رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل السادس 6 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل السادس 

لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
ارتمى بجسده إلى مقعد من الخشب على المقهى الشعبي في حيهم ، ينظر للفراغ شاردًا مشتت حائر وتر محقة ربما هي كذلك ولكن ما كان يجب أن تصرخ في وجهه بتلك الطريقة ، اعتاد على كونه القائد حتى وإن كات قائد حي صغير مثل هذا ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه يتذكر قديما كان القائد من خلف الستار لم يكن يعلم بماهيته أحد ، كان وليد الوسيم هو الواجهة اللامعة التي تخرج للنور ويبقى هو مختبئا في الظلام ، شردت عينيه للحظة يفكر فيما حدث ، يتصور مشهد مغاير ، يأخذه عقله لعدة أسئلة لا إجابة لها لديه ، ماذا أن لم يطرده أبيه من البيت ، ماذا كان سيحدث لو لم يهاجر لإيطاليا قبل سنوات ، لو لم يكن غرز نفسه بملأ إرادته في الوحل ، رفع وجهه ينظر لإنعكاس صورته في إنعكاس المتجر أمامه ، رفع يده يتحسس وجهه لأول مرة منذ سنوات يفعل وجه جبران الذي أعتاد لدرجة أنه نسي كيف كان شكل مراد من الأساس يحمل من مراد الاسم فقط ، ومن جبران الهيئة ، والشخصية التي صنعها هو وأحبها ، شخصية جبران لا تختلف كثيرا عن شخصية مراد ، جبران فقط أكثر جراءة ووقاحة وحدة ، ولكن ذلك ما كان يجب أن يكون فليس من المنطقي أن يكن تاجر للمواد المخدرة خجولا مثلا ، زفر أنفاسه يمسح وجهه بعنف ، قام من مكانه واقفا على قدميه وقبل أن يلتفت ويدخل إلى البيت سمع صوت طفل صغير يركض ناحيته يصيح سعيدا:
- بااااباااا 
وقف والتفت فرأى طفل صغير تقريبا في الثامنة يركض ناحيته احتضن ساقه ، مما جعله يعقد جبينه مستنكرا ، وقبل أن يوجه حديثه للصبي يسأله عما يقصد رأى إمرأة تهرول إليه ودون مقدمات عانقته تبكي بحرقة :
- جبران أخيرا شوفتك ، أخيرا رجعت ، حرقت قلبي سنين توسعت حدقتيه يدفع تلك السيدة بعيدًا عنه قبل أن تراه وتر يحادثها غاضبا :
- أنتِ مين يا ست أنتِ ، وإزاي تحضنيني بالشكل دا ، أنتي تعرفيني أصلا
شهقت السيدة الواقفة أمامه بعنف وضعت يدها على فمها تنزل دموعها تتمتم بحرقة :
- معقول يا جبران مش فاكرني ، مش فاكر مراتك أم ابنك ، سعد يا جبران مش فاكر سعد 
عقد جبينه وعقله لا يترجم عما تتحدث تلك السيدة حمحم يحرك رأسه للجانبين يتحدث محتدًا :
- فاكرك ايه أنا أول مرة أشوفك أصلا ، مرات وابن مين يا ست أنتِ ، اتكلي على الله شوفي طريقك أنتِ جاية ترمي بلاك ِ عليا ، أنا ناقص 
- اتحشم وكلم مرتك عدل يا واد 
نظر جبران لمن تحدث فوجد رجل كبير في السن يرتدي جلباب صعيدي ، ذكره مشهده بممثل يعرفه عقد جبينه قبل أن يقول فجاءة :
- الفنان جمال سليمان في حدائق الشيطان ، بس أنت بتعمل إيه هنا 
ولكن يبدو أن ما قال جبران أغضب الرجل كثيرا جعله يدق بعصاه الأرض بعنف يتحدث محتدًا :
- أنت اتجنيت يا جبران خلاص عيشة البندر نستك مرتك وابنك وأبوك كمان 
بعد لحظة بدأ يُدرك الكارثة التي تحدث أمامه ذلك الرجل هو والد جبران الذي ليس هو ، حمحم يحاول أن يقول شيئا يخرج به نفسه من تلك الكارثة :
- اااه حضرتك فاهم غلط أنا مش جبران ، أنا عارف إن أنا شكلي جبران بس أنا مش جبران أنا مراد ، اسمي مراد ظافر نور الدين
عقد رزق حاجبيه مستنكرًا ما يحدث وقبل أن يقول شيئا أقبل طه عليهم من ورشته يوجه حديثه لجبران يشكره على ما فعل :
- إزيك يا معلم جبران ، أنا جاي أشكرك على وقفتك جنبي وأنك ما خلتش العيال الصيع دول يأذوني ، فعلا الحارة ليها كبير واحد وهو المعلم جبران السواح 
أصفر وجه جبران يحرك رأسه للجانبين قبل أن يرفع يديه فوق رأسه ينظر لطه حانقا أغلق أسنانه يهمس محتدًا :
- متشكر أوي يا طه على المصيبة اللي أنت عملتها دي 
عقد طه جبينه لا يفهم ما الذي يقصده جبران بكلامه وقبل أن يسأله سمع صوت خشن يتحدث غاضبا :
- أنت بتضحك علينا يا واد ، بتتنكر من أهلك وناسك إنت خلاص اتدبيت في نافوخك ، اركب معايا العربية بدل ما أخلي الرجالة تكومك جواها 
انتفض جبران يحرك رأسه للجانبين يعلو بصوته يتحدث غاضبا :
-تكوم مين يا عم أنت ، أنت فاكرني عيل صايص ولا إيه ،دا أنا ارحل رجالتك على نقالة 
أنا مش زفت جبران أنا اسمي مراد ومش هروح معاكوا في حتة 
تحدث السيدة الواقفة جانبا تترجاه أن يستمع إلى ما يقول أبيه :
- عشان خاطر سعد يا جبران اسمع كلام عم رزق 
نظر جبران لها حانقا قبل أن يعلو بصوته يصيح فيها :
- ما تسكتي أنتي كمان وابعدي الواد ابنك دا عني بدل ما هو قافش في رجلي زي القراضة كدة 
هنا غضب رزق حتى أحمر وجهه ، أشار بيده ليخرج من سيارة جانبية عدة رجال أقوياء البنية أشداء يتوجهون جميعا ناحية جبران ، أقترب طه من جبران سريعا يغمغم :
- أنا جنبك يا معلم مش هخلي حد يأذيك 
في اللحظة التالية خرج عدة رجال من ورشة النجارة الصغيرة التي لاتزال تابعة لجبران وبدأ ينشب الشجار ، ولكن مع تجمع عدد أكبر من رجال الحي يدافعون عن القائد الذي أنقذهم صباحا من بلطجي حاول سرقة أموالهم، أصبح الأمر على رجال رزق كمعركة دامية لن ينجحوا فيها ، أقترب أحد الرجال من جبران غاضبا مما فعل يُمسك في يده قطعة زجاج منكسرة كاد أن يهبط بها على ظهره ولكن طه وقف أمامه سريعا ، يُمسك بقطعة الزجاج بقوة أحمر وجهه من الألم والزجاج يغوص بعنف في لحم كفه دفع الرجل بعيدا يركله في صدره ليسقطه أرضا ويتولى أحد الرجال ضربه 
انتهت المعركة حين صدحت رزق بصوته يتوعد جبران :
- اللي عملته دا ما هيعديش بالساهل يا ولدي حسابك هيبقى عسير ، ارجعكوا كلكوا على العربيات ، يلا يا أمنية هاتي ولدك وتعالي 
تحركت أمنية صوب جبران نظرت لعينيه بحسرة وألم قبل أن تنحي تحمل الصغير الذي تمسك بساق جبران رافضا تركه يبكي بحرقة :
- بابا ، لاء بابا 
أشفق جبران على الصبي الصغير ولكنه لا يعرفه ، عليه أن يبلغهم بتلك الكارثة التي جدت ، نظر للصغير الذي تحمله والدته يبكي يركل بقدميه يشير له بيديه يردد كلمة بابا ، وكأنه يترجاه أن يذهب إليه ، ابتلع غصته يشيح بوجهه بعيدا ، وقعت عينيه على طه توسعت حدقتيه حين رأى الدماء تغطي كفه 
نظر إليه يغمغم مفزوعا :
- يا نهار أبيض دا أنت هتتصفى ، تعالا معايا بسرعة الصيدلية الدكتور يخيطها 
ولكن تحدث أحد الرجال يوجه حديثه لجبران :
- الصيدلية قافلة النهاردة يا معلم ، نوديه المستشفى
كاد أن يوافق على الحل ولكنه تذكر وتر ، وتر يمكنها مساعدتهم ، وتر تعرف جيدا كيف تَخيط جرحه ، أسنده يتوجه به صوب عمارته يغمغم  سريعا :
- اطلع معايا وتر هتعرف تخيطلك الجرح
بالأعلى كانت وتر تنظر لما يحدث مصعوقة لا تصدق ما يحدث أمام عينيها ، الأمر بلقطة من فيلم خيال علمي ، انتبهت فجاءة على صوت رنين هاتفها وحين نظرت لاسم المتصل توسعت حدقتيها حين رأت رقم (داغر) فتحت الخط تجيب سريعا :
- مساء الخير ، دكتور داغر خير يا دكتور 
سمعت صوته صاحب البحة المميزة وهو يسألها :
- وتر أنتِ كويسة ، في حاجة في البيت ولا إيه ؟ كان شكلك قلقان أوي وأنتِ ماشية
ابتسمت شعرت في اللحظة التي شعرت من صوته أنه قلق عليها أنه أبيها حين كان يسألها قلقا لما تغيرت ابتسامتها تنهدت تقول :
- كنت قلقانة على كايلا ، بس الحمد لله طلعت كويسة ما فيش حاجة وأنا اللي قلقت زيادة 
أنا متشكرة بجد يا دكتور لسؤال حضرتك
وسمعت منه ما جعل دقات قلبها تتقازف حين تبدلت نبرة صوته لأخرى دافئة يقول :
- ما تقوليش كدة يا وتر أنتِ زي بنتي ، من أول ما شوفتك وأنا حاسس أنك شبهي عنيدة وطموحة ومحبة للحياة ، فحقيقي شرف ليا تكوني بنتي يا وتر 
أدمعت عينيها وضعت يدها على فمها تمنع نفسها من الانخراط في البكاء ارتعش صوتها وهي تخبره :
- الشرف ليا أنا يا دكتور داغر والله 
أغلقت معه الخط وقبل أن تعد للشرفة لترى ما حدث سمعت الباب يدق توجهت تفتح رأت داغر يدخل يُسند طه يوجه حديثه لها :
- وتر أنتِ خيطتلي الجرح قبل كدة لما اتعورت من المنشار 
حركت رأسها سريعا ، هرعت للداخل تجلب علبة الإسعافات سمعت صوت خفيض يهمس من غرفة ابنتهم عقدت جبينها قلقة تحركت إلى الباب مدت يدها كادت أن تفتح الباب حين سمعت صوت جبران يصدح من الخارج :
- يلا يا وتر الواد دمه هيتصفى 
تركت المقبض وتحركت للخارج تهرول وصلت إليهم جذبت مقعد تجلس أمام طه عمقت جرح يده جيدا ، نظر طه لجرح كف يده يتفحصه بيده الأخرى يشعر بالدوار أثر ما حدث ، رفع وجهه لوتر يتحدث متعبا :
- عايز 3 غرز بس 
اومأت وتر برأسها توافق ما قال طه بدأت تخيط له الجرح وهو يتألم فلم يكن هناك مخدر انتهت وتر من الجرح وثم هبت واقفة تقول سريعا :
- أنا هقوم أجبلك عصير شكلك هيغمي عليك 
وتحركت سريعا للداخل أول ما فعلت أنها فتحت باب غرفة كايلا فرأتها تجلس أرضا تلعب بالعرائس تتحدث معهم ابتسمت تتنفس الصعداء ، الصغيرة تلعب بالعرائس وهي كانت تتوهم ، ابتسمت الصغيرة ترفع يدها تلوح لوالدتها قبل أن تتسع حدقتيها تصيح فرحة :
-توتي 
وهرعت تركض للخارج ارتمت بين أحضان طه 
تنظر ليده المصابة المتلفة بشاش أبيض تصيح مذعورة:
- توتي أنت متعول ، كدة مش هنتجوز 
ضحك طه في حين تحرك جبران إليها يقبض على تلابيب ثيابها يحملها عقد حاجبيه يغمغم :
- يا أوزعة يا شبر إلا قطعة 
ركلت كايلا بقدميها إلى أن أفلتها جبران فنزلت تهرول ناحية طه تعانقه من جديد تتعلق برقبته تصيح غاضبة :
- جوجي وحش ، كوكي هتحب توتي بس ، أنت حُماية وحش
عقد جبران جبينه مستنكرا الكلمة نظر لطه الذي حاول إلا يضحك حمحم يقول :
- تقريبا قصدها حما ، ما أنت دلوقتي في مقام حمايا 
قالها وضحك ليحرك جبران رأسه يائسا دخلت وتر تحمل أكواب العصير هرعت كايلا تأخذ أحد الأكواب تحمله بحذر تقربه من فم طه تقول سعيدة :
- اشب يا توتي عصيل ماما حلو أوي
عقد جبران حاجبيه يغمغم محتدًا :
- ناقص بس فقرة تبديل الشوك وأسماء الله الحسنى لهشام عباس ، خدي بنتك يا وتر بدل ما أؤدها وهيبقى حلال
ضحكت وتر بخفة رغم أنها غاضبة للغاية منه حملت الصغيرة تدخل بها لغرفتها لينظر طه لجبران يسأله مرتابًا :
- هو إيه اللي حصل تحت دا يا معلم ، مين الناس دول ، وفعلا دول أهلك 
تنهد جبران يحرك رأسه للجانبين ربت على كتف طه يتمتم حائرا :
- الموضوع كبير أوي يا طه ، ما تشغلش بالك أنت أنا هتصرف ، اشرب العصير 
ومن ثم قرر تبديل دفة الحديث لأخرى أكثر إشراقًا :
- قولي صحيح ياض يا طه أنت بقالك معانا سنة ، إيه مش حاطط عينك على حد معين أجي معاك نخطبلك ، أنا اللي خاطب للواد حسن 
ابتسم طه وشردت عينيه مع عصير الفراظولة في الكوب يتذكر شعر صبا رأى منه خصلة ذات مرة من خلف حجابها ، لونه أحمر قاني 
رفع وجهه إلى جبران يحرك رأسه للجانبين ابتسم يردف شاردًا :
- لسه بدري يا معلم جبران  ، أنا ما بفكرش في الموضوع دا دلوقتي خالص 
بعد عدة دقائق استأذن طه وغادر تحرك جبران إلى غرفته قبل أن يجد هاتفه يدق ابتسم ما أن رأى اسم المتصل فتح الخط يجيب سريعا :
- إيه يا عم بيجاد فينك غايب وقايل عدولي 
ايه يا عم ما وشحتكش القاهرة ونيلها 
صمت لعدة لحظات يستمع إلى ما يقول صديقه قبل أن يضحك يردف :
- ماشي يا عم المهم ، سلمي لي على الواد ريان ، ترجع بالسلامة بإذن الله ، مع السلامة 
أغلق معه يرتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة ، اختفت حين تذكر الكارثة التي لاحت في الأفق مؤخرًا ، عليه أن يُبلغ الإدارة بما حدث وسيفعل 
دخل غرفته فوجد وتر تقف في انتظاره فتحت ذراعيها على اتساعهما تغمغم ساخرة :
- أهلا أهلا بجوز الإتنين ، مش اسمها أمنية بردوا جميل اسم أمنية يا معلم ، ما جبتش ابنك يتعرف على أخته ليه 
زفر جبران حانقا يمسح وجهه بكف يده يردد ساخرا :
- أنتِ عبيطة يا وتر ، دي مرات جبران مش أنا ، جبران مش مراد 
كانت لحظة إدراك متأخرة جعلت حدقتي وتر تتسع ذهولا شهقت تتمتم مصعوقة مما تسمعه اقتربت منه تمسط بذراعيه تردف :
- طب وهتعمل أيه ، الراجل دا شكله مخيف أصلا
رفع يده يزيح يديها عن ذراعيه رافضا قربها منها أولاها ظهره يتحدث ساخرًا :
- أنا هتصرف ما تشغليش بالك ، بتاع الحارة هيعرف يحلها ، تصبحي على خير
توسعت حدقتيها حين رأته يخرج من الغرفة تتمتم سريعا :
- أنت رايح فين هو أنت مش هتنام هنا 
حرك رأسه للجانبين قبل أن يتحرك للخارج تهاوت جالسة على سطح الفراش تقضم أظافرها متوترة جبران تضايق لأنها صرخت في وجهه ولها كامل الحق كاد قلبها يتوقف خوفا حين أخبرتها كايلا بما فعل ، وفكرة أن ابنتهم وهو يضرب رجل بتلك الطريقة الوحشية أفقدتها عقلها ، خرجت إلى الصالة فرأت جبران يقف في الشرفة يدخن ، أرادت أن تذهب إليه وتعتذر له عما فعلت ، ولكنها توقفت لا تعرف لما ولكن صوت داغر دق في رأسها وكأنه يمنعها من فعل ذلك ، نظرت إلى جبران غاضبة مقتنعة تمام الاقتناع أنها لم تُخطئ 
____________
في تمام التاسعة ليلا تقريبا توقفت سيارة حسن أسفل منزل والدة أمل زم حسن شفتيه يوجه حديثه لأمل يتمتم حانقا :
- خدي بالك أنا جيت معاكِ عشان وعدتيني تجيبلي اللانش بوكس اللي أنا عايزه ، عارفة لو طلعتي بتضحكي عليا أنا عقلي أصغر من عقل عيل صغير هفضحك 
ضحكت أمل تقرص خده بخفة تغمغم عابثة :
- من عينيا يا حسونة يا صغنن أنت
عقد حسن جبينه مستنكرًا مزحتها السخيفة ، نظر خلفه فوقعت عينيه على جبران يقف في الشرفة ينظر إليه يضحك ما كاد يخرج يده من النافذة المجاورة له يلوح له يخبره أنه قادم إليه دق هاتفه والاسم الذي رآه جعله ينتفض يفتح الخط يجيب سريعا :
- ايوة يا افندم تحت امرك 
سمع الطرف الآخر يتحدث غاضبا :
- حسن اطلع من الحارة حالا ، ما تنزلش من العربية ولا تروح لجبران ولا تطلع لحماتك في ثانية يا حسن تبقى برة الحارة وتبعد عن المكان خالص
لم يكن الأمر يحتاج للتكرار في نفس اللحظة كان حسن يدير محرك السيارة يخرج بها من المكان بأكمله تحت صرخات أمل الغاضبة مما يفعل :
- حسن استنى يا حسن ، حسن أنت بتجري كدة ليه حصل ايه ، يا حسن إحنا ما طلعناش لماما أنت بتتلكك صح 
ولكن حسن لم يستمع لما قالت ، ظل يتحرك مسرعا إلى أن ابتعد تماما هنا توقف بالسيارة لف رأسه لأمل يتحدث :
- دي أوامر يا أمل ، سيادة اللوا بنفسه كلمني وقالي ابقى برة الحارة في ثانية ، أكيد في حاجة كبيرة ، معنى كدة أنهم مراقبين الحارة ، معنى كدة أن في مصيبة جديدة ولا قديمة بقى أنا مش فاهم حاجة 
تعجبت أمل مما قال وقبل أن تسأله عن شيء دُق هاتفه من جديد ورأته يفتح الخط يجيب سريعا :
- ايوة يا افندم
أنصت بتركيز إلى ما يقول قبل أن تتسع حدقتيه شيئا فشيء ابتلع لعابه متوترًا يتمتم مرتبكا :
- ايوة يا افندم بس جبران بنيته مش ضعيفة عشان أعرف أعمل كدة 
حمحم ينتفض في مقعده يبدو أن الطرف الآخر صرخ فيه حرك رأسه مرة بعد أخرى يغمغم متوترًا :
- حاضر يا افندم ، تحت أمرك
وأغلق الخط ينظر لأمل متوترا قلقا ، شعرت بالخوف عليه من نظراته فقط ،ما الذي طلبه منه ذلك الرجل وما علاقة جبران به ؟!
____________
في صباح اليوم التالي باكرًا في منزل زياد ترى حياة جالسة أمام شاشة التلفاز تتابع عينيها الأخبار عن كثب تتمنى في كل لحظة أن تسمع خبر القبض على وليد 
أما بالأعلى كان زياد يغط في النوم عقله يصور له أحلام غريبة ومشاهد سيئة تتكرر يعلوها مشهد حورية حين كانت جالسة أرضا وساقها العارية ، انتفض يستيقظ جبينه يتفصد عرقا يستغفر مرارًا وتكرارًا :
- استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ، ايه دا بس 
انتفض حين سمع حياة تصرخ ، هرع يركض لأسفل ظنا منه أن وليد هنا ، ولكنه رأى حياة تصرخ سعيدة تقفز فرحة أمام التلفاز عقد جبينه ينزل الدراجات الفاصلة لأسفل ، ينظر لشاشة التلفاز فرأى مذيعة تذيع خبر عاجل:
« قامت قوات الشرطة المصرية صباح اليوم بمطاردة المجرم الهارب وليد التهامي ومحاصرته عند خليج السويس ، والجدير بالذكر أن أحد أفراد الشرطة أطلق النار عليه وأصابه بالرصاص وسقط جثمانه في الخليج وتواصل قوات الشرطة البحث عنه لإخراج جثمانه » 
انتهى الخبر ، وانتهى الكابوس معه وليد مات ، تلك المرة ذهب دون عودة ، أخيرا الكابوس الذي ظل يؤرقها سنوات مات ، هرعت ناحية زياد تعانقه تصرخ سعيدة :
- مات يا زياد ، الكابوس خلاص اختفى 
ابتسم زياد يلف ذراعيه حولها يعانقها اخفى وجهه في تجويف عنقها يتمتم :
- أنا بجد سعيد عشان شايفك فرحانة ، رغم أني كنت مستحيل أخليه يقرب منك أبدا سواء عايش ولا لاء ، كدة أنا ممكن أروح الشغل صح 
ابتعدت حياة عنه تحرك رأسها لأعلى وأسفل تتحدث سعيدة :
- ايوة ، هحضرلك كل الأكل اللي بتحبه على ما ترجع 
ابتسم يبسط كفه على وجنتها برفق يشعر بغصة تخنق قلبه ، حياة لاقت الكثير من ذلك الوغد ، حتى أصبح خبر موته وكأنه عيد على نفسها ، مال يقبل جبينها يهمس :
- مش هتأخر عليكِ خلي بالك من نفسك ، أنا بحبك أوي 
صعد لأعلى اغتسل وبدل ثيابه وقف أمام المرآة يمشط خصلات شعره ، شردت عينيه للحظة فتبدلت الصورة أمامه في المرآة لصورة حورية نفض الصورة عن رأسه يبتلع لعابه يشعر بالاختناق مما بات يسيطر على تفكيره
نزل لأسفل فرأى حياة تهرول إليه بيدها حقيبة صغيرة تقول سريعا :
- عملتلك سندوتشات عشان ما لحقتش اعملك فطار ما تتأخرش هتوحشني
ابتسم لها مال ناحيتها يود أن يقبلها لتبتعد عنه متوترة حمحمت تهمس مرتبكة :
- لما ترجع يا زياد مش دلوقتي 
حاول ألا يظهر غاضبا ابتسم يأخذ منها الطعام وخرج في الممشى الصغير قبل البوابة رأى حورية تتحرك بخطى بطيئة عرجاء ناحية البيت ، ابتسمت ما أن رأته تردف :
- صباح الخير يا زياد باشا 
شملها بنظرة سريعة قبل أن يوجه تركيزه إلى ساقها يتمتم :
- لو أنتِ تعبانة روحي 
حركت رأسها للجانبين تبتسم تقول سعيدة :
- لاء أبدا أنا كويسة ، متشكرة أوي عشان قلقان عليا
ما الذي تهذي به حقا !! ، عقد جبينه مستنكرا جملتها انتفض حين وضعت إبهامها على ذقنه بالقرب من شفتيه تحركه ببطء عقد جبينه غاضبا ، قبل أن يصرخ فيها قالت سريعا :
- كان في بقعة هنا ، والباشا لازم يخرج بيبرق 
توترت مما قالت ، انحشر الكلام في منتصف حلقه لا يجد ما يقوله تنهد حانقا منها ومن نفسه ومن رفض حياة له الذي جعل فتاة كهذه تتلاعب بعقله ، تركها وتحرك بخطى سريعة إلى سيارته ، فابتسمت حورية في خبث ذلك الوسيم لن يُفلت من تحت يديها أبدا 
____________
في الصباح الباكر أستيقظ جبران في صالة المنزل على رنين هاتفه المتكرر ، بالكاد فتح عينيه ، لا يتذكر متى غفى حتى ، نظر لاسم المتصل ليجد اسم ( حسن ) فتح الخط يتحدث ساخرا :
- أهلا بالواطي ، جريت إمبارح بالعربية أول ما شوفتي ، دلوقتي بتتصل تصلح غلطتك 
ولكنه سمع صوت حسن يتحدث متوترا :
- جبران أنا واقع في مصيبة الحقني ، أنا هروح في ستين داهية وهتفصل من الشغل واحتمال اتحبس كمان 
انتفض جبران يقبض على الهاتف في يده يصيح فيه غاضبا :
- عملت إيه الله يخربيتك ، يا إبني إحنا ما صدقنا اترقيت ، اديني العنوان أنا جايلك حالا
أخبره حسن بالعنوان وأغلق الخط ، جل ما استطاع فعله سريعا هو أنه بدل قميصه بآخر وجده على أحد مقاعد الطاولة ونزل يركض إلى أسفل ، خرج إلى الطريق الرئيسي يُوقف سيارة أجرة يخبره بالعنوان ، حاول الإتصال بحسن بعد ذلك ولكن الهاتف مغلق ، بعد نصف ساعة تقريبا وصل للعنوان ونزل يركض ولم يعطي للسائق نقوده ،والسائق لم يطالب بأجرته !! ، تحرك من شارع لآخر يغوص بين المباني إلى أن وصل للجراش القديم الذي أخبره عنه حسن دخل ينادي باسمه بعلو صوته :
- حسن أنت فين يا زفت ، هببت ايه قولي وهنحلها ضربت واحد وطلع ابن حد مهم ، شتمت اللوا بتاعك طيب ، يا إبني إنت فين رد عليا هتشلني ، ااااه
تأوه متألما سقط أرضا على اصطدم شيئا صلب برأسه من الخلف زاغت عينيه قبل أن يفقد الوعى رأى حذاء رجل يقف أمامه و لكنه فقد الوعي قبل أن يبصره كاملا 
مر كم من الوقت لايعلم ولكنه أستيقظ فجاءة على رائحة قوية تجتاح أنفه ورأى حسن أمامه ينظر إليه قلقا ، اعتدل جبران جالسا يتأوه من الألم وضع يده على رأسه ينظر أرضا فلمحت عينيه نفس الحذاء إذا حسن الوغد هو من صدمه على رأسه ، رفع وجهه إليه قبل أن يقف يحاول أن يتوازن قبض على تلابيب ثيابه :
- آه يا كلب بتغدر بيا يا حسن ، بقى أنا جايلك جري وأنت اللي تخبطني على رأسي ، عملت كدة ليه بدل ما أزفك هنا ، وإحنا فين هنا أصلا ، بعتني بكام يا عشري خمسة باكو يعملوا ايه دلوقتي يا واطي وأنت على قلبك فلوس قد كدة
ضحك حسن رغما عنه مما يقول جبران قبل أن يُمسك يديه بخفة ينزلهم يقول ضاحكا :
- يا عم اهدى دي أوامر عليا كان لازم نبعدك عن الحارة وعن الناس اللي بتراقبك فيها 
جعد جبران جبينه مستنكرا ما يسمع يتحدث محتدًا :
- يعني إيه الكلام دا ناس مين اللي بتراقبني 
وقبل أن يُجيب حسن فُتح الباب ودخل اللواء ، اعتدل حسن في وقفته يؤدي التحية ، حين دخل اللواء أغلق الباب وأول ما فعله أنه نزع رابطة عنقه يلقيها بعيدا يتحدث متذمرًا :
- والله يا ابني بقالنا أكتر من 25 متجوزين ، هي عارفة أن الجرفتات بتخنقني بس لازم كل يوم تقف تربطلي الجرافتة ، ما علينا دي مشاكل عائلية ، اقعد يا جبران وأنا هفهمك كل حاجة 
تحرك يجلس خلف المكتب في حين جلس جبران وأمامه حسن على المقاعد أمام المكتب ، تحدث اللواء يوجه حديثه لجبران :
- أنا قولت لحسن يخرج من الحارة امبارح ، وأنا اللي قولتله يخرجك من الحارة ويوديك الجراش دا ، عشان نعرف نقطع على الناس اللي بتراقبك وما يعرفوش أنك جاي هنا ، وما يعرفوش بردوا أن حسن شغال في البوليس 
إحنا لسه عايزين صورة المعلم جبران وحسن الصبي بتاعه
عقد جبران جبينه لا يفهم ما يحدث ، حين فتح اللواء ملف أمامه يدفعه ناحية جبران ، رأى جبران في الملف صورة للرجل الذي من المفترض أن يكن أبيه وقبل أن يقرأ ما تحتها بدأ الرجل يتحدث :
- المعلم رزق حامد السواح ، أبوك يا معلم جبران أكبر تاجر مواشي في الصعيد كله بس دا الظاهر ، إنما الحقيقي رزق السواح أكبر تاجر آثار وسلاح في الصعيد ، وأنت خرجت عن طوع أبوك لما سافرت وقررت تبقى تاجر حشيش 
النظرة على وجه جبران جعلت حسن ينفجر في الضحك قبل أن يغمغم ساخرا :
- إزاي يا ولد تخرج عن طوع أبوك وتسيب الآثار والسلاح وتتاجر في الحشيش ، ابن عاق صحيح ، شكل كلمة عقوق 
نظر اللواء إلى حسن يعقد ذراعيه أمامه :
- أقولك حاجة يا حسن مش هتصدقها ، رزق السواح كان عنده أخ صغير اسمه طاهر ، طاهر دا كان على طول هاجج ما بيحبش عيشة الصعيد ، وفي مرة شاف بنت جميلة يحبها وقلبه دق ليها وهي كمان ، بس مشكلة البنت دي إن أبوها كان غني أوي وراجل صاحب نفوذ ، وزي أي قصة حب جميلة هرب البطل والبطلة ولكن أبو البطلة لقاهم وقتل البطل وخد بنته حبسها وباقي التفاصيل أنت أدرى بيها، دي المعلومات اللي قدرت أوصلها ، يعني طاهر دا يعتبر جوز أختك اللي ماتت
هنا انتفض حسن وأصفر وجهه وتصارعت دقات قلبه وشعر برجفة زلزلت كيانه ، لم تكن شقيقته من ماتت بل كانت والدته ، وكان ذلك الرجل الذي يتحدث عنه أبيه !!
تعليقات



×