكرة ليلة السحور، يلا !!"


وقف معها حتى يخرجا سويًا من الشقة فأوقفتهما "مروة" بقولها الخائف:

"خير يا رب !! على فين العزم يا أستاذ مرتضى أنتَ و الهانم ؟!"


رد عليها بخبثٍ:

"البت غرضها شريف يا مروة، رايحين نقلب السحر على الساحر"


عقدت ما بين حاجبيها بتعجبٍ منهما و بعد خروجهما سويًا حدثت نفسها بتهكمٍ تقول:

"اقطع دراعي إن ما كان وراكم مصيبة انتو الجوز !! استرها يا رب"


نزلا سويًا لوجهتهما الثانية فطرقت هي الباب بهدوء حتى فتحت لهما "مشيرة" و حينما ابصرتهما سويًا تحدثت بقلقٍ زائفٍ:

"خير إن شاء الله ؟! إيه اللي لم الشامي على المغربي ؟!"


تحدث "مرتضى" بوقاحةٍ:

"وسعي يا بت خلينا ندخل، إيه قلة الذوق دي ؟!"


افسحت لهما الطريق فدلفا سويًا و جلسا بجوار بعضهما حتى جلست "مشيرة" مقابلةً لهما و أتى"حسان" من الداخل مرحبًا بهما، فتحدثت زوجته تسأل بلهفةٍ:

"ها !! عاوزين ايه، أنا أعصابي بايظة و مش مستحملة، خير"


ردت عليها "خلود" بهدوء عكس طبيعة شخصيتها:

"لا خالص كل خير متخافيش، بس بالأمانة يا عمتو مش نفسك بنتك تكون معاكي في رمضان و خصوصًا إن دا أول رمضان ليكي معاها ؟! مش نفسك كدا تكون وسطنا و تحس بالجو العائلي ؟!"


تنهدت "مشيرة بقلة حيلة ثم ردت بقولها المغلوب:

"نفسي....بس هعمل ايه بقى ؟! اتجوزت و بقت في بيتها خلاص مع طارق، هي معانا برضه و مش بعيد عننا"


اقتربت من عمتها تجلس بجوارها و هي تقول بلهفةٍ:

"لأ ازاي ؟! اسمعي مني بس، ركزي معايا و أنا هخلي بنتك معانا هنا، وافقي بس و عمو حسان كمان يوافق"


رد عليها "حسن" بقلة حيلة:

"ناوية على إيه يا خلود ؟!"


ابتسمت له بحماسٍ و عينيها تلمع بخبثٍ ثم قالت:

"هقولك أنا ناوية على إيه، ركزوا معايا و اسمعوني كويس"


كان "محمود" جالسًا في شقته يقرأ في المصحف الشريف حتى وصله صوت طرقاتٍ على باب البيت حينها أغلق المصحف ثم اقترب من الباب يفتحه و حينها شهق بقوةٍ ثم قال بخوفٍ:


"مرتضى و خلود و مشيرة مع بعض ؟؟ فين وليد علشان تبقى كملت بقى ؟!"


نظروا له بملامح وجهٍ ضاحكة فاقترب منه "مرتضى" يقول:

"يا عم متكبرش الموضوع، دخلنا بس علشان نتكلم و نقولك إحنا عاوزين إيه، خلص بقى يا محمود !!"


دلفوا جميعًا يجلسون مع بعضهم، فقالت "مشيرة" بنبرةٍ هادئة:

"اسمع خلود عاوزة تقول إيه يا محمود، و شوف كدا كلامها"


حرك رأسه موافقًا ثم وجه بصره نحو "خلود" التي قالت ببراءةٍ اجادت رسمها ببراعة على ملامحها و نبرة صوتها:

"كل سنة و حضرتك طيب يا عمو محمود، رمضان مبارك عليك، حضرتك عارف إن دا أول رمضان يمر علينا بالتغيير الجذري دا، الشباب كلهم اتجوزوا و جميلة رجعت و هدير ربنا هداها، و خديجة ربنا فرحها و عوضها عقبالنا يعني"


ضحكوا عليها بعد جملتها الأخيرة فأضافت هي بنفس البراءة:

"البيت فاضي و ملوش صوت و حضرتك ميرضيكش اننا نكون في الهدوء دا و كل واحد بيته مقفول عليه، دا غير يعني.... أنا آسفة.....طنط فاطمة الله يرحمها بقى، يعني حضرتك كدا هتكون لوحدك، يبقى أفضل حل ان حضرتك تكلم الشباب و ييجوا يقضوا رمضان معانا هنا، و نكون عيلة مع بعض كلنا و خصوصًا و جميلة وسطنا وسط عيلتها.... و كمان علشان حسن برضه طول عمره لوحده يبقى يجرب لمة العيلة وسط أخواته و أهله"


طالعها "مرتضى" ببلاهةٍ لا يصدق مدى صدق حديثها و براءتها كما أنها أجادت اختيار الأشخاص في السيطرة على عمها و اللعب على أوتار فؤاده بكلماتها التي أصابت الهدف و أصبحت رنانة.


تحرك "محمود" من أمامهم دون أن ينبت ببنت شفة، و في تلك اللحظة مالت "مشيرة" على اذن "خلود" تقول بتهكمٍ:

"إيه يا بت ؟! إيه الدماغ دي ؟! يخربيتك دا أنا قشعرت"


تدخل "مرتضى" يقول بسخريةٍ:

"المفروض نلحق نتصور معاكي النهاردة قبل بكرة، كدا أضمن"


سألته بحيرةٍ:

"أضمن إيه ؟! مش فاهمة"


رد عليها بنفس السخرية:

"الشياطين بكرة هيتسلسلوا، ما هو تفكيرك دا تفكير شياطين، يخربيت دماغك"


ابتسمت بثقةٍ و هي تقول بزهوٍ:

"دي مدرسة وليد الرشيد، هتعلمك اللي مفيش مدرسة في الدنيا تعرف تعملهولك"


في تلك اللحظة خرج "محمود" من الداخل معه العصير في يده و هاتفه و هو يقول بنبرةٍ مرحة:

"أنا جيبت التليفون أهو علشان اكلمهم و أقولهم، خلاص رمضان هيبقى هنا معانا، القرار صدر"


نظر كلًا من "مشيرة" و "مرتضى" لبعضهما و هما يبتسمان، فيما لمعت عيني "خلود" ببريقٍ و هي ترى حصاد فكرها و خططتها.

_________________________


في مدخل بيت "ميمي" انهوا الشباب ضبط الأسلاك و المصابيح و عاونهم "حسن" في ذلك، و فجأة استمعوا لصياح و صرخات الأولاد في الشارع، فركضوا لهم حتى تفاجئوا بـ "عامر" يركب دراجته النارية و معه أكياس بلاستيكية كبيرة الحجم و بداخلها شرائط الزينة المستخدمة في تزيبن الشوارع في هذا الشهر الفضيل.


ضرب "خالد" كفيه ببعضهما فأوقف "عامر" الدراجة بقرب الشباب و هو يقول بفخرٍ و زهوٍ في نفسه:

" أي خدمة، جيبت زينة من المصنع نفسه، شوفوا شغلكم"


اقترب "ياسين" يسأله بتعجبٍ:

"جيبتهم منين دول ؟! هو حد لاقي ؟! دي خلصت في مصر كلها"


رد عليه بثباتٍ:

"مصنع أم حودة، صحيح هي كانت قاعدة في المنور هي و عيالها، بس إن شاء الله المصنع دا هيكبر و يكسر الدنيا"


"فوق دماغ أهلك إن شاء الله، يا بجح يا أبو وش مكشوف !!"


تفوه "خالد" بذلك بصوتٍ عالٍ بعدما تمكن منه الغضب بسبب أفعال ذلك الأبله فيما رد عليه "عامر" بضجرٍ منه:

"يا عم بقى !! خرجني من دماغك، هو أنتَ ضرتي ؟! عاوزين نفرح يا عم بقى"


قال "عامر" حديثه ثم اقترب من جهاز الموسيقى يمسكه و قام بوضعه في الشارع و قام بتشغيل الأغاني على أعلى صوتٍ و هو يصفق بكفيه و الاطفال حوله يقفذون فرحًا بتلك الأجواء و ارتفعت صوت الكلمات حولهم:


" جه الدور عليكم....تجملوا أيامكم بإيديكم....متعيشوش في اللي فات و اخلقوا ذكريات....تكون لايقة عليكم....مش هيعدي علينا رمضان....غير لما نزين زي زمان....هنحافظ على اللي فات و نزود عليه حاجات...و نهديها لولادنا.... خيوط من نور تجمعنا...من كل زمان و مكان.... خيوط رابطة قلوبنا بِـ نزين بيها رمضان...."


صفق بكفيه معًا وسط الأولاد حتى زفر "خالد" بيأسٍ ثم قال بقلة حيلة أمام فرحة أخيه:


"طب و الله العظيم ما مزعلك ياض يا عامر، كل سنة و أنتَ طيب ياض"


ضحك الشباب عليهما فأمرهم "خالد" بنقل الاشياء للشارع حتى يزيد البهجة وسط تلك الأجواء و معهم "حسن" الذي لأول مرّة يعيش تلك الأجواء.


جلسوا في الشارع و "خالد" يقوم بضبط الكهرباء و معه "ياسين" يعاونه في ذلك و "ياسر" و "حسن" و "عمار" يقومون بفرد الزينة و استخدامها قبل تعليقها، أما "عامر" كعادته أمسك "الدف" يطرق عليه و سط الأطفال و يغني معهم بملء صوته:


"رمضان ليه روح....باب للجار مفتوح....و عيال بالفوانيس رايحة و جاية....تغني لرمضان... أهل و أحباب....مع لمة أصحاب....ريحة أيام خير و محبة و فرحة في كل مكان....رمضان...رمضان....رمضان نور......و الخير بيفيض....و يزيد أكتر....."


أنهى كلماته ثم أعاد من جديد:

"هاتوا الفوانيس يا ولاد....هنزف عريس يا ولاد هنزف عريس....هاتوا الفوانيس يا ولاد.... هنزف عريس يا ولاد هنزف عريس.... هيكون فرحه ٣٠ ليلة....هنغني و نعمل هوليلة.....و هنشبع من حلوياته....هاتوا الفوانيس يا ولاد....هاتوا الفوانيس"


كانت الأطفال تردد خلفه و هو يطرق لهم على الدف و فجأة اعاد الكلمات من جديد مما جعل السكان يفتحون نوافذ الشقق و الشرُفات يشاهدون سبب تلك البهجة الغريبة و لم يثير الموقف دهشتهم بل بالعكس كان ذلك متوقعًا في وجود سبب البهجة "عامر فهمي"، لذا صفق السكان معه و انتشرت أصوات التهنئة و التبريكات بينهم و في الأسفل أكمل "عامر" الطرق و هو يقول:


"وحوي يا وحوي....أياحا....و كمان وحوي....أياحا....روحت يا شعبان....أياحا....وحوينا الدار...جيت يا رمضان.... 

وحوي يا وحوي


...لولا الحبايب لولا جينا....الله الغفار....و لا تعبنا رجلينا..... لولا الحبايب لولا جينا و لا تعبنا رجلينا.... افرحوا يا بنات يلا و هيصوا....رمضان اهو نور فوانيسه... يا حلاوة التين و القمر الدين....هالله هالله...و كياس النُقل و قراطيسه"


كان ينتقل بين الأغاني و هو يطرق على الدف و الأولاد يرقصون و "حسن" وسط الجميع يود الرقص من فرحته بتلك الأجواء و راح يلعن وحدته السابقة و أيام الفائتة دون أن يشارك ذلك المجنون هذه الأجواء.


كانت الفتيات تقف في الشرفة في شقة "ميمي" يشاهدن تلك الأجواء بفرحةٍ و خاصةً حينما قام "خالد" بتجربة المصابيح بعد توصيلها فانتشرت التصفيقات الحارة و أصوات الصفير العالية من الشباب.


اقترب "عمار" من "ياسر" يسأله بهدوء كعادته:

"صحيح يا ياسر عملت الفانوس و لا لسه ؟! اوعى تكون معملتش فانوس السنة دي ؟!"


رد عليه بفخرٍ بذاته:

"عيب عليك يا دكتور عمار !! جاهز بقاله اسبوع كامل في شقة أمي، هجيبه متخافش"


حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم له فتحدث "خالد" بهدوء:

"هاتوا السلم علشان أطلع أعلق فرع النور و بعدها بقى نعلق الزينة و خلاص"


قام "عامر" بجلب السلم الخشبي ثم وقفوا يمسكونه له حتى يصعد عليه "خالد" و بالفعل وقف عليه حتى صعد للطابق الأول و في تلك اللحظة تحدث "يونس" الذي كان يقف في الشرفة بجوار والدته ينادي والده بخوفٍ يحذره بكلماتٍ لم تكن مفهومةً للبعض لكنها اخترقت قلب "خالد" قبل مسامعه حينما قال صغيره:


"حاسب يا خالد !! هتقع"


رفع "ياسين" صوته يرد عليه بقوله المرح:

"متخافش على أبوك ياض، أبوك جامد، زيك كدا يا يونس"


تدخل "عامر" يقول ببروده المعتاد:

"و لو وقع يا عم !! ما يقع إلا الشاطر، عادي خالد و راح"


ضحكت المنطقة بأكملها عليهم، فتحدث "خالد" بخبثٍ:

"كمل يا بن فهمي، كمل علشان لو احتاجت وصلة للسلك، هوصلك أنتَ بيه، ها إيه كمان ؟!"


رد عليه "عمار" بمحبةٍ و ودٍ:

"اقسم بالله أخويا الكبير اللي اضحي برقبتي علشانه، أنزل يا أبو يونس و أنا أعمل مكانك"


زادت الضحكات أكثر عليهما و خاصةً "خالد" الذي حرك رأسه نفيًا بيأسٍ و في تلك اللحظة وصلهم صوته و هو يقول بنبرةٍ هادئة:


"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رمضان مبارك عليكم جميعًا"


التفت الشباب ينظرون خلفهم حتى ابتهجت وجوههم برؤيته فقال "ياسين" مرحبًا به:

"أيــوب !! كل سنة و أنتَ طيب، رمضان مبارك عليك يا رب"


اقترب منهم "أيوب" يرحب بهم و يهنئهم بحلول ذلك الشهر الكريم و قد نزل له "خالد" و سلم عليه،فتحدث "أيوب" بسخريةٍ:


"لسه برضه عامر مسمع الشارع كله رمضان و بهجته ؟! طب و الله العظيم أنا قلبي كان حاسس"


رد عليه "ياسر" بقلة حيلة:

"قولنالك نقتله قولتلنا حرام، ساكتين علشانك بقى"


رمقه "عامر" بغيظٍ فيما ربت "أيوب" على كتف "ياسر" ثم قال بهدوء:

"ربنا يبارك فيكم، خليه يفرح يا سيدي، عامر لو كبت الفرحة جواه يموت، و لا نسيت ؟!"


غمز "أيوب" لـ للشباب و خصوصًا "عامر" الذي تجاهل مقصدهم، فتحدث "حسن" بحيرةٍ:

"هو عمل إيه تاني ؟! مصايبه مبتخلصش ؟!"


رد عليه "أيوب" مفسرًا بنبرةٍ ضاحكة:

"كنا بنحفظ القرآن في مسجد واحد، و كان علينا تسميع و بعده مسابقة، المهم عامر سمع و طلع حافظ الـ ١٥ جزء، و كلنا سمعنا و كنا حافظين، خرجنا من المسجد و الأستاذ راح يحتفل و يرقص يغني من فرحته، حاجة منتهى العبث"


حرك "حسن" رأسه نحو"عامر" بسرعةٍ كبرى فقال "عامر" متلعثمٍ:

"يوه ؟! من فرحتي أني سمعت، صحيح الطريقة نفسها كانت غلط بس الحمد لله ربنا ستر"


ضحك عليه الشباب فاقترب "أيوب" من "عمار" يقول بنبرةٍ هادئة:

"الحاجات اللي بعتها ليك عاوزك تذاكرها كويس علشان هتشرح التوعية دي بكرة في الفاصل بين ركعات التراويح، تمام !!"


حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم له، فسأله "ياسين" بتعجبٍ:

"مش فاهم ؟! عاوز منه إيه ؟!"


رد عليه "أيوب" مفسرًا:

"دروس قصيرة عمار هيتولى مهمة شرحها للمصليين بين ركعات صلاة التراويح، أنا متوسم فيه الخير إن شاء الله"


رد عليه "ياسر" بفخرٍ:

"كلنا يا أيوب و الله، ربنا يعلم غلاوته عندنا، فيه ناس تانية هنلبسها الكفن قريب"


أشار في حديثه و نظرته إلى "عامر" الذي سخر منه بملامح وجهه، فتحدث "خالد" مستفسرًا:

"قولي يا أيوب !! هو أنا لو قتلت عامر الليلة دي هتحاسب ؟! و لا اعتبره خير و بر للأمة كلها ؟!"


رد عليه "أيوب" مبتسمًا:

"خليه يفرح و يفرح الناس معاه يا خالد، عامر قلبه ابيض و بيحب الفرحة زي عنيه"


رفع "عامر" كفيه للأعلى و هو يقول بصوتٍ عالٍ:

"روح يا أيوب يا ابن عبدالقادر ربنا يكرمك و يرزقك ببنت الحلال يا رب"


ضحك "أيوب" عليه ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"يا رب يا سيدي، ربنا يكرم إن شاء الله، كل سنة و انتم طيبين"


سأله "خالد" بنبرةٍ جامدة:

"انصحه يا أيوب و قوله يهدا و يعقل كدا، الواد عمال يصغر"


رد عليه "أيوب" بهدوء بعدما ابتسم لهم جميعًا:

إظهار الفرحة بقدوم رمضان من تعظيم شعائر الله

"ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"

مرحبًا بالشعائر التي نُحب ونُعَظِّم قلبًا وقالِبًا

رمضان مُبارك و كل عام وأنتم بخير."


ردوا عليه التحية و المباركة فتحرك هو من أمامهم بعدما ودعمهم جميعًا، فعادوا لما كانوا يفعلونه و عاد "عامر" لـ بهجته من جديد.


في الأعلى تنفست "هدير" بعمقٍ ثم قالت بعدما ابتسمت لهن:

"ريحة رمضان هنا حلوة أوي، إيه الاحساس السكر دا ؟!"


ردت عليها "إيمان" بفرحةٍ:

"هو اللي سكر بجد لبسك، تحفة يا هدير، حلو أوي الفستان دا"


ابتسمت لها "هدير" و هي تقول:

"خدته من جميلة، هي قالتلي أجرب ألبسه بس بصراحة مرتاحة فيه أوي و هو واسع و حلو كدا، من ساعة ما رجعت من العمرة و أنا عاوزة لبسي كله يكون كدا"


ردت عليها "سارة" تؤيد حديثها:

"ربنا يكرمك إن شاء الله و رمضان اهو بدأ و دي فرصة حلوة، ربنا يثبت قلبك و يزيدك منه قرب"


ابتسمت لهن ثم حملت "يونس" على ذراعيها و هي تقول بفرحةٍ:

"أنا كنت بدعيلك كتير أوي و أنا هناك، كل ما أشوف طفل صغير مع أهله اتخيلك و أفضل أدعي من قلبي"


ردت عليها "خديجة" بنبرةٍ جامدة:

" بت !! متاخديش مني يونس ؟! يونس دا روح قلبي"


قبلته "هدير" تعاندها بتلك الفعلة ثم أخرجت لها لسانها حتى ركضت خلفها "خديجة" فسبقتها "هدير" و هي تحمل "يونس" الذي ارتفعت ضحكاته عاليًا و هما يركضا به.

_________________________


أنهت "عبلة" تزيين الشقة مع "وليد" وسط مشاكستهما لبعضهما و مزاحهما حتى أخبرته بضجرٍ بعدما خالف طلبها:


"أنا بكرهك و الله، يا مستفز هتموتني"


اقترب منها بعد جملتها تلك و على حين غرة لوىٰ ذراعها خلف ظهرها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:


"لأ يا سوبيا ؟! مش أنا اللي يتقالي كدا، لمي نفسك يا عسل"


ضغط على ذراعها حتى تأوهت و هي تقول بتوسلٍ له:

"سيبني خلاص دراعي وجعني، سيبني بقى، علقت الفرع مكانه و يا رب يتقطع مكانه مش عاجبني"


ارخى مسكته لذراعها و هو يبتسم بظفرٍ و قبل أن تتحرك من قربه سحبها نحوه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"رايحة فين ؟! قوليلي بحبك يا وليد، يلا !!"


حاولت التملص من بين يديه فضغط هو بيديه عليها و هو يقول امرًا بايجازٍ:

"اثــبـتـي !!"


سكنت حركتها فأضاف هو أمرًا لها بنفس الثبات:

"ها !! بحبك يا وليد ؟! سمعيني يلا بدل ما أزعلك !!"


ردت عليه تعانده بقولها:

"لأ....مش هقول، مستحيل"


رفع حاجبيه معًا ثم قال:

"قولي يا سوبيا !! رمضان بعد بكرة و لو موضوع سوبيا دا انتشر هتبقى حفلة عليكي، يا بت انطقي"


حركت رأسها نفيًا بقوةٍ فابتسم هو بخبثٍ ثم اقترب منها حتى اوهمها إنه سيقبل جبينها و فاجئها حينما ضرب رأسها برأسه، فصرخت هي بصوتٍ عالٍ، حينها قال هو بدهاءٍ:


"يا غبية !! لما حد يقرب منك كدا المفروض إنك توطي راسك، خليكي كدا هبلة و سوبيا مع بعض"


حاولت الابتعاد عنه حتى ابتعد هو برغبته فأمسكت ذراعه هي محاولةً لويه للخلف لكنها لم تنجح في ذلك فباغتها هو بفعله حينما سحبها له من جديد فقال بنبرةٍ هادئة:

"بلاش تعملي نفسك جامدة علشان أنتِ قلبك رهيف و مش حمل خبطة مني، و رغم كدا أنا بحبك يا ستي حتى لو مش هسمعها منك، كفاية أني متأكد إن قلبك دا مبيدقش غير ليا أنا"


أخفضت رأسها للأسفل تهرب من هدوئه ذلك و تلك الشخصية التي تعشقها هي به حينما يعاملها بذلك الهدوء، فيما اقترب منها هو حتى يقبل جبينها و في تلك اللحظة اخفضت رأسها و جزعها العلوي للأسفل، فابتسم هو بفخرٍ ثم قال:


"أقسم بالله فخور بيكي، طلعتي ناصحة، كنت فاكرك غبية"


تحرك من أمامها حتى قفزت هي على ظهره و هي تضحك بملء شدقيها و تقول بمرحٍ:

"كل سنة و أنتَ طيب يا ليدو، كل رمضان و أنا السوبيا بتاعتك"


ضحك هو عليها ثم دار بها و هي على ظهره تضحك بصوتٍ عالٍ و في تلك اللحظة طُرق باب شقتهما، فتحرك نحو الباب و هي على ظهره و قبل أن تنزل من على ظهره امسكها هو و منعها بقوله:


"خليكي دا مش حد غريب، دا طارق اخوكي، استني"


فتح الباب فوجد "طارق" أمامه ينظر له بضيقٍ و زاد أكثر حينما رآى شقيقته خلف ظهر "وليد" و هو يحملها فتحدث بنبرةٍ جامدة:


"أنتَ بتعمل إيه ياض أنتَ و هي ؟! انزلي يا هبلة أنتِ !!"


رد عليه "وليد" ببرود:

"يا عم أنتَ مالك مراتي، الأرض مش شايلاها، شايلها أنا على ضهري"


زفر "طارق" بقوةٍ ثم قال بنفاذ صبرٍ و قلة حيلة:

"وليد !! عمك محمود تعب أوي و عاوزنا كلنا نروحله، يلا البسوا و تعالوا معانا"

قال حديثه ثم تحرك من أمامهما فيما نظرا هما لبعضهما بقلقٍ ثم دخلا سويًا حتى يتجهزان معًا.


بعد مرور تقريبًا خمسة عشر دقيقة رحلت سيارة "طارق" و معه "وئام" و زوجاتهما، و خلفهما سيارة "وليد" و معه زوجته.

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» جلس "محمود" على فراشه و أخوته حوله من يعلمون و من لا يعلمون، و النساء أيضًا.


اقترب منه "طه" يسأله بتعجبٍ من تغير حالته في وقتٍ قصير:

"مالك بس يا محمود ؟! إيه اللي حصلك ؟! ما أنتَ كنت كويس"


رد عليه بنبرةٍ منهكة:

"مرة واحدة كدا يا طه، حاسس أني تعبان و مش قادر، هعمل إيه بس"


ردت "مشيرة" بقلة حيلة و حزن لأجل أخيها:

"ألف سلامة عليك يا محمود، ربنا يطمننا عليك يا رب"


حرك رأسه موافقًا فيما جلست "خلود" بقربه و هي تربت على كتفه بتأثرٍ زائفٍ فحدث "مرتضى" نفسه بسخريةٍ:


"دا أنتِ ؟! الله يصبر اللي هيبتلي بيكي، مصيبة سودا !!"


في تلك اللحظة طرق باب الشقة فتوجه "أحمد" يفتحه حتى دلف الشباب بزوجاتهم و أول من ركضت كانت "هدى" تجلس بجواره و هي تقول بقلقٍ:


"بابا !! مالك يا حبيبي ألف سلامة عليك، مالك إيه اللي حصل ؟! حصله إيه يا عمتو !؟"


ردت عليها "مشيرة" تطمئنها بقولها:

"وحدي الله بس يا حبيبتي، هو تعب شوية بس من ضغط الشغل و التفكير، اقعدي بس يا حبيبتي"


جلست بجواره ثم قبلت وجنته و ارتمت بين ذراعيه فنظر هو لأخوته بمعاتبةٍ حتى أشارت له "خلود" بالتريث ثم اقتربت من عمها "مرتضى" توكزه في كتفه حتى زفر بقوةٍ ثم قال:


"بصوا بقى !! عمكم محمود تعب علشان لوحده، و بعد موت فاطمة الله يرحمها بلاش أكيد هو متضايق إن دا أول رمضان من غيرها، هتقضوا معانا رمضان هنا و نتجمع كلنا سوا، و أظن البيت فاضي و يشيل كتير، و علشان مشيرة و جميلة يكونوا سوا، دي نهاية الكلام، و عمكم قصادكم اهو تعبان، لولا خلود نزلت تسأله على حاجة مكناش هنعرف إنه تعبان"


أمعن "وليد" نظره في أوجه الجميع و خاصةً "خلود" التي نظرت له بحزنٍ و تأثرٍ، فقال هو:


"محدش هيقدر يوقع كلمتك يا بابا، حاضر هنقضي رمضان هنا معاكم إن شاء الله، كل سنة و انتم طيبين"


تحدث "محمود" بفرحةٍ:

"بجد ؟! بجد يا وليد ؟! يعني موافق؟"


رفع "وليد" حاجبيه بتعجبٍ فيما حدج "مرتضى" أخيه يحذره بنظراته، فتحدث "وئام" بنفس الهدوء:

"طبعًا يا عمي موافقين، و طارق كمان أكيد موافق، و لا إيه رأيك يا طارق ؟!"


تحدث "طارق" بثباتٍ كعادته:

"موافق يا وئام، دي مفيهاش كلام، احنا كنا هنيجي تاني اسبوع في رمضان، بس خلاص كدا هنقضيه هنا إن شاء الله، ألف سلامة عليك يا عمي"


رد عليه "محمود" بتعبٍ:

"الله يسلمك يا بني، عاوز بس حد فيكم يكلم هدير و يقولها، علشان أحس أني ارتحت شوية"


ردت عليه"خلود" بلهفةٍ:

"أنا هكلمها يا عمو، ريح نفسك أنتَ بس و أنا هتصرف"


تحركت من أمامهم جميعًا فنظر لها "وليد" بإمعانٍ و حينما حمحمت هي فهم كل شيءٍ لذا ظهر شبح ابتسامة هادئة على ثغره، محاها هو على الفور ثم تحرك خلفها من الغرفة.

_________________________


وقف "حسن" على السلم الخشبي يعاون الشباب في وضع الزينة، حتى وصل لشرفة "ميمي" و هو يبتسم بخفةٍ و خاصةً مع وقوف "هدير" في الشرفة و حينما وصل لها ابتسمت له و هي تقول بنبرةٍ هادئة:


"إيه الحلاوة دي يا أبو علي ؟! الله ينور عليك"


ابتسم لها و هو يقول:

"و يزيدك هنا و فرح يا رب يا عيون أبو علي"


اخفضت رأسها بخجلٍ و خاصةً مع وقوف الشباب في الأسفل، فقال هو بثباتٍ و زهوٍ:

"تعرفي روميو المكسح ؟! مسحوبك أبو علي المهدي، متخيرش عنه، بس أنا اجمد بقى"


ردت عليه هي بحنقٍ زائفٍ:

"يا جدع ؟! بقى روميو حبيب جولييت اللي ضحى بنفسه، أنتَ اجمد منه ؟! طب هو طلع على شجرة، حضرتك إيه بقى ؟!"


تحدث متشدقًا بنذقٍ:

"إيه الحلو في الشجرة يعني مش فاهم ؟! ما اللمبي عاملها قبل كدا، طب تنكري أني أجمد منه ؟!"


سألها بنبرةٍ ثابتة و ثقةٍ في نفسه حتى قالت هي مسرعةً:

"أنتَ أحسن حد في الدنيا دي كلها و مينفعش تتقارن بحد"


ابتسم لها بحبٍ ثم مد يده لها بفرع الزينة و هو يقول بعدما غمز لها:


"طب يلا يا عم الجامد، ساعديني أعلق الزينة بقى، عقبال زينة شقتنا كدا"


في بيت آلـ «الرشيد» أخرجت "خلود" هاتفها تطلب رقم ابنة عمها و "وليد" وقف خلفها و قام بضم ذراعيه أمام صدره يتابع ما تقوم هي بفعله حتى طلبت رقم ابنة عمها و ردت عليها الأخرى فقالت "خلود" بهدوء حتى لا تفزعها:


"معلش يا هدير بس علشان متزعليش مني و أنتِ موصياني، عمو محمود تعب شوية و عاوزكي تيجي تشوفيه، لو مش هتعرفي خلاص"


ردت عليها "هدير" بسرعةٍ ممتزجة بالقلق و الخوف:

"لأ هاجي، طب هو ماله ؟! كويس و لا إيه اللي تعبه ؟!"


ردت عليها بسرعةٍ:

"آه بقى كويس متخافيش، تعالي بس شوفيه و اقعدي معاه يمكن يفك شوية، كل سنة و أنتِ طيبة"


أغلقت الهاتف مع ابنة عمها و التفتت و هي تزفر بقوةٍ حتى وجدته يقف مقابلًا لها و هو يحدجها بشررٍ يتطاير من عينيه، فازدردت لعابها و هي تقول بتلعثمٍ:


"ليدو....ما.... مالك واقف كدا ليه؟! هو فيه إيه ؟!"


اندفع يقترب منها يمسك رقبتها بيده حتى ختقها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:


"هو اللي أنا بعمله في الناس هيطلع عليا ولا إيه ؟؟! حتة بت زيك كدا تخلينا كلنا نجري ورا بعض من الخضة ؟؟ عيب يا خوخة، متجيش تعلم على المعلم"


سعلت في يده حتى آرخى قبضة كفه عن رقبتها، فدلكت هي موضع كفه ثم قالت بصوتٍ عالٍ تنفجر في وجهه:

"أومال عاوزني اتقهر ؟؟ البت سلمى نفسيتها وحشة و مش هتعرف تذاكر، و البيت مقبرة من غيركم، بطل أنانية يا جدع بقى"


صفعها على كتفها و هو يقول بضجرٍ منها:

"يا بت لمي نفسك بدل ما أجيبك من شعرك، أدينا ياختي مرزوعين معاكم هنا، ورونا بقى البهجة اللي هتملى المكان"


رمت نفسها عليها تقبل وجهه و هي تقول بفرحةٍ:

"بحبك، بحبك يا احلى ليدو في الدنيا كلها، بحبك"


رغمًا عنه ضحك بسبب طريقتها لذلك احتضنها و هو يقول بقلة حيلة:

"كل سنة و أنتِ طيبة يا خوخة، مقدرش أزعلك أنا، أي خدمة"


ابتسمت هي له حتى قبل هو جبينها ثم غمز لها و هو يقول:

"يلا يا وليد يا صغير، هاتي فروع النور علشان نعلق الزينة، طالما مقضيينه معاكم هنا"

_________________________


رحل"حسن" مع "هدير" بعدما استأذن من الشباب حينما أخبرته هي بما حدث لوالدها، و ظل الشباب كما هم يقومون بتزيين الشارع و قد قام "ياسر" بجلب الفانوس الذي قام بصنعه و وضعه في منتصف الشارع حتى صفق له الجميع و علت البهجة في المكان من جديد.


بعدها جلسوا الشباب بتعبٍ و انهاكٍ واضحٍ قد تمكن منهم و "عامر" أيضًا و بعد مرور دقيقة واحدة تحرك "عامر" من موضعه خطواتٍ قليلة و فجأة انتشر صوت الألعاب النارية حتى فزع الشباب و "عمار" أيضًا، فيما ضحك "عامر" بملء شدقيه على هيئة الشباب و خوفهم، و قبل أن يركضون خلفه، وقف هو يقول بنبرةٍ عالية:


"تعالوا بس نفرقع شوية الصورايخ دي و بعدها كل واحد يروح لحاله، يلا"


لم يجدوا بُدًا سوا الموافقة و مشاركته في تلك الأجواء الحماسية حتى تشاركوا معًا في اللعب بالألعاب النارية و معهم الصبية الصغار و الأولاد في المنطقة و الفتيات تضحك عليهم في الشرفة، و فجأة قام "عامر" بامساك الدف و قام بالطرق عليه حتى التف حوله الاولاد يغنون معه:

"رمضان في مصر حاجة تانية و السر في التفاصيل....رمضان في مصر غير الدنيا....طعمه بطعم النيل.....رمضان في مصر حاجة تانية و السر في التفاصيل....رمضان في مصر غير الدنيا....طعمه بطعم النيل..... في كل حتة بنتمشى....فوانيس و زينة في الشارع......صوت الأذان يدخل قلبك....و نصلي تراويح في الجامع....بليل بتحلو القعدة، طاولة و ضمنة و كوتشينة....و الله زمان دا إحنا بقالنا مدة بعيد عن بعضينا......"


بعد مرور ساعة تقريبًا من الغناء و المرح صعدوا الشباب لشقة "ميمي" فقال "ياسين" بانهاكٍ:


"أنا بقول نعلق الزينة هنا كمان ونخلص علشان مفيش وقت خلونا نروح نرتاح شوية" 


وافقه الشباب في الحديث ثم وقفوا مع بعضهم يقومون بتزيين الشقة مع بعضهم البعض و الفتيات تعاونهم في ذلك و "ميمي" تدعو الله لهم أن يحفظهم و يكرم قلوبهم.

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» اجتمعوا الشباب مع بعضهم بعد وصول "حسن" يقومون بتزيين البيت منذ السطح حتى نهايته و أمام البيت، زارت البهجة البيت من جديد بوجود الشباب بداخله، و كأنها ضيفٌ غريب العائلة، قام "وليد" بتشغيل الضوء أمام البيت و قام بوضع الفانوس كبير الحجم و هو يبتسم لـ "أحمد" الذي قال بفخرٍ:

"بس خلود طلعت جامدة اللهم صل على النبي، جابتكم هنا و مشت كلامها عليكم زي الساعة، بت مش سهلة برضه"


ابتسم له "وليد" ثم تنهد بقلة حيلة و أضاف بهدوء:

"هنعمل ايه بس ؟! بس لو حسبناها كدا صح، رمضان هناك مش هنحس بيه و في نفس الوقت البيت هنا أوضاعه اتغيرت كتير، كل سنة و انتم طيبين يا سيدي"


ابتسم له "أحمد" ثم قال بهيامٍ:

"و دا أول رمضان و أنا خريج مش طالب، أول رمضان من غير ميد تيرم و من غير تسليمات"


سأله "وليد" باهتمامٍ:

"بجد ؟! دا أنا قولت أنتَ هتتأثر انك خلصت تعليم"


رد عليه"أحمد" بهدوء:

"عارف ؟! الناس فاكرة إن الحياة بعد التخرج حلوة و مريحة....بس في الحقيقة بقى ؟! اقسملك بالله عظمة و جمدان مفيش بعد كدا، نعمة ربنا يديم وجودها و ميحرمناش منها"


قال آخر حديثه بمرحٍ و صوتٍ عالٍ مندفعٍ جعل"وليد" يضمه له و هو يضحك بصوتٍ عالٍ و "أحمد" يضحك معه هو الأخر.


وقف "حسن" فوق سطح البيت بعد نزول الشباب يتابع الأجواء حوله فاقتربت منه "هدير" تسأله باهتمامٍ بعدما وجدت السطح يخلو منهم جميعًا:

"حسن !! هو أنتَ متضايق اننا هنقضي رمضان معاهم هنا ؟؟ لو زعلان ممكن تروح البيت و أنا لما بابا يفوق شوية أجيلك"


ابتسم لها ثم قال بهدوء:

"لأ خالص و الله، أنا فرحان أوي اننا هنقضي رمضان هنا وسط العيلة، و مكدبش عليكي أنا متحمس أوي أني اشارككم رمضان هنا، اتطمني أنا مش زعلان و لا حاجة"


زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بنبرة صوتٍ مرتاحة:

"طب الحمد لله، أنا كنت خايفة علشان أنتَ كنت عاوزنا نقضي رمضان في بيتنا سوا"


اقترب منها ثم قبل وجنتها دون أن يتحدث فقط نظر في عمق عيناها و هو يقول بصوته الرخيم:

"و احنا هنا سوا و مع بعض، مش فارقة المكان قد ما فارق وجودك معايا فيه، إن شاء الله لو في الشارع"


ابتسمت هي له فقال هو بنبرةٍ هادئة:

"شكلك حلو أوي في اللبس دا، واخد بالي اننا من ساعة ما رجعنا من العمرة و أنتِ لبسك اتغير، بس سبحان الله شكلك هادي و حلو أوي"


حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:

"عجبني شكلي فيه علشان حاسة إنه مداريني، و في نفس الوقت أنا مرتاحة فيه أوي"


في الأسفل جلست "جميلة" بجوار "طارق" و "مشيرة" التي احتضنتها بين ذراعيها و هي تبتسم فقال "طارق" بدهاءٍ و هو يحاول ربط الأمور ببعضها:


"بس مش غريبة يعنى يا عمتو ؟؟ تكلمينا الاسبوع اللي فات تطلبي مننا نيجي نقضي رمضان معاكم و تيجي مرة واحدة كدا، عمو محمود يتعب و سبحان الله عم مرتضى و أنتِ و خلود بس اللي تعرفوا ؟؟ مع بعض ؟!"


طالعته بتوترٍ فبادلها النظرة بأخرى واثقةً حتى أضافت "جميلة" بمرحٍ:

"بس أنا فرحانة أوي، دا أول رمضان نقضيه سوا و أقضيه مع عيلتي، بجد مبسوطة أوي والله"


رد عليها "طارق" بهدوء:

"طالما أنتِ فرحانة خلاص، ربنا يفرحك دايمًا، مش هقدر ازعلك و أقولك نمشي من هنا، بس على العيد بقى هنمشي نعيد في شقتنا"


ردت عليه "مشيرة" بفرحةٍ بعد حديثه:

"روح ربنا يكرمك، ربنا يفرحك زي ما أنتَ فرحتني كدا يا حبيب قلبي"

ابتسم هو لهما ثم غمز لزوجته التي توردت وجنتيها بخجلٍ.

_________________________


رحل الشباب من شقة "ميمي" مع بعضهم بعدما انهوا الزينة و الديكورات في شقتها، و توجه كلًا منهما لشقته مع زوجته.


دلف "ياسين" شقته و منها نحو غرفته مباشرةً يرتمي عليه حتى اقتربت منه "خديجة" تنظر له بتعجبٍ و هي تقول بغير تصديق:


"إيه دا أنتَ هتنام ؟؟ قوم يا ياسين متهزرش"


اعتدل و هو يقول بسخريةٍ:

"اومال هطير ؟! هنام طبعًا أنتِ شايفة إيه ؟؟"


ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:

"احنا معلقناش الزينة !! متهزرش يا ياسين بقى، قوم بالله عليك، ليلة السحور بكرة"


رد عليها بنبرةٍ متعبة و انهاكٍ:

"و الله العظيم مش قادر، خليها بكرة قبل ما أمشي بكرة على الشغل، تعبان و الله"


طالعته هي بقلة حيلة ثم سألته بصوتٍ خافتٍ:

"تعبان أوي يعني ؟؟"


حرك رأسه موافقًا فزفرت هي بعمقٍ ثم هزت رأسها بقلة حيلة، حينها ارتمى هو على الفراش و قبل أن يغلق عيناه سألها هو تلك المرة:


"هو أنتِ زعلانة ؟؟ و لا دا عادي"


ردت عليه هي بعدما ابتسمت له:

"لأ مش زعلانة خلاص و الله، نام أنتَ بس و ارتاح علشان أكيد هتصحى بدري، نام"


حرك رأسه موافقًا ثم وضع رأسه على الوسادة و قبل أن تنام هي بجواره اعتدل و هو يقول بسرعةٍ:

"قومي يا خديجة خلينا نعلق الزينة، قومي يا كتكوتة"


ردت عليه هي بهدوء:

"خليها بكرة خلاص، نام أنا مش زعلانة و الله اتطمن"


خرج من الفراش و هو يقول:

"مش مسألة زعلك، بس بكرة مفيش وقت، هروح الشغل و هاجي اخدك و ننزل علشان نصلي التراويح و بعدها نتسحر عند ميمي و نقضي باقي اليوم معاها، قومي يلا"


خرجت خلفه و لم تنكر فرحتها بمشاركته هذه اللحظة، و بعد مرور دقائق وقفا سويًا يزينا الشقة و الشرفة و هي تسير خلفه تمسك بالأشياء و رغمًا عنه ابتسم لرؤية الفرحة في نظرتها للشقة حولهما الإضاءة الذهبية و الأشكال الورقية و الخيامية و المفارش و الوسادات الصغيرة كل ذلك كان اختيارها هي.


انهى تزيين الشقة و وضع الأضاءة في الشرفة و معهم فانوس متوسط الحجم حتى زفر بقوةٍ ثم قال:

"الحمد لله كدا كل حاجة تمام، حاجة تاني يا ست الكل ؟!"


حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم له فأمسك وجهها بين كفيه ثم قبل رأسها و قال بهدوء:

"كل سنة و أنتِ طيبة و كل رمضان و إحنا مع بعض"


طالعته بتأثرٍ ثم قالت بهدوء:

"على فكرة ماكنتش هزعل لو نمت و الله، كان ممكن نعملها بكرة، أنا مقدرة إنك تعبت و الله"


ابتسم هو ثم حرك كتفيه و هو يقول ببساطةٍ:

"أدينا أهو خلصنا و ماخدش مننا وقت، و بعدين بكرة الصبح كان صعب، كفاية أني شوفت فرحتك كدا بالحاجة دي"


ردت عليه بتوترٍ و هي تصارحه بقولها:

"بصراحة يعني !! أنا كنت عمالة افكر ازاي هنعلقهم بكرة سوا، و كنت متحمسة أوي للحظة دي، و لما جربناها أنا فرحت أوي بيها"


تحدث هو بنبرةٍ ضاحكة:

"ماهو بصراحة علشان كدا قولت نعلقهم الليلة دي، كنت عاوز أشوفك فرحانة و الله، مقدرتش اقاوم رغبتي في أني اشوفك فرحانة كدا"


ابتسمت له ثم قامت بتشغيل الأغنية المفضلة لديها و هي تتابع الشقة بعينيها التي لمعت ببريقٍ ازال عنه تعبه و معاناته و و فجأة ازداد حماسها ثم صفقت بكفيها معًا و قفزت بمرحٍ جعله يضحك رغمًا عنه ثم ضرب كفيه ببعضهما بعدما جمعه القدر باكثر الفتيات غرابةٍ و رغم ذلك لم ينكر فرحته بفرحتها تلك.

_________________________


في اليوم التالي اجتمعت الفتيات في شقة "ميمي" و كلًا منهن ترتدي اسدال الصلاة الجديد و معهن "ميمي" أيضًا، فقالت "خديجة" بنبرةٍ ضاحكة:


"معلش يا جماعة بس اسدال ميمي خارج من عيني، ذوق مين دا ؟!"


ردت عليها"ميمي" بنبرةٍ ضاحكة:

"دا ذوق حبايب قلبي الأربعة، كلهم نقوه ليا علشان أصلي بيه التراويح معاكم"


ردت عليها "ريهام" تمازحها بقولها:

"المفروض اننا نغير منك بقى، أنتِ كدا معاكي خطوط الشباب كلهم و إحنا غلابة قصادك"


ردت عليها بثقةٍ:

"اعملوا اللي تعملوه، أنا اللي في قلبهم برضه، خليكم كدا"


تحدثت "إيمان" بحقدٍ زائفٍ:

"آه يا بنت المحظوظة ؟! ازاي ماخدتش بالي منك و كنت مركزة مع بنت أم عمرو ؟!"


ضحكت الفتيات عليها، فاقتربت "ايمان" تحتضنها و هي تقول بنبرةٍ ضاحكة:

"روح قلبي يا ميمي، أنتِ حبيبتي و أنتِ عارفة كدا، أنا صاحبتك قبلهم كلهم أوعي تنسي ؟!"


ربتت "ميمي" على كتفها فصدح في تلك اللحظة صوت هاتف "ريهام" التي قالت بسرعةٍ كبرى:

"طب يلا علشان العشاء قربت خلاص و المسجد هيكون زحمة، و خالد بيرن"


تجهزت الفتيات و نزلن خلف بعضهن و في الأسفل وقفوا الشباب ينتظرونهم حتى نزلت أولهن و هي "إيمان" تساند "ميمي" و معها "ريهام" 


ساروا معًا وسط الشارع الممتليء بالزينة و الأضواء العالية التي وضعها الشباب في الشارع و كلًا منهن تسير بجانب زوجها و كان "يونس" يمسك بكف والديه معًا و هو يبتسم بسعادةٍ و يرتدي العباءة البيضاء مثل والده و أعمامه.


وقفوا جميعًا أمام المسجد فاقترب منهم "رياض" يرحب بهم ثم اخرج ورقة مالية لكل فتاةٍ يعطيها لها فتحدث "عامر" بسخريته المعتادة:

"هو أنتَ علطول كدا ؟؟ مستعجل على العيدية ؟؟ عاوز تكروت الشهر في ساعتين ؟؟"


رد عليه "رياض" بضجرٍ:

"أنتَ مالك يا بارد ؟! بناتي و أنا حر فيهم، هتلاقيك محروق بس علشان معبرتكش"


رمقه "عامر" بسخريةٍ فأخفض "رياض" جسده يضع الورقة المالية في جيب عباءة "يونس" ثم قبله على وجنته


اقترب منهم "عمار" و هو يقول بلهفةٍ:

"يلا علشان أيوب هيقيم الصلاة خلاص، كل سنة و انتم طيبين"

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» نزل الشباب مع بعضهم و رجال العائلة معهم يتوجهون نحو المسجد و الفتيات أيضًا و نساء العائلة و أخرهن كانتا "خلود" و "سلمى" و كلًا منهما ترتدي عباءة فضفاضة على جسدها راقبهما "احمد" و حينما وجد احتشام ملابسهما اقترب منهما يقول بهدوء:


"شكلكم محترم و حلو، ياريت ميبقاش بس علشان دا أول يوم رمضان، كل سنة و أنتم طبيبن"


ردت عليه "سلمى" مسرعةً:

"هنحاول و الله و ربنا يكرمنا، بس ادعيلنا أنتَ يا أحمد، و خليهم كلهم يدعوا لكل طلاب مصر"


حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها فتحدثت "خلود" مسرعةً هي الأخرى تقول:

"ادعيلي معاك ربنا ينجدني من التعليم و اخلصه على خير علشان خلقي ضيق أوي و الله"


رمقها بغيظٍ و لم يرد عليها بل تحرك هو من أمامهما حتى قالت هي بتهكمٍ:


"اومال لو كنت قولتله يدعي لعمار هو كمان كان عمل إيه ؟!"

_________________________


في المسجد و بعد صلاة العشاء قام "أيوب" ببدء صلاة التراويح و في تلك اللحظة تأهبت الأجساد فرحًا و طفقت القلوب شوقًا و كأن الحياة زارت الجسد بعد موته و كان هذا الشهر الفضيل للمرء غوثه، صلاةٌ بكت فيها القلوب قبل العيون، و منظر المصليين بجوار بعضهما كما البنيان المرصوص و الجميع في حضرة الله آمن.


انهى "أيوب" الأربع ركعات الأولى من صلاة التراويح ثم أمسك مكبر الصوت يقول بنبرةٍ هادئة:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل عام و حضرتكم بخير و إلى الله أقرب و في رحاب الله مطمئنين هانئين، دلوقتي في راحة قليلة لنسترجع صلاتنا من جديد و في تلك البرهة البسيطة "عمار" هيشرح لينا حاجة مهمة جدًا و إن شاء الله نستمر طوال الشهر على هذا المنوال مع بعضنا، اتفضل يا عمار"


أمسك "عمار" مكبر الصوت ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رمضان مبارك علينا و عليكم إن شاء الله"


رد عليه الرجال التحية و كذلك النساء في الأعلى، فأضاف هو:

"طبعًا النهاردة أول ليلة في ليالي رمضان المبارك، عاوزين نجاهد نفسنا و نحاربها علشان نخرج من رمضان بقلب سليم غير اللي دخلنا بيه، في رمضان احنا بنواجه العدو الحقيقي و هو نفسك الأمارة بالسوء، الشيطان بيتسلسل يعني عدو ضعيف، لكن العدو اللي بجد هو اللي ساكن جواك، العدو اللي بجد هو اللي أنتَ متعرفش مدى قدرته عليك، و هي دي نفسك، خالفها و في مخالفة الهوى نجاة القلب"


توقف لبرهة عابرة ثم أضاف:

"أهم حاجة هتكلم مع حضراتكم فيها النهاردة هو الدعاء، أنا المفروض اتعامل ازاي مع ربنا سبحانه و تعالى في الدعاء؟! المفروض أني ادعي بكل ثقة و بكل يقين و أنا واثق في كرم ربنا عليا في إجابة الدعاء، من شروط إجابة الدعاء أن يستقر في قلبك إن ربنا سبحانه سيستجيب للدعاء، أن يتكل قلبك بكل ثقله على المولى عز و جل، مينفعش أكون بدعي علشان يبقى اسمي دعيت، لأ.... أنا بدعي لأني واثق إن ربنا سبحانه و تعالى هو من يملك الأمر بيده في إجابة الدعاء، طب أنا بدعي كتير و مش بيستجيب ليا، دا معناه إيه ؟؟ معناه إنك تدعي تاني و تالت و مليون، أنتَ بتناجي ربٌ كريم، أتراه يبخل عليك ؟! مستحيل، في الدعاء عامل ربنا باليقين يناولك المستحيل، ربنا سبحانه وتعالى معندوش مستحيل"


كان الجميع يتابعونه بانصاتٍ و اهتمامٍ و خاصةً ذويه و الده الذي ابتسم بتأثرٍ و في تلك اللحظة أخرج "عامر" هاتفه يقوم بتصوير أخيه و هو يتحدث فنظر له الشباب بتعجبٍ حينها جاوب هو بتأثرٍ و عينين دامعتين:

"فخور بيه أوي، حاسس أني عاوز أقول للدنيا كلها انه أخويا"


ابتسموا له ثم عادوا بكامل اهتمامهم لـ "عمار" الذي أضاف:


"ربنا سبحانه و تعالى كرمنا بالدعاء له، حينما ينظر الله في قلب العبد و يجده متوكلًا عليه حينها يعطيه من كرمه، الأمر كله في اليقين و الثقة بالله، و لازم تتأكد إنك بتاخد أجر على الدعاء، بمعنى إن الدعاء لو ما استجابش ليك، بيحصل حاجات كتير ليك، بمعنى إن الدعاء ممكن يرفع عنك ابتلاء أوشك على النزول إليك فقابلته دعوتك و حينها يرفعه عنك الله، أو إن الدعوة نفسها تُدخر لك و تحصل عليها في شيءٍ أخر قد تكون أشد حاجةً له، أو ذنبٍ قد وقعت به لعل دعوتك هذه منعت وقوعه عليك"


تابعه الجميع بانصاتٍ فأضاف هو مُفسرًا من جديد:

"ربنا سبحانه وتعالى قريبٌ مُجيبٌ، طب إيه دليلي على كلامي ؟! سأل أعرابي الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله:


"يا رسول الله !! أقريب الله فنناجيه ؟؟ أم بعيدٍ فنناديه ؟!"


 توقف عن الحديث ثم أضاف مفسرًا قوله:

"يعني واحد راح لسيدنا محمد صل الله عليه وسلم يسأله هل ربنا قريب مننا نقدر نناجيه يعني نكلمه زي ما بنتكلم كدا ؟! و لا بعيد نناديه و ناخد وقت لحد ما صوتنا يوصل ؟! في الوقت دا كان المفروض سيدنا محمد يرد على الأعرابي و لكن في تلك اللحظة نزل الوحي من عند الله سبحانه و تعالى بقوله:

‏﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾"


انهى الحديث بتلك الآية الكريمة ثم تابع من جديد براحةٍ:

"ربنا سبحانه و تعالى مختصرش إجابة الدعاء على حد ؟! مقالش على المصلي و مقالش على الملتزم و مقالش على الشيخ، ربنا سبحانه وتعالى قال أجيب دعوة الداعِ إذا دعاني، يعني اللي يدعي ربنا ربنا يستجيب لدعائه، طب ادعي إزاي ؟! بأي لغة، أنتَ في وقت الدعاء بتكلم ربنا سبحانه وتعالى كلمه زي ما تحب،. بـ لغتك و قول اللي في قلبك و أطلبه منه، ادعي ليك و لأهلك و لأحبتك و لكل الأمة ربنا يديم عليهم الخير و الستر، خليك عارف إن ربنا رحمته وسعت كل شيءٍ، خليك عارف إن قلبك بخير طول ما أنتَ بتحميه إنك تكون في طريق ربنا، حارب في الكام يوم دول، هي دي الهدية اللي بناخدها في السنة، زود طاعات و حارب المعاصي و أقفل اي باب تدخلك منه، و اتكأ بكل قلبك على الدعاء

 اركض للّٰه بِأقصى حُبك، وارفع يديك له بِكامل ضعفك، واعرج بِقلبك إلى السماء، فَاللّٰه أكرم من أن يرى فِي قلبك كسرًا ولا يجبرهُ

وأكرم من أن يردّ كفيك خاليين"


انهى حديثه و استمع لهمسات الناس الداعية لله و ترجوه بكل أملها فقال هو بمرحٍ:

"و ادعولي معاكم بقى ربنا يكرمني و أخلص تعليم و جيش، شكلي مطول"


ضحكوا عليه الناس و "أيوب" أيضًا، فقال "عمار" قبل أن يعطيه مكبر الصوت:

"ادعولي اتجوزها يا جماعة، ربنا يكرم شباب المسلمين كلهم بالحلال يا رب و يبعد عن قلوبنا أبواب المعاصي و الفتن"


زادت الضحكات أكثر عليه و خاصةً عند النساء في الأعلى فقالت "سيدة" بقلة حيلة:

"يخيبك واد !! في بيت ربنا كدا ؟! ربنا يسامحك"


أعلن "أيوب" العودة للصلاة و بدأ من جديد بصوته العذب الخاشع الذي وصل القلوب قبل الأذان و المصليين خلفه منهم من يبكي خشوعًا و تأثرًا و منهم يناجي الله بكامل ضعفه و قلة حيلته و في النهاية هي قلوبٌ بشرية ضعيفة فطرتها الدائمة أن تأنس و تؤنس في رحاب الله و رحمته.

_________________________


بعد عدة ساعات من انتهاء صلاة التراويح اجتمعوا الشباب في شقة "ميمي" و معهن النساء و الرجال فتحدث "عامر" بمرحٍ:


"كل سنة و انتم طيبين يا جماعة، دا اول سحور و الواحد متجوز، احساس حلو اوي ملوش أي لازمة بصراحة"


فاجئهم بكلمته الأخيرة حتى تحدث "خالد" بثباتٍ:

"خليك كدا يا مهزق لحد ما تاخد على قفاك، رمضان الجاي هتكون أب إن شاء الله، وريني هتفتح بوقك ازاي"


خرجت "إيمان" من المطبخ و هي تقول بمرحٍ:

"السحور جهز يلا قوموا، الغجر بييجي بسرعة"


قاموا جميعًا يجلسون على الطاولةِ و الفتيات يقومن بوضع الأطباق على الطاولة في جوٍ مرحٍ بنسمات هادئة تعزف على أوتار قلوب الجميع، و بعد مرور دقائق جلسوا جميعًا حول الطاولة و بدأوا في تناول السحور معًا في أول ليلة من ليالي رمضان المبارك.


و قبل أن يتناولوا الطعام تحدث "ياسر" يقترح على أخيه:

"واد يا عامر !! بما إن دا أول سحور يجمعنا كدا قوم خدنا صورة من الحلوين بتوعك، دي أول مرة نتجمع كدا كلنا"


تحدثت "خديجة" بلهفةٍ:

"دا أول سحور ليا و أنا عارفاكم كلكم و معاكم، كل سنة و انتم طيبين"


تدخل "رياض" يقول بنبرةٍ ضاحكة:

"دا أول رمضان الواد ياسين مش هيدعي فيه إن أمه تبطل تجيبله عرايس، و لا هيدعي ببنت الحلال تاني"


انتشرت الضحكات على "ياسين"

اللي أمسك يدها يرفعها أمام والده و هو يقول بثقةٍ و ثباتٍ:

"لقيتها خلاص، هدعي ربنا يديم وجودها ليا و تفضل معايا الباقي من عمري، ريح يا حج كل سنة و أنتَ طيب"


رد عليه "رياض" ببساطةٍ و لا مبالاةٍ و كأنه لا يكترث من الأساس:

"و أنتَ طيب يا حبيب أبوك، مش فارق معايا عادي، هسكت أحسن بدل ما اتكلم و اقول إن عامر بيتسحر زبادي بالفراولة"


زادت السخرية أكثر منهم جميعًا و ضحكاتهم و خجل"خديجة" و فرحتها وسطهم و هي تفكر إذا لم تقترن بهذه العائلة فكيف كان حالها الآن؟؟"

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» و تحديدًا في الطابق المخصص لمناسبات العائلة جلست العائلة بأكملها بدايةً من "محمود" كبير العائلة و حتى "فارس" أصغر فرد بها.


قامت "مشيرة" و فتيات العائلة بتجهيز السحور و وضعه على الطاولة أمام العائلة و كان الطعام بكمياتٍ هائلة و كبيرة حتى يكفي ذلك العدد الكبير.


نظر "محمود" حوله في وجوههم جميعًا ثم قال بهدوء:

"كل سنة وانتم طيبين يا ولاد، رمضان مبارك عليكم و ربنا يسعدكم و يزيدكم قرب و ثبات على طاعته، ربنا يبعد عنكم كل شر"


ردوا عليه جميعًا فتحدث "حسن" بسخريةٍ:

"هو إزاي وليد قاعد معانا عادي ؟! هو مش المفروض الأشكال دي تتسجن برضه في رمضان ؟!"


رد عليه "وليد" بتهكمٍ:

"طالع بكفالة يا خفيف"


رد عليه "حسن" بايجازٍ:

"كفارة يا نجم"


تحدثت "خلود" في تلك اللحظة تقطع حديثهما:

"طب يا جماعة أنا مبعرفش اتسحر ينفع أطلع أنام و حد يصحيني كمان شوية أشرب ؟!"


تحدثت "جميلة" بلهفةٍ:

"لأ مينفعش لازم تتسحري، السحور دا بركة، مش مجرد وجبة و خلاص يا خلود"


طالعتها "خلود" بتعجبٍ فأضافت "جميلة" مفسرةٍ:

" احيانًا بنتعامل مع السحور ده كأنه أكلة بسد بيها جوع الصيام و بس، أو هاكل مع اللي بياكلوا و خلاص، مليش فيها أي نية تانية أو شايفها حتى عبادة !..


•يعني مش بتسحر مثلًا عشان النبي ﷺ قال :

 " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً "!! البخاري

فـ بسبب أكلة السحور دي تآخد بركة، بركة في صحتك وعافيتك وصومك طول اليوم .


• أو إنك بتتسحر عشان النبي ﷺ قال :

 " إِنَّ اللهَ وملائِكتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتسحرِينَ"!! 

ص.الألباني.

فـ بسبب السحور ربنا وملائكته يصلوا عليك، وصلاة الله على عباده تعني الرحمة لك، وصلاة الملائكة الدعاء لك... قاعد تتسحر ورحمات نازلة وبركات، وكمان ملائكة بتستغفرلك وتدعيلك !!


• فالسحور مش روتين يومي، السحور عبادة لله، حتى لو كان فعلًا ملكش نفس كُل حاجة خفيفة علشان أنت مش بتسد جوع بس، أنت بتعبد .

 ومجرد سحورك مع خطور الصوم ببالك إنك هتصوم بكرة دي كدا نية للصيام"


أنهت حديثها ثم أضافت من جديد:

" النهاردة ليلة السحور و الليلة دي فيها أربع سُنن تكون في هذه الليلة:

 [ تبييت النية للصيام ]

قالﷺ (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)


 [ دعاء رؤية الهلال ]

كانﷺ إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله)


[ قيام ليل رمضان ]

قالﷺ (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)


 [ السحور ]

قالﷺ (السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)

وقالﷺ (تسحروا فإن في السحور بركة)

وقالﷺ (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر).


5-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث تعجيل الفطور وتأخير السحور:

 "ما زالت أمتي بخير ما عجّلوا الفطور وأخّروا السحور"


6-دعاء الإفطار:-

دعاء الصائم عند الإفطار هو سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصةً أنه كان إذا أفطر قال: “ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله”؛ رواه أبو داوود.

وكل عام وانتم بخير"


انهت حديثها و هي تفسر لهم ما درسته و تعلمته حينما تعمقت في الدين الاسلامي و الأعين تطالعها بفخرٍ و زهوٍ و منهم من تمنت أن تصبح مثلها، شرعوا جميعًا بعد حديثها في تناول الطعام بعدما فهموا منها فضل تلك الليلة و تلك الوجبة في أول سحورٍ يمر عليهم جمعهما سويًا ليكون كلًا منهم مثل طوق النجاة للأخر يشدد أذره و يأخذه من دربٍ معتمٍ نحو النور، و يعاونه في إنارة بصيرته. 


       _____________________________


عيلة الرشيد و عيلة الشيخ اتسحروا و انتم لسه ؟! قوموا اتسحروا و كل سنة و حضراتكم بخير و رمضان مبارك علينا وعليكم جميعًا.

الفصل الواحد والثمانون من هنا


 

تعليقات



×