رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع والستون 69 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع والستون بقلم سهام صادق


ارتخت يديها على سياج سور الشرفة الصغيرة وتوقفت عيناها عن ذرف الدموع عندما وجدت إحدى سيارات الأجرة الخاصة بهذه المدينة تقف أمام بوابة المنزل.


 أخذ قلبها ينبض بعنف وابتعلت لُعابها بترقب وهي تنتظر أن تعرف هوية من بداخل السيارة. 


انشق ثغرها بإبتسامة واسعة وهي تراه يترجل من تلك السيارة. تعلقت عيناها به بلهفه وبصوت خافت مهزوز هتفت باسمه. 


_ "عزيز". 


أخذت "ليلى" درجات الدرج ركضًا لتتعرقل عند أخر درجة وتسقط على إحدى ركبتيها. 


هَـز قلبه مشهد وقوعها الذي أتى بنفس اللحظة التي فتح فيها "عزيز" باب المنزل. 


_ "عزيز".

 

تمتمت بها وقد عادت الدموع تعرف طريقه على خديها؛ فأسرع "عزيز" إليها بهلع يجتذبها برفق ويضمها إلى صدره. 


_ أسف، والله أسف، غصب عني..غصب عني صدقيني. 


قالها وهو يشدد من ضمها إلى صدره تارة وتارة أخرى يُبعدها عنه حتى يحتضن وجهها بكفوف يديه ويمسح دموعها. 


_ أنت كنت فين، أنا خوفت عليك أوي... كنت بفكر اطلع الشارع ادور عليك.. قولي طيب أنت كويس. 


خرج صوتها متقطعًا مهزوزًا ثم ارتمت على صدره تحتضنه بقوه. 


_  قلبي كان هيقف من القلق عليك. 


أغدقته بمشاعر وكلمات جعلته يشعر بالخزي من نفسه، هو خرج من المنزل هربًا من ماضي يخشى أن يعيشه معها، تركها ليعيد ثبات نفسه وهي تقف الآن بين ذراعيه تمنحه سلامًا لا يعيشه إلا في حضنها. 


_ حقك عليا يا حبيبتي بعد كده مش هخرج غير معاكي. 


وأردف بمزاح جاهد بكل قوته أن يظهر في نبرة صوته. 


_  لو كنتي معايا مكنش قطيع الفيلة هجموا عليا.

 

انفلتت شهقة قوية منها وابتعدت عنه تنظر إليه بهلع. 


_ اتعورت فين طيب؟ 


ورغم الوهن الشديد الذي يسيطر عليه إلا أنه كان بحاجة إلى كل ما تمنحه إليه بسخاء. 


_ ارفع وشك يا "عزيز". 


بدأت تتفحص وجهه تحت نظرات عيناه العاشقه وقد ترك نفسه إليها. 


_ إيه بقعة الدم دي، أنت متعور في كتفك؟ 


قالتها بفزع، فنظر إليها ثم إلى بقعة الدماء وقبل أن يخبرها أنها ليست دمائه، أسرعت بفك أزرار قميصه وهي تقول: 


_ أنا قلبي كان حاسس إن فيك حاجه وأنت واقف تهزر يا "عزيز". 


لهفتها لرؤية جرح كتفه المَزْعُوم ألجمته عن أي حديث أراد قوله، سحبت قميصه برفق حتى لا تؤذيه لتتسع ابتسامته. 


_"ليلى" اهدي، مفيش حاجه حصلت ليا. 


_ طيب والدم ده جاي من إيه؟

 

غمغمت بها وهي تدور حوله، فتنهد بقلة حيله ثم أمسك يدها حتى تتوقف عن فحص كتفيه. 


_ يا حبيبتي والله ما فيا حاجه، الدم ده مش ليا... هحكيلك كل حاجه بس خليني اقدر اخد نفسي وارتاح شويه اليوم كان طويل ومرهق.

 

حدقته بنظرة قلقه ليرفع كفيه ويحركهما ببطء على خديها. 


_ أنت بجد كويس يا "عزيز"، مش بتضحك عليا. 


_ صدقيني أنا بخير يا "ليلى" لكن مادام شايف قلقك، فأنا هستغل النقطه دي كويس كل ما احب ادلع عليكي. 


ابتسمت ثم رفعت رأسها إليه وشَبَّت على قدميها لتمرر كفوف يديها على وجهه.


_ "ليلى" هو أنتِ طلعتيلي منين!

 

قالها بصوت متحشرج لتنظر إليه بنظرتها التي دائمًا تحمل دفئًا. 


_ طلعتلك من كتاب الأساطير.

 

وابتعدت عنه حتى تنفض خُصلات شعرها حولها، فضحك بصوت خافت. 


_ شوفت أنا طالعه من الأساطير إزاي. 


رؤيتها بتلك الفتنة المهلكة افقدته عقله ليجتذبها إليه مرتشفًا ذلك الرحيق الذي يتقطر من شفتيها. 


_ "عزيز" أنت تعبان خليني اساعدك. 


خرج صوتها متهدجًا وهي تنظر في عينيه، إنها تسلبه عقله بكلمات بسيطه منها، كلمات ربما يتغافل عنها عقله في صراعً مظلم لكنها توقظ قلبه.


ابتسم وهو يراها تحيط خصره بذراعها وكأنه لا يستطيع السير...


 تحرك معها بضعة خُطوات ثم توقف عند درجة الدرج التي سقطت عليها. 


_ رجلك يا "ليلى"، أنتِ وقعتي على ركبتك. 


ورغم شعورها بآلم ركبتها اليُسرى إلا أنها ابتسمت. 


_ ديه مجرد واقعه بسيطه.

 

لم يكن يتخيل أنه سيتدلال يومًا وكأنه طفلًا صغيرًا، بالصباح يُغادر هربًا من حضنها والآن جميع همومه تتلاشى من مجرد لمسة وكلمة منها. 


نظرة خجلة التمعت بعينيها عندما وجدته يُغادر الحمام ثم أطرقت رأسها لتتسع ابتسامته. ألقى المنشفة التي أخذ يجفف بها خُصلات شعره المبتلة ثم اقترب منها ملتقطًا طرف مئزرها الذي ارتدته للتو. 


_ تعرفي إن كل تعبي راح دلوقتي، أنتِ حظي من الدنيا يا "ليلى".

 

حاوطها بذراعيه لترفرف بأهدابها داخل حضنه وقد ضاع خجلها الذي سيطر عليها منذ اللحظة التي التقط يدها التي تحمل له ملابسه النظيفة وأغلق باب الحمام عليهم. 


تحركت معه نحو الفراش ليتسطح عليه هو أولًا ثم جلست جواره ومن نظرتها له فهم أنها تتردد في سؤاله عما حدث معه طيلة النهار و عن سبب وجود بقعة الدماء على قميصه. 


مد يده إليها حتى تستلقي جواره وسُرعان ما كان يجتذبها إلى حضنه ويضع رأسها على صدره.


_ حصلت حادثه على الطريق.. 


انتفضت من جوارها بخوف فور أن اخترقت أذنيها كلمة حادث. 


_ "ليلى"  أنا أهو جانبك وبخير. 


وقبل أن تتساءَل أخذ يُخبرها بتفاصيل الحادث الذي حدث لطفل صغير ووالدته. 


هذه المرة لطمت صدرها بعدما ابتعدت عنه وبدأ عقلها لا يستوعب كل ما حدث معه منذ الصباح. 


_ شرطة وحبس كمان، لأ يا "عزيز" خلينا نمشي من هنا..


اجتذبت ذراعه حتى تنهضه، فالأمر وصل إلى جريمة تم التحقيق فيها ولولا رحمة الله به وإفاقه الأم لتبرأته لكان قضى ليلته بمركز الشرطة وربما امتد إحتجازه لأيام.


_  الموضوع اتحل الحمدلله والست كانت عارفه صاحب العربيه اللي خبطها. 


عاد "عزيز" يستلقى على الفراش بعدما حرر ذراعه من قبضة يدها وأردف. 


_ للأسف طلع طليقها، مش عارف جاله قلب إزاي يخبط ام ابنه وابنه بالعربية.

 

بنبرة صوت مرتعشة هتفت. 


_"عزيز" خلينا نمشي. 


قالتها عندما اقتربت منه مجددًا ليغلق عينيه قائلًا:


_ ونضيع رحلتنا، دي مقدرات امور يا "ليلى" بنتعلم منها.

 

وبمزاح تمتم قبل أن يغلبه النُعاس. 


_ قربي خليني أنام في حضنك، ده أنا من زمان أوي محدش عاملني وكأني طفل صغير... تعرفي "سالم" بس اللي كان بيعمل معايا كده.. كان أبويا مش اخويا بس. 


أسرعت لتلبي طلبه وقد هَـز قلبها بتصريحه.


ثَقُلت أجفانها رغمًا عنها حتى أنها كادت أن تستسلم للنوم لتنفض ذلك النُعاس الذي سيطر عليها فجأة ثم نظرت إليه وتساءَلت، هل كعكتها الصغيرة ستُسعده. 


جهزت صنية الطعام والكعكة الصغيرة وعصير بارد من ثمرة الفاكهة المفضله إليه لتنظر إلى ما أعدته برضى. 

وقفت مكانها قبل أن تدخل غرفة النوم التي أحاطها الظلام ثم وضعت الصنية بأقرب مكان أمامها وأسرعت بهندمة ثوبها القصير ولأول مرة تشكر "نارڤين" داخلها على إهدائها لثوب كهذا.


همس خافت تسلل إلى أذنين "عزيز" ودون أن يفتح عينيه غمغم. 


_ إحنا لسا بـ الليل يا "ليلى"، خلينا نايمين. 


قبلت شفتيه بقبلة خاطفه، فـ ابتسم. 


_ أنا برضو مشتاق ليكي يا حبيبتي، بس خلينا نايمين دلوقتي. 


احمرت وجنتيها من شدة الخجل، فـ "عزيز"  يظن أنها تويقظه لحاجتها إليه. 


_ فتح عينك يا "عزيز". 


فتح عينيه بعدما شعر أن رفضه لها ربما تفسره بطريقة أخرى وسرعان ما كان الذهول يرتسم على ملامحه عندما وجدها تلتقط الكعكة من جوار الفراش. 


_ كل سنه وأنت طيب. 


لم تعطيه فرصة ليستوعب عقله الأمر لتهتف بحماس التمعت معه عينيه. 


_ أنا حطيت شمعه واحده، عقبال شموع كتير نحطها سوا مع كل سنه تمر وإحنا سوا، غمض عينك واتمنى أمنية وبعدين طفي الشمعه.

 

حاول إخراج صوته مرارًا لكنه صار محشور بحلقه. 


_ غمض عينك الأول. 


استجاب لها وأغلق عينيه، ليرتفع صوتها بالغناء بتلك الغنوة المشهورة للصغار.


_ يلا انفخ الشمعه. 


قالتها بعدما فتح عيناه ليخرج صوته أخيرًا. 


_ خلينا نطفيها سوا يا "ليلى". 


أومأت برأسها وابتسمت وهتفت بنبرة تخللتها فرحة الأطفال. 


_ ماشي نطفيها سوا.

 

انطفأت الشمعه التي توسطت الكعكة لينظر إليها. 


_ مش عايزه تعرفي اتمنيت إيه. 


تعلقت عينيها به، فافتر ثغره عن ابتسامة واسعه. 


_ اتمنيت إني اجيب بنت شبهك يا "ليّلتى". 


خفق قلبها بقوة وتخضبت وجنتاها ثم اجتذبت طرف ثوبها الذي ارتفع لأعلى. 


حركت يديها على طرف الثوب جعلت عيناه تنتبه على ما ترتديه.

 

_ هو أنتِ قولتيلي كل سنه وأنت طيب يا "عزيز" إزاي. 


اندهشت من سؤاله العجيب لتهتف بحيرة. 


_ قولتلها زي ما بتتقال عادي. 


_ إزاي يعني يا "ليلى".

 

تمتم بها بعدما رفع صنية الكعكة من على ساقيه لتزداد دهشتها وتتساءل. 


_"عزيز" أنت مش هدوقها. 


_ هدوقها طبعًا يا حبيبتي.

 

_ طيب نتعشا الأول... 


قطع ثرثرتها بالكلام بطريقة واحدة يعرفها، ليخرج صوتها بعدما استطاعت إلتقاط أنفاسها. 


_ "عزيز" إحنا مش هنحتفل وهتقول رأيك في الفستان. 


بصوت متهدج ثائر غمغم قبل أن يعود للغرق في نعيمها. 


_ هقول رأي دلوقتي في كل حاجه يا "ليلى". 


الليله خسر جولته الأولى مع عقله، وانتصرت هي بــ دور خُلقت من أجله... زوجة وحبيبه وعشيقه وأم تُدلل طفلها. 


رضى تام كان يشعر به وهو يراها متخمه من نشوة الحُب لتدمع عيناه بعدما غفت في حضنه.

...


نظر "مازن" إلى هاتفه ليلقي به على الفراش بضجر. وضع كلتا يديه على رأسه زافرًا أنفاسه بضيق. 


_ ما اكيد مش هترد، أنا كنت سخيف معاها.

 

أخذ يتحرك بغرفته بالفندق بدون هوادة متمتمًا.


_ مفتاح "زينب" عند "سما" وأنا بغبائي ضيعت "سما". 


تهاوى بجسده على الفراش ليطرق رأسه مفكرًا.. ،عليه أن يجد طريقه لتستمر صداقته مع "سما". 


_ عملتي فيا إيه يا "زينب"، خلتيني بفكر فيكي ليل ونهار. 


وسُرعان ما كان ينهض من مكانه ويلتقط هاتفه ثم غادر الغرفة.


وكما توقع وجدها تجلس في مطعم الفندق تتناول قطعه صغيرة من لفائف القرفة  (السينامون رولز). 


_ ممكن اعرف مبترديش عليا ليه؟

 

رفعت عيناها عن الطبق الذي أمامها واستدارت برأسها جهته ثم عادت تنظر إلى طبقها. 


_ عارفه إنك مشغول في المؤتمر يا دكتور. 


تنهد بصوت خافت ثم تحرك ووقف قبالتها. 


_"سما" أنا عارف إني كنت سخيف معاكي اخر مره. 


أرادت أن تقاطعه لكنه واصل كلامه. 


_ يعنى إزاي تكون قدامي بنت زي القمر وبدل ما اغازلها أفضل اكلمك عن العيلة وترابطها.

 

لقد سمعت العديد من مغازلات من قبل لكن مغازلته كان لها وَقْعُ آخر على قلبها.


_ تسمحيلي اقعد واشرب قهوتي معاكي. 


أسرعت بتحريك رأسها، فـ ابتسم قائلًا:


_ الاجازة بتاعتك هتخلص امتى؟ 

...


التقطت "حورية" يد حفيدها بعدما تحرك "صالح" بالسيارة وغادر الڤيلا.. 


_ هو أنا مروحتش معاهم ليه يا تيته. 


داعبت "حورية" بكف يدها خد حفيدها. 


_ كده يا "يزيد" مش عايز تقعد مع تيته و جدو وتقضي اليوم معاهم. 


_ بس أنا عايز اكون مع بابي و "زوزو". 


ابتسمت "حورية" وهي تتجه إلي الداخل، فأسرعت الدادة "نعمات" إليها.


_ بابي و "زوزو" وراهم حاجات مهمة هيخلصوها ويرجعوا ياخدوك تكون تيته شبعت منك...


قبل أن يباغتها الصغير بتساؤل أخر تساءلت بحماس.


_ قولي بقى مستعد للمدرسة؟ 


هز الصغير رأسه إليها، فابتسمت "حورية". 


_ طيب واخبار كورس الرسم إيه،، الفنان بتاعنا اخر رسوماته كانت إيه. 


ابتسم "يزيد" ثم أسرع بخلع حقيبة ظهره حتى يُخرج اسكتش الرسم خاصته. 


_ أنا رسمت طيارة وقولت لـ بابي عايزين نركب طيارة بجد أنا و أنت و "زوزو" ونلف العالم كله وأنت تطير بينا. 


دمعت عينين "حورية" ومثلها فعلت "نعمات"، فلا أحد يصدق تغير وضع "يزيد" بتلك الدرجة.


اقتربت منه "حورية" تحتضنه. 


_ إن شاء الله يا حبيبي، بابي يسمع كلامك ويرجع تاني يطير بالطيارة. 

...


توقف "صالح" أمام أحد المعارض الخاصة بـشراء الأثاث والتابعة لـ "عزيز الزهار".


_ قولت نيجي نتفرج هنا الأول، إيه رأيك. 


تعلقت عينيها بواجهة المكان ثم تنهدت.


_ مش عارفه ليه مُصر إننا نختار سوا عفش الشقة التانيه. 


ابتسم "صالح" وهو يرتدى نظارته السوداء التي أعطته هالة من الشموخ الذي يتمتع به.


_ وبفكر نغير كمان عفش شقتنا ويبقى تجديد من كله إيه رأيك. 


نظرت إليه بنظرة طويله، فأثاث شقتهم هي من اختارته وليس هو وكانت تتعجب من عدم اهتمامه بأمور كتلك حتى فهمت السبب.


_ "زينب" أنا عايز نختار كل حاجه مع بعض من تاني. 


رمقته هذه المرة بنظرة حملت آلمًا مازال ينبض داخلها.


_ الفرحة الأولى لكل حاجه مبتتعوضش. 


قالتها وترجلت من السيارة ليزفر أنفاسه بقوه متمتمًا لنفسه.


_ الهدوء يا "صالح"، اتعامل بهدوء.. زي ما قال الكتاب. 


غادر هو الآخر السيارة يرسم على محياه ابتسامة صغيرة ثم اتجه إليها وقبل أن تتحرك أمامه التقط يدها.


_ الليدي "زوزو" ممكن تسمحلي النهاردة أمسك ايدها، ما هو مش معقول تكون معايا ست جميلة وادخل لوحدي. 


_ "صالح" سيب ايدي وبطل اسلوبك الجديد لانه مش لايق عليك. 


أفلتت يدها منه لكنه أسرع بإلتقاطها.


_ خليني امسك ايدك بس وهكون تلميذ مؤدب تمام. 


تأففت كالاطفال لتتسع ابتسامته. 


_ طفلة عنيدة.

 

تحركت معه ومهما حاولت إفلات يدها منه إلا أنه لم يسمح لها حتى استسلمت لتصرفه الطفولي. 


بالبداية كانت تخبره أن يختار هو الأثاث لكنه كان يترك لها الأمر ويعطيها فقط رأيه. لقد اكتشف اليوم شيئًا جديدًا مشترك بينهما، أنهم يحبون الأثاث الكلاسيكي ويميلون للألوان الهادئة. 


مر الوقت وقد انتهوا من جولتهم في بضعة معارض حتى اتفقوا على شراء بعض الغرف وما ينقصهم أجلوه ليوم أخر. 


يوم كان طويل للغاية بالنسبة له، فهو لا يهوى مثل تلك الأمور لكن من أجلها يتغير كل شئ. 


_ إيه رأيك نتغدا بره.

 

اسندت رأسها على ظهر مقعد السيارة وأخذت تزفر أنفاسها ببطء. 


_ خلينا ناخد "يزيد" الأول وبعدين نقرر.

 

حتى وهي عقلها مشغول بأمور عدة تُفكر في صغيره. 


_ دكتوره "حورية" و دكتور "صفوان" محتجزين على "يزيد" اسبوع بيقولولك طول الدراسة هيكون معاكي ده غير ترتيب عفش الشقة محتاج تكوني متفرغه ليه. 


اعتدلت في جلوسها وهتفت بإعتراض. 


_ أسبوع إزاي، أنا مقدرش اقعد من غير "يزيد" ازيد من كام ساعه بالكتير يوم... لأ خلينا نروح نجيبه. 


_ حاضر يا "زينب"، بس ممكن نسيبه يومين بس عندهم... يعني هما عندهم خطط يعملوها معاه، فيعني أنا شايف..

 

_ أنا أصلاً مين عشان اعترض.

 

تمتمت ثم أشاحت عيناها عنه ليتنهد بقوة. 


_ حاضر يا "زينب"، هنروح نجيبه.

 

لا تعلم لما شعرت بالسعادة لأنه أرضاها رغم أنه يملك حق القرار بشئون صغيره. 


_ خلاص عشان منزعلش عمو وطنط خليه النهاردة و بكره. 


ابتسم ثم تنهد وتحرك بالسيارة. 


_ اقتراحي مطعم نتغدا فيه. 


وهذا أمر أخر أرضاها كأنثي، التقط بعينيه ابتسامتها وهي تُخرج هاتفها من حقيبتها حتى تتأكد من عنوان المطعم. 


_ في مطعم جديد فتح سمعت عنه من زمايلي في المعهد، إيه رأيك نجربه؟ 


_ معنديش مشكله، قوليلي اتحرك إزاي.


ذهبوا إلى المطعم الذي اختارته من إقتراح زميلاتها بمعهد اللغات الذي تعمل به، ظنت في البدايه أنه سيعلق على بساطة المكان لكن وجدته يبتسم لها. 


_ تعالي نقعد على الترابيزة دي. 


اتبعته، فأسرع بتحريك المقعد لها لتبتسم. 


_ شكرًا. 


_ على الرحب والسعة زوجتي العزيزة. 


تقبلت هذه المرة عبارته، ربما لأنها لأول مرة تشعر بالرضى من ناحيته.. فهو اليوم استطاع أن يجعلها تشعر بوجودها بحياة من حولها وليست كوسيلة تستخدم لأغراضهم. 


_ تختاري لينا أصناف الأكل.

 

نظرت إليه ثم نظرت إلى قائمة الطعام التي يمدها إليها لتفكر قليلًا ثم التقطت منه القائمة. 


_ خد بالك أنا بحب الاكل المشطشط. 


ابتسم وهو يخلع نظارته وأرجع ظهره إلى الوراء.


_ اقدر اتنافس معاكي لأعلى مستوى من الأكل المشطشط. 


لقد لفظ نفس كلمتها الخاصه بالأكل الحار. 


كتم ضحكته عندما وجدها تتعرق بسبب طعم الأكل الحار. 


_ خدي اشربي ماية وبلاش عناد ووقفي أكل. 


_ لأ هنكمل، أنا متعودتش على الهزيمة. 


انفلتت ضحكة من بين شفتيه كتمها بكف يده سريعًا حتى لا يُخرج الطعام من فمه. 


_ مستعد اقبل الهزيمة. 


زجرته بنظرة حاده ليضحك بقوة. 


_ عنادك ده آخرته وحشة.

 

وانتهى الأمر بفوزه وبألم معدتها.


 فور دخولهم من باب الشقة اندفعت راكضة نحو الحمام. 


شعر بالضيق من نفسه لأنه تركها لعِنادها.


_ "زينب" أنتِ بخير. 


لم ترد عليه، فتحرك نحو المطبخ ثم التقط عبوة الحليب من البراد وعاد إليها. خرجت من الحمام بعد دقائق وهي تضع يدها فوق موضع معدتها. 

أعطاها عبوة الحليب وأخذ يتمتم بحنق. 


_ أنا بعد كده هتعامل معاكي زي ما بتعامل مع "يزيد"، اشربي اللبن هيخفف آلم معدتك.

 

ابتلعت العبوة بأكملها تحت نظراته القلقة ليقترب منها وفي يده محرمة ورقية. 


تفاجأت بفعلته عندما أزال بقايا الحليب من على أطراف شفتيها. 


_ اللوم عليا عشان وافقت على إقتراحك. 


أشاحت بوجهها عنه، فما يفعله الآن يحرك داخلها مشاعر وليدة قتلها منذ تلك الليلة. 


_ ده مجرد آلم بسيط بعد شوية هيخف. 


_ عِنادك ده جايب ليكي وجع الراس.

 

احتقنت ملامحها وتحركت من أمامه واتجهت نحو غرفة الجلوس لتجلس فيها. 


بعد وقت كان يجلس جوارها ومعه علبة من الحليب الرائب. 


_ لو لسا طعم الشطه حاسه بيه، فـ ده كمان هيساعد.

 

نظرت إليه ثم التقطت ما بيده، فتنهد قائلًا:


_ تعرفي إني اول مرة اعيش يوم زي ده. 


تلاقت عيناهم، فامتدت يديه نحو كفوف يديها يحتضنهم بإمتنان. 


_ شكرًا يا "زينب".

 

حاوطهم الصمت لبعض الوقت إلى أن عادت عينيه تستقر على ملامحها لترفع عينيها نحوه بعدما ارتشفت القليل من العبوة التي بيدها. 


نظرته لها اليوم كان بها شئ مختلف، شئ جعلها لا تشعر بإقترابه منها حتى انعدمت المسافة بينهما...


 سمحت له بالقرب الذي كان هو متلهف عليه بشدة... لتسقط العبوة أرضًا ويتناثر ما بها. 

.... 


تحركت "كارولين" بخُطوات بطيئة نحو الجناح الذي قاومت رغبة دخوله لمرات دون وجود أحد معها. 


لقد علمت من "سيف" هذا الصباح أن عمه سيقطع إجازة الزواج وسيعودون بعد يوم غد. 


 التمعت عيناها بنظرة راغبة نحو صورة "عزيز" و "ليلى" في حفل عُرسهم.


_ "ليلى" محظوظة، كنت اظن أنني محظوظه مع "سيف" لكنه صار يعاملني ببرود...


أصابع يدها تحركت على ملامح "عزيز" لتبتسم عندما عادت تلك الليلة التي رأته فيها هو و "ليلى" بتلك الحجرة تداعب مخيلتها. 


تعالت وتيرة أنفاسها، هي صارت متيمة بهذا الرَجُل وتتخيله بأحلامها. 


تسطحت على الفراش لبعض الوقت إلى أن شعرت بالقلق من إكتشاف أحدًا أمرها. 


أسرعت لتغادر الغرفة لكن عيناها تعلقت بحجرة الملابس الخاصة بهما تتساءَل داخلها ماذا سيحدث إذا أخذت من "ليلى" أحد قمصان نومها. 


ابتسمت وهي تتحرك نحو الغرفة الصغيرة ثم أخذت تقلب بالملابس إلى أن استقرت على أخذ واحدًا من تلك القطع التي اشتراها "عزيز" وحرص على اختيارها بعناية... 

الفصل السبعون من هنا

تعليقات



×