رواية جبران العشق الفصل الثامن والستون والاخير
مشهد الوداع بينهم كان أكثر من مؤثر احتضنت فاطمة روزا تبكي رحليها بأنهار من الدموع في حين تشبثت روزا بأحضان فاطمة وكأنها طفلة صغيرة ترفض ترك حضن والدتها ، أبتعدت عنها أخيرا تقبل جبينها ويديها تغمغم باكية :
-هجيلك تاني والله يا ماما فاطمة أنا ما اقدرش أبعد عنك أبدا ، أنا من غيرك كنت ضعت أنتِ اللي علمتيني كل حاجة أنتِ أمي اللي ربنا بعتهالي ناجدة عشان تشد أيدي من الوحل
انهمرت دموع فاطمة بعنف لتعانق روزا من جديد تغمغم بحرقة:
-خلي بالك من نفسك يا ضنايا وفي اي وقت ضاقت بيكِ الدنيا دا بيتك ، واسالي عليا يا جميلة
حركت رأسها بالإيجاب عدة مرات متتالية تحركت بصحبة فاطمة صوب بيجاد الذي يقف ينتظرهم بالخارج بصحبة طاهر ورُسل زوجته التي لم تنطق بحرف ، أقترب بيجاد يأخذ منها حقيبتها لتوجه فاطمة حديثها إليه:
-خلي بالك منها يا إبني والله يا ابني أختك غلبانة أوي ما تزعلهاش بالله عليك ما تزعلها
ابتسم بيجاد يومأ لها محظوظة روزا بوجود تلك السيدة في حياتها لتراعها كما لو كانت ابنتها بعد عناق أخير تحركت أخيرا صوب السيارة قبل أن تدلف إليها سمعت صوته من خلفها يغمغم محتدا :
-أنتِ هتمشي من غير تقوليلي يا جميلة
التفت هي وبيجاد معا ، رفعت يدها تصدم به جبينها كيف نسيت ذلك الطبيب شهاب من المفترض أنها الآن في حكم مخطوبته ولكن بيجاد لا يعرف بذلك ، أقترب شهاب منها يتمتم بنزق :
-أنتِ رايحة فين ومين دا ؟
رفع بيجاد حاجبيه ساخرا أقترب منه يقف بينه وبينها دفعه بخفة ليرتد خطوة للخلف ليردف بيجاد متهكما:
-أنت اللي مين يا بتاع أنت
احتدت عيني شهاب غضبا حاول أن يمسك يد روزا ليقبض بيجاد على يد قبل أن يفعل يردف متهكما :
-تؤتؤتؤ كدة أنت هتحلو ، المرة الجاية هقطعها مش هكسرها ، ما جاوبتنيش الحلو بقى مين جذب شهاب يده من يد بيجاد يغمغم محتدا :
-أنا خطيبها
توسعت عيني بيجاد في ذهول كيف وشقيقته من الأساس متزوجة ، متزوجة ومخطوبة في الآن واحد التفت لها يصيح فيها :
-خطيبك إزاي وعمر أنتي متجوزة ومخطوبة مع بعض
ابتلعت لعابها مرتبكة لا تعرف ماذا تقول له أمسكت بذراعه تهمس له بصوت خفيض للغاية:
-يا بيجاد إحنا كنا فاكرين أن جوازي من عمر باطل وشهاب جه اتقدملي بس صدقني ما فيش بينا أي حاجة رسمي
-باطل
صاح بها بيجاد ساخرا قبل أن ينظر صوب طاهر يغمغم :
-ايه يا حج طاهر دا أنت شيخ جامع حتى باطل إزاي ، وعمر بيه الناصح هو فين أنا مش فاهم دخل شرطة ازاي دا
التفت صوب شهاب الواقف خلفه لا يفهم شيئا ينظر صوب شقيقته يعاتبها ليحمحم شهاب مرتبكا يقص عليه كل ما قاله له عمر ليضحك بيجاد عاليا مسح وجهه بكف يده يغمغم ساخرا :
-بص يا إبني عشان نخلص من الحوار دا ، الفيلم الهابط اللي قالك عليه عمر دا ما حصلش أنا أختي عمر نفسه بس هو ناصح ما شاء الله ما كنش يعرف أصلا ممكن تشوف طريقك لأننا لسه ورانا سفر
ودون أن يسمع أو يقول المزيد دخل السيارة جوار يجلس خلف المقود نظر خلفه ليجد شقيقته وزوجته الاثنتين يجلسان بالخلف تنهد حانقا ، ينظر لرُسل من خلال المرأة لم تنطق بحرف منذ أن رأته صباحا فقط تحرك رأسها تنفذ ما يقول دون أدنى اعتراض ، أدار محرك السيارة ينطلق في طريقه لتنظر فاطمة لزوجها تتمتم مدهوشة :
-أنت فاهم حاجة ، عمر متجوز جميلة طب إزاي وامتى
ضرب طاهر كفا فوق آخر هو الآخر لا يفهم حقا ما يحدث هنا سيذهب ليتواصل مع عمر ليخبره بما يحدث !
______________
على صعيد آخر في المستشفى ، فتح مقلتيه لا يعرف كم مر من الوقت عليه وهو في حاله تلك يشعر بعطش شديد وألم السكين وكأن النصل لا يزال يخترق لحمه إلى الآن نظر حوله ليجد نفسه وحيدا في الغرفة ابتسم في سخرية لا أحد هنا ، من سيأتي إليه من الأساس بات الآن منبوذ من الجميع أجفل على صوت باب المرحاض الملحق بغرفته يُفتح وها هو جبران يخرج منه ابتسم سعيدا ما أن رآه شقيقه هنا هو ليس وحيدا كما ظن ، هرول جبران إليه يسأله قلقا :
-زياد أنت كويس يا حبيبي ثواني هندهلك الدكتور
وخرج يهرول من الغرفة لتدمع عيني زياد تشق إبتسامة كبيرة شفتيه ليس وحيدا شقيقه هنا لم يتركه لديه من يخاف عليه ليس وحيدا عاد جبران بعد لحظات بصحبته أحد الأطباء الذي بدأ يفحصه يطمأنه عليه يسأله عدة أسئلة وهو يجيب عينيه معلقة بجبران يشعر في تلك اللحظة بأنه بات طفلا يود فقط احتضان أبيه ليطمأنه ، أقترب جبران من الطبيب يسأله قلقا:
-طمني يا دكتور هو حاله ايه دلوقتي
ابتسم الطبيب بخفة يربت على كتف زياد السليم يوجه حديثه لجبران :
-الحمد لله عدت على خير ، هيقعد معانا النهاردة وبكرة وبعد كدة يقدر يروح بإذن الله
تنفس جبران الصعداء يشكر الطبيب رحل الأخير ليرتمي على الفراش جوار شقيقه يتنفس بعمق يغمغم :
-حرام عليك يا أخي وقعت قلبي الحمد لله أنك بخير
انسابت الدموع من عيني زياد لا يعرف حتى ما به ولكنه الآن يعطي لحياة كامل العذر ، في الألم يجب أن يكون هناك رفيق ليمر لنتجاوز ، شخص يمسك بيدك تتحركان سويا بين الأشواك يهون كل منهما على الآخر الألم إلى النهاية حياة من البداية كانت في حاجة له لأن يكون جوارها لا لينفيها مرة بعد أخرى يخرس صوته قلبه بأنها هكذا ستكن بخير حياة تستحق الأفضل وأيمن هو الأفضل الآن
اقترب جبران منه ليسند زياد رأسه على صدره شبه يعانقه بذراعه السليم انهمرت دموعه يغمغم بحرقة:
- أنا سيبتها ، سيبتها لوحدها في عز الوجع عارف لما فتحت عينيا وما شوفتش حد حواليا حسيت بألم بشع أقوي ألف مرة من ألم الجرح، أنا ما كنتش معاها يا مراد ما كنتش معاها بالعكس كنت بنفيها بعيد عني ، أيمن هو اللي يستاهلها مش أنا ، أنا بحبها بس هي تستاهل الأحسن
ماذا يفعل الآن لا يعرف زياد منهار يبكي بين ذراعيه يخبره بحبه لها ، حياة وأيمن وزياد مثلث لا يمكن أن يجتمع ثلاثتهم في علاقة واحدة أبدا تنهد حائرا يربت على رأس زياد برفق يعقد في نفسه أمرا زياد فعل لأجله وعليه أن يرد الدين
___________
بعد سفر دام لعدة ساعات متواصلة لم يذهب إلي مكان فرعي توجه إلى قصر أبيه الذي كان يسكن فيه الجميع قبل وفاته ، أوقف السيارة في حديقة المنزل ليقترب أحد الخدم منه طلب بيجاد منه إخراج الحقائب من السيارة توجه إلى الباب يفتحه لتدخل روزا تتطلع إلى المكان حولها قصر كبير عريق هنا كان يسكن والدها شعرت برغبة ملحة للبكاء كانت تتمني أن تعرف والدها ولو يوما واحدا أقترب بيجاد منها يلف ذراعه حول كتفيها يحادثها مبتسما :
- دا بيتك يا ملك على فكرة اسمك في شهادة الميلاد ملك ، بابا الله يرحمه ماكنش ليه في الشغل الشمال بالعكس كان عنده شركة سياحة كبيرة وليها فروع كتير أنا اللي خرجت عن الطريق بعد موته ، بس عارفة أنا بحمد ربنا إني ما شاركتش في الشغل دا بفلوس بابا عشان تفضل نضيفة وحلال زي ما تعب وشقي فيها عمره كله ، في دلوقتي حاجة تانية عايز اقولك عليها بس في المكتب اسبقيني وأنا هجيلك
ابتسمت له تومأ برأسها تحركت صوب غرفة مكتب والدها لتختفي ابتسامة بيجاد في لحظة نظر صوب رسل التي لا تزال تقف مكانها تطرق رأسها أرضا أقترب منها يقبض على ذقنها ببعض الحدة رفع وجهها إليه ليرى عينيها الدامعة ، وجهها الشاحب بالطبع يجب أن تكون حزينة والدها وأخويها الجميع خلف القضبان لم يتبقى لها أحد والمضحك في الأمر أنهم لم يكونوا جوارها منذ البداية من الأساس وليد الوحيد الذي كان يهتم لأمرها ، طارق ومجدي قاموا بنفيها بعيدا كانوا على وشك بيعها لرجل مجنون لأجل المال ، غبية إن كانت حزينة علي أي منهم رفع يده يشير صوب السلم يغمغم بنبرة جافة:
-فوق تاني أوضة علي أيدك اليمين دي أوضتنا عايز اطلع الاقيكِ لابسة أشيك حاجة عندك ومستنياني صدقيني هيبقى رد فعلي سخيف جدا لو ما عملتيش اللي قولتلك عليه
رأى كيف اضطربت حدقتيها خوفا بعد أن قال ما قال حركت رأسها دون أن تنطق بحرف وذلك حقا أغضبه بشدة ، تركها متجها صوب غرفة المكتب حيث تنتظره روزا أو ملك تنهد بعمق يدير مقبض الباب دخل ليراها تُمسك صورة لأبيهم تبكي ، أقترب منها يضمها إليه لتتشبث بأحضانه ليهمس لها مترفقا :
-أنا هنا يا ملك هعوضك عن كل اللي فات صدقيني هتبقي بنتي قبل أختي
تحرك بصحبتها إلى أقرب أريكة جلست يجلس أمامها يمسك بكفيها حمحم متوترا قبل أن يردف ببعض الحرج :
- ملك أنا عارف أنه سؤال سخيف معلش أنتِ تعرفي مين والدتك؟
ابتسمت ساخرة تومأ له بالإيجاب تتمتم :
-شيرين مرات مجدي
اتسعت حدقتيه قليلا حين علم أنها تعلم ليحمحم من جديد يردف مرتبكا :
-طب مش عايزة تشوفيها أنا عرفت من زياد أنها كانت بردوا ضحية وأنها نفسها تشوف بنتها أو ابنها ، أنا ما بقولكيش روحي شوفيها دلوقتي خالص أنا بس حبيت أعرفك
تنهدت متوترة تومأ شاردة شيرين والدتها !! ضحكت ساخرة حين تذكرت ذلك المثل الشعبي القديم الذي سمعته مصادفة من أحدى السيدات جارات السيدة فاطمة كانت تتهكم من أفعال ابنة أحدى جاراتهم التي تشبه أفعال والدتها تماما تتذكر جيدا حين مصت شفتيها تغمغم ساخرة:
-صحيح على رأي المثل أقلب القدرة على فمها تطلع البت لأمها
وقد صدق ذلك المثل معها أيضا !! أجفلت على يد بيجاد تتحرك أمام وجهها وصوته يحادثها مترفقا:
-تعالي يا حبيبتي اطلعك أوضتك ترتاحي وأعرفي حاجة مهمة أنا في ضهرك في اي حاجة هتعمليها
ابتسمت مطمأنة سعيدة تحركت بصحبته إلى غرفتها التي اختارها لها ، تركها يتوجه إلى غرفته اختفت ابتسامته ما أن ولج للغرفة يبحث عنها بعينيه ليراها انتفضت سريعا من الفراش ما أن رأته تقبض على أطراف ملابسها وقف مكانه يتأملها بعينيه قلبه يؤلمه منها وعليها ، رُسل رقيقة هشة للغاية لن تتحمل أي قسوة منه ولكن رُسل أوجعت قلبه للغاية وهو يركض ليلا في الشارع يبحث عنها رُسل لا تثق به رغم أنه لم يؤذيها يوما تنهد حائرا منها ومن نفسه ينظر لها وهي ترتجف في صمت تبدو خائفة للغاية منه ، ابتسم متهكما فعلت ما قال ارتدت ما أخبرها به خوفا منه!! تحركت قدميه صوبها ليرى ارتجافتها تزداد لم ترفع وجهها عن الأرض تنفسها يزداد عنفا وقف أمامها مباشرة يرفع وجهها إليه لتطرف عينيها الدموع وأخيرا بعد ساعات طويلة سمع صوتها كان يظن أنها اُصيبت بالخرس ارتعش صوتها تهمس تترجاه:
-بيجاد أرجوك أنا
حرك يده يضع سبابته على فمها ابتسم يسخر منها:
-أنتِ ايه ، أنتِ هربتي ، أنتِ ما بتثقيش فيا ، أنتِ خونتي حبي ليكِ من غير الثقة الحب يموت ، صارحتك كام مرة بحبي ، قولتلك الحقيقة وأني خلاص بعدت كل القرف اللي فات في حياتي عشانك مجرد ما حياة حكتلك عن وليد قولتي أكيد بيجاد زيه ، حتى لما فقدتي الذاكرة ونسيتني ما بطلتش أحبك ما زهقتش ما بعدتش ، إنما أنتِ أول ما افتكرتي قولتي أيوة بيجاد الوحش كان بيستغلني أما أهرب بسرعة ، أنتِ عمرك ما شوفتي مني حاجة وحشة عشان كل اللي بتعمليه دا ، دايما مطلعاني الشرير في روايتك ، بس تعرفي من هنا وجاي هديكِ أسباب كتير عشان أفضل شرير الرواية بجد
انتفضت خائفة حين أنهى كلامه بنبرة قاتمة تتوعدها بالكثير ، شهقت مذعورة في اللحظة التالية حين حملها بين يديه فجاءة ارتجف جسدها تهبط دموعها ذعرا مما قد يفعل بها خاصة حين بدأ يفتح أزرار قميصه ، بيجاد لن يفعل ذلك دون إرادتها حتى لو كان غاضبا منها أليس كذلك تهدجت أنفاسها خوفا تبكي بلا صوت ينتفض جسدها بين الحين والآخر ، لم يستطع أن يراها في تلك الحالة أكثر ابتعد بدلا من أن يقترب يغلق ما فتحه رفع يده يخللها في خصلات شعره زفر بعنف يغمغم محتدا:
- بطلي عياط خلاص أنا ماليش في جو الاغتصاب دا طالما مش عوزاني خلاني في ستين داهية أنا من بكرة هتجوز واحدة تحبي وتقدرني ، أنا نازل وحسك عينك تطلعي من الأوضة
التقط سترته يتحرك للخارج لتجذب جسدها تتكور حول نفسها تحيط بطنها بذراعيها تربت عليه برفق تنهمر دموعها يبدو أنه لا زال لا يعلم بموضوع حملها ، شقيقته لم تخبره للآن ؟! قامت من مكانها تتوجه صوب شرفة غرفتها تنظر شاردة تنساب دموعها هو محق ولكنه لا يفهم أنها قضت شطر كبير من حياتها تعاني وهي طفلة كان يتحرش بها سفيان فباتت تخاف الجميع بسببه ومن ثم ذلك الحادث الذي أفقدها البصر بعد سمعت الكثير من الكلمات من طارق وشيرين وحتى أبيها كلمات سامة مؤلمة حطمت ما بقى منها اعتبروها حمل ثقيل عليهم التخلص منها فنفوها بعيدا هي لا تملك الثقة لنفسها حتي تعطيها للآخرين دائما تشعر بالخوف والقلق من القادم هم السبب فيما هي فيه ، رفعت يديها تسمح وجهها من آثار الدموع
حين رأت شقيقته تدخل إلى الغرفة تحمل بين يديها صينية طعام ابتسمت تغمغم ضاحكة:
-بيجاد اللي عامل نفسه غضبان جه ادهالي وقعد يوصيني قد كدة اني ما اخرجش من الأوضة غير بعد ما تاكلي ، أنا ما قولتلوش على فكرة أنك حامل وواضح أنك كمان ما قولتيش ليه مش كدة
وضعت صينية الطعام جيدا لتتوجه إليها أمسكت بيدها تجذبها لتجلس أمامها على سطح الفراش ربتت علي يدها بخفة تنهدت تتمتم :
- صدقيني والله بيجاد طيب أوي أنا أعرفه من قبل ما كنت أعرف أنه أخويا بجد شخص طيب وحنين ونفسه يعمل كل حاجة للناس اللي بيحبهم ، هو مجروح منك بس صدقيني أنتِ لو قولتيله بس ما تزعلش هينسي اصلا زعله ، وأرجوكِ قوليله أنك حامل صدقيني الطفل دا جاي في وقته لينا كلنا
ابتسمت رُسل مرتبكة تومأ لها لتجلب روزا صينية الطعام تضعها بينهم وبيجاد يراقب من مكتبه صورة دون صوت كان يرغب بشدة في أن يعرف عما يتحدثان وجد نفسه يبتسم تلقائيا حين ابتسمت رُسل لتتجهم ملامحه سريعا هو غاضب للغاية عليه ألا ينسى ذلك؟!
____________
تأفف حسن حانقا للمرة الالف تقريبا حين ودَّ الاختلاء بزوجته وجد الجميع فوق رأسه ها هي شقيقته وزوجها وطفلهما الصغير حسن ووالدة أمل وصابر زوجها الجميع مجتمع في منزله يقيمون حفل صغير بمناسبة عودته وتلك الفكرة السيئة للغاية كانت فكرة شقيقته ميرا ما أن أقنع أمل أخيرا أن تغلق عربة الطعام ليعودا للمنزل صعد معها لمنزل والدتها لتأخذ ثيابها وجد شقيقته هناك تقترح بحماس:
-بما أن حسن رجع بالسلامة يبقى لازم نعمل حفلة صغيرة في بيته يلا يا طنط سيدة يلا يا عم صابر جهزوا نفسكوا بسرعة
والآن ماذا الساعة اقتربت من منتصف الليل متى سيرحل الجميع تأفف حانقا ينظر لشقيقته شذرا ، في تلك اللحظة حمحم صابر مرتبكا حين لاحظ نظرات حسن لميرا:
-ما يلا يا جماعة نروح إحنا طولنا أوي وحسن أكيد عايز يرتاح يلا يا سيدة
ابتسم حسن سعيدا كاد أن يعانقه من سعادته أخيرا ، حمحم وقف من مكانه يغمغم متعبا ناعسا او ربما يمثل أنه كذلك :
-آه والله يا عم صابر عندك حق دا أنا هلكان ورجلي شادة عليا على الآخر ، بس ولو لازم أوصلكوا إحنا داخلين على نص الليل
نظرت ميرا إليه ساخرة هي أكثر من يعرف شقيقها المخادع ، حمحم صابر محرجا يردف سريعا :
-لا يا إبني طالما تعبان إحنا هناخد تاكسي طبعا
اقتربت ميرا تنظر صوب شقيقها ساخرة لتوجه حديثها لصابر :
-لاء طبعا ازاي يا عم صابر ياسين جوزي هيوصلكوا ، يلا يا جماعة عشان ما نتأخرش
عانقت سيدة ابنتها توصيها بعدة كلمات لم تسمعها سواها قبل أن يتحرك الجميع للخارج نزل حسن معهم يساعد زوج ميرا على حمل مقعد صابر المتحرك يودعهم
أما في الأعلى اشتعلت وجه أمل خجلا تتذكر همس حسن الجرئ بين الحين والآخر وها قد رحل الجمع وبقيا سويا لا مفر لها منه إلا إليه ، قامت تلملم الفوضي حولها تضع الأطباق والأكواب الفارغة في حوض الغسيل أمسكت المكنسة تلملم قشور التسالي من الأرض ، تنطق المكان ، توجهت الى المطبخ تجلى ما وضعت في الحوض تتنفس مرتبكة سمعت صوت باب منزلهم يُفتح ويغلق لتسمعه صوته ينادي عليها دخل للمطبخ ليرفع حاجبيه يتمتم مدهوشا :
- مواعين في نص الليل يا أمل مواعين منك لله يا ميرا أنتِ السبب أنا متربي منك
تحرك إليها يضع يديها الغارقة بالصابون أسفل الصنوبر إلي أن اختفت رغاوي الصابون ليغلق الصنبور شدها إليه ينظر لفيروز عينيها يرى احمرار وجنتيها خجلا يعلو ثغره ابتسامة نهمة يهمس عابثا :
-تخيلي أنا عينيا لونها أزرق وأنتِ عينيكِ مش عارفلها اسم بس جامدة هنجيب عيل عينيه عاملة إزاي
ابتسمت خجلة مما يقول لتشهق متفاجئة حين باغت يحملها بين ذراعيه يتحرك بها إلى خارج المطبخ متوجها صوب غرفة نومهم قرب شفتيه من أذنها يهمس لها عابثا :
- شكلك حلو ووشك شبه الطماطمية كدة ، بحبك ياللي غلبتي قلبي لحد ما رضيتي عنه
ولم يسمع أحد الإجابة فقد اختفى بها خلف الباب المغلق حتى شهرزاد تقف خارجا لا يسمح لها بالدخول !
___________
مر يومين وها هو يستند على كتف شقيقه يخرجان من المستشفى إلى سيارة الأجرة التي تنتظرهم خارجا ، تحرك السائق إلى الحي الذي يمكث فيه جبران ليلتفت زياد إليه يغمغم بنبرة ضعيفة مرهقة:
-يا جبران أنا هرجع البيت وهجيب حد يشوف طلباتي
-أخرس ياض بدل ما أديك على وشك
غمغم بها جبران ببساطة ليجد زياد يآسا مراد اندمج في شخصية جبران للغاية حتى باتا شخصا واحد لا يمكن الفصل بينهما أبدا .. بعد قليل وقفت السيارة في الحي لينزل جبران منها يساند زياد لتتوجه نظرات الدهشة والذهول إليهم من أهل الحى أجمع المعلم جبران والضابط زياد كلاهما لا يكره غير الآخر والآن جبران يساعد زياد يأخذه لشقته هناك حيث تنتظرهم وتر فتحت لهم الباب من الداخل تنظر لزياد تبتسم ممتنة :
-حمد لله على سلامتك يا زياد ، أنا حقيقي مش عارفة اشكرك إزاي لولاك كانت السكينة جت فيا أنا
ابتسم لها مرهقا يتحرك بصحبة جبران إلى الغرفة الأخرى يساعده على التسطح على الفراش أمسك زياد بيده يتمتم مرتبكا :
- جبران أنا كدة هبقى حمل سخيف ومراتك مش هتعرف تتحرك في البيت بسببي ، خليني امشي اسمع مني
جلس جبران جواره يغمغم مبتسما:
-اتعودت تقولي يا جبران أهو، ما تشلش هم وتر ، وتر هتقعد عند الست فتحية وأنت مش هتخرج من هنا غير لما تبقى صاخ سليم فاهم يا ابن أمي وأبويا
ربت على كتفه بخفة يردف:
-هروح أجبلك الأكل أنا موصي الست فتحية تعملك جوز فراخ بلدي وبصراحة الست أكلها زي العسل
خرج من الغرفة يغلق الباب لتندثر ابتسامة زياد يتذكرها لم ينساها من الأساس حاول ولكنه لم يفعل يتذكر أول مرة رآها فيها كم كانت خائفة ضعيفة تبكي ، سمع صوت شجار يأتي من الخارج ليتحامل على نفسه يتحرك مم فراشه صوب الخارج فتح الباب ليجدها ها هي هنا تقف أمام جبران الذي يبدو غاضبا يحادثها محتدا :
-حياة كفاية كدة بقى ، الدكتور بتاعك قال إن حالتك أحسن كتير عن اللي فات ، والناس كتر خيرهم ساعدونا مرة واتنين وتلاتة ممكن بقى تيجي تقعدي هنا
رآها تبكي لتحرك رأسها بالنفي بعنف تردف بحرقة :
-هقعد فين يا جبران هنا واضايقك إنت ومراتك ولا عند الست فتحية اللي يا عيني شايلة نفسها بالعافية ، أنا ماليش مكان يا جبران أنا عالة على الكل ، على الأقل هناك ما بحسش بكدة
تأفف جبران نفذ صبره حقا لولا تعليمات ذلك الطبيب لكان صفعها حاول أن يتحدث بنبرة أكثر لينا :
-يا بنتي عالة ايه بس شيلي الهبل دا من دماغك أنتي عمرك ما كنتي عالة على حد فينا ، أنتِ لحمنا يا بنتي ، وبعدين شايفة نفسك عالة خلاص أنا هتكلم مع أيمن يتمم فرحكوا في أسرع وقت وتقعدي في شقتك ايه رأيك
انقبض قلبها حين مر أمام عينيها في لحظة مشهدها مع أيمن في زفافهم في لحظة تبدلت الصورة ورأت زياد مكان أيمن ، لا يجب أن يحدث ذلك لا يجب أن ترى زياد ، أيمن لا يستحق كسر قلبه بعد كل ما قدمه رفعت وجهها تنظر صوب جبران لترى زياد يقف بعيدا يرجوها بعينيه أن ترفض لتضع وجهها أرضا ، ليجد قدميه تتحرك إليها وقف أمامها يسمع صوت شقيقه يحادثه محتدا أنه لا يزال متعبا وعليه العودة للفراش لم يشعر سوى بالدموع تغرق وجهه أقترب يمسك يدها بيده الحرة لترفع وجهها إليه انتفض قلبها حين رأته يبكي حرك شفتيه ليحرك صوته ينهار ألما:
-أنا آسف ، أنا آسف إني بعدت ، آسف إني ما كنتش موجود ، آسف إني كنت بحاول انفيكِ بعيد عني ، بس والله دا كان من إحساسي بالذنب ناحيتك ما كنتش قادر أشوفك وأنتي متدمرة ما كنتش قادر أشوف في عينيكِ نظرة عتاب أنت ما قدرتش تحميني يا زياد قلبي كان بيتعصر بيجلد فيا في كل مرة بشوفك فيها وأنا عارف أنه أذاكِ بسببي وخطفك وأنا ما قدرتش أحميكِ ، كنت بتصل بقاسم دايما وافرح لما أعرف أنك بقيتي أحسن وأمنى نفسي إني هشوفك كويسة قريب ونسيت حاجة مهمة أوي أنك محتاجة حد يمسك أيدك حد يبقى جنبك ، أنا غبي اقسملك غبي ، سامحيني يا حياة ، أنا ما بقولكيش كدة عشان تسيبي أيمن أنا بحبك وهفضل أحبك دايما ، أنا ما استاهلكيش أنتِ تستاهلي حد أحسن ألف مرة
- اللي هو أنا يعني !!
التفت الجميع على مصدر حيث أيمن كان يقف عند باب المنزل من الخارج ويبدو أنه استمع للكثير مما قيل دخل إلى المنزل وقف بالقرب منهما يكتف ذراعيه أمام صدره يغمغم ساخرا:
- قيس وليلى وطبعا أنا ورد جوز ليلى
ارتبكت حياة تبتعد عن زياد تبلع لعابها مرتبكة أرادت أن تقل شيئا ليرفع أيمن كف يده يمنعها من أن تفعل ، تحرك بخطواته صوب زياد وقف أمامه يغمغم صامتا وطال الصمت بينهم قبل أن يتنهد ابتسم في هدوء يغمغم:
-أنا كنت عارف أنها ما بتحبنيش وعلى فكرة أنا مش زعلان والله أصل إني أنسحب من على البر أفضل ألف مرة من إني اتجوز واحدة قلبها مع غيري ، صدقني الموضوع هيبقى مهين جدا لكرامتي وبعدين مش هستفيد حاجة يعني لما أفرق بينكوا بالعكس هبقى بني آدم حقير أوي
خلي بالك منها ، واعزموني في الفرح ممكن
ضحك زياد سعيدا يومأ برأسه سريعا ليحتضن أيمن يشكره بلا توقف ، أبتعد أيمن متوجها إليها وقف أمامها لتخفض رأسها أرضا تشعر بالخزي من نفسها لتسمعه يضحك يردف مازحا:
-ما تبقيش أوفر يا حياة ، يعني يرضيكِ ابقى الشرير في رواية أحدهم لا يا ستي أنا دكتور والدكاترة ما بيطلعوش أشرار ، حياة صدقيني من كل قلبي بتمنالك السعادة وتقدري بجد تعتبريني أخ ليكِ في أي وقت هبقى موجود
ممكن بقى تديني الدبلة لو سمحتي
ادمعت عينيها تنظر له تعتذر حتى بنظرات عينيها لتخرج الخاتم من أصبعها تعطيه له ليغمغم ضاحكا:
-طب يا جماعة هستنى دعوة الفرح هزعل والله لو ما اتعزمتش ، يلا استأذن أنا بقى عشان ميعاد العيادة
ودع الجميع وخرج نزل على سلم البيت ليخلع نظارته الشفافة يمسح دموعه التي احتبسها بصعوبة يبتسم يكمل طريقه !