رواية جبران العشق الفصل الثالث والستون 63 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الفصل الثالث والستون 

رفع سفيان وجهه ينظر لها بأعين حمراء تشتعل غضبا يضع يده على جرح صدره ، وتر حقا اثبتت بأنها إبنة أبيها تحمل دمائه القذرة الملوثة ،على حين غرة أمسك برأسها يصدمه في أحمد عمدان الفراش مرة بعد أخرى إلى أن سقطت أرضا فاقدة للوعي والدماء تسيل من رأسها ، ابتسم متوعدا ليرفعها بين ذراعيه يضعها على فراشها

كم مر من الوقت لا تعلم ، جل ما تعلمه أنها تأوهت من ألم رأسها الحاد فتحت عينيها تنظر حولها رأت أبيها يقف على يسارها ورجل عجوز يقف على يميناها يلف شيئا ما على رأسها ، نظر سفيان له يردف قلقا :
-طمني يا دكتور ، أنا مش عارف إيه اللي صابها دي حاولت تقتلني وتموت نفسها

توسعت عينيها اندهاشا والدها يحيك كذباته بشكل مخيف بارع ، كم ودَّت أن تصرخ فيه بأن كاذب مخادع يختطفها يود قتلها ولكن يبدو أن ذلك الطبيب حقنها بمخدر ما ، فجسدها مرتخي تماما ، لسانها ثقيل ، صوتها لا يخرج 
حركت عينيها صوب الطبيب من جديد لتجده ينظر لها مشفقا يغمغم بهدوء :
- خير بإذن الله جرح ايديها سطحي مش عميق ، الخبطة اللي في دماغها هي اللي كانت عنيفة شوية بس ، أنا هكتبلها مسكنات وبإذن الله بعد يومين هاجي اغير على الجرح إن شاء الله

تعلقت عينيها بوالدها تنظر له كارهة ولكنها لاحظت شيئا ، كلمات ذكر الطبيب اسم الله تنكمش قسمات وجهه تارة غضبا وتارة ألما ، حاولت أن تحرك لسانها لتنطق باسم الله كما يفعل الطبيب ولكن لسانها لم يتحرك ، تحرك سفيان بصحبة الطبيب إلى الخارج تاركا باب غرفتها مفتوحا ، تقدم سفيان يفتح باب المنزل وقف يصافح الطبيب ليغمغم الأخير في هدوء :
- خير بإذن الله
هنا صرخ سفيان غاضبا :
-ما خلاص بقى يا دكتور ، دا أنت هتلاقيك ما بتركعهاش أصلا دا تؤمن هنا 

نظر له الطبيب مدهوشا حمحم محرجا ليخرج سفيان النقود من جيب جلبابه يضعها في يده يغمغم ساخطا :
- متشكرين يا دكتور ، اتفضل بقى 
ما إن خرج الأخير صفع سفيان الباب خلفه يتنهد بعمق يشتم الطبيب بألفاظ بشعة بصوت عالي مسموع ، رأته وهو يقترب منها جلس جوارها على الفراش يربع ساقيه ضحك عاليا يغمغم متفاخرا يصفق لها :
- برافو وتر حقيقي اثبتي أنك بنت سفيان الدالي ، أنتي تعرفي أن بردوا قتلت أبويا ، قال ايه ضميره صحي وعايز يتوب ويرجع سعيد من المصحة ويتبرع بفلوسه الحرام اللي طلع عين أهلي فيها ، فخلصت عليه 

توسعت عينيها ذعرا تطرف عينيها الدموع ذلك الشيطان هو والدها ، ضحك حين رآها تبكي ليغمغم بزهو :
- بس أنت ِ ما تعرفيش تقتليني أنا سفيان الدالي وبعد ما أقدم دمك كقربان ليهم هيرضوا عني وهترجع كل حاجة زي ما كانت وأحسن هرجع للقوة والنفوذ والفلوس كله في ايدي ، في أيدي أنا

حركت لسانها بصعوبة خرج صوتها متقطعا ضعيفا ولكنه خرج ابتسمت تتمتم :
-بكل قوتك دي الا أنك ضعيف وخايف قدام اسم الله 
توسعت مقلتي سفيان غضبا ليصفعها في الثانية التالية ، قبض علي فكها بعنف يصرخ فيها :
- ما تحاوليش أنتِ ما تعرفيش ، أنا عيشتك عمرك كله ما تعرفيش أي حاجة عن العبادة مش هتعملي لي فيها شيخة دلوقتي

ابتسمت رغم أنه يكاد يهشم فكها حرفيا إلا أنها ابتسمت تردف بصوت هامس :
-جبران علمني كل حاجة ، قصدي مراد ، مراد اللي رجعلك من الموت عشان يرميك فيه ، وأنا واثقة أنه هيلاقيني ويقتلك 

صرخ غاضبا مما تقوله لينزل بكفه على وجهها بصفعة تليها أخرى ادمى شفتيها ونزفت أنفها إلى أن فقدت وعيها لينظر لها غاضبا قبض عاي رقبتها يهسهس متوعدا :
- بكرة موتك وهخلص منك خالص
____________
داخل غرفة صغيرة في أحدى المستشفيات الحكومية تسطح جسده على الفراش ، جرح كتفه فُتح من جديد ليعاود الأطباء تقطيبه يجلس زياد جواره يلعن نفسه هو السبب في إصابة أخيه لولا ما فعله لكان قادرا الآن على البحث عن زوجته ، تأوه جبران متألما يحرك رأسه للجانبين يهمس باسم وتر ، فتح عينيه فجاءة يصرخ باسمها لينتفض زياد اقترب منه يغمغم سريعا :
- اهدا يا جبران ، اهدا عشان جرحك ما يفتحش تاني ، الدكاترة قالوا أنك نزفت كتير

دفعه جبران بيده السليمة يصرخ فيه :
- وميييين السبب ، ميين السبب في إني اترمي عاجز حتى إني الاقي مراتي ، الحقد والقرف اللي فيك ، مش هسامحك يا زياد ، لو جرالها حاجة مش هسامحك 
بحث في جيوب سرواله يخرج هاتفه يطلب رقم بيجاد ما أن أجاب الأخير أسرع يصرخ فيه :
- بيجاد أنت معاك عربية فراري ، تعلالي ضروري ، سفيان خطف وتر ، أنا مستنيك 

حاول القيام عدة مرات ولكن الدوار كان يلقيه على فراشه كطفل عاجز عن فعل أي شئ كاد أن يصدم رأسه في الحائط ليتوقف ذلك الدوار ، مضت ساعتين تقريبا إلى أن اتصل به بيجاد ليخبره في أي مشفى هو بعد أن سأل زياد ، مرت نصف ساعة أخرى إلي أن فُتح باب الغرفة وظهر بيجاد تحرك سريعا إلى فراش جبران يسأله فزعا :
- مراد في اي أنا جيت جري ، سفيان صحيح خطف وتر 
اومأ له جبران نظراته شاردة ضائعة يتملكها العجز شد بيجاد على كتفه السليم يطمأنه :
- هنلاقيها ، سفيان مالوش مصلحة أنه يأذيها ، أكيد خاطفها عشان يساومنا 

نفى جبران ما يقول الوضع أخطر من ذلك ، خطف سفيان لوتر لن يعد جريمة من الأساس فهي ابنته على كل حال ، سفيان يخطط لشئ أسوء من ذلك :
- سفيان هيأذيها ، أنا واثق أنه خطفها عشان يأذيها ، يلا بينا 

نظر بيجاد صوب زياد يغمغم سريعا :
- زياد أنا رسل معايا في العربية ، أرجوك تخليها في مكان أمان لحد ما نرجع

اومأ له زياد في صمت لم ينطق بحرف عينيه تنظر نادمة صوب شقيقه الذي يرفض النظر إليه حمحم يردف :
- تمام هوصلها واحصلكوا 

قام جبران يستند على كتف بيجاد نظر لشقيقه يغمغم ساخرا :
- خليك يا زياد باشا مش عايزين نتعبك معانا 

ابتسم زياد في هدوء ينظر لعنق جبران  وبلامبلاة حرك رأسه يوافق على ما يقول جبران مما جعل بيجاد ينظر له مندهشا هل سيتنحى عن مساعدتهم بتلك البساطة تحرك ثلاثتهم للخارج نزلت رُسل من سيارة بيجاد ليقترب منها الأخير يغمغم مترفقا :
- رُسل أنا لازم أسافر ضروري في مشكلة في الشغل ، والمكان بعيد جداا ، زياد هيوديكي فندق كويس لحد ما أرجع وهيبقى جنبك مش عايز تخافي من أي حاجة ماشي

أدمعت عينيها قلقة احتضنته تغمغم قلقة :
-خلي بالك من نفسك عشان خاطري أنا ماليش غيرك 
ابعدها عنه يكوب وجهها بين كفيه يلثم رأسها بقبلة عميقة ، يحرك رأسه بالإيجاب ، هنا تحدث جبران يوجه حديثه لزياد يسخر منه :
- خدها عند الست فتحية وشدد الحراسة حوالين البيت ، والله عيب لما تبقى زياد باشا الظابط والبلطجي اللي يقولك تعمل ايه

ومن جديد ابتسم زياد في هدوء استفز جبران يحرك رأسه بالإيجاب اقترب من رُسل يحادثها مبتسما :
- اتفضلي يا آنسة 
لكزه بيجاد في ذراعه يردف حانقا :
- وأنا شفاف ، مدام يا أعمي البصر والبصيرة 
ضحك زياد عاليا ينظر له عابثا ، تحركت رسل بصحبة زياد تلوح لبيجاد إلى أن اختفت من أمام عينيه ، هنا سريعا جلس جبران جوار بيجاد في سيارته من النوع ( الفرارى ) السريعة للغاية ، التفت بيجاد لجبران يغمغم مستنكرا :
- هو فعلا زياد مش هيجي

ابتسم جبران ساخرا يحرك رأسه للجانبين يردف متهكما :
- زياد زاع جهاز تتبع في السلسلة اللي على رقبتي ، دا أنا لو خطيبته مش هيعمل كدة ، هيجيب قوة ويحصلنا أخويا وعارفه ، واطلع يلا بسرعة ما فيش وقت 

شقت سيارة بيجاد الطريق تلتهمه بيجاد القناص ، أبرعهم في القيادة كان ولا يزال يعشق السباقات ، لديه قدرة خارقة على تفادي السيارات لشق لنفسه طريق سريع بين الزحام بعد ساعتين سقط عليهم الليل ، الطريق الذي أخبرهم به السائق عن عنوان ذلك المدعو سعد يستغرق أكثر من ست ساعات كاملة للوصول إليه ، ولكن سيارة بيجاد ستقطع بشكل أسرع كما يتمنى بعد مرور أربع ساعات انتصف الليل وصلوا إلى تلك البلد البعيدة في الجنوب أوقف بيجاد سيارته في مفترق طريق رئيسي المكان حوله صامت ، الظلام هنا وهناك لم ينتظر جبران توجه إلى أقرب باب منه يدقه بعنف مرة بعد أخرى حتى استيقظ أهل البيت مذعورين ، فُتح الباب ليخرج رجل لم يتبين جبران ملامح وجهه بسبب الظلام ليصرخ فيه الرجل :
- في اي انتوا مين وعايزين ايه
- بيت عم سعد السواق فين دي مسألة حياة أو موت 
غمغم بها جبران سريعا ليشير الرجل إلى بيت بعيد يغمغم محتدا :
- أهو عندك هناك أهو جنب الترب 
بالكاد رأى جبران أين يشير الرجل ليركض لهناك يشد على أسنانه جرح كتفه لا ينهش جسده من الألم ، دق الباب مرة بعد اخرى ليفتح له رجل عجوز سأله جبران سريعا :
- أنت عم سعد 
اومأ العجوز له قلقا ليدفعه جبران يدخل إلي منزله حيث الاضاء ، نظر العجوز له قلقا لحق به بيجاد ليخرج جبران الصورتين من جيب سرواله يدفعهم أمام وجه العجوز يسأله محتدا :
- الراجل والبنت دول ركبوا معاك أول امبارح وصلتهم فين بالظبط 

ظل العجوز ينظر للصورتين بعض الوقت الملامح ليست بغريبة عنه ولكنه حقا لا يتذكر فهو يمر على أكثر من عشر بلدان مختلفة فء طريقه ابتلع لعابه يهمس متلجلجا :
- ايوة تقريبا ،بس فين بالظبط مش فاكر ، أنا فاكر أنهم نزلوا في الآخر ، يا في (.....) أو ..... أو...... بس فين بالظبط مش فاكر يا بيه 

- يعني اييييه مش فااااكر هو أنا اللي موصلهم حاول تتنيل تفتكر
رج صراخ جبران المكان ليقترب منه بيجاد يدفعه ليجلس ينظر له محتدا ، اقترب بيجاد من الرجل يغمغم بهدوء :
- أنا آسف يا عم سعد ، أرجوك حاول تفتكر دي مسألة حياة أو موت 

دقق الرجل النظر إلى الصورتين يحاول أن يتذكر ذلك اليوم المشؤوم أين أوصلهم ، ولكن لكبر سنه ولعتمة الليل وقتها لا يتذكر تحديدا أين نزلوا ، أدمعت عيني الرجل يهمس عاجزا :
- يا بيه أنا راجل كبير في السن ، وربنا وحده أعلم ، الدنيا كانت ضلمة والاتوبيس كان مليان ناس كتير ، أنا اللي متأكد منه أنهم نزلوا في بلد من التلاتة دول ، وسامحني يا بيه والله ما فاكر 
حاجة تاني 
لا فائدة ساعة وأكثر يجلسون مع الرجل لا يتذكر شئ سوى ما قال ، خرج جبران من المنزل يركض ليتبعه بيجاد يصرخ فيه :
-جبران استنى يا إبني رايح فين
تحرك جبران إلى سيارته ليقفز بيجاد يأخذ مقعده خلف المقود ليصرخ جبران عاجزا :
- وتر ضاعت خلاص هفضل الف حوالين نفسي على ما الاقيها يكون قتلها أو باعها دا شيطان 

وضع بيجاد يده على كتف جبران يغمغم سريعا :
- جبران عم سعد قال إن التلات بيلاد دول جنب بعض وأن البلاد دي صغيرة يعني أهلها عارفين بعض بالاسم كمان ، هنلاقيها والله ، وهنبدأ تدوير من دلوقتي 

قالها ليعيد تشغيل محرك سيارته يشق بها الطريق في الاتجاه المعاكس إلى أقرب بلدة منهم 
_____________
الرابعة فجرا ... استيقظت هي مع صوت الأذان قامت من فراشها الصغير تنظر لصورتها في المرآة وجهها لا يزال متورم أثر صفعات بيجاد ، حاولت أن تبتسم فتألمت لا يهم لا تريد أن تبتسم حتى ، جل ما تريده أن يسامحها ، نظرت لانعكاس صورتها في المرآة تدقق النظر لملامح وجهها لا تشبه شيرين ، إن كانت إبنة سراج حقا فإذا والدتها تكن شيرين تلك معلومة يعرفها الجميع ، ويال السخرية والدتها أيضا فاسقة عاهرة ، ولكن السؤال هل هي تفعل ذلك بإرادتها أم أنها فقط ضحية مثلها تماما ، هل أن ذهبت إليها تخبرها بالحقيقة ستضمها في أحضانها أم ستلقيها في عذاب آخر كما ألقاها سفيان قبلا ، مسحت دموعها تتوضأ خرجت لتجد السيدة فاطمة تجلس أرضا يديها تغوص داخل إناء كبير به عجين للخبز ابتسمت اقتربت منها تجلس جوارها تغمغم سعيدة :
- أنتِ هتخبزي يا ماما فاطمة ، طب ما قولتليش ليه عشان اساعدك

ضحكت فاطمة تقرص وجنتها بخفة تغمغم ضاحكة :
- ايوة ايوة عشان تقعدي تلعبي في العجين زي العيال الصغيرين ، روحي يلا صلي الفجر وتعالي عشان تخبزي معايا 

اومأت لها سريعا قبلت جبينها لتتحرك تحت نظراته الحائرة ، تلك الفتاة لغز محير بكل ما تعنيه الكلمة ... من تكون رآها كيف كانت تصلي بخشوع ربما لم يعرفه هو قبلا ، صلت كما لم يفعل هو قبلا ومن ثم تحركت كطفلة صغيرة إلي إناء العجين تغط يديها فيه تقتطع منه لتصنع أشكال مختلفة وكأن طفلة في السابعة من عمرها تلعب ، زوجة عمه كانت تضحك على ما تفعل لم تغضب منها ، زوجة عمه أدركت ما لم يدركوه هم ، أن تلك الفتاة الجالسة هناك لم تعش شيئا ، لا طفولة لا شباب لا حياة لا شئ ، بات يراقبها بشكل يثير حفظيته من نفسه ، جاء إلى هنا عطلة قصيرة بعد كل ما حدث ، ليجد نفسه مراقب يتابع تلك الفتاة كظلها دون حتى أن تدري ولكن ما يثير غضبه حقا أنه يشعر بشئ بسيط من السعادة حين يراقبها خاصة وهي في تلك الحالة الرائعة من السعادة ، حمحم يدخل عندهم لترتبك هي سريعا تلملم أشكالها الصغيرة تخفيهم بعيدا عن عينيه ، حاول الا يضحك نزل على ركبتيه يحادث زوجة عمه ساخطا وكأنه طفل صغير :
- جرى ايه يا مرات عمي مش أنا اللي كنت بساعدك في الخبز استغنيتي عن خدماتي خلاص ، دي الشرطة في خدمة الشعب حتى 

ضحكت زوجة عمه لتنظر له وهو يجلس بالقرب منها صورة جميلة تتمنى لو تدوم ولكن عمر لن يرضى أبدا ، لن يمضي قدما في علاقة مع فتاة مسكينة مثلها ، قامت من مكانها تنفض الدقيق عن ثيابها توجه حديثه لعمر :
- عمر تعالا عيزاك في كلمتين برة ، جميلة ما تلعبيش في العجين كله 

من جميلة تلك ولما ابتسمت تلك الفتاة حين نادتها بذلك الاسم أجابت زوجة عمه قبل أن يسألها :
- أنا سميتها جميلة وهي حبت الاسم قولت بلاش اسمها القديم عشان ما يفكرهاش باللي فات
اومأ لها عمر مبتسما جلسا خارجا عمر على مقعد أمام زوجة عمه، تنهدت فاطمة قلقة من رد فعل عمر قبل أن تبتسم تسأله :
- عمر أنا ليا غلاوة عندك ولا لاء 

اومأ برأسه سريعا موافقا يغمغم لها دون تردد:
- طبعا يا مرات عمي ربنا يعلم أنتِ في غلاوة والدتي الله يرحمها، دا أنا متربي هنا علي ايديكِ
ابتسمت فاطمة سعيدة مما قال ، ابتلعت لعابها تردف مترددة :
- أنا اترددت كتير قبل ما اسألك ولو مش موافق ولا كأنك سمعت حاجة ، بس والله يا ابني البت أغلب من الغلب نفسه ، ايه رأيك لو تتجوز جميلة ؟

توسعت عينيه في ذهول يتزوج مِن مَن تلك الفتاة لا طبعا ، شفقته عليها لا تعني أن يتزوج منها انكمش جبينه غضبا يهمس متضايقا :
- أنتِ بتقولي ايه يا مرات عمي ، لاء طبعا دي واحدة كانت لامؤخذة يعني ، تابت على عيني وراسي بس مش لدرجة اتجوزها يعني 

انزلت فاطمة عينيها حزنا كادت أن تجيب حين سمعوا صوت شهقة بكاء عالية جاءت من خلفه التفت خلفه سريعا ليراها تنظر لهم تبكي بحرقة ، في يدها زهرة صغيرة بيضاء صنعتها من العجين كانت تود أن تريها لها لتستمع إلى ما قال ، عاهرة يقصد أنها كانت عاهرة وهو لم يكذب وهي لم تكن تملك خيارا آخر 
______________
في شقة فتحية في الحي الشعبي ، لم تتوقف فتحية عن البكاء والنحيب منذ أن عملت أن ابنتها اُختطفت وكالعادة تلوم نفسها في صمت أنها هي السبب فيما حدث لهم جميعا ، أما رسل فكانت تجلس بعيدا تنظر لهم مرتبكة خاصة لحياة ، أليست هي نفسها الفتاة التي ركضت إليها في المستشفى وهي تصرخ تعتذر لها بشكل هستيري عن شئ لا تعلمه ، قامت بعد تردد كبير تجلس جوارها حاولت أن تبتسم لتهمس لها متوترة :
- أنا فكراكي ، شوفتك في المستشفى
ابتسمت حياة ساخرة ها هي ضحية أخرى تأذت بسببها الجميع هنا يتأذى بسببها ، اومأت حياة لها تنظر لشقيقة وليد الذي دمر حياتها تنظر لها وهي تبتسم ، أغمضت عينيها تهمس لها دون أن تلاحظ حتى ما تقور :
- ايوة أنا ، أنا السبب في اللي حصلك ، أنا اللي قولتلك حقيقة وليد أخوكِ ، شيطان مجرم ما عندوش قلب 

ارتجفت رسل خائفة مما تقول حياة ، حين وعت حياة على ما قالت شهقت بعنف تنظر لها مذعورة لتنتفض من مكانها تبتعد عنها في حين بدأ الصداع يشتد برأس رُسل ومشاهد سريعة متداخلة تقتحم رأسها ضغطت بيديها على رأسها بقوة تحاول أن توقف تلك العاصفة التي اجتاحت عقلها توا !
___________
في البلدة الأولى لم يعثروا على شئ بعد بحث مضنى ها هي الشمس سطعت من جديد ، التعب يهلكهم في طريقهم للبلدة الثانية أسند جبران رأسه إلى ظهر المقعد يغمض عينيه متعبا جسده يتداعى شيئا فشئ ، ليرى صورتها أمامه تبتسم له تنفض شعرها القصير ، فتح مقلتيه فجاءة حين وصلوا أخبره بيجاد أنه نام أكثر من ساعتين كيف ذلك لا يعرف حتى ، الساعة في يده الآن الثانية عشر ظهرا حين وصلوا للقرية بدأت رحلة البحث من جديد يسألون هنا وهناك في أيديهم صورة سفيان ووتر ، تعرف أحد الرجال عليهم ليغمغم :
- سفيان مين يا بيه ، دا الشيخ جابر ، راجل ليه كرامات وبيسخر وبيحل ويربط قاعد في البلد اللي جنبنا الناس بتجيله من كل حتة 

سفيان شيخ ؟!! لا سفيان دجال يضحك على عقول الناس ولكن ما علاقة سفيان بذلك الطريق من الأساس ، تذكر حين رأي ذلك الكتاب الأسود في مكتبته 

« نزل لأسفل يدلف لمكتب سفيان لا أحد المكتب فارغ تنهد يشعر بالاختناق يتجول في غرفة المكتب الكبيرة استوقفه المكتبة الكبيرة التي تاخد حائط بأكمله تحرك يتفحص الكتب القريبة منه أسماء كتب فلسفية وكتب قديمة تراثية قطب جبينه ينظر لأحد الكتب قبل أن يجذبه عنوان الكتاب يتكلم عن تسخير الجان !! كتاب قديم مهترئ عتيق ابتسم ساخرا ماذا يفعل كتاب كهذا في مكتبة سفيان اجفل علي يد سفيان التي وضعت علي كتفه ليلتفت له يغمغم ضاحكا :
- يا عمي أنا ناقص رعب مش كفاية الكتاب دا ايه يا عمي الشغل دا أنت بتشعوذ ولا ايه 

ضحك سفيان ساخرا يأخذ الكتاب من يد جبران يضعه مكانه يغمغم ضاحكا :
- تصدق أنا أول مرة اشوف الكتاب دا من ساعة ما حطيته في المكتبة كان جايلي هدية من عميل من جنوب افريقيا هدية مريبة والله تصدق أنا كام مرة قولت أحرقه وخوفت بصراحة »

توسعت عينيه في ذهول سفيان جُن بالتأكيد يتمنى فقط إلا يكون اختطف وتر لشئ يتعلق بذلك الجنون الذي يفعله ، من جديد انطلقت بهم السيارة إلى وجتهم الأخيرة 
____________
فتحت عينيها تنظر حولها انتصفت جالسة لتجد يدها السليمة مربوطة بحبل سميك إلى الفراش كشاه على وشك الذبح ، والدها المجنون سيقتلها الليلة ، أين جبران لما لم يأتي إلى الآن ، شعرت بالعجز والألم حاولت فك ذلك الحبل لم تنجح ، جذبته بأسنانها بعنف لا شئ ، لما قيد يدها وقدمها في الأساس مقيدة ، ظلت تحاول بأسنانها ويدها الأخرى أكثر من نصف ساعة إلى أن أنفك الحبل أخيرا نزلت عن الفراش رأسها يلتف تحركت صوب الباب فتحته ليُفتح ، فتحت جزء صغير منه تراقب ما يحدث خارجا ، رأت سيدة صغيرة في السن تجلس على الأرض أمامه تبكي تشكو له :
- أبوس ايدك يا شيخ جابر الحقني ، جوزي هيتجوز عليا عشان يخلف الواد عشان بيقول أن خلفتي كلها بنات ، أبوس ايدك اعمل اي حاجة تخليني احمل في واد إن شاء ادفعلك كل اللي حيلتي 
رأت تلك الإبتسامة الخبيثة تعلو ثغره ليتركها ويقوم جلب زجاجة بها سائل أحمر اللون يمد يده لها به يغمغم يأمرها :
- افتحيها واشربيها 
فعلت السيدة ما يقول دون أدنى اعتراض ليقترب سفيان منها وضع يده على رأسها يتمتم ببضع كلمات لم تسمعها ، لا تصدق من الأساس ما تراه عينيها وكأنها في فيلم رعب حي ، بدأت عيني السيدة تزوغ لتتهاوى نائمة أو فاقدة لوعيها هنا ضحك سفيان عاليا ، توسعت عينيها فزعا حين رأته يشرع في خلع ثياب السيدة ، فتحت الباب على مصراعيه لتصرخ فيه :
- أبعد عنهااا أنت هتعمل فيها اييه ، هتعتدي عليها مش كدة ، يا ناااااااس حد يلحقنااا 

وبدأت تصرخ وتستغيث ليحتقن وجه سفيان غضبا توجه إليها يدفعها بعنف لتسقط أرضا في داخل الغرفة جذب الباب يغلقه يوصده بالمفتاح عليها من الخارج لتهرع إلى الباب تدق عليه بعنف تصرخ :
- الحقونااااااي حد يلحقناااا ، دا هيغتصبها يا متخلفين ، حد يسمعني بقااااااا
لا فائدة لم يأتِ أحد جلست أرضا تضع يديها علي رأسها تتحرك للأمام وللخلف لا أحد يسمع وإن سمعوا لا يصدقوا ما الذي يحدث هنا ، مرت ساعة قبل أن تجد الباب يُفتح ، دخل سفيان لتبتعد للخلف تنظر له مشمئزة تكاد تتقئ نظرت خلفه لتجد تلك السيدة تقوم من مكانها تدعو له توسعت عينيها مذهولة ليضحك هو عاليا يغمغم ساخرا :
- أصل أنا قولتلها أنها بعد ما شربت الحجاب الجن اللي عليها اتجن وكان عايز يأذيها وأنها اغمي عليها وأنا بطلعه من عليها وهتحمل في ولد قريب ، بس مش لازم يكون ابن ابوة يعني يا وتر 

لم تحتمل ما يقول مالت أرضا تتقئ كل ما في جوفها في حين ينظر هو لها يبتسم ساخرا دون مشاعر 

وصلت سيارتهم اخيرا إلى البلدة الأخيرة نزل منها يسأل عن ذلك المدعو جابر ليجد أن أهل البلد أجمع يعرفنه ويشيدون بمدى قدراته الجبارة في علاج أمراضهم المستعصية ، حين رأت أحدى السيدات صورة وتر غمغت سريعا :
- ايوة عرفاها شوفتها دي بنت الشيخ يا عيني غلبانة اللهم احفظنا عليها ومش عايزين يطلعوا منها وليل نهار بتصرخ قال ايه أنها مخطوفة 

احتدت عيني جبران غضبا يقسم على أن يدق عنق سفيان بيديه ، تحرك صوب البيت لتتسع عينيه في ذهول حين رأى العشرات والعشرات من الناس أمام باب منزله يفترشون الأرض ينتظرون دورهم ، اقترب من منزل سفيان ليراه يقف خارجا عند الباب توسعت أعين سفيان في ذهول حين رآه ليعلو بصوته :
- يا أهل البلد الراجل دا دخيل من أعوان إبليس جاي يأذي الشيخ اللي بيعالجكوا

في لحظة توجهت جميع الأعين إليه ورأى الغضب يتأجج في أعين الجميع وكأنه جاء ليهدم رمزهم المقدس !!
تعليقات



×