رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثالث والسبعون

"كُنتُ مُشتتُ الخُطىٰ و يوم أهتديتُ في سَيْري؛ سِرتُ علىٰ خطاكِ
_________________________

الفجر من رحم الظلام سَيولدُ، فلا ليلي يطيل و لا يبقىٰ القلب العليل، فيأتي النهار بشمسه المُشرقة و تصحبه طيوره المُغردة و كأن أصواتها تعزف على أوتار الفؤادِ، حتمًا سيأتِ يومٌ الجراح به تطيب، و كأن السعادة أمام الحزنِ تطيب.

وقفوا ينظرون لبعضهم البعض بتعجبٍ و خاصةً بوجود «عامر» و طريقته تلك، فيبدو أن القادم لم يكن خيرًا البتة، يا ترى ما هو ؟! على كلٍ لا يجب عليهم فعله سوى الانتظار للقادم حتى و إن لم يكن خيرًا كما ذُكر، فيما تحرك «عامر» للداخل يسبقهم مُتممًا على ما يُخطط له هو، و هم كما هم ينظرون لبعضهم حتى خرج هو لهم يغمز بمرحٍ ثم قال بفخرٍ و شموخٍ:

"يلا يا غاليين، خدوا نفس عميق و جهزوا نفسكم، عاوزك تعيش و تسيب نفسك يا يوسف، كل دا معمول على شرفك"

ظهر شبح ابتسامة هادئة على وجهه نجح هو في اخفائها فيما أبت عينيه ذلك و ضحكت و ظهر ذلك من خلال نظرته المُتسائلة للقادم، حتى تفاجأ بـ «عامر» يفتح الباب و يشير لهم بالدخول ، فدلفوا تِباعًا خلف بعضهم ليروا مشهدًا عبثيًا و كأنه في الأحلام فقط.

كان المشهد كالآتي، حيث دلف الشباب لأرض الملعب و تفاجئوا بالألعاب النارية تشتعل في السماء تزامنًا مع صوت العزف على الطبول الكبيرة و الخيل الذي يقف في أرض الملعب و يعتليه رجلٌ صعيدي يرتدي جلبابًا و يرقص بالخيل على أنغام الطبول مع صوت ترحيبات حارة بهم تخرج من فم «عُمدة» في مكبر الصوت و هو يقول مُهللًا:

" سـمـعنا أحـلى تحية بضرب الـنـار للفريق الأول فريق الدمـــار"

اشتعلت الأجواء بالأصوات المرحبة و التصفيقات الحارة من المدرجات التي جلست بها المنطقة بأكملها و النساء في المقدمة، دلفوا الشباب معًا و نظرات الاستنكار تسكو ملامح وجههم، فيما تحرك «عامر» وسط الفرقة بمرحه المعتاد يرقص وسطهم بالعصا، و حينها مال «طارق» على أذن «حسن» يقول هامسًا:

"عامر فاكرنا ذئاب الجبل يا حسن، أنا خايف هيبتي تروح"

رد عليه «حسن» بسخريةٍ:
"هيبتك تروح ؟! ١٠ دقايق يا طارق و هنبقى عِرة الفرق كلها"

حرك «طارق» رأسه موافقًا بتهكمٍ، فتحدث «عُمدة» بطريقته المعتادة المرحبة بالناس في الأفراح مُرحبًا بالشباب و هو يقول:

"سمعني التحية اللي هي بالباشا اللي خلى ليلتنا هنية، يعني قفلي على الحكاوي و فتحلي القهاوي ترحيبًا بـ يـوسـف بـاشـا الــــراوي"

ذكر اسمه بصوتٍ عالٍ جعل الأجواء تزداد لهيبًا ترحيبًا به حتى تحرك له «عامر» يأخذه من وسط الشباب يسحبه للوسط حتى يرقص معه وسط الفرقة الصعيدية التي تدق على الطبول ، فلم يجد «يوسف» بُدًا غير الرقص معهم بالعصا بعدما أعطاها «عامر» له و هو يرقص معه.

اقتربوا منهم الشباب يرقصون معهما وسط الفرق عدا «ياسين» الذي وقف يتابع ذلك العبث بعينيه و داخله يود الصراخ، حتى اقترب من «عامر» يمسكه من رقبته و هو يقول هامسًا بحنقٍ طابقًا على اسنانه بغيظٍ:

"يا أخي أعمل في أهلك إيه ؟! هو أنتَ يالا حالف تفضحني دنيا و آخرة !! مدخلنا على موسيقى ذئاب الجبل يا عامر !!!"

رد عليه الأخر بحنقٍ منه:
"فيه إيه يا عم ؟! ما الدنيا فل و الناس فرحانة اهوه و عمدة مولع الدنيا، و بعدين مزعلاك ذئاب الجبل أوي كدا ؟! خلاص مشيها الضوء الشارد"

دفعه «ياسين» بقوةٍ و هو يقول بضجرٍ تمكن منه:
"غور يخربيت أبو معرفتك الهباب، داهية تاخدك"

رد عليه «عامر» ساخرًا:
"مش ماتش في حارة !! الله ؟! عاوزني ادخلكم على إيه ؟! طُلي بالأبيض ؟!"

عض «ياسين» شفته السفلى فركض «عامر» من أمامه يقف بجوار «عمدة» و هو يقول بمرحٍ:

"يلا يا عمدة سمعني التحية، فين الواجب الفرقة التانية قربت توصل"

أمسك «عمدة» مكبر الصوت و هو يقول بطريقته الخاصة المعتادة في عمله بحماسٍ أشعل الأجواء أكثر من السابق:
"قسم يا عم و ركز معايا و غني و قول ورايا، اقعدلنا كل واقف و قربلنا كل بعيد....الليلة ليلة هنا زي ليلة العيد، الليلة فرحنا بوجود شبابنا و زينة الرجالة عيلة الـــرشـــيــد"

ازدادت التصفيقات الحارة و الأصوات المرحبة، فتابع هو بنفس الطريقة مرحبًا بالشباب بعدما أملاه «عامر» اساميهم:

"نرحب بحباينا و شبابنا و خيرة رجال الزمان و هما عمامنا، تحية لأبناء فايز الرشيد، الرجالة المجدع اللي موجبة مع كل قـــريــب و بــعـيـد"

ارتفع صوت الطرق على الطبول و الخيل يرقص عليها كما أن المكان كان مرتبًا على طراز الأفراح الشعبية في وجود الإضاءة القوية و الفرقة الشعبية و الخيل و راقص التنورة الذي كان يقف بجوار الخيل في المنتصف، كان المشهد مرحًا أكثر من كونه جادًا يليق بتلك الليلة.

تابع «عمدة» حديثه مرحبًا بالشباب حتى بدأ بقوله من جديد:
"نبدأ بكبيرنا و حبيبنا، يعني الرزانة و الهدوء و السكينة و السلام، يعني في وجوده كل حاجة تبقى تمام، سمعونا تحية لحبيبنا حمامة السلام تحية لابو فارس، تحية للأستاذ وئــــام"

وقف «وئام» بخجلٍ من تلك التحية حتى سحبه أحد أعضاء الفرقة يرقص معه و مع «يوسف» و «عامر» يرقصا أيضًا، فتابع «عمدة» من جديد:

"نيجي لحبيبنا و كاريزمتنا، طارق بيه الرشيد، يعني الدعاية و الاعلان، يعني الأفكار الجديدة اللي عمرها ما تخليك زهقان، الباشا اللي بِـ طَلته لقلوبنا سارق، حبيبنا و حبيب الكل الأستاذ طـــارق"

سحبه «عامر» معهم يرقص هو الأخر حتى تابع «عمدة» مرةً أخرى:
"الباشا يعني الرجولة و الشهامة حبيب الملايين اللي سايب في القلب علامة، يعني الكل عادي عندي إلا حسن ابن المَـــهدي"

ضحك «حسن» بسعادةٍ بالغة و هو يرى تلك التحية الخاصة به و هذا آخر ما توقعه، فحرك رأسه مباشرةً لها يضحك بفرحةٍ و كانت «هدير» في تلك اللحظة تنتظر نظرته له حتى ابتسمت له بسعادةٍ ثم أشارت له تحمسه بيدها، حتى غمز لها بعينه ثم اقترب من الخيل و ركبه وسط ارتفاع الأجواء الصاخبة و المهللة بفعلته تلك و هو يرقص بالخيل ثم أشار لـ «وليد» حتىٰ يركب خلفه، ففعل الأخر مثلما أراد فرفع «حسن» الخيل حتى أصدر صوتًا عاليًا فبدأ العزف على الطبول من جديد و تابع «عمدة» ترحيبه بـ «أحمد» و هو يقول:

"الباشا أخر العنقود، يعني الحنية و الروقان يعني بالي معاك و وياك و بيك موعود، الأستاذ اللي رافع راس الكل و اللي في دلاله ملوش حل، الواحد الوحيد اللي مخلي كل قديم جديد، معاكم و معانا أحمد باشا الرشــيــد"

ضحك «أحمد» بقوةٍ حتى ارتفعت ضحكاته إلى القهقهات و دلف للشباب فاحتضنه «وئام» بحبٍ ثم همس له في أذنه:

"أنا فخور بيك أوي، أنتَ سيد الرجالة كلهم يا أحمد"

أبتسم له «أحمد» و هو يشدد العناق عليه ثم رقص مع ابناء عمومته، فتحدث «عمدة» مرحبًا بالأخير الذي أخبره به «عامر»:

"تحية حلوة لحبيبنا و ابن حبيبنا، الدكتور عبدالرحمن، يعني الضبط و الالتزام و الأمن و الأمان، يعني ابن سيادة العقيد و الأمن واصل لبعيد، و سمعني سلام عظيمة يا مصر يا أرض اللوا"

تبدلت الموسيقى خلال ثوانٍ، واقترب «عبدالرحمن» من الشباب يرقص معهم هو الأخر و سحب «عمار» رغمًا عنه و «حسن» على الخيل و معه «وليد» حتى همس له الأخير بنبرةٍ ضاحكة:

"الحمد لله أني قولت لعامر عاوز حاجة هادية و على الرايق، الدنيا هادية خالص، و الجو هُس هُس"

رد عليه «حسن» بنفس النبرة الضاحكة حينما مال برأسه للخلف قليلًا:
"الحمد لله فعلًا، ياسين دلوقتي هيولع فيه و فيك و فيا و في يوسف و معانا الواد عبدالرحمن اللي بيرقص دا"

وقف «خالد» في المنتصف و على طرفيه «ياسين» و «ياسر» فتحدث هو بضجرٍ متوعدًا لذلك الأبله الذي يرقص وسط الشباب:
"شقة ميمي كلها هتتكسر على دماغه إن شاء الله، يوريني مين هيحوشه من ايدي، صبركم عليا، و إن شاء الله وليد معاه، حاضر"

رد عليه «ياسر» بقلة حيلة:
"هتعمل إيه يعني ؟! ما الدنيا حلوة و زي الفل أهوه، بلاش النكد بقى"

تدخل «ياسين» يقول هو الأخر بعدما زفر بقوةٍ:
"مكتوبالي اتفضح على أيد ابن فهمي و سيدة، بس أقولك حلو كدا خلي يوسف و أحمد يفكوا شوية، يلا"

نظر له «خالد» مستنكرًا حديثه فسحبه «ياسين» من يده و اشار لـ «ياسر» ثم وقفوا مع الشباب يرقصون حتى وصول الفرقة الأخرى المواجهة لهم في تلك المباراة العبثية.

كانت الفتيات تصفق لهم بحماسٍ وصوت هتافهن يعلو تدريجيًا قبل بدء المباراة و والدة «خالد» تطرق على الدف تناغمًا مع صوت الطبول حتى نزل «حسن» و معه «وليد» من على الخيل ثم رقصوا مع بعضهم جميعًا و معهم «خالد» و البقية أيضًا.

وصلت الفرقة الأخرىٰ لهم في أرض الملعب و حينها تولى «عمدة» مهمة التعريف بهم و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
"ها قد وصل الفريق المواجه الفريق المضاد، فريق و بينا ميعاد"

ارتفع التصفيق ترحيبًا بهم، فسأل «يوسف» بتعجبٍ ممتزج بالتهكم:
"إيه يا جدعان !! إيه يا جدعان !! العبث دا مين مسئول عنه ؟! فريق صد رد VS و بينا ميعاد ؟"

رد عليه «عامر» بفخرٍ:
"أنا المسئول الوحيد هنا، مش عاجبك ؟!"

حرك كتفيه ببساطةٍ ثم قال بلامبالاةٍ:
"عادي مش مهم، هي دي اللي هتخليني استغرب يعني ؟! دا لو حد جِه سلم عليا من غير راس مش هستغرب"

ضحك الشباب عليه بينما هو وقف يتابع ما يحدث حوله بملامح وجه ساخرة حتى بدأ روتين بداية المباراة، فقام «خالد» بتقسيم الأدوار عليهم و قيادة الفريق فقام «عامر» بالاقتراب منه ثم وضع على كتفه شارة قيادة الفريق عليها جُملة:

"خالد عمهم و حارق دمهم"

نظر «خالد» للشارة بطرف عينه ثم رفع نظره لـ «عامر» يسأله مستنكرًا بتهكمٍ:
"دا بجد !! و الله دا بجد ؟! أنتَ كيفك منين يا عامر ؟! مين الرايق اللي مكلف الدماغ دي ؟"

ضحك الشباب عليه من جديد فتحدث «عامر» بضجرٍ:
"افضل ارغي كتير كدا و مش هنلعب في سنتنا البيضا، أخلص يا عم بقى"

أقترب منه «يوسف» يسأله بثباتٍ يتنافى مع هزل كلماته:
"لأ بجد، مين اللي مسئول عن الروقان دا ؟! دا أكيد تربة حشيش كاملة اللي تعمل كدا"

حرك «عامر» كتفيه بلامبالاةٍ ثم قال بقلة حيلة و بنبرةٍ عملية:
" هعمل إيه ؟! المهم ركزوا معايا أنا مأمننا كويس، و مظبط كل حاجة، و محضرلكم مفاجأة بين الشوطين، يلا يا خالد، عيد من تاني"

أملى عليهم «خالد» الأدوار مرةً أخرى ثم قال متابعًا حديثه:
"عمار هينزل الأول، و أنا هكون في الاحتياطي، هنزل على الشوط التاني"

سأله «وئام» بتعجبٍ من حديثه و قراره على العلم بأنه أكفأ اللاعبين في الفريق:
"طب ليه ؟! ما أنتَ بتلعب حلو أوي، خليك معانا أنتَ و عمار"

أبتسم له «وليد» بثقةٍ ثم قال بدلًا عن «خالد»:
"مينفعش الكارت اللي يقش تحرقه في الأول يا وئام، احنا نفهم لعبهم الأول و بعدها نلعب زيهم، صح يا خالد ؟!"

حرك رأسه موافقًا له ثم ركز عليهم في الحديث و التأكيد لمهام كلًا منهم و كان حرس المرمىٰ هو «وئام» نظرًا لقلة خبرته بلعب كرة القدم و لكن انفعلات جسده جيدة في صد هجمات الفريق الأخر.

خرج الفريقين في خطٍ متوازٍ مقابلين لبعضهما حتى وقفا سويًا و كلًا منهم يحيي الأخر، فأطلق «عمدة» صفيرًا عاليًا يعلن به عن بداية انطلاق المباراة، حينها وقف أحد الشباب المحايدين للفريقين يدفع الكرة في المنتصف و بدأ بعدها التفرق في الملعب و كلًا منهم يلزم محله.

بدأت المباراة بحماسٍ غريب و كلا الفريقين يلعب بكامل طاقته و قوته و كأنها مباراة أساسية تابعة لأحد الفرق العالمية، كانت الفتيات تشاهد بصمتٍ تام دون هتافٍ أو تشجيع حتى وقفت «خلود» تحدثهن بضجرٍ منهن:

"انتوا ساكتين ليه ؟! شجعوهم يلا شجعوهم، قوموا كدا يلا"

أقتربت منها «ايمان» حينما مالت عليها بجسدها و هي تقول بحماسٍ:
"أيوا يا بت يا خوخة، يلا معايا كدا شجعوهم خلوهم يكسبوا"

وقفت «خلود» بحماسٍ و هي تصفق بكفيها و تصدح بهتافًا حماسيًا ألهب الأجواء: 
"جــيت في حــيطة ســد....دا فريق صــد رد"

ضحكت الفتيات بشدة و قهقهات ضحكاتهن ترتفع أكثر حتى وقفن و تركن جلستهن على المقاعد ثم بدأوا في التصفيق و الهتاف الحار معًا تشجيعًا للفريق حتى حدث ما هو غير متوقع و صدح صوت «عمدة» عاليًا يقول بهتافًا حماسيًا:
"أيوا أيوا...... شوط يا أبو علي شوط يلا يا أبو علي، يلا يا أبو علي......جـــول"

كان «حسن» يمرر الكرة بين اقدام اللاعبون حتى استطاع احراز الهدف الاول لصالح فريق
(صد_ رد) حينها اندفعت «هدير» تقفز عدة مراتٍ و هي تقول بصوتٍ حماسيًا:

"شاطر يا حسن....برافو يا حسن برافو....أيوا يا أبو علي يا جــامد"

وقف هو يضحك على رد فعلها الغريب الذي شبهه و كأنها والدته تفخر به، و من فرط حماسها و فرحتها به أرسلت له قبلة في الهواء حتى تبدلت نظرته إلى الدهشة و هو يحرك رأسه يمنةً و يسرى بمعنى لا فائدةً منها طالما حييت معه تلك الفتاة.

بدأت الأجواء الحماسية من جديد و بدأت أقدام الشباب تجول بالملعب خلف بعضهم بحماسٍ و طاقةٍ عالية بلغت أشدها حتى صدموا جميعًا حينما احرز الفريق الأخر هدفًا مفاجئًا غير متوقع، حينها فرح الفريق الأخر، و زفر «وئام» بقوةٍ و رفع كفيه رأسه و هو يطالع الشباب بأسفٍ، فاقترب منه «خالد» يقول بثباتٍ:

"و لا يهمك اليوم لسه في أوله، شد حيلك بس و خليك ثابت، يلا زي ما أنتَ جسمك في النص حيرهم و متخليش حد فيهم يتوقع رمية جسمك، تمام !!"

حرك رأسه موافقًا، و عادوا لـلعب من جديد بحماسٍ تجدد لهم كليًا و «خالد» يحمسهم و يشير لهم بأماكن الحركة، و كان بجواره «يونس» يقفز و هو يقول بمرحٍ:

"شوط يا عامر.....يلا"

"ادي عمار يا عامر، يلا بسرعة"

تفوه بها «خالد» بصوتٍ عالٍ جعل «يوسف» يندفع بجسده نحوهما و على حين غرة و على غير المتوقع رفع الكرة بقدمه ثم أطاحها لـ «عمار» برأسه، و حينها احرز «عمار» الهدف حينما رفع قدمه اليسرى و حصل الفريق على الهدف الثاني، فركضوا جيمعًا إلى «عمار» يحملونه على أيديهم فرحًا به، ثم عادوا لاستكمال المباراة التي أوشكت على الانتهاء في الشوط الأول، و مع زيادة حماسهم أحرز الفريق الأخر الهدف الثاني لينتهي ذلك الشوط بتعادل بين الفريقين نتيجته [٢_٢]

أطلق «عمدة» صفيرًا عاليًا يعلن به انتهاء ذلك الشوط وسط نظرات الاحباط من الفريقين بتلك النتيجة التي لم تُظهر أيًا من الفريقين سيحصل على الفوز !!

جلسوا الشباب في غرفة صغيرة الحجم يأخذون قسطًا من الراحة  و كان كلًا من «رياض» و «فهمي» في انتظارهم بالداخل و معهم «مرتضى» أيضًا الذي وقف يقول مُحمسًا لهم:
"عاش يا شباب، عملتوا اللي عليكم و زيادة، فخور بيك ياض أنتَ و هو"

تحدث «وئام» بخجلٍ منهم:
"حقم عليا في الجونين دول، بس هو نفس الواد غالبًا دا أجمدهم يعني، علمته و هفوقله خلاص"

رد عليه «طارق» بنبرةٍ ساخرة:
"أيوا كدا عاوزك تقطعه، عاوزك تتخيله الواد اللي كان عاوز يتقدم لمراتك و احنا في الجامعة"

ضحكوا عليه جميعًا فقال «وئام» بغيظٍ:
"متفكرنيش، كدا هموته في أيدي، مش ناقصة هبل هي"

تحدث «رياض» بنبرةٍ مرحة:
"متخافش من حد ياض، معاك سيادة المستشار رياض، اتكل على الله و عمك رياض في ضهرك"

تدخل «وليد» يقول ساخرًا بطريقته المعتادة:
" ايوا و المثل بيقولك أنا أعيش أسد و دمي حامي طول ما فـ ضهري المحامي"

ارتفعت ضحكات الشباب عليه بينما «ياسر» لاحظ اختفاء «عامر» فتحدث مستفسرًا و عينيه تبحث عنه في الغرفة:

"هو راح فين !! مصدر المصايب دا راح فين بس ؟! هي ناقصة ؟!"

تحدث «ياسين» مسرعًا بهلعٍ و كأن اختفاء الآخر يسبب له حالة نفسية:
"لأ و الله مش هستحمل حاجة تانية، راح فين زفت الطين، يا مرارك يا ياسين"

رد عليه «يوسف» بنبرةٍ ضاحكة:
"يا عم مكبر الموضوع ليه ؟! ما الراجل عامل جو زي الفل أهو و مروق علينا، مالك في إيه ؟!"

رمقه «ياسين» بغيظٍ فتحدث «خالد» بثباتٍ:
"الشوط التاني هبدل مكان عبدالرحمن، و وئام يقف زي ما هو، مش هغيره"

سأله «طارق» بايجازٍ:
"اشمعنا !!"

_"علشان خلاص هما عرفوا وئام، في نفس الوقت أنا عرفتهم برضه، هما هيغيروا عندهم، لكن أنا هسيب وئام زي ما هو، هما هيفتكروا أني هغيره"

طالعه «يوسف» بإمعانٍ و هو يقول بثباتٍ:
"أنا شكلي كدا هاجي أبوس راسك، لو أنا فاهمك صح يعني"

ابتسم له «خالد» و هو يقول بثباتٍ هو الأخر و ثقةٍ:
"متقلقش، أنا عارف أنا بعمل إيه كويس، الكرة دي ضيعت كتير من حياتي عليها"

في تلك اللحظة دلف «عامر» بمرحه المعتاد و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
"جيت ليكم بالأكل، ريحوا كدا و كلوا علشان ندخل نكسر فيهم الشوط التاني، أنا صارف و مكلف، اديتكم مونة، أدوني شغل عدم المؤاخذة"

تحدث «عبدالرحمن» بتهكمٍ:
"مونة إيه هو احنا عمال مقاولة ؟! احنا دكاترين محترمين، ما تشوف أخوك يا عمار"

رد عليه «عامر» بسخريةٍ:
"هيشوفني يعمل إيه يعني ؟! و لا يقدر يعمل حاجة أصلًا، يلا بس كلوا، عمدة قالي معانا تلت ساعة كمان"

رفع الحقائب على الطاولة يضعها و يقوم بفتحها و إخراج ما بها حتى احتلت الدهشة ملامح الأوجه بأكملها، فأضاف هو مفسرًا:
"دي سندوتشات كبدة و سجق و سلطة و طحينة، موصي عليهم مخصوص"

اقترب منه «يونس» يقف بجواره و هو يمسك في ذراعه حتى اقترب منه «يوسف» يحمله على يده و هو يبتسم له و قال بهدوء:
"أنتَ اسمك إيه يا سكر ؟! ابن مين فيكم دا يا رجالة ؟!"

تحدث «ياسين» بنبرةٍ هادئة:
"دا يونس ابن خالد، بس عمليًا يعني هو أول طفل يخلينا نجرب احساس الأبوة دا، كل واحد فينا بيعتبره ابنه"

ابتسم «يوسف» له ثم أمسك وجهه يقبل وجنته الناعمة و هو يقول بعدما أمعن النظر في وجهه و وجه والده:
"شبهك يا خالد، الفرق بس إن هو بشرته بيضا و شعره بني افتح من شعرك، لكن باين فعلا انه ابنك"

ابتسم له «خالد» ثم قال بهدوء:
"عقبال ما تشيل ولادك يا رب و يكونوا زيه كدا يا يوسف"

حرك رأسه ينظر في وجه الصغير الذي ابتسم له ثم قال بمشاعر غريبة عليه كُليًا:
"يا رب....يا رب إن شاء الله"

قام «عامر» بتوزيع الطعام على الجميع و هو يضحك لهم، فتحدث «يوسف» يستفسر منه بطريقةٍ جادة لا تتناسب مع كلماته:
"برضه مش عاوز تقولي مين بيكيفك ؟! الدماغ الحلوة دي مين مظبطها، حاسس إني أليس في بلاد العجائب"

رد عليه «عامر» بنبرةٍ ضاحكة:
"دي أقل حاجة عندي، يدوبك بس علشان الماتش جه على غفلة، عارف لو كان متربتله من بدري، كان زماني عامل شغل أحسن من دا بكتير، بس هعوضهالكم و احنا خارجين"

تحدث «طارق» بسرعةٍ ممتزجة بالقلق:
"هو لسه فيه و احنا خارجين ؟؟ هي مخلصتش كدا ؟! هتعمل إيه تاني يا عامر ؟! هتنزلنا بفضائيين؟!"

بعد مرور دقائق و بعدما تناولوا الطعام و المشروبات التي قدمها لهم «عامر» خرجوا استعدادًا للشوط الثاني، ارتفع صوت الألعاب النارية بالمكان ترحيبًا بعودة الفريقين لأرض الملعب فبدأت الفتيات و النساء في الهتاف و الترحيب بهم حتى بدأ الشوط الثاني بالمزيد من الحماس لكلا الفريقين و حينها ابتسم «خالد» بظفرٍ حينما تأكد من ظنونه و قاموا بتغيير ما توقعه هو.

بدأت المباراة بحماسٍ وسط الصيحات و الهتافات العالية فصاحت «خلود» عاليًا تشجعهم و تُزيد حماسهم بقولها:
"جيتوا في حيطة سد...هما مش اي حد.....دا فريق صد رد"

كانت الفتيات يتابعن خلفها و يكررن حديثها بحماسٍ قاصدين تشجيع الشباب حتى قام «ياسين» بإحراز الهدف الثالث فصاحوا جميعًا فرحًا به و بالفريق بأكمله و خاصةً زوجته التي كانت تقفز تصفق بمرحٍ وسط الفتيات حتى غمز هو لها فانفلتت ضحكة خافتة من بين شفتيها، و مع الاستمرار لعدة دقائق أخرى أحرز الفريق الأخر هدفه الثالث بمحازاة نهاية المباراة لتصبح النتيجة [٣_٣] 

قلت طاقتهم و خفتت حركتهم و بدأ اليأس يظهر على وجوههم و كأن النتيجة حُسمت للأسف، حتى قام «وليد» باحراز الهدف الرابع فجأةً فشهقت الفتيات بقوةٍ و اندفعن بأجسادهن و حينها قامت «إيمان» باطلاق الزغاريد الفرحة دون أن تعي ماذا تفعل.

لم تنتهي المباراة بعد بل حاول الفريق الأخر إحراز أية أهدافٍ تُنسب له الفوز لكن هذا لم يحدث فحدث خطأٌ غير متوقع أسفر عن إصابة لاعب من الفريق الأخر و «ياسر» أيضًا و حقنًا للدماء و لحل تلك المشكلة تم الاستقرار أخيرًا على ضربات الجزاء لكلا الفريقين و هي اللحظة المترقبة على الرغم أن الفوز لازال مضمونًا لفريق الشباب فحتى الآن النتيجة [٤_٣] لصالح فريق (صد_رد).

بدأت ضربات الجزاء بالفريق الأخر، فقام اللاعب بإحراز الهدف لتصبح النتيجة تعادل إيجابي [٤_٤] ظهر اليأس و الاحباط من جديد على أوجه الشباب، حتى حان موعد ضربة فريق الشباب و حينها وقف «خالد» بثباتٍ كعادته يطالع الواقف أمامه بإمعانٍ و الأخر يستعد لركلته بجسدٍ متأهبٍ كما استعداد الصياد لفريسته و قبل أن يبدأ «خالد» بذلك وصله صوت صغيره يقول بحماسٍ و صوتٍ عالٍ يحمسه و هو على ذراع «رياض»:

"يــلا يــا خــالد شــوط....يــلا يــا بــابـــا"

حرك «خالد» رأسه ينظر له و هو يبتسم بحبٍ له على طريقة ابنه التي تشبه طريقته في أدق التفاصيل حتى هتافه صدح صوت الصفير و حينها ابتسم «خالد» باتساعٍ ثم مال بجسده لليسار قليلًا و حينما حدث ما أراده هو على حين غرة ركل الكرة بقدمه اليسرى لتدخل من جهة اليمين و يحرز الهدف الأخير ليظفر بالنصر و نتيجة المباراة كانت [٥_٤] لصالح فريق (صد _رد) حينها اندفع الشباب نحو «خالد» بحماسٍ و طاقةٍ كبرى يحتضنوه و «ايمان» تطلق الزغاريد بحماسٍ حتى تحدثت «ميمي» بضجرٍ منها:

"ما تتهدي بقى علشان اللي في بطنك !! ياسر هيطين عيشتك و حقه بصراحة، اقعدي"

جلست بضجرٍ و هي تزفر بقوةٍ فتحدثت «ميرفت» بهدوء:
"خايفين عليكي يا إيمان، لسه يا حبيبتي في الشهور الأولى، لما ربك يكرم شوية و الجنين يثبت أبقي اعملي اللي أنتِ عاوزاه، علشان خاطر ياسر حتى"

حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة ثم مدت كفيها تحاوط بطنها حينما تذكرت أمر زوجها و أمله في ذلك الجنين.

دلفت الفرقة مرةً أخرىٰ تعزف بالطبول و الخيل معهم و تلك المرة ركبه «يوسف» بعد اصرار الشباب عليه، و للحق لم يستطع هو انكار فرحته و حماسه لطالما كان طبعه القيام بعمل كل ما هو غير مألوف للأخرين، و التصرف كما يشاء وقتما يشاء، تابعه «ياسين» بعينيه و حينما لمح الراحة و السكون على وجهه زفر براحةٍ، فوجد «عامر» يدلف من باب الملعب على دراجة نارية، حينها ضرب رأسه بكفيه معًا فوجد عدة دراجات تدلف الملعب خلف بعضهم في حلقات متشابكة يحاوطون الشباب، و كل دراجة يعتليها شخصين، الشخص الأول يقود الدراجة النارية و الشخص الثاني يمسك الألعاب النارية في يده يطلقها في السماء ترحيبًا بالشباب.

انخرط الشباب معًا في الاحتفال وسط صياح «عمدة» هاتفًا بصوتٍ عالٍ:
"الناس خيبتها السبت و الحد و احنا مش أي حد، احنا فريق صد رد، يعني الفوز المحتوم و النصر يدوم، يعني أنتَ وقعت في الحيطة السد"

رقص الشباب مع بعضهم بمرحٍ و ضحكاتٍ عالية و الفتيات يطلقن الأصوات الحماسية احتفالًا بهم، كانت ليلة غريبة نهايتها أغرب، فوقف «يوسف» يتابع ما يحدث حوله بعدما نزل من على الخيل و هو يفكر هل ما يحدث حقيقة ؟! هل تلك اللحظة ملموسة حقًا أم أن خياله هو من يصور له ذلك ؟! قبل أن ينخرط في تفكيره أكثر من ذلك وجد «وليد» يضع يده على كتفه بحماسٍ و هو يغمز له ثم قال بنبرةٍ هادئة و كأنه قرأ أفكاره:

"أنا كنت زيك كدا، أول مرة كنت معاهم وقفت أسأل نفسي اللحظة دي حقيقة و لا خيال، بس أنا بأكدلك إنها حقيقة، و أنا هثبتلك دلوقتي"

طالعه بملامح مستنكرة و نظرات عينيه تتساءل عن ماذا يتحدث حتى تفاجأ بـ «وليد» يتركه متوجهًا صوب الفتيات ثم قال بحماسٍ:
"خلود هاتيلي الدف من عندك، بسرعة بس قبل ما ياسين يخلع"

حركت رأسها موافقةً ثم ناولته له بحماسٍ و هي تبتسم له حتى أخذه ثم ركض للشباب من جديد و هو يضحك بملء شدقيه يقف وسطهم ثم قال لـ «ياسين»:

"يلا يا معلم غنيلنا، و لا يوسف ميعرفش إن صوتك حلو ؟! غني يا ياسين يلا"

تدخل «يوسف» يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ، ازاي بقى، دا احنا مكانش فيه حاجة مهونة علينا غير صوته، كنا ما بنصدق نخلص علشان نقعد نشرب الشاي و نسمعه"

ابتسم له «ياسين» ثم أخذ أشار لصديقه بعينيه، حينها تحرك «عامر» يأخذه من الأخر ثم بدأ الأجواء بمرحه المعتاد، فبدأ «ياسين» بالغناء و التصفيق معًا و الشباب حوله يصفقون له تزامنًا مع غناءه و استمرت تلك الليلة بعدة أغنيات مرحة اختلفت في الأنواع بين عدة مطربين منذ أجيالٍ مختلفة حتى طلب منه «يوسف» بهدوء:

"أنا بحب عبدالحليم، ما تسمعني كدا العندليب الأسمر يا ياسين"

أشار له على عيناهُ ثم بدأ في الغناء بقوله الهاديء:
"الهوا هوايا...ابنيلك قصر عالي.... و اخطف نجم الليالي....و اسغلك عقد غالي....و يضوي احلى الصبايا....الهوا هوايا...ابنيلك قصر عالي.... و اخطف نجم الليالي....و اسغلك عقد غالي....و يضوي احلى الصبايا....أنا الهوا هوايا.....هوا هوايا يبقى القمر تالتنا...و الليل بحره مهاودنا....و النسمة اللي تاخدنا....ترجع شايلة الحكاية"

صفق معه الشباب و هو يغني بصوته العذب حتى شاركه والده في الغناء و كانت «خديجة» تتابعه بعينيها و تستمع لصوته بقلبها و هي تعلم تمامًا أن كلماته موجهة لها هي أكثر من كونه يُغني للجميع.
_________________________

انتهت الأمسية الرائعة أخيرًا بعدما رحلوا جميعًا من أرض الملعب و بعد التقاط الشباب للصور مع بعضهم، بعدها قرر كلًا منهم التوجه إلى وجهته و أثناء الاستعداد لذلك قبل أن ترحل هي مع الجميع ركض إليها «عمار» يقول بلهفةٍ:

"يا خلود.... خلود...يا آنسة خلود"

التفتت له بنظراتٍ متساءلة عن سبب ركضه خلفها بتلك الطريقة قبل أن تلحق بعائلتها فقال هو بخجلٍ من طريقته:
"أنا....أنا آسف، بس كنت عاوز أقولك حاجة ضروري"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة و عينيها تتابعه بإمعانٍ:
"اتفضل، أنا سامعاك، خير يا أستاذ عمار"

ابتسم لها ثم قال:
"ياريت بلاش أستاذ عمار دي، الفرق بينا مش كتير أوي كدا"

طالعته بسخريةٍ و هي تقول:
"دا بجد !! طب و آنسة خلود دي إيه بقى ؟! اسم مركب ؟!"

تحدث هو مسرعًا:
"خلاص طالما مزعلاكي يبقى خليها خلود و أنتِ قوليلي يا دكتور عمار، أنا متواضع برضه"

ابتسمت له هي رغمًا عنها فقال هو بنبرةٍ هادئة بعدما حمحم بخشونةٍ:
"أنا مش عاوزك تقلقي بخصوص الدروس، أنا الحمد لله اتصرفت و حليت المشكلة بفضل ربنا، و هبعت لأحمد كل حاجة"

استطاع بحديثه إثارة انتباهها له حتى ظهر ذلك في نظرتها و رأسها التي تحركت بغير تصديق، فأضاف هو مُكملًا:
"فيه سنتر تاني منافس للسنتر دا، فيه نفس المدرسين اللي بتاخدي معاهم و غيرهم كمان، صاحبه يبقى صاحب بابا، و قالي إنك تروحي عادي و بعتلي كل المواعيد، و بالنسبة لمدرس الإنجليزي، هو عنده اتنين احلى من بعض، دا مش موجود هناك، يعني حتى مش هتشوفيه صدفة، و بكدا محدش ممكن يزعلك بكلمة أو حتى يبصلك"

سألته هي بسرعةٍ دون أن تفكر في حديثها أو كلماتها حتى:
"ليه ؟! ليه يا عمار شاغل بالك ؟؟ أنا أصلًا مهتمتش بالموضوع"

رد عليها مُسرعًا ثم حل التوتر على حديثه فورًا:
"علشانك....اقـ....اقصد يعني علشان السنتر التاني لو روحتيه ممكن حد يزعلك هناك بكلمة أو بأي حاجة، و دي حاجة أنا مرضهاش ليكي"

ابتسمت له بتأثرٍ و شعرت بمشاعر غريبة تسيطر عليها كما أنها لامست الخوف عليها في حديثه، فتحدث هو بثباتٍ:
"هبعت لأحمد إن شاء الله و لو مش هتعرفي المكان أنا ممكن أجي معاكي أحسن و أحمد يكون معانا برضه، عن إذنك يا آنسة خلود"

ردت عليه هي ببراءةٍ زائفة يشوبها خبثٍ من تفكيرها الذي لا يتناسب مع عمرها البتة:
"متشكرة جدًا يا دكتور عمار....أنا فرحانة أني كسبت أخ زيك، بتفكرني بأحمد عليا"

تلاشت بسمته تلقائيًا و هو يقول بصوتٍ عالٍ إلى حدٍ ما أقرب للانفعال من حديثها:

"أخ !!! إيــه ؟!"

حركت رأسها موافقةً ببراءةٍ و هي تحاول كتم بسمتها، فتحدث هو بقلة حيلة:
"شكرًا الحمد لله أني مش بفكرك بـ تيتة، عن اذنك يا خلود"

التفت بعد حديثه حتى يرحل من أمامها و علامات الضيق على وجهه بعد حديثه، بينما هي تأكدت من خلال حديثه أن مكانتها عنده تخطت كل ذلك حتى رحلت من أمامه و هي تبتسم بثقةٍ تلحق بعائلتها.

وقف «يوسف» وسط الشباب يقوم بتوديعهم فقال ممتنًا لهم:
"أنا بجد مش عارف أشكركم ازاي على اليوم دا، هيفضل أحلى يوم يعدي عليا في حياتي مهما عيشت، شكلي كدا هخلي كل اجازاتي معاكم و تبقوا اتدبستوا فيا"

رد عليه «عامر» مُرحبًا بفكرته:
"يا عم تحت امرك تعالى أنتَ بس و ملكش دعوة و هات ناسك و حبايبك معاك هما كمان"

حرك كتفيه ببساطة و هو يقول بخجلٍ طفيفْ إلى حدٍ ما:
"للأسف معنديش حد، دي الدعوة الوحيدة اللي استجابت ليا من أول يوم دعيتها فيه"

سأله «وليد» باهتمامٍ بعد حديثه:
"دعيت ؟! دعيت بإيه ؟!"

رد عليه مفسرًا:
"تلاتة ربنا يبعدهم عنك
[الناس_البني أدمين_البشر]"

طالعوه بتعجبٍ فتابع هو مضيفًا:
"دي الدعوة اللي علطول كنت بدعيها، و سبحان الله من يوم ما دعيتها و أنا معرفش حد خالص، أول ناس أكون معاها هما انتوا، عاوز أشكر ياسين أني اتعرفت عليكم"

رد عليه الشباب جميعًا مرحبين بوجوده معهم، و هو أيضًا شعر بالراحة و الصدق في حديثهم حتى أتى موعد رحيله و طلب سيارة خاصة تنقله حيث مكان إقامته، على الرغم من عروض الجميع بأنهم في خدمته إلا أنه رفض متخذًا وجود النساء حُجة قوية حتى يرحل بمفرده و قرر الانسحاب قبل أن تنفلت أعصابه أكثر من ذلك خاصة أن رأسه بدأت تتشوش يود أن ينام في تلك اللحظة لذلك رحل فورًا بعدما ودعهم جميعًا.
_________________________

في بيت آلـ «الرشيد» بعد وصولهم البيت بلحظاتٍ قليلة جلست «سلمى» في غرفتها تُخطط لدراستها و حينما شعرت بالضجر من الأجواء حولها حينها خرجت من غرفتها ثم قررت الذهاب إلى سطح البيت بعدما اقترحت عليها «خلود» ذلك، فقررت هي الانصياع لحديثها و صعدت بالفعل إلى هناك حتى تستنشق الهواء البارد خاصةً أنها طوال اليوم تهرب منه و من نظراته لها.

صعدت للأعلى فتفاجأت بصندوق متوسط الحجم يعتلي الطاولة الموضوعة فوق سطح البيت اقتربت منه بتعجبٍ فوجدت فوقها ورقة صغيرة كُتب عليها بخط اليد:

"شيلي إيدك كدا كُخ"

عقدت ما بين حاجبيها ثم قامت بفتح الصندوق فوجدته بداخله أشياؤها المُفضلة و التي هي عبارةً عن أقلام الحبر ملونة و معها فواصل ورقية بألوانٍ مُبهجة حتى تستخدمها في استذكار دروسها و معها أقلام تحديد ذو ألوانٍ زاهية، و معها بعض اللاصقات الكرتونية و كلًا منها أسفلها عبارة مرحة مُشجعة لها و هي:

"أشطر كتكوت في الدنيا"

ابتسمت بسعادةٍ بالغة فوجدت أخر شيءٍ عُلبة مشروبها المُفضل "الكابتشينو" وسط تلك الأشياء و معهم دفتر كبير الحجم، أخرجته هي و هي تبتسم بسعادةٍ يخالطها الحماس فوجدته دفتر التخطيط، حيث تم تقسيمه إلى عدة فئاتٍ و بكل فئة التاريخ و اليوم و عنوان المُهمة المطلوب منها القيام بها.

لم تحتاج لكثيرٍ من الوقت حتى تعرف ممن كل تلك الأشياء لكنها تذكرت طريقته معها فتركت الأشياء و تلاشت بسمتها و التفتت حتى تغادر المكان، فتفاجأت به يقف أمامها، و قد حاولت هي الهروب من نظراته المعتذرة لها و قبل أن تخطو خطوة واحدة من موضعها أوقفها هو بقوله متلهفًا:

"استني بالله عليكِ، بلاش تنزلي من غير ما أتكلم، حقك عليا و على راسي يا سلمى"

رفعت عينيها تطالعه بلومٍ و معاتبةٍ و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"ليه هو أنتَ عملت حاجة !!"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"آه....قليت أدبي، حقك عليا علشان طه مربانيش و زينب حاولت و فشلت"

التفتت توليه ظهرها حتى لا تضحك على جملتها، فقال هو مسرعًا:
"حلو الضحك علامة السماح"

التفتت له تقول بثباتٍ:
"مين قال إني سامحتك أصلًا ؟! فوق يا موهوم، بعدين وسع علشان عاوزة أنزل اذاكر و مش عاوزة حاجة تعطلني، حتى لو كنت أنتَ"

تنفس بعمقٍ ثم قال بوجعٍ:
"ماشي أنا معاكي إنك تزعلي، بس غصب عني والله اليوم كان متعب و صعب أوي يا سلمى، اليوم كان متعب لواحد زيي، أنا اتضربت و اتهانت بأهلي، و أختي ابتهدلت معايا، صعب أشوفك قدامي و أخبي ضعفي، أنا كان هاين عليا أعيطلك و أحكيلك على اللي حصل فيا، بس ازاي و أنتِ الدنيا جاية عليكي أصلًا"

ردت عليه هي بثباتٍ:
"تقولي و ملكش دعوة، لو زي ما بتقول أني بهمك أوي كدا و أنتَ شاغل بالك بيا يبقى هتعرف إن طريقتك دي متنفعش، أنا اليوم دا فضلت اذاكر لحد الصبح و روحت الدرس من غير ما أنام، أنا زعلت منك بجد و زعلي منك تعبني"

رد هو بلهفةٍ عليها يحاول اقناعها:
"حقك على راسي يا سلمى بقى، بعدين أنا جيبت حاجات تخلي الأُمي يطلع من الأوائل، لو مش عاوزاهم هاتيهم لخلود السنة الجاية"

التفتت نحو الصندوق تغلقه ثم امسكته بسرعةٍ و هي تقول معاندةً له:
"لأ، هاخده و مش مسمحكاك برضه، و على رأي وليد اللي ييجي منك أحسن منك"

تحركت من أمامه و قبل أن تخرج من باب السطح تحدث هو بنبرةٍ عالية:
"تصدقي أنا غلطان، كان المفروض أجيب دبلتين أحسن، على الأقل أبقى ضمنت حقي"

حاولت كتم ضحكتها فقال هو بنبرةٍ جامدة أمرًا لها:
"متضحكيش !! تصدقي أنا غلطت لما فكرت فيكي !! أنا محدش تعبني كدا"

التفتت له تقول مُتشفيةً به:
"أحسن، دوق شوية من اللي أنا دوقته، تصبح على خير....يا ابن عــمـي"

اتكأت على حروف كلمتها حتى عزم هو على الركض خلفها و هو يتوعد لها فركضت هي للأسفل تضحك بقوةٍ عليه و هو الأخر حتى لحق بها على درجات السلم فقال بصوتٍ عالٍ:
"اقفي مش هعرف امسكك !!"

توقفت تلهث بقوةٍ حتى قفز هو الدرجة الفاصلة و أصبح مقابلًا لها فاخفضت عينيها للاسفل بخجلٍ منه حتى تحدث هو بصوته الرخيم:
"أنا أسف و الله و عارف إني زعلتك بس أنا عشمان في قلبك الكبير"

ردت عليه هي بقلة حيلة:
"ماشي خلاص سامحتك، علشان صعبت عليا بس"

ابتسم لها هو بعبثٍ و قال يشاكسها بلمحة خبثٍ في حديثه:
"و ماله، دلوقتي صعبت عليكي، بكرة أبقى أنا اللي ليكي"

حاولت كتم ضحكتها فقال هو بعدما تنفس بعمقٍ:
"انزلي يلا ذاكري و خلي بالك من نفسك، أنا محبش أم عيالي تبقى فاشلة، يلا"

خجلت من حديثه لذلك وكزته بالصندوق في يده ثم ركضت من أمامه فيما ابتسم هو باتساعٍ ثم قال بصوتٍ عالٍ تأكد هو أنه سيصلها:
"لو الضحكة علامة السماح، الكسوف دا خلاني مرتاح"

دلفت شقتهم فورًا و أغلقت الباب بينما هو تنهد بعمقٍ و هو يبتسم بخفةٍ ثم التفتت يفتح باب شقتهم فوجد شقيقته تقترب منه بلهفةٍ و هي تقول:

"ها !! عملت إيه ؟! خلاص سامحتك ؟!"

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فردت عليه بثقةٍ ة شموخٍ:
"شوفت !! أنا كلامي عمره ما يخيب أبدًا، ثق فيا بس تاكل الشهد من ورايا"

ابتسم بسخريةٍ و هو يقول متهكمًا عليها:
"أو علقة سخنة برضه، مش فارقة كتير، كدا كدا باكل"

ردت عليه هي تعانده:
"تصدق !! أنا من شوية كنت حاسة بتأنيب ضمير أني خدت الدبوس من الورك بتاعك دلوقتي أتأكدت أني غلطانة فعلًا"

طالعها هو بتعجبٍ منتظرًا منها تكملة الحديث حتى قالت هي:
"كان المفروض أكله كله، بس و الله لأصلح غلطتي"

قبل أن تتحرك من أمامه امسكها من ثيابها من الخلف و هو يقول:
"عندك يا عسل !! خدي الكبيرة، الشوكلاتة اللي كانت في الفريزر و معاها علبة العصير، أنا شيلتهم ليكي علشان محدش ياخدهم"

سألته بحماسٍ:
"بجد !! فين قول أنا افتكرت نفسي كلتهم من غير ما أحس"

غمز لها بثباتٍ و هو يقول:
"في بطني، شيلتهم في بطني يا خوخة"

تركها بعد حديثه ثم دلف للداخل فابتسمت بخبثٍ و هي تقول هامسةً لنفسها:
"الحمد لله معرفش أني باخد البُن بتاعه أعمل بيه ماسك"
_________________________

_"أخــوها !! أخرة كل دا أطلع أخـــوها يا عــامر !! يا سوادي"

تفوه «عمار» بذلك بصراخٍ و هو يجلس مع أخيه و «سارة» التي حاولت كتم ضحكتها عليهما، فتحدث «عامر» بقلة حيلة:
"يابني بقى !! إيه العلاقة الهباب دي ؟! احمد ربنا إنك اخوها مش أبوها، إيه الهم دا ؟!"

جلس «عمار» بجواره و هو يسأله بقلقٍ من تفكيرها:
"بقولك إيه !! هي ممكن تكون فكراني أخوها فعلًا ؟! هروح فيها دي، ابقى بقضي الليل كله ادعي ربنا يرزقني بيها و هي تقولي أنتَ أخ !!"

ضحك «عامر» رغمًا عنه فتحدثت «سارة» بدهاءٍ:
"بص أنا ممكن افيدك بصراحة، بس مش عاوزة اديك أمل كداب تمشي وراه، فاهمني !!"

سألها بنفس اللهفة:
"قولي متخافيش، بس أي حاجة تريح بالي"

ردت عليه هي تفسر ما فكرت به و ما توصلت له نتيجة حديث الأخرى:
" يعني اللي أقصده إن خلود دي ما شاء الله ذكية أوي، أكيد مش هبلة يعني، بس الكلمة دي ممكن يكون قصدها مثلًا تختبرك ؟! أو تكون عاوزة تلمح ليك ؟! مش متأكدة بس خلود دي أتوقع منها أي حاجة، متقلقش"

تنفس الهواء مباشرةً إلى رئتيه ثم قال بهدوء:
"كدا كدا أنا مش حاطط عشمي فيها هي، أنا حاطط عشمي في ربنا سبحانه و تعالى و متأكد إنها هتكون ليا، مستحيل احساسي بيها دا يكون كذب"

ابتسم له «عامر» بهدوء و «سارة» أيضًا، حتى قال هو بسخريةٍ:
"أخوها ؟؟ طب ازاي ؟!"

ضحكا كليهما عليه فوزع هو نظراته بينهما حتى ضحك هو الأخر ثم ارتمى على أخيه يحتضنه فتحدث «عامر» بهدوء:
"متخافش، و رب الكعبة لأريحك و أطمن قلبك كمان، اتطمن"
_________________________

وصلا سويًا إلى شقتهما ثم بدلا ثيابهما و قامت «خديجة» بعمل الشاي و معه أوراق النعناع الأخضر، ثم قامت بجلب الكعك المتبقي في الثلاجة ثم وضعته في طبقين لهما ثم خرجت من المطبخ نحو الشرفة التي جلس بها هو ينتظر قدومها.

أقتربت منه تبتسم بسعادةٍ بالغة ثم جلست بجواره على الأرض الذي جلس عليها هو يستند على الحائط خلفه، ابتسم هو بمجرد ما أقتربت منه تضع الصينية على الطاولة الصغيرة، ثم حركت رأسها تنظر له و هي تبتسم باتساعٍ، حتى سألها هو بشكٍ:

"مالك !! بتبصيلي كدا ليه ؟!"

"بتأكد إنك موجود فعلًا، الشهر و نص اللي كانوا من غيرك كانوا وحشين أوي، علشان كدا بتأكد إنك هنا، أنتَ موجود صح !!"

حرك رأسه موافقًا فتنفست هي بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ:
"من ساعة ما أنتَ جيت و كان نفسي نسهر سوا هنا و نشرب الشاي بالنعناع مع بعض، ما صدقت إنك هنا و موجود و مش عاوز تنام"

رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"هنام و أسيبك برضه ؟! قوليلي بصحيح ضرتي فين ؟!"

ابتسمت حينما فهمت أن مقصده هو القطة الصغيرة فقالت بنبرةٍ ضاحكة:
"لو سمحت !! اسمها خَدوش، بعدين محدش قالك تجيبها ليا، دي طلعت طيبة و خدت عليا بسرعة أوي"

رد عليها هو بقلة حيلة:
"ازاي قطة و طيبة !! أنتِ إيه مقياسك على الأشياء في الحياة ؟!"

قلبت عيناها بتفكيرٍ ثم حركت كتفيها و هي تقول بجهلٍ للأمر:
"مش عارفة.....بس مأظنش أني عارفة حاجات كتير"

ابتسم لها وهو يقول:
"أقولك ؟؟ كدا أحسن برضه"

اعطته الكوب الخاص به و طبقه أيضًا و أخذت طبقها و كوبها ثم قالت بمرحٍ:
"أدي حلم من أحلام حياتي بحققه أهوه، عقبال الباقي يا رب"

سألها هو باهتمامٍ:
"إيه الحلم و إيه أحلامك الباقية ؟! عرفيني كدا"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"نقعد كدا في البلكونة و نشرب الشاي مع بعض، و نقعد نرغي للصبح، بما إنك أجازة بقى هنرغي طبعًا، و لا أنتَ عاوز تنام؟!"

سألته بحذرٍ حتى قال هو ساخرًا بعدما ارتشف من كوبه:
"لأ إزاي بس ؟! قال يعني أنا لو قولت عاوز أنام خديجة هتسامحني و مش هتزعل"

ردت عليه هي مسرعةً بتوترٍ:
"هزعل و ازعلك مني، بس لو تعبان أنا مش هقدر أتكلم، و لا أقولك أنا عاوزة أبقى شريرة خلاص هزعلك....لأ أنا بحبك خلاص"

ضحك هو رغمًا عنها حتى وكزته في كتفه و هي تقول بتبرمٍ:
"بس بقى !! لما انعكش الكلام متضحكش عليا، أنا ما صدقت ترجع علشان اتكلم قصادك براحتي"

سألها هو بتعجبٍ:
"هو أنتِ مكنتيش بتتكلمي و أنا مسافر ؟! عيشتي خرسا ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"مش أوي بس كنت علطول لوحدي كدا و مش عارفة اتكلم، أو خايفة اتكلم، أنتَ الانسان الوحيد اللي لما بتكلم معاه بحس أني بكلم نفسي، مش بخاف مش برتب الكلام مش بفكر فيه، بتكلم بس من غير أي حاجة توقفني"

ابتسم هو لها ثم قال بصوته الرخيم:
"علشان دي أهم حاجة في الدنيا، مش مهم فلوس و لا شقة و لا عربية و لا شكل، كل دول بيروحوا إنما القلب و الراحة النفسية دول مش بيروحوا مننا، الحنية و الطيبة دول فِطرة جوانا أصلًا، فأنا لو عاوز حاجة في الدنيا، يبقى هعوز أني أفضل حنين، أنا مبعرفش أعمل حاجة غير أني أحن على الناس، أنتِ بقى بكل الناس، يعني هتاخدي الحنية بجرادل"

ضحكت هي على كلمته الأخيرة و هو الأخر ضحك معها، فسألته هي بحماسٍ:
"طب ما تقولي كدا مصيبة عملتها و أنتَ صغير محدش يعرف عنها حاجة ؟! احكيلي كدا خليني اشوف جوزي كان طفل شقي و لا إيه"

رد عليها ببراءةٍ ينفي تلك التهمة عن نفسه:
"و الله أبدًا، طول عمري هادي و مسالم خالص، بصي...أنا اخترت أكون ازاي و إيه، يعني أنا اللي مقرر شكل حياتي، قررت أني عمري ما أكون شخص قاسي، و قررت أني أكون مسالم و أكمل تربية أهلي لنفسي، أخترت مثلًا اني موزعش غير الحب و بس"

نظرت له باستفسارٍ حتى أضاف هو يجاوب استفسارها:
"يعني أنا مش بكره حد خالص، حتى لو حد بيكرهني أنا مستحيل أردله كرهه دا، بوزع حب و بس، بمعنى أنك بتحبني أنا كمان هحبك و أشيلك في عيني، بتكرهني أنا مستحيل أكرهك و تلقائيًا هعاملك كأنك مش موجود أصلًا، الكره دا مشاعر قوية بتاخد من روحنا و وقتنا، إنما الحب هو الحاجة الوحيدة اللي تخلي الانسان يعيش مرتاح، و علشان تعيش مرتاح أكتر ابعد عن الناس"

تحدثت هي بحزنٍ:
"أنا مش بعرف اتعامل معاهم لحد دلوقتي، حاسة أني لسه مش قد دماغهم أو هما أكبر مني في التفكير، الناس ساعات اللي جواهم لينا بيخوف أوي، يعني ممكن حد يكون معايا بيضحك في وشي و هو من جواه يكون بيكرهني، أنا بخاف من كدا أوي، و بخاف من كلامهم و لسانهم"

اقترب منها هو يحتضنها حتى وضعت رأسها على صدره و هو يربت على ظهرها تزامنًا مع قوله الرزين الهاديء:
"الناس دول يا خديجة أخر حاجة تفكري فيها، لأن هما أصلًا مش فاهمين نفسهم، كفاية خوف من الناس، لان هما مش هيحلوا و لا يربطوا و لا هينفعوكي بحاجة، خوفك لازم يكون من ربنا، و افتكري إن مفيش إنسان ممكن يأذيكي طول ما قلبك مسلم أمره لـ ربنا، أقولك على حدوتة حلوة تخليكي تعرفي إن الناس دي أصلًا وجودهم زي عدمه ؟!"

حركت رأسها موافقةً و شعر هو بحركتها تلك على صدره، فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"مرة واحد زمان حب بنت أوي و كان عاوز يتجوزها و المهم هي كمان حبيته و عرفته و بدأت بينهم قصة حب زي قصص الأساطير كدا، البنت دي كانت حلوة أوي و جميلة جدًا، كانت فيها كل حاجة أي راجل ممكن يتمناها، جمال و أدب و أخلاق و رقة و قلب طيب، باختصار يعني كانت خديجة في نفسها"

رفعت رأسها و هي تبتسم له فقال هو مسرعًا بمرحٍ:
"أومال فكراني هقول إيه ؟! أنا راجل مخلص برضه"

ردت عليه هي بسرعةٍ:
"أنتَ أجمل راجل في الدنيا كلها"

حرك كفه يُمسد على ظهرها ثم قال بنبرةٍ هادئة متابعًا القصة:
"المهم يا ستي، الولد دا فاتح أهله و قالهم أنه عاوز يتجوز البنت اللي هو بيحبها، و أنه لقى فيها كل حاجة اتمناها، أهله بقى علشان العادات و التقاليد قالوله خلاص، نسأل عنها لو زي ما بتقول فعلًا كدا يبقى تتجوزها، لو حد ذَم فيها يبقى مستحيل تتجوزها، راح هو يا ستي و معاه حد من تبع أهله يأيد كل كلمة هتخرج في حق البنت دي، راحوا لأول ناس قالوا إنها عادية و مش مميزة و فيها غيرها كتير، سابهم و راح لناس تانية قالوله أنها بتستغل جمالها الطبيعي دا أنها توقع ناس كتير و تسحب منهم فلوس، راح للناس التالتة قالوله احنا منعرفهاش بس سمعتها وحشة أوي عندنا عروسة حلوة خدها و سيبك من ديه، طبعًا كان معاه راجل بيكتب كل حاجة يسمعها، يعني مش هيقدر يكذب على أهله، راح يعيني لأهله و هو متاكد انهم مستحيل يوافقوا عليها لو الدنيا كلها طلبت دا منهم، و دا حصل فعلًا أهله عارضوه و رفضوها و هو بدأ يخسر حياته و روحه كمان، فيه واحد صاحبه لاحظ حالته دي و أنه بدأ حتى يخسر نفسه، نصحه إنه يروح مسجد كبير وسط المدينة، و قاله هناك شيخ كبير أو و بركة هترجع من عنده مرتاح، روحله و مش هتخسر حاجة، و أكيد حل مشكلتك عنده اسمع الكلام و روحله"

سألته هي باهتمامٍ بعدما أثارت القصة انتباهها و استحوذت على تفكيرها:
"طب و عمل إيه؟! راح فعلًا و لا رفض حاجة زي دي ؟!"

رد عليها يجاوبها بهدوء:
"راح فعلًا و أول ما وصل المسجد قعد يعيط و غصب عنه اشتكى لربنا همه و كل اللي فيه، لاحظه الشيخ و لاحظ حالته، فقرب منه يسأله ماله و إيه اللي يخليه بعيط كدا، حكاله قصته كلها إن البنت اللي هو حبها طلعت مش تمام و الناس كلها ذمت فيها و أهله مستحيل يوافقوا عليها، و هو خايف تكون كدا فعلًا أو حس إن الناس كلها أجمعت على كدا يبقى فعلًا هي مش كويسة زي ما قالوا، الشيخ ساعتها لقاها فرصة أنه شخص زي دا و جاي محتاج كدا، فقاله أنه عنده بنت جميلة أوي و نفس مواصفات البنت دي اللي هو حبها، و طبعًا بنت امام مسجد يعني لا غُبار على أخلاقها، طلب منه يروح يسأل الناس في منطقته عنها و عن أبوها الشيخ، ساعتها الولد استغرب بس مع اصرار الشيخ وافق و راح فعلًا يسأل الناس عنها و قال خلاص طالما نفس المواصفات و بنت شيخ يعني أكيد عندها أخلاق عالية بدل حبيبته اللي هو مش متأكد من أخلاقها دي، المهم يا ستي راح المكان اللي شيخ قاله عليه و قاله لو عاوز تسأل في أماكن تانية دا حقك أنا مش هغشك دا جواز"

سكت عن الحديث فقالت هي بإيجازٍ:

"كمل بسرعة"

تابع حديثه من جديد بعدما تنفس بعمقٍ:
"راح يا ستي المكان دا يدور يسأل عنها و عن أبوها الشيخ، على الرغم أن النتيجة محسومة يعني، بنت شيخ و هو مشهور أكيد توب الأرض نفسه هيشكر فيها، بس المفاجأة كانت في كلام الناس عنها، انها بنت مش كويسة، و أنها بتستغل والدها، إن أبوها شيخ مش كويس، و هي بنت مش محترمة و مش شريفة، كلام كتير عن البنت و الشيخ، لف وراح منطقة تانية قريبة منهم يسأل الناس و منهم اللي يقول معرفش و منهم اللي يقول إنها مش كويسة و منهم اللي يقول إنها عادية زي غيرها، طبعًا هو استغرب و قال خلاص طالما زيها زي اللى بحبها يبقى أخد اللي بحبه و خلاص، و راح للشيخ تاني بس كان مكسوف أوي منه، هيروح يقوله بنتك طلعت زي اللي بحبها ؟! بس قرر أنه يواجهه على الأقل الشيخ يتصرف في بنته، دخل المسجد تاني و هو باين عليه الكسوف، الشيخ قرب منه و سأله بهدوء كدا و هو بيضحكله "ها نقرا الفاتحة ؟!" ساعتها قاله كل الكلام اللي الناس قالته على بنته و قاله أنه راح شارع تاني و مكان تاني و برضه الكلام كان هو هو، و بنته طلعت مش شريفة"

شهقت هي بقوةٍ و ابتعدت عنه تطالعه بغير تصديق و هي تقول:
"يا ربي ؟! قال كدا للشيخ ؟! طب الشيخ عمل إيه يا ياسين؟!"

حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول متابعًا سرد القصة:
"الشيخ ساعتها ضحكله و قاله إن هما دول البشر و إن هي دي طبيعتهم، ذموا في بنته زي ما ذموا في حبيبته، ساعتها الشيخ قاله أكتر حاجة لا يمكن يتخيلها....قاله أنه مش مخلف أصلًا و معندوش عيال"

زادت قوة شهقتها و هي تقول بغير تصديق:
"يا نهار أبيض !! بتهزر صح ؟!"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"مش بهزر و الله، الشيخ فعلًا مش مخلف هو متجوز آه بس معندوش عيال، المفاجأة كمان أنه بعته مكان محدش يعرف فيه الشيخ دا لانه مش اسمه أصلًا، يعني الشيخ خلاه يسأل عن بنت مش موجودة لواحد ملوش اسم أصلًا، و ساعتها الولد اتصدم ازاي دا يحصل معاه، قاله إن البشر طبيعتهم الكلام و الغيرة حتى لو من حد هما مش عارفينه، طالما فيه خير جاي للشخص دا يبقى يقف في وش الخير دا، يعني البنت جميلة و حلوة و أدب و أخلاق، طبيعي يغيروا منها، ساعتها الشيخ قاله يروح لحبيبته و يحارب علشانها لأن الناس كلامهم خراب و البعد عنهم عَمْار، بس يا ستي"

ابتعدت عنه تطالعه بدهشةٍ من تلك القصة و هي تقول بغير تصديق:
"دا بجد ؟! فيه ناس كدا فعلًا يا ياسين ؟! إيه الرعب دا"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بقلة حيلة:
"للأسف آه، الناس طبعهم غريب و كلهم واخدين إن الدنيا حِجة و إن البشر هما السبب علشان كل واحد فيهم يفضل وحش من جواه كدا، بس محدش واخد باله أنه لو بدأ هو يحافظ على نفسه محدش هيتغير، الناس كلها هتكون كويسة لو كل واحد فكر أنه يحافظ على فطرته السليمة"

سألته هي بتوترٍ و صوتٍ مهتز و كأنها تخشى ذلك السؤال لكنه جال بخاطرها:
"طب هسألك سؤال مهم و تقولي إجابته و متسألنيش بسألك ليه"

كانت نظراته مطالبة بأن تكمل و تستفسر عما تريد منه الجواب عنه، فتابعت هي بسرعةٍ كبرى:
"هو أنتَ لو كنت جيت اتقدمتلي و حد قالك أني مش كويسة و اتكلم عني بطريقة مش كويسة، كنت هتعمل إيه؟! و متسألنيش ليه بجد علشان مش عارفه"

اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم طالع عمق عينيها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا مبسمعش كلام الناس يا خديجة، أنا بسمع كلام قلبي و بس، ناس مين دول اللي اسمع كلامهم ؟! و بعدين دي قصة من قديم الأزل، مين دول اللي يتكلموا عنك ؟! دا أنا أولع في اللي يبصلك بصة مش كويسة بس، مش يتكلم ؟!"

ابتسمت له وهي تبتسم ثم قالت بتلقائيةٍ و حماسٍ كعادتها معه:
"شكرًا يا رب على وجوده، أنا بحبك أوي أوي أوي و الله، الحمد لله على نعمة وجوده"

اقترب منها يقول هامسًا بنبرةٍ هادئة متغزلًا بها و هائمًا في عينيها:

"مِـنْ بَيْنَ جَميِّع الفَتيْات رُزِقت بِـ قَلّب أحَنُهن، أشَار عَليْها القَلب و عَشِقَها من بَيْنَهُنَ"

ابتسمت هي له و أخفضت رأسها بخجلٍ و خاصةً مع ارتفاع ضربات قلبها فقال هو بنبرةٍ مرحة كعادته حينما يغازلها:

"خلاص يا ست الكل طالما سكتِي يبقى كدا اتثبتي"

ضحكت هي باتساعٍ فأضاف هو بفخرٍ:
"و إيه الجديد يعني ؟! من يوم ما عرفتك و أنا مثبتك، حاجة مش جديدة"

عادته لموضعها السابق بين ذراعيه و رأسها تلقيها على صدره تتنفس بعمقٍ و هو يربت على ظهرها برفقٍ حتى قالت هي بنبرةٍ هادئة:
"اقرألي قُرآن يا ياسين، طمني"

ابتسم هو لها ثم رفع كفه يستقر على رأسها يحركها بهدوء و هو يقرأ لها ما تيسر من القُرآن الكريم بصوته العذب و هي بين ذراعيه في أمانٍ.
_________________________

في شقة «حسن» كانت «هدير» تقف في المطبخ تقوم بصنع الطعام لهما سويًا و هو في الداخل ينتظرها و يقوم بعمل شيئًا و هو يتأكد أنه سيعجبها لا محالة، و حينما طال انتظاره لها تحرك من الغرفة متوجهًا نحو المطبخ، وقف يتابعها و هو يبتسم فوجدها تقوم بصنع الشطائر فسألها هو بصوتٍ متحشرجٍ:

"كل دا يا ست ؟! مكانوش سندوتشين جبنة و كوبايتين شاي باللبن دول ؟"

التفتت له تقول بتهكمٍ:
"بقولك إيه مستعجل أوي كدا تعالى أنتَ اعمل معايا، متتعبنيش"

أقترب منها يقوم بسكب المشروب في الأكواب بصمتٍ حتى سألته هي بقلقٍ من صمته:

"حسن !! أنتَ سكت ليه هو أنتَ زعلان ؟! أنا مش بحبك تسكت"

أبتسم لها و هو يقول:
"يا ست أنا لا زعلت و لا نيلة، اعملي بس الأكل و بطلي دلع"

أقتربت منه تسأله بلهفةٍ:
"أوعى تقول بابا هو اللي قالك كدا ؟! هو كلمك أنتَ كمان يا حسن؟!"

عقد ما بين حاجبيه بتعجبٍ فاضافت هي بمرحٍ و بنبرةٍ ضاحكة:
"أصل بابا النهاردة و أنا بسلم عليه قالي بطلي تدلعي على حسن بقى و اكبري شوية، بس أنا مسكيتش علشان منظرك"

_"جدعة، أيوا كدا استري على جوزك، قولتيله إيه يا هدير ؟!"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"قولتله لأ طبعًا يا بابا احنا كبرنا أنا مش بتدلع على حسن....هو اللي بيدلعني"

قالت جملتها الأخيرة بمرحٍ و حماسٍ جعله يرد عليه بسخريةٍ:
"روحي ربنا يسترك ياختي، خلصي الاكل و تعالي يا فضيحة، بس أقولك جدعة، أعيش و أدلعك أنا أصلًا معنديش غيرك أدلعه"

تحرك من أمامها و هي تضحك عليه بعدما أخذ المشروب و هي خلفه بالطعام، دلفا الغرفة خلف بعضهما حتى جلس هو أولًا و هي بجواره تضع الطعام على الطاولة، فمال هو بجسده بجوار الأريكة يجلب منها حقيبة متوسطة الحجم ثم وضعها على الطاولة و هو يقول بثباتٍ يتنافى مع الحماس الذي يُضرب بداخله:

"شوفي كدا دي يا هدير ؟!!"

أخذت الحقيبة تفتحها و هي تنظر بتعجبٍ و قلقٍ حتى وجدت بداخلها بلورة زجاجية كبيرة الحجم يقبع بداخلها كرتونهما المفضل (الأميرة و الوحش) ، ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة، حتى وضعت كفها على فمها، فتحدث هو بصوتٍ رخيم:
"طلعي التانية اللي جنبها و شوفيها يا هدير، يلا"

وضعت ما بيدها ثم أخرجت الأخرى لتجدها بلورة زجاجية مستطيلة الشكل بداخلها زهرة حمراء بنفس شكل الزهرة في نفس الفيلم، ضوت عينيها بفرحةٍ حتى وجدته يقترب منها يضغط على زر في نهاية تلك البلورة و حينها أُضيئت الزهرة و صدر معها نغمة هادئة، حينها شهقت بفرحةٍ فقال هو بهدوء:

"قولت طالما بقى أنا خدت دور الوحش و أنتِ خدتي دور الأميرة، لازم يكون معاكي ذكرى حلوة منهم، أظن مفيش أغلى من دول ؟! و لا إيه ؟!"

حركت رأسها موافقةً و بـ عينيها الدامعتين طالعته فقال هو بهدوء:
"دول الحاجات العادية، فيه هدية أحلى من كل دول يا هدير، هدية أنا واثق إن مفيش أعز و أغلىٰ منها"

حركت عينيها تطالبه بالاسترسال في حديثه حتى فتح الدرج الموجود في الطاولة ثم أخرج منه ما يريد ثم قدمه لها في يدها، أخذت منه الأوراق و هي تطالعه بتعجبٍ حتى تنفس بعمقٍ و قال بصوتٍ رخيم:

"ربنا سبحانه و تعالى كرمني أنا و أنتِ معايا بزيارة لبيته الكريم، الحمد لله خلصت كل حاجة و هنسافر العُمرة سوا يا هدير"

رفعت رأسها نحوه مُسرعةً تريد منه إثبات صدق حديثه على الرغم من كونها تمسكه بيده، أما هو فكان يبتسم لها بسمةً صافية و خاصةً مع ازدياد البريق في عينيها، و أجزم هو في تلك اللحظة أنه رأى لمعة نجوم السماء في عينيها التي رزفت الدموع فورًا و فجأة ارتمت عليه تبكي بشهقاتٍ عالية و تتشبث به، و صوت بكاءها يزداد بقوةٍ في حالة صدمة و تخبط أصابتها كليًا و مست قلبها.

تعليقات



×