رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و السبعون 72 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و السبعون بقلم سهام صادق



لم يكن تركيزه منصب على عمله بالكامل خاصةً بالساعة الأخيرة من هذا الإجتماع الذي لأول مرة يزيد عن أربع ساعات.


انتشل نفسه بأعجوبة من تلك المناقشات مع رؤسائه وزملائه بعدما غادروا من غرفة الإجتماعات وبنظرة من عينيه لمساعده "كريم" أسرع الأخر ليتولى مهمته ويبقى مكانه.


بخُطوات سريعة غادر المصعد ثم تحرك نحو سيّارته المصطفة بجراح المبنى الإداري الخاص بعمله زافرًا أنفاسه بغيظ من عدم ردها على الهاتف.


_ نفسي تردي على مكالماتي على طول، أنا حاسس إني متجوز طفله بتعاند فيا.

 

تمتم بها وهو يفتح باب السيارة وعيناه عالقة بالهاتف. 


تأفف أمين الشرطة بضيق من تلكعها في البحث عن رخصة القيادة وبطاقتها الشخصية ومن جهة أخرى رنين الهاتف الذي يتوقف للحظة ثم يصدح صوته مجددًا.


_ اتحركي بالعربية يا استاذة واركني يمين لأن شكلنا مطولين. 


التفت "زينب" برأسها نحوه بذعر، فأخذ رَجُل الشرطة يهز رأسه بضجر بعدما سقطت الحقيبة من يدها وأخذت تتمتم. 


_ ممكن ثواني من فضلك.. 


أسرعت بالتقاط أغراضها التي سقطت من الحقيبة وهتفت  بتوتر بعدما استمعت إلى صوت زفراته التي أطلقها حانقًا. 


_ حضرتك متوترني..

 

_ أركني على جنب يا استاذة ، وردي على تليفونك.. ما هو ده دايمًا بناخده منكم. 


حدجته "زينب" بنظرة ضائعة ، فصرخ بها بعدما فقد صبره. 


_ يا استاذه انتي استعابك بطئ، اركني وكلمي حد يجبلك الرخصة والبطاقة بدل ما الموضوع ينتهي في القسم.

 

اتسعت عيناها بفزع ورددت ورائه. 


_ قسم، قسم ليه أنا معملتش حاجة. 


_ يا صبر أيوب، لولا إنك ست وشكلك بنت ناس كنت اخدتك على البوكس.

 

فتحت "زينب" فمها بصدمة وسُرعان ما كانت تنتبه على صوت الهاتف. 


_ التليفون، فين التليفون؟ 


لطم رَجُل الشرطة يديه ببعضهما لينهره رئيسه قائلًا:


_ إيه سبب العطلة ديه يا أمين "ذكي". 


_ الهانم معهاش رخصة يا باشا ومعطله لينا الدنيا.

 

وجدت "زينب" الهاتف أخيرًا وردت سريعًا وقد زاغت عيناها بين ضابط الشرطة الذي يتقدم من سيارتها وبين الأمين "ذكي" الذي ابتعد عن السيارة. 


_ إلحقني يا "صالح" عايزين ياخدوني القسم.

 

توقف "صالح" بسيارته فجأة، فانطلق بوق السيارة التي ورائه بعدما تفاجئ صاحبها بفعلته وأخذ يلعنه. 


_ "زينب" اتكلمي براحه وفهميني أنتِ فين بالظبط. 


انحشر الكلام بحلقها عندما وجدت نظرات أخر تتفرسها ويشير إليها أن تعطيه الهاتف.

... 


وقف "قصي" بشرفة المنزل حائرًا في أمر شقيقته التي لا يتذكر آخر مره بكت هكذا، أخرج زفرة طويلة من صدره ثم أخذ يهز رأسه رافضًا ما يجول في نفسه...، فَــ شقيقته ليست بالساذجة حتى تسمح لذلك البغيض الذي لا يتقبله بأن يتجاوز حدوده معها وتخون ثقتهم بها. 


أطرق رأسه للحظة ثم عقد حاجبيه مفكرًا وسُرعان ما كان يُخرج هاتفه من جيب بنطاله.


_ أيوة أكلم "سما". 


تنهد بمقت عندما استمع إلى تلك الرسالة المسجلة بأن الهاتف خارج نطاق التغطيه، أغلق عينيه لوهلة يسأل نفسه لما لا يُحادث "زينب". 


_"زينب" عاقله ويمكن دي تكون فرصة يقربوا فيها من بعض 

... 


نظرت" زينب" إلى السيارات التي تمر أمامها دون عوائق ثم اتجهت بأنظارها نحو رجال الشرطة الواقفين لتبحث عن الضابط الذي أخذ منها الهاتف وابتعد به. 


ضاقت حدقتاها بغرابة وهي تراه يتحدث به وعلى محياه ارتسمت ابتسامة واسعه بل وأخذ يضحك. 


أصابتها الحيرة وتساءَلت بعدما خمنت هوية هذا المتصل الذي لم يسمح لها الضابط بالرد عليه. 


_ معقول جدو اتصل بعد "صالح" على طول، جدو دايمًا بيحس بيا.. 


ثم تنهدت وهي تضع رأسها على عجلة القيادة. 


_ مكنتش عايزه اقلقه، سامحني يا جدو، عارفة إنك هتزعل مني لأني ضحكت عليك يومها وقولتك إني عملت رخصة السواقة. 


عادت تُحدق بالضابط الذي نسى أمر الهاتف بعدما انتهت المكالمة واتجه نحو إحدى السيارات. 


أرخت أهدابها وأخذت تنفض رأسها حتى لا تتذكر ذلك اليوم الذي كان سبب كذبها على جدها في أمر رخصة القيادة. 


فلاش باك!! 


التمعت عينيها من السعادة وهي تسمع جدها يطلب من عمها "هشام" أن يستخرج لها رخصة قيادة لتنطفئ لمعة عينيها سريعًا وهي تضع فنجان القهوة أمامه. 


_ رخصة إيه يا بابا، مش كفاية كارثة الاسبوع اللي فات لما اخدت العربية من وراك. 


أسرعت بالرد وهي تنظر إلى جدها بندم. 


_ والله يا جدو مش هتتكرر تاني، أنا عارفه إني غلطت.

 

ارتجف قلب "نائل" عندما رأها تبكي واجتذب يدها بحنان ليجلسها جواره. 


_ وأنا مش زعلان منك يا حبيبتي، عمك "هشام" نفسه كان بيعمل كده من ورايا ولا سيادة المستشار نسي نفسه. 


ارتبك "هشام" من نظرة والده له ورمق بسخط تلك القابعة بين أحضان جدها. 


_ يا سيادة اللواء أنا بقول كلامي ده من خوفي عليها، "زينب" لسا صغيرة ومتهورة. 


_ زي ما طلعت الرخصة لـ "أشرقت" و "سما" تطلعها ليها بدل ما اروح أنا بنفسي معاها. 


احتقنت ملامح "هشام" عندما وجد "زينب" تضع قبلة على خد جدها، فأسرع بالرد متوعدًا لها داخله. 


_ تروح فين بس يا سيادة اللواء، كلامك كله هيتنفذ أكيد. 


ابتسم "نائل" ونظر نحو "زينب" ثم مَدّ كفوف يديه نحو عينيها حتى يمسح تلك الدموع العالقة بأهدابها. 


_ هو أنا عندي كام "زوزو"، مبسوطة يا حبيبتي.

 

حركت "زينب" رأسها له بسعادة ودفنت وجهها في حضنه، فشدد "نائل" من ضمها إلى صدره. 


_ حبيبت جدها مش أقل من أي حد، تنجحي السنادي ووعد مني إن شاء الله هجبلك عربية.

 

اشتعل الحقد في قلب "هشام" عندما استمع إلى حديث والده وازداد حقده أكثر عندما رأها تقفز من السعادة وتقبل خدي جدها. 


_ يا حبيبي يا جدو، أنا هدخل اذاكر وهطلع الأولى السنادي. 


قالتها واندفعت نحو غرفتها وقلبها يتقافز من الفرح، تجهمت ملامح "هشام" لكن عندما استمع إلى صوت والده أخفي تجهمه سريعِا وابتسم. 


_ ليه يا بني بتتعمد تكسر قلب بنت اخوك اليتيمة، ليه دايماً مخوفني منك يا "هشام".

 

انتفض قلب "هشام" خوفًا عندما وجد والده يضع يده على صدره، فأسرع بالجلوس تحت قدميه. 


_ خد نفسك براحه يا بابا، حاضر هعملك كل اللي أنت عايزه... 


جلس "هشام" هذه الليلة لوقت طويل إلى أن اطمئن على والده ثم غادر غرفته بعدما سطحه على فراشه. 


اتجه نحو باب الشقة حتى يُغادر لكن حب والده الشديد إلى حفيدة تلك المرأة أيقظ داخله ماضي لم ولن ينساه.


_ بيحبها عشان شايفها فيها. 


غمغم بها "هشام" بحقد واتجه هذه المرة نحو غرفتها. 


تركت "زينب" القلم من يدها ونهضت من وراء طاولة مكتبها الصغير الذي تدرس عليه. 


_ محتاج مني حاجه يا عمو. 


وبخوف أردفت وهي تتحاشىٰ النظر إليه. 


_ جدو نام؟ 


أغلق "هشام" باب الغرفة، فتعلقت عيناها به ذعرًا. 


_ هو أنا عملت حاجه يا عمو. 


_ مش عايز اسمع صوتك مفهوم. 


اقترب منها، فتراجعت إلى الوراء وهتفت بصوت مهزوز.


_ أنا معملتش حاجه، ولا قولت حاجه لجدو.

 

_ قولت مش عايز اسمع صوتك. 


_ حاضر، حاضر مش هتكلم. 


ابتسم عندما رأها تقف أمامه هكذا. 


_ بكرة تنزلي تقعدي في أي مكان كام ساعه وترجعي تقولي لسيادة اللواء إني طلعتلك الرخصة. 


نظرت إليه دون فهم وهي تتراجع إلى الوراء. 


_ ما دام حضرتك هتطلعها ليا خلاص مش لازم اروح معاك. 


حدجها بنظرة ساخرة لعدم استيعابها لحديثه. 


_ مفيش رخصة هتطلع ليكي ولا العربية هتجيلك، فوقي كده وبطلي طبع السهوكة اللي اخدتيه منها. 


جف حلق "زينب" من شدة هلعها وتساءَلت بنبرة متقطعة. 


_ تقصد مين؟ 


لم يتحمل غبائها وأسرع بالتقاط ذراعها، فأغمضت عينيها من شدة الألم. 


_ بت أنتِ الكلام ده مش عليا أنا، محدش رحمك مني غير سيادة اللواء... تنفذي كل اللي بقوله ليكي ولا أنتِ فاكرة هتتساوي مع ولادنا... لا رخصة هتطلع ولا عربية جدك هيشتريها ليكي.

 

خرج صوتها بخوف. 


_ أنا مكنتش عايزة حاجه... 


أشار إليها بكف يده حتى تصمت. 


_ سيادة اللواء لما يسألك عن الرخصة تتحججي بأي حاجه حتى موضوع العربية تنسيه وتخلي سيادة اللواء ينساه، مفهوم. 


_ حاضر، حاضر. 


انتفض جسدها فزعًا عندما انتبهت على صوت الواقف عند نافذة السيارة بل وأخذ يطرق عليها. 


_ يا استاذة أنتِ نمتي ولا أغمى عليكي، حد يجبلي هنا ازازة ماية. 


حدقته "زينب" بنظرة طويلة ثم أشاحت عيناها عنه حتى تنفض عن رأسها تلك الذكرى وتعود إلى رشدها. 


ابتعد ضابط الشرطة عن السيارة بعدما وجدها تفتح الباب حتى تخرج إليه، فتنهد قائلًا بلطف. 


_ خدي اشربي ماية الأول ومتقلقيش ولولا إن ده شغلي والأفضل ليكي كمان حد يجي ياخدك كنت مشيتك.

 

ارتشفت "زينب" القليل من الماء، فابتسم وأردف بود. 


_ سيادة الرائد "قصي" صديق عزيز لابن عمي، أنا النقيب "عمر".

 

توترت "زينب" قليلًا ثم ابتسمت. 


_  اتشرفت بمعرفتك يا سيادة النقيب. 


وقف الضابط معها قليلًا ثم اعتذر منها وعاد ليستكمل عمله، نفخت خديها ثم زفرت أنفاسها دفعة واحدة وأطرقت رأسها منتظرة قدومه.


انفلتت من طرفي عينيها دمعة بعدما شعرت بحاجتها إلى حضن أحد. 


_ "زينب". 


هتف بها "صالح" عندما صار أمامها وقد استطاع أخيرًا إلتقاط أنفاسه لترفع عينيها إليه. 


اجتذبها إلى صدره دون أن يهتم بالمكان ودون أن يمهلها فرصة حتى تستوعب مجيئه إليها أخيرًا. 


_ أنت اتأخرت عليا ليه؟ 


خرج الكلام منها بهمس خافت لم يسمعه، لتبتعد عنه ثم هربت بعينيها بعيدًا. 


_ خلينا نمشي من هنا. 


نظر إليها بنظرة طويلة ثم تنهد. 


_ طيب تعالي اقعدي في العربية وأنا هخلص كل حاجه. 


اتجهت إلى سيارته وانتظرت بها، نظرته إليها وهو يقف مع ضابط الشرطة أربكتها. أشاحت بوجهها عندما رأته يصافح الضابط ويعود إليها. 


_ معقول الفترة دي كلها بتسوقي من غير رخصة، لأ وجيالي  الشيخ زايد كمان..


_ ما هي مش عربيتي اطلع رخصة ليه. 


ألجمه ردها لينظر إليها ثم أخذ يُحرك رأسه بيأس منها. 


_ هما اللي بيطلعوا رخصة لازم يكون عندهم عربية، "زينب" متهربيش من الكلام بكلام تاني، وسيبك من موضوع العربية بقى دلوقتي وقوليلي كنتي بتعملي إيه هنا. 


فكت عقدة ذراعيها واعتدلت في جلوسها. 


_ كنت عند "چيلان"، أنا قولتلك إني هروح. 


_ وأنا مقولتش روحي، قولتلك نتكلم بعد ما اخلص الاجتماع. 


_ مقولتش ليا سبب مقنع لرفضك. 


حدقها بوجه محتقن لتواصل كلامها بعناد.


_ إيه يعني لما يكون "إيهاب" موجود، عموما اهو اليوم كله باظ وأنت شكلك بصيت فيه لاني متبسطش. 


_ أنا بصيت ليكي في اليوم. 


ردد عبارتها التي أصابته بالذهول، فهزت رأسها لتؤكد له كلامها. 


_ فيه حاجه يا "صالح" بيه؟ 


تساءَل ضابط الشرطة عندما وجد وقفتهم طالت، فتمالك نفسه وابتسم. 


_ شكرًا ليك مرة تانية يا سيادة النقيب. 


وباللحظة التي تحرك بها بالسيارة توقفت سيارة "قصي". 


_"صالح" اقف ده "قصي". 


وهل كان ينقصه بهذا اليوم رؤية ابن عمها؟ 

...


ابتسم "عزيز" عندما أفلتت "ليلى" يدها من يده وهرولت نحو مسكن عمها حتى تُصالحه بعدما أخبرتها "عايدة" بأنه لن يتناول طعام العشاء معهم. 


_ هيفرح أوي أول ما يلاقيها داخله عليه.

 

هَـز "عزيز" رأسه لها بتفهم ونظر حوله وتساءَل.

 

_ "سيف" لسا مرجعش؟ 


ارتبكت "عايدة" وأطرقت رأسها ، ليقطب "عزيز" حاجبيه. 


_ "عايدة". 


رفعت "عايدة" رأسها إليه وابتلعت ريقها.

 

_ اعتذر عن العشا هو ومراته وخرجوا من نص ساعه. 


اختفت تلك الابتسامة التي كانت تزين ثغر "عزيز"، فشعرت "عايدة" بالندم ليخرج صوتها هذه المرة بتحشرج. 


_ أكيد عنده حاجه مهمه منعته يتعشى معانا.

 

تركها "عزيز" وتحرك نحو غرفة مكتبه قائلًا بنبرة لا تقبل النقاش. 


_ نص ساعه ونتجمع كلنا على سفرة واحدة يا "عايدة" 


حدق "سيف" بشاشة هاتفه بعدما توقف بسيارته، انتقلت نظرات "كارولين" بينه وبين الهاتف. 


_ ما الأمر "سيف"، لما وققنا هنا؟ 


رمقها "سيف" ثم أسرع بالرد. 


_ عمي أنا كنت هتصل بيك... 


ابتلع "سيف" بقية حديثه، فتلاقت عيناه بعينين "كارولين" التي حدقته بفضول. 


_ حاضر ،هرجع.. ،تمام ربع ساعه وأكون في الڤيلا. 


_ ما الأمر "سيف"؟ 


هتفت بها "كارولين" فور أن أغلق المكالمه ليجيبها بنبرة غليظة. 


_ "كارولين" ممكن تسكتي.

 

كادت أن تتحدث لكن صوت صرير إطارات السيارة جعلها تتشبث بمقعدها وترتعد. 

... 


نظرت إليه بعدما أغلق باب الشقة ورائه بعنف لتتعلق عيناه بها متسائله بكبت. 


_ بتبصيلي كده ليه ولا حتى باب الشقة مينفعش اطلع غضبي فيه. 


قطبت "زينب" حاجبيها بحيرة من أمره خاصةً بعد عرض "قصي" عليها بأن يذهب معها غدًا لإستخراج الرخصة. 


_ هو أنا قولت حاجة! 


دار حول نفسه وأخذ يفرك جبينه بتعب. 


_ "زينب" أنتِ بتعملي كل ده فيا قصد مش كده. 


_ بعمل إيه؟ 


أطبق جفنيه واستمر بفرك جبينه ثم انفلتت من بين شفتيه تنهيدة طويلة. 


_ "صالح" هو أنت ليه بتكره "قصي". 


فتح عيناه بعد سؤالها، فهل ترى غضبه من "قصي" كرهًا. 


_ على فكرة "قصي" شخص لطيف وكمان ده ابن عمي.

 

وقف قُبالتها وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة ساخرة. 


_ من تصرفاتي فهمتي إن ده كره. 


أومأت برأسها، فتحرك من أمامها لكنه توقف مكانه واستدار إليها عندما باغتته بكلامها. 


_ هو إحنا ليه بيتخانق، موقف وخلاص خلص. 


اجتذبها من ذراعيها صائحًا بغضب بعدما نفذ صبره. 


_ مشوفتيش ابتسامتك اول ما شوفتي ابن عمك، فرحتي وكأنك مكنتش مصدقة إنه هيجي ليكي، قوليلي لو راجل تاني هيفسرها إزاي.

 

دفعته عنها بعدما فهمت كلامه، فصرخت به. 


_ "قصي" ابن عمي يا "صالح"، واه فرحت إنه جيه ليا جري لما عرف إني في مشكله... عارف ليه؟ لأنها المرة الوحيدة اللي احس فيها إن ليا ولاد عم بيحبوني وبيخافوا عليا، فمن فضلك مضيعش فرحتي بحاجة عمري ما عشتها، كفايه بقى.

 

اندفعت نحو عرفتها باكية بعدما تعرت أمامه من إحدى الحقائق التي لا يعرفها عنها. 


توقف شاخص البصر مكانه لا يستوعب ما قالته.


...

ارتفعت الضحكات على طاولة الطعام، فــ لأول مرة يضحك هو بتلك الطريقة.


_ أبيه "عزيز" ألحق "لولو" شكلها أتقمصت.


قالتها "شهد"، فأشاحت "ليلى" وجهها عنهم بعبوس، فهي صارت حديثهم هذا المساء.


_ كده يا جماعه تجرجروني بالكلام معاكم، طيب أصالحها إزاي أنا دلوقتي. 


تمتم بها "عزيز" بدعابة وهو يلكزها بخفة بذراعه حتى تنظر إليه.


_ لأ شكلها فعلا زعلانه. 


_" لولو" قلبها طيب وبتتصالح علطول. 


هتف بها "عزيز" عمها لكن سرعان ما انفجروا جميعًا بالضحك مرة أخرى.


_ محدش هيعرف يصالحها غيري، بكره اعملها صينية المسقعة. 


افتر ثغر" ليلى" عن ابتسامة واسعة وألقت قبلة بالهواء نحو العم" سعيد" بعدما أخترق حديثه الودود قلبها. 


_ حبيبي أنت يا عم "سعيد"، محدش بينصفني غيرك. 


_ كده برضوه يا " ليلى"، طيب وعمك. 


_ وأنت كمان يا عمي. 


قالتها وهي تهرب بعينيها بعيدًا عن نظرات "عزيز" الثاقبة.


_ ليلى أبيه "عزيز" غيران


القتها "شهد" بمزاح ثم ضحكت، فأسرعت "عايدة" بدهس قدمها حتى تنتبه على كلامها.


لم يخجل من تأكيد كلام "شهد" وقال بتلاعب.


_ أه غيران، قوليلها بقى يا "شوشو" تصالحني. 


توقف "سيف" مصعوقًا من رؤية عمه كالمراهق، عمه الذي لا يحب الحديث على الطعام يمزح، عمه الذي لا تخرج منه الكلمات إلا بحساب يتفوه بكلام لا يستوعبه.


_ خليها تبوسك في خدك يا أبيه. 


انفلت الكلام من شفتي "شهد" ثم أسرعت بخفض رأسها عندما صدح صوت والدها بتحذير.


_ "شهد"، كفايه كلام وكلي وأنتِ ساكته. 


اتسعت ابتسامة عزيز وقد أعجبه اقتراح "شهد" خاصة وهو يرى نظرة "ليلى" إليه.


_ سيبها تقول اللي هي عايزاها يا" عزيز"، وبصراحه بقى عجبني اقتراح "شهد". 


_ مساء الخير.. 

خرج صوت سيف أخيرًا وقد حاول جاهدًا أن يخرج صوته جامدًا، واردف دون أن ينظر إليهم.


_ شكلنا قطعنا كلامكم. 


نهضت "ليلى" وأسرعت بالرد.


_ قطعتونا إزاي وإحنا كنا مستنينكم. 


ثم اقتربت من "كارولين" وعانقتها.

_ وحشتيني، اول ما نزلت سألت عليكي. 


ابتعدت" كارولين" عنها، فشعرت " ليلى"بفتورها نحوها لتبتسم كارولين بتوتر عندما رمقها "عزيز" بنظرة سريعة باردة. 


_ اشتقت لكِ "ليلى". 


تابع" عزيز" الموقف دون أن ينطق بكلمة واحدة، فهتفت ليلى بحماس.


_ بعد الأكل هطلع اجيب ليكم الهدايا، أنا منستش حد فيكم. 


صفقت "شهد" بسعادة ، فابتسمت "ليلى" وواصلت كلامها.


_ الاكل هيبرد، خلونا نكمل اكلنا بنفس مفتوحه ما دام العيلة كلها اتجمعت. 


شعر "عزيز" بالضيق من وقوف ابن شقيقه صامتًا ليقرر قطع تلك السخافة التي احدثها من البداية متمتمًا بغلظة.


_ مرات عمك مرضتش تاكل غير لما تيجوا. 


تعمد" عزيز" أن يذكره بصفتها الأساسية الآن بينهم ، لترتبك "ليلى" واتجهت بعينيها نحو طاولة الطعام وقالت بصوت خفيض.


_ خلونا ناكل بقى، أنا خلاص جوعت. 

....


_ "زينب"، ممكن تبصيلي...


دفنت رأسها أسفل الوسادة حتى لا ترى وجهه، ليلتقط الوسادة من عليها متعمدًا، فهتفت بضيق.


_ مش عايزه ابصلك ولا اتكلم معاك. 


_ لا هتبصيلي وهنتكلم. 


قالها وهو يحاوطها بذراعيه، فرفرت باهدابها بتوتر.


_ ابعد عني. 


حاولت رفع جسدها حتى تستطيع الإبتعاد عنه لتعلو فجأة أنفاسها عندما صارت شفتيه أمام شفتيها ولا يفصل بينهم سوى أنفاسهم.


_ بغير عليكي بجنون ، معرفتش يعني إيه غيرة وحب غير لما حبيتك، "زينب" أنا حبيتك بجد، حبيتك لدرجة عمري ما تخيلت أوصلها. 


تجمدت ملامح وجهها، فاغلق عينيه. 


_ هبعد حاضر، لو عايزاني ابعد قوليها دلوقتي. 


ظنته يقولها مثلما قالها من قبل مجرد كلمة تُقال لكنه كان عازم هذه المرة على الإبتعاد.


_ أبعد. 


فتح عينيه، فأرخت جفنيها هربًا بعدما رأت هزيمته أمامها.


ابتعد عنها، فأعتدلت سريعًا وتساءَلت عندما رأته يغادر الغرفة.


_ أنت رايح فين؟ 


خرج صوته بجمود.

_ بنفذ طلبك يا "زينب". 


لحقت به بعدما استوعبت ما ظنته وصاحت بكلام غير مُرتب حتى تُداري مشاعرها التي بعثرها منذ تغيره معها.


_ والرحلة و عزومة طنط "حورية"، والرخصة اللي هطلعها ليا بعد ما قولت لـ "قصي" شكرًا على خدماتك، شوفت أنت بتوعد وعود في الهوا إزاي. 


جحظت عيناه من الصدمة، لترفع رأسها بشموخ.


_ كنت بقولك أبعد من فوقي، اصلك كنت كاتم على نفسي. 


قالتها بصوت خافت وأسرعت بالتحرك نحو الحمام حتى تتمكن من لملمت تلك الفوضى التي صار يُحدثها داخلها .


استندت بظهرها على باب الحمام، تزفر أنفاسها ببطء ثم رفعت يدها تضعها على قلبها الذي هدرت دقاته.


_ بيغير وبيحبني، لااا، لااا بيكذب عليك زي ما كذب عليك في الأول.


...

انمحتِ ابتسامة "حورية" بعدما غادرت سيارة "صالح" بوابة الفيلا. 


_ حاسس إن علاقتهم اتحسنت. 


تمتم بها "صفوان" وهو سعيد لعودة ابنه لحضنهم. 


_ بيتهيألك يا "صفوان"، "صالح" و "زينب" لسا زي ما هما...


حدجها "صفوان" بذهول وقد خرج منه الكلام بصعوبة. 


_ أوعي تقولي إن لسا جوازهم مع وقف التنفيذ. 


حركت "حورية" رأسها له بتأكيد ، فزفر أنفاسه وأخذ يُحرك يده على عنقه بفتور. 


_ وبعدين يا "حورية"، هنفضل واقفين كده بنتفرج عليهم... طيب لو" زينب" مش قادرة تكمل معاه تسيبه خلاص وكل واحد يشوف نصيبه بدل العذاب ده. 


_ أنت بتقول إيه يا "صفوان"، أبنك بيحبها. 


هز صفوان رأسه بقلة حيلة، فهو حتى الآن لا يستوعب صبر أبنه على إتمام هذا الزواج. 


_ أبنك بيعذب نفسه بزيادة يا "حورية"، لـ تدخلي أنتِ وتصلحي علاقتهم لأما أتدخل أنا... 


لم تتحمل "حورية" أن تسمع المزيد من كلامه. 


_ كفاية بقى تدخل في حياة أبني وفرض عليه قرارتكم كأنها حياتكم ، كفايه يا "صفوان"... 


اتجهت للداخل ثم أسرعت بالصعود لغرفتها...،اتبعها "صفوان" بغضب ودلف ورائها. 


_ كفاية إيه يا "حورية"، أنا بتكلم بالعقل... أبنك راجل، عارفه يعني إيه راجل قدامه مراته ومش عارف يلمسها. 


_ هما أحرار. 


ردد "صفوان" كلمتها لا يصدق ما تنطقه. 


_ يبقى لازم بابا يتدخل ويحل المشكله، ولو الطلاق أسلم حل ليهم مش أول أتنين يتجوزوا ويتطلقوا. 


اخرج "صفوان" هاتفه من جيب سترته عازمًا على إنهاء سخافة هذا الأمر الذي وضعهم أبيه فيه. 


_ "صفوان" ذكرى وفاة "سارة" بعد أيام، حرام عليك تدمر أبنك اكتر من كده. 


تجمدت يد "صفوان" على الهاتف ليقترب من الفراش ويتهاوى بجسده عليه. 


اقتربت منه "حورية" وجلست جواره وقد تَجَلَّى الهم بوضوح على ملامحها وفجأه نبض الأمل في عينيها.


_ "صالح" لازم يواجه وجعه قدام" زينب"، يوم عيد ميلاده ذكرى وفاة "سارة".. 


لم ينظر إليها "صفوان"، فما تخبره به يعرفه... وهل يستطيع نسيان يوم مؤلم كهذا، يوم اتمحى معه أي ذكرى سعيدة. 


_ في اليوم ده لازم "زينب" تحتفل بعيد ميلاد "صالح" يا "صفوان". 


.... 

اندهشت" سمية" من إقتحام "سيف" لغرفة مكتبها بهذا الوقت، فهو دائما ما يأتي إلى الشركة بالظهيرة.

 

_" سيف" في حاجه حصلت معاك. 


هتفت بها وهي تنهض من وراء طاولة مكتبها ليقترب هو منها. 

_ عايز أخرج البنت ديه من حياتنا،" أكيد سمية" هانم عندها الحل. 


حدجته" سمية" بنظرة سعيدة ماكرة لم يراها في عينيها من شدة حقده على ليلى... 


الفصل الثالث والسبعون من هنا

تعليقات



×