رواية جبران العشق الفصل السادس والستون 66 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الفصل السادس والستون 

فتح القاضي الأوراق أمامه حمحم يغمغم :
- بعد الإطلاع على الأدلة وشهادات الشهود والمستندات الموثقة حكمت المحكمة حضوريا على المتهم طارق مجدي التهامي بالسجن خمسة عشر عاما والحكم على وليد مجدي التهامي بالأشغال الشاقة المؤبدة
هنا ابتسمت حياة تلتقط أنفاسها تشعر بسعادة لم تشعر به قبلا حركت رأسها تنظر إليه وهو خلف القضبان تلوح له بالوداع
ليكمل القاضي قائلا :
-والحكم على كلا من مجدي التهامي وسفيان صلاح الدالي ب...
- استنى أرجوك يا سيادة القاضي ممكن أقول حاجة قبل ما تحكم
التفت أنظار الجميع إلى الصوت الذي صرخ فجاءة من بين الحضور لتهب روزا من مكانها تشق مكانها تهرول للأمام وقفت في الباحة الصغيرة الفارغة أمام القضاة ترتجف تهبط دموعها بعنف رفع يمناها تشير بسبابتها صوب سفيان تتلعثم باكية :
-أنا عايزة أقول حاجة ، حاجات كتير أوي
بدأ الهمس من هنا وهناك نظر بيجاد صوب جبران كل منهما لا يفهم ما يحدث ، صدح صوت القاضي يطلب من الجميع لتعود القاعة إلى هدوئها من جديد ، نظر القاضي إليها يغمغم بحدة :
-أنتِ عارفة إني ممكن أحبسك باللي عملتيه دا ، عايزة تقولي ايه
نظرت روزا حولها لترى عمر هناك ينظر إليها ينظر إليها مشفقا ليته لم يوافق على اصطحابها للجلسة أقسمت إلا تفعل شيئا ستظل صامتة إلى أن تنتهي الجلسة ولكن ها تحطم ما قالت ، أشارت روزا بيدها صوب سفيان تبكي ترتجف تتلعثم من شدة البكاء :
- ماما فاطمة قالتلي أن اللي بيحلف باسم ربنا لازم يكون صادق لأنه لو كذاب ربنا هيعذبه أوي على كذبه ، والله اللي هقوله دا حصل
أنا كنت عيلة صغيرة كنت في الملجأ ما أعرفش حاجة عن الدنيا لحد ما هو جه خدني من هناك ما كنتش فاهمة حاجة خالص بس كنت مبسوطة عشان هيبقى عندي بيت وعيلة ، لكن دا ما حصلش لقيت نفسي جوا جحيم الشيطان ، هو عمل فيا حاجات وحشة كتير أوي ضربني وعذبني واغتصبني خلاني مسخ أعمل كل اللي يقول عليه غصب عني ، كنت بركع تحت رجليه عشان يسامحنى

انهارت أرضا تبكي بلا توقف تصرخ بحرقة مزقت نياط قلوب الجميع :
-ماحدش عايز يصدقني كلهم بيقولوا عني كلام وحش أوي ، أنا مش وحشة هو اللي خلاني كدة أنا ما كنتش أقدر أقوله لاء ، أنا بسببه مسخ أذيت أقرب الناس ليا ، أرجوك أبوس أيدك ، خدلي حقي منه

هنا هب بيجاد واقفا توجه إليها سريعا يرفعها عن الأرض يخفي رأسها بين أحضانه من الجيد أن الجلسة مغلقة ولا وجود للصحافة وغير مسموح باستخدام الهواتف وإلا لكان الأمر ازداد سوءً ؛ وسائل التواصل الاجتماعي باتت بيئة مخيفة هناك تجد الضحية جاني والجاني ضحية المجتمع والضحية نفسها هما السبب فيما اقترفت يداه الجاني ما هو إلا ضحية يجب أن يشفق الجميع عليها يراعوا أنه أرتكب ذلك الخطأ ربما غير قاصدا لم يكن يقصد اغتصابها أو أحبها فقلتها المسكين لأنه لن يتحمل رؤيتها بين أحضان آخر ياله برئ مسكين مظلوم يجب أن يتعاطف الجميع معه أليس كذلك ؟! تحرك بيجاد بشقيقته إلى مقعد بعيد فارغ يجلسها جواره يخفي رأسها بين أحضانه فتمسكت بقميصه تنشد منه الأمان ، حمحم القاضي يردف ما يقول :
- طيب استنادا للادلة وبعد عرض القضية على فضيلة مفتي الديار المصرية تقرر الآتي حكمت المحكمة حضوريا على المتهم مجدي التهامي وسفيان صلاح الدالي بالإعدام شنقا رفعت الجلسة
رفعت الجلسة وتم الحكم على والدها بالموت ، التفتت إليه سريعا لتراه يبتسم في سخرية وكأن ذلك الحكم لم يكن له ، هبطت الدموع من عينيها لا تعرف حتى لما تبكي والدها يستحق الإعدام ألف مرة على ما فعل بها وبالجميع لا يجب أبدا أن تشعر بالشفقة عليه ولكن قلبها يطرق بعنف يؤلمها شعرت بيد جبران تربت على كتفها برفق لتلتفت إليه تغرق رأسها بين أحضانه تبكي ، يده تسمح على خصلات شعرها إلى أن سمعوا صوت زياد يخبرهم بأن عليهم أن يتحركوا الآن أمام المحكمة حدث ما لم يتوقعه أحد قبل أن يصعد سفيان إلى سيارة الشرطة من جديد طعن الحارس المجاور له بنصلا حاد لا أحد يعلم من أين جاء به ليركض هربا بين جموع الناس في حالة من الهرج يمسك في يده النصل الحاد يطعن حرفيا كل من يعترض طريقه الجميع يهرع خلفه لا يستطيعون إطلاق النيران بسبب تجمع الناس وسفيان الخبيث كام يموه بين التجمعات حتى لا يروه اندفع عناصر الشرطة ومعهم زياد وبيجاد وجبران وعمر الجميع يحاول الإمساك به العجيب في الموضوع أن رجل بعمر سفيان يركض بتلك السرع كما لو كان شابا في بداية عمره ، لمعت عيني سفيان حين رأي سيارة مفتوحة صاحبها نزل منها توا ليندفع إليها دفع الرجل يدخل إلي السيارة ما أن أدار المفتاح انطلقت الرصاصات صوب السيارة البعيدة الصرخات تملئ المكان الجميع يهرع خائفا أما هي فتهرع تركض تبحث عن جبران ، ابتسم سفيان يمسك بالموقود سريعا ما أن أدار محرك السيارة اشتعلت فجاءة دون مقدمات أمسكت النيران بالسيارة تحيط بها وكأنها وحشا ضارٍ يبحث عن طعام فوجده لم يكن يُسمع في تلك اللحظة سوى صرخات سفيان التي انطلقت من داخل السيارة وسط ذهول الجميع ، ربما ذلك كان مقدر أن يحدث ، أن يهرب ألا يستطيع أي منهم الإمساك بهم الى أن يصل إلى السيارة حتي تشتعل به ، بحث جبران بعينيه عن وتر سريعا ليراها انهارت أرضا تنظر إلي النيران المستعرة التي تلتهم والدها وهو بالداخل ، هرع إليها يخفي وجهها بين أحضانه لتبكي بحرقة ، سارعت سيارات المطافي في إطفاء الحريق ورجال الشرطة في إبعاد الناس ولبشاعة المشهد بالداخل لم تخرج جثة سفيان من السيارة بل جاءت سيارة أخرى ودفعت السيارة بجثة سفيان أعلى سطحها يأخذونها بعيدا لتتحرك سيارة الشرطة لتنقل وليد وطارق ومجدي إلى السجن ، ابتلع مجدي لعابه خائفا ينظر لجثة سفيان المحترقة بشكلها المشوه البشع يغمغم في نفسه أن الموت في السجن سيكون أرحم بكثير ، وسفيان يستحق ويزيد ، أما وليد فاقترب من الجزء المربع الصغير المفتوح داخل سيارة الشرطة يبحث عن حياة ليراها تقف هناك تنظر إليه مباشرة تبتسم سعيدة أنها تخلصت منه ، ليرفع يده يلوح لها بالوداع قبل أن تنطلق بهم السيارة بعيدا
أما روزا فضحكت ، سالت دموعها فرحا تضحك بقوة هرعت صوب عمر أمسكت بذراعيه تصيح سعيدة:
-شوفت يا عمر ، شوفت ماما فاطمة كان عندها حق هي قالتلي ربنا هياخدلي حقي ، أهو اتحرق وهو عايش يا عمر

وارتمت بين أحضانه تبكي سعيدة ليحمحم مرتبكا مما فعلت ، أقترب بيجاد منهم ينظر لشقيقته حزينا مشفقا نادما ، رفع يده يمسح على حجابها برفق يهمس لها يعتذر :
-ملك ، أنا آسف يا حبيبتي ، أنا ما كنتش أعرف اللي حصلك والله ، أنت زيك زينا ضحية لشيطان أهو خد جزائه في الدنيا قبل الآخرة

خرجت من بين أحضان عمر إلى أحضانه تدفن وجهها بين ذراعيه تومأ برأسها توافق ما يقول ، حمحم عمر مرتبكا يعتذر منهم :
-أنا آسف يا أستاذ بيجاد بس هي كانت منهارة عشان كدة حضنتني صدقني هي كويسة جدا هي بس كانت منهارة
قطب بيجاد جبينه مستنكرا ما يقول عمر ليغمغم ساخرا :
- وفيها ايه يا ابني لما تحضنك أنت مش جوزها

هنا تفاجئ عمر وروزا معا رفعت روزا وجهها عن صدر شقيقها في حين غمغم عمر مستنكرا :
-مراتي إزاي هو مش الجواز دا باطل

- باطل إزاي يعني ؟!
غمغم بها بيجاد مستنكرا ليقترب من عمر يحادثه محتدا :
-باطل إزاي المأذون كاتب الكتاب بشهادة الميلاد والبطاقة الرسمية اللي تبثبت أنها ملك
سراج محمد نور الدين ، أختي أنت طلقتها ؟

هنا توسعت عيني عمر ورزوا معا ، كانت زوجته كل تلك المدة ولا يعلم أي منهم هو ظن أن الزواج باطل وهي لم تسأل من الأساس ، توسعت حدقتيه في حدة ينهر ماذا فعل كاد أن يزوج زوجته لآخر ، لاحت ابتسامة خفيفة على ثغره لا يعلم لما شعر بالسعادة لأنها زوجته ولكن تلك السعادة تبددت حين توجهت روزا وقفت أمامه تردف في هدوء :
-طلقني يا عمر أنت بنفسك قولت ما يشرفكش إن واحدة زيي تكون مراتك فطلقني أحسن ليا وليك ، أنت تستاهل واحدة أحسن مني ألف مرة

ابتلع لعابه مرتبكا ينقل عينيه بينها وبين بيجاد الذي يقف خلفها يلف ذراعه حول كتفيها ، نظرات بيجاد إليه استحالت في لحظة إلى غاضبة كارهة تنهد يومأ لها يتمتم بصعوبة:
-أنا آسف يا جميلة أنا فعلا كنت ظالمك أوي بس لما عرفتك ، عرفت قد ايه أنتِ إنسانة جميلة وبريئة وأنك اتظلمتي أوي ، وغصب عني اتشديت ليكِ عشان كدة أنا آسف أنا مش هطلقك عن إذنك
وغادر تاركا إياها تنظر في أثره عينيها متسعة من الدهشة أما بيجاد فابتسم بإعجاب يحتضن شقيقته يربت على كتفها برفق يهمس لها :
-يلا عشان نروح نجيب رُسل ونطلع علي البيت

توسعت عينيها مدهوشة هي لم تخبره مكان رسل كيف عرف أين هي ، ضحك بخفة يبادر قبل أن تسأله :
-أنا عارف أنها عند نجلاء من أول يوم أنا كنت حاطط حراسة على نجلاء عشان ما حدش يأذيها وشافوا رُسل معاها وبلغوني ، تعالي يلا عشان لسه هربي مرات أخوكِ على قلة ثقتها فيا

بالكاد ضحكت تشعر برغبة في عناقه للأبد صدقها وسامحها ذلك فقط ما كانت ترغب في الدنيا .
بالقرب منهم أقترب زياد من حياة وقف بالقرب منها حمحم يردف مبتسما :
- إزيك يا حياة وحشتيني أوي حقيقي
ابتسمت في هدوء لاحظ تورد وجنتيها ولمعان عينيها الذي عاد من جديد ، قسمات وجهها التي تشرق بالحياة مدت يدها تصافحه فسارع يصافحها يسمعها تتمتم بسلاسة دون خوف :
-الحمد بخير ، أنا عرفت أنك متابع مع دكتور قاسم كل التفاصيل ، أنا دلوقتي أحسن كتير حقيقي ، شكرا يا زياد

توسعت إبتسامته حين لم ير لا خوف ولا نفور في مقلتيها لم تعد تنظر إليه تلك النظرات الكارهة ولكن ما جعل قلبه ينتفض بين أضلاعه حين لامس إصبعه طوق بارد يلتف حول أحد أصابعه يدها رفع يدها سريعا ينظر لتلك ( الدبلة ) في يدها مصعوقا هدرت نبرة صوته يغمغم محتدا :
- أنتِ اتخطبتي أمتى ولمين وازاي تتخطبي من غير ما أعرف
رآها تبتسم لترفع يدها الأخرى تلوح لشخص ما أن يأتي اليهم نظر لمن تلوح ليجد شاب يقترب منهم وسيم طويل القامة يرتدي نظارة طبية شفافة وقف جوار حياة يغمغم قلقا :
- كويس أنك بخير أنا قلقت من موضوع الحريقة دا جيت جري ، مين دا يا حبيبتي

حبيبتي ويناديها أيضا حبيبتي من ذلك المتطفل الذي اقتحم حياتها يريد سرقتها منه هكذا ببساطة احتدت عينيه غضبا يقبض على تلابيب ثيابه يصيح محتدا :
-أنت اللي مين وازاي بتقولها حبيبتي

هنا سمعها تغمغم محتدة :
- زياد لو سمحت سيبه ما يصحش كدة ، دا دكتور أيمن خطيبي

رفع زياد يده يلكم أيمن في وجهه بعنف يصيح فيه :
-دا أنا هخليك أيسر مش أيمن ، صبرك عليا
دفعه بعيدا عنه بعنف ليتجه صوب جبران الذي يجلس على سلم جانبي ووتر بين أحضانه تبكي بحرقة وقف امامه يصرخ فيه :
- أنت عارف إن حياة اتخطبت
رفع جبران رأسه يومأ لها في هدوء يتمتم ببساطة :
-ايوة بس دي كانت قراية فاتحة علي الضيق بس هو أصر أنها تلبس الدبلة دلوقتي بس لسه ما اتعملش خطوبة بشكل رسمي

هنا أحس بالغدر حتى من شقيقه كيف يفعل به ذلك وهو يعلم أنه يحبها انحنى بجسده يقبض على تلابيب ثياب جبران يصرخ فيه :
-أنت إزاي تعمل كدة ، ازاي تخبي عليا طب وأنا أنت مش عارف إن أنا بحبها

دفع جبران زياد بعيدا عنه يصيح فيه :
- بتحبها من بعيد لبعيد كنت فين طول المدة اللي فاتت بتابع مع قاسم من بعيد بس كدة وبترضي ضميرك ، عارف مين أيمن دا ، كان جارهم قبل ما يسافروا مجرد ما شافها صدفة واتعرفت عليه ما سابهاش لحظة ، لحد ما وقفت على رجليها تاني أنت بقى لما كانت معاك عملتلها إيه ، ما عرفتش حتى تحافظ عليها ،خلصت يا زياد حياة لقت الراجل اللي حبها زي ما هي ووقف جنبها وهي حقيقي بتحبه وسعيدة معاه أبعد عن حياتهم لو فعلا بتحبها

قالها ليمسك بيد وتر يجذبها برفق تاركا شقيقه يقف مدهوشا وكأن على رأسه الطير تنقلت عينيه إليها سريعا ليجدها تنظر اليه رأى الدموع تتجمع في مقلتيها لتشيح بوجهها بعيدا عنه ، ارتعشت شفتاه وانقبض قلبه يتلوى ألما هل خسرها نهائيا أيعقل أنه فعل ؟!

بالقرب منهم بالقرب كثيرا انتظرت إلى هدئ الجو وقل عدد الناس حولها عينيها لم تتوقف عن المراقبة لحظة واحدة يديها تقبض علي السكين في حقيبتها ، ستقتلها هي السبب طارق سيقضي خمسة عشر عاما في السجن بسببها هي رصدتها عينيها وهي تتحرك بصحبة زوجها لتقترب منها سريعا قبل أن ترحل رفعت السكين من الحقيبة قليلا فقط ليلمح نصله زياد ركز عينيه عليها ليراها تتجه صوب جبران ووتر فهرول يركض إليهم قبل أن تصل هي إليهم
صرخت ماهي بحرقة ما أن اقتربت منهم :
-أنتي السبب أنا هموتك
واظلمت الدنيا في لحظة رفعت يدها تغرز السكين في ظهرها انغرز السكين ولكن في صدر زياد صرخت وتر مذعورة ليصرخ جبران باسم شقيقه انهارت ماهي أرضا ترتجف بعنف رفع جبران رأس زياد بين أحضانه :
-زياد الإسعاف هنا ما تخافش ، هتبقى كويس
تحركت عينيه يبحث عنها ليراها تصرخ باسمه مذعورة تركض صوبه ارتمت على ركبتيها جواره تمسك بيده تصرخ فيه :
- زياد قوم يا زياد عشان خاطري أنا

ضحك بالكاد خرجت ضحكته ما يخرج منه أنفاس تحتضر :
-يا بنتي أنا لسه ما موتش المفروض تقوليلي كدة بعد ما أموت
دمعت عيناه ينظر صوبها وصوب شقيقه يشعر بأنفاسه تغادر جسده ليتمتم بصعوبة:
-أنا حبيتك أوي يا حياة ، وأنت يا مراد سمي ابنك على اسمي ماشي وخليه ظابط زيي عشان يفتكرني ، اااا
لم يكمل صمتت أنفاسه وارتخى جسده ولم يسمع سوى صرخة جبران عالية وهو ينادي باسم شقيقه !
تعليقات



×