رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد و السبعون بقلم سهام صادق

  


وقفت مكانها تنظر إليه بنظرة حائرة مترددة ثم تابعت خُطواته وهو يسير نحو الغرفة التي جمعتهم ليلة واحدة قبل سفرهم. 


ثقُلت أنفاسها وازدردت لعابها وكلما حاولت تحريك ساقيها وجدت نفسها عاجزة عن الحركة. 


استدارت بجسدها نحو المسافه القصيرة بينها وبين الدرج وقد عاد إليها نفس الشعور الذي شعرت به لأول مرة عندما أتت من مدينتها ووقفت أمام بوابة المنزل تنتظر أن تُفتح لها وتسأل عن عم علمت بوجوده بعدما لم يعد لها أحدًا.


اندهش "عزيز" عندما التف نحوها ظنًا منه أنها تقف ورائه، ضاقت حدقتاه ثم أطرق رأسه وقد انتبه أخيرًا على تصرفه بالأسفل، فكيف له ألا يتفهم مشاعرها مع عمها وهو من قبل كان مثل "عزيز" لا يستطيع أن يترك يد ابنة شقيقه لرَجُل صار الآن اقرب إليها منه. 


شعر "عزيز" بالضيق من نفسه ليغلق عينيه لوهلة حتى يعود إلى حكمته ويكون منصفًا. 


_ "ليلى".

 

هتف اسمها وهو يقترب منها، فاستدارت سريعًا جِهته. 


_ بتفكري تهربي مني وتروحي لـ عمك. 


أخفضت رأسها خجلًا منه، فهذا هو شعورها الآن ترغب بالهرب إلى عمها الذي ظَنّت أنه سيكون دومًا كالغريب بالنسبة لها. 


_ يا حبيبتي مكانك دلوقتي معايا وجمبي. 


نبرة صوته الحنونه جعلتها ترفع رأسها لتنظر إلى يده التي يمدها لها. 

انفرج ثغره بابتسامة صغيرة عندما احتضنت بكف يدها الصغير يده. 


زفرة إرتياح أطلقها "عزيز" من بين شفتيه فور أن أغلق باب الغرفة ورائه واستنشق تلك الرائحة الطيبة التي فاحت بالأرجاء. 


_ الواحد حس دلوقتي براحة كبيرة ولا أنتِ إيه رأيك؟ 


هزت "ليلى" رأسها إليه وخرج صوتها متحشرجًا. 


_ البيت كان واحشني أوي.

 

اتسعت ابتسامة "عزيز" واقترب منها ثم احتضن خصرها بذراعيه قائلًا بمزاح. 


_ يعنى البيت كان واحشك أوي وعايزه تسبيني وتروحي عند عمك.

 

ردت دون أن تفكر بكلامها. 


_ ما أنا أقصد بيت عمي والجنينة. 


حدقها "عزيز" بنظرة ثاقبة ثم زم شفتيه بعبوس. 


_ وده يعني مش بيتك يا "ليلى". 


ابتعد عنها، فالتقطت ذراعه قائله حتى تُراضيه. 


_ ما أنا لسا هتعود على بيتنا الجديد.

 

أطرب كلامها فؤاده لكن سعادته تلاشت عندما وجدها تنظر إلى الغرفة الواسعة وقد وضحت إليه الآن الصورة. 


_ فترة صغيرة وهتعود على أوضتنا. 


ثم نظرت إليه بقلق بعدما صار وجهه جامدًا وبصوت متعلثم أردفت. 


_"عزيز" هتدخل الحمام الأول ولا ادخل أنا، يعني لو أنت محتاج تدخل قبلي.. 


تعلثمها بالكلام دائمًا ما يشعره أنه يقف أمام طفلة صغيرة لم تتعدى سنوات عمرها السابعة.


تنهد بصوت عالي ثم اقترب منها، فازداد قلقها. 


تراجعت بخُطواتها إلى الوراء وتساءَلت بحيرة. 


_ هو أنا قولت حاجة غلط. 


_ ده أنتِ قولتي حاجات كتير غلط يا "ليلى".

 

فتحت فمها بذهول ليضحك على مظهرها ثم اجتذبها إلى صدره. 


_ هنتحاسب على كل كلمة الصبح، دلوقتي بقى ممكن تطلعي ليا هدوم نضيفه لحد ما أخذ حمام سريع لأني محتاج اخدك في حضني وأنام. 


أسرعت بتنفيذ كل ما طلبه منها بحُب لينظر إليها بعدما غادر المرحاض ووجدها تقف أمامه وتحمل على يديها ملابسها. 


تعلقت عيناه بقطع الملابس التي تحملها ليتساءَل. 

_ هتنامي جمبي بالبيچامة، هو إحنا اتفقنا على إيه. 


توترت من حديثه الذي يخجلها وأخفضت رأسها بحرج. 


_ ما إحنا هنام يا "عزيز". 


داعبت شفتيه ابتسامة عابثة بعد حديثها. 


_ وعرفتي منين إن إحنا هنام.

 

تمتم بها وهو يضع سبابته أسفل ذقتها، فتعلقت عيناها به. 


_ يعني إحنا مش هنام.

 

هَـز رأسه بيأس ثم تحرك من أمامها مغمغمًا بكلمات لم تسمعها وقد ظنّت من عدم رده عليها أنه غاضب منها. 


نظرت بتردد إلى المنامة الحريرية المحتشمة التي تحملها وتنهدت. 


عادت إلى غرفة الملابس حتى تنتقي منها أحد أثواب النوم ثم تحركت نحو الحمام وقد التقط "عزيز" بعينيه فعلتها لكنه لم يُعلق. 


استلقى على الفراش وأغلق جفنيه منتظرًا خروجها. دقائق مرت إلى أن خرجت إليه ليرفع جسده قليلًا وينظر إليها بنظرة صارت تفهمها.


 ارتبكت وتحاشت النظر إليه لتلتمع عينين "عزيز" بعبث وهو يراها تلتقط المشط من على طاولة الزينة حتى تمشط شعرها الذي حرصت على ألا يبتل منها أثناء استحمامها. 


عقد "عزيز" ذراعيه أمام صدره وأخذ يتابعها بصمت إلى أن انتهت من تمشيط شعرها. 


التقط هاتفه حتى يرى الوقت ثم نهض من على الفراش، فاستغربت من نهوضه. 


_ الفجر على أذان هخرج اصلي في المسجد ، وأنتِ صلي الأول وبعدين نامي. 

... 


تفاجئ "سيف" عندما وجد عمه يهبط الدرج لتتعلق عينين "عزيز" به وقبل أن يسأله "سيف" عن سبب خروجه من غرفته ربت "عزيز" علي كتفه. 


_ خلينا نخرج نصلي. 


أوماء "سيف" برأسه سريعًا إليه وتحرك جواره مبتسمًا. 


غادروا المسجد وساروا قليلاً في صمت، فتساءَل "عزيز". 


_ اخبار شغلك إيه في الجامعه وشغلك مع "سميه".

 

توقف "سيف" عن السير ونظر إليه. 


_ بدأت افهم شغل البيزنس وحاسس إني شايف نفسي فيه. 


حرك "عزيز" رأسه ثم ابتسم عندما رأى نظرته إليه. 


_  أنا في اي وضع فخور بيك، سواء دكتور في الجامعة أو في ثوب رجل الأعمال.. أهم حاجه عندي تلاقي نفسك في حاجه بتحبها. 


تلاعب به شيطانه للحظة، فلماذا استسلم عمه لعمله مع والدته رغم رفضة من قبل، لماذا لم يعد يلح عليه أن يعمل معه. 


_ تعرف كان نفسي تشتغل معايا في تجارتنا لكن هقول إيه، طول عمرك بتكره شغل الأثاث. 


_ يوم ما تحتاجني هتلاقيني دايمًا معاك.

 

هتف بها "سيف" واندفع إلى حضن عمه ، فاتسعت ابتسامة "عزيز" و ضمه إليه. 


_ وأنا متأكد من كده يا ابن اخويا، ابن "سالم الزهار" راجل من ضهر راجل. 

... 


عقد "عزيز" حاجبيه بدهشة عندما وجدها تعتدل في رقدتها ليتساءل وهو يستلقي جوارها على الفراش. 


_ أنتِ لسا منمتيش.

 

_ أنام إزاي قبل ما اطمن عليك.

 

خفق قلبه بقوة بعد كلامها، فشعرت بالغرابة من نظرته إليها. 


_ "عزيز" أنت بتبصيلي كده ليه. 


_ أنتِ كتير عليا أوي يا "ليلى". 


قالها بضياع وهو يضم وجهها بين راحتي كفيه، فابتسمت بعذوبة. 


_ ما أنت كمان كتير عليا يا "عزيز". 


وضع رأسها على صدره وضحك بخفوت. 


_ بترضي غروري بكلامك يا ست البنات.

 

اِنفرجت أسارير وجهها، فرفع وجهها إليه متمتمًا. 


_ تعرفي دلوقتي أنا مبقتش جعان نوم.. 


انفلتت هذه المرة ضحكة قوية منه بعدما رأي ملامح وجهها التي تغيرت فور أن همس لها ببضعة كلمات. 


نفذت له كل ما يُرضيه حتى أنها صارت تنطق بكل ما يجول بخاطرها أثناء علاقتهم. 


ابتسم عندما وجدها تحدق بسقف الغرفة بعد جولة طويلة من العشق وعلى محياها ارتسمت تلك الابتسامة التي تجعله يغلق عينيه بسلام.

....


كتمت "عايدة" صوت ضحكاتها بصعوبه عندما وجدت شقيقها يقف قبالة زوجها ويرمقه بنظرة ساخرة. 


_ هو أنت فاكر إنها هتسيب حضن جوزها وتيجي تفطر معاك، اه يا زمن بتلف بسرعه وتدور... فاكر يا "عزيز" لما اخدت "عايدة" مني وكل شوية تقولي مراتي، مراتي. 


احتقنت ملامح "عزيز" وكور قبضة يده بغيظ. 


_ "عايدة" ابعديه من وشي. 


التوت شفتي "سعيد" بحنق وتحرك بعينيه نحو طاولة الطعام الممتلئة بأطباق شهية. 


_ ما أنا هبعد من وشك بس اتحرك أنت من قدامي خليني أفطر. 


_ تفطر مين الفطار ده أنا مجهزة لـ بنت أخويا.

 

_ طيب وأنا يا بابا. 


هتفت بها "شهد" وقد استيقظت على صوت شجارهم. 


_ "ليلى" تيجي بس الاول، أنا مش عارف بترد ليه عليا.

 

_ استنى أرن عليها، ده الفطار شكله يفتح النفس.

 

أسرعت "عايدة" نحوها والتقطت ذراعها. 


_ في إيه يا ماما! 


زجرتها "عايدة" بنظرة قوية، جعلت "شهد" تتمتم بهمس. 


_ دراعي يا ماما، خلاص مش هرن. 


_ ابعد يا "عزيز" خليني افطر، يا ساتر عليك عامل على الفطار حصار. 


قالها "سعيد" وهو يغمس لقمة العيش بطبق الفول وأردف بعدما مضغ اللقمة. 


_ نفسك مش حلو في الفول، كنت خليت "عايدة" تعمله. 


وضعت "عايدة" كلتا يديها على رأسها بعدما اشتد الشجار بينهم. 


_ كفاية، انتوا عيال صغيره عشان تتخانقوا كده. 


_ خليه يسيب طبق البيض يا "عايدة". 


تمتم "عزيز" بتأفف لتسرع "عايدة" نحوه. 


_ "عزيز" تعالا معايا عايزاك.

 

تنهد "عزيز" بسخط وتحرك معها لتزفر "عايدة" أنفاسها بعدما أغلقت باب غرفتهم ورائها. 


_ مالك يا "عزيز" في إيه. 


ترقرقت الدموع في مقلتي "عزيز" وأطرق رأسه. 


_ ملحقتش اشبع منها يا "عايدة"،

"عزيز" بيه اخدها مني، وعدتني إنها تيجي تفطر معايا وأهو خلاها متجيش...


تركته "عايدة" يهذى بالحديث الذي يريده إلى أن وجدته ينظر إليها. 


_ هيحرمني منها يا "عايدة"، خدها مني خلاص.

 

إندفعت "عايدة" نحوه وحاوطته بذراعيها ليبكي على كتفها. 


_ "عزيز" مشاعرك ديه طبيعيه بس يا حبيبي لازم تفهم إن كل بنت مسيرها تكون لجوزها. 


_ قولي لـ "شهد" تعمل حسابها إني مش هجوزها لحد...كفايه واحده راحت مني. 


لأول مرة كانت "عايدة" ترى زوجها غاضبًا كالأطفال حتى أنها لم تستطيع مجادلته. 


_ روح شغلك يا "عزيز" ولما ترجع إن شاء الله هتلاقيها مستنياك على الغدا معانا. 


حرك "عزيز" رأسه رافضًا إقتراحها لكنه بالنهاية رضخ وذهب إلى عمله بعدما ألقى بنظرة ساخطة نحو "سعيد" الذي إلتهم الأطباق.

... 


نظر "سيف" إلى مقعد عمه على طاولة الإفطار ثم تعلقت عيناه بالساعه لينهض قائلًا بتحذير:


_ "كارولين" كلامي يتنفذ مفهوم. 


_ كيف أفعل هذا "سيف"؟ 


استدار "سيف" نحوها واقترب منها. 


_ تنسي أي صداقه بينك وبين "ليلى"، قدام عمي تظهري بس احترامك ليها غير كده لأ. 


_ لكن "ليلى" لم تفعل لي شئ. 


_"كارولين" إحنا اتكلمنا في إيه امبارح.

 

نظرت إليه وقد تردد حديثه ليلة أمس داخل رأسها.. "ليلى" لا تصلح لتكون زوجة لعمه وما سيفعلوه من أجل إنقاذ عمه منها. 

.... 


أسرعت "زينب" بغلق زر تشغيل المكنسة الكهربائية واتجهت نحو الهاتف الذي صدح رنينه للمرة الثالثة. 


_ إيه يا "زوزو" كل ده عشان تردي. 


قالتها "چيلان" وهي تحرك أحد مقاعد الطاولات الخاصه بمطعمها الذي اقترب موعد افتتاحه. 


_ معلش يا "چيلان"، كنت مشغلة المكنسة ومش سامعه الفون. 


_"زوزو" بتنضف وبتقوم بدور ست البيت. 


قالتها "چيلان" دون تصديق، فما تعرفه عن "زينب" قديمًا عكس ما صارت تكتشفه منذ أن التقوا مجددًا. 


_ "چيلان" إحنا كبرنا، فأكيد حاجات كتير فينا اتغيرت. 


_ ده أنتِ كلك اتغير يا "زوزو"، المهم عايزه اقابلك النهاردة محتاجاكِ بجد واوعي تعتذري وتقوليلي مش فاضيه المرادي هزعل منك بجد يا "زوزو"

لم تنتظر "چيلان" أن تحصل على رد منها وأسرعت قائلة: 


_ هبعتلك اللوكيشن بتاع المطعم


جلست "زينب" على الأريكة التي ورائها بعدما أغلقت "چيلان" المكالمة ثم حدقت بالهاتف، إنها بالفعل تتحجج بأي شئ حتى لا تُقابل "چيلان".


تعالا رنين هاتفها هذه المرة برقم "حورية" التي هتفت فور أن أجابت عليها.


_ لو ليا غلاوة عندك يا "زينب" تيجوا تتعشوا معايا النهاردة، أنا وعمك "صفوان" هنكون في انتظاركم. 


كادت أن تعترض "زينب"، فبعد فعلت الجد "شاكر" معها صارت لا تحب الذهاب إلى هناك.


_ أنتِ عارفه إنه مش موجود في الڤيلا، ها يا "زوزو" هترفضي طلبي


شعرت "زينب" بالحرج منها لتهتف "حورية" بمزاح. 


_ مش هبعت ليكم "يزيد"، تعالوا خدوه بنفسكم.

 

ضحكت "زينب"، فضحكت "حورية" معها. 


_ حاضر يا طنط هاجي.

 

_ أنا اقنعتك، اقنعي أنتِ "صالح" مستنياكم يا حبيبتي.. اه صحيح "يزيد" بيقولك متتأخريش عليه. 


أغلقت "حورية" المكالمة ونظرت نحو "يزيد" الذي انشغل باللعب مع حفيدة إحدى صديقاتها التي تسكن بالقرب منها. 

... 


تعلقت عينين "صالح" بشاشة الهاتف، لينهض معتذرًا من رؤسائه بالعمل.

 

بقلق أجاب عليها. 


_ "زينب" فيكي حاجه، أنتِ كنتي كويسه الصبح..


اهتمامه الزائد بها يجعل قلبها يعود لخفقانه ورغم تلك المخاوف التي كان سببً فيها إلا أنه صار يشتتها بأفعاله. 


_ "زينب" أنتِ سمعاني. 


تمالكت نفسها وأجابته بصوت خافت. 


_ أنا هخرج اقابل "چيلان". 


_ "چيلان" بس؟ 


سألها وهو يقبض على كف يده، فهتفت بتساؤل. 


_ مش فاهمه يعني إيه "چيلان" بس. 


وسُرعان ما كانت تدرك ما وراء سؤاله.

 

_ تقصد "إيهاب". 


استمعت إلى صوت زفراته التي انفلتت من بين شفتيه بقوه لتتسع ابتسامتها. 


_ مش عارفه بصراحه هيكون موجود ولا لأ، بس افرض يعني..

 

قطع كلامها بعدما فقد ثباته وأثارت غيرته. 


_ ما دام فيه احتمال لوجوده يبقى لأ يا "زينب"، عندي اجتماع مهم هخلصه وهرجع اكلمك تاني وانتي كلمي "چيلان" اعتذري منها. 


احتقنت ملامحها بعدما أنهى المكالمة لتهتف بعناد. 


_ روح كمل اجتماعك يا كابتن وأنا هروح مشواري، أنا مش عارفه ليه أجلت موضوع الطلاق. 


تحركت نحو غرفتها حتى تستحم سريعًا وتذهب لموعدها مع "چيلان". 

... 


_ اختك فيها حاجه مش طبيعيه يا "قصي". 


قالتها "لبنى" وهي تستقبل ولدها الذي أتى من أجل إنهاء بعض الأمور وسيعود لعمله بالغد. 


_ أنا قولتلكم مش مرتاح للولد ده، حضرتك فضلتي تقولي أنتِ و بابا ده من عيلة كذا ووضعه كذا ولازم بنتنا تتجوز جوازة تليق بالعيلة، إزاي "زينب" تكون أحسن منها. 


_ أنا بشتكيلك حال اختك تقوم تزود همي.

 

تنهد "قصي" بضيق. 


_ فين بابا؟ 


_ أبوك ده كمان حاله مبقاش عاجبني، مبقتش عارفه ماله... ادخل لاختك شوفها فيها إيه... ده حتى شغلها مش بتروحه. 


تحرك "قصي" من أمامها و رغم تأكده أن "أشرقت" لن تسمع منه إلا أنه قرر أن يفعل واجبه كأخ. 


_ "أشرقت"، افتحي الباب.

 

أخذ "قصي" يطرق على باب الغرفة وبيده الأخرى حرك مقبض الباب. 


_ "أشرقت" من فضلك.

 

تفاجئ بمظهرها وشعرها المُشَعَّث وقبل أن يفيق من صدمته وجدها ترتمي بحضنه. 


_ "مراد" سافر يا "قصي"، سافر وسبني... 


تحولت ملامح "قصي" للغضب بعدما رأي ضعف شقيقته لأول مرة.

 

_ متخليش بابا يفسخ الخطوبه، أنا بحب "مراد"... رجعه ليا يا "قصي".

 

_ أنتِ بتقولي إيه، عايزانا إحنا نتحايل على واحد يتجوزك.. بقى بنتي أنا تقول الكلام ده، "قصي" تاخد شبكته وكل حاجه جابها لأختك وترميها ف وشهم، أنا هروح أكلم سيادة المستشار عشان يبلغ والده إننا فسخنا الخطوبه.

 

قالتها "لبنى" بعدما ضجرت من تلك الحالة التي صارت عليها ابنتها. 


_ لأ، لو عملتي كده هسيبلك البيت وأمشي. 


_ ماما لو ساحتي سبينا لوحدنا. 


ارتجف قلب "قصي" عندما رأي شقيقته تتوسله بعينيها. 


_ من فضلك يا ماما سبينا لوحدنا.

 

تأففت "لبنى" بضيق وهتفت بمقت. 


_ قراري قولته ومفيش رجوع فيه.

 

_ رجعلي "مراد" يا "قصي"، أنا زعلته مني... هو معملش حاجه... 


 كذبة رسمتها ونسجتها ببراعة حتى تجعل شقيقها يصدق بأنها المذنبة لكن عليها أن تفعل هذا بعد ما حدث بينها وبين "مراد". 

.... 


دارت عينين زينب بانبهار بالمطعم الذي أوشك العمال على الانتهاء منه.


_ يجنن يا "جيلان"، مميز أوي وجميل بس عيبه إن بعيد شوية... لازم يعني تعملي في الشيخ زايد مالها مصر الجديدة. 


ابتسمت "جيلان" وأشارت إليها بأن تتحرك معها حتى تعطيها رأيها بالمكان.

_ حسيت إن هنا أفضل، قليلي بقي ملاحظاتك...، اعتبري المطعم بتاعك وقولي رأيك بجد. 


ابتسمت "زينب" وشعرت بالراحة أن مقابلتها مع "جيلان" هدفها أن تشاركها برأيها وليس كما ظنت.


_ هعمل برأيك تمامًا وهكلم المهندس بكره يغير في الديكور. 

قالتها "جيلان" ثم احتضنتها.

_ الحمدلله إن القدر رجع يجمعنا تاني يا "زوزو". 


شعرت "زينب" بالندم لأنها أرادت أن تبتعد عن جيلان حتى لا تعرف شيء عن حياتها، فـ "زينب" التي أمامها الآن ليست صديقتها الجميلة التي كان لديها الكثير من الأحلام لتحقيقها.


_ فاكرة يا "زوزو" كان نفسك تطلعي إيه. 


وها هي "جيلان" تطرق على أحد جروحها.


_ سيدة أعمال، دلوقتي بقيتي ست بيت. 


تمتمت بها "جيلان" بمشاكسها، فدفعتها "زينب" من أمامها ورفعت كتفيها بتفاخر حتى تُداري خيبتها.


_ أه ست بيت واشطر مدرسة لغة فرنسية. 


_ تعرفي أنا مصدومة من حبك للتدريس يا "زوزو"، ده أنتِ لما كنا بنلعب وإحنا صغيرين كنتي بترفضي تتقمسي دور المُدرسة. 


ابتلعت "زينب" غصتها وهتفت وهي تتحرك نحو إحدى الطاولات.


_ ما أنا قلتلك الزمن بيغير حاجات كتير حتى الأحلام يا "جيلان"، قليلي بقي هنفضل كده نكلم من غير أي حاجه ... طلعتي بخيله يا "جيجي". 


_ يا خبر أه الكلام خلاني انسى، أحلى عصير توت من ايدى هتشربي وشويه و "إيهاب" هيجي ومعاه الغدا كمان. 


_ لأ انا مش مقدر اتغدا لأني معزومة عند طنط "حورية" على العشا. 


_ الكلام ده تقولي لــ "إيهاب" مش ليا. 


ذهبت "جيلان" لتُحضر أكواب العصير، لتُحدق "زينب" بالمكان وفي داخلها اخذت تتمتم.


_ محدش بيحقق كل أحلامه يا "زوزو"، ده كان نصيبك.. انتي شاطرة في المكان اللي أنتِ فيه.


أتت "جيلان" بأكواب العصير وهي تهتف بحماس.


_ أحلى عصير توت ممكن تشربي. 


التقطت" زينب" منها كوب العصير وارتشفت منه القليل.


_ طعمه يجنن. 


بدء الحديث يأخذهم نحو ذكريات طفولتهم، فــ التمعت عينين "زينب" بسعادة عندما أخبرتها "جيلان" بقدوم والديها إلى مصر قريبًا حتى يُشاركوها افتتاح مطعمها. 


_ بجد طنط "نجاة" وعمو "عثمان" هيحضروا الافتتاح. 


أومأت "جيلان" برأسها وهي ترتشف من كوب عصيرها المثلج، لتتابع زينب تساؤلها.


_ هما مش ناويين يرجعوا يستقروا في مصر ولا خلاص العيشة في أمريكا عجبتهم. 


ابتلعت "جيلان" ما ارتشفته من كوب العصير ثم أرجعت ظهرها إلى الوراء لتجلس بأريحية أكثر على المقعد الجالسة عليه.


_ اتعودوا خلاص على الغربه، اغلب العيلة عندنا كلهم حبوا العيشة برة البلد. 


عبست " زينب " بشفتيها لكن عودة "جيلان" بالحديث عن ذكريات طفولتهم جعلتها تعود للضحك.

_ فاكرة "مهران" ابن عمو "نشأت" لما اعترف ليكي بحبه قدام عمو "أسامة" الله يرحمه

دمعت عينين "زينب" من شدة الضحك عندما تذكرت ما فعله والدها به.

_ عمو "أسامة" مسكوا ولا كأنه ماسك حرامي وراح لعمو "نشأت" قاله مشوفش ابنك في اي مكان في بنتي... يقوم يسكت الأهبل قام جمعنا الصبح وعملنا خطه عشان نقنع عمو "أسامة" يوافقوا على خطوبتكم بالخاتم اللي سرقوا "يحيي" من مامته. 


وضعت "زينب" يدها على بطنها من شدة الضحك عندما تذكرت تفاصيل تلك الذكرى.


_ تعرفي يا "زوزو" ،" مهران" بقى ظابط شرطة و "يحيي" بقى دكتور مش عارفه إزاي متسألنيش لاني اتفاجأت بالمعلومات ديه لما رجعت أنا و "إيهاب" ندور عليهم. 


_ أنتِ عرفتي توصلي لكل أصحابنا. 


ابتسمت" جيلان" وهي ترفع كتفيها.


_ عيب عليكي يا "زوزو" ، ده انا شوية شوية وهجمع أصدقاء المدرسة مش المنطقة بس. 


اتسعت ابتسامة "زينب"، فهي اشتاقت بالفعل لاصدقائها بالحي السكني الذي كانت تقطن فيه واصدقاء دراستها.


_ صحيح يا "زوزو" شقة عمو "أسامة" معروضه للبيع، ما تشتريها وتكون استثمار ليكي..

اختفت ابتسامة" زينب" وخفضت رأسها بآلم عندما عادت ذكرى بيع الشقة تقتحم ذاكرتها.


_ أنا عرفت بالصدفة إن صاحبها عايز يبيعها وأنتِ ما شاء الله وضع جوزك المادي حلو يعني ليه متفكروش تشتروها. 


لم ترفع "زينب" عينيها حتى لا ترى جيلان ذلك الألم الذي صار  بهما لتواصل "جيلان" حديثها.


_ أنا كلمت صاحب الشقه قولتله ممكن شوية وقت لحد ما أبلغك، فكري يا زوزو، فرصة ترجعي الشقة والفلوس موجوده اكيد.


وبمزاح هتفت "جيلان".


_ فلوس جوزك هي فلوسك ولا هو إحنا أخرنا نبسطهم بس.


ضحكت "جيلان" بعدما القت مزحتها ثم عادت ترتشف من كوب عصير توت المثلج.

....


تمطأت "ليلى" على الفراش لتفتح جفنيها بعدما شعرت بعدم وجوده جوارها. 


_ معقول نكون لسا بدري واقدر الحق عمي.

 

أسرعت بالتحرك نحو الطرف الأخر من الفراش حتى تلتقط المنبة الموجود على الكومود لتتسع عينيها من الصدمة. 


_ بقينا العصر ، أنا نمت كل ده إزاي. 


دخل "عزيز" الغرفة في هذا الوقت الذي نهضت فيه ليتحرك نحوها مبتسمًا. 


_ "عزيز" ليه مصحتنيش، عمي يقول عليا إيه دلوقتي.

 

ضحك "عزيز" ومد يديه ليحرك أصابعه بخفه على خُصلات شعرها. 


_ هي دي صباح الخير بتاعتك.

 

مطت "ليلى" شفتيها للأمام بوجه عابس. 


_ إحنا بقينا العصر يا "عزيز"، أنا مش عارفه إزاي اتأخرت في النوم... 


غمز لها بطرف عينيه، فابتعدت عنه بخجل. 


_ تليفوني فين؟ 


حرك رأسه بعدم معرفه لتزفر أنفاسها بقوة ثم أخذت تمرر يديها على خصلات شعرها لعلها تتذكر أين تركته.

 

_ أيوه افتكرت.

 

جلس "عزيز" على الفراش الغير مرتب قائلًا بصوت خشن. 


_ "ليلى" أنا بلغت "عزيز" و"عايدة" إننا هنتعشا سوا النهاردة. 


عادت إليه بعدما وجدت هاتفها لتنظر إلى مكالمات عمها. 


_  عمي رن عليا فوق العشر مرات اقوله إيه دلوقتي يا "عزيز". 


حدجها بنظرة ذاهله، لا يُصدق أنها ستبكي. 


_"ليلى" في إيه مالك، عادي يعني قوليله التليفون مكنش جمبي.

 

_ لا يا "عزيز" هيفهمنا غلط. 


ألجمه حديثها لينهض من على الفراش مقتربًا منها . 


_ هيفهمنا غلط إزاي، هو أنا قدامك إيه. 


_ أنا مش قصدي، أنا لسا متعودتش على الوضع الجديد.

 

_ اتعودي يا "ليلى" وعشان تتعودي اكتر مش هنخرج من الاوضة غير على ميعاد العشا.

 

لم يتركها لتعترض، فَـ إشارة من يده أخرستها... لتنظر إليه بعدما تحرك نحو تلك الأريكة الموجوده بالغرفة. 


_ "عزيز" من فضلك متزعلش.

 

لم يرفع عينيه عن هاتفه وقد تظاهر بالإنشغال، فتحركت إليه. 


_ "عزيز"، اصالحك إزاي طيب... خلاص هاخد بالي من كلامي بعد كده. 


حاولت أن تجعله يتحدث، فأطرقت رأسها لتفكر كيف تراضيه ويتحدث معها. 


سقط الهاتف من يد "عزيز" عندما وجدها تجلس على فخذيه وتضع كلتا يديها حول عنقه. 


لقد تعلمت ببراعة الطريقة التي تستطيع إرضائه بها. 

... 

_ عمي لسا منزلش من اوضته، الساعه دلوقتي خمسة. 

 

استدارت "عايدة" بجسدها نحو "سيف" وابتسمت. 


_ طلع من ساعتين يصحى "ليلى" عشان تنزل ويتغدوا سوا لكن معرفش منزلوش ليه. 


أعقبت "عايدة" كلامها بوضع يدها على شفتيها بعدما أدركت ما تفوت به. 


أخفى "سيف" سريعًا ملامح وجهه التي تغيرت وتحرك من أمامها. 


_ فين "كارولين"، اه صحيح متعمليش حسابنا على العشا لاننا معزومين بره وانا هتصل بعمي اعتذر منه.


....

بصعوبة استطاعت "زينب" التخلص من عَزِيمة" جيلان" بعدما تظاهرت بمكالمتها مع "صالح" وقد تحججت بتعب الصغير "يزيد" .

سقطت دموعها وهى تقود السيارة ثم أخذت تهز رأسها لعلها تنتشل نفسها من تلك الذكريات المريرة. 

« مبقاش لينا مكان هنا يا "زينب"، هنروح نعيش في المنوفية، مش عايزة تشوفي قرية جدتك» 

« تيتة إحنا هنعيش في البيت ده إزاي، أنا عايزة بابا وبيتنا، بابا راح فين يا تيتة.. بابا ليه مش راضي يقوم من الغيبوبة، قوليله يصحا بقى. »

أغرقت الدموع خديها وقد سحبتها الذكريات لظلام مازال يُغلف قلبها.

حدقت بالسيارات أمامها بعدما تغلبت على تلك الذكريات ثم أسرعت بتقليل السرعة حتى توقفت بالسيارة لتنظر يمينًا ويسارًا  بقلق  وقد اتضحت لها الصورة وهي ترى رجال الشرطة واقفين. 

ارتفع رنين هاتفها في الوقت الذي أقترب فيه أحد رجال الشرطة من سيارتها قائلًا بصوت غليظ.


_ رخصة العربية ورخصتك يا أستاذة..


نظرت "زينب" إليه ثم أسرعت بالتقاط حقيبتها حتى تبحث عن رخصتها...،لكن مهلًا عن أي رخصة قيادة هي تبحث...،فهي ليس لديها رخصة قيادة. 


الفصل الثانى والسبعون من هنا

تعليقات



×