رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السبعون 70 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السبعون


"تبتُ عن ذنب الحبُ و الهوىٰ، لتأتي فتنةُ عينيكِ توقع بفؤادي و كأنه مخمورًا"
_________________________

يعد ظهورك و كأنه ربيعٌ حل على أرضٍ انهكها الخراب، أو كأنكِ كما الحلو للروح مُستطاب، عينيك الفاتنة تُهلك أنفاسي و كأنها سهمٌ يخترق القلب و لهدفه صواب، تملكين سحرًا خاصًا بكِ و قدرته على المرء لا تُعاب، سلطة قلبك على قلبي قوية، و قد كان قلبي بريئًا من الحب و ما له به من عذاب.

في صباح اليوم التالي و بعد ليلةً انتهت على الجميع بالفرح و السرور، استيقظت «خديجة» تفرك عينيها بعدما داهمتها قوة الضوء حينما تقلبت للجهة الأخرى المواجهة للشرفة، انتبهت هي لخلو الفراش و الغرفةِ بأكملها منه، و حينها أتت الهواجس إلى عقلها فتحركت فورًا من الفراش دون أن تنتبه إلى ما ترتديه، بحثت عنه في مرحاض الغرفة و منها إلى الخارج و هي تذكر اسمه دون أن يأتيها ردٌ منه.

كل ما جال بخاطرها في تلك اللحظة أنه سافر مرةً أخرى و لم يخبرها بذلك حتى لا يُحزنها و حينها وقفت حتى تهاتفه و قبل أن تفعل ذلك وصلها صوته من الشرفة يحدث أحدًا ما و هو يقول بقلة حيلة:
"بتاكلي إيه أنتِ !! أنا متخصص في أكل الكتاكيت مبعرفش أكل قطط"

اقتربت من الشرفة و هي تقول بلهفةٍ و صوتٍ متحشرجٍ:
"ياسين !! أنتَ هنا ؟!"

التفت لها و هو يبتسم و بمجرد وقوع بصره عليها و على ما ترتديه هب منتفضًا و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"يا وقعتك السودا !! خارجالي بقميص النوم يا خديجة؟! ادخلي يا حلوة استري نفسك"

ردت عليه هي بخوفٍ:
"و الله العظيم أنا نسيت و كنت بدور عليك افتكرتك مشيت تاني"

أمسك ذراعها ثم ابتعد عن الشرفة و هي في يده ثم قال بنبرةٍ جامدة:
"همشي اروح فين !! قولتلك خلاص كل حاجة خلصت و أنا معاكي أهوه، مش عيل صغير أنا هشتغلك يعني"

ابتسمت هي له ثم صفقت بكفيها معًا و اقتربت منه تقبل وجنته فتحدث هو بسخريةٍ:
"لأ و الله العظيم أنا لازم افهم حصل إيه في غيابي ؟! أنتِ كنتي مع مين في غيابي في خديجة ؟!"

حركت كتفيها ببساطةٍ و هي تقول ببراءةٍ:
"كنت مع وليد هكون مع مين يعني؟!!"

_"وليد آه، لأ كدا صح فهمت، الحمد لله إني جيت لحقتك"
رد عليها هو بذلك بنفس السخرية، فابتسمت هي له و لم ترد عليه بينما هو اقترب منها و هو يقول هامسًا:
"بس أنتِ وحشتيني على فكرة، قسمًا بالله إحنا مكناش عايشين"

ضحكت هي بصوتٍ عالٍ و هو يقترب منها فصدح صوت هاتفه في تلك اللحظة أغمض هو عينيه ثم أخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم ضغط على الزر يُجيب على المكالمة حتى وصله صوت الأخر يقول بتهكمٍ:

"إيه جيت في وقت مش مناسب و لا إيه ؟! ازعل و الله"

رد عليه «ياسين» بسخريةٍ:
"من ساعة ما عرفتك و أنتَ وقتك مش مناسب، أنا أصلًا اتعرفت عليك في وقت مش مناسب، خير يا يوسف ؟!"

رد عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"يا عم حقك عليا خلاص، المهم أمك عندها ورق عنب و لا أجيب معايا ؟!"

_"أيوا يعني هتيجي تحشيه أنتَ و لا إيه مش فاهم أنا ؟! تعالى يا عم عندنا ورق عنب"

زفر «يوسف» بقوةٍ ثم قال:
"طب تمام، هريح النهاردة علشان أنا لسه واصل، و بكرة هكون عندك إن شاء الله"

سأله «ياسين» بتلقائيةٍ:
"طب ما تيجي النهاردة و لا أنتَ هتقضي اليوم مع قرايبك ؟!"

تنحنح «يوسف» يُجلي حنجرته ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"لأ أنا معرفتش حد أني جاي، أنا نازل في فندق، و قبل ما تسأل أنا نازل إجازة مش جلد ذات" 

تنهد «ياسين» بعمقٍ ثم قال بقلة حيلة مجاريًا له:
"تمام يا يوسف، حمدًا لله على سلامتك، لو عوزت حاجة كلمني خلاص أنا بقيت أخوك هنا"

رد عليه الأخر بودٍ:
"عارف حاجة زي دي، يلا شوف كنت بتعمل إيه بقى"

أغلق «ياسين» معه الهاتف و هو يبتسم بيأسٍ منه، فيما تحركت هي تسأله هي بتعجبٍ حينما لاحظت الوقت في هاتفها:
"ياسين !! هو الوقت دا بجد ؟! الساعة ٢.٥ فعلًا ؟!"

حرك رأسه موافقًا فقالت هي بخوفٍ:
"بتهزر !! طب مصحتنيش ليه ؟! إيه دا ؟! الضهر فاتني في ميعاده روح ربنا يسامحك"

رد عليها هو متهكمٍ:
"نعم يا ختي !! مصحتكيش ليه ؟! دا أنا خلاص تكة و كنت هخلع بلاط الشقة اضربك بيه على راسك، أنتِ اللي غيبوبة"

زفرت هي بقوةٍ ثم قالت منهيةً للحديث:
"خلاص خلاص مش مهم، هروح اتوضا و أصلي و أنتَ بقى حضرلنا الفطار صليت الجمعة صح ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها
أمسك ذراعها يقربها منه و هو يقول بخبثٍ استشفته هي:
"طب ما تيجي معايا نعمل الفطار سوا، دا أنتِ حتى وحشتيني"

رفعت رأسها تقول بسخريةٍ مقلدةً طريقته:
"لأ و الله العظيم لازم أعرف حصل إيه في غيابي، ياسين أنتَ كنت مع مين في غيابي"

رفع حاجبيه معًا بدهشةٍ منها فابتعدت عنه و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا هدخل اتوضا و صلي و أنتَ حضر الفطار، عن اذنك"

ابتعدت عنه و هي تتغنج في مشيتها أمامه، فضرب كفيه ببعضهما ثم رفع صوته يقول:
"ماشي هتروحي مني فين ؟! قاعدلك أسبوع يا كتكوتة"
_________________________

في بيت شباب آلـ «الرشيد» اجتمعوا معًا فوق السطح بعد الصلاة يتناولون الفطار سويًا، فتحدث «طارق» بنبرةٍ مرحة:

"طب و الله فكرة جامدة، أنا بقول نخليها كل جمعة كدا نتغدا سوا، و نجيب حسن كمان معانا"

رد عليه «وليد» مُسرعًا:
"ابوس إيدك سيب حسن في حاله، حسن الدنيا جاية عليه و يدوبك باديء يشم نفسه"

سألته «جميلة» بتعجبٍ:
"ليه ماله ؟! مش هو و هدير بقوا كويسين ؟!"

رد عليها هو بقلة حيلة:
"للأسف هدير لما راحت الشقة تعبت، و بقى بيجيلها كوابيس كتير بسبب حنان، سألت دكتورة هناء قالتلي إن دا تعب نفسي عادي نتيجة اللي حصل، حسن بقى بيحاول إنه يحسن نفسيتها، و أخر حل كان هيبيع الشقة"

تدخلت «هدى» تقول بأسى و قلبٍ ملكومٍ على صغيرتها:
"حاولت معاها و الله بس مش عارفة هي مالها، بقت بتسرح كتير و تزعل أكتر، و حسن كتر خيره بيعمل اللي عليه و زيادة"

ردت عليها «عبلة» بنبرةٍ هادئة:
"متخافيش هتبقى كويسة، طالما شافت حسن بيحاول علشانها يبقى كل حاجة هتبقى كويسة، ادعيلها بس يا هدى"

حركت رأسها موافقةً و في تلك اللحظة صدح صوت هاتف «وليد» فأخرجه هو و حينما لمح إسمها ضغط على زر الايجاب ثم مكبر الصوت و هو يقول بمرحٍ:

"ها يا خوخة !! عاملة إيه ؟!"

ردت عليه بضجرٍ:
"مخنوقة و مش طايقة نفسي، و خلاص هطق من جنابي"

تدخل «وئام» يقول بتهكمٍ:
"و متصلة تنكدي علينا ليه يعني ؟! هي ناقصة هم ؟!"

ردت عليه هي بحزنٍ:
"شكرًا يا وئام، شكرًا يا ابن عمي، دا بدل ما تقولي مالك يا خلود مين اللي مزعلك يا خلود ؟!"

تدخل «طارق» يقول محاولًا كتم ضحكته بجهادٍ:
"مالك يا خلود ؟! مين اللي مزعلك يا خلود ؟!"

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
"مش طايقة نفسي، أحمد نزل من شوية مع بابا راحوا مشوار تبع الشغل و سلمى بتذاكر و مش معبراني، و أنا خلصت المسلسل اللي بحبه و مش عارفة اتخطاه، حاسة أني فارقت عيلتي"

ضحكوا عليها جميعًا فقالت هي بتمني:
"أنا عاوزة أجي أعيش معاكم، البيت هنا بقى كئيب أوي، عاوزة أجي أقعد عند وليد زي إجازة نص السنة"

رد عليها هو مُرحبًا:
"بس كدا !! أنا عيني ليكي بس المشكلة في دروسك، و بعدين خلي بالك أنتِ مش بتذاكري التيرم دا، يعني لو حصل حاجة هلبسها أنا، خلصي التيرم دا علشان قبل إجازة ثانوية عامة تيجي تقضيها كلها معايا، إيه رأيك ؟!"

ردت عليه هي بخجلٍ منه:
"لأ يا وليد أنا مش قليلة الذوق علشان أجي اقضي الأجازة كلها عندك، أنا هنقل حاجتي كلها و اقضي تالتة ثانوي في بيتك"

تحولت نبرتها من الخجل إلى الحماس فورًا مما جعلهم يضحكون عليها جميعهم، فقالت «عبلة» مرحبة بها:
"طب و الله فكرة، تعالي و حطي حاجتك هنا و نخلي وليد يظبطلك السطح و تذاكري معانا، شدي حيلك بس"

ردت عليها هي بنبرةٍ هادئة:
"لأ يا ستي كدا مش هذاكر، خلوني بس ابقى ارخم عليكم و راعوا نفسيتي"

لاحظ «وليد» ارتجافة صوتها فاستأذن منهم ثم رحل من أمامهم و أمسك الهاتف يسألها باهتمامٍ:
"بقولك إيه شغل الهبل دا مش عليا، مين مزعلك يا خلود ؟! و متكدبيش"

مسحت دموعها فورًا و حاولت التحدث بصوتٍ طبيعي و هي تقول:
"مفيش حاجة يا وليد، أنا كويسة اهوه كل دا يعني علشان بقولكم هاجي اقعد عندكم ؟!"

سألها بنبرةٍ جامدة:
"طب مبتروحيش دروسك ليه ؟! أحمد قالي إنك بطلتي من أول التيرم التاني، و هو بيخلي عمار يجيبلك الملازم، و بعدين ؟!"

تنفست هي بعمقٍ ثم قالت:
"مفيش حاجة يمكن بس علشان التوتر و بفكر في تالتة ثانوي، مش عارفة أعمل إيه، يلا سلام"

أغلقت معه الهاتف فأخرج هو رقم «أحمد» يهاتفه و حينما وصله الرد قال بنبرةٍ هادئة:
"ما تشوف خلود مالها يا أحمد، أنا مش عارف هي مالها، و صوتها باين عليه إنها معيطة، أعرف و قولي"

رد عليه «أحمد» بقلة حيلة:
"حاولت و الله هي امبارح في العيد ميلاد كانت كويسة، قبل كدا و بعد كدا معرفش مالها"

زفر هو بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:
"ماشي شوف مالها بس، و أنا هبقى اكلمها كمان شوية اطمن عليها، يلا سلام"

عاد للطاولة من جديد يجلس وسط العائلة و هو يحاول الانخراط معهم، بينما عقله بقى مشغولًا في التفكير بها.
_________________________

وصل «أحمد» إلى شقتهم مع والده و منها دلف إلى غرفة أخته «خلود» طرق الباب و حينما سمحت له بالدلوف، ولج الغرفة بهيبته و هو يمعن النظر فيها، سألته هي بتعجبٍ:
"مالك يا أحمد !! واقف كدا ليه؟!"

اقترب منها يقف على مقربةً منها يطالعها من عليته و هو يقول بثباتٍ باصرارٍ:
"خلود !! أنا عاوز أفهم فيكي إيه ؟! مالك و مبتروحيش الدروس ليه ؟! مين زعلك يا خلود ؟! و مش هتحرك غير لما تقوليلي"

تنهدت هي بعمقٍ ثم قامت تغلق الباب و عادت له من جديد و هي تقول بثباتٍ زائفٍ:
"أنا مش هروح دروس تاني، و هذاكر في البيت، فيها حاجة دي"

رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"آه فيها يا خلود، لما تكوني مبتغيبيش من درس واحد و درجاتك كلها حلوة التيرم الأول و مرة واحدة كدا تقفل معاكي يبقى أنتِ بتتصرفي غلط، يا إما فيه حاجة تانية مش عاوزاني اعرفها"

بكت رغمًا عنها و هي تقول بحزنٍ:
"فيه مستر طردني من الدرس و اتريق عليا، و حلفت مش هروح تاني و مش هنزل دروس، هو دا اللي أنتَ عاوز تعرفه ؟!"

سألها هو بتعجبٍ و حيرةٍ:
"مدرس مين دا و زعلك ليه؟!"

ردت عليه هي ببكاءٍ:
"مستر الانجليزي، هو اللي زعلني، اتريق عليا وسط المجموعة كلها، و أنا بصراحة رديت عليه بطريقة مش كويسة"

جلس على طرف الفراش و أجلسها أمامه و هو يقول بنبرةٍ صوتٍ سريعة متلهفة:
"اقعدي و احكيلي كل حاجة بالظبط يا خلود، ازاي كل دا يحصل"

مسحت وجهها بكلا كفيها معًا و هي تقص عليه ما حدث في ذلك اليوم من المُعلم الخاص بها و كيف اهانها، أما هو فكان يُنصت لها بكامل حواسه حتى انتهت هي من سرد ما حدث، فسألها هو بنبرةٍ عالية:
"الحيوان دا بيكون موجود امتى في السنتر ؟! ردي عليا؟!'

ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"بكرة في السنتر الساعة ٧ بليل، بس خلاص أنا مش هروح عنده او عند غيره، ريح نفسك يا أحمد"

طالعها هو بجمودٍ ثم تحرك من أمامها و هي خلفه تنظر في أثره بخوفٍ خاصةً بعدما تحرك من أمامها دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة.
_________________________

اجتمع الشباب بزوجاتهم في شقة «ميمي» احتفالًا بعودة «ياسين»، و لكن هناك سرٌ خفي لا يعلمه سوىٰ البعض و البعض الأخر بعض قليل.

اجتمعت الفتيات في غرفة من الغرف الموجودة بالشقة و معهن «هدير» ، و حينما اخبرتهن «إيمان» بذلك الخبر هجمن عليها يعانقونها بفرحةٍ و ينهالن عليها بالعبارات المُهنئة، ثم بعد ذلك سألتهن هي بحيرةٍ:

"طب أعرفهم ازاي ؟! يعني أكيد خالد و ياسر يهمهم حاجة زي دي، بس أنا مش عارفة أعرفهم ازاي"

ابتسمت لها الفتيات و كلًا منهن تنظر للأخرى فتحدثت «هدير» بغموضٍ:
"سيبيها عليا أنا، اسمعوا كلامي بس و أنا هظبطكم"

في الخارج جلسوا الشباب معًا و كانت «ميمي» تجلس في المنتصف و على كتفيها «ياسين» و الأخر «حسن» فتحدث «عامر» بسخريةٍ على ذلك المنظر:

"أنتِ يا أم المصريين ؟! هنام على كتفك أنا كمان امتى ؟! كل واحد فيكم واخد كتف ؟!"

رد عليه «حسن» بضجرٍ:
"ماهي طول العمر معاك، سيبني شوية أنا يتيم يا بني"

تدخل «ياسين» يقول هو الأخر:
"و أنا سايبهالك بقالي شهر و نص، روح اقعد في حتة ناشفة بقى متقرفناش"

رد عليه «عامر» بتهكمٍ:
"اقرفك !! هو أنا باكل و أمسح في راسك ؟! ارجع تاني يا عم"

أمسك «ياسين» زجاجة المياه الموضوعة بجانبه و هو يقول:
"هو أنتَ ليك عين تتكلم بعد اللي أنتَ مهببه دا يا هايف ؟!"

سأله «ياسر» بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ شوفته ؟! أنا قولت مش هتفتح نت دلوقتي، بس كريتيف و الله"

سأله «حسن» بتعجبٍ:
"هو عملك إيه ؟! أنا مشوفتش"

رد عليه «ياسين» بحنقٍ و يأسٍ:
"الأستاذ المتربي، مركب صورتي على كوميكس عبده موتة و كاتب فوقيها ياسين رياض الشيخ رجع يا حارة، و عاملي استوري فيسبوك على مرحب برجوعك لينا من تاني يا افندينا"

ضحكوا عليه جميعًا و هم يتخلون المظهر و زادت الضحكات أكثر حينما قام «حسن» بفتح الصورة و هو يراها معهم جميعًا، و في تلك اللحظة قام «خالد» بفتح الباب و دلف الشقة و معه «يونس» يسبقه للداخل و في يده "الشيبسي" المفضل لديه و هو يحمل في يده أكياسًا بلاستيكية بها طعام سريع، هلل «عامر» حينها و هو يقول:

"خالد الرجولة، عزومة النهاردة كلها عليه، اتحايلت عليه أشارك معاه بس هو مرضيش، خليه بقى هو حر"

وضع «خالد» الأشياء على الطاولة ثم اقترب منه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"قولتلك أنا الكبير و عزومة ياسين دي عليا، و بعدين عاوزني اعتمد عليك علشان تروح تجيب رنجة و فسيخ تاني ؟!"

سخر «عامر» منه و هو يقلد طريقته، فرفع «خالد» صوته حتى تخرج البنات لهم و يتناولون الطعام سويًا.

بعد مرور دقائق تم وضع الطعام على الطاولة التي ترأستها «ميمي» و على قدمها «يونس» بعدما أصرت هي على ذلك، و الفتيات كلًا منهن تجلس بجوار زوجها في جو يسوده الفرح و السرور كعادة جلوسهم في تلك الشقة و هم يتناولون الطعام معًا و قد كان يراقب «حسن» زوجته و باهتمامٍ و حينها ابتسم براحةٍ ثم شرع في تناول طعامه حينما ابتسمت له و هي تحثه على تناول الطعام.

تحدث «يونس» أثناء تناول الطعام بضيقٍ:
"خالد !! هات كوكو"

ضحكوا عليه جميعًا فيما تحرك «خالد» نحوه يعطية قطعة الدجاج و هو يقول بسخريةٍ:
"أمسك، اسمها فراخ يا حبيب أبوك، أنتَ كبرت"

رفع «يونس» نفسه يقبل وجنة والده ثم أمسك القطعة يأكلها و الجميع يتابعونه بحبٍ خاصةً حينما ارسل لهم قبلة بالهواء و هو يبتسم للجميع.

بعد تناول الطعام و إزالة اثره التفوا جميعًا حول بعضهم فتحدثت «هدير» تقول مقترحةً:
"بصوا بما اننا متجمعين كدا هنلعب سوا لعبة حلوة، هنحط ورق في علبة و كل واحد ياخد ورقة ليه، و يشوف فيها إيه و يخمن اللي فيها، سواء جملة أو فيلم أو فزورة، تمام ؟!"

وافقوا جميعًا و بدأ الحماس يأخذ محله وسطهم، حينها أتت هي بالعلبة، ثم أعطت لكلٍ منهم ورقةً صغيرة و من بينهم ورقة مميزة حددتها هي مع الفتيات حتى يأخذها «ياسر» و روقةً أخرى أعطتها لـ «يونس» ثم جلس وسطهم و في يده الورقة بحماسٍ.

بدأ الدور بـ «عامر» فأمسك الورقة يقرأ ما بها ثم صفق بحماسٍ و هو يقول:
"طب بصوا !! مبدأيًا، هو ندل، و مثال في قلة الأصل"

قطب الجميع جبينهم بحيرةٍ فقال هو بنبرةٍ عالية:
"لما حد يقل بأصله مع عيلته بنقول عليه كذا، كذا دا بقى هو اللي معايا"

تحدث «ياسين» مخمنًا:
"مين التربية الناقصة دي ؟! أكيد حرباية"

ضحكوا عليه جميعًا فتحدث «عامر» بنبرةٍ ضاحكة:
"هو حاجة تبع الأكل، معرفش حاسس إنها مش صدفة، بس مش مشكلة هعديها"

نظرت له «سارة» و هي تحاول كتم ضحكتها، بينما هو قال:
"ها !! قليل الأصل و ملوش عزيز، و بيحب الأغراب أكتر"

تحدث «حسن» مفسرًا بحماسٍ:
"القرع !! قرع العسل، أختي علطول تقولي أني قرع بمد لبرة"

ضحكوا عليه جميعًا حتى هو أيضًا، فتحدث «عامر» بفرحةٍ:
"الله ينور عليك يا أبو علي يا جامد، هو القرع بعينه"

تحدثت «هدير» بنبرةٍ مرحة:
"كدا عامر خد نقطة و حسن كمان، و دا مش علشان هو جوزي خالص، بس علشان هو جاوب صح"

أتى بعدها دور «ياسين» يقرأ الورقة التي معه، عقد ما بين حاجبيه ثم أغلق الورقة و قال:
" طب بصوا هو أنا مش فاهم يعني إيه اللي معايا، بس هي فزورة و أنا معايا حلها، يا رب حد فيكم يفهمها"

انتبهوا له جميعًا فقال هو بحيرةٍ:
"طوله ٣٠ و عِمته ٦، بيروي الروح و يشفي الجِتة"

قطبوا جميعهم حاجبيهم بحيرةٍ و تعجبٍ فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"هو قرب علينا، و كلنا بنحبه، بنستناه كمان، بيجي مرة كل سنة"

ردت عليه «خديجة» بسخريةٍ:
"بيجي مرة كل سنة !! دا زار دا و لا إيه ؟!"

رد عليها هو بقلة حيلة:
"مش عارف، مين اللي جايب دي، بس على العموم يعني كلنا بنحبه"

نظروا لبعضهم البعض بتعجبٍ فقال هو بقلة حيلة و يأسٍ:
"طب خلاص هو على العموم شهر رمضان يعني، طوله ٣٠ يوم و عمته ٦ اللي هما ٦ أيام بيض بنصومهم بعدها، بيروي الروح دا طبيعي يعني و يغسلنا كلنا من ذنوبنا"

ردت عليه «هدير» بحماسٍ:
"صح ما شاء الله عليك، جاوبتها و فسرتها، كدا محدش هياخد نقطة علشان محدش حلها"

أومأ لها الجميع بموافقةٍ ثم تتابعت الأدوار حتى أتىٰ دور «ياسر» حينها أخرج ورقته فتحدثت «ريهام» بخبثٍ مرح:

"اقرأ اللي فيها يا دكتور الأول"

عقد ما بين الحاجبين و هو يقول بنبرةٍ هادئة بها الحيرة و التعجب معًا:
"حط القلب على القلب و حاسب تلبس في المطب"

رفع رأسه بعدما قرأ تلك الجملة فقالت «ايمان» بحماس:
"حط أطراف الورق عند بعضها، و شوف اللي فيها"

حرك رأسه موافقًا ثم ضم طرفي الورقة معًا حتى اكتمل القلب و أسفله قلب صغير الحجم و به عبارةً:
"علشان أنتَ طيب و شاطر، هتبقى أحن أب يا ياسر"

أسفل تلك العبارة وجدت غمزة مشاكسة و صورة لطفل صغير يحبو على ركبتيه، هب هو منتفضًا من جلسته ثم أقترب من «ايمان» و هو يقول بلهفةٍ:
"اللي مكتوب دا صح ؟! أنتِ بجد حامل ؟!"

حركت رأسها موافقةً فسألها هو بخوفٍ و ترقبٍ:
"بجد !! ايمان أوعي يكون مقلب من مقالبك ؟! مش هتحمل !!"

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فاحتضنها و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"الحمد لله يا رب، ألف حمد و شكر ليك، الحمد لله"

بكت هي من تأثرها به، فاقترب هو يقبل رأسها ثم قال بهدوء:
"مش قولتلك إن حياتي هتحلو على إيدك ؟! شكرًا"

ابتسمت و الدموع تلمع في مُقلتيها و الجميع يطالعونهما بحبٍ و تأثرٍ، حتى اقترب منها «خالد» يقف أمامها و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
" دا بجد !! أنتِ حامل فعلًا ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت و هي تجاهد ألا تبكي:
"حامل في الشهر التاني، الدكتورة قالتلي كدا لما بعتتلي النتيجة"

احتضنها «خالد» بقوةٍ و هو يقول بنبرةٍ باكية:
"الحمد لله، متعرفيش فرحتي بيكي عاملة ازاي، حاسس كأني أب بيسمع الخبر دا"

ألقت هي رأسها على كتفه و هي تبكي بقوةٍ و هو يربت على ظهر صغيرته التي تربت في كنفه بعد وفاة أبيها حتى أصبح لها أبًا و أخًا و صديقًا، بينما الشباب اقتربوا من «ياسر» يباركون له بفرحةٍ و حماسٍ و هو يبكي مع عناق كلًا منهم، حتى مازحه «عامر» بقوله الهازل:
"يا سلام !! دا أنتَ قلود أوي، اتجوز تتجوز زيي، مراتي تحمل مراتك تحمل، طب أنا هحبس العيل في بطنها سنتين وريني بقى هتعملها ازاي دي"

اقترب منه «ياسر» يحتضنه و هو يقول بصوتٍ باكٍ:
"أنا فرحان أوي يا عامر، فرحان و خايف، خايف معرفش أكون أب"

ربت «ياسين» على ظهره و هو يقول بسخريةٍ:
"أنتَ مش هتعرف تكون أب !! أحن قلوب الدنيا و أطيبها، هيفشل في حاجة زي دي ؟! يا بخت عيالك بيك يا ياسر"

حرك رأسه موافقًا فوجد «خالد» يترك أخته التي كانت تبكي ثم وقف أمامه و هو يقول بثباتٍ:
"اللي زيك المفروض يفرح و بس، يحمد ربنا على كرمه و على الهدية اللي وهبهالك يا ياسر، أحمد ربنا و متخليش الشيطان يلعب بدماغك كفاية إنك تفرح من قلبك بجد"

حرك رأسه موافقًا ثم اقترب من زوجته يحضنها من جديد و هو يبتسم لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"يا رب يكونوا زي قلبك، عاوزهم يكونوا سند زيك ليا"

ردت عليه هي مسرعةً ببكاءٍ:
"أنا عاوزاهم زيك، طيبين و رجالة يشيلوا المسئولية، عاوزة افتخر بيهم زي ما بفتخر بيك، عاوزة عينهم تكون زرقا"

شدد عناقه عليها و هو يضحك بيأسٍ، و «خالد» ينظر لهما بفرحةٍ كبرى، فوجد «يونس» يعطيه الورقة التي كانت بيده، امسكها منه فوجد بها جملة:

"يا حلاوة خالد و جماله هيبقى أحلى و أشطر و خالو"

نظر لزوجته فوجدها تغمز له في الخفاء دون أن يراها أيًا من الواقفين، و بعد ذلك اقتربا «ياسر» بزوجته من «ميمي» التي احتضنتهما بحبٍ و هي تدعو الله أن يحفظهما و يبارك لهما سويًا، ثم حركت رأسها و هي تقول بدعاءٍ و تمني:

"الحمد لله عقبال خديجة و هدير يا رب، ربنا يفرحني بيكم انتم كمان إن شاء الله"

حركت كلتاهما رأسها موافقةً و هي تنظر لزوجها، بينما «حسن» مال على أذنها و هو يقول هامسًا:
"شدي حيلك بقى عاوزينك تبقي أم علي"

ابتسمت هي بخجلٍ ثم اخفضت رأسها للأسفل و هي تحاول إخفاء وجهها الذي كسته حُمرة الخجل، بينما «ياسين» أمسك يد زوجته و هو يبتسم لها.
_________________________

بعد انتهاء الليلة في شقة «ميمي» رحلوا جميعًا إلى أماكنهم، لكن «حسن» قبل أن يتوجه إلى شقته لاحظ نوم زوجته بالسيارة حينها غير وجهته و ذهب إلى أخرةً ثم تركها بالسيارة و نزل هو جلب لهما ما أراده ثم توجه لوجهة أخرى يجلب لهما سويًا ما تفضله هي، و بعدها ركب السيارة و هي لازالت نائمةً، أوقف السيارة بعدما توجه نحو ما أراد، و بعدها حمحم بخشونةٍ ثم رفع كفه يربت على وجنتها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"هدير !! هدير اصحي"
فتحت عيناها على مضضٍ و هي تنظر حولها بتعجبٍ، فقال هو بسخريةٍ:
"قبل ما تسألي، أنتِ نمتي زي القتيلة من ساعة ما نزلنا، قولت نقعد هنا شوية و نفتكر أيام الاستهبال"

ابتسمت هي بخفةٍ ثم نزلت من السيارة حينما نزل هو قبلها ثم اخذ الحقائب من السيارة، نزلت و هي تتنفس بعمقٍ ثم طالعت المكان حولها فوجدته مكانهما المفضل المُضاء ليلًا و أول مكان يشاركها هو به، سارت خلفه حينما سبقها هو و اقترب من المقاعد الخشبية يجلس عليها، اقتربت و قبل أن تسأله عن تركها وجدته يقوم بفتح الأطعمة شهقت هي بفرحةٍ ثم جلست بجواره فورًا و هي تقول:

"الله !! mac و كمان دونتس ؟! إيه دا كله يا حسن ؟! هو أنا طولت في النوم أوي كدا ؟!"

ابتسم هو لها ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"دي حاجة بسيطة علشانك، يلا بس أنا عارف إنك مش بتشبعي في اللمة، اقعدي إحنا واكلين من بدري"

اعتدلت في جلستها بجواره ثم بدأت تتناول الطعام حينما مد يده لها به، ثم تناول هو الأخر و هو يبتسم بسعادةٍ بالغة و هو يرى الراحة باديةً على وجهها، فسألها باهتمامٍ:
"لسه زعلانة ؟؟ أو لسه خايفة؟"

نظرت له بتعجبٍ فقال هو:
"مش قصدي حاجة يعني، بس مش عاوزك تكوني خايفة أو زعلانة من أي حاجة، أنا معنديش غيرك أخاف عليه من الهوا الطاير، لو لسه زعلانة ممكن نشوف مكان تاني نقعد فيه"

حركت رأسها نفيًا ثم قالت بعدما ابتلعت الطعام:
"لأ يا حسن متخافش، أنا بقيت كويسة أوي و كفاية إنك عمال تحاول كدا علشاني، دي عندي بالدنيا، اتطمن"

تنهد هو بعمقٍ ثم سألها بمرحٍ:
"طب و الأوضة ؟! إيه رأيك فيها ؟؟ أنا معرفتش زوقي عجبك و لا لأ ؟!"

ردت عليه بحماسٍ:
"أنتَ بتسأل بجد !! دي تحفة، أنا حاسة فيها أني قاعدة جوة الكارتون و خاصةً لما شغلت الأنوار و طلعت زي الأفلام، عملت كل دا ازاي ؟!"

ابتسم هو بسعادةٍ و هو يقول:
"دي بيدج اونلاين لقيتها عاملة إعلان عن المنتجات دي، حاجة كدا علشان أوض الأطفال، أنا قولت بما إنك مش محتاجة يعني اطفال، و إنك موسوعة في أفلام الكرتون يبقى أنتِ أحق"

أبتسمت هي بسمةٍ هادئة ثم رفعت الطعام في يدها تتناول منه، بينما هو ابتسم لها ثم قال:
"الحمد لله أني فرحتك، كدا بقى الواحد يرتاح، أو لو مت يعني أكون مرتاح و مطمن عليكي"

تحدثت هي بلهفةٍ:
"متقولش كدا !! حرام عليك بس أنا مليش غيرك، تروح فين يا حسن ؟! إن شاء الله تفضل معايا طول العمر"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بقلة حيلة:
"أومال مالك بس !! عينك حابسة الدموع ليه ؟؟ قوليلي فيكي إيه و أنا و الله هساعدك و مش هسيبك، اللي تعوزيه أنا هحاول و أحارب علشانك و علشان اجيبهولك، بس قوليلي مالك"

ازدردت لُعابها بخوفٍ ثم قالت بصوتٍ مهتز مترددٍ عن الكلام:
"حاسة أني مخنوقة، نفسي أعيط و مش عارفة، العياط المفروض إنه يريحني بس دا محصلش، حسن المفروض لما معرفش أعيط أعمل إيه؟!"

ابتسم هو لها ثم قال:
"بنروح نتوضا و نصلي و نقف بين ايدين ربنا نطلب الرحمة لينا و لقلوبنا"

ابتسمت له فقال هو بنبرةٍ مرحة:
"بعدها بقى يروح لأبو علي يتفرجوا سوا على فيلم كرتون، يهبلوا مع بعض، يتنططوا، ربك يكرم بقى"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"بس بقى علشان امبارح شكلنا كان حلو أوي و احنا زي "بيل" و "الوحش" شكلنا كدا هنجرب الافلام كلها"

تحدث هو بنبرةٍ هادئة:
"تعرفي أنهم شبهنا أوي يا هدير، أكتر قصة بحبها و بحب اتفرج عليها، علشان هما شبهنا"

حركت رأسها مستفسرةً و الاستنكار يكسو نظرتها، فأضاف هو مُفسرًا:
"يعني هو كان في قلعته المسحورة و أنا شقتي كأنها مهجورة، هو كان عصبي و كِشري و حزين و وحيد، و أنا زيه بالضبط لوحدي و زعلان حياتي كلها، هي حرة و طليقة و ليها أحلامها، لحد ما النصيب خلاهم قابلوا بعض، بقيت هي كل حاجة عنده، زيي كدا ماسك فيكي بايدي و سناني علشان بجد مليش غيرك، و في النهاية الأميرة حبت الوَحش و هدير حبت حسن"

حركت رأسها تنظر له أكثر فقال هو بنفس الطريقة:
"فاكرة لما هو قال للمساعدين بتوعه إنه عمره ما حس بشعور زي دا و أنه عاوز يعمل حاجة علشانها !! أنا كمان كانت أول مرة أحس أني عاوز أعمل حاجة علشان حد، و لقيتني عاوز أعمل كدا علشانك، بقيت بفكر إزاي أسعدك و ازاي تضحكي"

تنفست هي بحدة بعد حديثه و حضر ببالها كيف تمت قصتهما سويًا منذ أنا كانا لا يعرفا بعضهما إلى أن اكتملت قصتهما بالحب لكلٍ منهما للأخر، مسحت وجهها بكلا كفيها ثم قالت بنبرةٍ غلفها المرح:

"طب أقولك على حاجة بس متتريقش و تقول إن مخي لسع ؟! بعد اذنك يعني ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ مرحة محاولًا كتم ضحكته:
"رغم إن دي حقيقة بس حاضر مش هقول، ها ؟!"

وكزته في ذراعه و هي تقول:
"اتلم !! بدل ما أطلع اللسعة عليك"

حرك رأسه موافقًا و هو يحاول التحكم في ضحكته، فقالت هي بحماسٍ:
"بقيت كل شوية من كتر ما بنتفرج على كرتون بفضل أبص على القصص اللي حوالينا و أشبههم بالأفلام اللي اتفرجنا عليها"

عقد ما بين حاجبيه فقالت هي بنفس الحماس تفسر حديثها:
"هفهمك، يعني مثلًا عندك خديجة و ياسين دول بشوفهم ربانزل و يوجين، خديجة فضلت محبوسة في البيت و متعرفش حاجة عن الدنيا برة و لحد دلوقتي برضه، لحد ما يوجين جه خرجها من البيت و خلاها نزلت من البرج و بطلت تخاف، أو على الأقل علشان هو موجود"

حرك رأسه موافقًا وهو يقول بفرحةٍ و بهجة على وجهه:
"صح !! يا بنت اللذين ؟! هما فعلًا"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"نيجي بقى لأشقى ولد في العيلة، وليد، بحسه زي علاء الدين كدا في جنانه و شقاوته، خصوصًا إن عمو محمد قرفه في عيشته، برضه علاء الدين تعب لحد ما بقى مع ياسمين"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"أيوا و الله وليد حلنجي زيه، بس بحبه و الله"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"هدى بقى و وئام، عاملين زي السندريلا و الأمير، عاشت حياتها كلها بتخاف تتأخر برة و عايشة تساعد ماما في البيت لحد ما جه الأمير قصدي وئام و طلبها، بحسهم رايقين أوي زيهم"

ضحك هو بصوتٍ عالٍ فأضافت هي بنبرةٍ ضاحكة:
"طارق بقى مش محتاجة، عامل زي نيمو كدا، فضل يدور على جميلة لحد ما لقاها و بقى معاه دوري كمان، الإصرار اللي كان طارق بيدور بيه و عايش عليه كان زي الاصرار اللي ابو نيمو بيدور بيه"

رد عليها هو موافقًا:
"صح، أنتِ صح و الله"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"نيجي بقى لأحمد و سلمى، عاملين زي نافيين و تيانا كدا، هو كان فاكر أنه بيحب منة، بس طلع غلطان و بعدها عرف إن سلمى هي اللي تستحقه بعدها، دا غير إن سلمى ليها حلم عاوزة تحققه و أحمد بيساعدها على دا"

رد عليها «حسن» بحماسٍ:
"تصدقي أني بعتله جملة من الفيلم دا يبعتها ليها ؟! الجملة بتاعة الحلم، شوفتي التوافق بينا ؟!"

ضحكت هي بقوةٍ ثم قالت:
"فيه بقى سارة و عامر بحسهم تنة و رنة و بيتر بان، علشان هو مطرقع و هي كانت شايلة مسئولية، بحسهم كدا أوي"

ابتسم هو ثم حرك رأسه موافقًا فقالت هي مقترحةً:
"غالبًا على حد علمي بقى، خالد و ريهام هما بيل و الوحش، قصتهم برضه حلوة و هو كان رافض وجودها و بعدها حبها و هي كمان"

رد عليها هو مُسرعًا:
"لو سمحتي !! احنا الأميرة و الوحش، بعد اذنك يعني"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"ما هما زينا طيب، عندك بقى ياسر و ايمان، بحسها عاملة شعنونتي كدا و مارد وشوشني"

ضحك هو بصوتٍ عالٍ و هو يقول من بين ضحكاته:
"بس الفرق إن ياسر عينه زرقا مش خضرا"

ضحكت معه هي الأخرى فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"كدا ناقص خلود، دي الله يعينه اللي هيبقى من نصيبها، على ما أظن هتبقى الساحرة الشريرة"

ردت عليه هي بعد تفكيرٍ دام لثوانٍ:
"بص !! فيه حاجة بفكر فيها، لو حصلت يعني أو زي ما بفكر، يبقى عرفت قصة خلود"

عقد ما بين حاجبيه فقالت هي بصوتٍ هامس بالكاد سمعه هو:
"لو خلود و عمار بقوا سوا، تبقى قصتهم معروفة بالنسبة ليا"

سألها هو بتعجبٍ:
"خلود و عمار !! مع بعض ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت مؤكدةً حديثها:
"آه و الله زي ما بقولك، حاسة إن خلود ميالة لعمار شوية، و بعدين امبارح و أنا واقفة لوحدي عينه كانت عمالة تلف و كل ما تيجي عندها يهرب، هو محترم ما شاء الله عليه، بس تيجي تفكر كدا تحس إن قصتهم هتبقى غريبة"

_"زي ؟؟"
سألها هو بايجازٍ فقالت هي بحماسٍ:
"زي "كوليت" و "لينجويني" هي كانت قوية و قائدة و مُفكرة و هو يعيني تايه و غلبان و طيب، بحس إنهم لو بقوا سوا قصتهم هتكون كدا"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"ما شاء الله عليكي، مبيتة على أفلام ديزني كلها، إيه دا !! موسوعة ؟!"

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ و هي تقول:
"بحب الكرتون أوي و بحبك علشان ختلني ارجع اتفرج عليه تاني، كدا كدا بحبك من غير حاجة"

ابتسم هو لها ثم أمسك كفها يشبكه في كفه و هو يبتسم لها ثم أشار لها على الطعام و هو يقول:
"كملي أكلك يلا علشان نروح"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"كدا كدا عاوزة أروح علشان أصلي، بعدها بقى تحضني يا حسن لو سمحت"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"فاكرة كنت بشحته إزاي منك ؟! حاليًا ناقص تكتبيها يافطة"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة و قلة حيلة و كأنها مغلوبة على أمرها:
"بصراحة !! بحب فكرة الأحضان أوي، بس ولا مرة حسيت إن في حضن دافي زيك كدا، يعني كنت بحضن صحابي و عمتو و عبلة و بابا و ماما الله يرحمها، بس بحس إن الأمان كله و أنتَ حاضني، من ساعتها بقى بقيت بسوء فيها، و بصراحة يعني برضه، اتعلمت الأكل علشانك و برضه بقيت بتعلم أزاي اخلي البيت علطول متروق و مترتب برضه علشانك، و برضه حاربت علشان أحب قعدة البيت علشانك، موت هدير القديمة و دفنتها علشانك يا حسن، عارف ليه ؟! علشان أنتَ تستاهل أني ارمي نفسي في النار علشانك"

ارتفعت ضربات قلبه فورًا و هو يستمع لحديثها فمسحت هي دموعها ثم قالت بنبرةٍ مختنقة من قوة البكاء التي داهمتها:
"أنا شكلي كترت في الكلام، بس هي دي الحقيقة إنك كنت أول واحد أحارب علشانه"

نظر أمامه ثم تنفس بعمقٍ و قال بصوتٍ مختنقٍ متحشرجٍ:
"عرفتي أني أختارت صح يوم ما أخترتك أنتِ بدل حنان ؟! مكانش ينفع أسيبك تضيعي مني يا هدير، كانت هتبقى الخسارة اللي مفيش بعدها عوض في الدنيا دي"

حركت رأسها موافقةً فاقترب هو يقبل قمة رأسها ثم أشار على الطعام يحثها على تكملته، حينها أمسكته ثم وضعت رأسها على كتفه و هي تأكل و كفها الأخر يعانق كفه
_________________________

وصل «ياسين» مع زوجته إلى شقة والديه بعد اصرارهما عليه، دلفت هي أولًا و هو خلفها فاقتربت منهما «زهرة» تحتضنها بحماسٍ و فرحةٍ لرؤيتهما سويًا، فاقترب «رياض» يرحب بهما حتى تحدثت «زهرة» تقول بإصرارٍ:
"هتباتوا معانا!! مفيش رفض بكرة العزومة بتاعة صاحبك دا و معاك الشباب كلهم، دا قرار"

اقترب من والدته يحضتنها و هو يقول برضوخٍ لها:
"عيني ليكي يا زوزو، أنتِ وحشتيني اوي و لو مشيت دي تبقى ندالة، أنا هبات في حضنك النهاردة"

تدخل والده يقول بتهكمٍ:
"أيوا و أنا هبات فين يعني ؟! في شنطة العربية ؟!"

ردت عليه زوجته بحنقٍ:
"مطرح ما تحب، أبني و لسه راجعلي من السفر، متتعبناش بقى"

راقص هو حاجبيه لوالده فتحدث الأخر بتشفٍ في «خديجة»:
"قولتلك اخلصك منه، مرضيتيش، خليكي كدا بقى، اسمعي مني، جايبلك ثري عربي بدل وش الفقر دا"

حركت رأسها نفيًا ثم قالت بخجلٍ:
"لأ، هو عندي أحلى من مليون ثري عربي، ميتقارنش بحد أصلًا"

ابتعد عنه والدته ثم اقترب منها يقول بصوتٍ عالٍ:
"روحي ربنا ينصرك و يجبرك و يفرحك و يكرم قلبك يا بنت زينب، دا الواحد أختار صح بجد"

رد عليه والده بضجرٍ:
"خليكم كدا، شوفتي يا زهرة !! إلا ما عمرك نصفتيني كدا، الله يسامحك، مخلياهم يشمتوا فيا"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"اقعدوا بس شوفوا هتجيبوا إيه، علشان عزومة بكرة دي، و بعدين ابقوا رخموا على يعض، ياسين، صاحبك دا بيحب إيه ؟!"

رد عليها هو مُسرعًا:
"ورق العنب، نقطة ضعفه في الحياة، لو عندك عيون سودا يبقى كتر خيرك"

ردت عليه والدته بصوتٍ عالٍ و تهكمٍ:
"إيه !! عيون سودا ؟! اجبهاله منين دي؟! هو أنتَ عازم حميد الشاعري ؟!"

تدخل «رياض» يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ عازم مصطفى قمر، السود عيونه يا ولا، السود عيونه يا ولا"

تنهد «ياسين» بقلة حيلة ثم قال:
"خلاص اتوصوا بورق العنب علشان ياخد معاه و هو ماشي"

ردت عليه والدته بحماسٍ:
"تمام فكر كدا لو فيه حاجة تاني قول عليها، بكرة إحنا عازمين الشباب بس من غير البنات"

حرك رأسه موافقًا فالتفتت هي لـ «خديجة» و هي تقول بحماسٍ:
"طبعًا هتساعديني، المرة دي شكلها عزومة كبيرة"

ردت عليها هي مرحبةً:
«عيني ليكي طبعًا، أنا جاية علشان أساعدك، يلا نبدأ من دلوقتي"

دلفتا سويًا للداخل بينما والده اقترب منه يقول بنبرةٍ هادئة:
"على فكرة أنتَ وحشتني أوي، حاسس إن ضهري اتفرد تاني برجوعك، الايام من غيرك وحشة أوي على فكرة"

ارتمى عليه «ياسين» يحتضنه و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"أنتَ اللي وحشتني أوي أوي أوي فوق ما تتخيل، كل يوم كنت بخاف فيه و اتمنى الاقيك موجود زي كل مرة بتدافع عني، بس برضه كلامك مغابش عن بالي و لا تربيتك اتغيرت، زي ما هي"

ربت والده على ظهره ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"ربنا يحفظك ليا، و يباركلي في وجودك علطول، أنا مليش غيرك في الدنيا دي، أنا سيبت كل حاجة و كل الناس اللي كانوا في حياتي علشان اقدر احافظ عليك"

ابتعد عنه ثم قبل رأسه و قال بوجهٍ مُبتسمٍ:
"و قدرت على كدا، شكرًا لكل حاجة و شكرًا على تربيتك"

ربت على ظهره ثم قال:
"تعالى بقى اقعد معايا علشان أغلبك دور شطرنج لحد ما هما يخلصوا"

حرك رأسه موافقًا ثم قال حينما تذكر لتوه:
"آه صحيح، كلم ياسر باركله، هيحصل عامر و يبقى أب هو كمان"

حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"كلمني و قالي، قالي أني هبقى جد للمرة التالتة بعد يونس و ابن عامر، عاوزه يخبي على أبوه ؟!"

حرك رأسه نفيًا و هو يبتسم له بفخرٍ حيث يرى في والده كل أنواع العلاقات التي يحتاجها المرء في حياته بوجود أبيه.
_________________________

في شقة «ميرفت» والدة «ياسر» ذهب مع زوجته إلى هناك فورًا ليخبرها بذلك الخبر السعيد و قد أتت والدتها أيضًا و امتلأ البيت بالزغاريد و الأصوات المباركة و المهنئة لهما و كلًا منهما تحتضنها بسعادةٍ فيما تحرك هو للداخل ثم توضأ و فرد سجادة الصلاة ثم وقف بين يدي الله يُصلي ركعتين شكر لله على نعمه و فضله عليه، و حينما سجد للمرة الثانية ارتجف قلبه و نزلت دموعه و هو يقول بصوتٍ باكٍ متضرع متقطعٍ:

"الحمد لله....الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه،
اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك و علا مكانك،
اللهم لك الحمد والشكر في السراء و الضراء، وعلى أي حال تقدره لنا .، الحمد لله رب العالمين...الحمد لله ، يا الله لك الحمد و الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
الحمد لله على ما رزقتنا. لك الحمد يا الله و لك الفضل و لك الثناء الحسن، اللهم أنتَ ربي أعطيتني و أكرمتني و بفضلك و رحمتك أوسعتني، اللهم إني استودعتك نفسي و أهلي و مالي و دنياي، اللهم لا تريني فيهم مكروهًا، اللهم اجعله ذريةً صالحة و اجعلني أبًا صالحًا، اللهم ألق بالسَكينة على قلبي"

كانت «ايمان» واقفةً على باب الغرفة تستمع لحديثه الباكي حتى بكت هي الأخرى و حينما انهى صلاته و تسبيحه على كفه، أقتربت منه تجلس مقابلةً له و هي تقول بنبرةٍ باكية:

"إيه يا ياسوري ؟! بتعيط كدا ليه؟! هو أنتَ زعلان ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم رفع عينيه الباكيتين يطالعها فوجدها تمسك يده و هي تقول بنبرةٍ باكية:
"طيب مالك !! أنتَ ليه مش فرحان، دي ماما و مامتك برة بيتخانقوا عليه، افرح بقى"

وكزته في كتفه حتى مسح هو وجهه ثم قال بنبرةٍ متحشرجة:
"يمكن اللي أنا فيه دا من فرحتي ؟! أنا فرحان بجد و حاسس أني زي الطير دلوقتي، أنا قلبي فرحان أوي يا إيمان، شايف ربنا بيعوضني بحاجات كتير و كلهم أحسن من بعض، من أول حياتي واخواتي لحد جوازنا و دلوقتي ربنا يكرمني تاني بحتة مني و منك، صحيح أنا خايف، بس أنا هحارب علشان مكونش سبب إنه يكره دنيته"

ابتسمت هي له من بين دموعها فقربها هو منه يقبل قمة رأسها ثم اخذها بين ذراعيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"ربنا يخليكي ليا و تقومي بالسلامة يا رب، ربنا يباركلي فيكي و فيه هو كمان"

تنهدت هي بعمقٍ ثم رفعت عينيها و هي تقول بقلبها قبل لسانها:
"الحمد لله يا رب، الحمد لله"
_________________________

في شقة «خالد» جلس بجوار ابنه يتابعا سويًا المباراة على الشاشة بعدما جلس «خالد» و قام بفرد قدميه و جلس «يونس» بينهما يتابع المباراة مع والده و «ريهام» تجلس على بعدٍ منهما تتابعهما و بين الحين و الآخر ترفع حاجبيها بدهشةٍ من تصرفاتهما و اندفعات جسديهما حتى فاجئها «يونس» بقوله منفعلًا مثل ما فعل والده منذ قليل:
"يـا حــمـار، شــوط يـا عـم"

شهقت هي بقوةٍ بينما «خالد» فرغ فاهه و اتسعتا حدقتيه بقوةٍ و رمش ببلاهةٍ و هو يقول:
"هو قال إيه ؟! يا وقعة أمك السودا ؟! ولا ؟!"

ضحك «يونس» و هو يقول ببراءةٍ:
"نعم يا بابا"

_"نعم يا بابا ؟! و حياة أمك يالا ؟! بتتعصب يا يونس علشان ماتش كورة ؟! يا وقعة سودا"
تفوه «خالد» بذلك بتهكمٍ و هو يحدث ابنه الذي أخذ يضحك على والده ثم التفت يتجاهله و هو يتابع المباراة، حينها تحدثت «ريهام» متشفيةً به:

"أنا فرحانة فيك فرحة !! الحمد لله يا رب خدت حقي منهم هما الاتنين، فريقهم مغلوب، و ابنه بيتعصب عليه"

رفع حاجبه لها و هو بسألها بنبرةٍ جامدة:
"و الله ؟! حلو، يبقى كدا الواد و أمه هيتربوا، صبركم عليا انتم الاتنين"

اقتربت منه هي تجلس بقربهما و هي تقول بحماسٍ:
"طب ما نقعد سوا كدا بدل ما أنا شغالة عندكم كأني قهواجية، اتحرك ياض أنتَ و هو خدوني جنبكم"

رفعت صوتها في وجهيهما حتى تحركا كليهما و تركا لها مسافةً فجلست هي براحةٍ ثم أمسكت جهاز التحكم تقوم بتبديل المحطة الفضائية، حينها صرخا كليهما:

"لأ !! سـيـبيـه"
ردت عليهما هي بنبرةٍ جامدة:
"بس منك ليه، جرى إيه ؟! مش هعرف أعيش وسطكم ؟! أقسم بالله يا يونس أنتَ و أبوك لأكون ظبطاكم"

مال «خالد» على أذن ابنه و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"أمك اتهبلت ياض، متجيش جنبها بقى علشان متعضكش"

رمقتهما بغيظٍ ثم حركت رأسه تتابع التلفاز دون أن تكترث لوجودهما، فتحدث «خالد» مُرحبًا بدلالها:
"ماشي حقك تدلعي علينا، حظك أني رايق و مبسوط يا ريهام"

سألته هي باهتمامٍ:
"ليه بقى ؟! إيه اللي مفرحك كدا و مخليك رايق بعد شهر و نص مكشر في وشنا ؟!"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
"ياسين رجع الحمد لله و مبقيتش قلقان عليه، ياسر و إيمان ربنا كرمهم و هيعوضهم سوا، عامر خرج من اكتئابه الحمد لله و رياض بقى رايق و كويس، و معايا عيل سافل و فريقي المفضل مغلوب"

رمقته بغيظٍ و هي تسأله بايجازٍ:
"بس ؟! هو كدا و خلاص ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بلا مبالاةٍ:
"آه، هو فيه حاجة تاني و لا إيه، الحمد لله مجاوب اجابة نموذجية"

حركت كتفيها ببساطةٍ و هي تقول بلا مبالاةٍ:
"لأ عادي مفيش حاجة، برافو عليك"

حاول هو كتم ضحكته ثم رفع ابنه على ذراعه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"يونس !! ما تنام يا حبيبي، أنا مراعي مشاعرك و كدا كتير، أدخل نام يالا"

رفض «يونس» طلب والده ثم تركه و أحتضن والدته يجلس بجوارها و بين ذراعيها و هو يعانده، حينها أمسك «خالد» الوسادة من خلفه يضربه بها و هو يقول بغيظٍ منه:
"ياض تعبت أمي في عيشتي، ياض خلاص هموت منك، يا ابن الكياد، بتكيد أبوك يا يونس ؟! يا عديم الرباية ؟!"

كان يضحك بملء شدقيه بين ذراعي والدته التي كانت تبعد الوسادة عنه حتى مال عليه «خالد» يقبل وجنتيه و هو يقول بمرحٍ:
"أنا بحبك، أنا مهزق و بحبك، جايبلي الكافية و برضه بحبك، هات بوسة يالا، بوسني يالا"

أمسك «يونس» رأسه ثم اقترب منه يقبله ثم قام بـ عض  وجنته بعدما قبله و حينها حمله «خالد» على كتفيه ثم ألقاه على الأريكة و كأنهما مصارعين محترفين سويًا، فتحدثت هي بصوتٍ عالٍ:

"هي مصارعة التيران بقت هنا ؟! أنتَ يا تور منك ليه، اتهدوا بقى"

صرخت فيهما حتى سكنت حركتهما فمال «خالد» على أذن «يونس» يهمس له بعدة كلماتٍ لم تلتقطها هي و على حين غرة فاجئها كليهما حينما انقضا عليها يدغدغانها و هي تضحك بملء شدقيها و تتوسلهما بالتوقف حتى جلس هو يلهث بقوةٍ و فعل «يونس» المثل حينما ارتمى عليه و ضربات قلبه تتصارع من فرط المجهود و الحركة، فحمله «خالد» على ذراعيه ثم دلك موضع قلبه و هو يقول بخبثٍ:

"قلبك ضعيف يا يونس، لسه لما بقرب منك قلبك بيدق، دا إحنا بقينا عِشرة عمر يا راجل"

حاولت «ريهام» كتم ضحكتها حتى أصبح وجهها باللون الأحمر ، فأضاف هو بنفس الخبث و كأنه يحدث صغيره:
"و كمان لسه بتتكسف يا يونس !! عيب يا يونس"

اقتربت منه توكزه في ذراعه و هي تقول بضجرٍ:
"بس بقى بطل رخامة، اسكت لو سمحت ياريت يعني"

أمسك هو وجهها ثم قبل وجنتها اليسرى و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"مش يمكن أنا فرحان علشان كل اللي بحبهم كويسين، و علشان فيه عيون حلوين زي عيونك بيحبوني ؟!"

ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة و كأنها مراهقة تستمع لحديثٍ معسول من حبيبها، حتى وجدته يفرد ذراعه خلفها يضمها إليه و ابنه على ذراعه الأخر أوشك على النوم، فقربهما إليه يحتويهما في كنفه يقدم لهما أمان العالم أجمع، حتى رفعت هي ذراعها تمسد على رأس ابنها و هي تبتسم له، بينما «خالد» حرك يده على رأسها يربت عليها ثم قال بهدوء:

"نامي أنتِ كمان، أنا صاحي شوية و مش هعرف أنام"

وضعت رأسها على كتفه و هي تتثاءب حتى جلس هو في المنتصف و هى على كتفه يضمها بذراعه و الذراع الأخر يحمل نسخته المصغرة في منظرٍ تطيب العين برؤيته و يفرح القلب مهما كان حزنه و فورًا تعرف البسمة طريقها للشفتين بمجرد رؤية ذلك المنظر.
_________________________

جلست «سلمى» في غرفتها تشعر بالتخبط و الحيرة، و سرعان ما أمسكت رأسها بكفيها و هي تفكر في ما هي قادمةً عليه، كلما تذكرت قرب موعد اختبارات نهاية العام و تحديد مستقبلها و مصيرها، ودت لو صرخت في وجه الجميع، نفذت طاقتها و قلت قدرتها، و فجأة أمسكت الكتاب تقذفه و هي تبكي بقوةٍ ثم جلست على الفراش تضم ركبتيها إلى جذعها العلوي و دعمت جلستها تلك حينما لفت ذارعيها على ركبتيها و اخفضت رأسها تبكي بقوةٍ و صوتٍ عالٍ تشعر بالهزيمة.

شبهت حالها في تلك اللحظة و كأنها محاربًا نفذت طاقته و أهلكت روحه، أو كأنها ماشيةً تسير على منحدرٍ ضيق المساحة بالكاد تستطع التحرك به، حتى توقفت عن الحركة في منتصف الطريق، فوقفت تنظر خلفها لتجد الطريق متهالك ولن تستطع العودة به من جديد، و كذلك نهاية الممر لم تعلم عنها شيئًا، حتى الوقوف في محلها لن يكن في صالحها، كذلك هي تلك المرحلة في الثانوية العامة من وجهة نظرها، 

استمع «محمد» لصوت بكائها فلمعت العبرات في عينيه فورًا حينها أخرج هاتفه يطلب الرقم الذي سيعاونه في ذلك، طلب رقمه و حينما وصله الرد قال له:

"انزلي يا أحمد معلش ضروري، عاوزك في حاجة مهمة"

رد عليه «أحمد» مسرعًا:
"حاضر يا عمي، ثواني و هكون عندك، متقلقش"

أغلق الهاتف مع عمه ثم خرج من الغرفة حتى وصل لصالة الشقة فوجد والديه بها، و حينها سأله «طه» بتعجبٍ:
"فيه حاجة و لا إيه يا أحمد ؟! رايح فين دلوقتي يا حبيبي؟!"

رد عليه هو يطمئنه:
"عمو محمد عاوز يسألني على حاجة يا بابا، ممكن يكون طارق هو اللي قايله، عن اذنكم"

ردت عليه والدته بنبرةٍ هادئة:
"اتفضل يا حبيبي، خير إن شاء الله"

تحرك هو من أمامهما فسألها هو بنبرةٍ متعجبة:
"تفتكري فيه حاجة ؟!"

حركت كتفيها ببساطةٍ ثم قالت:
"مش عارفة و الله يا طه، بس خير إن شاء الله متقلقش"

نزل «أحمد» لعمه بلهفةٍ فقال عمه بنبرةٍ هادئة:
"تعالى يا أحمد، تعالى يا حبيبي متخافش، أنا عاوزك ضروري"

جلس بجوار عمه و هو يسأله باهتمامٍ واضحٍ:
"معاك يا عمي، اؤمرني خير؟!"

تنفس «محمد» بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"عاوزك تكلم سلمى يا أحمد، أنا سمعتها من شوية بتعيط، أنا قلبي واكلني على بنتي، هي بترتاح لكلامك أوي، ينفع تكلمها؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"طبعًا ينفع يا عمي، من غير ما تطلب كمان، اتفضل يا عمي"

رد عليه بعدما وقف:
"طب أنا هدخل اجيبها ليك تتكلم معاها، عن اذنك"

حرك رأسه موافقًا ثم أخفض رأسه للأسفل و هو يدعك جبينه باصبعيه حتى خرجت له خلف والدها، شعر هو بها حينما مر عبيرها على أنفه فوقف مسرعًا و عينيه تتابعها حتى رفعت هي رأسها تنظر له و الاحمرار يغلف عينيها، تحدث «محمد» يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا هدخل اجيب حاجة تشربوها و انتم اتكلموا سوا، عن اذنكم"

تحرك «محمد» من المكان فتحدث «أحمد» يسألها بتعجبٍ من حالتها:
"مالك يا سلمى ؟! معيطة كدا ليه ؟! و عينك وارمة، حصل إيه لكل دا ؟!"

ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"أنا تعبت و مش قادرة أكمل، خلاص عاوزة أسيب كل حاجة و أمشي يا أحمد، عارف فيه كام حد معشم نفسه فيا ؟! عارف فيه كام حد طالب مني أرفع راسه؟! أنا مش قادرة أكمل و الله، الوقت مش مكفيني، و حاسة إني مبعملش حاجة، لا هينفع أبدأ من الأول و لا هينفع اقف مكاني متحركش و لا نافع حتى أجري علشان أشوف الطريق اخرته إيه، أنا متكتفة يا أحمد، خايفة في الأخر اطلع بوهم نفسي و خايفة انسحب ابقى اخترت أنا النهاية دي و خايفة كل دا يطلع على الفاضي"

كانت تتحدث ة دموعها تسيل على وجنتها فقال هو بنبرةٍ جامدة:
"ليه كدا ؟! ليه تخلي الشيطان يلعب كدا بدماغك يا سلمى !! أنتِ من الأول ماشية حلو و كلنا شاهدين على دا، دا أهم وقت محتاج منك طاقة و نظام، لو ضيعتي كل اللي فات علشان كلام الشيطان يبقى حرام عليكي، ليه خليتي الاحساس دا يتحكم فيكي ؟!"

ردت عليه هي بصراخٍ:
"عـلـشـان تـعـبـت خــلاص، تعبت و طاقتي خلصت، سنة واحدة زي دي بعمري اللي فات كله، ماشي أنا معاك أني بغلط و أني مينفعش أعمل كدا، قولي بقى الحل لو أنا مبدأتش من الأول، إيه الحل لو أنا معرفش حاجة أصلًا و لسه يدوبك ببدأ، قولي الحل إيه ؟!"

اقترب منها يقول بثباتٍ:
"الحل إنك تبدأي دلوقتي، و إنك تقومي تشوفي وراكي إيه، الحل إنك تضحكي على الشيطان و تطلعي طاقتك اللي مستخبية جواكي، معاكي بدل الشهر تلاتة، تقدري تقومي الدنيا من تاني، تقدري فيهم تظبطي حياتك كلها، ورقة و قلم و رتبي كل مادة واقع منك إيه فيها، شوفي نقط ضعفك و قويها، شوفي الوقت اللي فات عليكي قد إيه و خلاص فاضل قد إيه و اعرفي إنك مشيتي كل الصعب اللي في الطريق، لو كل طالب زيك كدا خاف و قرر ينسحب من الثانوية كانوا لغوها و ريحوا نفسهم، أنتِ قدها و قدود و أنا واثق فيكي، ازاي أنتِ مش واثقة في نفسك؟!"

زاغت عينيها في الفراغ و هي تقول بصوتٍ خافتٍ:
"بجد !! تفتكر كلامك صح؟!"

جاوبها هو بثباتٍ:
"طبعًا كلامي صح، لسه قدامك فرصة و اتنين و تلاتة، كل ساعة بتمر علينا بفرصة جديدة، ابدأي من جديد حتى لو لسه متعرفيش حاجة في المنهج، الفرص كتير و موجودة بس عاوزة إرادة منك، الفرصة دي تكون خلصت في حالة واحدة، لو أنتِ قاعدة في لجنة الامتحان فعلًا و معاكي الورقة، لكن قبل كدا حتى لو قبل اللجنة بساعة أنتِ لسه معاكي فرصة يا سلمى، أوعي تكوني مادة للناس تستغلها، خليكي صاحبة حلم و إرادة، أفتكري إن محدش هيدعمك طول ما أنتِ يائسة و محبطة، كله هيحبطك و يقلل منك، لكن يوم ما توصلي لهدفك و تنجحي و تكسري كل العيون اللي راهنت على فشلك، ساعتها كله هيشاور عليكي و على نجاحك، روحي يا سلمى صلي ركعتين لله و اطلبي منه يريح قلبك و يبعد عنك الشيطان"

نزلت دموعها و هي تستمع له فاقترب منها و هو يقول بنبرةٍ اهدأ من السابق:
"افتكريى إن مجهودك و تعبك دا مش هيضيع على الفاضي و إن ربنا سبحانه و تعالى قال في كتابه العزيز، قال تعالى:

"‏{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}
_صدق الله العظيم"

توقف لمدة ثانيةً ثم قال من جديد:
"ربنا مش هيضيع تعبك و لا هيخلي مجهودك يترمي على الأرض، قومي بس أنتِ و ابدأي من جديد و شوفي مصلحتك، و افتكري إن قلبك كله يقين بالله و رحمته"

ردت عليه هي بصوتٍ باكٍ:
"و نعم بالله، الحمد لله"

ابتسم هو لها ثم أضاف:
قال الله تعالى: 
وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعۡیَهُۥ سَوۡفَ یُرَىٰ ثُمَّ یُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَاۤءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ 

_"صدق الله العظيم"
من أعظم ما يريده الله منك هو السعي و ليس النتيجة وقيمة الإنسان بقدر ما سعى 
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
لم يقل ما أنجز أو ما حقق! 
وأن سعيه سوف يُرى
النجاح أن تستمرّ في السعي والإخفاق أن تتوقف، الفشل بجد إنك تسيبي كل حاجة و تمشي، و قمة النجاح في سعيك حتى لو النتيجة مش على هواكي، كفاية إنك بينك وبين نفسك عارفة انك عملتي اللي عليكي"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له و تحتويه بنظرة امتنانٍ جعلته يقول بنبرةٍ هادئة:
"مش عاوز منك شكر، عاوز منك تكوني كويسة و تشدي حيلك علشان أقدر أجيلك بقلب جامد، عاوز أشوفك ناجحة و حلمك متحقق، و كدا كدا أنا فخور بيكي من غير أي حاجة"

تحرك هو من أمامها فورًا و هي تنظر في أثره ببمسةٍ هادئة حتى شعرت بكف والدها يوضع على كتفها، حينها التفتت له تعانقه و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"أنا بحبك أوي يا بابا، بحبك أوي و يا بختي بيك"

ضمها هو بذراعيه و هو يقول:
"أنا اللي بحبك و بحبك اوي كمان، مليش غيرك بعد الاندال الكبار ما سابونا و مشيوا"

ابتسمت على جملته، فقال هو ممازحًا لها:
"يلا ياختي روحي ذاكري علشان تمشي و تسيبيني أنتِ كمان"
________________________

في صباح اليوم التالي وقف «ياسين» في غرفته يرتدي حلته الرسمية و «خديجة» خلفه تسأله بتعجبٍ:

"هو مش أنتَ قولت إن هما أدوك إجازة أسبوع ؟! رايح فين و العزومة النهاردة ؟!"

التفت هو لها يضع كلا ذراعيه على كتفيها و هو يقول:
"دا يا ستي مش مشوار شغل، بس مشوار تبع الشغل، فاهمة ؟!"

حركت رأسها نفيًا فضربها على وجنتها بخفةٍ و هو يقول:
"و إيه الجديد ؟! طول عمرك مش بتفهمي"

رفعت حاجبيها باستنكارٍ له فقال هو مسرعًا:
"قبل ما تزعلي بس، كل الحكاية يا ستي إني هروح اقابل مديري افهم منه إيه اللي حصل و أنا هشتغل ازاي بعد كدا و وضعي هيكون إيه"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت بهدوء:
"روح ربنا يجبر بخاطرك و يكرمك يا رب، ترجعلي بألف سلامة"

ابتسم لها ثم اقترب منها يقبل رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"هروح و أجي أخلص العزومة دي و بعدها أنا عاملك مفاجأة حلوة، و متسأليش علشان مش هقول حاجة"
تحرك من أمامها بسرعةٍ كبرى و هي تنظر في أثره بشكٍ و غموضٍ.

خرج من البيت ثم ركب سيارة أجرة خاصةً أنه رفض أخذ سيارته من «ياسر» تلك الفترة و بعدها توجه نحو مقر عمله، دلف الشركة وسط ترحيب زملائه و العاملين معه حتى وصل إلى مكتب «حاتم» أذنت له السكرتيرة الخاصة بالدخول، فدلف هو بثباتٍ و هيبةً استطاع هو التحلي بها تتنافىٰ مع طبعه المرح و خصاله اللينة، وقف «حاتم» يقابله مرحبًا به و هو يقول:

"آهلًا آهلًا بمشهندس ياسين، المكتب و الشركة كلها نورت من تاني، اتفضل"

جلس «ياسين» حيث موضع اشارته ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"الشركة منورة بيكم يا حاتم بيه، مش معقول هتنور بواحد زيي يدوبك مهندس لسه في بداية مشواره"

سأله بتعجبٍ من حديثه:
"ليه بتقول كدا يا أستاذ ياسين؟؟ حضرتك ما شاء الله من أكفأ المهندسين هنا، و تاريخك معانا يشهدلك بكدا"

اقترب «ياسين» من المكتب يسأله بتريثٍ:
"و هو تاريخي دا يخليكم ترموني الرمية دي ؟! يخليكم تحطوني في وش المدفع في أرض عليها مشاكل تقف بالدم بس ؟! الحل إن الموت يقابلني هناك مرتين ؟!"

رد عليه «حاتم» بثباتٍ زائفٍ:
"إيه الكلام دا يا ياسين ؟! أنتَ بتخرف و لا إيه"

رد عليه بنبرةٍ جامدة:
"أنا مبخرفش يا حاتم بيه، دي الحقيقة، مش هشام برضه هو اللي طلع قرار أني أروح مكان رأفت ؟! و المفروض إن اللي يكون مكاني هناك رئيس المشروع نفسه ؟! و مش حضرتك برضه اللي قولتلي عملنا اجتماع ؟! على العموم أنا محدش يعرف يستغلني، أدي الحاجة بمزاجي، إنما تاخدها غصب عني و تكسر عيني، أنا ممكن أكسر الدنيا كلها على دماغكم"

قبل أن ينطق «حاتم» أوقفه بإشارة منه ثم وقف و هو يقول بنبرةٍ جامدة و لهجةٍ حادة:
"خليك ماشي ورا هشام كدا علشان هو يخسر و أنتَ كمان هتخسر، أشوف وشك على خير"

خرج من المكتب بعد حديثه و منه للخارج مباشرةً حتى يعود إلى منزله.

بعد مرور ساعات من عودة «ياسين» و نومه بمفرده بعدما عاونت زوجته والدته في الطعام، حينها بدأوا الشباب يقتربون من بيته على دفعاتٍ، حيث أتى كلًا من «خالد» و «عامر» مع بعضهما ثم «ياسر» و بعدها «حسن» و «طارق» و «وئام» مع بعضهما ثم جلسوا في انتظار البقية.

جلس «رياض» وسطهم بفخرٍ و هو يقول بمرحٍ:
"شوف منظركم يفرح القلب إزاي ؟! ناقص بس وليد و أحمد و يوسف دا إن شاء الله، البيت نوره زاد و الله"

رد عليه «وئام» بنبرةٍ ضاحكة:
"البيت منور بيك يا عم رياض، ربنا يجعله عامر يا رب"

تحدث «طارق» موجهًا حديثه لـ «ياسر»:
"ألف مبروك يا ياسر، ربنا يكمل فرحتك على خير و يتربى في عزك يا رب، حسن لسه قايلي"

رد عليه هو بنبرةٍ هادئة:
"الله يبارك فيك يا طارق، تسلم يا رب و عقبالك إن شاء الله، و عقبال حسن و ياسين"

تحدث «رياض» بمرحٍ:
"أيوا أنا عاوز احفادي حواليا كدا يجننوني، عاوز حضانة حواليا"

ضحكوا عليه جميعًا فقال «عامر» بتعجبٍ:
"هو احنا مستيين مين غير وليد ؟!"

رد عليه «ياسين» مفسرًا:
"يوسف، صاحبي"

_"إيه يا روح أمك؟ يوسف مين"

"صاحبي، مالك ؟!"

أقترب منه «عامر» يمسك تلابيبه و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
"بتخوني يا ياسين ؟! بقى عندك صحاب غيري ؟! يا خسارة عشرة عمري معاك، دا أتا اكتئبت في غيابك يالا، دا أبوك و امك معملوهاش، اخرتها بتقولها في وشي صاحبي !!'

ضحكوا عليه جميعًا فقال «ياسين» بصوتٍ مهتز:
"اهدا يالا !! يخربيت دماغ اهلك، و بعدين إيه بخونك دي ؟! دي مراتي مقالتهاش ليا، ابعد يالا دماغهم هتروح في حتة مش كويسة"

رفع «عامر» صوته و هو يضغط على ثيابه و يقول:
"دا أنا هوديك حتة اللي يروح فيها ميرجعش، صبرك عليا يا ابن رياض"

اقترب منهما «حسن» يحمل «عامر» و يبعده عنه و هو يقول:
"يا عم ابعد عنه بقى، ما تشوفوا حل يا رجالة"

جلس «عامر» على المقعد و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا بقى هطفشهولك، صبرك عليا"

في الأسفل توقفت سيارة «وليد» و أمامها مباشرةً سيارةً أخرى تلتصق بها، و كلًا منهما تواجه الاخرى مقابلةً لها، رفع «وليد» حاجبه و هو يطالع ذلك الذي هبط من سيارته ثم حمل باقة الزهور و علبة الحلويات و حقيبة الهدايا على يده، نزل «وليد» من السيارة و هو يقول بنبرةٍ جامدة:

"أنتَ يا عريس ؟! عربيتك دي شوف حل فيها لما أجي اتحرك، هتحرك ازاي ؟!"

التفت الأخر خلفه ثم نظر له من جديد و هو يقول بلامبالاةٍ:
"أنتَ بتكلمني أنا يا عسل ؟!"

رفع «وليد» حاجبه و هو يقول مستنكرًا:
"عسل ؟! آه بكلمك أنتَ يا سكر، ارجع ورا شوية بعربيتك علشان لما أجي اتحرك"

حرك الأخر رأسه ينظر لوضع السيارتين ثم قال بدون اكتراث:
"عادي يعني مش شايف فيها حاجة، لما تبقى تيجي تمشي هبقى احركهالك"

أوقفه «وليد» و هو يقول منفعلًا:
"اقف عندك هنا !! هو إيه اللي لما اجي اتحرك ؟! هيفضلوا كدا كأنهم بيبوسوا بعض كتير ؟! ما تبعد العربية يا عم أنتَ"

رد عليه الأخر ببرود:
"و لو محركتهاش ؟! هات اللي عندك بقى شكلك فاضي"

رد عليه «وليد» بثباتٍ:
"لأ، هات أنتَ أخرك علشان اللي قدامك ملوش أخر يتجاب"

وضع الآخر الأشياء على مقدمة السيارة ثم أخرج سيجارته يشعلها و هو يقول ببرود:
"خلينا واقفين بقى لحد ما نشوف مين فينا هيجيب اخره"

رد عليه «وليد» بخبثٍ:
"بلاش تستفزني علشان أنا محدش وقف قصادي و سلك، حرك العربية بدل ما احركها أنا"

رفع له حاجبه ثم قال:
"طب مش محركها، وريني بقى"

غمز له «وليد» ثم قال:
"بسيطة، أحركهالك أنا"

ركب سيارته مرةً أخرى ثم شرع في تدويرها حتى يقوم بدفع السيارة الأخرى المواجهة له و تلتصق بسيارته أو يدمرها أيهما أقرب في خياله، و قبل أن يبدأ في ذلك تحرك جسد الأخر يقف أمام سيارته حتى نزل منها «وليد» خوفًا من تهوره و أن يفعل ما لا يُحمد عقباه و هو يقول بلامبالاةٍ:

"أنا نزلت علشان عندي عزومة و مش فاضيلك بصراحة، و شكلك عريس و مش عاوزك تتأخر على عروستك"

رفع الأخر صوته يقول بسخريةٍ:
"طالما أنتَ جامد كدا ابقى اتعلم ازاي تسوق، ربنا يتوب علينا من سواقة البهايم"

التفت له «وليد» يغمز له و هو يقول بثباتٍ ساخرٍ:
"البهايم أَهُم واقفين ساندين على العربية و ماسكين ورد، حاسب بقى لا تفتكره برسيم"

تحرك «وليد» من أمامه و الأخر ينظر في أثره بخبثٍ ثم رمىٰ سيجارته و أمسك الأشياء مقررًا تجاهل ذلك الفظ الغليظ لحين إشعارٍ أخر.

صعد «وليد» إلى شقة «ياسين» و هم يرحبون به حتى جلس هو وسطهم فتحدث «رياض» بمرحٍ: "كدا ناقص أحمد و يوسف"

تحدث «وليد» مسرعًا:
"أحمد احتمال يتأخر شوية علشان عنده مشوار مهم مع خلود، هو بيعتذر ليكم بس هيحاول ييجي"

تحدث «حسن» يسأله:
"هو أنتَ مالك شكلك متعصب كدا ليه ؟! حد جه جنبك ؟!"

رد عليه بنبرةٍ جامدة:
"قابلت واحد تحت حمار، عريس و إن شاء الله يترفض، أول مرة أشوف حد في نفس مستوى برودي"

ضحكوا عليه جميعًا فقال هو بقلة حيلة:
"نفس برودي بجد، إن شاء الله حماه يطلع راجل عصبي و يرفضه"

رد عليه «ياسين» بيأسٍ:
"ما تلم نفسك يالا، حرام عليك تكسر بخاطر الناس"

لوح بكفه و فجأة صدح صوت الباب فوقف «وليد» يقول بهدوء:
"هتلاقيه أحمد، هفتح أنا عن اذنكم"

اقترب من الباب يفتحه وهو يبتسم و سرعان ما تلاشت بسمته و هو يقول بغير تصديق:
"أنتَ !! بتعمل إيه هنا ؟!"

رفع «يوسف» حاجبه و هو يقول:
"هو الأستاذ بواب العمارة و لا إيه ؟! أنتَ مالك أنتَ ؟!"

اقترب منهما «ياسين» و «عامر» معه، فابتسم «ياسين» فورًا ثم اقترب منه يحتضنه، فتحدث حينها «عامر» بتعجبٍ و هو يقول:
"مين دا ؟! و كنت بتزعقله ليه؟!"

رد عليه «وليد» ساخرًا:
"دا العريس"

شهق «عامر» و هو يقول بدهشةٍ:
"إيه ؟! جاي يخطب ياسين ؟!"

وصلت الجملة إلى سمع الجميع من شدة إرتفاع صوته حتى تسمروا جميعًا في أماكنهم و كأن الطير يحلق فوق رؤوسهم.
_________________________

جلس «أحمد» في الخارج مع أخته ينتظرا حتى يأذن لهما المعلم بالدخول و قد قرر ذلك في منتصف الحصة، فدلفا سويًا و هو يمسك يد شقيقته التي دلفت معه بثباتٍ و شموخٍ و هو يسبقها في الخطوات حتى وقف بها في المنتصف أمام جميع الطلاب و المعلم الذي نظر لهما من خلف النظارة الطبية و هو يقول بتعالٍ:

"أيوا مين حضرتك ؟! المشرف قالي إن حضرتك مُصر تقابلني"

وقف «أحمد» بثباتٍ و هو يقول:
"أنا أحمد الرشيد، أخو خلود الرشيد اللي حضرتك غلط فيها و أهانتها قدام زمايلها"

رد عليه بسخريةٍ:
"آه و أنتَ بقى ولي أمرها و جاي تاخد حقها و لا جاي تتخانق؟!"

ترك كف شقيقته ثم اقترب منه يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا جاي بس أقولك إنك مدرس فاشل و حمار، لما تعاير طالبة عندك أنها أدبي و تتهمها بالفشل يبقى أنتَ اللي فاشل"

رفع المُعلم صوته و هو يقول منفعلًا في وجهه:
"احترم نفسك يا أستاذ أنتَ، و بعدين دا شغلي و أنا عارف التزم بيه، أخت حضرتك لو أنا ماكنتش عاملتها بالطريقة دي مكانتش زمانها خدت بالها من أخطائها، أنا بعمل كدا علشان تتشجع إنها تصلح من نفسها"

رد عليه «أحمد» بتهكمٍ:
"آه، نظام أضرب المربوط يخاف السايب، اسمحلي اقولك إن دا شغل بهايم، الحمير بس هي اللي بتضرب علشان تعرف الطريق، إنما الطالب عاوز تشجيع و تقدير و أنتَ ما شاء الله عليك، معندكش أي حاجة من ديه، تقوم طالبة تجاوب معاك، و لما متعرفش تسألها أنتِ إيه، فتقولك أنا ادبي، تقولها اترزعي يا فاشلة يا ساقطة، ما لازم تجاوبي غلط طبعًا"

رد عليه المعلم منفعلًا:
"أنتَ مش هتعلمني شغلي، أختك أنا طردتها من الحصة أصلًا، و ميشرفنيش إنها تاخد عندي"

رفع «أحمد» صوته و هو يقول:
"اسمع !! أنا جاي علشان أعرفك إنك متعرفش أي حاجة عن مهنة التدريس، هي مش فلوس بتدخل جيبك وخلاص . في طالب بسببك بيكتئب وبيحس انه قليل . شغل انك تجرح الطالب وتهينه عشان يغير ده شغل بهايم . الحمير بس هي اللي محتاجاه . مع ان الحيوانات برضه محتاجة رحمة. لكن لو مش هتقدر تشجع الطالب وتحترم قدراته يبقي خليك في بيتك احسن . اصلها مش ناقصة معقدين . وانا اللي ميشرفنيش ان اختي تاخد عندك

ابتسمت خلود بانتصار وهي تري اخيها يدافع عنها بتلك الطريقة امام زملائها حتي حدث ما لم يحمد عقباه وتحدث المعلم موجها حديثه لطلابه بتهكم :

اهو اتفضلو شوية طلاب فاشلين . يروحو يصيعوا ويشتغلوا اهاليهم وفي الاخر ييجوا للمدرس يغلطوا فيه . روح يا بني شوف اختك ربنا يسهلك

هجم عليه احمد بعدما دفع المقعد المقابل له .. ثم امسكه من تلابيبه يضرب رأسه بالسبورة خلفه وهو يصرخ في وجهه وفي الحال تجمعت الطلاب حولهما وخلود تحاول سحب اخيها وهي تتوسله ببكاء بينما هو استمر في ضرب المعلم وهو يقول بصوت عال :

انا هوريك بقي الطلاب الصايعين بيروحوا فين يا عديم الأدب والتربية

كان في حالة اخري وكأنه مغيب عن الواقع وكل ما يتردد علي أذنه هو تلميح ذلك الحقير عن سمعة اخته بالسوء واتهامها بالباطل فيما لم تفعله هي

تعليقات



×