رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الواحد والستون 61 بقلم شمس بكري


رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الواحد والستون بقلم شمس بكري 

"أوصدتِ في وجهي بابك...

حكمتَ على قلبي بغيابك"

__________________________


و كأنني يا صديقي مُعتمٌ فيخشوني الآخرين، أو ربما بهتت روحي و بات القلب حزين، أو ليس لي مكانًا في هذا العالم؟! و ربما أنا به سجين، فياليت كل ما شعر به القلب ليس حقيقةً، و يا ليت دنياي تعطف عليَّ و أنا المسكين، غدوت عن نفسي غريبًا و داخلي يبكي قهرًا من فرط الحنين.


_"طلقني يا حسن....طلقني علشان نرتاح احنا الاتنين"


تفوهت بها «هدير» بثباتٍ زائفٍ و هو يطالعها بأعين متلهفة، لكنها صدمته بقولها كمن مسك السكين و طعنه غدرًا دون أن يرأف بحاله، ازدرد لُعابه بخوفٍ و هو يحرك رأسه مُستنكرًا ما تفوهت به، فأضافت هي بصوتٍ مختنقٍ متحشرجٍ نتيجة تماسكها الزائف:


"طلقني علشان لا أنا ولا أنتَ هنعرف نرتاح سوا، أنا مبعرفش أعيش في صراعات، سيبني علشان أختك ترتاح و علشان متاخدش واحدة زيي بتستغلك"


أمسك مرفقها بحدة و هو يهزها في يده بعنف و رافق حركته تلك قوله المنفعل:

"أنتِ واعية لنفسك بتقولي إيه؟! سامعة كلامك يا هدير ؟! حرام عليكي دا أنا بلف عليكي زي المجنون من امبارح، أنا عيطت علشانك زي اليتيم اللي اتيتم للمرة التانية، ليه يا هدير؟!"


بكت هي رغمًا عنها من نبرة صوته المتألمة و الوجع الذي بدا عليه، فأضاف هو متوسلًا لها:

"أنتِ عيشتي معايا شوفتي مني حاجة وحشة طيب؟! زعلتك في حاجة؟؟ و الله العظيم أنا مش عاوز غيرك أنتِ بس من الدنيا"


زاد بكائها و نحيبها حتى شهقت بقوةٍ و امتزج البكاء بالوجع و الآهات، فأضاف هو بنبرةٍ باكية و دموعه تنهمر على وجنتيه:

"ليه عاوزة تيتميني تاني؟! ليه عاوزة ترجعيني غريب في الدنيا دي، و أنا مش طالب غير وجودك فيها ؟!"


حركت رأسها نفيًا و هي تبكي و كأنها لا تملك الجواب على أسألته الموجوعة، فترك مرفقها و هو يقول مُقررًا بصوتٍ مختنقٍ:

"أنا مش هطلق يا هدير، مش هرضى بغربتي بعد ما لقيت الونس، أنا هبقى أناني المرة دي"


ترك المكان بأكمله بعد تلك المقابلة و خاصةً مع بكائها الذي أخذ يزداد مثل الطفل الصغير، فرحل هو من البيت بأكمله و بداخله نيرانٌ ملتهبة تحرق روحه، أما هي ارتمت على الأريكة و هي تبكي فركضت لها «عبلة» من الداخل تحتضنها و هي تبكي معها، حينها جلس «وليد» على ركبتيه أمامهما يسألها بنبرةٍ هادئة مُراعيًا حالتها و ما تمر به:


"أنا مش هضغط عليكي في حاجة، بس هقولك إن حسن ميستاهلش إنك تسيبيه، حسن طيب و ابن حلال، و لو هو مش كدا أنا عمري ما هسلمك ليه"


ردت عليه هي بوجعٍ و صراخٍ:

"أنا بعمل كدا علشان هو يرتاح، مش هيستحمل إنه يتوجع تاني بأي طريقة، أنا بختار الوجع الأحن عليه، هو لازم يفهم إننا مش هننفع مع بعض"


ربتت «عبلة» على رأسها بعدما احتوتها بين ذراعيها، فسألها «وليد» بثباتٍ:

"مفيش حاجة اسمها وجع أحن من وجع تاني، في النهاية كله وجع، و أنا متأكد إن حسن معملكيش حاجة أصلًا، و لو حنان هي السبب تبقي غبية لو سيبتيه علشانها"


تحدثت هي ببكاءٍ و صراخٍ منفعلًا في وجهه:

"أنتَ مش فاهم حاجة، مشوفتش وجعي كان عامل ازاي منها و من كلامها، دبحتني و أنا واقفة قصادها مش عارفة أرد، عايرتني بموضوع جوازنا و إنك أنتَ اللي طلبت منه يتدخل و يلحقني، اتهتمني في شرفي أني غلطت مع راشد و أنتم لزقتوني لـ حسن علشان سُمعة العيلة"


صُعق هو مما وقع على سمعه و كأنه يمسك أسلاك الكهرباء مباشرةً فسرت القشعريرة في جسده مثل سريان الكهرباء في الأجساد، و زوجته لم تختلف عنه كثيرًا حتى ارتخى كفيها من على «هدير» و هي تطالعهما بذهولٍ؛ حتى تحدث «وليد» بنبرةٍ مهتزة:

"أنتِ بتقولي إيه يا هدير.....أكيد فيه حاجة غلط، مستحيل"


صرخت في وجهه و هي تقول:

"ليه مستحيل !! دا اللي حصل فعلًا...قالتلي كلام زي السم، أنا محسيتش بنفسي غير و أنا برفع ايدي عليها علشان أضربها، مسكت ايدي و طردتني من البيت، أنا اللي خلاني نزلت أني كنت هموتها، كنت هرميها من البلكونة علشان النار اللي جوايا تهدى، مكانش ينفع أفضل في مكان واحد معاها، كانت هتخلص بموت واحدة فينا"


كانت تتحدث عن وجعها بصراخٍ رغم قوته إلا أنه أظهر صوتها المُنكسر، فأضافت هي بنبرةٍ أكثر وجعًا:

"لأول مرة أحس أني اتيتمت و أمي ماتت، و أول مرة أحس اني محتاجة أخ يلحقني و يجيبلي حقي، أنا عيني اتكسرت يا وليد، عيشت عمري كله رافعة عيني في وش الكل، و جت هي عرفت تكسرني صح، أبوس إيدك خليه يطلقني، مش هستحمل وجع أكتر من كدا و لا هو هيتحمل"


نزلت دموعه إثر حديثها الذي بعثر ثباته و هز كيانه، فتحدث بنبرةٍ متحشرجة:

"أنتِ مش يتيمة، أنا و كلنا معاكي، و عندك بدل الأخ أربعة يجيبوا حقك، و حتى لو كلهم اتخلوا عنك، وليد أخوكي في ضهرك و مش هسيب حقك"


سألته بخزيٍ و خجلٍ بنبرة صوتها المنكسرة و دموعها تنساب بحريةٍ أطلقت هي لها العنان:

"حتى بعد كل حاجة حصلت زمان هتقف معايا ؟!"


حرك رأسه موافقًا ثم تحدث مُفسرًا:

"كل حاجة حصلت زمان أنا نسيتها و رميتها من دماغي خلاص، و مهما حصل احنا ولاد عم و عمري ما هقبل إن حد يمسك و لو بكلمة، متقلقيش"


حركت رأسها موافقةً و هي تبكي، فطالعته «عبلة» بامتنانٍ له و لحديثه، فتحدث هو بعدما زفر بقوةٍ:

"ادخلي ريحي يا هدير و نامي كويس، علشان لما تصحي هتقوليلي كل حاجة، أنا لازم افهم حصل إيه علشان أعرف اتصرف صح"


حركت رأسها موافقةً ثم استأذنتهما للدخول، و بعد اختفاء اثرها، سألته «عبلة» بحذرٍ:

"وليد !! أنتَ هتخليه يطلقها ؟!"


طالعها بثباتٍ و هو يقول بلهجةٍ حادة:

"بعد دا كله و بعد اللي قالته دا هسيبهاله ؟! يتداس على كرامتها و شرفها بالطريقة دي و أسكت و أروح ارجعهاله؟! اخته تعايرها إنه صاحب فضل عليها علشان اتجوزها و بسببها تنزل الشارع في نصاص الليالي من غير جنيه واحد و اسيبهاله ؟؟ عارفة فيه كام خطر كان ممكن يحصلها و هي لوحدها ؟؟ أنا هجيب حقها و مش هسكت عنه"


رمقته بخوفٍ و قلقٍ من القادم و هي تعلم أن جميع نقاط ضعفه توجد بأخوته و في العائلة بأكملها، بينما هو انسحب من أمامها و بداخله نيران الانتقام تشتعل حتى أوشكت نيرانها على الفَتك به و بأحشائه، ودَّ في تلك اللحظة أن يذهب لتلك المزعومة «حنان» و يجعلها تعاني مثلما عانت «هدير» و لكن مهلًا فـ لكل وقتٍ آذان.

_________________________


لم تستطع أن تغفو و لو لثانيةٍ واحدة، على الرغم من أنها تطمئن عليه أنه في حفظ الرحمن و رعايته، لكن تلك هي المرة الأولى التي يرحل عنها قاصدًا في الفراق سُبل الرحيل، حتى الصباح و هي تقرأ خطابه مرة و الثانية و الثالثة و كل مرةٍ يزداد البكاء من جديد و كأنها تقرأ تلك الكلمات للمرةِ الأولى.


حركت رأسها تتجول في انحاء الغرفة تتفحصها بعد خلوها منه و هي تطالع كل التفاصيل الهادئة الخاصة به، حيث صوره المُعلقة على الحائط في شكل "قلب" و معها صور أخوته، تحركت من الفراش و هي تطالع كل شبرٍ في الغرفة، حتى وقع بصرها على صندوق كبير الحجم، على هيئة بيت صغير الحجم يبدو أنه صممه بيده، اقتربت منه تجلس على ركبتيها و هي تفتحه بعدما سمحت لنفسها باكتشاف حاجته الخاصة، لعل ذلك يطفيء نيران شوقها و لهفة رؤيتها له.


قامت بفتح الصندوق فوجدته منمق الترتيب حيث وضع بداخل فواصل خشبية قام هو بصنعها و في كل فاصلٍ وضع رسائل كتبها هو بخط يده، و ما شد انتباهها هو رقم "٢٩" حيث وضع معه عدة اشياءٍ أخرى لم تعلم هويتها بعد !! لكنها قررت الخوض في تلك الرحلة حتى تتعرف على ذلك الصندوق.


أخرجت البطاقة الذي وضع عليها الرقم و هي عاقدة ما بين حاجبيها، فوجدت أسفلها خطابًا بيده، سحبت الخطاب تفتحه بأنامل مرتعشة و هي تحاول التماسك من قوة بكائها فوجدت بداخلها الآتي:


"قبل ما أقفل الـ ٢٨ و أدخل في الـ ٢٩؛ أنا جاي أفكر نفسي أني النهاردة بس لقيت القلب اللي شبه قلبي، لقيت اللي تستاهل التعب و المحاولات، النهاردة بس عرفت يعني إيه الانسان يصبر ينول، و أنا كانت نتيجة صبري خير، النهاردة شوفت عيون حنينة، عيون حضنتني حتى لما هربوا مني، النهاردة بس بتمنى أنها تكون ليا و أنها تكون أخرة صبري"


نزلت الدموع و هي تقرأ كلماته و خاصةً حينما دون تاريخ مقابلتهما الأولى حينما ذهب لخطبتها، وضعت كفها على فمها تحاول جاهدةً كتم شهقاتها، فأخرجت الخطاب التالي و وجدت بداخله:


"حتى و إن كانت العتمة تغطي الدرب لكني سأتحمل فقط لأجلكِ، هذا وعد قطعه القلب؛ لأتذكر دومًا أنني دخلتُ حربًا فقط لأجل عيناكِ و لم تأتيني الهزيمة إلا من سِواها، فسبحانه ربي بعظمته خلقها و سَواها"


النهاردة عرفت إنها محتاجة وجودي أكتر من أي وقت تاني، النهاردة عرفت أنها اتأذت من الدنيا و شافت تعب، و فيه وعد قطعته على نفسي، يا أكون أنا ليها العوض، يا أنسحب و أخرج من حياتها، حتى لو الطريق صعب شوية علينا، بس هي تستاهل"


احضتنت الورقة و هي تشعر بأن نبرة صوته تخترق قلبها قبل سمعها، ليببثها الطمأنينة حتى بغيابه، شهقت هي من بكائها، فأخرجت الخطاب الثالث فوجدت به:

"كنتُ زاهدًا و بنظرةٍ غدوتُ عاشقًا"

النهاردة أنا عرفت اني نجحت اني اطمنها، لما لقيتها بتقولي فرحانة علشان شافتني، النهاردة عرفت يعني إيه تكون أمان لحد عاش في الخوف طول عمره، النهاردة أنا نجحت في حاجة جديدة"


أخرجت الخطاب التالي فوجدت بداخله:

"أوصدت أبواب الحب عن قلبي فرآى عينيها و بهما تاه، وهبته حياةٍ أخرى وهبته من بعد موته الحياة"

النهاردة كانت أول مرة أشوفها فرحانة كدا، و هي بتلعب و بتضحك معايا حسيت أني عاوزها كدا طول العمر، كانت فرحانة بجد و كانت بتضحك و كأنها بتضحك لأول مرة، و وعد مني إنها متكونش أخر مرة"


وضعت الخطاب من يدها ثم تتابعت في قراءة الخطابات التي وضعت في خانة الـ "٢٩" حيث وضع عدة خطابات تلخص حياتهما معًا، حتى وصلت إلى أخر خطابٍ كتبه قبل رحيله من ذلك البيت فوجدت به الآتي:


"أخر يوم ليا هنا في المكان اللي شهد على كل حاجة في حياتي، تعبي و سهري و مذاكرتي و أخواتي و سهرنا سوا و حُبي و كل حاجة عيشتها في يوم، مش عارف ازعل أني هسيب كل حاجة هنا و لا أفرح إن بكرة هي هتكون معايا في بيتي؟! و أبدأ بيها عهد جديد قدام ربنا ؟؟ بس وعد مني لنفسي و يشهد عليه ربنا، أني ماكونش في يوم سبب زعلها أو كسرتها، وعد إني أكون أب و صاحب و أخ و داعم و شريك صالح اسندها في حياتها، وعد نصلح حياتنا سوا، وعد مني أكون إنسان قبل ما أكون زوج"


احتضنت الورقة و هي تود مهاتفته و تخبره أنه وعد و وفى بوعده، ودت لو أخبرته أنها عاشت مُطمئنةً بكنفه كمن وجد شجرةً يستظل بها في صحراءٍ جارفة بشمسها الحارقة.


و في تلك اللحظة و كأنه استمع لنداء قلبها فوجدته يهاتفها، خطفت الهاتف فورًا و هي تقول بلهفةٍ باكية:

"أنا بحبك أوي يا ياسين، بحبك بجد و هتفضل الحاجة الوحيدة الصح اللي حصلتلي في حياتي"


ابتسم هو حتى ظهر أثر تلك البسمة في قوله:

"سبحان الله مبتتكلميش غير و الوضع مش نافع، ما أنا كنت قدامك يا بنت الحلال و بتذليني علشان كلمة حلوة، أقول إيه بس؟"


سألها بيأسٍ زائفٍ حتى ردت عليه هي مُسرعةً:

"تعالى و أنا مش هبطل أقولك كلام حلو، متطولش في غيابك عني يا ياسين"


زفر هو بقوةٍ ثم تحدث بقلة حيلة بحنوٍ كعادته:

"هخلص في أقرب وقت أقدر عليه و أجيلك، أنا بس كلمتك علشان اقولك إن الشبكة هتقطع علشان هندخل نفق، و مش هعرف أكلمك غير بليل يا خديجة، على ما أكون عرفت مكان فيه شبكة، خلي بالك من نفسك و من رياض و زُهرة، هما مستحيل يزعلوكي و دي حاجة أنا واثق منها"


ردت عليه هي بهدوء:

"أنا عارفة والله، بس دي أول مرة أكون هنا من غيرك، و عمالة ألعب و أدور في حاجتك، أنتَ حلو أوي و قلبك كمان حلو"


ابتسم إثر جملتها بيأسٍ و سادت لحظة صمت من كليهما، أنهاها هو حينما زفر بقوةٍ ثم تحدث بنبرة متحشرجة يقول:

"لا إله إلا الله يا خديجة، الشبكة هتفصل خلاص"


ردت عليه هي بعدما تنفست بعمقٍ تحاول الثبات حتى لا يفتضح أمر بكائها:

"سيدنا محمد رسول الله، ربنا يحفظك و يخليك ليا"


أغلقت معه الهاتف ثم أطلقت العنان لعبراتها و هي جالسةً على الأرض و كل ما تتمناه أن تستطع التعامل بدونه و تقدر على معايشة الحياة من غير تواجده معها، لطالما كان هو الداعم الاول و الوحيد لها.


وقفت «زهرة» في الخارج بعدما سبق و حدثها في الهاتف و هي تبكي، فاقترب «رياض» منها يسألها بهدوء:

"مالك يا زهرة بتعيطي ليه ؟! مش هو لسه مكلمك و قال إنه هيقفل علشان يكلم خديجة؟!"


حركت رأسها موافقةً ثم تحدثت بصوتٍ مختنقٍ:

"سمعت صوته و هو بيكلمنا كان مخنوق ازاي؟! حسيت إنه بيداري حاجة عننا؟! أول مرة احس أنه متضايق يا رياض"


وضع ذراعه عليها يضمها إليه و هو يقول مُطمئنًا لها:

"علشان عمره ما بعد عننا و عن أخواته، عمر ما واحد فيهم ساب التاني غير عامر لما راح أسوان اسبوعين، بس كان وضعه مختلف، كان بيكلمهم كل شوية و يسمع صوتهم علشان يتطمن، ياسين عنده حدود في شغله هتخلي حركته مُقيدة شوية، بس هو بيحب شغله و لما يبدأ فيه و يعمل الحاجة اللي بيحبها هيتغير و هيبان عليه أنه فرحان و هتشوفي بنفسك"


حركت رأسها موافقةً و هي تبكي، فأمسك وجهها بين كفيه و هو يقول بهدوء:

"بطلي عياط علشان خديجة هي كمان، هو سايبها أمانة لينا و أنتِ عارفة هي متعلقة بيه إزاي، و خليها تطلع تقعد معانا علشان تفطر يلا، إحنا إجازة النهاردة و خلينا نقضي اليوم معاها بدل ما تفضل لوحدها"


حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من جواره حتى تدخل لها الغرفة، طرقت الباب طرقاتٍ رتيبةٍ و هي تذكر اسمها بهدوء، ردت عليها الأخرى من الداخل، فتحدثت «زهرة» بتفهمٍ:

"خديجة تعالي يا حبيبتي علشان نفطر و علشان رياض عاوزك"


ردت عليها الأخرى تُلبي طلبها و تخبرها بتنفيذه، ثم دخلت مرحاض غرفته تبدل تغسل وجهها الباكي و تعدل هيئتها، ثم خرجت لهما في الخارج، فتحدث «رياض» مُهللًا:

"اللهُ أكبر !! الشمس طلعت أهيه و نورت الشقة، إيه يا ستي؟!"


ابتسمت له و هي تقول بنبرةٍ واهنة:

"صباح الخير يا بابا، صباح الخير يا ماما، آسفة لو اتأخرت عليكم"


ردت عليها «زهرة» بحبٍ:

"البيت بيتك يا حبيبتي براحتك، بس إحنا عاوزينك تفطري علشان أنتِ ماكلتيش من امبارح"


حركت رأسها موافقةً ثم جلست مقابلةً لها و «رياض» يترأس السُفرة فحانت منها التفاتة تنظر للمقعد الخالي من تواجده، و هي تتذكر مشاكسته لهم أثناء الطعام، راقبها «رياض» بعينيه و رأى تأثرها، فتنهد بعمقٍ ثم تحدث ممازحًا لهما:

"كلوا بقى أنتِ و هي علشان عاوزه يرجع يلاقي الواحدة فيكم الضِعف، عاوزه ميقدرش يشيل واحدة منكم"


ابتسمت له كلتاهما بسمةً باهتةً لم تصل للعين، فاضاف هو مقترحًا بحماسٍ طفيفٍ:

"بقولكم إيه ؟! إيه رأيكم أغني ليكم، اهوه افرفشكم شوية لحد ما أبو طويلة يرجع"


ابتسمت له «زهرة» بقلة حيلة بينما الأخرى طالعته بتيهٍ فأضاف هو مُقررًا:

"هغني ليكم أنا صوتي حلو برضه و لا هو لوحده اللي بيعرف يغني يعني؟؟ ها أغني ؟!"


ردت عليه «خديجة» بموافقةٍ:

"غني يا بابا، أنا بحب أسمع صوتك علشان زي صوته"


حرك رأسه موافقًا ثم تنحنح يُجلي حنجرته و شرع في الغناء بقوله

:

"أنا لو حبيبك مكنتش يوم تسيبني، ازاي بتقول نصيبك و هان عليك تبيعني؟! أنا لو حبيبك مكنتش يوم تسيبني، ازاي بتقول نصيبك و هان عليك تبيعني؟ بتقولي الحنين.... طب فين الحنين؟؟ بعد غيابك سنين بعد ما قلبك ظلمني؟!"


نظرت كلتاهما له بذهولٍ من كلمات الأغنية و التي من المفترض أن تهون عليهما، حتى حاول كتم ضحكته و هو يقول:

"ها إيه رأيكم ؟! هونت عليكم صح؟!"


تحدثت «زهرة» بتهكمٍ:

"أوي يا رياض ما شاء الله، مش ممكن على السعادة اللي غمرتنا"


كانت «خديجة» تحاول كتم الضحك على حماها فأخفضت رأسها للأسفل، فتحدث هو متابعًا بنفس الطريقة:

"خلاص هغني ليكم حاجة تانية تفرفشكم، أنا غلطان ليكم"


_"ياريت"

تفوهت بها «زهرة»، فبدأ هو بقوله الرزين و كأنه لا يقصد ذلك:

"سافر حبيبي و داخلي يودعني...بكى و بل المحارم و أنا جولت إيه يعني ؟! و الله فُراج الحبايب مُر يوجعني....و الله فُراج الحبايب مُر يوجعني....سافر حبيبي و داخلي يودعني....بكى و بل للمحارم و أنا جولت إيه يعني و الله فُراج الحبايب مُر يوجعني....مُر يوجعني."


أنهى الغناء ثم وزع نظراته بينهما و كأنه بذلك يستفسر منهما عن رأيهما و ما لبثوا ثوانٍ حتى انفجروا في الضحكات هم الثلاثة من «رياض» و كلماته التي كانت بمثابة الملح الذي تم وضعه على جرحٍ غائر ليزداد لهيبه.

_________________________


وصل «حسن» شقته و هو يشعر بأن النيران أُضرمت بداخله، فلم يعد يقوى على الوقوف أكثر من ذلك، حتى دلف شقته و هو يبحث عن شقيقته، حتى وجدها بالمطبخ و كأنها لم تفعل شيئًا من الأساس، اقترب منها يمسك ذراعها بعنفٍ و هو يقول بحدة:

"حنان !! أنتِ عملتي فيها إيه يخليها توصل للمرحلة دي إنها تطلب مني الطلاق ؟! انطقي يا حنان !! هدير مصممة على الطلاق"


ردت عليه هي بتجاهلٍ مصطنعٍ:

"معملتش حاجة فيها، هي اللي زعلت من الكلام و أنا بحاول اتفاهم معاها، و لما لقيتها بتقولي دا بيتي أنا و حسن، بحاول اتفاهم معاها و اعرفها أنه بيتي، حاولت تمد أيدها عليا و نسيت الأصول"


هدأت حدة تنفسه فترك ذراعها و هو يزفر بقوةٍ، فأضافت هي تطرق على الصلب في سخونته لتصل لنتيجةٍ ترضاها:

"هما اللي هيخلوها تطلب منك الطلاق علشان يبتزوك كويس، هيستغلوا إنك بتحبها، بس هما اللي فارق معاهم هو إنك تدفع لهم كويس، لو هي بتحبك فعلًا هترجعلك"


خطف الزجاجة من خلفه ثم قذفها على الأرض في لمح البصر و هو يصرخ بكلمةٍ واحدة:

"بـــــس"


اجفل جسدها بعد فعلته تلك، بينما هو دلف غرفته و هو يضرب الأرض أسفل قدميه و يأخذ الخطوة بأثنتين، زفرت هي بقوةٍ ثم اخفضت جسدها تزيل الزجاج المُهشم، دون أن تعبأ به أو بكونه مهشمًا من الداخل مثل ذلك الزجاج، و لكن كرهها طغى عليها حتى نسيت مشاعره و قلبه الذي يتصدع نتيجة الفراق.

_________________________


هربت «هدير» داخل الغرفة و تكومت على نفسها و هي تبكي بقهرٍ و وجعٍ و عقلها يعمل على حل تلك المعضلة، و في كل مرّةٍ لم تجد سوى أنها تنفصل عنه، و إذا تأكدت من افصاحه لشقيقته عن سبب الزيجة مما جعلها تتفوه بما تفوهت به بالطبع لن تلزمها الحياة معه، و لكن كيف تتأكد من ذلك دون أن تظلمه؟!


فتحت الهاتف على صورتها معه أثناء الفرح، فبكت و هي تقول بوجعٍ و دموعٍ تسيل على وجنتيها:

"يا رب تطلع معملتش كدا يا حسن، يا رب متكونش كسرتني كدا، أنا هقبل أي حاجة إلا إنك تكون ضعفت قصادها و وجعتني كدا"


صدح صوت الهاتف في يدها برقمه فرفعت كفها تمسح دموعها و هي تشهق بقوةٍ، استمرت المكالمة دون أن يصدر ردًا منها، فحاول هو مرةً أخرى و مرةً تالية حتى قامت بفتح المكالمة دون أن تنبت ببنت شفة، فقط صوت تنفسها الحاد فتحدث هو بصوتٍ مختنقٍ:

"أنا مزعلتكيش و مواجعتكيش يا هدير، أنا كنت نايم و صحيت ملقتكيش جنبي، طب اتكلمي و قوليلي مالك، قولي إيه اللي زعلك علشان تطلبي تسيبيني؟"


شهقت هي بقوةٍ و صدر منها صوت البكاء الممتزج بالنحيب، فتحدث هو ببكاءٍ هو الأخر:

"أنا مش عاوزك أخسرك....مش عاوز أخسر الحاجة الوحيدة اللي خلتني أحب الدنيا....مش عاوز أرجع تاني لوحدي....مش عاوزك تسيبيني"


رفعت كفها تضعه على فمها فأضاف هو بنفس الآلم و الوجع:

"أنتِ أول حاجة تخليني أحب بيتي و تخليني أعيش و أعرف يعني إيه إنسان يفرح من قلبه، أول واحدة تخليني أخاف عليها من الدنيا، عرفتي ليه كنت بقولك إن اللي بيحب بيخاف ؟! علشان كنت خايف من اللحظة دي، كنت خايف اتغرب تاني من بعدك و كنت خايف ارجع تاني لوحدي، كلهم سابوني و مشيوا من غير حتى اشارة، ليه أنتِ عاوزة تكملي عليا الوجع !!"


توقف عن الحديث يمسح دموعه ثم تابع الحديث بقوله بنفس الطريقة المتوسلة ببكاءٍ:


"أنا بحبك يا هدير، بحبك و مش عاوز أخسرك، مش عاوز أخسر نفسي اللي حبيتها معاكي، أنا رجعت أصور علشانك و رجعت أخرج و أضحك برضه علشانك، طب دا أنا بقيت بدور على افلام كرتون علشانك أنتِ و علشان تحبيني، ليه عاوزة تحكمي عليا بالغُربة بعد ما اتونست بيكي، ليه عاوزة تخليني أجرب إحساس اليُتم تاني، مش عاوز أبقى يتيم تاني يا هدير، مش عاوز أموت و أنا لوحدي، عاوزك أنتِ بس من الدنيا، الدنيا اللي مطلبتش منها غيرك و مش هطلب في الجنة غيرك برضه، ردي عليا يا هدير؟"


ردت عليه هي ببكاءٍ بكلمةٍ واحدة:

"طلقني.....طلقني علشان بكرة تعرف أنا عملت كدا ليه، طلقني علشان البداية كانت غلط من الأول، أنا اللي زيي مينفعش تتحب، مينفعش أكون مع حد، طلقني علشان ترتاح و تقدر تعيش مع حد غيري يخليك تنسى غيابي و وجودي"


أغلقت الهاتف في وجهه، فحتى الآن لم تعلم ماذا تريد، تشعر بالحيرة و التخبط في أمرها، من جهةٍ تخشى عليه الصدمة بفعلة شقيقته و من ناحيةٍ أخرى تخشى الصدمة بفعلته إن كان فعلها هو من الأساس، لم تنكر أن تمسكه و حديثه عنها بتلك الطريقة جعلها تشعر بـ بصيصًا من الأمل، لكن كيف تخبره أن بسبب حديثه حتى و إن خرج في لحظة ضعفه أمام شقيقته تسبب في جرح كرامتها و سب شرفها بتهمةٍ لم تفعلها هي و براءتها منها كما براءة الذئب من دم ابن يعقوب ؟!


و على الجانب الآخر قام هو باخراج صورتها و هو يقول لها مُحدثها بوجعٍ:

"أنا كان معايا حق أخاف من الدنيا بعد ظهورك، حبيتك بطريقة غريبة خلتني أخاف على نفسي، أنا مش عاوز بس غير وجودك أنتِ معايا، مش عاوز أكره بيتي و مش عاوز أرجع لوحدي، أول مرة أحس إن ليا مكان في الدنيا دي لما بقيت معاكي، حسيت إن ليا قيمة و أنا بحبك و معاكي، لما ساعدتك و بقيت معاكي كنت أول مرة أحس يعني إيه فرحة، الأحلام اللي رسمتها في خيالي معاكي مش هتنفع مع حد غيرك يا هدير، و أنا مش هقدر أقبل فكرة إنك تكوني لغيري و أنا أكون لغيرك، علشان حسن ملوش غيرك"


أغلق الهاتف و هو يبكي كمن فقد والدته، يشعر بالخوف حقًا من فقدانها، فبعد شبه حاله بطفلٍ تُرك وسط قبيلةٍ مثل الغريب بها جاءت هي تنتشله بيدها ليغدوا معها آمنًا ثم تعيده للحرب من جديد دون حتى أن تنبهه هي بذلك، فقط تركته و رحلت و صوت القلب يردد بوجعٍ:

"ألا ليتَ بذنب الحب ما بُليت..

فبعد ما استأنستُ بوجودك؛ غدوتُ في رحيلك عائلًا و كأنني بدونِ بيتَ"

شعر و كأنه بدا غريبًا مرةٍ أخرى عن تلك الدنيا، لم تألفه هي و لم يقبلها هو، هل من الممكن أن يعود غريبًا من جديد ليسير في الزمان وحيد

_________________________


وصل «ياسين» وجهته المنشودة قبيل المغرب بـ لحويظاتٍ قليلة، و هو يطالع الطبيعة الجبلية الوعرة حوله، حيث وصلت به الحافلة نحو مكان عمله و وقف يتابع المكان حوله بعينيه ممُررًا بصره في أرجاء المكان بأكمله، فوجد الطابع الجبلي الأصيل يغلب عليه و على الأجواء حوله، و لكن ما لفت نظره هو خلو المكان من المباني سوى من وجود "كرافانات" و هي عبارة عن سياراتٍ مُخصصة للعيش بها و المبيت، بالطبع هي أقل أدمية من المباني السكنية، لكن في تلك البلدة هذه هي الطريقة المتوفرة لعيش العمال بها.


تنهد هو بيأسٍ و حينها تأكد أن ذلك العمل سيكون الأصعب في تاريخ حياته، فبوادر الشيء أنذرته بذلك، فيكف يُكذب حدثه و مرأى عينيه؟! و المكان حوله صحراءٍ جارفة، تحرك نحو أحد الكرافانات يطرق بابه بهدوء، فخرج له رجلٌ غالبًا من عمر والده و هو يسأله بامعانٍ:


"اؤمر مين حضرتك ؟! "


تعجب «ياسين» من سؤال الرجل و كأنه يطرق باب أحد المباني السكنية و لم تكن عربة في منتصف الصحراء !! فتحدث بعدما حمحم بخشونةٍ:

"أنا ياسين....ياسين رياض الشيخ، المهندس المعماري اللي هشرف على المشروع هنا"


تهللت أسارير الرجل و هو يقول:

"يا ألف نهار أبيض !! حمدًا لله على سلامتك يا بشمهندس، الصحرا و شمال سينا كلها نورت، اتفضل"


رد عليه «ياسين» بنبرةٍ مُتعبة:

"الله يكرم أصلك يا رب، معلش بس فين المكان بتاعي علشان جاي من سِكة سفر طويلة أوي و عاوز أريح"


أشار إلى عينيه و هو يقول:

"عيني يا باشا، ثانية هجيب المفتاح لحضرتك و هاجي، عن اذنك يا بشمهندس"


حرك رأسه موافقًا و هو يعدل وضع حقيبته على ظهره، فخرج الرجل له و هو يشير له أن يتبعه حتى المكان المخصص له، تتبعه «ياسين» سيرًا على الأقدام حتى وصل له و كانت تبعد عن مكان العُمال بعدة أمتار تتأرجح بين المسافة الكبيرة و الصغيرة.


قام الرجل بفتح "الكرافان" له و هو يغمغم بعدة كلماتٍ مرحبةٍ به و بمجيئه إلى أرض العمل، كان «ياسين» في وادٍ أخر و هو يجول المكان بعينيه، حتى التفت له الرجل و هو يقول:

"أهو يا بشمهندس، فتحته ليك و كل يوم كنت بوضبه و افتح اهويه، المفتاح مع حضرتك اهوه و إحنا في الكرفانات اللي حضرتك جيت عندها هناك، و المطبخ جنبنا هناك و العشا قرب، هاجي لحضرتك بيه، تؤمرني بحاجة تاني ؟!"


ابتسم له و هو يقول بنبرةٍ هادئة يكن التقدير لذلك الواقف أمامه:

"متشكر لحضرتك جدًا يا... اسم الكريم إيه بقى ؟!"


رد عليه الأخر مبتسمًا:

"عمك عبدالعزيز، أنا رئيس العُمال هنا، و هبقى مع حضرتك علطول، عن اذنك بقى علشان أروح اعرفهم أن حضرتك وصلت، علشان يتعرفوا عليك"


حرك رأسه موافقًا له فتحرك الرجل من أمامه بجسده الضخم، بينما «ياسين» دلف مكانه المُخصص و هو يجول به بعينيه و يوزع نظراته به، فوجده منمقًا إلى حدٍ كبيرٍ حيث يوجد بداخله فراشٍ متوسط الحجم و مرحاضٍ صغيرٍ و حوض صغير بالكاد يستطع الوضوء به، و إضاءة قوية نظرًا لِـ كِبر حجم المصباح و ضيق مساحة الغُرفة، تنهد هو بثقلٍ ثم جلس على المقعد الخشبي الموجود بقرب الفراش و خلفه خِزانة متوسطة الحجم.

بعدما راقب المكان بعينيه و تفحصه و شمله بنظره، وقف ثم توجه نحو الباب يغلقه بالقفل الموضوع خلف الباب ثم تنهد بعمق و توجه نحو حقائبه يُفرغها و يقوم بوضع حاجته بالخزانة الخاصة بالغرفة ثم خلع معطفه الشتوي و قام بتعليقه على شماعة الخِزانة في الداخل، ثم عاد يجلس من جديد و أخرج هاتفه ينظر به فوجد الشبكة منعدمة بالمكان، ابتسم بسخريةٍ و هو يظن أن الهاتف أصبح دون فائدة، لولا الصور و الفيديوهات و اللقطات الموجودة عليه تخليدًا للذكريات لا كان اغلقه بالكامل و تركه في الخزانة، لكنه تذكر شيئًا هامًا، ففتح المعرض الخاص بعرض الصور و الذكريات و هو يبتسم بخفةٍ و يرى اللقطات الخاصة به و بذكرياته مع أحبته، تنهد بشوقٍ و هو يرى تلك اللحظات و الصور التي جمعته بكل ما تعلقت بهم روحه حتى وجد صورتهما سويًا في بيتهما ذات مرةٍ قبل نزولهما سويًا فالتقط لهما صورةً و هو يمسك يدها و هي مقابلةً له تمد أناملها، و صورةٌ أخرىٰ له يحتضنها بذراعه و هو يلتقط الصورة عبر المرآة و الصورة الأخيرة لها و هي تُشبك أناملها ببعضهم و حركت كتفيها بحركةٍ عفوية و هي تسبل بأهدابها له ببراءةٍ زائفة و حينها التقط هو الصورة لتصبح أكثر الصور العفوية التي التقطها في حياته يومًا ما، ابتسم هو بتأثرٍ و كل ما يتمناه فقط أن تقف ثابتةً كما هي و أن لا تتزعزع ثقتها بنفسها أو ترجع لخوفها مرةً أخرى، يخشيٰ عليها قسوة الحياة، و هي التي تتمتع ببراءةٍ لم يفهمها العالم قط، فمثل تلك الدنيا تريد الحزم و الشدة و هي تتمتع بلين القلب ليهوى بها لسابع قاعٍ، و لكن دومًا هو مُقدمًا على الخطر حتى و إن كان فداها، فيكفيه رؤية السلام في عيناها.

_________________________


خرج «وليد» من غرفته بعدما استيقظ من نومه ليجد «عبلة» في المطبخ تقوم بتحضير الغداء، فدلف لها يسألها بنبرةٍ متحشرجة نتيجة استيقاظه:

"احنا الساعة كام يا عبلة ؟! و نمت ازاي أنا ؟!"


ردت عليه هي بنذقٍ:

"المغرب لسه مأذن، صليه علشان العصر فاتك، و أنا هغرف الأكل"


اقترب منها يسألها بجمودٍ:

"أنتِ بتتكلمي كدا ليه ؟؟ هو أنا واكل ورثك ؟! كلميني عِدل"


ردت عليه هي بضجرٍ:

"عاوز إيه يا وليد ؟! أنا مش فاضية، روح صلي يلا"


أمسك وجهها يوجهه نحوه و هو يقول بلهجةٍ حادة:

"كلميني عِدل بقولك، مالك في إيه؟! هو هبل و خلاص ؟!"


ردت عليه هامسةً بحنقٍ:

"لأ مش هبل، بس أنا شايفاك عاوز تخرب بيت و تفرق اتنين عن بعض، بدل ما تلم الدنيا و تعقلها، بتساعدها، هدير لو لقت حد يشجعها على كدا هتسيب حسن، حرام الاتنين يسيبوا بعض علشان طرف تالت"


رفع حاجبه يسألها بإيجازٍ:

"و الحل ؟!"


جاوبته بحسمٍ:

"الحل إنك تحاول تصلح، مش تخرب !! تحاول تجمعهم مع بعض"


رد عليها بضجرٍ و بنبرةٍ جامدة:

"آه....عاوزاني بقى أروح اصلح ما بينهم و أقوله خدها يا حبيبي و فوقيها بوسة اهيه، إيه يعني أختك اتهمتها في شرفها، و إيه يعني أنتَ روحت تقول لأختك إنك اتحرجت تكسفنا فاتجوزتها، يا حرام كسفناه و خدشنا حيائه علشان كدا اضطر يوافق و يداري عليها، دا كلام حد يقبله ؟!"


قبل أن تهم بالرد عليه أضاف هو بلهجةٍ حازمة:

"و قبل ما تردي عليا، حطي نفسك مكانها يا عبلة، بلاش....خليني أنا أروح أقول لطارق كلام زي دا و لا خلي أمي تروح تقول عنك كلام زي الزفت هيبقى الحل إيه؟! هتتوجعي و لا لأ؟!"


أخفضت رأسها للأسفل، فتنهد هو بعمقٍ ثم استغفر ربه و اقترب منها يقول بنبرةٍ أهدأ يضع كفيه على ذراعيها:

"عبلة !! أنا مش خراب بيوت و لا أنا عاوز أضر حد، بس فيه حاجات مينفعش فيها هزار و لا تفاوت، فيه حقوق لو سكتنا عنها، بعد كدا هيتداس علينا، و هنبقى نستاهل علشان إحنا اللي فرطنا في حقنا، موقف زي دا عاوز وقفة و لزوم للناس عند حدها، دا شرف يا عبلة مش هزار، عارفة يعني إيه تتهم بنت بتهمة زي دي؟"


حركت رأسها موافقةً فقبل هو رأسها ثم ابتسم لها ابتسامةٍ باهتة، فسألته هي من جديد:

"يعني برضه هتخليها تطلق ؟! هتحرمهم من بعض يا وليد ؟!"


ابتسم لها بخبثٍ و هو يقول:

"لو الأكل اللي بتعمليه دا طلع وحش آه هطلقهم يا عبلة و هطلقك أنتِ كمان"


وكزته في ذراعه و هي تقول:

"بس يا بارد، دا أنتَ بني ادم مستفز يا جدع"


احتضنها و هو يضحك عليها ثم حرك كفيه على رأسها و ذراعها و هو يفكر في الحل لهما، على الرغم من كونه مُدركًا أن الانفصال هو الحل المؤكد، ففي السُمعة لا يوجد لديه تهاون أو ارتخاء، ففي تلك الأشياء إن لم يستخدم الحزم و الحكمة متى يستخدمها ؟!"


شعر بسخونة دموعها تُبلل ثيابه فرجع للخلف و هو يسألها باهتمامٍ:

"بتعيطي ليه ؟؟ علشان بقول هطلقك ؟! خلاص مش هطلقك بهزر"


حركت رأسها نفيًا ثم قالت بصوتٍ باكٍ:

"مش علشان كدا يا وليد، خايفة على هدير، هدير لقت نفسها مع حسن و حبت حسن، هدير كانت بتحكيلي إزاي بقت بتصلي و إزاي بقت بتعمل حاجات عمرها ما تخيلت انها تعملها في يوم، بس حبها ليه غيرها، بقت واحدة تانية كلنا حبيناها، ليه بعد ما بقت واحدة تانية، يحصل فيها كدا ؟! ليه تتوجع كدا؟"


رفع كفه يمسح دموعها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"يمكن دا اختبار ؟! كل فترة كدا بيجي امتحان لينا علشان يخلينا نتأكد احنا هنقدر نسد و لا لأ، يا رب يكون دا اختبار و نكون غلطانين"


حركت رأسها موافقةً فصدح صوت هاتفه، ابتعد عنه يأخذه من على الشاحن و هو يقول بسخريةٍ:

"يخربيت جحودك يا شيخة، حاطة التليفون في المطبخ يشحن ؟! معداش عليكي عقل؟"


أطاحت له برأسها و هي تقول:

"أنتَ هتقرفني ؟؟ مش كفاية حطيته يشحن ليك ؟! مش عاجبك كمان ؟!"


توعد لها باشارته و هو يأخذ الهاتف و يقوم بالرد على المكالمة الصادرة من «خلود»، و حينما وصله حديثها رد عليها بنبرةٍ هادئة:

"متقلقيش عليها يا خلود، هي عندي و كويسة، المهم محدش عندك في العيلة يعرف بحاجة زي دي، و زي ما احنا متفقين لو حد سأل هي جت تغير جو عند عبلة، تمام ؟! يلا روحي ذاكري و لما هي تصحى أنا هخليها تكلمك و تطمنك"


أغلق معها الهاتف، ثم فتح باب الثلاجة يأخذ منه زجاجة مياه ثم اقترب من زوجته التي وقفت تتابع طهي الطعام، فسألها بهدوء:

"صحي هدير الأول و كلوا براحتكم و أنا هنزل لوئام و طارق علشان لقيتهم متصلين كتير و أكيد عاوزين يعرفوا أنا و حسن مروحناش ليه"


حركت رأسها موافقةً فاقترب منها يطلب منها بهدوء:

"عبلة غمضي عينك ضروري"


حركت رأسها باستنكارٍ فحثها هو بعينيه حينها، تنهدت بقلة حيلة ثم أغلقت عينيها، فوضع هو زجاجة المياه المُثلجة في عنقها من الخلف حتى صرخت هي من هول مفاجأة لمس الزجاجة لجسدها و هي تقول بصراخٍ:

"يا حيوان يا سافل !! محدش رباك يا مهزق ؟!!"


 أمسك وجهها بكفيه و قبل وجنتها و هو يضحك تزامنًا مع قوله البارد:

"لأ...محدش"


ترك رأسها ثم خرج من المطبخ و هي تُلقي عليه كلماتها التي تنعته بالبرود فتحدثت بعد خروجه بتأففٍ:

"بارد و حيوان و سافل ....بس بحبه"


قالتها بيأسٍ من حالها في حبه و تعاملها معه، ثم عادت لما كانت تفعله.

_________________________


في شقة «ميمي» حلست هي تقرأ في المصحف كعادتها في المساء، و الشباب حولها كلًا منهم يتصفح هاتفه، بدون روحٍ و كأنهم أجسادًا فقط، على الرغم من اجتماعهم بين كل وقتٍ بدونه حتى يأتي لهم من الخارج، و لكن تلك المرة هو لن يأتي، جلس «عامر» يتصفح الهاتف بحزنٍ حتى صمت عن مزاحه و مشاكسته لهم.


كان يتصف بالثبات حتى قابله الأتي، حيث وجد عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لـ شاب غالبًا من عمرهم يقوم بتوديع أصدقائه في المطار و قام أحد الشباب بوضع أغنية خاصة بالوداع و كأنه يصف حالتهم مع «ياسين» فاستمع «عامر» للكلمات و عينيه فقط ترى لحظة وداعهم لـ «ياسين»، و فجأة نزلت دموعه و هو يستمع للكلمات التي كانت:


"و دي سُنة الحياة...نبعد نتوه و نمشي في مليون اتــجـاه....و دي سُنة الحياة الغالي بيفضل غالي و أنتَ بقلبك مـعــاه.... نتمنى لحظة تجمعنا بحبايبنا.....لا بعاد و لا غُربة و لا شوق في قلوبنا....نتمنى لحظة تجمعنا بحبايبنا.....لا بعاد و لا غربة و لا شوق في قلوبنا.....دا لقانا بميعاد....و دي سُنة الحياة...نبعد نتوه و نمشي في مليون اتــجــاه....و دي سُنة الحياة الغالي بيفضل غالي و أنتَ بقلبك مـعــاه"


لاحظ «خالد» دموعه المنهمرة فاقترب منه يجلس بجواره، حينها ارتمى «عامر» عليه و هو يجهش في البكاء بعدما أطلق العنان لدموعه، فربت عليه «خالد» و هو يقول بنبرةٍ أقرب للبكاء:

"إيه يا عامر !! فيه إيه ؟! بتعيط زي العيال الصغيرة ؟! ادعيله ربنا يسترها عليه و يوفقه و يرجعلنا بالسلامة، بطل عياط بقى"


رد عليه بنبرةٍ باكية مثل الأطفال:

"ماكنتش عاوزه يمشي يا خالد، ماكنتش يغيب عننا، ياسين بيكره الغُربة و بيخاف طول ما هو لوحده، و دا في صحرا وسط ناس ميعرفهمش و مش شبهه، تليفونه مقفول و مش عارف أكلمه حتى"


اقترب «ياسر» منهم يجلس بجوارهم و بأعين باكية و بصوتٍ مختنقٍ تحدث:

"أخر مرة كانت لما كلمنا سوا، من ساعتها الموبايل مقفول و متفتحش تاني، أنا قلقان عليه"


تدخلت «ميمي» تقول مُطمئنةً لهم و هي تحاول اقناع نفسها قبلهم:

"خير يا واد أنتَ و هو، أخوكم زي الفل و هيرجع قريب، عارفين ليه ؟! علشان هو مودعنيش، أكيد مش هيستحمل غيبتي و هيرجع، ابني مش هيطول عليا"


هزوا رأسهم بموافقةٍ فتحدث «عامر» بصوتٍ مختنقٍ متحشرجٍ:

"يونس فين ؟! مجبتوش معاك ليه ؟! مش روحت غيرت هدومك؟!"


رد عليه بهدوء:

"ريهام قالتلي محتاجينه في مهمة النهاردة، و مش هينفع أجيبه، و هو عمال يقول ياسين مشي باي و كل شوية يفكرني و يخنقني، سيبته بقى كفاية أنتَ"


ابتسم «عامر» نصف ابتسامة ممتزجة بالسخرية، فارتمى «ياسر» على كتف «خالد» الأخر، فاضحى هو في المنتصف و «عامر» و «ياسر» على طرفيه، حينها رفع ذراعيه يحاوطهما بحنانه كعادته و هو يحرك كفيه على كتفيهما و هما يبكيان بصمتٍ حتى نزلت دموعه هو الأخر.

_________________________


قام «وليد» بتأدية صلاة المغرب ثم نزل من الشقة حتى يجلس مع أخوته في شقة «طارق»، و بعد جلوسه معهم و قص عليهم ما حدث بايجازٍ دون التطرق للتفاصيل الغير هامة، حينها تحدث «طارق» منفعلًا:


"هي مجنونة ولا إيه !! توصل للشرف و الخوض في أعراض الناس كمان !! مش كفاية طول عمرها كرهانا و مش طايقة وجودنا !! كمان بتغلط في شرف أختنا ؟!"


تنهد «وليد» بقوةٍ ثم قال:

"المشكلة إنها ست !! لو راجل كنت عرفتها يعني إيه راجل يدافع عن شرفه، بس اللي موقفني إنها ست و أنا مش هقدر اعملها حاجة و لحد أخر لحظة أنا شايل خاطر حسن و الطبق اللي كلنا فيه سوا يوم مع بعض"


رد عليه «وئام» بضجرٍ:

"لو حسن غلط و قال حاجة زي دي يبقى حسن هو اللي يتاخد منه الحق، و لو مش هو يبقى هو اللي يجيب حقها بنفسه، احنا مش مجوزينها علشان تتبهدل و تنزل في الشارع بليل، بلاش نقصر في حق واحدة أبوها طلب مننا نصونها"


تدخل «طارق» يقول بلهجةٍ حادة و صوتٍ منفعلٍ:

"كلم حسن يا وليد، قوله يجيلي هنا دلوقتي، أنا الكلام دا معرفهوش، أنا عندي واحد + واحد يساوي اتنين، هنطبطب على إيه ؟! "


رد عليه برفضٍ قاطعٍ:

"هدير مقالتش تفاصيل يا طارق، كل اللي قالته الموجز بتاع الكلام، سيب الدنيا تهدا شوية و ربنا يسترها إن شاء الله"


زفر بقوةٍ ثم حرك رأسه نحو «وئام» و هو يقول بيأسٍ:

"حنان الحرباية اللي كلمتنا و ردحتلنا علشان شاركنا في الشغل، قسمًا بالله شكلها أول ست هتخليني أمد ايدي عليها"


رد عليه «وئام» بقلة حيلة:

"مش دي المشكلة، المشكلة في عمك محمود لو عرف هيجراله حاجة يا طارق، مش هيستحمل يعرف إن بنته حصلها كدا"


رد عليه «وليد» مُقررًا:

"متخافش، خلود فتحت السيرة قصادهم و قالت إن هدير جت هنا ترتاح شوية و تقضي كام يوم مع البنات و فارس، يا رب بس حسن ميروحش يتهور و يكلم عم محمود"


حرك كليهما رأسه و قبل أن يتحدث «وليد» من جديد صدح صوته هاتفه برقم زوجته، فرد عليها بمللٍ ظنًا منه أنها تريد مشاكسته:

"نعم يا سوبيا و قبل ما تطـ..."


_"اطلع بسرعة يا وليد لو سمحت"


تفوهت بها مسرعةً دون أن يُكمل هو حديثه، ثم أغلقت بوجهه، فاستأذن هو منهما ثم خرج من الشقة متوجهًا نحو شقته.


دلف الشقة و هو يذكر اسمها حتى نادته من الغرفة التي قبعت بها «هدير»، دلف هو بعدما طرق الباب على الرغم من كونه مفتوحًا، ثم جلس على المقعد المجاور للفراش و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"خير يا عبلة !! خضتيني فيه إيه ؟! مالك يا هدير أنتِ معيطة؟"


ردت عليه «عبلة» بجمودٍ:

"خد كدا التليفون و اسمع الـ Voice note كدا"


أخذ الهاتف الخاص بـ «هدير» من يدها ثم ضغط على الرسالة الموجهة عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي و مفداها:

"لو فاكرة إن بالشويتين دول كدا هصدق إنك بريئة و إنك طيبة تبقي غلطانة، علشان أنا عارفة اللي زيك كويس، بس كدا كدا حسن هيطلقك و أنا وعدته يوم ما يخلص منك أنا هجوزه ست البنات، واخدة بالك ؟! بــنــات"


اتكأت على حروف كلمتها الأخيرة برسالةٍ مُبطنة، التقطتها «هدير» فورًا فبكت بوجعٍ رغمًا عنها حتى احتوتها «هدير» بين ذراعيها، بينما هو أغلق الهاتف ثم قذفه لها و هو يقول بلامبالاةٍ زائفة:

"دي ولية مجنونة، سيبك منها يا هدير و متحطيش كلامها في دماغك، هتاخدي على كلام واحدة زي دي ؟!"


ردت عليه هي بصراخٍ و وجعٍ:

"الكلام مبيدخلش الدماغ يا وليد، الكلام بيدخل القلب يموته، كفاية بقى لحد كدا و خليه ييجي يطلقني، أنا مش هقدر على الوضع دا، عاوزة أرتاح بقى"


أغمض جفنيه بشدة ثم تنفس بقلة حيلة و هو ينظر لها، بينما هي بكت من جديد، فجلس هو مقابلًا لها و هو يقول:

"هدير !! لو سمحتي قوليلي حصل إيه بالظبط اليوم دا من أوله لحد ما جيتي معانا هنا، بعد اذنك، و خليكي عارفة اننا مش قايلين لهدى حاجة، أنا مفهمها إنك لسه هتيجي، و وئام برضه، احكيلي علشان اتصرف قبل ما الموضوع يكبر"


حركت رأسها موافقةً ثم مسحت دموعها بعدما رفعت رأسها من على كتف «عبلة».

_________________________


في شقة «رياض» و تحديدًا بشرفة الشقة كانت واقفةً تهاتف أسرتها بعدما علموا برحيل «ياسين» و بقائها مع أسرته، و حينما حدثها «طـه» قال بنبرةٍ هادئة:

"لو عاوزة تيجي تقعدي معانا، أجي أخدك طيب؟! أنا عارف إنك بتحبيهم بس علشان متفضليش في مكان ياسين مش فيه"


ردت عليه هي مسرعةً:

"ياسين موصيني عليهم يا بابا، مش من الأصول أني أمشي و اسيبهم، و بعدين هيزعلوا طبعًا و يفتكروني مش عاوزة افضل معاهم و دا مش صح، أنا معاهم مرتاحة، و بعدين الفترة طويلة و هبقى أجي ليكم"


رد عليها بفخرٍ من تفكيرها:

"ربنا يبارك فيكي يا خوخة، يا بختهم و يا بخت ياسين بيكي، ربنا يحفظك و يبعد عنك كل شر يا رب"


ردت عليه هي بحبٍ:

"و يخليك ليا يا رب يا حبيبي، سلملي عليهم و أنا هبقى اكلمكم قبل ما أنام، سلام يا بابا"


أغلقت معه الهاتف ثم خرجت من الشرفة، و قبل مرورها نحو الداخل، صدح صوت جرس الباب، أقتربت من الباب تنظر من العدسة الخلفية الموضوعة بباب الشقة، فابتسمت بفرحةٍ ثم فتحت الباب، و حينها عانقتها «ايمان» و هي تقول بمرحٍ:

"وحشتيني يا ديجا، عاملة إيه؟"


ردت عليها بحماسٍ:

"أنا كويسة الحمد لله و بقيت كويسة علشان شوفتكم، ادخلوا يلا"


دلفن خلف بعضهن و كلهن تحتضنها و هي تطمئن عليها حتى «يونس» الذي تشبث به حينما حملته من على ذراع والدته، فتحدث هو كعادته يبحث عن أهل الشقة و هو يناديهم بقوله: 

"جدو...يا تيتة..."


خرج له الاثنين من الداخل حتى ركضت له «زهرة» بلهفة و هي تقول:

"حبيب قلب تيتة، وحشتني يا قلب تيتة، فينك من زمان مش بتيجي عندنا ليه"


غمغم بعدة كلماتٍ كعادته التقطتها «خديجة» على الفور، فتحدثت بصوتٍ مختنقٍ:

"بيقولك كان مع ياسين لما مشي باي، و اداله فلوس، دا على حسب ما فهمت يعني"


تحدثت «ريهام» تمازحها:

"كُتر قعدتك مع ابني خليتك زيه ؟! يا خوفي في الأخر نلاقيكي بتتكلمي بنفس الطريقة، بس هو قال كدا فعلًا، افرحوا ابني بقى مداين ياسين"


ضحكوا عليها جميعًا، فسأله «رياض» بمرحٍ:

"و ابني بقى عليه دين كام ؟!"


ردت «زهرة» بتذكرٍ:

"آه....افتكرت يا رياض، الجنيه اللي حطه في جيب الجاكيت لياسين، مبلغ كبير أوي"


حمله «رياض» على يده و هو يقول مُهدهدًا له:

"تعالى بقى مع رياض علشان نجيب ليهم حاجة حلوة و نروح نضرب فهمي في المحل، عن اذنكم يا بنات، لو اتأخرت اعرفوا إن فيه ستات خطفتني علشان أنا مُغري أوي"


ردت عليه «إيمان» بمشاكسىةٍ:

"حلاوتك أنتَ يا خاربها، بالسويت شيرت الابيض دا، شوجر دادي و شكلك هتعملها قريب"


تدخلت «سارة» تقول بسخريةٍ:

"عمو رياض مخوفني إن عامر يكبر، كل ما بيكبروا بيحلوا، و أنا مش ملاحقة عليه و هو صغير"


تحدث هو لزوجته ببراءةٍ زائفة:

"شوفتي هما اللي بيعاكسوني ازاي ؟؟ حلقي عليا و احتويني يا زهرة بدل ما اعملها بجد"


رفعت له حاجبها بتهديدٍ فاقترب منها يقبل رأسها ثم قال بهدوء:

"و أجي ابوسك طبعًا حد يبقى معاه الحلاوة دي كلها و ميبوسهاش؟؟ دا اللي معاه نعمة بيبوسها ياختي"


ضحكت «خديجة» عليهما بقوةٍ و هى ترى النسخة المُكبرة منه بوالده، بينما هو أمسك كف زوجته و هو يقول لهن بمشاكسىةٍ:

"عن اذنكم هاخد مراتي أقولها كلمة سر، علشان بس العين، الحاجات دي بتتحسد"


ضحكت الفتيات عليه، بينما هو اقترب من باب الشقة و معه زوجته و على ذراعه «يونس»، فتحدث بنبرةٍ هادئة:

"أنا اللي طلبت منهم ييجوا علشان خديجة، هسيبكم شوية براحتكم و تقعدوا مع بعض و هبعتلكم الحاجة مع حد، و يونس معايا، عاوزين حاجة ؟"


حركت رأسها نفيًا فحرك رأسه موافقًا ثم فتح الباب و قبل خروجه تحدثت هي بتوسلٍ:

"رياض !! حاول تطمن على ياسين و تطمنا معاك"


هز رأسه موافقًا ثم أغلق الباب، بينما هي تنفست بعمقٍ تسحب جرعة الهواء لرئتيها ثم توجهت نحو الفتيات الذي أخذ صوتهن يرتفع بمرحٍ في محاولةٍ منهن لإخراج «خديجة» من حزنها

_________________________


خرج من العربة الخاصة بمكوثه بها يقف في الخارج محاولًا التقاط الشبكة في هاتفه و هو يرفعه بكفه، حتى زفر بضجرٍ، فوجد الرجل الذي سبق و قابله يقترب منه و في يده صينية من خامة البلاستيك العتيق و هو يقول مرحبًا به:

"العشا يا بمشهندس ياسين، اتفضل يلا أنتَ جاي من مشوار صعب و يدوبك ترتاح علشان كلها ساعات و تصحى تروح الشغل"


سأله «ياسين» بتعجبٍ:

"هو أنا هاكل لوحدي ؟! اومال فين الرجالة و فين العُمال ؟!"


رد عليه الرجل مُردفًا:

"كل حضرتك الأول و احنا لما حضرتك تخلص، شوف كدا محتاج حاجة تاني ؟!"


عقد ما بين حاجبيه بحيرةٍ و سأل:

"عم عبدالعزيز !! هو فيه أيه ؟! الأكل المفروض يكون للناس كلها مع بعض، إيه جو الأسياد دا ؟!"


رد عليه الرجل بترددٍ:

"متأخذناش يابني، بس إحنا خدامين لقمة العيش، كلنا مرميين في الصحرا علشان عيالنا و بيوتنا، مش ناقصة يجي مهندس يتنطط علينا و يهددنا بلقمتنا علشان حد فينا قصر في شغله"


سأله بامعانٍ:

"قصدك مين ؟! قصدك رأفت يعني؟!"


رد عليه بعفويةٍ:

"رأفت و غيره و غيره، كلهم اتعلموا بس محدش فيهم اتربى، كُل يابني الله يرضى عليك"


أخذ منه صينية الطعام و هو يقول بلهجة حادة:

"تعالى ورايا يا عم عبد العزيز"


سار الرجل خلفه بقلقٍ خوفًا من القادم أو خوفًا من كونه ازعجه، فيضطر إلى الرحيل بعد تقديم تقرير سيئ للغاية في حقهم، اقترب «ياسين» من العمال و هو يقول بصوتٍ عالٍ:

"سلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا رجالة عاملين إيه؟!"


ردوا عليه التحية جميعهم في آن واحد، بينما هو حرك رأسه ينظر حوله فوجدهم يضعون الطعام على الأرض قبل أن يجلسوا حتى يأكلون معًا، فسأل حينها:

"بتعملوا إيه يا رجالة ؟!"


رد عليه أحد العمال مُفسرًا:

"بنجهز علشان ناكل يا بشمهندس، تؤمر بحاجة ؟!"


حرك رأسه نفيًا ثم جلس على الأرض يقوم بتفريغ الأطباق وسط أطباق العمال، و هم يطالعونه بدهشةٍ من فعله، فتحدث هو بنبرةٍ جامدة:

"مفيش حاجة اسمها مهندس و عمال، كلنا بنشتغل سوا و أنا مبحبش الأسلوب دا، هتسمحولي أكل وسطكم و لا أروح أنام و خلاص ؟!"


رحبوا بالفكرة مُسرعين ثم التفوا جميعًا على الأرض حول الأطباق بعدما قاموا بفرد سجادة كبيرة و فوقها حافظ من خامة البلاستيك، فتنهد هو بعمقٍ ثم أمسك الملعقة الخاصة به و هو يحاول اجبار نفسه على تناول الطعام، ففي هذه الحالة فقد شهيته و فقد حتى طاقته، لكنه مُجبرًا على ذلك.


تناولوا العشاء جميعًا و استطاع هو أخيرًا الانخراط معهم و تناول الطعام بشهيةٍ مُغلقة، حتى حملوا الطعام و قاموا بحمل الأدوات، بينما هو جلس على طرف هضبة صغيرة الحجم تطل على الجبل المقابل لها، تنهد بعمقٍ ثم رفع رأسه للسماء و عينيه تلمع بعبراتٍ، فمن المفترض أن يكون الآن في شقة «ميمي» برفقة أخوته.


شعر بكف أحدهم يوضع على كتفه، فحرك رأسه يطالعه صاحب هذا الكف بعدما ظن أنه أحد العمال أو الأرجح إنه «عبدالعزيز» لكنه تفاجأ بشابٍ يساويه في العمر يجلس بجانبه ثم نظر أمامه دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة، تحدث «ياسين» بسخريةٍ:

"دا اسمه ايه بقى إن شاء الله ؟!"


رد عليه الأخر بثباتٍ:

"يوسف، معاك يوسف، اسم الكريم إيه بقى ؟؟"


رفع «ياسين» حاجبيه بذهولٍ منه فمد الشاب كفه و هو يقول:

"معاك يوسف الراوي، رئيس عمال الحفر في بريمة البترول اللي جنبكم هنا، أنتَ اسمك إيه؟"


تنفس «ياسين» بقلة حيلة ثم تحدث بثباتٍ:

"ياسين الشيخ، المهندس المعماري المسئول عن مشروع الغرف الصناعية اللي هنا"


حرك رأسه موافقًا ثم نظر أمامه و ساد الصمت من كليهما، فتحدث الشاب بثباتٍ:

"بس شكلك محترم يا ياسين، مش زي الناس اللي هنا"


عقد «ياسين» حاجبيه و هو يسأله بسخريةٍ:

"مش زي الناس اللي هنا ازاي يعني ؟! هو أنا واقع في العجايب؟!"


رد عليه مُردفًا بجديةٍ:

"بيشربوا سجاير و ناس قليلة الأدب متعملش زيهم بقى علشان كدا غلط"


حرك «ياسين» رأسه موافقًا بتفهمٍ، و سرعان ما اتسعتا حدقتيه بقوةٍ حينما أخرج الأخر سيجارًا يشعله و هو ينظر أمامه ينفث هوائها خارج رئتيه، ثم حرك رأسه يطالع «ياسين» و هو يقول بنفس الجدية:

"آه نسيت أقولك، أنا من الناس قليلة الأدب اللي بتشرب سجاير، متعملش زيي بقى"


ضحك «ياسين» بيأسٍ و هو يحرك رأسه نفيًا ثم تحدث بسخريةٍ:

"أنتَ مُريب أكتر من عشري صاحب ابراهيم الأبيض"


ضحك الأخر بيأسٍ ثم تنفس بعمقٍ و هو يطالع السماء، ففعل «ياسين» و كليهما غافلًا عن زوج الأعين الذي يراقبهما بامعانٍ بنظرةٍ ثاقبة مثل نظرات الصقر.

_________________________


خرج «حسن» من بيته بعدما هاتفها و توسلها بالبقاء، لم يظن أن وجهه يهون عليها بتلك الطريقة، لم يتخيل أن تكون تلك هي نهاية قصته معها، قصة بدأت بحياةٍ جديدة وهبتها له، بعدما كان نفسه أثقل من نفس الغريق، لم يأتٍ اليوم الذي يتمسك به أحدهم حتى ظن بها الخير و أن هي ستفعل ذلك بكل جرأة و بساطة، حتى فاجئته بارتخاء يدها من يده و كأنها تحبره على تصديق أنه لازال كما هو، لم يحن الموعد حتى يصبح ضمن أولويات أحدهم، هروبه هذا يفتت أحشائه، لكن كيف يهرب من نفسه ؟!"


سار على قدميه على كورنيش النيل و هو ينظر أمامه بعدما صف سيارته أمام أحد المحال الشهيرة، يود فقط الهروب من ضجيج رأسه و كلماتها التي قالتها دون أن تعبأ به أو بتوسله لها، وقف أمام النيل يتنفس بحدة و الغصة المريرة في حلقه و كأنها أشواكًا تلتف حوله، و العبرات في عينيه اللاتي حاوطهما الدمعِ و زاد وخزها بتردد الكلمات الجارحة على السمعِ.


كانت جالسةً في الشرفة تتصفح هاتفها بعدما أدت رسالتها و شعرت ببعض الراحة في رحيلها حتى طُرق باب الشقة، طرقاتٍ قوية جعلتها تسرع الخطى نحو الباب تفتحه بعدما وضعت القبعة الشتوية فوق رأسها، ثم قامت بفتح الباب ظنًا منها أنه شقيقها، لكنها تفاجأت به يرفع حاجبه لها و هو يقول بتهكمٍ:

"ازيك يا طنط حنان ؟؟ عاملة إيه؟!"


ضيقت جفنيها تتفحص حتى تتوصل لماهيته، فتحدث هو مُسرعًا بثباتٍ:

"مش معقول ؟! نسيتيني ؟! نسيتي وليد الرشيد ؟! طب دا أنا محدش عمره اتعامل معايا و عرف ينساني، بس نقول إيه؟! أنتِ ناسية اللي منك، مش هتنسيني أنا ؟!"


ضمت ذراعيها أمام صدرها و هي تقول بلهجةٍ حادة:

"نعم ؟! خير يا استاذ ؟! حسن مش موجود، عاوز إيه؟!"


ابتسم لها بثباتٍ و هو يقول:

"دا من حظك إن حسن مش موجود، دخليني يا طنط خليني اقول الكلمتين و امشي"


ردت عليه بنفس الصوت الحاد:

"لو خطيت خطوة واحدة جوة الشقة هصوت و ألم عليك الناس"


رد عليها هو بضجرٍ و مللٍ:

" هو أنا كل ما أكلم واحدة تقولي البوقين دول ؟! دول الكلمتين الحمضانين اللي زي طبيخك كدا يا خالتي حنان"


اتسعتا حدقتيها بقوةٍ من طريقته الفظة و اسلوبه الغريب و قبل أن يمد قدمه اليُمنى وقفت مثل الحائل أمامه و هي تقول بنبرةٍ أعلى:

"أنتَ مبتفهمش ؟! بقولك لو دخلت هصوت و ألم عليك الناس"


غمز لها و هو يقول بخبثٍ:

"صَوتي....و أنا هقول إن أنتِ اللي بعتالي و عاوزاني أجي، و ساعتها بقى نشوف حوار الشرف دا، و لا إيه ؟!"


تراخى جسدها حتى تركت الباب، فأكمل هو فتحه ثم دلف الشقة، حينها أغلقت الباب و هي تقول بنبرةٍ جامدة:

""خلص لو سمحة الشان منفيش نكون سوا وفيي باب مقفول ألينا""


أبتسم لها بتهكمٍ و هو يقول:

"دا في حالة واحدة !! لما يبقى راجل و ست و الشيطان ثالثهما، مش أنا و الشيطان ؟! كدا عاوزين ندور على أنثى علشان قلقك يكون على حق"


زفرت هي بقوةٍ فتحدث هو مُسرعًا بثباتٍ:

"أنا جاي بس أقولك حاجة، هو إنك غبية و أنانية و متخلفة، علشان فاكرة كل الناس جعانة زيك للفلوس، بس معذورة، أنتِ برضه كنتي مخطوبة قبل كدا و خطيبك خلع بقرشين محترمين، علشان كدا عندك عقدة نقص، بس العبد لله بقى هيفك العقدة دي"


سألته هي بلهجة صوتٍ حادة و اقرب للانفعال:

"أحترم نفسك يا حيوان أنتَ !! و افتكر إنك واقف في بيتي، يعني ممكن أضيعك بقلة أدبك دي"


غمز لها و هو يقول:

"هاتي اخرك علشان اللي قدامك ملوش أخر يتجاب أصلًا، لو على قلة الأدب فهي موجودة عادي"


رفعت عينيها تتحداه بنظراتها و كأنها لا يهمها، فتحدث هو بلهجة صوتٍ حادة تلك المرة:

"أنا جاي بس علشان أعرفك حاجة مهمة، إن اللي غلطتي في شرفها دي أنا ممكن افرمك علشان دوستي على طرفها، و ممكن ازعلك بطرق كتير أوي و ساعتها هعرفك من اللي معندهمش شرف بحق، بس أنا مراعي حق الجيرة اللي كانت بينا في يوم و مراعي اللُقمة اللي جمعتني مع أخوكي في طبق واحد"


ابتسمت بتهكمٍ و هي تقول:

"آه....قلت الباقي يا أخي أين جمعت طبقة واحدة وباقي الماء وزعته في المال أنت وأهلك وأولادك؟! أين تريد الشركة أن تكون معك؟! فلوس براحتكام"


ابتسم لها باتساعٍ و هو يقول:

"يا بنت اللعيبة؟! عرفتي دا خلي حدك؟! خادي الجديد باقي علشان شكلك ماش مطبعة، وام أخويا جاب فارس، ابنه، حسن أخوكي باقي هو للي د مصرف الولدة والمستشفي". ، علشان بحق هدية أختك هدير هل هي بصحة جيدة؟!"


ردت عليه بحقد:

"انتوا اللي عالم جعانة، حسن بالنسبة ليكم بنك تخطفوا منه زي ما انتوا عاوزين، ضحكتوا عليه بجوازة كسر زي دي علشان يداري على عَملة قريبكم، مين كدا بقى اللي عندهم عقدة نقص ؟!"


اقترب منها يقف مقابلًا لها مباشرةً و هو يقول بلهجةٍ حادة:

"اقسملك بربي اللي مش هحلف بيه كدب، لولا الأصول أنا كان زماني معلمك الأدب و معرفك إزاي تتكلمي عن بنات الناس بأدب، بس حاضر هتعامل معاكي بالحكمة، علشان أشكالك مش عاوزة غير كدا"


رفعت حاجبها و هي تقول بتهكمٍ:

"آه...دا زي كدا لما جوزتوه بنتكم علشان تقدروا تسيطروا عليه، و أهو تبقوا طولتوا حاجة منه، حاجة كدا زي المثل اللي بيقول عصفور في اليد خيرٌ من عشرة على الشجر"


حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:

"مظبوط !! بس خدي بالك علشان دلوقتي أنتِ خلتيني أخد بالي من حاجة مهمة، بشكرك عليها"


ظهر الاستفسار المصطحب بالاستنكار عليها و كأنها تود مسائلته، حتى أضاف هو مُفسرًا:

"زي ما مش الكل العصافير على الشجر، فـمش كل الزرايب لمة البقر، فيه بقر مطلوقين على الخلق و فاكرين الدنيا دي غيط أبوهم، بس وعد مني لأقفل باب الزريبة كويس بعدما ادخلهم بنفسي"


اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد حديثه، بينما هو تحرك من امامها ضاربًا بمحاولة السيطرة على نفسه عرض الحائط، فهذه الزيجة من الأساس لم تلزمه بعد، لكن مهلًا، عليه أن يأخذ بحق ابنة عمه أولًا و يرد لها كرامتها ثم يعود لهدوئه و ثباته مرةً أخرى إن أراد هو ذلك، فبعد تلك المقابلة سيتعامل حقًا بمبدأ (عصفورٌ في اليد)

الفصل الثاني والستون من هنا



 

تعليقات



×