رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والستون 67 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والستون

"خُلق لكل مرءٍ وطنًا، و لكني عاشق وطني هو عينيكِ"
_________________________

لا ليلٍ يدوم إلا و عقبه نهار، فلا ليلٍ وُجِدَ بدون نهار، كذلك لا تبقى الخبايا في عُقر دارها فـ يأتِ يومٌ تنكشف به الأسرار، و يبقى القلب يَصرُخ كمن يصارع في كَمدٍ حتى يأتِ حديثٌ يثلج نيرانه كـ سكب المياه فوق النار، فيغدو مُحلقًا في خفة كما الفراشة على أغصان الأشجار.

استمع «ياسين» لحديث الرجل بعينين متسعتين على أخرهما عند ذِكر اسم ذلك المدعو «هشام»، فتابع الرجل مُفسرًا:

"احنا كنا بنحاول نتفاهم معاه علشان ييجي يشوف حل، بس هو علطول كان رافض أي حلول علشان متبقاش عيبة في وشه، و أخر حاجة قبل ما أنتَ تيجي هو كلمنا و قال إن المهندس المسئول وصل المشروع، اتفاهموا معاه، و خلصوا الموضوع لو موصلتوش لحل هو عندكم و شوفوا صِرفة معاه"

سأله «ياسين» بلهجة صوتٍ حادة و جامدة:
"طب لما هو كدا من الأول متفاهمتوش معايا ليه من البداية ؟! كان لازمته إيه طريقتكم دي من الأول معايا ؟! كان لازمته إيه الحصار اللي اتعمل عليا و على العُمال ؟! لو كنتوا فهمتوني من الأول أكيد كنا لاقينا حل، إنما بعمايلكم دي الدنيا باظت و الخسارة بقت على الكل"

رد عليه الرجل مُردفًا:
"طب ما هو يا بني اللي قابلك محلوش حاجة، المدير نفسه ساب المشروع و مشي، و رأفت اللي جِه بعده ساب العُمال و مشي لوحده، أنتَ يعني اللي كنت هتحل ؟!"

_"آه، كنت هحل و مستحيل ارضىٰ بالظلم لحد سواء انتم أو احنا، بس أنا من البداية اتغدر بيا، و انتوا كملتوا عليا، و وشي اللي اتعور دا من رجالتك"

تفوه «ياسين» بذلك بنفس الجمود و الحِدة البادية عليه فتدخل الرجل الغليظ دائم الاشتباك يقول:
"هو أنتَ عاوز تبرطع براحتك من غير ما حد يوقفك ؟! و السلاح اللي رفعته عليا و حطيته على رقبتي ؟!"

تدخل «يوسف» يرد عليه بتهكمٍ:
"مش قولتلك بقرة الصحراء ؟! هو أنتَ عاوز تثبتنا بالسلاح و تتهجم علينا و زعلان إن السلاح اللي اتحط على رقبتك ؟! طب و السلاح اللي كنتوا مهددينا بيه ؟! إيه وَحمة ؟!"

رفع صوته و هو يتحدث، فرد عليه الرجل بنبرةٍ أقرب للانفعال:
"و أنتَ مالك بتتدخل ليه ؟! خليك في حالك يا جدع أنتَ الموضوع ميخصكش أصلًا"

وقف «يوسف» من موضعه ثم سار حتى اقترب من الرجل ثم مال عليه بجزعه و هو يقول بخبثٍ هاديءٍ و كلماتٍ متريثة:
"صح أنا غلطان و متربيتش علشان الموضوع ميخصنيش، زي ما هو برضه ميخصكش، علشان كدا احنا هنكون اتنين الموضوع ميخصهمش"
أنهى جملته ثم ضرب الرجل في وجهه برأسه حتى رجع الرجل للخلف و نزل الدم من أنفه فورًا، حينها هب «ياسين» منتفضًا و الرجل الأخر من جلستهما، فتحدث «يوسف» مُسرعًا بعدما رفع كفيه في وضع الاستسلام:
"على الهادي يا رجالة، كُل ما في الموضوع إننا اتنين الموضوع ميخصهمش بيتفاهموا سوا، خليكم انتم كملوا كلامكم علشان الموضوع يخصكم"

عاد لموضعه يجلس عليه من جديد و حينما وجدهما ينظرا لبعضهما تحدث يلفت نظرهما بقوله:
"اقعدوا يا جماعة، أنا بس كنت بفهمه، هو عور ياسين و ياسين ابن أصول مش هيعمله حاجة، بس أنا مليش في الأصول"

جلسا كليهما فتحدث «صالح» بقلة حيلة و آسفٍ:
"أنا هسكتلك بس علشان البشمهندس ياسين، و علشان هما بدأوا معاه بالغلط و أنا منبه عليهم محدش يلمسه، خلونا بقى نشوف حل لمشكلتنا"

تحدث الرجل الآخر منفعلًا:
"بقولك حط السلاح على رقبتي، و هددنا بدل المرة يجي خمسة، و صاحبه ضربني"

رد عليه «صالح» بضجرٍ:
"و أنا عارفك يا عزوز، راجل عصبي و طبعك ناشف، قولتلك تفضل معاهم علشان ميبدأوش شغل، انما أنتَ عاوز تدوس و خلاص، و ركبتنا حق حتى لو إحنا مش غلطانين"

تدخل «ياسين» يقول بنبرةٍ هادئة:
"بص يا شيخ صالح دلوقتي اللي أنا فهمته إن أنا اتبعت هنا عن قصد يعني لو قدرت أحل المشكلة يبقى خير و بركة و لو مقدرتش و روحت فيها أو على الأقل رجعت زي ما جيت يبقى خسارة وقت و مجهود ليا و لشغلي و لسمعتي في الشركة، أنا عن نفسي مسامح في كل دا و هبدأ من جديد كأني لسه واصل هنا، بس ليا طلب عندك"

رد عليه الرجل مُرحبًا بحديثه:
"تحت أمرك يابني اؤمرني"

نظر «ياسين» إلى «يوسف» الذي كان يحاول فهم حديثه على الرغم من حالة الاعياء التي اصابته و الرجفة التي سارت بجسده، فأومأ له «ياسين» بأهدابه ثم قال بهدوء موجهًا حديثه للرجل:
"عاوز اروح شمال سينا نفسها، أو أي مكان أقدر افتح منه نت و اتواصل مع الشركة و رئيس المشروع، و وعد مني كل المشاكل هتتحل و بوضع يرضيكم"

نظر الرجل لمساعده ثم زفر بقلة حيلة و قال بعدما رسم ابتسامة هادئة على وجهه:
"حاضر، نصلي الفجر بس قبل ما يفوتنا و نروح مطرح ما تَريد، حاجة تاني ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم قال:
"متشكر، بس وعد مني إن كل حاجة هتتحل و مستحيل ارضى بالخسارة ليكم، خليك بس واثق فيا و حقك هيرجع، و أنا مبدأيًا كدا متأسف عن أي خساير حصلت ليكم، بالنيابة عن الشركة كلها كمان"

بنفس الوجه المبتسم رد عليه الرجل بنبرةٍ هادئة:
"من غير أسف يا بني متقولش حاجة، هو من الواضح كدا إن هشام دا كان قاصده يورطك في حاجة، لو أعرف من الأول إن الحكاية كدا مكنتش بدأت من الأول غلط كدا"

حرك رأسه موافقًا على حديث الرجل، فقال من جديد مُكملًا حديثه:
"بس يعلم ربنا يا بني أنا مش قاصد ليك الشر أو الأذى، خصوصًا إني حسيت إنك ابن أصول و بان عليك التربية و الأخلاق، صحيح سماهم على وجوههم"

أبتسم له «ياسين» فتحدث «يوسف» بتهكمٍ:
"كل دا و سماهم على وجوههم ؟! علشان كدا بوظتوا وشه ؟! حِكَم !!"

طالعه الرجل الأخر بحنقٍ و هو يرفع أحد حاجبيه فتحدث «يوسف» بسخريةٍ:
"بُصلي كويس و صورني كمان، الصحرا واسعة و اللي بيروح فيها مبيرجعش"

تحدث «صالح» في تلك اللحظة يقول مُسرعًا حتى لا يتشابكان سويًا من جديد:
"طب يلا نصلي الفجر و بعدين نشوف ورانا إيه ؟! يلا ربنا يهدي الجميع"

وافقه الجميع و حركوا رأسهم بموافقةٍ فتحرك هو و مساعده خلفه نحو الخارج و قبل أن يهم «ياسين» بالمغادرة هو الأخر، أمسك «يوسف» يده و هو يقول مُسرعًا بلهفةٍ:
"استنى بس يا ياسين، أنتَ ناوي على إيه ؟! أنا مش مرتاح ليك"

رد عليه يُطمئنه بقوله:
"متخافش، أنا قبل ما اتصرف أو أعمل أي حاجة تضرني، هتصرف و أسأل قبل ما ادي لحد كلمة و أطلع مش قدها"

تحدث «يوسف» بنبرةٍ جامدة ينذره و يحذره من القادم:
"ياسين !! خلي بالك علشان الحاجات دي مفيهاش هزار، دول عرب يعني كلمتهم زي السيف، و اديك شوفت نتيجة اللي الشركة عملته، خلي بالك بس"

حرك رأسه موافقًا على مضضٍ ثم رفع كفه يتحسس حرارته و خاصةً مع ظهور العبرات في عينيه اللاتي زاغتا في الحال نتيجة ارتفاع الحرارة، تفاجأ «يوسف» من فعله فعاد للخلف فورًا، حينها زفر «ياسين» بقوةٍ ثم قال:
"كدا مش هينفع يا يوسف، لازم دوا السخونية رجعت تاني، اتوضا و صلي هنا متخرجش في الهوا، و أنا هروح معاهم شمال سينا و اجيبلك دوا من هناك"

رد عليه رافضًا بصوتٍ قاطعٍ:
"لأ مش هينفع، هخرج اصلي معاك و بعدها نروح سوا شمال سينا، مش هعرف اتطمن عليك لوحدك، يلا بس روح اتوضا لحد ما اخد دُش يفوقني شوية"

تحرك «ياسين» من الغرفة فيما نظر «يوسف» في أثره بتأثرٍ ثم حرك رأسه ينظر للمصحف الموضوع على الطاولة و الذي كان يقرأ منه «ياسين» طوال الليل بجواره.
_________________________

بعد مرور عدة ساعات و خاصةً 
في بيت الشباب نزل الشباب جميعهم دون «وليد» الذي بقىٰ في البيت و طلب متابعة العمل و  إرساله لهم، جلس في شقته في غُرفة الانتريه و أمامه الحاسوب الخاص به يقوم بتعديل التصميمات قبل إرسالها، فجأة اقتربت منه «عبلة» تجلس بجواره و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"وليد، أنا هنزل أجيب حاجات من تحت علشان الشقة متبقاش فاضية، الفلوس فين ؟!"

رفع نظره من على الحاسوب و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عندك في الكومودينو جنب السرير، خدي اللي تعوزيه، مش عارف الفلوس فيها هتفكي و لا لأ"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"خلاص، عاوز حاجة من تحت اجيبها ليك ؟! و لا إيه ؟!"

سألها هو بمشاكسىةٍ:
"أنتِ مش عاوزاني أجي معاكي خالص ؟! أساعدك...اعاكسك ؟!"

ابتسمت له و هي تقول:
"لأ خليك علشان خديجة لوحدها و خلود تحت عند فارس و معاها هدير و سلمى عند جميلة، اتكلم مع خديجة كدا لحد ما أجي حاول تخليها تفك شوية"

حرك رأسه موافقًا و قبل أن تتحرك هي من جواره سحبها نحوه بقبل وجنتها ثم غمز لها و هو يقول بنفس المشاكسة:
"خلي بالك من نفسك يا سوبيا"

حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من جواره نظر هو في أثرها بابتسامة تشكلت على مُحياهُ ثم تنهد بعمقٍ و بعدها قرر الصعود فوق سطح البيت لرؤية «خديجة» التي جلست بمفردها منذ الصباح و بعد تناولها للفطور.

خرج من شقته متوجهًا للأعلى حيث مكان تواجدها، فرآها تجلس على الأرض و خصلاتها مفرودة خلف ظهرها و هي تطاير بفعل نسمات الهواء الباردة، و هي تتنفس الهواء و تستنشقه لرئتيها، ابتسم هو بيأسٍ ثم اقترب منها يجلس مقابلًا لها على ركبتيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"صباح الخير يا كتكوتة !! جرى إيه يا خديجة ؟! قاعدة لوحدك هنا ليه ؟! هو أنا ابن جوز أمك ؟"

حركت عينيها تطالعه بتعجبٍ و هي ترد عليه بهدوء:
"ليه بتقول كدا ؟! أنا زي الفل أهوه متخافش، كنت بس سرحانة شوية قولت اقعد هنا"

اعتدل في جلسته حتى أصبح وضعه أكثر راحةً و هو يقول:
"سرحانة في ياسين صح ؟!"

اخفضت رأسها بخجلٍ منه و من الاجابة فرفع وجهها و هو يبتسم لها ثم قال:
"مكسوفة ليه بس ؟؟ قولي إنك سرحانة فيه و وحشك و مش طايقة العيشة من غيره"

ردت عليه هي مُسرعةً بحزنٍ:
"مش قصدي كدا، بس أنا حاسة بحاجة غريبة أول مرة أحسها، حاجة كدا مش مفهومة، بس أنا مش حباها، الغريب إن هو اللي كان فاهم كل دا، من غير ما حتى ما أقول، عاملة زي عيل صغير تايه حد اخده يربيه و يرعاه في بيته و مرة واحدة سابه و مشي، حسيت مرة واحدة إن أحسن نسخة مني كانت بتطلع في وجوده هو، للحظة كدا فكرت و لقيت نفسي بخاف، حاسة إن الدنيا مستكترة عليا أني ارتاح يا وليد، حتى و هو غايب و أنا هنا معاكم، عارفة و متأكدة إن هو هناك مش كويس، و قلبي مصيبته إنه بيحس بكل حاجة"

رد عليها هو مُسرعًا يحاول طمئنتها و انتشالها من ذلك التكفير السودوي:
"غلط يا خديجة، مينفعش تسيبي نفسك كدا، فاكرة زمان لما قفلتي على نفسك و هربتي من الكل كانت النتيجة إيه ؟! طب فاكرة كان وضعك ازاي ؟! بلاش كل دا، ياسين تعب معانا أوي و بذل مجهود و استحمل طول فترة كتب الكتاب انه يشيل علاجك النفسي كله، و رجعلي الفلوس اللي كنت دفعتها عند هناء، ياسين بذل معانا جُهد و طاقة كبيرة مش عاوزينهم يضيعوا، عاوزه يرجع فرحان علشان لو هو بيتعب هناك أكيد مفيش حاجة هتريحه غير رجوعه لبيته و مراته و حياته، عاوزينه يرجع يرتاح معاكي مش يعيد فترة صعبة من تاني يأهلك فيها !! تمام ؟!"

حركت رأسها موافقةً فسألها هو بسخريةٍ و هو يضربها على وجهها بخفةٍ:
"و بعدين الفيديو اللي أنا بعتهولك مش عاجبك ؟! بقى أنتِ بتتريقي عليا"

ابتسمت هي له من بين عبراتها المُنسابة على وجهها، ففتح هو هاتفه ثم قام بإخراج الفيديو القصير الذي سبق و ارسله لها حتى تقوم  هي بوضعه عبر تحديث قصتها في تطبيق "الواتساب" حيث كان الفيديو عبارة عن أمواج البحر وسط الغروب و صوت الكلمات فقط بدون موسيقى:

"إحنا كنا الحُب ذاته قبل ما تسافر بعيد....قولتلك خُدني معاك....قولت راجع من جديد...إحنا كنا الحُب ذاته قبل ما تسافر بعيد....قولتلك خُدني معاك....قولت راجع من جديد... و اتواعدنا و اتعاهدنا بالعهود قبل الكلام، و اتفقنا على الرسايل و ابتسمت و قومت قايل.... مستحيل في يوم تنام....قبل ما تكبتلي غنوة أحس فيها بالأمان.... و انتظرت يجيلي ردك و أنتَ عارف معنى بُعدك....وحدتي رجعلتي بعدك...اللي غابت يوم في ضلك"

بكت و هي تستمع لتلك الكلمات فاحتضنها «وليد» مُسرعًا و هو يربت على ظهرها، و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عيطتي أحسن ما تكتمي الزعل، مش عيب إنك تحسي انك زعلانة، بس عيب إنك تيجي على نفسك و تفهميها إن الوجع مش فارق معاكي و في الأخر تتفاجئي إنك مش كويسة و مش بخير، أنا معاكي و راضي إنك تعيطي و تشتكي كمان و تقولي كل حاجة مزعلاكي، زي ما طول عمري بشيلك همي و زعلي"

حركت رأسها موافقةً، فتحدث هو بسخريةٍ حتى ينتشلها من حزنها:
"فاكرة لما ياسين دا جيه يتقدملك و ساعتها كنت بحاول اقنعك توافقي، فاكرة ساعتها كان ردك إيه عليا ؟! قولتيلي هو مش ملاك علشان أحبه، أكيد فيه حاجة هتيجي في يوم تخليني أندم على خطوة زي دي، و قولتيلي إن كلنا بشر مش ملايكة، فاكرة يا خديجة ؟!"

حركت رأسها موافقةً فابتسم هو بيأسٍ و هو يقول:
"هو فعلًا بشر بس بدرجة إنسان يا خديجة، كلنا بني أدمين عادي بس ياسين واخد درجة كبيرة في الانسانية، عرفتي بقى أنه مش زي باقي البشر ؟!"

ردت عليه هي بنبرة صوتٍ مُختنقة من البكاء:
"بس هو طلع زي الملايكة يا وليد، طلع أحسن ما فكرت فيه بمليون مرة، طلع حاجة مفيش منها اتنين، حسيت بوجوده إن الدنيا بتعتذر ليا عن اللي فات في حقي، لحد ما نسيت أني تعبت و زعلت في يوم من الايام"

اقترب منها يُقبل رأسها ثم قال بهدوء:
"و هو هيرجع ليكي من تاني، و ساعتها كل حاجة حلوة هتكون الضعف علشان انتم سوا و مع بعض، و بعدين أكيد الشغل دا خير ليه، ياسين مش وحش علشان يحصله حاجة وحشة يا خديجة"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له، فغمز لها و هو يقول بمشاكسىةٍ:
"هروح بقى أشوف هدير اللي مزعلة حسن منها و احرق دمها  و اعصب هدى شوية"

مسحت دموعها و هي تقول بضجرٍ و يأسٍ منه:
"يابني حرام عليك اتهد بقى، مفيش حد يلمك خالص كدا ؟!"

غمز لها و هو يقول بعبثٍ و قاحة:
"اللي بتلمني بتجيب حاجات مش هنا، وعد أول ما ترجع أنا هلم نفسي في شقتي معاها، بس خليكي هنا علشان أخد راحتي"

أغلقت عينيها بيأسٍ و هي تقول بقلة حيلة و حنقٍ امتزجا ببعضهما:
"يا رب صبرني على قلة أدبه و سفالته، أنا مش طالبة كتير، الصبر من عندك يا رب"

ضحك هو عليها ثم وقف و هو يغمز لها ثم قال بهدوء:
"صح !! تليفونك مقفول ليه ؟!"

تنهدت هي بضجرٍ ثم ردت بإيجازٍ:
"على الشاحن، قفلته كدا كدا محدش هيكلمني دلوقتي"

حرك رأسه موافقًا ثم قال و هو يتلفت مُغادرًا من أمامها:
"طب افتحيه علشان عمو طه عاوز يكلمك من الصبح"

اختفى أثره من أمامها و هي تتابعه و رغمًا عنها ابتسمت و هي تحدث نفسها بقولها:
"والله مش عارفين نزعل من عمو مرتضى أنه كسل يربيك و لا نشكره علشان كسل يربيك"
_________________________

نزل «وليد» شقة أخيه ثم ضرب الجرس حتى فتحته له «خلود» و هي تحمل «فارس» على ذراعها و تقوم بوضع الطعام في فمه عن طريق الزجاجة المُخصصة له، فقال هو بسخرية حينما رأى اهتمامها بالصغير:
"ما شاء الله اللي جابلك يخليلك، عقبال عيالك يا رب"

ردت عليه بحنقٍ:
"خير عاوز إيه ؟؟ مش لاقي حاجة تعملها جاي ترخم علينا ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بهدوء:
"قولي لهدير أني عاوزها ضروري، لو كدا خليها تخرجلي من جوة"

حركت رأسها موافقةً ثم دلفت للداخل بعدما تركته يقف على عتبة الشقة، و بعد مرور ثوانٍ خرجت له هي و خلفها «هدير» تسأله بتعجبٍ:
"نعم يا وليد ؟! فيه حاجة و لا إيه؟!"

رد عليها مؤكدًا بقوله الثابت:
"آه، فيه يا هدير، مزعلة حسن منك ليه ؟! هو ناقص زعل منك أنتِ كمان يعني ؟!"

زفرت هي بقوةٍ ثم قالت:
"طب ادخل علشان نعرف نتكلم مش هينفع من على الباب كدا، ادخل يلا"

دلف الشقة خلفها ثم جلس على أول مقعد يقابله و هو يقول:
"ها أنا قعدت أهوه، حسن مشي الصبح زعلان ليه يا هدير ؟؟ طول الليل كانت القعدة حلوة و كلنا زي الفل"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"أنا مزعلتهوش و مكانش قصدي ازعله، هو اللي زعل مني و مسابليش فرصة أفهمه وضعي"

سألها بسخريةٍ:
"ها يا أستاذة هدير و إيه هو وضع حضرتك بقى ؟!"

زفرت هي بقوةٍ حينما استشفت السخرية في حديثه ثم قالت:
"أنا مش عاوزة منك تريقة، كل الحكاية أني مش هقدر أروح الشقة دلوقتي، أخته لسه ماشية منها، قولتله يسيبني هنا كام يوم و أنا هرجع معاه"

رد عليها هو بثباتٍ:
"و أنتِ عارفة حسن كويس يا هدير، و طول عمره نفسه عزيزة بس علشان ميزعلكيش وافق إنكم تفضلوا هنا، بس مش حسن اللي هيوافق إنه يفضل قاعد في مكان مش بتاعه حتى لو بيت إخواته، يبقى الحل إيه ؟!"

ردت عليه هي مُسرعةً بنبرةٍ اقرب للبكاء:
"بس أنا لو رجعت هناك دلوقتي هكره البيت و نفسي و المسافات بيني و بين حسن هتكبر، أنا كل اللي طلباه منه بس يسيبلي فرصة أحاول انسى اللي حصل، يا وليد لحد دلوقتي منظري و أنا ماشية في الشارع لوحدي بشوفه و أنا نايمة و بخاف، لو روحت هناك و أنا لسه منسيتش أي حاجة، المشكلة هتكبر، حسن مش مستوعب حاجة"
 
تنفس بعمقٍ ثم قال مراعيًا ما سبق و مرت به و ما يجول بخاطرها:
"أنا فاهم كلامك و معاكي فيه و مش هقدر اغيره أو اقنعك بغيره، بس على الأقل حسن مجروح من أقرب الناس ليه، واحدة عمره ما بخل عليها بحاجة، و ليها من مبلغ محترم بيروح ليها و لعيالها و عمره ما قصر معاها في حاجة، و في الأخر خربت حياته علشان مش عاوزة حد يقاسمها فيه و في فلوسه، متجيش أنتِ كمان بقى تدوسي على جرحه، الواد مش ناقص يا هدير"

تهجم وجهها و ملامحها ظهر عليها الضجر و اليأس، فزفر هو بعمقٍ و قبل أن يتحدث صدح صوت هاتفه برقم غريب، عقد ما بين حاجبيه و هو يرى الرقم مُسجل عبر تطبيق التعرف على هوية المُتصل باسم
 "عم توفيق انابيب" تحدث هو بسخريةٍ:
"عم توفيق انابيب ؟! احنا بيتنا غاز طبيعي، مين دا ؟!"

ضغط على زر الايجاب حتى يُجيب على المُكالمة فوصله صوت «عبلة» تقول ببكاءٍ:
"الحقني يا وليد أنا اتثبت و اتسرقت، الحقني علشان خاطري"

هب مُنتفضًا من مكانه و هو يقول بقلقٍ و خوفٍ مزق نياط قلبه عليها و هو يقول:
"عبلة !! أنتِ فين طيب ؟! انتِ كويسة ولا فيكي حاجة ؟!"

ردت عليه هي ببكاءٍ و بصوتٍ متقطع ٍ:
" وقعت في الشارع بس أنا كويسة.... بس خدوا مني الموبايل و الفلوس يا وليد.... تعالى الشارع اللي عند السوبر ماركت..... تعالى أنا خايفة علشان خاطري"

ركض هو فورًا من مكانه و لم يعبأ بصوت الفتيات و حديثهن له حتى يقول ما حدث و يطمئنهم على اختهم، و قد ركض من البيت فورًا على قدميه و كل ما يتردد على مسامعه هو صوتها و هي تقول ببكاءٍ:

"تعالى أنا خايفة علشان خاطري"

وصل إلى الشارع الذي أخبرته به فوجدها تجلس على الأرض و هي تبكي و حولها ثلاث سيدات و رَجلين، ركض إليها فورًا يجلس على ركبتيه و هو يحاول جاهدًا في اخراج حديثه حتى قال أخيرًا:
"عبلة !! أنتِ كويسة ؟!"

اجهشت في البكاء و هي ترتمي عليه، فشدد هو عناقه لها و هو يتنفس الصعداء، ففكرة فقدانها و تعرضها للخطر كانت مثل السكين تُمزق روحه، تحدثت احدى النساء الواقفات تقول براحةٍ:
"طب الحمد لله جوزك جيه بسرعة اهوه يا بنتي، ربنا يسترها عليكي و على بناتنا كلهم"

ابتعد عنها يسمح وجهها و هو يسألها بنبرةٍ متحشرجة:
"حصلك إيه ؟؟ حد جيه جنبك طيب ؟! ردي عليا متسكتيش كدا علشان خاطري عندك"

ردت عليه بصوتٍ متقطع:
"كويسة.....بس أنا خايفة يا وليد، روحني علشان خاطري"

مسح دموعها بيده ثم قبل رأسها و وقف بعدها يساندها حتى تستطع الوقوف بجواره و السير معه، فاوقفه الرجل الذي أعطاها هاتفه:
"طب مش هتعمل محضر يابني ؟! أو على الأقل تحاول ترجع الحاجة بتاعتها ؟!"

وضعها «وليد» أسفل ذراعه يحتويها به و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"في داهية كل حاجة، المهم أنها كويسة و قصادي، كل حاجة لو ضاعت قصاد أنها تكون كويسة فداها يا عم الحج"

رد عليه الرجل بتقديرٍ لهما:
"ربنا يحفظكم لبعض يا بني، خلي بالك منها بس علشان عمالة تترعش و وشها أصفر"

حرك رأسه موافقًا ثم التفت لها يسألها بنبرةٍ هادئة و عينيه تنطق بكل كلمات الخوف و القلق و كذلك نبرة صوته:
"قادرة تمشي كويس يا عبلة ؟!"

رفعت عينيها تطالعه و العبرات تلمع في مُقلتيها ثم حركت رأسها موافقةً و هي ترى الخوف باديًا عليه بتلك الطريقة، بينما هو شدد على مسكتها يحتويها بذراعه و بالآخر يمسك كفها حتى أصبحت بكامل جسدها تحت رعاية جسده و ظل حمايته.

كانت هي تتحامل على نفسها في السير و خاصةً بعد سقوطها على جنبها الأيسر بسبب دفعة المرآة لها، لاحظ هو تألمها و تحاملها حتى تسير بجوراه، فأوقف سيارة أجرة حتى ينقلها للبيت، حينها ردت عليه هي بصوتٍ واهٍ و كأنها تتحدث عنوةً عن ذاتها:

"بلاش يا وليد، البيت قريب أوي، خلينا ناخدها مشي"
رد عليها هو مُقررًا باصرارٍ:
"مستحيل، أنتِ مش قادرة تمشي و رجلك باين عليها أنها وارمة، تعالي يلا"

ادخلها أولًا في السيارة ثم دلف هو بجوارها و أخبر السائق بوجهته، و قد تعجب السائق بسبب قرب المسافة و التي لا تبعد سوى أمتار قليلة من ذلك الشارع الرئيسي، بعد مرور ثوانٍ توقفت سيارة الأجرة، حينها نزل «وليد» أولًا ثم التفت ناحيتها يفتح الباب و هو يعاونها في النزول، ثم مال على السائق يمد يده له بالورقة المالية فئة المئة جُنيه، فرمقه الرجل بضجرٍ و هو يقول:
"هو صباح باين من أوله، يا باشا شوفلي عشرة جنيه فكة، معيش فكة مِية على الصبح"

رد عليه «وليد» بقلة حيلة و أسفٍ:
"مش معايا فَكة و الله يا حج، خلاص ربنا يكرمك بقى"

رفع الرجل حاجبيه و هو يرى «وليد» يترك له الورقة المالية بأكملها، فسأله بسرعةٍ:
"يابني، هتسيبلي الفلوس كلها ؟؟ استنى هشوفلك فكة طيب"

أبتسم له و هو يقول بهدوء:
"مش عاوز يا حج، ربنا يكرمك و يرزقك إن شاء الله"

سأله الرجل بمشاكسىةٍ:
"مسامح بقى و لا هتدعي عليا لما أمشي ؟! و العربية تتقلب بيا؟"

رد عليه بهدوء:
"متخافش، أنا ربنا لسه كرمني و نجد مراتي من السوء، اعتبرها حلاوة رجوعها ليا بالسلامة"

دعا الله له و لزوجته أن يرزقهما و يسعدهما سويًا ثم رحل من أمامهما، فسألته هي بتأثرٍ و ندمٍ:
"ربنا يخليك ليا، معلش بقى جاية عليك بخسارة تقيلة حبتين"

طالع عمق عيناها و هو يقول بنبرةٍ هادئة و القلق كما هو باديًا عليه:
"اللي معاه وجودك مش هيفرق معاه أي خسارة، و بعدين الحمد لله إنك بخير و رجعتي ليا كويسة، يلا بس علشان ترتاحي"

حركت رأسها موافقةً و هي تحاول تجاهل ضربات قلبها التي اوشك على الخروج من جنباته، فامسك يدها يحاول دعمها على التحرك، و قبل أن ترفع قدماها على الدرجات الصغيرة شعرت بالألم فتحاملت على نفسها و هي تكتم تأوهها، حينها لم يجد هو بُدًا سوى الحل الأخير، و حينها حملها على ذراعيه فجأةً فشهقت هي من هول المفاجأة عليها، حينها غمز لها و هو يقول:
"معملتهاش يوم فرحنا دي، بس مكتوبالك تتشالي يا بنت الرشيد"
ابتسمت له هي بتأثرٍ خاصةً و هي ترى خوفه و قلقه عليها بتلك الطريقة التي نطقت بها عينيه، دلف بها البيت حتى وصل أمام شقته فوجد الفتيات خلفهما بخوفٍ عليها و كلًا منهن تتحدث بخوفٍ عليها، حتى تحدث «وليد» بحنقٍ رافعًا صوته بصراخٍ:
"يا جاموسة منك ليها حد فيكم يفتح الباب، يخربيت غبائكم"

اقتربت منه «خديجة» تأخذ المفتاح ثم فتحت باب الشقة حتى دلف و زوجته على ذراعيه و كفيها يحاوطا رقبته، وضعها على فراش غرفتهما، ثم جلس مقابلًا لها و هي تبتسم بخجلٍ من الفتيات، حتى اقتربت منها «خديجة» تجلس بجوارها تمسك كفيها و هي تسألها بقلقٍ زاد أكثر حينما أمعنت النظر في وجهها الشاحب:
"عبلة أنتِ كويسة ؟! حصلك إيه و إيه اللي جرالك طيب خلى وليد ينزل جري كدا"

تنفست هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ مهتزة و هي تتذكر الموقف بأكمله:
"كنت ماشية و قربت ادخل السوبر ماركت لقيت واحدة أكبر مني بشوية كدا و شكلها غلبانة و لابسة عباية مبهدلة و كانت بتعيط باين، فضلت تنادي عليا لحد ما قربت منها و قولت أساعدها و خلاص أو اديها أي حاجة، لقيت في أيدها ورقة بتقولي اقري العنوان دا أنا تايهة و مش عارفة حاجة هنا و لو اتأخرت أكتر من كدا الناس مش هيرضوا يشغلوني، صعبت عليا و لسه ببص على الورقة في أيدها لقيت موتوسيكل بيقرب مني من ورا و حد بيقف ورايا و في ايده سكينة حطها على رقبتي....."

تهدج صوتها عند تلك النقطة فاقترب «وليد» منها يحتضن وجهها بكفيه و يقول بسرعةٍ:
"خلاص بلاش تتكلمي، بلاش لو دا هيخليكي تتعبي"

ردت عليه «خلود» مسرعةً:
"خليها تحكي علشان متبقاش خايفة، احكي يا عبلة احسن"

حركت رأسها موافقةً و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"شتمني شتيمة مش كويسة و قالي لو نطقت أو عملت حاجة هيغزني بالسكينة، افتكرت الست دي هتساعدني لقيتها بتقرب مني تاخد الموبايل و مسكت دراعي تلويه و خده مني الفلوس اللي معايا كلها هو حاطط المطوة على رقبتي و هي بتقلب في الشنطة و قبل ما تاخد الخاتم و الدبلة كان عمو بتاع الانابيب دخل الشارع، ساعتها حدفوني في وسط الشارع و ركبت وراه الموتوسيكل و طلعوا يجروا و أنا حتى من الخضة مش عارفة انطق، عمالة أعيط بس"

بكت من جديد فوجدته يحتضنها بين ذراعيه و هو يربت على ظهرها، تزامنًا مع قوله:
"خلاص يا عبلة علشان خاطري، كفاية كدا و ريحي شوية، فداكي كل حاجة"

ردت عليه هي ببكاءٍ:
"التليفون كان جديد يا وليد، يدوبك مكملش معايا حاجة، و كل حاجة عليه ضاعت حتى صورنا سوا، خايفة يفتحه"

اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال بهدوء مُطمئنًا لها:
"متخافيش أنا موجود و هتصرف، معاكي بس علبته ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم أدلته على مكانها، فربت هو على ظهرها ثم تحرك يأخذ العلبة حتى يستطع ايقاف الهاتف، جلست الفتيات بجوارها و كلهن تطمئن عليها، بينما «هدير» أخذتها بين ذراعيها تربت عليها بحنانٍ لم يعهده الجميع منها، فطالعن الموقف بتعجبٍ حتى مالت «خلود» على أذن «خديجة» تقول بنبرةٍ هامسة:

"أنا حاسة إن القعدة مع حسن حلوة أوي، البت هدير بقت مرهفة الإحساس، مش كنا بعتناها معاه منذ قديم الأزل ؟!"

وكزتها «خديجة» في مرفقها بحدة فحاولت «خلود» كتم شهقتها، كانت «جميلة» تتابعها بعينيها حتى حركت شفتيها تقول بهمسٍ وصل للأخرتين:
"مفيش منك فايدة"

رفعت حاجبها ثم نظرت لـ «خديجة» التي كانت تحاول كتم ضحكتها على أختها.

جلس «وليد» في الخارج ثم قام بفتح حاسوبه و ادخل الرقم الخاص بهاتف زوجته و بعد عدة دقائق زفر بقوةٍ تتخللها الراحة حينما استطاع التحكم في الهاتف و تحويل كل ما بداخله لحاسوبه، ابتسم بانتصارٍ و هو يرى ثمرة دراسته الجامعية تتحق في عمله الذي لم يكترث هو به، أغلق حاسوبه ثم دلف الغرفة مرةً اخرى و هو يقول:

"مش عاوزك تخافي، تليفونك و كل حاجة عليه بقت في أمان، و دلوقتي التليفون اتحرق و مبقاش ليه لازمة، و بالنسبة للفلوس في داهية المهم إنك بخير و قدام عيوني"

ابتسمت له هي فثبت عيناهُ عليها و كأنه يعتذر لها عما حدث بدون وجوده، حينها تحدثت «سلمى» تقول بهدوء حينما وجدت نظراتهما لبعضهما:
"طب أنا بقول نخرج برة أحسن علشان يتكلموا براحتهم، يلا و علشان ترتاح هي كمان"

وافق الجميع على حديثها ثم تحركن خلف بعضهن، حتى فرغت الغرفة إلا منهما، فانصاع هو لرغبة قدميه و قبلهما قلبه الذي لازال يتحرك خوفًا عليها، ثم جلس بجانبها و ضمها بذراعيه و رويدًا رويدًا شدد عناقه عليها حتى أوشك على خنقها، أما هي فألقت بنفسها و هي تبكي بصمتٍ، و حينما شعر هو بالدموع على ثيابه، ابتعد عنها يسألها بلهفةٍ:
"أيه اللي بيوجعك ؟! قوليلي يا عبلة لو فيه حاجة وجعاكي"

ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"بعيط علشان كنت خايفة أوي و السكينة على رقبتي، حتى لو مكانش هيعمل حاجة، بس الموقف خوفني أوي، كان نفسي تكون معايا و أكيد محدش كان هيزعلني كدا، و علشان الفلوس اللي ضاعت و معاها الموبايل كمان، حقك عليا"

رد عليها هو بنبرةٍ متحشرجة:
"فلوس و موبايل إيه يا هبلة أنتِ ؟! دا أنا روحي كلها فداكي و قليل عليكي يا عبلة، متقوليش كدا و تزعليني منك، الحمد لله إنك معايا و بخير يا سوبيا، دا أنا روحي كانت هتروح من خوفي عليكي" 

سألته هي بغير تصديق و كأنها تريد منه سماع تلك الأجابة:
"بجد ؟! خوفت عليا و لا بتقول كدا ؟!"

رد عليها هو مؤكدًا بسرعةٍ كبرى:
"أنتِ مش مصدقة أني خوفت عليكي ؟! دا أنا كنت هموت و الله، مستحيل أقبل فكرة إنك تتأذي يا عبلة، أنتِ عمالة تحكي و أنا سكاكين بتقطع فيا و عاوز أجيبهم أموتهم تحت رجلك هنا، بس أنا هعمل محضر، و مش هتدخل علشان مش هستحمل حد ييجي جنبك، و حقك عليا علشان كان المفروض أجي معاكي"

وضعت رأسها على كتفه و هي تبتسم باتساعٍ فرفع يده يُربت على ظهرها و هو يقول:
"ربنا يحفظك ليا من كل سوء، و يباركلي في وجودك و يخليلي عيونك"

اغمضت عيناها فورًا حينما تسللت لها الطمأنينة من تواجدها بقربه، فبعد الخوف الذي عايشته هي أصبحت تعلم تمام العلم أن الأمان في كنفه و الضوء فيها دربه.

 ابتعد عنها هو ثم أسند ظهرها على الوسادة، و بعدها اقترب من قدمها يخلع الحذاء ثم سألها عن موضع ألمها، أشارت له على قدمها اليسرى، فدلكها هو لها بهدوء  حتى شعرت بالاسترخاء في جميع أنحاء جسدها ثم اخرج المرهم الطبي من دُرج الطاولة المستديرة الموضوعة في أحد أركان الغُرفة ثم دلك لها قدمها المتورمة و هي تبتسم له، بعدها قام بلفها برابط الضغط ثم أمسك كفها الذي توسطه خدشٌ كبير الحجم ثم قام بدهن المرهم و وضع اللاصق الطبي عليه، انهى عمله ثم جلس مقابلًا لها يسألها بمرحٍ:

"ها يا سوبيا ؟؟ تمام كدا؟! و لا فيه حاجة تاني بتوجعك ؟! أنا موجود في الخدمة"

حركت رأسها نفيًا ثم قالت بهدوء و تأثرٍ من حنانه عليها:
"لأ كدا تمام اوي، ربنا يخليك ليا يا رب، أنا بقيت كويسة لما جيتلك هنا و شوفتك خلاص"

أبتسم لها هو فوجدها تتابع بحبٍ خالصٍ له بنبرةٍ هادئة:
"أنا بحبك و بحب حنيتك على كل اللي حواليك، بحب حنيتك على أخواتك، و على الكل، لما بشوف حنيتك بحس أني أكتر واحدة محظوظة في الدنيا كلها، أنا بحبك اوي و كل حظوظ الدنيا دي خدتها إنك صاحبي و جوزي و قبلهم حبيبي"

ضحك هو ضحكةٍ خافتة فوجدها تحتضنه و هي تتنفس بعمقٍ و كأنها تتذوق الراحة للمرةِ الأولى في حياتها، بينما هو لف ذراعيه حولها يضمها له سامحًا للراحة تقترب منه و تتخلل في روحه الممزقة.
_________________________

جلس «ياسين» في أحد الكافيهات العامة في شمال سيناء و بعد محاولته التي باءت بالفشل جيمعها في محادثة زوجته، حينها لم يجد أمامه سوى ارسال رسالة صوتية لها يُطمئنها عليه و يخبرها بمحاولاته في التواصل معها.

بعدها أخرج رقم أحد المدراء التنفيذيين المسئولين في الشركة عن المشروعات، رد عليه المدير و تواصلا سويًا فسأله «ياسين» بنبرةٍ هادئة و رزانةٍ في حديثه:
"معلش يا فندم عاوز استفسر من حضرتك عن حاجة مهمة جدًا"

سأله المدير التنفيذي بهدوء:
"طبعًا يا بشمهندس ياسين، اتفضل خير إن شاء الله"

اجابه بهدوء:
"خير يا فندم، كل الحكاية بس إن أنا بقيت المهندس المعماري المسئول عن المشروع اللي قريب من محافظة شمال سينا، و حاليًا العِمالة أقل من المشروع و حاجته، أقدر أنا اتصرف في عمالة من هنا علشان الجهد يتناسب مع طبيعة العمل المطلوب ؟!"

رد عليه الرجل بنبرةٍ هادئة غير مدرك الغاية من حديثه فبدا له مُبهمًا غير مُفسر ليقول:
"واحدة واحدة يا ياسين أنا مش فاهم حاجة، عمالة إيه و هتجيبها منين دي؟!"

رد عليه مُفسرًا بهدوء:
"يا فندم المشروع اللي في الصحرا عند شمال سينا، دلوقتي أنا محتاج عمالة، و محتاج ناس أكتر غير اللي معايا و قدرت اتوصل للعمال من هنا، هل أقدر اخليهم ضمن المشروع بحيث انهم يكونوا عمالة ليها مُرتب ؟!"

فهم الرجل مقصده من الحديث فرد عليه مُرحبًا بالفكرة:
"آه طبعًا على حسب حاجتك للعمال و الشغل اللي عندك، بس هو حضرتك قدرت تتوصل للعمال عندك ؟! على ما أظن المكان شبه خالي عندك"

رد عليه بهدوء:
"اتوصلت ليهم يا فندم، بس حاليًا مش هاخد أي خطوة غير لما أضمن حقهم في القبض و أنهم يكونوا بمرتب زي باقي العمال، اتصرف أزاي قبل ما اتفق معاهم ؟!"

أجابه الرجل بثباتٍ:
"تمام حلو أوي كدا، هبعتلك حاليًا شيت و تطبعه كذا نسخة و تسجل فيه اسم العمال على الورق و على الشيت الكترونيًا، و بعدها تبعتلي النسخة الالكترونية بالاسماء و تخلي معاك النسخ الورقي و مع كل يوم عامل يحضر عندك تسجل قدامه، و نفس التكرار لو غاب يوم، و تبعته اسبوعيًا علشان يتسجل و يتحسب ليهم القبض، بس دا للعمال اللي أنتَ جايبهم، انما الاساسيين دول مع الشركة هنا و مع رئيس العمال ليهم طريقة تانية"

تنفس «ياسين» براحةٍ كبرى حينما تأكد من ضمان حقوق العُمال، و بعد الاتفاق مع المدير طلب منه هو بترددٍ:
"معلش يا فندم، أنا مش عاوز حد يعرف بالمكالمة دي و لا بأي حاجة قولتها لحضرتك، ياريت تعتبرني معرفتش حضرتك أي حاجة لحد ما أجي، ممكن ؟!"

رد عليه الرجل بحيرةٍ:
"كدا كدا طول ما العمل ساري و لسه قيد التنفيذ محدش بيجيب سيرته، بس خير إن شاء الله"

تحدث هو مُفسرًا بسرعةٍ:
"خير يا فندم متقلقش، كل الحكاية بس أني لسه مش متأكد من رد العُمال، بس أنا كنت بتأكد من حضرتك، و غير كدا أنا مش عاوز حد يعرف بأمر العمالة علشان فيه عمالة كتير في الشركة و المعظم عاوزين ييجوا المشروع دا، و أنا هتواصل مع حضرتك و أفهمك الأمور باستفاضة، و هكون متشكر جدًا لحضرتك على تفهمك و تقدير لطلبي"

وافقه الرجل و أخبره بموافقته على طلبه في سرية الأمر و اتفق معه على ارسال أسماء العُمال له حتى يتم ارسال المرتب لهم شهريًا، بعدها أخرج «ياسين» ارقام أصدقائه في مكالمةٍ جماعية، حتى وصلته الإجابة منهم جيمعًا، فقال هو بهدوء:
"أنا بقيت بخير و كل حاجة بقت تمام أوي مش عاوزكم تخافوا"

رد عليه «عامر» مُسرعًا بلهفةٍ:
"بجد ؟! ياسين أوعى تكون بتقول كدا علشان نهدا شوية، أكيد كل حاجة بقت تمام ؟!"

رد عليه مؤكدًا بصدقٍ:
"و الله العظيم زي ما بقولك، كل حاجة بقت تمام الحمد لله، متخافش، بس لما أجي هاخد حقي و حق مرمطتي دي"

سأله «خالد» بنبرةٍ جامدة:
"حقك ؟! هو إيه اللي حصلك يا ياسين ؟! يابني عرفني مكانك و نجيلك بقى أحسن، الواحد من خوفه عليك مبقاش مستحمل خلاص"

تنهد هو بضجرٍ من فرط قلق صديقه، بينما «ياسر» تحدث بخوفٍ:
"ياسين ؟! خوفنا عليك زاد لما كلمتنا امبارح، نبرة صوتك قالت إنك مش بخير، و دي حاجة أنتَ مش هتكدبها، بس ريحنا بقى يا شيخ"

أبتسم هو بحنينٍ ثم قال:
"بصوا الخلاصة، هشام جابني هنا علشان يبقى عرف يستغلني و يربيني، بمعنى أني لو قدرت أخلص الشغل هنا و قدرت اتعامل يبقى كدا هو مخسرش حاجة، و لو مقدرتش أعمل حاجة، يبقى أنا اللي شخص فاشل و مش قد المسئولية، و بكدا ياخد نقطة على حسابي و حساب شغلي، بس على مين، مش ابن الشيخ اللي يخسر في لعبة هبلة زي دي، عــيب حتى و أنا أبويا رياض الشيخ"

ضحكوا جميعهم عليه فتحدث «عامر» بخبثٍ ممتزجٍ بالحماس:
"ياسين !! بقولك إيه ؟! نروح نربي هشام دا لحد ما تيجي ؟! إيه رأيك ؟! وافق علشان خاطري"

رد عليه برفضٍ قاطعٍ:
"لأ يا عامر، مستحيل، لما أرجع علشان ارتاح، لو هو فعلًا كان قاصد الهبل اللي حصل دا، يبقى ارتاح و أنا بشوف حقي قصاد عيني، لما ارجع ليكم بقى، ساعتها هنتصرف صح"

رد عليه «خالد» موافقًا:
"تمام، و أنا بصراحة عاوزك تكون معانا، أصل هشام دا خانقني و نفسي أخد حقي بالجامد، هوريه أبو يونس على حق"

رد عليه «ياسين» بحماسٍ:
"خلاص بقى متحمسنيش، أنا اللحظة دي نفسي فيها من ساعة ما عرفت، يلا سلام و خلوا بالكم من نفسكم"

وافقوه في الحديث، فاوقفهم هو بقوله مسرعًا يحذرهم جميعًا:
"بقولكم صح !! أبويا ميعرفش حاجة عن اللي حصل، مش ضامن يروح يتهور و يعمل حاجة تخلي هشام دا يأذيه، لما أرجع أنا هتصرف و أخد حقي و أخواتي معايا كمان"

أغلق معهم الهاتف ثم فتح الاشعارات الخاصة برقمها فوجدها كما هي مغلقة و كالمثل هاتف «وليد» و «خلود» و كذلك «أحمد» و الذي كعادته يغلقه فب عمله، زفر هو بقوةٍ و تمكن منه الإحباط، فارسل لها رسالةً صوتية:
"لو فتحتي طيب ابعتيلي على الرقم اللي كلمتك منه امبارح، أنا مش عارف اوصلك و كأن كل الطرق اتقطعت"

كان «يوسف» يشرب سيجارته و هو يتابعه، فنفث الهواء خارج رئتيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"لو حد معاه رقم تاني كلمه، شوف قرايب أو جيران، أو أي حد"

رد عليه بقلة حيلة:
"أخواتها مش بيردوا عليا و هي موبايلها مقفول، كنت عاوز بس اتطمن هي بقت كويسة و لا لأ؟!"

أبتسم له و هو يقول بهدوء:
"متخافش أوي كدا هي أكيد مش عيلة صغيرة يا ياسين، بلاش خوفك الزيادة دا"

رمقه «ياسين» بيأسٍ و هو يقول:
"أنتَ مش فاهم حاجة يا يوسف، خالص للأسف"

زفر بقوةٍ فابتسم الأخر بسخريةٍ و هو يقول مُستهزئًا بحاله:
"يا أخي حب إيه دا اللي يخلي راجل زيك كدا خايف على واحدة كأنها عيلة صغيرة ؟! الواحد بيتجوز علشان دماغه تريح شوية، دي مسئولية تانية"

حرك «ياسين» مُستنكرًا وهو يسأله بتعجبٍ:
"قصدك إيه، أنا مش فاهم حاجة"

رد عليه مُفسرًا:
"يعني إحنا بنتجوز علشان نريح دماغنا يا ياسين، و علشان حاجة تانية أنتَ فاهمها، مش كل الناس بتقدر تتحكم فيها، فالحل في الجواز علشان منعملش حاجة غلط، الحب بقى و حواراته دي في الحواديت و الأفلام، إلا بنسب قليلة بتكون شبه منعدمة"

أبتسم له «ياسين» بسخريةٍ و هو يقول بيأسٍ:
"أنتَ بعيد أوي يا يوسف عن معنى الجواز، أو متعرفش يعني إيه جواز، لو عرفت يعني إيه ونس و سكن مش هتقول كدا، إحنا بنتجوز علشان نكون عندنا بيوت على شكل ناس، بنتجوز علشان لما حملك يبقى تقيل تلاقي معاك كتف يشيل، مسيرك يوم تجرب يعني إيه حد اقرب ليك من أبوك و اقرب ليك من أمك و أقرب ليك حتى من نفسك، حد شايف نفسك فيه، الإنجاز بجد لما توصل للاستقرار النفسي و أنتَ معاه، ربنا يكرمك باللي تكون لروحك بيت تسكنه و زي الأرض لقلبك تحضنه، ربنا يكرمك بواحدة تشوف الدنيا بعينها"

أبتسم له «يوسف» بتأثرٍ ثم قال بعدما زفر بقوةٍ:
"يمكن علشان مشوفتش قدامي حب، و يمكن علشان اللي افتكرت أني بحبها خدت منها قلم محترم، و لا يمكن أنا اللي مليش خلق من الأساس؟ بس أقولك حاجة ؟! حاليًا أنا عاوز أجرب احساس حبك دا، بتحبها أوي كدا ؟!"

سأله باهتمامٍ، و على الفور لمعت عينيه و تبدلت نبرته لأخرى حنونة هائمة و كأنها أمامه:
"بحبها ؟! يابني دا أنا بقيت بحب نفسي علشان هي حبتني، حاجة كدا غريبة، بس حلوة، المسئولية الوحيدة اللي فرحت لما شيلتها، هي أحن و أجمل ما زار العُمر، لو بايدي أعيد عمري كله من الأول تاني هعيده علشان تكون معايا من أوله فيه لحد أخر نفس فيا، لقيت فيها الوَنس و السَكَنْ و السَكينة، لما بقت معايا عرفت يعني الراجل هو أمان الست، لو مقدرش على كدا يبقى مش راجل أصلًا"

عقد «يوسف» ما بين حاجبيه بتعجبٍ فاضاف «ياسين» مفسرًا:
"واحدة مسلماك نفسها و حياتها و سايبة بيت أهلها و حياة مستقرة هادية، علشان تعيش معاك تحت سقف واحد و يتقفل عليكم نفس الباب، واحدة الرسول صلى الله عليه وسلم وصاك عليها، و ربنا سبحانه وتعالى ذكر علاقتك بيها في القُرآن في آية زي المعجزة، و بان في قوله تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
_صدق الله العظيم

انهى الآية ثم أعاد حديثه من جديد بقوله الحكيم:
"ربنا كرم البشر لما الست اتخلقت من ضلع الراجل، و بقى بينهم مودة و رحمة و سكن، حد تاني بيكمل روحك و بيربط بالمودة و الحب على قلبك، و عقل حكيم يكمل اللي ناقص عقلك في التفكير، ربنا يرزقك باللي تغير تفكيرك دا"

حرك رأسه موافقًا فباغته «ياسين» بسؤاله الغير متوقع:
"و بعدين إيه النضافة دي ؟؟ بتروح أماكن الاغنيا بس ؟!"

أبتسم له و هو يقول بقلة حيلة:
"مش مهندس بترول ؟؟ يعني مش على قلبي شوية برضه"

ضحك «ياسين» بقوةٍ ثم قال من بين ضحكاته:
"يا عم سَمِ الله ما يحسد المال إلا صحابه، لأ بجد صورك كلها حاجة نضافة، معلش أصل أنا بتاع حواري و مناطق شعبية، بس أنتَ منين ؟!"

سحب هواء السيجارة داخل رئتيه ثم أخرجه مرةً اخرى و هو يقول:
"من أبو الفِدا، محسوبك من شارع أبو الفِدا، عارفه"

رمش «ياسين» ببلاهةٍ و هو يقول بغير تصديق:
"أبو الفدا ؟! اللي عند الزمالك دي؟! بتهزر، هو فيه حد ميعرفهاش ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال ممازحًا له بحديثه:
"ميغركش أني من شباب الزمالك، بس أنا أساسًا عيل بتاع حواري، ناس الزمالك الهاديين دول مش جايين معايا، محسوبك من أشقية خط المرج_حلوان"

ضحك عليه «ياسين» ثم مد له كفه يعانق كفه في وضع التحية و هو يقول بمرحٍ:
"محسوبك ياسين من نفس الخط برضه"

ضحك كليهما فدلف لهما «صالح» في تلك اللحظة يقول بنبرةٍ هادئة:
"ها يا أستاذ ياسين خلصت المشكلة ؟! و لا لسه هندور على حل تاني ؟!"

ابتسم له ثم وقف احترامًا وتقديرًا له:
"لأ يا شيخ صالح، متقلقش، من بكرة إن شاء الله هنبدأ الشغل سوا، كلنا و بالعُمال بتوعك كمان، و أنا بنفسي أضمنلك حقهم و قبضهم زيهم زي العمال اللي معايا، حاجة تاني ؟!"

سأله بتعجبٍ و لهفةٍ:
"ازاي ؟! بالسهولة دي ؟! طب هما وافقوا ؟! و لا إيه الدنيا؟!"

أبتسم له بثقةٍ و هو يقول:
"دي بتاعتي أنا بقى، مش أنتَ كنت عاوز رجالتك و الادوات بتاعتك تشتغل ؟! أنا بفضل ربنا قدرت أعمل كدا و من بكرة الصبح تكون عندي الرجالة و المعدات بتاعتك، حاجة تاني ؟!"

أبتسم له الرجل و هو يقول ممتنًا له:
"الله يكرمك يا بني و يجبر بخاطرك، كدا الحق بيرجع لأصحابه، علشان أنتَ ابن أصول"

رد عليه «ياسين» مبتسمًا:
"الله يكرم أصلك، عاوز منك بس ورقة فيها اسم كل عامل هتجيبه و رقمه القومي و صورة بطاقته و رقم تليفونه، علشان ابعتهم للشركة و أضمن حقهم في القبض و المرتب، و بالنسبة للمعدات دي ليها فلوس لوحدها هنحسبها سوا و الشركة هتبعتها لينا، حاجة تاني يا عم الشيخ ؟!"

رد عليه نافيًا حديثه ثم أضاف:
"ربنا يكرمك يابني و يستر طريقك، و أنا آسف ليك عن أي حاجة زعلتك مننا، حقك على راسي و راس كل رجالتي، بس ربنا يكفيك شر كسرة الخاطر و قهرة راجل على لُقمة عيشه، صعبة يابني أوي"

حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ فأضاف الرجل مقررًا باصرارٍ:
"دلوقتي بقى هتيجي معانا نضايفوك و ندوقك أكلنا العربي، يلا معانا"

رد عليه مسرعًا برفضٍ:
"معلش يا شيخ صالح مش هينفع، علشان العمال اللي معايا و دول مسئولين مني، مرة تانية إن شاء الله"

رد عليه الرجل بنفس الاصرار:
"مستحيل، لازم تضايف و تنورنا في بيتنا و نقرا الفاتحة بينا"

رد عليه بقلة حيلة:
"لو عليا اتشرف طبعًا أني ازور بيتكم و يشرفني أني أكل معاكم، بس و الله معايا رجالة و مش هقدر أكل من غيرهم، اصغر واحد فيهم اكبر مني بخمس سنين، معلش أعذرني"

رد عليه الرجل مستسلمًا:
"خلاص يبقى واجبك و واجب الرجالة يوصل لحد عندكم، و دي مفيهاش رفض و لا حجج، اتفقنا؟"

حرك رأسه موافقًا و هو يقول:
"اتفقنا يا شيخ صالح"
_________________________

غفيت «عبلة» في ثباتٍ عميقٍ بين ذراعيه و هي تتشبث بثيابه حتى غفى معها هو الأخر و فجأة فتح عيناه و فاق من غفوته الطويلة الغير مقصودة و  تركها هو ثم دثرها بالغطاء جيدًا و هو يطالع قسمات وجهها الهادئة و التي اختبئت خلف السكون المغلف وجهها بعنايةٍ، اقترب منها حينها يلثم جبينها ثم وجنيتها على حِدة حتى تململت هي في نومها، حينها ارغم نفسه و ابتعد عنها، ثم خرج من الغرفة يجلس بالخارج فوجد كلًا من «خديجة» و «خلود» بالخارج، فسأل هو بهدوء:

"قاعدين كدا ليه ؟؟ هو أنا اتأخرت أوي كدا جوة؟!"

ردت عليه «خلود» بسخريةٍ:
"لا يا عم عيب متقولش كدا، هما يدوبك كام ساعة بس، متكبرش عليهم الموضوع"

مسح وجهه بكفيه معًا فسألته «خديجة» بنبرةٍ هادئة:
"طمني عليها يا وليد، عبلة كويسة ؟؟ و لا لسه ؟!"

حرك كتفيه مما يدل على جهله بالأمر و هو يقول:
مش عارف يا خديجة، بس رجليها كانت وارمة شوية قبل ما تنام، أنا حطيت ليها مرهم و ربطها، هي مش محتاجة جِبس بس برضه أنا خايف، و كفها متعور بس الحمد لله مش أوي"

ردت عليه «خديجة» بقلة حيلة:
"طب و هي كانت فين لوحدها ؟! ازاي تسيبها يا وليد تنزل من غيرك"

رد عليها هو مُسرعًا:
"قولتلها أروح معاها و هي قالتلي خليك علشان خديجة هنا لوحد....."

توقف عن الحديث حينما أدرك ما  كان سيكمله في حديثه، فسألته هي بترقبٍ:
"كمل !! يعني أنتَ كنت هتنزل معاها بس هي رفضت علشان أنا موجودة هنا ؟!"

رفع كفيه يمسح وجهه بعنفٍ ثم قال بهدوء:
"لأ يا خديجة، هي قالتلي إني مش هينفع اسيب البيت و فيه البنات كلهم علشان ممكن واحدة منكم تحتاج حاجة، مش قصدها أنتِ بعينك"

طالعته بعينيها و ترقبٍ و شكٍ في صدق حديثه، فاقترب منها يجلس بجانبها و هو يقول:
"دا نصيب لا أنا و لا أنتِ لينا دعوة بيه يا خديجة، كان ممكن أكون معاها و أنا أكون جوة و هي برة و كان يحصل كدا، اللي حصل كله خير، بس أنا مش هرتاح غير لما أعمل محضر علشان أجيب حقها، أو على الأقل علشان اللي حصل دا ميتكررش تاني مع حد غيرها"

حركت رأسها موافقةً فقال هو لـ «خلود»:
"تعالي معايا يا خلود ننزل نجيب حاجات من تحت و نجيب الغدا"

ردت عليه «خديجة» بلهفةٍ:
"استنى أنا حضرت الغدا أصلًا علشان عبلة، و عملت ليها أكل، بلاش تتعب نفسك"

رد عليها هو بامتنانٍ:
"ربنا يخليكي لينا، تسلمي و يسلم وجودك لينا يا حبيبة أخوكي"

ابتسمت هي له فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"طب أنا نازل علشان اجيب حاجات من تحت و علشان اجيب دوا من الصيدلة يكون مفعوله قوي لـ رجلها، حد فيكم عاوز حاجة من تحت ؟!"

رفضت كلتاهما، فتحرك هو من أمامهما ثم خرج من الشقة بأكملها، و حينها تذكرت «خديجة» أمر هاتفها و أنها تركته منذ الصباح، فشهقت بقوةٍ ثم صعدت إلى الأعلى و هي تخشى أن تكون فاتتها مكالماتٍ من والدي «ياسين» و والديها، أقتربت من السطح ثم أخرجت الهاتف من الشحن و قامت بفتحه، و بعد مرور ثوانٍ وصلتها رسائل بالمكالمات الفائتة منه و قد وصل عددهم إلى ٣٣ مكالمة فائتة منه و خمسة من والديه، تنفست بعمقٍ و زاد توترها، ثم قامت بفتح تطبيق "الواتساب" فوجدت رسالةً صوتية منه فحواها:
"صباح الخير يا خديجة، أنا عمالة اكلمك من بدري و بحاول اوصلك بس يئست و مش عارف، المشكلة إن الفرصة دي مش بتتكرر كتير، المهم أنا بطمنك أني كويس و عارف إنك قلقانة عليا، بس علشان اريحك هقولك والله أنا إن كل حاجة بقت كويسة، و لو فيه حاجة كانت مخلياكي قلقانة دلوقتي بس أقدر اقولك أني بقيت بخير، ابقي طمنيني عليكي و كلميني على الرقم اللي كلمتك منه، دي الوسيلة الوحيدة اللي موجودة"

نزلت الدموع من عينيها و هي تستمع لصوته و كلماته و خاصةً حينما حاولت التواصل معه فوجدت رقمه خارج التغطية كما حاله الدائم، و لكن لفت نظرها رسائل أخرى منه، حينها ضغطت على فتح واحدةً منهم فوصلها صوته هو يغني لها:

"و بحبك وحشتيني....بحبك و أنتِ نور عيني، دا و أنتِ مطلعة عيني بحبك موت....لفيت قد إيه لفيت....ما لقيت غير في حضنك بيت....و بقولك أنا حنيت....بعلو الصوت....و كأن الوقت في بُعدك واقف مبيمشيش....و كأنك كنتي معايا بعدتي و مبعدتيش.... في دمي حبيبتي و أمي زي ما أكون ببتدي أعيش"

انهى الغناء ثم قال بهدوء في رسالةً أخرى:
"أنا كنت مسجلها بصوتي بليل علشان لو صادف و قدرت ألاقي شبكة ابعتها ليكي، و سبحان الله إحساسي طلع صح، و متخافيش مسجلك الحتة اللي بتحبيها، هبعتهالك"

ضغطت على الرسالة التالية فوصلها المقطع الأخر بصوته:
"بعدت و كنت هعمل إيه..... مين اختار غربته بايديه.....لكن حُبك دا منستهوش و عاش فيا.....ليه هتأسف على الغيبة.... مغيبتيش لحظة و قريبة.....محدش عنده كدا طيبة و حنية.....و كأن الوقت في بُعدك واقف مبيمشيش...و كأنك كنتي معايا بعدتي و مبعدتيش، في دمي حبيبتي و أمي و زي ما ببتدي أعيش...."

انهى الرسالة ثم ارسل لها أخرى يخبرها أنه حاول مرارًا و تكرارًا دون كللٍ أو مللٍ، أما هي فبكت بقوةٍ و هي تشعر أن حديثه لها جعلها تشعر بالحزن في رحيله فحتى نبرة صوته باتت حزينة أيضًا.
_________________________

أنهى «وليد» عمله و قام بتقديم المحضر و اخبار الضابط المسئول عن البحث بالمكان و المنطقة بعدما قام بأخذ المقطع الذي ظهرت به الواقعة و على الرغم من أن الملامح لم تظهر إلا أنه أخذ المقطع و قدمه للضابط ثم أخبره بمكان تواجدهما حينما قام بالتوصل للهاتف الخاص بزوجته و استطاع بموهبته الغريبة التحكم في الجهاز بكل ما بداخله.

خرج من قسم الشرطة فوصلته مكالمة هاتفية من رقمٍ غريب، ضغط على زر الايجاب و هو يقول:
"آلو ؟! مين معايا ؟!"

وصله صوت فتاةٍ و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا متأسفة جدًا لحضرتك أني بكلمك من غير ميعاد كدا، بس أنا بكلم حضرتك من طرف دكتورة هناء بخصوص خديجة أخت حضرتك صح كدا؟!"

عقد ما بين حاجبيه و هو بتيهٍ:
"هو النص الأول أنا مش فاهمه، بس النص التاني صح، أنا وليد أخو خديجة، خير يا فندم ؟!"

تنفست بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ:
"طب مع حضرتك "نوف بدر" مسئولة في جمعية "ضي القمر" دكتورة هناء كلمتني بخصوص مدام خديجة و أنا بصراحة متحمسة أوي أني أشوفها"

رد عليها هو بنبرةٍ عالية:
"معلش بس علشان أنا مش فاهم حاجة، خديجة أختي !! مالها بقى ؟؟ و حضرتك مين ؟!"

ردت عليه مفسرةً بهدوء:
"طب يا فندم، أنا عرفت إن مدام خديجة حاليًا بتمر بفترة قد تكون صعبة شوية، و حضرتك عاوز تساعدها تتجاوز الفترة دي، إحنا جمعية خيرية و مدام خديجة جت هنا قبل كدا، كل الحكاية اننا عاوزين نساعدها و نستغل الطاقة السلبية اللي عندها و نبدلها بطاقة تانية ايجابية، هنخليها تشوف أنشطة كتير هنا و تشترك فيها بنفسها و دا هيساعدها إن حالها يتبدل شوية، قولت إيه يا فندم ؟؟ لو كدا هعرف حضرتك بالمواعيد"

تنفس هو بعمقٍ ثم قال:
"تمام يا فندم، الرقم دا ابعتيلي عليه كل التفاصيل و أنا هتكلم معاها و هرد على حضرتك، معلش بس اسمك إيه ؟!"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"عارفة إنه اسم غريب شوية، بس مش صعب يعني، مع حضرتك "نوف بدر" مسئولة في جمعية ضي القمر، و إن شاء أشوف مدام خديجة قريب و اتمنى اقدر اساعدها"

رد عليها هو برجاءٍ في ذلك:
"ياريت لو دا حصل، أنا مش عاوز غير أنها تكون بخير و مبسوطة"

تحدثت هي تؤكد صدق حديثها:
"إن شاء الله يا فندم، عن إذن حضرتك و أن شاء هبعتلك كل التفاصيل و المواعيد"

أغلق معها الهاتف و هو يبتسم بخفةٍ ثم دلف السوق التجاري يجلب منه المشتريات التي سبق و دونتها «عبلة» في ورقة بيضاء اخذها هو من حقيبتها، و بعد أن انهى عمله و جلب ما اراده، حينها توجه نحو وحهةٍ أخرى يجلب شيئًا أخر أكثر أهمية من وجهة نظره.
_________________________

التفت الفتيات حول «عبلة» بعدما استيقظت من نومها و خرجت في صالة الشقة بينما «طارق» جلس بجوارها على الأريكة و هي بين ذراعيه، فتحدث «أحمد» بنبرةٍ هادئة:
"ألف سلامة عليكي يا عبلة، الحمد لله إنها جت على قد كدا، فداكي كل حاجة"

تدخل «وئام» يقول بنفس الهدوء:
"الحمد لله إنك رجعتي بخير، أي حاجة تانية مش مهم، متزعليش نفسك كدا و افردي وشك"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"الحمد لله على كل حال، أنا بس اللي مزعلني هو الموبايل كان جديد و أكيد هقعد فترة محترمة لحد ما اجيب واحد تاني أحسن منه، و فلوس وليد اللي كان سايبها، صعبان عليا علشان دي فلوس شغله و تعبه"

رد عليها «طارق» مسرعًا:
"كل حاجة مش مشكلة يا حبيبتي، المهم إنك بخير و معانا، في داهية كل حاجة، لو مزعلك الموبايل أنا اجيبلك واحد أحسن منه، بس مشوفش فيكي حاجة وحشة ابًدا"

ابتسمت هي لأخيها، فسأل «حسن» بنبرةٍ هادئة يحاول الهروب من نظراتها:
"هو راح فين صحيح؟! مش المفروض يكون هنا معاكم ؟!"

ردت عليه «خلود» مفسرةً:
"نزل يجيب دوا لعبلة و راح يجيب حاجات من السوبر ماركت، هو بس اتأخر شوية، مش مشكلة زمانه جاي"

حرك رأسه موافقًا ثم حرك رأسه للجهة الأخرى حتى لا تلتقي عينيه بعيناها، زفرت هي بقوةٍ ثم دلفت للشرفة و هي تتصنع التحدث في الهاتف، عقد هو ما بين حاجبيه ثم اقترب منها حتى يعرف مع من تتحدث، فالتفتت هي له و هي تقول بمعاتبةٍ:

"مش عاوز تكلمني ليه يا حسن ؟! و بتهرب من عيني ليه و هي بتبصلك ؟!"

تنفس هو بعمقٍ ثم قال بنبرة صوتٍ رخيمة و كلماتٍ تلومها:
"أنا مبهربش منك يا هدير، أنتِ اللي بتعملي بينا فواصل و بتبعدينا عن بعض، عاجبك كدا و احنا بُعاد عن بعض ؟!"

ردت عليه هي بلهفةٍ و نبرةٍ أقرب للبكاء:
"أنا مبعملش كدا، افهمني علشان خاطري، بلاش أنتَ تفهمني غلط علشان أنا محدش بيفهمني غيرك"

تحدث هو بضجرٍ:
"يبقى تفهميني، بلاش تسيبني تايه و دماغي تلعب بيا، اسمه إيه انك مش عاوزة ترجعي معايا البيت، و اسمه إيه إنك بتقوليلي خلينا فترة كدا، معناه إيه إن مراتي مش عاوزانا نكون سوا"

أقتربت منه تمسك يده و هي تقول بلهفةٍ و بكاءٍ:
"مش كدا و الله، افهمني بس علشان خاطري يا حسن، أنا خايفة و خوفي عمال يزيد، خايفة من البيت الوحيد اللي كنت برتاح فيه"

عقد ما بين حاجبيه فوجدها تقول بنبرةٍ باكية:
"أنا لحد دلوقتي مش قادرة انسى شكلي و أنا بجري في الشارع بليل و لا شكلي أنا نازلة من الشقة بعيط، لو روحت هناك أنا هتخنق أكتر، علشان خاطري خليني بس أنسى اللي حصل و أنا بحاول و الله، بس غصب عني كل ما افتكر بحس أني بتخنق أكتر، علشان خاطري متزعلش مني، مش عاوزاك تزعل، عاوزاك بس تفهمني أني مش هقدر ارجع دلوقتي معاك"

أغمض جفنيه فوق عينيه بشدة و هو يحاول الثبات أمام دموعها، فوجدها تقترب منه تدفن رأسها بصدره و هي تبكي حزنًا على حالها و حاله، حينها استسلم هو لرغبته و رفع أحد ذراعيه يمسد على ظهرها، و هي تبكي بقوةٍ، رفع رأسها حتى يتسنى لها رؤيته و هو يقول بهدوء أجبر نفسه على الاتسام به:
"حاضر يا هدير، مش هضغط عليكي، بس ياريت أنتِ كمان متجيش عليا، أنا مش طالب منك كتير، بس عاوزك معايا في بيتي علشان راحتنا احنا الاتنين سوا، فكري تاني و أنا سايبلك الوقت براحتك، عن اذنك بقى علشان هروح"

ابتعد عنها بعدما أجبر شفتيه على الابتسام لها ثم التفت و قبل أن يقترب من باب الشقة وجد «وليد» يفتح الباب بمفتاحه الخاص، و حينما تواجها سويًا قال «وليد» مسرعًا:
"أبو علي ؟! البيت نور يا جدع، شيل مني ايدي وجعتني"

مال «حسن» على الحقائب يحملها منه، فدلف «وليد» للداخل و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عقبال ما نتجمع في الجنة يا رب"

سأله «طارق» بنبرةٍ جامدة:
"أنتَ كنت فين يا صايع ؟!"

رفع له حاجبه ثم اقترب منه يفصل بينه و بين «عبلة» حتى نجح في ذلك و هو يقول:
"ابعد بس يا بابا عن الحاجة اللي متخصكش، ابعد كدا"

رفع «طارق» حاجبه ثم نظر لـ «وئام» و هو يقول بضجرٍ:
"ما تلم عديم الرباية دا !!"

اقترب «وليد» من زوجته يقبل قمة رأسها ثم رفع يده بحقيبة صغيرة و هو يبتسم لها، عقدت هي ما بين حاجبيها و أخذت منه الحقيبة، و أخرجت ما بها و سرعان ما شهقت بقوةٍ حينما وجدت هاتفًا من أحدث الأنواع، تحدث هو بهدوء و هو يرى أثر فعله باديًا عليها بقوله:
"مكانش ينفع اسيبك تنامي زعلانة يا عبلة علشان الموبايل، دا حاجة أحسن منه بمليون مرة، لسه زعلانة ؟!"
حركت رأسها نفيًا بسرعةٍ فمال عليها هو يحتضنها ثم قبل رأسها مرةً أخرى، طالعهما الجميع بتأثرٍ.
_________________________

جلس «ياسين» وسط الرجال و العمال و «يوسف» بجوارهم ينفث هواء السيجارة كعادته و هو يراقب تلك الجلسة المرحة التي كساها صوت «ياسين» و هو يغني وسط العُمال، كان بين الحين و الأخر يبتسم لهم رغمًا عنه، كان «ياسين» يغني أغنيةً قديمة منذ الزمن القديم و هي:

"يا مهون....هون هون.... يا مهون...هون...هون....يا مهونها... هونها و قول....يا مهون...هون علطول.... و تروح بلدك يا غريب....و تلاقي على البر حبيب....و تروح بلدك يا غريب....و تلاقي على البر حبيب...مستنيه يقولك سلامات....هون"

امتزج صوته بصوت الرجال حوله و هم يرون تلك الليلة احتفالية بعد فك الحصار من عليهم، فبدأ هو الغناء بأغنية اخرى وسط تصفيقاتهم و فرحهم:
"آه يا لالي...يا عيني يا لالي...على اللي اتغرب راح و لا جالي....آه يا لالي...يا عيني يا لالي...على اللي اتغرب راح و لا جالي...."

حينها اقترب «يوسف» يمسك الصينية من يد أحد العمال ثم قام بالطرق عليها بعدما فشل فى السيطرة على رغبته في مشاركتهم تلك اللحظة، فعاد «ياسين» الغناء بمرحٍ أكثر حينما شاركهم «يوسف» الذي كان جالسًا مبتعدًا عنهم:
"آه يا لالي...يا عيني يا لالي...على اللي اتغرب راح و لا جالي.... اللي غاب عن عيني....ميتا يا ناس يجيلي....بحنانه يغطيني يشوف اللي حصلي....آه يا لالي...يا عيني يا لالي...على اللي اتغرب راح و لا جالي........خَد شاله الحرير و طاجيته الكشمير....خد شاله الحرير و طاجيته الكشمير....راح يغيب كتير و مين يا ناس يجولي....آه يا لالي...يا عيني يا لالي...على اللي اتغرب راح و لا جالي..."

وقف حينها «يوسف» وسطهم يطرق بقوةٍ أعلى من السابق و «ياسين» بجواره يصفق بيده في جو تملئه البهجة بعدما سادت عليهم الليالي المظلمة، و فجأة اقتربت منهم سيارات كبيرة الحجم حتى سادت لحظة صمتٍ في الأجواء و هم يرون الرجال المسلحين، و حينها نزل الشيخ صالح يقول مسرعًا:
"كملوا.... كملوا احنا مش مفسدين بهجة، بس الأكل وصل علشان نبدأ العهد سوا بالعيش و الملح"

تنفس الجميع الصعداء براحةٍ كبرى تخللت روحهم و تعمقت بها بعد لحظة خوفٍ تمكنت منهم بعدما ظنوا إنها بداية العودة لليالي المظلمة من جديد، و لكن هل هناك ليلٍ دام بدون نهار ؟!"

تعليقات



×