رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم شمس بكري


رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والخمسون بقلم شمس بكري

"يا ليتني ما هويت....

و لا بذنب الحب 

__________________________


"كمثل نار هادئة أصابتها الرياح العصيبة فاشتد تأججها من جديد، و بدلًا من اخماد ثورتها، اندلعت نيرانها كمثل بركانٍ انتشر أثره و حل بعده الخراب، ثمة بعض المواقف و الكلمات الدلالية تترك أثرًا مثل أثر البركان، و كأن نتيجتها لن تزول سوى بفيضانٍ.


وقفت هي في حالة الصدمة التي يكسوها الفرح و السعادة البالغة و هي تفكر حقًا في الركض إليه و الارتماء بين ذراعيه و اخباره بذلك الخبر السعيد و قبل أن تخطو خطوةً واخدة في ذلك، وصلتها رسالة صوتية من مدبرة التفكير لهن و هي تقول مُحذرةً لها و كأنها قرأت أفكارها أو تأكدت من طريقة الأخرى في التفكير:


"اوعي يا هبلة تروحي دلوقتي تقوليله، حاجة زي دي لازم تكون بطريقة خاصة و مبهجة، و برضه لازم نتأكد في المعمل، بكرة الصبح نتأكد و نعمل تحليل تاني علشان نتطمن و بما إننا بكرة معزومين عند عيلة خديجة، يبقى نظبط طريقة حلوة نعرفه بيها"


اقتنعت «سارة» بـ محوىٰ الرسالة و زاد تيقنها أكثر حينما وجدت التأييد من كلًا مِن «خديجة» و «ريهام»، فقامت باعادة كل شيءٍ إلى موضعه كما كان، حتى وجدته يطرق باب المرحاض من الخارج يتعجل خروجها بقوله:


"اخرجي يا سارة بقى، يلا علشان نتعشى سوا يا ستي"


تنفست بعمقٍ تحاول سحب أكبر كم من الهواء داخل رئتيها و تحاول صبغ حالتها بالثبات حتى طرق هو بقوةٍ أكثر تزامنًا مع قوله:

"أنتِ يا ست !! فيه إيه عندك جوة؟! ما يلا خلينا نخلص"


ردت عليه هي بثباتٍ واهٍ يتنافى مع حماسها الداخلي:

"خارجة يا عامر خلاص، ثواني بس"


تممت على كل شيءٍ ثم غسلت كفيها و خرجت له و هي تحاول الصمود أكثر، لكنها قوتها ضعيفة أمامه، فتحدث هو مُستفسرًا بقوله:

"بتبصيلي كدا ليه؟!"


حركت رأسها نفيًا وهي تقول بهدوء بعدما ابتسمت له:

"لأ خالص، علشان بس عمال تستعجل فيا، قولت هتاكل لوحدك"


رد عليها هو بسخريةٍ:

"ياريت كنت بعرف أعمل كدا، كنت هرتاح، يلا بس الأكل هيبرد"


حركت رأسها موافقةً ثم سارت خلفه بعدما تقدمها هو في السير و قلبها ينبض بقوةٍ و داخلها يشتعل من فرط الحماس، فلم تعد تتحمل كتمان الخبر أكثر من ذلك، حتى أنها وسمت نفسها بالأنانية كونها تعلم بهذا الخبر دونه و قبل أن تنطق توقفت عن الحديث مرةً أخرى تبتلع كلماتها بداخلها حتى لا تفسد مخطط الغد، أو لحين التأكد بصورة رسمية.

__________________________


في شقة «ياسين» جلسا معًا بعدما تناولا طعامهما، كان هو شاردًا في عمله و سفره و هو يفكر كيف يُنمق حديثه حتى يروقها، أغمض جفنيه بشدة و هو يفكر في تأزم الوضع، كما أنه يعلم حالتها تمامًا؛ فلو كانت مثل باقي الفتيات و الزوجات لكانت تحثه على هذا العرض خصيصًا أنه سيجني منه مالًا وفيرًا، لكن "خديجة" !! لم تكن مثل باقي الفتيات، فهي أكثر ما يُطمئنها هو وجوده بجوارها، فكيف يخبرها أنه سيتركها لمدة قد تصل لشهرين دون أن يكون بجوارها، حتى المكالمات بشروط !! و مواعيدٍ مُحددة؟!


سيطر التعب على فكره و هي تجلس بجواره تراسل الفتيات حتى و تم الاتفاق بينهن على كل شيءٍ سيتم في الغد بعدما قامت «هدير» و فتيات عائلة الرشيد بالانضمام لهن حتى يتم الاتفاق على مفاجأة الغد و طلبت منهن «إيمان» أن يخبرن الشباب بذلك الخبر و يظل «عامر» هو الوحيد الذي يجهل بذلك الخبر.


أغلقت الهاتف معهن ثم حركت رأسها تنظر له و هي تبتسم و سرعان ما تلاشت بسمتها و هي ترى تهجم وجهه و شروده من وقتما عاد من عمله، اقتربت منه و تلمس بكفها مرفقه و هي تقول بنبرةٍ هادئة أشبه بالهمس:


"مالك بس ؟! قولي إيه مزعلك كدا من ساعة ما رجعت و أنا أفكر معاك، مالك يا ياسين؟!"


حرك رأسه تجاهها و هو يطالعها بعينيه التي لمعت العبرات بهما و حينما طال الصمت من طرفيهما و كليهما ينظر للأخر تحدث هو مُردفًا بثباتٍ زائفٍ:

"أنا كويس متخافيش، بفكر بس في حاجات في الشغل و بفكر ازاي اظبطها، أنتِ كنتي بتكلمي مين؟!"


أشار برأسه نحو الهاتف و هو يستفسر منها فوجد الحماس يعود لها من جديد و هي تجاوبه بمرحٍ:

"دول البنات، أصل فيه خبر كدا سعيد عاوزين نقولوا ليكم بس اوعدني الأول إن الشخص دا ميعرفش علشان الدنيا متبوظش"


عقد ما بين حاجبيه بحيرةٍ و كسا الاستنكار ملامح وجهه و نظرة عينيه لها، فاقتربت منه أكثر تقول بحماسٍ تضاعف عن قبل:

"اوعدني يلا يا ياسين، علشان أقولك إيه الخبر الحلو"


لم يكن في مزاج جيد حتى يشاكسها و يثير حنقها، حتى حرك رأسه موافقًا لها و هو يقول بنبرةٍ واهنة بالكاد تدل على أنه تحدث:

"وعد ...أوعدك إن الشخص دا ميعرفش حاجة، ها ؟!"


ابتسمت له و هي تقول بنبرةٍ مختنقة إثر فرحتها و حماسها:

"سارة مرات عامر حامل و هتجيب نونو"


افتر ثغره بدهشة غير مُصدقًا و كأنه يتخيل حديثها من تفكيره المُتعب، فوجدها تمسك يده و هي تضيف بنفس الطريقة:

"زي ما سمعت كدا !! سارة حامل و عامر هيبقى أب"


ابتسم هو باتساعٍ و تبدل حاله في ثوانٍ فرحًا بصديقه، و رغمًا عنه لمعت العبرات في عينيه و هو يقول بتأثرٍ:

"الله أكبر !! فين عامر طيب ؟! عاوز احضنه و أشوف فرحته ؟! مش هقدر استنى و الله"


تحدثت هي بلهفة قاطعة:

"لأ علشان خاطري، بلاش تفضحنا، هدير و إيمان و خلود بيتفقوا سوا على الطريقة اللي هيعرف بيها، احنا قولنا نعرفكم، علشان متتفاجئوش بكرة"


احتضنها هو مُسرعًا و هو يتنفس بعمقٍ، فتحدثت هي بسخريةٍ:

"بقولك سارة اللي حامل مش أنا، السلوك دخلت في بعض عندك !!"


ابتعد عنها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"و ربنا يكرمني منك إن شاء الله يا خديجة، أنا واثق في كرم ربنا عليا و إني هفرح الفرحة دي أنا كمان"


حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له فضمها هو مرةً أخرى و هو يتعجب من كم الدفء الذي يشعر به بين ذراعيها و كأنها أحذت حنان العالم أجمع و بثته له في عناقٍ، و ظل يتسائل كيف له أن يترك موطنه و يرحل عنه ة يغدو غريبًا في طرقاتٍ مجهولة خالية من أمان عينيها؟!.

_________________________


_"نـــعــم !! هي السلالة دي هتتكاثر ؟! هو أنا مكتوب عليا و على ولادي يتجلطوا من عامر و عياله؟!"


أردف «خالد» بذلك الحديث بحنقٍ بعدما استمع لحديث شقيقته على الهاتف و زوجته بجانبه تحاول كتم ضحكتها على هيئته، حتى تحدث هو من جديد بعدما استمع لشقيقته:


"يا رب استرها و متبقاش بت !! أنا لو ناسبت عامر واحد فينا هيروح أبو زعبل و التاني هيروح للي خلقه، استر يا رب"


أغلق الهاتف مع شقيقته بضجرٍ و ما لبث ثوانٍ حتى وجد بسمة هادئة تُزين ثغره، حتى تحدثت زوجته بسخريةٍ:

"خالد أنتَ ملبوس ؟! مش كنت عمال تجعر دلوقتي؟! بقيت بتضحك كدا مرة واحدة؟!"


حرك رأسه و هو يبتسم لها ثم قال بهدوء:

"بتخيل شكل الأهبل دا لما يعرف إنه هيبقى أب، أنا بتقلي و هدوئي دا و كنت ساعتها زي الأهبل لما عرفت، متخيلة عامر هيعمل إيه؟! هيفحضنا قدام الناس"


ردت عليه هي بوجهٍ مُبتسمٍ:

"لأ يا سيدي مش هيكسفكم ولا حاجة، اسمعوا كلام إيمان بس و محدش يقوله علشان نشوف هو بكرة هيعمل إيه"


اقترب منها يسألها بخبثٍ:

"طب إيه ؟! مش ناوية تخلينا نفرح كدا و نجيب أخوات للواد الوحداني دا ؟! يرضيكي يكبر لوحده؟!"


ابتسمت له و هي تقول مُقررةً:

"آه يرضيني، لما يكبر شوية علشان اقدر أربي الاتنين، يونس لسه صغير و محتاج اهتمام"


رد عليها هو ببراءةٍ زائفة:

"طب ما أنا محتاج اهتمام أنا كمان، اعتبريني يونس"


قبل أن ترد عليه خرج «يونس» من الداخل و في يده حذاء والده بعدما ملئه بالمياه و ركض نحوهما و هو يضحك باتساعٍ فحاولت هي كتم ضحكتها بينما «خالد» ضرب رأسه بكفيه معًا و الأخر يضحك بحماسٍ و كأنه حصل على حلوته المفضلة لتوه.

_________________________


أغلقت «هدير» الهاتف مع الفتيات بعدما تم الاتفاق على كل شيءٍ ثم تنهدت بعمقٍ و بداخلها حماسٌ للغد و رؤية الفرحة على أوجه الجميع، شردت في تفكيرها و هي تتذكر كيف ستكون هيئة البيت غدًا بزفاف هذا الخبر السعيد لهم؟؟ 


دلف «حسن» الغرفة أخيرًا بعد عدة أحاديث مع شقيقته، عجت برأسه الصداع من كثرة تفوهها بما ضيق صدره منها و من تفكيرها، ثم جلس بجانب زوجته التي طالعته بسخريةٍ و هي تقول بتبرمٍ و ضيقٍ:

"ما لسه بدري يا حسن !! على ما افتكرت إن فيه واحدة مرزوعة هنا ؟!"


تنهد هو بقلة حيلة ثم تحدث أخيرًا بنبرةٍ منهكة:

"هدير !! عدي الليلة علشان خاطري، أنا دماغي ورمت من كتر الكلام و المناهدة، متبقيش أنتِ كمان عليا"


رفعت أحد حاجبيها بحنقٍ و هي تقول بنبرةٍ جامدة:

"هو أنا عملت حاجة ؟! بقالك فوق الساعتين سايبني هنا علشان بتتكلم مع أختك، و متكلمتش، و نظراتها ليا و أنا برضه معملتش حاجة، كل زعلها مني لمجرد إنك حبتني؟!"


رد عليها بنفاذ صبرٍ:

"يا هدير إيه اللي بتقوليه دا ؟! هي بس كل زعلها أني اتجوزت من غير ما أعرفها، و أني حتى بعد كدا مقولتش ليها، و بتقولي إنها بتكون شايلة همي و أنا كنت متجوز و هي عمالة تفكر فيا"


ابتسمت بسخريةٍ و هي تقول:

"آه فعلًا، القلق يعيني كان مموتها و أنتَ هنا فرحان و بتتنطط، بامارة مكالماتها ليك كل يوم و لا يعيني مكانتش بتنام من غير ما تكلمك"


حرك رأسه نحوها و هو يسألها بنبرةٍ موجوعة و نظرة عين تائهة:

"أنتِ بتعايريني يا هدير ؟؟ كلامك دا معناه إيه طيب؟!"


رددت كلمته خلفه ببلاهةٍ:

"أعايرك !! هي بقت كدا يعني؟!"


حرك رأسه يرد عليها مُستنكرًا الحوار منذ بدايته:

"الكلام ملوش معنى غير كدا، ليه تفكير تاني عندك ؟! لو فيه قوليلي بدل ما دماغي تتعبني"


تنفست هي بعمقٍ ثم سحبته من يده نحوها ثم ضمته بذراعيها و هي تقول مُفسرةً له بهدوء مراعيةً حالته و طريقة تفكيره:

"يا حسن كل الحكاية إنك مغلطتش في حاجة، جوازنا كان ليه ظروف خاصة، و غير كدا هي مكانتش بتسال أو موجودة، مش من حقها تيجي تلومك على حاجة أنتَ عملتها في غيابها، و هي غايبة بمزاجها، مينفعش حد يدور على دور ضاع منه و هو اللي سايب المسرحية بمزاجه"


تنهد هو بقلة حيلة فوجدها تحرك كفها داخل خصلات شعره تدلكها و هي تقول بنبرةٍ أقرب للضحك من فرحتها به:

"بعدين أنا عاوزة أشكرك على كلامك اللي قولته النهاردة عن موضوع جوازنا، شكرًا إنك مكسرتش بخاطري و لا كسفتني قصاد أختك"


رفع نفسه حتى يتسنى له رؤيتها و هو يقول بذهولٍ من حديثها:

"أكسفك !! و أكسر بخاطرك ؟؟ هو أنا قولت إيه أصلًا؟! مش دي الحقيقة؟!"


ردت عليه توضح مقصد الحديث:

"لأ مش دي الحقيقة، الحقيقة إن عيلتي هي اللي طلبت منك تدخل علشان اللي راشد عمله، و علشان تلحقني من استغلاله ليا، إنما أنتَ برجولتك و شهامتك لحقت الدنيا لما وليد فاتحك في الموضوع"


حرك رأسه نفيًا ثم أضاف مُفسرًا:

"بس مش دا اللي حصل، اللي حصل إن الكلام أني أعمل نفسي خطيبك قصاد راشد و العيلة علشان يلم نفسه، و بعدها كل حاجة تفضل طبيعية و كان وليد هو اللي هيتحمل علاجك من الصدمة، بس أنا حسيت بمسئولية ناحيتك، و مش عارف سببها، لقيت نفسي بطالب بحق مش حقي و بطلب أني اتولى دور الحامي ليكي، و من ساعتها و أنتِ مسئوليتي و هتفضلي كدا"


وقفت خارج الغرفة تستمع لحديثهما سويًا و بعد ذلك الحوار الذي وصل لها و الذي فسرته هي بطريقةٍ خاطئة و اقترقت إثمًا في سوء ظنونها، حينها ابتسمت «حنان» بتهكمٍ و هي تشعر بنيران تشتعل في جوفها من الأفكار الذي سيطرت على حيز تفكيرها بطريقةٍ سلبية و هي تتوعد بتفكيرها لتلك التي لقبت بزوجة أخيها بين ليلةٍ و ضحاها.


في الداخل ارتمت «هدير» بين ذراعيه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

"شوفت بقى إنك سكر ؟! طب والله عاوزاك تكون معانا بكرة علشان تفرح من قلبك، عامر هيبقى أب و بكرة عاملين مفاجأة في البيت عندنا علشانه، ينفع تكون موجود معانا؟!"


توسلت له بنظراتها قبل كلماتها حتى نسى ما قالته للتو، فتنهد هو بقلة حيلة و أمام نظرة عينيها تلك و توسلها له حرك رأسه موافقًا و هو لا يدري على ماذا وافق، لكن نظرتها و طريقتها جعلته يوافق رغمًا عنه حتى تنهدت هي بعمقٍ ثم أقتربت منه و هي تقول له بطريقتها المعتادة:


"احضني بقى متبقاش رخم كدا"


شدد هو مسكته لها و هو يبتسم بيأسٍ منها و هي بين ذراعيه حتى تحدث هو يسخر منها:


"أنتِ أول ست تثبت إن الاهتمام بيتطلب عادي، ربنا يحفظك"


رفعت فمها تطبع قبلة على خده و هي تقول بنبرةٍ مرحة و بين ثناياها سخريةٍ:

"ربنا يخليك ليا يا أبو علي و يكرمك بـ علي و أختك تمشي من هنا بقى"


رمقها بطرف عينه كأنه يحذرها من استكمال الحديث عن شقيقته، فردت عليه بثباتٍ:

"خلاص خليها هنا، وريني بقى هتجيب علي ازاي؟!"

_________________________


مرت الليلة بحلوها و مرها و بكل شيءٍ بها، حتى أنارت الشمس بلمعتها الذهبية و ازالت غيمة الليل و بقاءه، و في شقة «ياسر» كانت زوجته تملي عليه بعض التعليمات حتى لا يفتضح أمرهم، فاقتربت منه تتوسل له قبل دخوله المرحاض:


"علشان خاطري يا ياسوري، اوعى تقع بلسانك، احنا ظبطنا كل حاجة مع البنات و سارة نزلت الصبح تتأكد في المعمل، متفضحناش"


حرك رأسه موافقًا على مضضٍ مُجبرًا على الانصياع لها ثم تحدث بمللٍ و هو يقول:

"خلاص عرفت بقى !! بطلي زن بدل ما اتصل بيه و أقوله كل حاجة، مش طالبة هي رغي"


حركت رأسها موافقةً فوجدته يقول لها بضيقٍ زائفٍ:

"يلا روحي صلي الضحى، يلا علشان ربنا يكرمك و يجبر بخاطرك بعيل يعقلك أنتِ كمان"


_"شبهك !! دي أهم حاجة"

قالتها بتأكيد و هي تتحرك من أمامه حتى حرك رأسه نفيًا بيأسٍ منها و هو يجزم أنه لا فائدةً منها قط.


في شقة «خالد» وقفت «ريهام» من على بعدٍ ترى ذلك المشهد المُحبب لقلبها و الذي أخذ يزداد في الأوئنةِ الأخيرة حيث يقف «خالد» على سجادة الصلاة و «يونس» بجانبه على سجادته الصغيرة و هو يسترق النظر لوالده بطرف عينه حتى يفعل ما يفعله الآخر !! 


فكلما ركع «خالد» ركع «يونس» مثله و كلما سجد «خالد» سجد الأخر مثله و هو يحرك رأسه للأمام حتى يتسنى له رؤية والده ثم ينظر أمامه و يحرك اصبعه أثناء التشهد و رغمًا عنه يبتسم من غرابة الموقف لكنه يكمل مثلما يفعل أبيه.


بكت هي رغمًا عنها ثم أخرجت زفيرًا قويًا في محاولةً واهيةً منها للتحكم في دموعها التي هددت بالاعلان عن نفسها صراحةً، فكلما رآتهما سويًا و خاصةً في الصلاة تشعر بعدة مشاعر غريبة تجعلها متيقنةً من أنها اصابت الاختيار في «خالد» كونه أبًا لـ «يونس».


انهى «خالد» الصلاة ثم حرك رأسه للجهة الأخرى التي يجلس بها نسخته المصغرة كما يلقبونه، و رغمًا ابتسم بتأثرٍ ثم حمله على يده و هو يقول مُهدهدًا له:

"بقيت بتصلي مع بابا !! بتعرف تصلي يا يونس ؟!"


حرك رأسه موافقًا ثم غمغم بعدة كلماتٍ كعادته التقطها «خالد» تلك المرة فشعر براحةٍ كبرى و هو يقول مشاكسًا له:

"يا فرج الله !! أخيرًا فهمتك مرة من نفسي؟! بتقول بصلي مع بابا أكبر ؟؟ مش مهم بكرة هعدل لسانك يا ابن ريهام"


أتت هي من خلفهما و هي تقول بضيقٍ زائفٍ وفي يدها الفطار:

"أنا مالي يا ابن الناس !! هو مش ابنك أنتَ كمان؟!"


اعتدل واقفًا و لازال «يونس» كما هو على ذراعه حتى اقترب منها يقف بجوارها وهو يقول ساخرًا من ابنه:

"الواد طول النهار حمل وديع و كتلة لطافة متحركة ماشية، بليل ملبوس و شقي و عنده عرق ضارب"


اقتربت منه تمسك ابنها و هي تقول بنبرةٍ مرحة:

"ملكش دعوة بيه لو سمحت، روح أفطر لحد ما أجهز الهدوم اللي هتلبسوها علشان نروح العزومة بدري"


حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منهما يقبل كلًا منهما على حدة و «يونس» يبتسم باتساعٍ على ذراع والدته فتحدث «خالد» بخبثٍ:

"فرحان علشان ببوس أمك ؟! طب والله لأخليك تطير من الفرحة و احضنها دلوقتي، أنا نقطة ضعفي فرحتك ياض"


اقترب منهما يحضتنهما سويًا و زوجته تضحك عليه و على طريقته حتى ارتمى عليه ابنه و هو يقهقه من كثرة الضحكات دون أن يفهم ما يدور حوله، سوى أنه ولد بين هذين الأبين و الذي يرى بهما عالمه الصغير حتى و لو لم يعي هو لذلك.

_________________________


في شقة «ياسين» و كعادتها يوم الجمعة تقوم بتشغيل إذاعة القرآن الكريم في الشقة و ترفع الصوت مع رائحة البخور التي سارت في أنحاء الشقة بأكملها، و هي في الداخل تقوم بإعداد الفطور السريع لهما سويًا و هو في الخارج يقوم بأداء ركعتي الضحىٰ بعدما سبقته هي. 


انهى صلاته ثم رفع كفيه يدعو الله و يتضرع بقلبه قبل النطق بلسانه، أن يدفعه و يقربه نحو الخير حتى و إذا لم يدرك هو ذلك، هو فقط يثق في خيارات ربه و في رحمته بالعباد حتى و إن كانت بعض الأمور تحزنك، لكن وراء ذلك حكمة لا يعلمها سوى الخالق، تذكر أثناء تضرعه حديث والده الذي غلفته الحكمة حينما سبق و أخبره بذلك الحديث ذات مرةٍ في الصغر:


"افتكر إن حياتك ملكك بس ربنا سبحانه وتعالى مطلع عليها يا ياسين، مهما اشتد حملك و مهما صعبت مهمتك افتكر كويس_ قوله تعالى_:

""وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"


_"صدق الله العظيم"

خليك واثق في عطف ربك و كرمه و رحمته عليك، أنتَ ممكن يكون الخير قصادك بس بغبائك عاوز اللي مش صالح ليك، ساعتها توكل أمرك لله و تفوضه علشان تدرك حكمته و رحمته و طول عمرك ما هتقدر توفي و لو جزء بسيط من كرمه عليك ادعي الدعاء اللي عرفته ليك علشان ربنا يكرمك و قلبك يرتاح من هم التفكير.


تنهد هو بعمقٍ ثم رفع كفيه و هو يقول بصدقٍ نبع من قلبه:


اللهم اني وكلتك امري فأنتَ خير وكيل ودبر لي امري فاني لا أحسن التدبير اللهم يا مالك الكون اكفني شر ما يكون قبل أن يكون، يارب تمّم لي أموري القادمة على خير وبشرني بما أنتظره فأنت خير المبشرين اللهم اني استودعتك أموري ومستقبلي ف يسر ولا تعسر"


انزل كفيه بعدها ثم ترك موضعه بعدما حمل سجادة الصلاة على يده، ثم ذهب نحو المطبخ فابتسم لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"صباح الخير !! فطرتي؟!"


حركت رأسها نفيًا وهي تقول:

"لأ تعالى نفطر سوا قبل الجمعة علشان يدوبك هتنزل و أنا هجهز لحد ما الصلاة تخلص، يلا النيسكافيه بتاعك هيبرد"


حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يجلس بجوارها و هي تبتسم له حتى سألته هي بنبرةٍ مقررة أكثر من كونها مُتسائلة:

"برضه مش عاوز تقولي مالك ؟! على فكرة باين إنك مخنوق، و قبل أي حاجة احنا صحاب، يعني على الاقل تشاركني زعلك"


أجبر شفتيه على التبسم بعد حديثها فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:

"مينفعش إنك تخبي عني اللي مزعلك، زي ما أنا طول الوقت بقولك اللي مزعلني قبل اللي مفرحني"


باغتها هو بسؤاله الغير متوقع:

"حتى لو اللي مزعلني هيزعلك أنتِ أكتر مني؟!"


ظهر الاستنكار على مُحياها و هي تقول تطالعه بأعين تائهة و كأنها لم تفهم مقصد حديثه، فتنهد هو بعمقٍ ثم أضاف مُسرعًا:

"قصدي يعني لو في العموم اللي هيزعلني ممكن يزعلك أكتر مني، اقوله ليكي؟! و أنا وعدتك ان أي حاجة تزعلك ابعدها عندك؟!"


حركت رأسها موافقةً بقوة ثم أضافت باصرارٍ:

"أحسن ما حد فينا يشيل في قلبه لوحده من غير التاني، و لا إيه؟! قولي بس و متشيلش هم"


هم هو بالحديث و بالنطق عما يدور بعمله و عن سفره و عن تركها بمفردها للمرةِ الأولى منذ التقاءهما سويًا، تعد هذه هي المرة الأولى للفراق بينهما بعدما عاشت بكنفه يحميها هو من العالم الخارجي.


قبل أن يتفوه صدح صوت هاتفها برقم واحدةً من الفتيات فاستأذنت منه بعينيها ثم تركت الطاولة، فتنهد هو بعمقٍ و هو يشعر براحةٍ كبرى تخللت الثقوب التي سببها له خوفه من الحديث معها.

_________________________


تجهزت «هدير» بعدما أعدت الفطور لزوجها و شقيقته ثم جلست في الخارج تنتظر خروجه حتى اقترب منها يقول هامسًا بهدوء:

"أنا مش فاكر أنا وافقت ازاي أني افضل معاكي هناك، متأكدة أني وافقت؟!"


حركت رأسها ببراءةٍ و هي تقول:

"والله وافقت، مش هكدب عليك أنا يا حسن، هو أنا وش ذلك ؟!"


رفع حاجبيه معًا يطالعها بتشككٍ فوجدها تقف أمامه و هي تمسك طرفي سترته و تقول بنبرةٍ هادئة:

"و بعدين مش عيب تسيبني كدا في بيت أبويا؟؟ يقول إيه بنته زهقت جوزها و رماها عنده؟؟ يرضيك كدا ؟!"


رفع كفه يحاوط خصرها و هو يقول هامسًا بجانب أذنها:

"دا أنا كدا ابقى متربيتش ؟! علشان بنته دي ونسي في الدنيا، هو أنا أهبل علشان أسيب ونسي برضه؟!"


ابتسمت بانتصارٍ و قبل أن تقترب منه أكثر وصلها صوت شقيقته تتحدث بنبرةٍ جامدة:

"انتو بتعملوا إيه عندكم ؟؟ على ما أظن إن الأستاذ نازل يصلي"


ردت عليها «هدير» بثباتٍ ممتزجٍ بالسخرية بعدما التفتت لها:

"هو أنا سيجارة هنقض الوضوء ؟؟ دا أنا مراته يا طنط، يعني حلاله"


رفعت حاجبها لها فتدخل «حسن» يتحدث مُحاولًا تلطيف الأجواء التي يتعكر صفوها بسرعة البرق:

"هي بس كانت بتقولي حاجة، علشان فيه مناسبة عائلية عاوزني أحضرها بس أنا كنت بقولها مش هينفع علشان أنتِ هنا"


رمقته «هدير» بغيظٍ و بعينين على وسعهما و هي تتوعد له، فتحدثت شقيقته بهدوء:

"أنا نسيت أقولك صحيح أني هقضي اليوم كله برة و هقابل صحابي و هروح ازور فردوس"


نظر كليهما لها بغير تصديق و تحدث هو بنبرةٍ جامدة يستفسر منها:

"فردوس !! هتروحي ليها ليه يا حنان ؟! فيه إيه بينها و بيننا علشان يكون لينا علاقة بيها، كل حاجة بيننا اتقطعت من يوم موت ريم"


ردت عليه هي بثباتٍ:

"رايحة علشان هي صاحبتي، و علشان بنتها اللي في يوم من الأيام كانت مراتك و كانت على مشارف تبقى أم ابنك، نسيت الود و نسيت كل اللي كان بينا بجوازك ؟!"


همت «هدير» بالتحدث فأوقفها هو حينما أمسك يدها ثم تحدث بنبرةٍ جامدة و حدة صوتٍ:

"أنا نسيت كل حاجة كانت تعباني علشان اعرف اريح بنات الناس اللي معايا، هعمل إيه بماضي مش فاضلي منه غير الوجع و التعب؟! هعمل إيه بذكريات مع واحدة شوفت معاها التعب اكتر من الراحة؟! عاوزاني احافظ على ود مع واحدة رمتني في الحبس و بسببها بَيت في القسم و هي متهماني بقضايا كل واحدة فيهم اتقل من التانية ؟!"


زفرت هي بقوةٍ ثم تحدثت بلامبالاةٍ تنهي ذلك الجدال و هي ترمق تلك التي تقف بينهما تائهة:

"الكلام دا ملهوش لازمة، أنا هقضي كام مشوار النهاردة و هرجع تاني على هنا، عن اذنك"


دلفت الغرفة مرةً أخرى و بقى هو ينظر في أثرها بصدمةٍ و هو يفكر كيف لشقيقة كبرى كان يظنها بمثابة أمه أن تفعل ذلك به و تستهين بجروحه بتلك الطريقة ؟! كيف يهون عليها و على قلبها و هي من المفترض أن تكون أحن منه على قلبه.


لم يشعر بشيئًا سوى بها و هي تعانقه و تربت على ظهره و يكاد يجزم أن كفها ذلك بمثابة مرهم امتد نحو جرحه الغائر يضمده ففي قربها ينعم بسلامٍ لم يسبق له أن يعرفه بعدما عاش كمثل المحارب في جميع الجهات و فقط ما لحقه كانت الخسارة، ليظفر بها هي و تصبح بمثابة انتصارًا عظيمًا.

_________________________


توقفت سيارة «طارق» أمام بيت آلـ «الرشيد» و جميعهم يبتسمون براحةٍ كبرى ثم نزلوا من السيارة و فور دخول «وليد» البيت حتى وجدها تركض نحوه مُسرعةً و الدموع تسبقها على وجنتيها دون أن تكلف نفسها عناء ردعها، ابتسم هو براحةٍ ثم رفعها من على الأرض ثم تحدث بشوقٍ جارفٍ:

"آاااه.... وحشتيني أوي أوي يا خلود، وحشتي أخوكي يا روح أخوكي"


ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:

"أنتَ اللي وحشتني أوي، البيت بقى صعب من غيركم، ملوش لازمة"


حرك كفه يمسد على ظهرها ثم انزلها و هو يبتسم في وجهها فوجدها تمسك ذراعه الأيمن و هي تتشبث به، دلفت في تلك اللحظة «عبلة» و هي تقول بسخريةٍ:

"أهو.... رجعنا لضرتي تاني، محسساني أني خطفاه منك"


التفتت لها «خلود» و هي تقول بضجرٍ منها:

"سيبتهولك اسبوع كامل اهوه، عاوزة إيه تاني أنتِ ؟!"


اقتربت منها «عبلة» تحتضنها و هي تقول بنبرةٍ ضاحكة يشوبها اليأس من «خلود»:

"وحشتيني يا عمتي، و الله يا بت اسكندريه ملهاش طعم من غيرك، بس هنعوضها كلنا سوا"


احتضنها «خلود» و هي تقول بقلة حيلة:

"و أنتِ وحشتيني يا مرات أخويا، هقول إيه بقى ؟؟ يلا بيحبك الموكوس دا"


ابتسم «وليد» رغمًا عنه فوجد «سلمى» تركض نحو شقيقتها و هي تذكر اسمها بلهفةٍ و تعانقا الاثنتين معًا و كلتاهما تعبر عن مدى اشتياقها للأخرى حتى دلف «طارق» و «جميلة»، فركضت «سلمى» نحو شقيقها تحتضنه و رغمًا عنها بكت بين ذراعيه فربت هو على ظهرها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"طب أنتِ وحشتيني اوي و عيونك وحشوني، ارفعي راسك ليا علشان اشوفهم يا سولي"


عند ذكره لها بذلك الاسم رفعت رأسها تطالعه بعينيها التي ذرفت الدموع ببزخٍ و حينما طالعته بهما تحدث هو بنبرةٍ هائمة كعادته حينما يثني على لون عينيها:

"وحشتيني يا سلمى، وحشتيني و وحشني لون عينك اللي زي العسل و في جمالهم يضربوا المثل"


احتضتنه مرةً أخرى فوجدته يشدد عناقه لها و هو يبتسم بينما «خلود» عانقت «جميلة» و هي ترحب بها، و إبان ذلك انتشرت الزغاريد في البيت ترحيبًا بوجود العرسان و عودتهم من قبل «مشيرة» و «مروة» و كلًا منهم ترحب بهم حتى اجتمعت العائلة بأكملها في ردهة البيت يرحبون بعودة الشباب متمنين لهم دوام السعادة و راحة البال.

_________________________


انتهت صلاة الجمعة و تجهز الشباب بزوجاتهم للذهاب إلى بيت آلـ الرشيد، و بعد اجتماعهم سويًا وقف «عامر» يحاول جاهدًا إدراك النظرات التي تدور بينهم، و فجأة قذفه «خالد» بأداة بلاستيكية صغيرة الحجم و هو يبتسم له بخبثٍ، فالتقطها «عامر» يحركها بين انامله و هو يقول بسخريةٍ:

"سكاتة !! جايبلي سكاتة يا خالد ؟؟ شكرًا يا حبيبي اتفطمت من بدري"


قذفه بها مرةً أخرى، وسط الضحكات من الأخرين حتى تحدث «خالد» بحنقٍ:

"أنا غلطان لأهلك قولت أوفرلك"


رفع «عامر» حاجبه له، فتحدث «ياسر» بخبثٍ هو الأخر:

"الواحد مخنوق و الله و نفسه ياسين يغني، ما تغني يا ياسين؟"


سأله «ياسين» بهدوء ممتزج بضحكاتٍ طفيفة على الرغم من علمه بمقصدهما:

"أغنيلك إيه يا حبيب ياسين؟!"


رد عليه «ياسر» ببساطةٍ:

"أي حاجة....غنيلنا يتربى في عزو"


حاولوا كتم ضحكتهم فتحدث «خالد» تلك المرة مُقترحًا:

"أو غنيلنا يا رب يا ربنا يكبر و يبقى أدنا"


تحدثت «إيمان» بنبرةٍ جامدة:

"أنا بقول نركب خلونا نلحق مشوارنا بقى، و لا إيه؟!"


بعد حديثها و بعدما نظروا لبعضهم ركبوا السيارتين معًا قاصدين في وجهتم بيت آلـ «الرشيد» و كلهم يأكلهم الحماس للقادم عدا «عامر» الذي لاحظ اختلاس نظراتهم لبعضهم لكنه لم يريد التطفل عليهم حتى يستطع التوصل لما يحدث بنهاية اليوم.

_________________________


استأذن من البيت بأكمله و طلب المغادرة لوجهةٍ يعلمها هو جيدًا، و بعد مرور بعض الوقت وصل لتلك الوجهة و انتظر حتى سمحت له المساعدة بالدخول، فدلف و على وجهه ابتسامةٍ واسعة و معه علبة في يده مغلفة، سألته هي بهدوء و رغم ذلك تشاكسه:


"يعني أفهم إيه من واحد سايب شهر عسله و جايلي؟! للدرجة دي غالية عليك؟!"


جلس على المقعد المجاور للمكتب الخاص بها و هو يقول بمعاتبةٍ و لومٍ:

"طب و ممكن أعرف ليه مجتيش فرحي؟! و لا هو أنتِ زي وائل جسار لما قال اعذريني يوم زفافك مقدرتش افرح زيهم؟!"


ابتسمت بيأسٍ منه و هي تحرك رأسها فوجدته يسألها بنفس المعاتبة:

"بجد مجتيش ليه؟!"


ردت عليه هي بثباتٍ:

"و مين قالك أني مجيتش بقى ؟! هو أنتَ عاوزني أساعدك و مجيش؟! هو أنا في الهم مدعية و الفرح منسية ولا إيه؟"


رفع حاجبيه معًا فتابعت هي بثباتٍ و ثقةٍ:

"جيت و قعدت مع مامتك و مع ستات العيلة و مع ميمي كمان، بس مشيت بدري علشان كان ورايا عيادة الصبح، و على فكرة شكلكم كان تحفة في اللبس الصعيدي"


تحدث هو مُسرعًا:

"خلاص خلاص صدقت انك جيتي، مع أني رجحت إنك مش هتيجي"


ردت عليه هي بهدوء:

"مكانش ينفع ماجيش، على الأقل كان لازم أجي اشوف نتيجة تعبنا احنا الاتنين سوا، و صدقني أنا كنت مبسوطة و أنا شايفاك فرحان من قلبك"


تحدث هو مُبتسمًا تلك المرة براحةٍ ظهرت في نبرة صوته:

"هتصدقيني لو قولتلك أني بقيت واحد تاني عمري ما كنت اتخيل أني ممكن أكون عليه في يوم من الأيام ؟! بقيت واحد تاني دماغه أهدا زي اللي كان جواه نار و نزل عليها بجردل مياه يخمدها خالص، بقالي اسبوع زي الطير في السما لدرجة حسستني أني هقع على جدور رقبتي، لو الجواز حلو و هو السبب في كدا يبقى الحمد لله على نعمة الجواز"


ابتسمت هي بعد حديثه ثم تحدثت مفسرةً ببساطةٍ:

"اللي أنتَ فيه دا هو السكن، علاجك و خطواته كانت صعبة أوي تتعافى منها، دا علشان الجروح كلها مفتوحة و كل واحد فيهم وقته فات و عدى، أنتَ لما كنت بتسكنهم كنت بتهدا علشان المفعول شغال، أول ما المفعول يطير تكتشف أن الجرح مؤلم، المهم اننا قفلنا الجروح دي تمامًا خلاص، حاليًا في فترة الاعتناء بالخياطة، قولي بقى ارتاحت ؟"


حرك رأسه موافقًا ثم أخرج زفيرًا قويًا و هو يقول بصوته الرخيم:

"ارتاحت من أول ما راسي لمست الأرض و أنا بصلي و هي ورايا، تحديدًا من اللحظة دي أنا بقيت واحد تاني، و لما صحيت تاني يوم و لقيتها جنبي و اتأكدت أن اللي فات كله كان حقيقة مش حلم، لأول مرة اعرف يعني إيه انسان الدنيا تنصفه و ياخد حاجة هو اتمناها"


حركت رأسها موافقةً بتأثرٍ من حديثه فوجدته يحرك رأسه نحوها ثم مد يده بالعلبة و هو يبتسم بخفةٍ، عقدت ما بين حاجبيها تستنكر فعلته، فتحدث هو مُفسرًا:

"دي حاجة صغيرة كدا من اسكندرية علشانك، جيبت لكل الغاليين و قولت لازم اجيبلك"


رفعت عينيها له فوجدته يحرك رأسه مُشجعًا لها حتى تأخذ منه العلبة، امتثلت هي لمطلبه و أخذتها من يده ثم فتحت الغلاف الخارجي حتى وجدت علبة الحلويات و يعتليها سوار من خامة الفضة و عليه إسمها بخطٍ عربي "هَــنَّـاءْ" ابتسمت هي بتأثرٍ فتحدث هو بثباتٍ:

"الهريسة مني، و الاسورة من عبلة، أنا عرفتها أني هجيلك النهاردة، و كان نفسها تيجي بس البنات في العيلة بقى اتجمعوا سوا"


ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:

"ربنا يحفظكم و يسعدكم كلكم إن شاء الله، عن نفسي أنا اللي يهمني أنكم تكونوا بخير، و شكرًا على تقديركم ليا"


حرك رأسه موافقًا ثم اعتدل واقفًا وهو يقول بهدوء:

"عن اذنك بقى علشان العيلة كلها هتتجمع و يدوب نلحق نقعد سوا"

حركت رأسها موافقةً و هي تطالعه بامتنانٍ بينما هو لوح بكفه ثم خرج من العيادة و هي خلفه تجزم أنه الحالة الوحيدة التي جعلتها تشعر بتلك السعادة في عملها و كأنه أول إنجازٍ ترى نتيجته ملموسة بتلك الطريقة.

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» وصلوا جميعًا و انتشرت البهجة فور وصولهم و خصوصًا بحضور الطفل المحبب لقلوب الجميع صغارًا أو كبارًا، كان «يونس» يجلس بجوار «وئام» الذي حمل صغيره على يده و الأخر يداعبه و يقبل كفه و رأسه بين الحين و الآخر و كلما استمع لبكاءه، اخفض نفسه نحو يربت عليه بكفه الصغير ثم يجلس بموضعه مرةً أخرى.


تحدث «عامر» في تلك اللحظة مُستفسرًا بعدما فشل في العثور عليه:

"أومال في العريس التاني؟! راح فين مكسوف يجي يسلم علينا؟"


ضحكوا عليه و على سخريته من «وليد» و في تلك اللحظة دلف و هو يقول بمرحٍ:

"مراتي حالفة عليا متكشفش على حد، أصلها بتغير"


هلل الشباب فرحًا به و اقتربوا منه يرحبون به، و هو يبادل كلًا منهم العناق بمثيله و الشوق متبادل بينهم، حتى أتى دورها و انتظرت حتى ابتعدوا عنه، فركضت نحوه مُسرعةً و هو يبتسم بتأثرٍ و خاصةً بعناقها له، سيظل هذا العناق هو الأجمل و الأحن في حياته، لطالما كان موطنه الأول، و مستقره الوحيد


بكت هي من فرط شوقها له، فربت على ظهرها و هو يقول بحنوٍ بالغٍ:

"كفاية علشان خاطري، و بعدين بتعيطي ليه؟! هو أنا كنت على الحدود ؟! دا أنا كنت في شهر عسل، يعني كنت خاربها"


ابتعدت عنه تمسح دموعها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:

"بعيط علشان وحشتني، و علشان كنت فاكرة أني هاجي أشوفك علطول، لقيتك مش موجود، قولت يمكن زهق مني"


حرك رأسه نفيًا ثم تحدث مُردفًا:

"مفيش واحد بيزهق من أرضه و لا حد بيبعد عن اللي منه، و أنتِ أرضي، أولي و أخري بيكون عندك، تفتكري ممكن يجي يوم و أنسى إن حضنك هو اللي كان بيلحقني؟!"


حركت رأسها نفيًا فرفع كفه يمسح دموعها ثم سحبها نحوه و هو يربت على رأسها، كل ذلك تابعه «ياسين» بهدوء و تأثرٍ و حمد الله على عودة «وليد» حتى يعاونه في الآتي.


تحدث «محمود» موجهًا حديثه للنساء و هو يقول بهدوء و رتابةٍ:

"يلا بقى حضرولنا الغدا علشان الناس اللي جاية من سفر دي، و لا إيه يا رجالة؟!"


رد عليه «مرتضى» مؤيدًا:

"يلا علشان نعرف نقعد سوا، مفيهاش كلام دي، و هاتولي فارس و يونس يقعدوا معايا"


بعد مرور دقائق التف الرجال حول الطاولةِ و النساء في الشقة المجاورة لهم يأكلن سويًا، حيث اجتمعوا في الطابق الأول، نصفه للنساء و النصف الأخر للرجال، و تم تناول الطعام في جوٍ تسوده الألفة و الحب بين الجميع.


انتهى وقت الطعام و قاموا النساء بتقديم العصائر و المشروبات الغازية للجميع و قام حينها كلًا من «وليد» و «طارق» بتوزيع الهدايا و الحلويات التي سبق و جلبها كلًا منهما لأهالي البيت و أصدقائهم، و كلما حصل منهم على هديته شكرهم و تمنى لهم دوام السعادة و بعد مرور بعض الوقت أمر «محمود» باجتماع العائلة بأكملها في الأسفل حيث المكان المخصص لمناسبات العائلة، حتى تتسع للجميع معًا.


و بعدما اجتمعوا سويًا و بعد الهمهمات و الاشارات بينهم، تحدث «محمود» بما انه أكبر الموجودين بأكملهم و حصل على التفويض من العائلة بأكملها:

"طبعًا محدش فيكم هنا غريب عننا، كلكم أولادنا و عيالنا و كلكم هنا أخوات طبعًا، محدش فيكم غريب وسطنا، عزومة النهاردة مش بس علشان طارق و وليد باعتبارهم ولاد العيلة، لكن دا علشان كلكم شبابنا، ياسين طبعًا...خالد...ياسر...عامر...حسن...، كلكم ليكم معزة و غلاوة زي شباب العيلة بالظبط و يعلم ربنا محدش فيكم في يوم مكانته قلت في قلوب حد من العيلة، حتى عمار و عبدالرحمن على الرغم انهم مش هنا، إلا أن مكانهم في القلوب محفوظ.


انتشرت الهمهمات و الأصوات الممتنة له و لحديثه و الدعاء له بدوام الصحة و العافية و أن يظل البيت كما هو مسنودًا بسيرته النقية، حتى ابتسم هو ثم قال بهدوء:

"دلوقتي بعد اللي عامر عمله في الفرح فيه إجماع إنه أكتر شخص بيقدر يفرح كل اللي حواليه، و علشان كدا كان فيه إجماع اننا كلنا نكون سبب في فرحته زي ما هو فرحنا كلنا"


ابتسم «عامر» ببلاهةٍ و ذهولٍ غير مُدركًا حديثه و لا النظرات التي تجول حوله، حتى قدم «وئام» صندوقًا لونه أسود مخصص لتقديم الهدايا، فأخذه «محمود» ثم تقدم به نحو «عامر» و بـ يده الأخرى يسحب مقعدًا حتى يجلس عليه، و يغدو مُقابلًا له حتى يتحدثان سويًا.


كل ذلك كانت تتابعه النظرات المُتحمسة و المتلهفة للقادم و خاصةً لرد فعله بعد تلك الطريقة التي استخدموها حتى يعرف هو بذلك الخبر السعيد.


جلس «محمود» مُقابلًا له و هو يقول بنبرةٍ هادئة محاولًا الظهور بثباتٍ أمامه حتى النهاية:

"قولي يا عامر، نفسك تفرح و لا لأ؟!"


حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بمرحٍ:

"بصراحة بعد الهريسة و اللب و الحاجات الحلوة اللي جاتلي من اسكندرية دي، أنا فرحان أوي"


ضحكوا عليه جميعًا و منهم من حرك رأسه بيأسٍ منه، فتحدث «محمود» برزانةٍ:

"طب قولي لو ربنا كرمك و اراد إنك تخلف، هتربيه ازاي؟!"


عقد ما بين حاجبيه بتعجبٍ ثم قال مفسرًا برتابةٍ رغم تعجبه:


"هخليه زي عمامه أكيد يعني، هعلمه ازاي يبقى راجل يعتمد عليه و ازاي يكون صاحب بجد زي ياسين و أخ حنين و ابن بار بأهله، هعلمه ازاي يشيل مسئولية و يبقى راجل بجد وتد في الأرض زي ياسر، هعلمه يكون أخ برتبة أب زي خالد و ازاي بنتحامى فيه من الدنيا، و هعلمه ازاي يقرب من ربنا زي عمار، و ازاي يشيل هم اللي حواليه زي وليد و ازاي يكون شهم زي حسن و ازاي يحافظ على حبه زي طارق و ازاي يبقى أب شاطر زي وئام و ازاي يكون دمه خفيف زي يونس و ازاي يفرح الناس زي أبوه"


صفق الشباب له بعد اجابته و بدا التأثر باديًا على وجوههم جميعًا و خاصةً الشباب و هو يذكر محاسن كلًا منهم بطريقةٍ جعلتهم يودون معانقته في الحال.


ابتسم «محمود» ثم قدم له الصندوق و هو يقول بهدوء:

"الصندوق دا هتلاقي فيه ٣ ورقات و كل ورقة فيهم تقرأ المكتوب فيه، و كل واحدة منهم عليها رقم، تسحبهم بالدور، تمام؟"


حرك رأسه موافقًا و قبل أن يفتح الصندوق سأله «مرتضى» ممازحًا له:

"قولي الأول يا عامر، أنتَ اللي يهمك المال و لا البنون ؟!"


رد عليه بملامح وجه ساخرة:

"فريال بطلة المسلسل"


ضحكوا عليه جميعًا فرد هو بقلة حيلة:

"الاتنين رزق يا عم مرتضى، بس أنا متوتر و مش فاهم ليه أنا بالذات اللي افتح الصندوق دا؟!"


رد عليه «طه» بهدوء:

"علشان أنتَ الوحيد اللي بتفرحنا و متخصص في بهجة العيلة، اتفقنا كلنا نردلك الجميل"


رد عليه هو بخجلٍ طفيفٍ:

"بس أنا مش عاوز رد جميل، علشان دا مش جِميل أصلًا، أنا بفرح أهلي و أخواتي، عادي يعني"


ابتسم له الجميع، فتحدث تلك المرة «حسان» يقول بهدوء:

"يا سيدي و أنتَ ابننا و احنا عاوزين نفرحك برضه، يلا بقى"


حرك رأسه موافقًا ثم قام بفتح الصندوق و تعجب حينما وجد به أشكالًا من خامة الفِل و بداخلها أشياءٍ عديدة يجهل هو ماهيتها، قام بسحب الورقة الأولى و قام بفتحها فوجد بداخلها آية كريمة من المصحف الشريف و هي:


﷽   

 {المال والبنون زينة الحياه الدنيا. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}


_صدق الله العلي العظيم.

تعجب هو من وجود تلك الآية الكريمة لكنه تنهد بعمقٍ ثم رفع رأسه لهم بذهولٍ، فتحدث «محمود» مُبتسمًا:

"اسحب الورقة التانية يالا يا عامر"


حرك رأسه موافقًا و لازالت الدهشة كما هي تبلغ مبلغها على وجهه و سحب الورقة الثانية فوجد بداخلها حديثًا شريفًا:


عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله ﷺ قال: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: 

"صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". 

رواه مسلم.

_صدق رسول الله صلَّ الله عليه وسلم


ازدرد لُعابه بتوترٍ فتحدث «محمود» برزانةٍ و رتابةٍ:

"ربنا سبحانه و تعالى خلقنا بشر من سيدنا أدم و أمنا حواء، و كرمنا بحاجات كتير و نعم لا تعد و لا تُحصى، و من كرمه و فضله علينا، إنه بيرزقنا بحاجات كتير، زي مثلًا أولاد يحركوا جوانا مشاعر كتير و يخلونا نحب الدنيا بهزارهم و لعبهم، و أسأل خالد و وئام، كونك هتربيه صح و ينفع غيره من الناس يبقى كدا أنتَ بتاخد أجر، و يا بختك لو ربنا رزقك بالرزق دا، حافظ عليه يابني"


حرك رأسه موافقًا بتيهٍ، و قبل أن يسحب الورقة الثالثة سأله «محمد» تلك المرة:

"إيه أكتر دعوة بتدعيها من ساعة ما اتجوزت يا عامر ؟؟ أو نفسك في إيه؟!"


وجه بصره نحوه يجاوبه بثباتٍ ينافي التوتر الذي ينضرم بداخله:

"نفسي أكون زوج صالح و أكون لمراتي مصدر أمان، مش عاوزها في يوم تيجي تخاف مني أو تندم إنها سلمت حياتها ليا، و عاوز ربنا يكرمني منها بذرية صالحة، ربنا يكتبلي أني أكون أب"


أشاروا لها جميعًا حتى اقتربت منه تجلس على المقعد الفارغ بجواره و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"طب اسحب الورقة التالتة و شوف اللي فيها كدا"


زاد خوفه و توتره أكثر لكنه تنفس بعمقٍ ثم سحب الورقة الثالثة فوجد بداخلها:

" إِنَّا نُبَشِّرُكَ " 

بأنه

 " قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا "


حرك رأسه باستفهامٍ و الاستنكار يكسو ملامح وجهه حتى تحدث بتشوشٍ و تيهٍ:

"ثانية واحدة علشان أنا غالبًا فهمت أو قربت، هو.....هو إيه دا"


أشارت له برأسها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ من فرط حماس اللحظة القادمة:

"طب اسحب أخر حاجة موجودة هنا و أنتَ هتعرف فيه إيه"


حرك رأسه موافقًا ثم مد يده داخل الصندوق يبحث عما يوجد بداخله حتى أمسك شيئًا مثل لوح الخشب أقل حجمًا من حيز الصندوق، ثم رفعه و قبل أن ينظر بها حرك رأسه لزوجته بقلقٍ، و قد كان اللوح الخشبي طُبع عليه صورة لطفلًا صغير يحبو على ركبتيه و هو يبتسم باتساعٍ و أسفله عبارةٍ مرحة:


"لبست يا حلو في المطب...و هتبقى أحلى و أشطر أب"

أسفل تلك العبارة وُضع رمزًا تعبيريًا يدل على الغمز بطرف العين.


رفع «عامر» اللوح أمام ناظريه ثم أغلق عيناهُ؛ مرةً و الثانية و الثالثة و كأنه يُجبر عقله و نظره لتصديق ما يراه، ثم رفع رأسه يطالعها باستفهامٍ فوجدها تحرك رأسها موافقةً و الدموع تلمع في مقلتيها، حينها تحدث هو بصوتٍ متهدج:

"يعني إيه ؟! يعني اللي بفكر فيه صح طيب؟! هو كدا بجد؟!"


حركت رأسها موافقةً فتحدث «محمود» بهدوء:

"ربنا يجبر بخاطرك و يتمم على خير و تشوفه أحسن واحد في الدنيا"


رد عليه «عامر» بصوتٍ مختنقٍ:

"عم محمود !! أنتَ راجل كبير مش هتكدب، بجد أنا حامل ؟!"


انتشرت الضحكات عليه بعد جملته الأخيرة، فتحدث «وليد» بسخريةٍ:

"يعيني !! دا مخه لحس خلاص"


تحدث هو مُسرعًا:

"مش قصدي...مش قصدي، قصدي يعني بجد هبقى أب؟! أحلف يا عم محمود"


ابتسم له فتدخل «مرتضى» يقول بمرحٍ:

"و الله مراتك حامل و أنتَ هتبقى أب، هنكدب عليك؟"


حرك رأسه نفيًا و هو يقول بتيهٍ:

"لأ...بس....بس أنا خايف....خايف اتعشم و في الأخر اتخذل، احساس إنك تعشم نفسك بحاجة و متاخدهاش بيكون صعب، خايف اتعشم و الله"


ظهر التأثر على وجوههم، و خصيصًا زوجته التي بكت و هي بجواره، فالتفت لها يسألها بصوتٍ مختنقٍ:

"حامل بجد ؟؟ مش حمل كاذب؟"


حركت رأسها موافقةً له فوجدته يحتضنها بقوةٍ و دموعه تنزل رغمًا عنه تأثرًا من تلك اللحظة و الشباب حوله يهللون فرحًا به، حتى قبل هو رأسها و هو يشدد عناقه لها من جديد، حتى تدخل «خالد» يقول معنفًا له:

"خلاص يا حبيبي، خلاص يا بابا، الناس موجودة، كدا هتخنقهم"


ابتسم له «عامر» ثم مسح دموعه و تحدث يشاكسه بقوله:

"أنتَ مالك يا رخم ؟! دي مراتي و هي اللي بقيالي، دي حبيبتي و أم عيالي"


ضحكوا عليه جميعًا مرةً أخرى فسألهم هو بتشككٍ من جديد:

"يعني أنا هبقى أب بجد؟!"


ضحكوا مرةً أخرى فتحرك هو من جوارها ثم ركض نحو أخوته يحتضن كلًا منهم على حدة و هو يغمغم بكلماتٍ مرحة معبرًا عن فرحته بذلك الخبر السعيد و الجميع حوله ينظرون له بفرحةٍ كبرى نتيجةً لفرحته الذي ظهر أثرها عليه و هو وسط الشباب.

_________________________


طلب «ياسين» من «وليد» التحدث على إنفراد تام حتى يستشيره في موضوع سفره، فتقابلا فوق سطح البيت سويًا حتى تحدث «وليد» بمرحٍ:

"أيوا يا أبو نسب، اؤمرني يا عسل، خير؟!"


رد عليه «ياسين» بخوفٍ من القادم:

"مش عارف هو خير و لا لأ، بس أنا محتاج مساعدتك ضروري"


ضيق «وليد» جفنيه و هو يقول بتشككٍ:

"يا ليلتك السودا !! خونت خديجة يا ياسين ؟؟"


رد عليه الأخر بضجرٍ:

"هو أنتَ مفيش منك فايدة ؟؟ متربي على سوء الظن ؟!"


رد عليه بقلة حيلة:

"اعمل إيه طيب؟! من اعتاد القلق يا سيدي، ها متقلقنيش"


زفر «ياسين» بقوةٍ ثم تحدث بهدوء و هو يخبره بتفاصيل سفره و ضرورة ذهابه قبل نهاية ذلك الاسبوع، كما أن هناك بعض الشروط التي يصعب عليه تطبيقها، خصيصًا المكالمات الهاتفية، كان الأخر يستمع له و كله آءانٍ صاغية.


أنهى سرده ثم تحدث بحيرةٍ و انكسارٍ:

"اعمل إيه يا وليد ؟! أنا مش شاغلني غيرها هي، أقولها ازاي أني هسيبها كل الفترة دي و هكلمها مرة واحدة في اليوم؟! اسيبها ازاي و أنا شايف انها مبتطمنش غير في وجودي؟! أعمل إيه طيب؟! يا كدا يا أسيب شغلي و أبدأ في اللي بنيته من الأول"


تنهد «وليد» بقلة حيلة ثم تحدث مُردفًا:

"مش حل يا ياسين إنك تخسر شغلك و سمعتك اللي عملتها و مجهودك في الشركة، لو على خديجة صارحها و عرفها، جو إنك تعرفها قبلها بيوم دا مش نافع، لازم تكون عارفة قبلها علشان على الأقل تقدر تتهيأ، و متقلقش أنا موجود هنا، هحاول معاها"


مرر كفه على خصلات شعره بضيقٍ من الآتي حتى وجده يربت على كتفه و هو يقول بهدوء:

"توكل على الله و متخافش، أخواتك هنا و أنا معاها و أظن الأمور بقت أفضل دلوقتي"


حرك رأسه موافقًا على مضضٍ فسأله «وليد» باهتمامٍ:

"مالك يا ياسين؟؟ فيه إيه تاني مخليك زعلان؟!"


رد عليه بنبرةٍ منهكة:

"كل حاجة مزعلاني، أنا عمري ما اتغربت و عمري ما سافرت و عمري ما كان حلمي أسافر، أنا مليش نقطة ضعف غير اللي بحبهم يا وليد، مش قادر اتخيل حياتي من غير أخواتي و من غير ميمي و لا من غير أمي و أبويا، مش قادر أصدق إني هقدر أسيب خديجة لوحدها بعدما اتعودت على يومي بيها، أنا عمري ما هقدر اتأقلم في وضع مش شبهي، علشان انتم اللي شبهي"

احتضنه «وليد» ثم ربت على ظهره و هو يبثه بعض الكلمات التي قد تُطمئنه.

_________________________


انتهت الليلة في بيت آلـ «الرشيد» و رحل الجميع إلى بيوتهم بعدما جلسوا معًا في جوٍ يملئه المرح و السعادة و على الرغم من حزن «ياسين» و انشغال باله، إلا أنه استطاع الاندماج وسط فرحة الشباب بصديقهم.


وصل مع زوجته الشقة و هي تتحدث بمرحٍ عن اليوم بتفاصيله و عن فرحة «عامر» كان هو بين الحين و الآخر يبتسم لها حتى لا يفتضح أمر شروده.


و بعد مرور دقائق جلس هو على الأريكة الموضوعة بقرب فراشهما و تحديدًا في نهايته و هو ينظر أمامه و قد عزم أمره على اخبارها بسفره، و قد دلفت هي الغرفة في تلك اللحظة و هي تقول بحماسٍ:

"أنتَ هنا و أنا فكراك برة ؟! دا كله مستنياك علشان نقعد سوا"


رفع عينيه لها فتنهد بعمقٍ ثم أشار بجانبه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"تعالي يا خديجة عاوز اتكلم معاكي، تعالي"


تحركت نحوه بخطى متمهلة خوفًا من القادم خاصةً مع تغيره الملحوظ الذي استشفته هي منذ الصباح، بينما هو انتظر جلوسها ثم التفت لها بجسده و هو يقول بهدوء:

"خديجة !! مش أنتِ دلوقتي بقيتي أحسن من الأول ؟! و كمان بطلتي تخافي صح؟!"


حركت رأسها موافقةً بايماءة بسيطة و عينيها مُثبتة عليه، فتحدث هو بهدوء:

"يعني دلوقتي تقدري تعتمدي على نفسك صح؟! و تقدري تتعاملي من غيري"


انتاب القلق قلبها من حديثه و لم ترد على سؤاله، بل ظلت صامتةً، حتى سألها هو من جديد:

"ها يا خديجة ؟! مش بقيتي أحسن من الأول بكتير؟!"


حركت رأسها موافقةً فتابع هو بنبرةٍ متريثة خشيةً من القادم:

"طب أنا المفروض أسافر تبع الشغل و أسيبك، و هتفضلي لوحدك فترة"


اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد حديثه فتابع هو مفسرًا بسرعة:

"كل الحكاية إن مفيش حد غيري يقدر يكمل الشغل دا، و أنا لازم اروح الفترة دي"


ازدردت لُعابها بخوفٍ و تحدثت بنبرةٍ مهتزة:

"طب....طب هي الفترة دي اسبوع مثلًا يعني؟!"


رفع عينيه يطالعها ثم حرك رأسه نفيًا و تحدث بنبرةٍ مختنقة:

"شهر و نص....أو شهرين"


انتفضت في جلستها و هي تقول بنبرةٍ أقرب للبكاء من كثرة خنقتها:

"بتقول إيه يا ياسين ؟! قول إنك بتهزر و إنك عامل مقلب فيا، علشان خاطري"


وقف هو مقابلًا لها و هو يقول بقلة حيلة:

"لأ مش بهزر و الله، و مش مقلب، دي حقيقة يا خديجة للأسف، و واقع و كلنا مجبورين عليه، متصعبيش عليا القرار"


ردت عليه هي ببكاءٍ:

"مصعبش إيه بس ؟! أنتَ سامع بتقول إيه؟! هتسيبني شهرين لوحدي ؟؟ هتسيبني تاني و أخاف من غيرك؟!"


اقترب منها اكثر و هو يقول ببكاءٍ هو الأخر:

"أعمل إيه طيب؟! لو بايدي مش هسيبك و لا عمري هفكر ابعد عنك، أنا لو مش متأكد إنك كويسة و إنك هتقدري تعيشي و أنا مش موجود كان زماني سايب كل حاجة حتى مستقبلي"


ردت عليه هي بنفس البكاء:

"و مين قالك أني مبخافش ؟؟ مين قالك أني بقيت كويسة؟! أنا بكون كويسة علشان عارفة إنك موجود معايا، بتطمن و أنا عارفة إنك في ضهري و ورايا علطول، أنا طول اليوم هنا لوحدي بكون خايفة و مجرد ما اسمع صوت المفاتيح في الباب بتطمن إنك وصلت، ليه عاوز تسيبني ؟! أنا مينفعاش اتساب و الله، مينفعش أنتَ بالذات تسيبني، أنا مليش غيرك"


أغمض جفنيه بشدة فوجدها تقترب منه تمسك كفه و هي تقول بتوسلٍ له:

"علشان خاطري خدني معاك طيب لو كلامك جد، متسيبنيش لوحدي، أنا مش عاوزة اخاف تاني من غيرك"


أمسك يدها و هو يقول بقلة حيلة:

"و الله العظيم ما هينفع، أنا رايح صحرا و الله أعلم أنا داخل على إيه، أنا مجبر على الوضع دا و لو بايدي عمري ما هفكر اختاره، خديجة علشان خاطري"


سألته هي ببكاءٍ و بحرقة قلب:

"طب أنتَ زهقت مني علشان و من طريقتي علشان كدا عاوز تمشي؟! صح؟!"


اقترب منها يحتضنها و هو يقول بنبرةٍ جامدة رغم بكاءه من حديثها:

"بس يا خديجة و بطلي هبل، ازهق منك إزاي ؟! ازاي اقدر أسيب الوحيدة اللي قلبي ارتاح ليها ؟! أنا مليش غيرك"


سألته هي بصوتٍ مختنقٍ:

"طب ليه ؟! ليه هتمشي ؟!"


رد عليه بقلة حيلة:

"علشان مفيش قدامي غير كدا، يرضيكي أخسر شغلي، و أدور على مكان ابدأ فيه من أول و جديد و أنتِ معايا و ملزومة مني؟! مقداميش حل تاني، و أنتِ كبيرة و واعية و فاهمة يعني إيه بيت مفتوح"


حركت رأسها نفيًا و هي تقول ببكاءٍ تتوسله بكلماتها:

"علشان خاطري متمشيش....ابوس ايدك خليك معايا و متخلنيش أخاف تاني من غيرك، خليك معايا يا ياسين"


ربت على ظهرها و هو يردد نفس الكلمة و كأنه مرغومًا عليها:

"صعب....و الله العظيم صعب"


أجهشت هي في البكاء بين ذراعيه و كأنها طفلًا فقد دميته المفضلة و لأول مرة يراها بتلك الطريقة و بكل ذلك الضعف حتى تحدثت هي من بين بكائها:

"متمشيش.....علشان خاطري بلاش أنتَ تمشي.....متمشيش"


في تلك اللحظة نزلت دموعه و هو يلعن نفسه و يلعن حديثه، فرؤيتها بتلك الطريقة كان بمثابة القشة التي قمست ظهر البعي، ظل كليهما يبكي بين ذراعي الأخر و هي تتشبث به مثل الطفل الذي يتشبث بوالده و هو يترجاه أن يبقى معه في أول أيام عامه الدراسي خشيةً من أن يتركه في ذلك العالم بمفرده.

_________________________


وصلت «هدير» و الشقة أولًا و بقى زوجها بالأسفل يقوم بشراء بعض الأشياء للشقة و قد كانت اخته بها بعدما دلفت بالمفتاح الخاص بها، ألقت عليها «هدير» التحية بهدوء ثم عرضت عليها برتابةٍ:

"معايا حلويات من اسكندرية جاية لينا مخصوص، احط لحضرتك منها؟!"


ابتسمت لها بسخريةٍ و هي تقول:

"أنا جاية من اسكندرية لو معندكيش علم يعني، أكيد زهقت من الحاجات دي"


ردت عليها الأخرى بثباتٍ:

"بس مجيتك عن مجية اللي جايب الحاجات دي تفرق، أصلها أقدام و هو عريس و قدمه خير، دوقي كدا علشان تدوقي الخير"


ردت عليها بثباتٍ و بحديثٍ مبطن:

"فيه ناس كدا بتكون في مكان ميدخلوش خير، بيكونوا شر و بس، يضحكوا على الناس و يستغلوهم، بس مش هيطولوا"


رفعت لها «هدير» حاجبها ثم حركت كتفيها بلامبالاةٍ و تحركت من أمامها و هي تدندن بمرحٍ أثار حنق الأخرى:

"اقروا الفاتحة لابو العباس....يا اسكندريه يا اجدع ناس....اقروا الفاتحة لابو العباس....يا اسكندرية يا أجدع ناس..."


دلفت للغرفة و هي تدندن بتلك الكلمات و في يدها علبة الحلوى، بينما الأخرى توعدت لها من شدة غيظها منها و من تصرفاتها و بعد مرور دقائق بسيطة، دلف «حسن» الشقة و في يده الحقائب البلاستيكية، انتبهت لتوها أن كليهما يرتدي ثيابه مثل الأخر حيث ارتدت «هدير» جاكيت باللون الاسود ذات التصميم الحديث المنتفخ يصل لبداية خصرها و اسفله بنطالًا من خامة الجينز الفضفاض، حيث اتسمت «هدير» بحبها للموضة الحديثة و خاصة في الملابس الشتوية، و ها قد ارتدى «حسن» نفس الجاكيت و أسفلة تيشيرت باللون الأبيض و بنطال جينز غالبًا نفس درجة بنطالها، ابتسمت بسخريةٍ و هي تراه يقترب منها حتى جلس بجوارها و هو يبحث عنها بعينيه، فردت عليه هي دون أن يتحدث هو:


"الهانم اللي شاغلة بالك و غيرتك دخلت، خلاص حسن التاني مبقاش موجود؟! رجعت مراهق"


رد عليها بتعجبٍ من حديثها:

"مراهق !! هو كل واحد بيحب مراته يبقى مراهق يا حنان؟! و بعدين غيرتني إزاي انا مش فاهم"


أشارت نحوه برأسها و هي تقول بجمودٍ:

"بص لنفسك، طقم العيال اللي أنتَ لابسه دا، طول عمرك كنت بتلبس بدل و لبس محترم يليق بسنك، دلوقتي لابس طقم كريم ابني ممكن يلبسه عادي، دا غير إنها و عيلتها مسيطرين عليك، خلوك تقضي اليوم كله معاهم"


رد عليها هو بنفاذ صبرٍ:

"ماله لبسي ؟! دا جاكيت شبابي و كل الناس بتلبسه، و بعدين أنا كلمتك علشان اجي أخدك و قولتيلي إنك قاعدة مع صحابك، فضلت هناك طيب أعمل إيه؟!"


ردت عليه هي باصرارٍ:

"تفوق لنفسك شوية، تشوف أنتَ عملت فيها إيه و دبست نفسك في مين ؟! عاوزاك تفكر في فلوسك اللي ضيعتها كدا و تفكر في حقك اللي أنتَ متنازل عنه، روح قولهم كدا أنا عاوز فلوسي و أنتَ هتشوف رد فعلهم الحقيقي، و انهم هيساوموك ببنتهم على الفلوس دي"


تنفس هو بعمقٍ ثم تحدث بنبرةٍ هادئة حتى لا يصل الحديث لزوجته في الداخل:

"حنان !! ابوس راسك طلعي نفسك من الحوارات دي، و يا ستي حتى لو كدا أنا راضي، هما أستأمنوني على لحمهم و أنا فلوسي ليهم، الفلوس مش هتيجي أعز من بنت الناس"


ابتسمت له بسخريةٍ فتحرك هو من أمامها نحو الداخل، بينما تحدثت هي بتهكمٍ:

"مش دا لما تكون بنت ناس؟!"

__________________________


في صباح اليوم التالي و تحديدًا في شركة أحفاد الرشيد، حيث كان اليوم الأول في العمل بعد عودة كلًا من «طارق» و «وليد» و بعد وصولهم جميعًا أمرهم «حسن» بالاجتماع في غرفته.


بالفعل بعد مرور دقائق اجتمع الخمسة شباب معًا، فتحدث «أحمد» بقلقٍ:

"أنا جو الاجتماعات دا على الصبح بيخنقني، و بيوترني، قول اللي عندك يا حسن"


تدخل «وليد» يقول ساخرًا:

"هو دا اجتماع طارئ ؟! طب ما كنا قعدنا في أوضة طارق؟!"


رد عليه «وئام» بتقززٍ:

"يع !! سخيفة و رخمة زيك"


رد عليه ببرود:

"طب ما أنا عارف، أنا قاصد استفزه علشان ينطق بدل ماهو قاعد يصورنا كدا، انطق يا حسن، أنا خلقي ضيق"


تحدث «طارق» بهدوء:

"يعني باعتلنا رسالة من كام كلمة و دلوقتي مش عاوز تنطق و عمال تصور فينا ؟! مطفحينك سد الحنك على الصبح؟"


تنفس «حسن» بحدة ثم مد ورقة لهم و هو يقول بهدوء:

"عاوزكم تمضوا على العقد دا، و ياريت دلوقتي، طارق و وئام يمضوا عليه"


نظروا لبعضهم البعض فتحدث «وئام» بحيرةٍ:

"ورقة إيه دي؟! و نمضي عليها ليه؟! طول عمرنا بنمضي مكان بعض في الشغل"


تحدث هو بثباتٍ واهٍ:

"بس دا مش ورق للشغل، دا ورق حاجة تانية"


سأله «طارق» بضجرٍ:

"انطق يا حسن دا ورق إيه على الصبح؟! مش كفاية الواحد سايب مراته و شهر العسل و جاي يشوف الاشكال دي على الصبح؟!"


تنحنح «حسن» يجلي حنجرته ثم أردف بنفس الثبات الزائف:

"دا عقد فض شراكة للشغل اللي ما بينا، محتاج توقيعكم عليه"

الفصل التاسع والخمسون من هنا


تعليقات



×