رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل السابع
لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
انتفض حسن وأصفر وجهه وتصارعت دقات قلبه وشعر برجفة زلزلت كيانه ، لم تكن شقيقته من ماتت بل كانت والدته ، وكان ذلك الرجل الذي يتحدث عنه أبيه ، بالكاد تمالك زمام نفسه حتى لا يشك الجالس في أمره منع نفسه بصعوبة من البكاء ، قضى سنوات يود أن يعرف من هو أبيه والآن عرفه ، والغضب والحقد يشتعلان في قلبه ناحية كمال ، يرغب بشدة في إخراجه من قبره وحرق ما تبقى من جسده المتعفن الذي هو على أتم ثقة من أن ديدان الأرض تسممت من قذارته ، انتبه على صوت اللواء يقول :
- أنا عارف يا جبران وفيت الدين اللي عليك وزيادة شويتين ، بس معلش هنتقل عليك المرة دي ، رزق السواح بعد ما مشي ساب رجالة من رجالته تراقبك في الحارة عشان كدة منعت حسن أنه يظهر في الحارة ، أنا عايزة صورة المعلم جبران السواح والصبي بتاعه ، عايزك تسافر لأبوك هتروح وأنت معاك شهادة موثقة من أكبر دكاترة مصر أنك عملت حادثة وفقدت الذاكرة ، وأنك فضلت راجع عايز تتعرف على أهلك ، باقي التفاصيل هتناقشها مع المتخصصين ، أنت عارف أنا بتاع مخدرات لا ليا في الآثار ولا في السلاح ، كل قسم ليه المتخصيين بتوعه ، شكلك معترض
حمحم جبران متوترًا ، يحاول أن يقول شيئا :
- يا افندم الفكرة أن أنا زمان ما كنش عندي حاجة اخسرها لكن دلوقتي مراتي وبنتي أخاف يتأذوا بسببي ، حضرتك فاهمني أكيد ، دا اللي مخوفني ، إنما أنا أفون في الحديد عادي
ضحك اللواء بخفة على ما قال قبل أن يحرك رأسه همهم يتحدث :
- أنا عارف وفاهم قصدك يا جبران ، بس متقلقش طول ما أنت مسافر مراتك وبنتك هيبقوا تحت عينينا هنا ، زي ما أنت هتبقى تحت عينينا هناك ، إحنا مش مودينك نضحي بيك يعني ، ولا ايه يا حسن مالك ساكت وسرحان ليه ، ما تقلقش على أمل في عينيا بردوا ، ولا نسيت شخصية المعلم حسن
انتبه حسن يحاول أن يجمع شتات نفسه اختنقت أنفاسه يهمس :
- لاء أنا تمام كويس ، وماعنديش مانع طبعا ، أنا مش قلقان على أمل ، أمل ب100 راجل
ضحك اللواء قبل أن يردف يمازحه :
- وطباخة شاطرة شكلها ، الإدارة كلها مالهاش سيرة غير على اللانش بوكس بتاع حسن ، كلام في سرك المدام بردوا لحد دلوقتي بتصمم أخد معايا سندوتشات وأنا رايح الشغل
بالكاد ابتسم حسن ، في حين قام اللواء من مكانه تحرك صوب جبران ، وقف جبران ما أن بات قريبا منه :
- ها يا جبران ما قولتليش موافق ولا موافق ، أصل خد بالك رزق السواح مش هيسيبك، وهيرجعك برضاك أو غصب عنك ، حتى لو هيخطف أو يأذي مراتك وبنتك
تنهد جبران قبل أن يحرك رأسه موافقا يقول شادرًا :
- أنا موافق مش خوفًا ، بس اعتبرني بكفر عن ذنبي القديم ، أنا آذيت كتير أوي
ابتسم الرجل قبل أن يرفع يده يربت على كتف جبران يحادثه باسما :
- ربنا معاك ، هيجي دلوقتي المسؤول عن المهمة دي يبلغكوا بالتفاصيل ، عن إذنكوا
وتركهم وخرج يغلق الباب عليهم ، هنا اقترب جبران من حسن يسأله :
-مالك يا حسن وشك أصفر فجاءة ، من ساعة ما اللوا حكاية طاهر جوز أختك وأنت في حال غير الحال
رفع حسن عينيه إلى جبران فرأى عينيه المحتنقة بالدموع رفع حسن كفيه يمسح وجهه بعنف وضع يديه فوق رأسه وهمس بصوت خفيض مختنق :
- طاهر ما يبقاش جوز أختي يا جبران ، طاهر يبقى أبويا
شخصت حدقتي جبران ذهولا أثر ما يسمع جذب مقعد بعنف إلى أن بات ملاصقا لحسن يهمس مصعوقا :
- أنت بتقول إيه ؟ ، يعني إيه أبوك
نظر حسن لجبران ونزلت دموعه أخيرا تحفر وجهه غص صوته بالبكاء يخبره بكل شيء :
- كمال ما كنش عنده غير بنت واحدة يا جبران ، اللي حبت طاهر وهربت معاه واتجوزته ، ولما كمال لقاهم قتل طاهر قدام عينيها عشان يحرق قلبها عشان هربت ، وخدها حبسها وكان عايز يجوزها لواحد من شركاته ويخلص منها ، بس طلعت حامل ، غضب منها غضب بشع كان بيضربها ويمنع عنها الأكل وهي حامل وكانت النتيجة الحتمية أنها ماتت وهي بتولد ، كمال كان ناوي يقتل الطفل الصغير ويخلص من الفيلم دا كله ولكن جميلة مراته فضلت تترجاه أنه ما يموتش الطفل وأنه يتباه ويكتبه باسمه ، ودا اللي حصل كمال خد الطفل ، وخلاه حسن كمال ، صدقني أنا فضلت سنين فاكره أبويا فعلا ، كنت بترعب منه وأنا صغير من اللي بشوفه من ضرب وإهانة، الوحيدة اللي كانت بتطبطب عليا هي جميلة مراته ، بس هي ما استحملتش وماتت ، بعدها بالصدفة لقيتها كاتبة كل دا في مذاكرتها ، ولما روحت أواجهه باللي عرفته ضحك واتريق وقالي إني لقيط وابن حرام ونكرة ، وأن هو اللي خلى ليا اسم ونسب ، وإني المفروض أشكره ، ما حدش يعرف الحكاية دي في الدنيا غيرك أنت وأمل يا جبران ، عشان كدة سيادة اللوا كان فاكر اللي ماتوا أختي وجوزها ، إنما هما في الحقيقة أهلي
بعد تلك القصة المأساوية التي سمعها جبران من حسن ظل متجمدًا مكانه ينظر أمامه مصعوقًا لا يصدق مدى بشاعة الرجل الذي يتحدث عنه حسن ، لم يجد ما يقوله أو يفعله سوى أنه أقترب من حسن يعانقه تمسك حسن به يبكي بحرقة حمحم جبران يحاول التهوين عنه :
- اهدا يا حسن ، اهو غار في داهية زمانه دلوقتي بيولع في نار جهنم
ضحك حسن رغما عنه يائسا ابتعد عن جبران يمسح الدموع عن وجهه يحمحم يحاول أن يتمالك شتات نفسه حمحم يقول ساخرا :
- هسلم عمي بإيدي ، يعني جبران الحقيقي لو كان عايش كان بقى ابن عمي ، ما بحبش تويسات الحياة
ضحك جبران يحرك رأسه ساخرا قبل أن يعلق :
- بس هنرجع لشغل الأشباح تاني ياض ، صدقني أنا وحشني البلطجة أوي ، وتر هتقيم الحرب العالمية التالتة لما تعرف
قاطع ضحكاتهم دخول أحد الرجال الذي بدأ يتحدث معهم عن طبيعة العملية بالتفصيل الممل
____________
في منزل الشيخ جابر في الركن البعيد الهادئ
جلس على مقعده أمام شاشة التلفاز يتابع الأخبار بهدوء يقذف حبات العنف في فمه ، إلى أن انتفض يسعل فجاءة حين رأى صورة لوليد لكان شكله بعض الشيء تسريحة شعره والنظارات الشفافة التي يضعها على عينيه والحُلة الرسمية الباهظة التي يرتديها ، يجلس بكل رزانة على أحد المقاعد وأسفل منه خبر يقول
« وحيد التهامي الشقيق التؤام لوليد المجرم الذي تم قتله صباح اليوم ، يُعلن وصوله لمصر بعد عدة من إيطاليا ،ومعه كافة الأوراق الرسمية التي تُثبت أنه الشقيق التؤام لوليد التهامي ، والكثير من الوعود بأنه النسخة الأفضل من عائلة وسيأتي لهنا لإصلاح ما أفسده أبيه وأخويه ، وليعيد لاسم عائلة التهامي مكانته الصحيحة
ومن ثم ظهر على الشاشة مقطع فيديو لوحيد وهو يجلس على نفس المقعد يتحدث بكل هدوء ووقار :
- مساء الخير جميعا ، أنا اسمي وحيد مجدي التهامي ، أنا أبقى للأسف الأخ التؤام لوليد ، قضيت كل اللي فات من حياتي في إيطاليا بعيد عن اسم العيلة كنت حابب أكون نفسي من الصفر ودا نجحت فيه ، ولكن عرفت مؤخرا أن والدي واخواتي عملوا المصايب دي كلها ، أنا راجع مصر ومعايا كل الأوراق الرسمية التي تثبت صحة كلامي ، راجع مصر عشان أصحح أخطاء أهلي ، راجع برأس مال ومشروعات كبيرة وآمال وأحلام أكبر وواثق أني هقدر أحققها ، وأحب أوجه شكري للحكومة أنها قبلت الالتماس وما تمش إعدام والدي لكبر سنه وحالته الصحية الحرجة ، أنا بعتذر للجميع عن كل اللي حصل ، وأتمنى إني أقدر أصحح أخطاء الماضي »
وانتهى مقطع الفيديو المخيف ، هب سفيان واقفا كل ذرة به تتعرق ترتجف ، ذلك هو وليد هو ليس بأحمق لتنطلي عليه الخدعة ، خوفه في تلك اللحظة لم يكن من وليد إطلاقا ، وليد أتفه من أن يخافه ، خوفه كان من صاحب الفكرة المرعبة ، هرب وليد أولا ، ومن ثم مقلته ومن ثم ذلك المقطع الذي ظهر في نفس يوم مقتل وليد مذاع مباشر من إيطاليا الأمر مرعب ، صاحب الفكرة لابد أنه الملك الجديد ، ومن يملك مثل تلك الأفكار عليه حقا أن يخافه
انتبه حين دُق الباب أغلق التلفاز يحاول أن يهدأ ، توجه صوب الباب يفتحه فرأى يصرخ في وجهه مذعورًا :
- الحقنا يا شيخ جابر ، الحقنا يا ولي
وهرع يركض من أمامه عقد سفيان حاجبيه مستنكرًا ما رأى ، خطى لخارج المنزل فرأى الرجال يهرولون صوب أحد البيوت هناك رأى عدة أغنام وبقرة وحمار وحصانين ميتون ، ابتسم ساخرًا يقترب منهم يردد بصوت حاد :
- أزعجتكوا أرض الأرض بحفركوا الكتير عن الآثار ، فطلعوا يحذروا ، دا بس إنذار ، الحج محمود روحت جبت دجال من بلد تانية عشان يطلعلك الآثار شوفت النتيجة ، غضب عليك الحراس وأهل الأرض حتى العمار ، وماتوا المواشي والأغنام ولا طولت لا أبيض ولا أسود ، ولسه الخراب والدمار
تحرك أحد الرجال ناحيته يقبل يديه يتوسله :
- أبوس إيدك غيتني يا شيخ جابر أنا غلطان ، غلطان من ساسي لراسي ، أبوس إيدك ورجلك يا سيدنا
ابتسم سفيان ساخرا ، هو من سمم تلك المواشي ليلا من الأساس ، نظر إليه من أعلى متشفيا وقبل أن يقول شيئا صدح صوت إمام الجامع يصيح في الواقفين :
- يا جماعة اللي بتعملوه دا حرام ، الراجل دا نصاب ودجال لا هو ولي ولا يعرف ربنا حتى ، وكل اللي بيعمله كُفر وشرك بالله
هنا ضحك سفيان وتحرك يقف أمام إمام الجامع يتحدث يسخر منه :
- وأنت فاكر أنهم اللي هيصدقوا اللي أنت بتقوله دا يا شيخ محمد ، أنت ما شوفتش كراماتي هما اللي شافوها ، أنا ولي من أولياء الله وبعمل اللي أنت ما تقدرش تعمله ولا إيه يا رجالة البلد
وكانت الردود المتوقعة جداا
- الشيخ جابر دا شيخ بركة يا شيخ محمد
- دا هو اللي عالج بنتي من المس اللي صابها
- ربنا يباركله مراتي كان كل حمل ليها ما يكملش وهو اللي رقاها وحملها كمل
هنا قاطع جابر الكلام يوجه حديثه للواقف أمامه :
- شوفت يا شيخ محمد برقي
ومن ثم قرب فمه من أذن الشيخ محمد يهمس له :
- بس مش لازم الرقية تكون كلها قرآن يعني يا شيخ محمد أو مش لازم يكون فيها قرآن أصلا
هنا غضب الشيخ مما يقوله الوغد أمامه أمسك بتلابيب ثيابه يصرخ فيه:
- يا شيطان يا مؤذي ، يا كافر ، اللي بتعمله دا كُفر وشرك بالله
أمسك سفيان بيدي الشيخ يبعدهم عنه انفرجت قسمات وجهه ذهولا يصيح فيه مصعوقا :
- كدة يا شيخ محمد ، هو دا الدين ، أنت كدة بتسوء صورة الدين قدام الناس ، أنت بتكرهني وأنا بساعد ، طب أنا عملت إيه عشان تكرهني ، وأهل البلد قدامكم أهم إسالهم واحد واحد ، لو أنا أذيت حد فيهم ارجمني لحد الموت
ومن ثم علا بصوته يسأل الجمع من حوله :
- أنا يا جماعة عُمري أذيت حد فيكوا ؟
وللمرة الثانية أجمعت الإجابات على النفي التام ، الشيخ جابر لا يؤذي الرجال ولكن يؤذي الضعيفان المختبئات داخل بيتوهن ، لن تجرؤ أي منهن على الحديث أبدا ، هنا تحدث أحد الرجال يقول :
- يا جماعة صلوا على النبي دا شيطان ودخل ما بينا ، يلا بينا كلنا نصلي العصر جماعة ، يلا يا شيخ جابر
لم يبدو سفيان خائفا كما يحدث في الأفلام هو فقط ابتسم وحرك رأسه ودخل إلى الجامع بعد أن أخبرهم أنه قد توضأ في البيت ووقف في الصف الأخير ينظر إليهم وهم يصلون يحادث نفسه يسخر منهم :
- وبتقولوا عليا دجال ونصاب ، وكل واحد فيكوا عامل بلاوي قد كدة ، وقال ايه جاي يصلي ، اللي ناهب ورث أخوه ، واللي سارق حق أخواته ، واللي بيسلف بالربا ، واللي بيغش الميزان ، واللي ناهب مال اليتيم ، وجايين دلوقتي كلكوا تصلوا فاكرين هتخشوا الجنة عشان صليتوا بس ولا إيه
انتهت الصلاة وهو حرك رأسه لليمين ولليسار دون أن ينطق بحرف واحد ، خرج من المسجد يرتدي حذائه يسير بين جموع الناس نظر صوب محمود يحادثه :
- أنا هجيلك بليل يا محمود أشوف المصيبة اللي أنت عملتها ، قبل ما أنوبيس يقتلكوا واحد ورا التاني بعد ما الغبي اللي كنت جايبه حاول يحرقه
ومن ثم نظر أمامه وحين فعل رأى حربي أمام عينيه رفع سكينة غرزها في صدره بكل عنف يصرخ فيه :
- موت يا شيطان ، موت على اللي عملته في بنتي يا كلب