رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل الثمانون 80 بقلم فاطمه عبد المنعم


  رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل الثمانون بقلم فاطمه عبد المنعم

كيف لعين اعتادت أن ترى كل هذا القدر من القبح أن ترى جمالك؟ 
كيف لروح اعتادت القسوة أن تألف برائتك؟ 
وكيف لمضطرب اعتاد القلق أن يحصل على الطمأنينة في كنفك؟ 
ألف كيف وكيف ولكن الإجابة الوحيدة لكل سؤال، والراحة الوحيدة من كل مشقة ليست سوى أنتِ.

لو كان الدفء يُشترى لكان أول واحد فعلها هكذا حدث "منصور" نفسه وهو يتناول وجبة الغذاء مع ابنه "جابر" وقد خيم الصمت تماما، قطعه "منصور"  حين بادر بالسؤال عن زوجة ابنه سائلا:
مراتك منزلتش تتغدى ليه؟ 

رفع "جابر" كتفيه دلالة على عدم معرفته ثم تابع تناول طعامه حتى سأله والده بنظرات ثاقبة:
مالك ومال بنت "هادية" يا "جابر" ؟ 

رفع عينيه لوالده وسأل بسخرية:
ده أنا متراقب بقى؟ 

هز "منصور" رأسه يؤكد حديث ابنه قائلا:
ماهو لما غيابك يكتر ويبقى بالأسابيع لازم اعس وراك، 
وشوف يا شيخ مبقاليش اسبوع ممشي واحد وراك والاقيك عمال تتنطط للبت ولا عيل في الاعدادية وسايب حالنا ... 

قاطع والده صائحا بغضب:
يخربيت أم حالنا... فين حالنا اللي أنا سايبه ده؟... 
كفاية بقى. 

نظرة تحذيرية من عيون والده جعلته يتراجع عن غضبه وبقول بعد أن تنهد بثقل:
حقك عليا يا حاج، لكن مفيش حاجة في حالنا عطلانة... الشغل ماشي زي الفل، الأرض اللي اتحرقت شغال فيها على اخري، وبدور اعرف مين اللي عملها لكن انا مش هروح اجيب ابن نصران واجر في شكله واحنا مش متأكدين. 

قاطع حديثهما صوت الخادمة التي استأذنت قائلة:
في واحد برا عايز... 
لم تكمل جملتها حيث دخل "طاهر" الذي عاد من عمله قبل قليل، وكانت وجهته الأولى بعد أن استبدل ملابسه إلى هنا، وقف "منصور" الذي رأي الغضب في وجه ضيفه وقال بتأنيب:
البيوت بتدخل كده برضو يا بن الحاج "نصران".

تخطاه " طاهر" ليقف أمام "جابر" سائلا بنظرات قاتلة:
هو أنت مش متجوز؟ 
تصنع "جابر" الاستغراب وسأله:
عندك عروسة ولا ايه؟ 

ضرب "طاهر" على كتفه قائلا بتهكم:
أبوك يبقى يدورلك عليها... 
احتدت نظراته وهو يكمل بنبرة تحذيرية:
وابعد عن "شهد".

أثار دفاعاته فارتفع صوت " جابر" معلقا:
مالك أنت ابعد ولا أقرب ... بصفتك ايه تيجي تقولي الكلام ده؟ 

ضحك "طاهر" ورد عليه بهدوء: 
من غير صفة، اعتبرني من بقية أهلها وبقولك ابعد عنها يا "جابر" وكفاية أوي اللي بيننا وبينكم متزودهوش. 
استدار لمنصور مضيفا:
عقل ابنك يا حاج. 

أنهى ما أتى من أجله وتحرك ناحية البوابة وقبل أن يرحل تماما ألقى عليهما نظرة هاتفا بتوعد:
لو عرفت إنك قربت ناحيتها تاني يا "جابر" متلومش إلا نفسك، وابقى ساعتها افتكر إني جيت واتكلمت بالحسنى يا بن الناس. 

استدار مغادرا وعقب مغادرته بصق "جابر" في أثره... لم تكن غافلة عما يحدث كانت "ندى" تتخفى أعلى الدرج تستمع لكل كلمة تُقال، تعرف بعلاقة زوجها الجديدة، مسحت عبراتها بقهر وهي تبتلع غصة مريرة في حلقها ثم أنصتت وهي تسمع والد زوجها يسأل:
أنت عايز ايه من البت دي؟ 
_ هتجوزها. 
هكذا قالها ببساطة جعلت والده يجذبه من ملابسه وقد ظهرت الشراسة على تقاسيمه وهو يعنف ابنه:
ده أنت عقلك فوت على الاخر، أنا كنت سايبك وبقول بيتسلى، يومين وهيزهق، لكن جاي تقولي تتجوزها... ومراتك؟ 

صاح حتى تسمعه زوجته في الأعلى:
مراتي دي تحط الجزمة في بوقها وتسكت، وتعيش هنا زيها زي الجزمة، أقل خدامة في البيت ده ليها كرامة عنها وأنا بسمعها اهو علشان تنزل تنطق وتقول مش عاجبني. 
بالفعل اتجهت لتنزل له، لم تتحمل أكثر، كانت دموعها في سباق وهي تسأله بانفعال صارخة أثناء نزولها:
مين دي اللي تحط الجزمة في بوقها وتسكت يا حقير، هو أنا الجارية اللي أبوك اشترهالك. 

حثها "منصور" برجاء:
اطلعي يا ندى فوق دلوقتي.

ابتعد "جابر" عن والده واتجه ناحيتها، وقال وهو يجذبها من خصلاتها:
دي تتجاب من شعرها كده، متتكلمش معاها بالراحة. 
انتفضت وهي تحاول أن تبعده عنها، اسرع والده ناحيته ودفعه بعيدا صائحا:
انت اتجننت يلا.
ما إن ابعده "منصور" عنها حتى هرولت إلى المائدة تجذب السكين من فوقها وتتجه ناحيته صائحة بغل:
هو أنت كنت تحلم أصلا تطول ضفري، ده أنت تحمد ربنا ليل نهار إني عايشة معاك ومستحملة قرفك وعيشتك الزبالة يا زبالة. 

_ عايشة معايا بفلوسي، العنتظة الفارغة دي فوقي منها. 
قالها وهو يحاول إبعاد والده عنه حتى ينل منها ولكنها رفعت السكينة أمام وجهه قائلة بتهديد:
اقسم بالله العظيم، قدامك وقدام أبوك لو قربت مني تاني يا جابر وحاولت تضربني لهموتك ومش هبقى على حاجة... أنا جبت اخري خلاص ولا هيفرق معايا. 

صرخ "منصور" بغضب:
ما قولت اطلعي فوق. 

ألقت على زوجها نظرة توضح له فيها كم تمقته ثم بالفعل اتجهت إلى الأعلى، ما إن تأكد "منصور" من رحيلها حتى دفع ابنه بكلتا يديه فالتصق بالحائط خلفه ووالده يقول منهيا الحوار:
اسمع ياض أنت... أنا هعتبر الكلام اللي قولته من شوية عن البت بنت هادية لعب عيال، خليك مع مراتك، أنا معنديش استعداد اخسر اللي ليا مع عمها، مراتك تهم بنت عمها اللي ممكن تضغط على أبوها وتخليه يدفع الفلوس اللي على حماك وساعتها احنا اللي هنخسر... 
بدا عدم الرضا على وجهه فربت "منصور" على وجهه محذرا:
اعقل يا "جابر"، مصالحي مع ثروت كتيرة و معنديش استعداد اخسره علشان لعب العيال ده، تروح بكرا الصبح تجبلها هدية وتطلع تحب على راسها وتعرف ازاي تتعامل معاها، وامتى تشد وامتى ترخي

عبر عن اعتراضه حين قال بضجر:
أبوس رجلها كمان بالمرة؟ 
هز " منصور" رأسه وهو يخبره:
لو مصلحتنا بتقول انك تبوس رجلها هتبوس... اسمع الكلام لحد ما اللي لينا نخلصه، وساعتها مش هقولك أنت بتعمل ايه. 
بينما في التوقيت نفسه كانت هي في الأعلى، هذه اللحظات هي في أشد الاحتياج إلى ابنة عمها التي لا تترك "شاكر" طوال اليوم، أخرجت ملابسها وقررت الذهاب لها ولكن قطع ذلك دخول "ميار" ابنة عمها الاخرى والتي بقت هنا هي ووالدها في ضيافة "منصور" منذ ما حدث مع زوج ابنة عمها. 
مسحت "ندى" دموعها وسألتها بضيق:
مش تخبطي يا "ميار"؟ 

_ sorry مخدتش بالي 
كان ردها أكثر استفزازا من فعلتها فتجاهلتها " ندى" وبدأت في تجميع ثيابها للذهاب للمرحاض، ولكنها وقفت حين سمعت "ميار" تقول بحذر ونبرة منخفضة:
ندى أنا عايزة أقولك حاجة. 

تنهدت "ندى" وقد نفذ صبرها ثم طلبت من ابنة عمها بإرهاق:
ممكن وقت تاني؟ 
ذهبت "ميار" ناحية الباب لتتأكد من كونه مغلق ثم جلست على المقعد وقالت:
حاجة بخصوص شيكات عمو خليل. 

احتدت نظرات "ندى" وهي تسألها:
وأنتِ عرفتي منين يا "ميار"؟ 

طالعتها فبان الصدق في عينيها وهي تقول:
بصراحة سمعتك أنتِ وبيري وأنتم بتتكلموا كنتوا سايبين الباب مفتوح، وكمان سمعتك وأنتِ بتقولي انه بابا  عمو ثروت مرضيوش يسلفوه قبل كده علشان كده هو استلف من عمو منصور. 

تلاحقت أنفاس " ندى" بضيق وهي تسأل "ميار":
وجاية تعايريني يعني ولا ايه؟ 

هنا فقط تحدثت بنبرة متأثرة وقد انكمشت ملامحها بحزن:
لا يا ندى، أنا عارفة إن احنا ممكن نكون مش شبه بعض، أو تكون بيري أقرب ليكِ مني، لكن أنا فعلا زعلانة عليكِ، وخصوصا بعد ما شوفت اللي عمله 
" جابر" تحت . 
لم ترد "ندى" انتظرت بقية الحديث وبالفعل كان لدى "ميار" ما يهمها حيث قالت بحذر ونبرة منخفضة:
بعد ما سمعتكم وعرفت بموضوع الشيكات وإنك شاكة انها في الخزنة ...أنا كنت دخلت المكتب وعمو منصور وبابا وعمو ثروت بيتكلموا، لقيت عمو منصور بيقولهم هوريكم الورق ففضلت واقفة، 
كنت هقول حاجة لبابا بس هو قالي استني هشوف حاجة واركزلك، وقتها عمو "منصور" فتح الخزنة وأنا شوفت الباسورد بس هو طبعا ميعرفش اني كنت مركزة اني اشوفه. 

أسرعت "ندى" ناحيتها والتقطت كفها تقول بلهفة:
بجد يا ميار؟... بجد معاكِ الباسورد؟ 

هزت "ميار" رأسها ثم استفسرت:
بس هتعملي بيه ايه؟... محدش أصلا بيدخل الأوضة غير بإذن عمو "منصور" على كلامك. 

_ أنا هتصرف، اديني بس الباسورد. 
التشوق لمعرفة الرقم السري في نبرتها أغرى "ميار" لتقول بابتسامة ماكرة:
Ok  أنا موافقة 
بس عندي شرط.
قل الأمل في عينين "ندى" تدريجيا وهي تسألها:
شرطين ايه؟ 

ردت على سؤالها بابتسامة:
أنا سمعت من فوق الحوار اللي دار تحت، البنت اللي جوزك عايز يتجوزها دي معايا في الكلية، عرفتها من الشاب اللي دخل وقال لجابر يبعد عنها. 

هتفت ندى بعنف:
تولع هي وهو ميفرقوليش. 

هزت "ميار" رأسها نافية وهي تخبرها:
ما هو الشرط بقى اني عايزاكي تروحي البيت عندهم وتعمليلها فضيحة عند مامتها، وقولي انها بتحاول توقع جوزك وبنت مش كويسة... وتاخديني معاكِ، علشان بسبب البنت دي انا اتعرضت لموقف وحش قدام كل أصحابي وعايزة أردهولها
كانت سترفض ولكن ابنة عمها رفعت سبابتها محذرة:
هزعل لو قولتي لا، و عايزاكي تعرفي انك قبل ما تروحي المشوار ده هقولك الباسورد. 
تحفزت حين تذكرت أن شقيقتها "ملك"، ابتسمت وهي تخبرها:
هلبس وهروحلهم حالا. 

_ كده يبقى  Deal. 
هكذا قالت " ميار" وأتبعت قولها بوضعها ورقة مطوية على فراش "ندى" أخذتها الأخيرة بلهفة وهي تسمع قول "ميار" الهامس بحذر:
باسورد الخزنة اهو. 
طالعته "ندى" بعينين لمع فيهما بريق الأمل، الأمل بأن الخلاص على وشك الحضور لتتحرر من هذا السجن إلى الأبد. 

★***★****★****★***★***★***★***★

كان معها في سيارته، في طريقه إلى القاهرة وبجواره خالته التي أصرت على الذهاب معه والعودة إلى منزلها الذي افتقدته، كان منظر غروب الشمس بديع جعله يبتسم ثم استدار لخالته سائلا بغيظ:
وكأني كنت بعذبك عندنا على الفرحة دي كلها.

ابتسمت ثم شرحت له أسبابها تحاول إقناعه:
يا حبيبي أنا مش برتاح غير في بيتي، وببقى فرحانة كده بزيارتك ليا، بحس إن المكان بتاعي أعمل اللي أنا عايزاه وأطبخلك اللي أنا عايزاه، لكن عندكم مهما كان برضو هفضل ضيفة.

أبدى انزعاجه مما قالته حين رد عليها:
شوف الكلام اللي يضايق بقى.

ضحكت وربتت على كتفه قائلة:
خلاص متزعلش....
تذكرت شيء ما فسريعا ما أضافت:
مجبتش "ملك" معانا ليه؟

أوقف سيارته أسفل منزلاها وقد وصلا أخيرا إلى وجهتهما في القاهرة، نزل أولا ثم فتح لها باب السيارة وأخبرها:
عندي شغل كتير وهو هقعد اليوم وهرجع فحسيت انها ممكن تمل من الجو قولت بلاش أحسن المرة دي. 

_ ما كانت هتقعد معايا يا بني لحد ما تخلص شغلك وتروحوا... تمل ليه بقى؟ 
رد على قولها وهو يضحك أثناء صعودهما الدرج:
وهو أنا جايبها تقعد معاكِ يا "ميرڤت" ؟... أنا كنت هجبها علشان تقعد معايا أنا. 

ضحكت وهو يفتح باب المنزل وقد استبدل المفتاح القديم باخر لضمان عدم استطاعة "كارم" الدخول، ثم ما إن دخلا حتى علقت بغيظ:
لسانك ده عايزله مقص... اهدى على البت شوية يا "عيسى" مش قدك هي. 
_ أنا مسالم خالص والله، ولساني مبتطلعش منه العيبة أبدا. 
هكذا هتف ببراءة جعلت ضحكاتها تعلو وتبعتها بسؤال:
طب يا أستاذ مسالم، تحب تتغدى ايه بقى على ما تنزل تروح المعرض وترجع؟ 

جلس على الأريكة وأراح ظهره وهو يطلب منها:
لا متقفيش في المطبخ أنا هجيب أكل من برا. 

رفضت بشدة قائلة:
لا، أنا نفسي اطبخ، أنا راجعة بيتي مخصوص علشان أطبخ. 

رد بتهكم وهو يعبث بهاتفه:
اطبخي يا اختي... ستات غاوية شقا. 
ضربته بخفة وهي تتجه لغرفتها لاستبادل ملابسها فضحك وتابع النظر لهاتفه وقد فتح تطبيق الرسائل (Whattsap) فوجد صديقه يحادثه:
وصلت القاهرة؟ 
أرسل له مقطع صوتي يقول فيه:
اه أنا عند "ميرڤت"... المهم شوفتلي اللي قولتلك عليه؟ 

رد عليه صديقه مطمئنا:
اه جبتلك واحدة ثقة وهتبقي متطمن وهي معاها. 

_ لما نشوف يا " بشير".
خرج من محادثته مع صديقه وقد أن يخرج من التطبيق ابتسم وهو يرى صورة "ملك" جوار محادثته معها، انكمش حاجبيه وقد غيرت هي الصورة ففتحها سريعا ليرى الصورة التي وضعتها كانت صورة لها في المحل تأمل ابتسامتها ولكن سريعا ما اختفت ضحكته وهو يرى الصورة قد تم استبدالها، يبدو أنها لم تعجبها فأسرعت تغيرها، تطلع إلى الجديدة ليجدها صورة لها مع شقيقتها "مريم"، ثوان وأعادت الصورة القديمة ثم ثوان اخرى واستبدلتها بصورتها مع " مريم" مما دفعه لإرسال:
أنتِ اللهم لا حسد عندك كمية تردد تتوزع على مصر والبلاد المجاورة.

شهقت بصدمة حين رأت رسالته، لم تظن أبدا أنه يراقب تغييرها للصورة، حاولت البحث عن إجابة ولم تجد نفسها تكتب له إلا:
ده مش تردد ده فن اختيار الصورة المناسبة.

_ هو أي صورة في الدنيا أنتِ فيها هنعتمدها صورة مناسبة خلاص. 
ابتسمت بحب على رسالته ثم أرسلت له:
شكرا يا "عيسى".

رد على رسالتها ضاحكا:
وحضن لما ارجع ان شاء الله 
اتسعت ابتسامتها وكذلك كان هو قبل أن يغلق الهاتف ويسند رأسه على الأريكة وقد أغمض عينيه ليسترخي قليلا، ما إن أغمض عينيه حتى داهمته ذكريات سوداء، شرد ليرى أمامه طفل صغير تطلب منه خالته بدموع:
عيسى ممكن متقولش لبابا إن عمو كارم زعلك... عمو كارم طيب والله وهو هيصالحك، هو بس متعصب شوية. 
صبي على مشارف عامه الثالث عشر، يوافق من أجل خالته ومن أجل ألا يعود لمنزل هجرته أمه، يخرج للجلوس من والده بابتسامة واسعة، والده الذي ما إن وقعت عيناه عليه حتى هرول يحتضنه ويخبره كم يفتقده، بان الحماس في نبرة والده وهو يقول:
أنا هاخدك بقى وهتقضي الاسبوع ده معايا... مأجر شقة قريب من هنا، والأسبوع ده بحاله ليك طالما مش عايز ترجع معايا. 
كان سعيد حقا وظهر هذا جليا في ضحكته الواسعة التي لم يوأدها سوى صوت "كارم" الذي قال بود مزيف:
أنت نورت يا حاج نصران. 
مشهد اخر يمر عليه يسمع فيه صوت "كارم" ينادي بنبرة غاضبة:
يا زفت يا عيسى. 
_ مسميش زفت. 
كان الرد على اعتراضه هو سحب "كارم" كتاب الصبي من يديه وتمزيق الصفحة التي يقرأها بحقد دفع الصبي ليضرب بقدمه الأرجيلة الموضوعة أمام زوج خالته فسقطت أرضا وانتشل كتابه من بين يديه صارخا بعدائية:
أنت متجيش جنب كتبي، وملكش دعوة بيا. 
كانت خالته المنقذ الدائم في مثل هذه المواقف يتذكر أنها أتت وأدخلته سريعا لغرفته وبقت هي تتشاجر مع زوجها الذي بدأ في سرد شكواه من أنه عنيف،خصالة سيئة، يحتاج لتقويم وتهذيب... ذكريات كثيرة دفعت الدموع لتهاجم مقلتيه ففتح عينيه واعتدل في جلسته يفرك عينيه بعصبية ولم يسكن إلا حين تذكر... حين تذكر نظرة الذعر في عين "كارم".... كان في التاسعة عشر من عمره وزوج خالته يحاول التطاول عليه، يتذكر كيف نشطت دفاعاته، كيف تمكن الغضب منه ففقد السيطرة وتسلمها الغضب، لم يكن هو بل كان شخص اخر المتحكم به عنفه وحينها أبرح زوج خالته ضربا في غياب خالته، لا ينسى كيف قرر بعد أن شفى غليله أن ينتقل ليبقى بمفرده في سنوات دراسته في كليته... فاق من كل هذا بعينين غزاهما الاحمرار وعقل يكرر عليه شيء واحد فقط ليسكن، يكرر عليه أن كل شيء انتهى، لقد انتصر... في النهاية الفائز هو. 

★***★***★***★***★***★***★***★

_ " يزيد" أنت ليه بتكون شاطر في اللعب بس؟... ليه مش بتفتح معايا في عمايل ال homework  ؟ 
هكذا هتفت "رفيدة" بضجر للصغير الذي طلب برجاء:
طب ناخد راحة ساعتين بس. 
كررت خلفه باستنكار:
ساعتين؟... عايز راحة ساعتين يا مفتري وأنت مقعدتش على الكتاب غير ربع ساعة... 
هز رأسه ببراءة مما جعلها تصيح بغيظ:
واد أنت أبوك قال لو خلص مشاويره ورجع لقانا خلصنا هيجيبلنا شاورما... بطريقتك دي هو هيجبلنا البوليس. 

دخلت "سهام" بعد أن دقت الباب وقالت بابتسامة:
انزل يا حبيبي العب تحت شوية هتكلم بس مع "رفيد.... 
لم تكمل حيث صرخ بحماس:
هييييه. 
وقفز يهرول نحو الخارج و" رفيدة" تصيح:
ولا. 
استدارات تعاتب والدتها:
ليه بس كده يا ماما ده أنا مثبتاه مكانه بالعافية. 

جلست "سهام" على الفراش أمامها ومسحت على كفها وهي تقول بابتسامة حانية:
معلش، عايزة اتكلم معاكِ شوية. 
أعطت والدتها كامل انتباهها وسألتها بقلق:
خير يا ماما؟ 

_ لا مفيش حاجة متقلقيش. 
هكذا قالت "سهام" ثم أضافت برفق:
أنا بس كنت عايزة أقولك بالراحة على "يزيد" شوية، سايسيه، هو يا حبيبي اتحرم من امه وهو صغير ومحتاج حنان مننا كلنا. 

أسرعت "رفيدة" تدافع قائلة:
ليه يا ماما الكلام ده، ما انتِ عارفة كلنا بنحبه قد ايه، ومحدش فينا مقصر... 
ضحكت وهي تقول:
بس الواد ده عليه شقاوة ولا العفاريت. 

ضحكت "سهام" وضربتها على كفها قائلة بغيظ:
ما أنتِ كنتِ كده، وأبوه كان كده. 

قطع حديثهما دقات "تيسير" على الباب فسمحت لها "سهام" بالدخول، أعطتهما ابتسامة قبل أن تقول:
ما ردتيش عليا يا ست "سهام" علشان أبلغ البنت. 

سألتها "سهام" بهدوء:
جبتيلي بطاقتها؟ 
أخرجت "تيسير" البطاقة تعطيها لربة عملها بينما سألت "رفيدة" باستغراب:
مين البنت دي يا "تيسير"؟ 

جاوبتها " تيسير" وقد بان التأثر على تعابيرها:
دي هالة زميلة بنتي في الكلية، البت حالتها صعبة أوي يا أستاذة رفيدة، كلمت بنتي في إننا نكلملها الحاج "نصران" لو ينفع تشتغل هنا، هي مش من البلد هنا بس عرفت عن الحاج من كلام بنتي، فأنا قولت للست "سهام" وهي كتر خيرها قالتلي هتسأل عليها ولو كده تبقى تيجي تساعدني ولا تعمل حاجة معايا. 

طالعت "رفيدة" والدتها بحنان وقالت "سهام" للواقفة:
خلاص روحي يا تيسير وأنا هسأل عليها وأبلغك. 
تمتمت لها "تيسير" بالدعاء وما إن غادرت حتى احتضنت "رفيدة" والدتها مصرحة:
أنتِ أحن ست في الدنيا، وأجمل ست في الدنيا... أنا بحبك أوي. 
ضمتها بحب وهي ترد بمشاعر صادقة:
أنا اللي بحبك أوي يا حبيبتي، أنتِ واخواتك، 
عايزاكم دايما جنبي يا "رفيدة"، اوعوا تسيبوني مهما حصل وعملت الأيام... أنتوا الضهر اللي مخليني صالبة طولي من غيركم أقع وانتهي. 

_ بعد الشر عليكِ يا ماما، طبعا يا حبيبتي دايما معاكِ، هو في حد يبقى عنده أم قمر كده ويسيبها برضو؟ 
كان هذا سؤالها ثم انهالت على والدتها بالقبلات وضحكاتها تتعالى، كانت سعادة " سهام" لا توصف، لحظات تطمأنها وتؤكد لها أنها زرعت، وزرعتها لن تفرط بها أبدا. 

★***★***★***★***★***★***★***★

_ "شهد" اعمليلي ليمون. 
هكذا هتفت "مريم" التي تجلس باسترخاء شديد على الفراش وما إن تحدثت "شهد" وأبدت اعتراضها حتى قالت:
ايه ده مش عايزة تعملي ليمون؟... خلاص أنا اروح أقول لماما بقى على اللي شوفته يوم الكافيه وا.. 
قاطعتها صارخة بضجر:
هعمل، هعصر على نفسي طن ليمون وهعملك ليمون 

ردت على قولها بابتسامة واسعة متبعة بقولها:
بنعناع... اعمليه بنعناع، ويلا علشان ماما كانت قالتلي قبل ما تنزل المحل ابص على  الفطاير في الفرن، فابالمرة بصي عليهم. 

_ يووه. 
هكذا صاحت "شهد" بضيق وهي تنفذ طلبات شقيقتها حتى لا تكشف سرها لدى والدتها في حين هتفت "مريم" من الداخل:
تعملي الحاجة بنفس راضية علشان مفتنش عليكِ يا بتاعة الكافيهات. 

_ ايه حوار الكافيهات ده؟ 
كان هذا سؤال "ملك" وتبعته بقول:
ويزيد كان قالي ان عمته اتخانقت معاكم وكلام كتير كده مفهمتش منه حاجة. 
طلبت تفسير وهي تمشط خصلاتها وقد جلست على المقعد المجاور لفراش شقيقتها فردت " مريم":
استني هحكيلك من الأول خالص. 
لم تكد تبدأ في سرد ما حدث حتى سمعن دقات عنيفة على الباب من الخارج، كانت والدتهم وقد اصطحبت معها شابتين ... خرجت "مريم" وقد ارتدت حجابها وتبعتها "ملك" التي ما إن فُتِح الباب حتى تسمرت مكانها وهي ترى من تعرفها جيدا... إنها "ندى" 
قطع هذا المشهد صوت "هادية" التي قالت:
الهوانم بيقولوا انهم عايزين يقولوا لشهد حاجة قدامنا. 
عند ذكر اسمها خرجت من المطبخ وطالعتهما باستغراب، توجهت بالسؤال لميار:
أنتِ جاية عندنا ليه؟ 

ألقت "شهد" القطعة القماشية التي استخدمتها في فتح الفرن من يدها، وكتفت ذراعيها أمام صدرها منتظرة رد حتى قالت "ندى" بانفعال:
طب ما أنتِ والدتك محترمة أهو، وشكلكم ناس كويسين، رايحة بتلفي على واحد متجوز ليه بقى؟ 

كررت "شهد" خلفها وهي ترى نظرات والدتها الحادة:
واحد متجوز مين يا ست أنتِ، في ايه يا "ميار" هو أنتِ هتحدفي البلاوي عليا في الكلية وهنا كمان 

عرفت "ندى" عن نفسها لهادية:
أنا مدام ندى الأسيوطي مرات جابر ابن الحاج منصور اللي بنت حضرتك مش عاملة اعتبار انه متجوز وماشية وراه في كل حتة 

أضافت "ميار" بابتسامة:
يعني من الاخر كده رامية نفسها على جوز بنت عمي يا طنط. 

أسرعت "مريم" تدافع عن شقيقتها قبل أن تنطق هي:
مين دي اللي رامية نفسها عليه؟... متصدقيهاش يا ماما... 
قاطعتها "شهد" وهي تقترب من "ندى" قائلة بضجر:
والله لو حد رامي نفسه على التاني فهو جوزك، شكلك كده مش مكفياه في بيته. 

أهانتها ولن تقبلها هي بل ردتها سريعا وهي تصوب نظراتها تجاه "ملك" وكأنها تخبرها هي:
لا هو الرجالة كلهم كده، يبقى معاهم برنسيس بس هما كيفهم الزبالة. 

_ مين دي اللي زبالة يا.... 
قاطعتها "ملك" وهي تقترب:
استنى يا "شهد".
ابتسمت " ملك" وهي تخبر والدتها بهدوء لفت الأنظار لها:
في تعريف يا ماما مدام ندى نسيت تعرفهولك عن نفسها... نسيت تقولك إنها كانت خطيبة عيسى القديمة... بتقصديني أنا بالزبالة بقى صح؟

أصبح الحوار في ناحية اخرى تماما وخاصة حين جاوبت "ندى" بابتسامة صفراء:
أنا موجهتلكيش كلام أصلا، أنا جاية هنا علشان جوزي اللي اختك المش محترمة بتسعى في خراب بيته. 

هتفت "هادية" بحدة محذرة: 
اسمعي كلمة كمان وهمشيكي من هنا متهانة، أنتِ واقفة في بيت ناس المفروض تحترميهم. 

_ معلش يعني يا طنط تحترم شهد ازاي وهي عايزة تخطف جوزها الله. 
ردت عليها "شهد" بغضب:
أخطف جوز مين يا جوز جزم انتوا الاتنين، حاولت تخطي والدتها قائلة:
سيبيني بقى أنا اتكلم معاهم. 

لم تسمح لها والدتها التي سمعت "ندى" تقول:
قبل ما تكلميني عن الاحترام كنتِ ربتيها... 
وقع الحجاب على كتفي "ملك" وهي تقف في مواجهة ندى قائلة:
لا معلش أنا اختي متربية، حتى لو غلطانة ومحتاجه نعرفها غلطها أنتِ اخر واحدة المفروض تتكلمي.. 

سألتها "ندى" بتهكم:
ليه لساني مقطوع ولا ايه؟ 
ردت عليها "ملك" بابتسامة:
لا لسانك سليم والحمد لله، لسانها ده يا ماما قالتلي بيه وهي معزومة معايا عند عمو نصران جوزك لسه بيحبني ولو مش مصدقة بصي على دراعه. 

هنا صمت الجميع أمام الحقائق التي تفجرها "ملك" والتي بهتت أمامها "ندى" و"ملك" تكمل:
كنت لازم ساعتها أنا كمان بقى أروح لأهلك وأقولهم ربوها علشان مفيش واحدة محترمة تروح تكيد واحدة وتقولها جوزك بيحبني وكأنها فرحانة إن جوزي بيحبها. 

_ وهو ايه اللي على دراعه يثبت إنه بيحبها؟ 
سؤال فضولي لم تستطع "مريم" كتمه ولكن الرد عليه لم يكن مرضي لفضولها حيث قالت "ملك" ونظراتها لا تفارق "ندى":
مفيش حاجة على دراعه، أصل أنا قولتله ممكن يا حبيبي أبص على دراعك وخصوصا كتفك، وهو متأخرش ووراني... وراني علشان يثبتلي إنه مبيحبش حد غيري. 

أدركت " هادية" صدق حديث ابنتها فالنظرات في عين "ندى" ليست عادية، الغيرة القاتلة واضحة في عينيها وعلى تعابيرها ووجهها المكفهر، تصوب لابنتها مقت شديد ينذر بأنها لو استطاعت لقتلتها حتى في ردها ظهر هذا واضحا حيث قالت بنبرة بان فيها غلها:
أنتِ كدابة مفيش حاجة من دي حصلت، أنا متكلمتش معاكِ عند عمو نصران أصلا. 

_ بجد ما اتكلمتيش معايا؟ 
هزت "ندى" رأسها وهي تخاطبها بتعالي:
اه، وعايزة أقولك حاجة...اللي يعرف "ندى" مينساهاش مهما عرف بعدها وخصوصا لو كانت حبه الأول. 

ضحكت "ملك" وهي تهز رأسها نافية وتصحح لها الخطأ:
لا مش حقيقي، تعرفي هو قالي ايه من كام يوم واحنا مع بعض؟ 
كانت متشوقة بالفعل للمعرفة ولم تبخل عليها "ملك" بها حيث أخبرتها:
قالي حبي ليكِ مختلف، مختلف عن أي حاجة كانت قبله
ابتسمت بعينين لامعتين وهي تكمل بجملة قتلت "ندى":
قالي حبي ليكِ هو الحب اللي قولت عمري ما هوصل للدرجة دي مع واحدة في يوم... متتقارنيش بحد. 

ابتسمت " شهد" بفخر بشقيقتها و كذلك "مريم" التي تشفت في تلك التي تلقي بالتهم عليهم، أخذت "ندى" دقائق تستجمع بها نفسها خاصة وأن ابنة عمها تحثها بنظراتها على قول أي شيء 
تحدثت أخيرا بثبات ظاهري:
مليش دعوة بيكِ  وبجوزك... أنا جاية هنا علشان جوزي 
طالعت هادية تحذرها:
ابعدي بنتك عنه وخليها تشوف مستقبلها احسن لها. 
قالت هذا وجذبت "ميار" من يدها فألقت "ملك" على مسامعها:
نفس الجملة بوجههالك يا حبيبتي، وشكرا على الزيارة اللي أنا عارفة المقصود بيها من الأول.. ربنا يدي كل واحد على قد نيته. 
لم تكن "ندى" في حالة تسمح لها بالنقاش، ما قالته ملك قبل قليل دمرها وما إن خرجا حتى أطلقت لدموعها العنان ولم تستطع أن تتوقف ... فالحريق داخل قلبها لا يهدأ أبدا. 

★***★***★***★***★***★***★***★

في دقائق يتغير الكثير ولكن ماذا عن مرور أيام ؟
أيام حدث بها الكثير حتى أتى هذا اليوم.
الأيام تداوي الجراح هكذا قيل، ولكن جراح "شاكر" لم تُشفى بعد، يتوكأ على عصا حتى يأتي إلى هنا، وإصابات وجهه واضحة للجميع، لم يكتب له الأطباء على خروج من المشفى ولكنه أصر على قضاء هذا المشوار، أصر على  القدوم إلى هنا إلى قرية "نصران"، بلغا الحارسان رب عملهم الذي أخبرهم أن يسمحا له بالدخول ولكن يسيرا معه كظله، ولم يتعبهما حيث توقف في نقطة ما، بلغا " نصران" الذي كان بالفعل في طريقة إليهم ... لم يغفل الحارسان عنه ولكنه قال وهو يقف في منتصف الساحة ساعيا لجذب انتباه الجميع:

يا أهل البلد... أنا جاي عايز العدل، عدل ربنا من كبيركم الحاج "نصران"

بهذه الكلمات هتف "شاكر" وهو يتوسط أقرب نقطة للتجمع في قرية "نصران"، كان من الصعب ألا ينتبه أحد له بالفعل نجح في جذب انتباه الجميع والتفت الناس حوله، كذلك انتبه " عز" الذي خرج من ورشته يرى ما يحدث بعيون شاخصة تبعها قوله المصدوم:
هو اتجنن ولا ايه؟ 
قبل أن يخرج هاتفه ليهاتف "نصران" وجد "نصران"
 قد أتى بالفعل وقد أدخله "طاهر" من وسط الحشد الواقف ليقف بهيبته أمام "شاكر" الذي صاح بظفر:
واهو جالي بنفسه علشان يبقى الكلام قصاد الكل 

تعالت الهمسات من الجميع والكل مترقب ينتظر ما سيحدث وشاكر يتابع بنظرة حملت شر شديد:
وعلى عينك يا تاجر. 

لم يرد "نصران" فقط وقف يتأمل، ينتظر المزيد من الحديث... قال "شاكر" وهو يبحث بعينيه في وسط هذا الحشد عن واحد بعينه ويصوب نظرات كره خالص لطاهر:
فين "عيسى" يا حاج "نصران"؟ ... أنا خصيمه 
وخصيم ابنك اللي جنبك ده كمان. 

ضحك " طاهر" ، أما "شاكر" فلمح سيارة تقف بالقرب من هذا الحشد، سيارة يعرف صاحبها جيدا إنها سيارة "عيسى"، توكأ على عصاه وسار بصعوبة ولكن إرادته من حديد ليبدو صلبا ويستطيع التغلب على جراحه، وصل جوار السيارة، لا يستطيع رؤية ما بالداخل بسبب زجاجها العازل والذي دق عليه مرة وقبل الثانية وجد زجاج السيارة ينزل ليرى من الجانب الأيمن ما بالداخل بوضوح، المقاعد الأمامية مسندة للخلف، وعليها "عيسى" الذي زينت ابتسامته جانب ثغره والمقعد المجاور استرخت عليه "ملك"، قول النار تأكله لا يصفه الآن، رؤيتهما هكذا لا يصفها أي شيء، وكأن كل ما بالأرض من أحطاب قرر أصحابها أن يشعلوها بداخله وهو يرى وضعهما هكذا ولم يستطع إلا أن يقول بابتسامة اغتصبها:
يا حبايبي ومنيمين الكراسي كمان؟ 
استغرب الجميع غيابه والتفتوا ليروا ما يفعل جوار سيارة " عيسى"، عدل "عيسى" من وضعية المقاعد وهو يسمع سؤال "شاكر" الساخر:
وكنتوا منيمينها كده ليه بقى؟... تعبتوا في الطريق فقولتوا تقيلوا شوية 

_ لا. 
كان هذا قول "عيسى" الذي أكمل وهو يستدير له يطالعه ويخبره بما سمعه وحده بابتسامة قتلته:
كنا بنبوس بعض. 
لم تستطع حتى أن تشهق فقط جحظت عيناها ونظرت سريعا إلى الأسفل وهي تحاول إقناع نفسها أنه لم يقل هذا .... أما "شاكر" فلو كانت نظراته تقتل لصار "عيسى" في قبره الآن، جملة واحدة قالها نجحت في جعله يريد الصراخ، الصراخ بنبرة عالية ليس الصراخ فقط بالإضافة لأخذها منه، وقتله ... أما "عيسى" ففتح باب سيارته ينزل منها بعد أن أنزل زجاجها مرة ثانية وأغلقها على "ملك" لتبقى هي بداخلها ويبقى هو في الخارج لمن طلب وجوده، تخطاه ليقف جوار والده، ليصبح طاهر على اليمين وهو على اليسار ينتظروا ما أتى لأجله، لكن هذه الثوان لا تمر عليه، شعور شديد القبح تملك منه، شعور بالعجز والسبب "عيسى"، شعور أقسم أن يحاربه، كما أقسم " عيسى" ألا يجعله ينساه أبدا. 

تعليقات



×