رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والخمسون 57 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والخمسون بقلم شمس بكري 


تملك عينين أشبه بأعين الريم...

يصبح المرء بنظرةٍ منهما أمنًا و من جروحه سليم

_________________________


لِما كُتبَ عليَّ حالة الحرب و أنا أبحث عن السلام؟! و لما فُرضَ عليَّ الصمت و أنا أملك الكلام؟! هل هذه هي دنيتي ؟! تجبرني على الوجع و على معايشة الآلام؟ أم أنني منحوسًا من الأصل و بِتُ ضحية الأوهام؟!


مثلها كمثل قُنبلةٍ موقوتة انفجرت في الصباح لتؤرق نوم مدينةً بالكامل، هكذا كان حديث «هدير» لشقيقة زوجها التي وقفت تطالعها بثباتٍ حتى ابتسمت بسخريةٍ و هي تقول:


"و الله ؟! طب روحي يا سكر اندهي حسن، قوليله المدام حنان أختك جت"


قالت حديثها بتعالٍ دون أن تلاحظ ذلك الواقف في الخلف و هو يفكر في الآتي، و قبل أن تتحدث «هدير» بكلمةٍ واحدة أعلن العصيان على جسده و تقدم منهما بثباتٍ و هو يقول بصوتٍ رخيمٍ:


"نورتي بيت أخوكي يا حنان، وحشتيني"

اقترب منها يحتضنها بحرارةٍ ظنًا منه أنها ستبادله العناق بنفس اللهفة، لكنها ضربت بمخيلته عرض الحائط حينما وجد عناقها جافًا يخلو من أي شوقٍ أو حنينٍ، فقط رفعت ذراعيها تربت على ظهره و هي تقول بصوتٍ جافٍ من الاشتياق:

"ازيك يا حسن؟ طمني عليك يا حبيبي عامل إيه؟! كويس ؟"


ابتعد عنها يحرك رأسه موافقًا بعدما أجبر شفتيه على الابتسام، بينما هي وزعت نظراتها بينه و بين «هدير» التي وقفت بثباتٍ تُحسد عليه ، و كأنها بذلك تبدأ صد المناواشات النظرية المنبثقة من الأخرى، فحمحم هو بقوةٍ يُجلي حنجرته ثم تحدث بصوتٍ أجش:

"هنفضل واقفين كدا كتير ؟! اتفضلي ادخلي، يلا يا هدير اقفلي الباب"


حركت رأسها موافقةً ثم اقتربت من الباب تغلقه و الأخرى ترمقها بنظراتٍ لو كانت تقتل، لوقعت «هدير» ميتةً نتيجة تلك النظرات، لكنها آثرت التجاهل ثم اقتربت منها تقول مُرحبةً بها بخبثٍ:


"نورتي بيتنا يا طنط، حقيقي كان نفسي اتعرف عليكي من بدري، على ما أظن أني محظوظة انني شوفتك"


ابتسمت لها الأخرى و هي تقول بتصنعٍ:

"البيت منور بأهله و باخويا يا آنسة ؟! إسمك إيه؟!"


ابتسمت لها بقلة صبرٍ و هي تقول متكئةً على حروفها لترسل لها رسالةً مبطنة:

"مــدام....أنا المدام هدير الرشيد، مرات حسن المهدي"


اقترب «حسن» يقف مقابلًا لهما و هو يقول:

"اقعدوا يا جماعة مش هينفع نتكلم على الواقف كدا، تعالوا علشان نعرف نتكلم"


سار الثلاثة نحو الأريكة الخالية، فجلست عليها شقيقته و هي تقول بنبرةٍ جامدة:

"اديني قعدت أهو يا أستاذ حسن، اتفضل سمعني بقى،ازاي 

دا حصل، و مين الاستاذة؟"


رفعت «هدير» حاجبها لها ترمقها بحنقٍ، فوجدت الأخرىٰ تقول بتهكمٍ:

"ها ؟! اتكلم... اتجوزت من غير ما أختك تعرف ؟! خلاص نسوك أختك يا حسن؟"


جلس هو مقابلًا لها مُسرعًا و هو يقول محاولًا ايقافها:

"حنان لو سمحتي ياريت تهدي و تبطلي طريقتك دي، اسمعي الأول و بعدين احكمي"


تحدثت بنفس السخرية و التهكم:

"يا راجل ؟! صح أنا ظالمة أوي، أخويا اتجوز و أنا معرفش و أخر من يعلم، و مش بس كدا، دا حتى مكلفش خاطره يعرفني بعدها، فعلًا لازم أصبر"


تنهد هو بعمقٍ ثم تحدث أخيرًا مردفًا بثباتٍ واهنٍ و الغضب يتأجج بداخله:

"يا حنان كل حاجة بتحصل ليها أسبابها، و الجوازة دي ليها أسبابها، أكيد كنت عاوز أعرفك كل حاجة"


حركت رأسها باستنكارٍ و رافق حركتها تلك سُخريةً حلت محلها على وجهها، بينما «هدير» ابتلعت غصة مريرة في حلقها خوفًا من حديثه القادم، و في تلك اللحظة تمنت لو أصيبت بالصم حتى لا تستمع لحديثه و الذي نتيجته ستكون بالسلب عليها و على كبريائها، حتى وجدته يضيف مُفسرًا:


"سبب الجوازة دي أني حبيت هدير، و أني فضلت افكر فيها و مش عارف أطلعها من دماغي، بس كنت خايف أخد خطوة زي دي و أطلبها بحكم أني متربي معاهم في البيت، بس لحد ما ابن عمها اتقدم ليها مقدرتش أمسك نفسي، مش معقول اللي أحبها ييجي واحد ياخدها من قدامي علشان أنا خوفت، و روحت بالمأذون و كتبت الكتاب، و علشان ظروف عائلية و وفاة والدتها أنا سرعت أني أجيبها معايا هنا علشان متتعبش لوحدها، على الأقل تبقى معايا و قصاد عيوني"


هل ركضت تقبله الآن و تظل بيت ذراعيه سيحدث شيء؟! بالطبع لا، لكن مهلًا تلك التي تجلس أمامه يبدو أنها ستخرج ما بجبعتها و تعكر صفوهظا الآن، هكذا كانت تفكر «هدير» بعد حديثه و بعد الراحة التي تخللت الثقوب التي سببها لها خوفها ، حتى وجدت سقيقته تقول بنفس الطريقة التي تتحدث بها منذ أن خطت بقدميها هنا:


"هو الفيلم الهندي دا أنا هصدقه ؟! حبيت مين يا حسن؟! من إمتى و أنتَ بتقتنع بالحب و الحاجات دي، طول عمرك شخص عملي و تفكيرك موزون، و بعدين هما ما صدقوا بقى و وافقوا؟!"


نظر لها مشدوهًا بغير تصديق و هو يفكر كيف لها أن تكون بكل ذلك الجفاء؟! بينما «هدير» تخلت عن صبرها و جلست بجواره و هي تقول بثقتها المعهودة:

"مش كل الناس معندهاش مشاعر يا طنط، حبني و أنا حبيته، و إن شاء الله ربنا يكرم و يخليكي عمتو قريب"


حركت عينيها ترمقها بنظراتٍ ثاقبة ثم اعادت بصرها نحو أخيها من جديد و هي تقول:

"حسن أنا عاوزة اتكلم معاك كلمتين لوحدنا، على انفراد"


رد عليها بنبرةٍ جامدة:

"مفيش حد غريب يا حنان، هدير مراتي و مفيش بينا أسرار، اتكلمي قصادها عادي"


طالعته «هدير» بتأثرٍ من خلال سهام عينيها، بينما الأخرى تحدثت باصرارٍ على طلبها و هدفها:

"و أنا عاوزة اتكلم مع أخويا !! معلش خليها عليك و تعالى نتكلم سوا"


قبل أن يرد عليها تحدثت «هدير» بصوتٍ مختنقٍ:

"مفيش مشاكل يا حسن، أنا هقوم علشان أحضر الغدا، اتكلموا سوا انتم عن اذنكم"


حرك رأسه موافقًا على مضضٍ مُجبرًا على الانصياع لأوامر الأخرى حتى لا تحتد الأمور لأكثر من ذلك، فتحركت «هدير» من مستقر جلوسهم نحو الداخل، و قد اقتربت الأخرى تجلس بجواره و هي تقول بنبرةٍ أهدأ من قبل:

"حسن ؟! كلامك دا كله أنا مش مقتنعة بيه، إيه السبب اللي يخليك تتجوز بالطريقة دي؟! أكيد كان فيه كارثة"


حسم أمره و هو يتحدث مُقررًا بنبرة صوتٍ جامدة:

"حنان !! كارثة إيه اللي بتقولي عليها؟! كارثة علشان حبيت؟! بقولك خوفت تضيع مني و خوفت أخسر بسبب سكوتي، كنتي عاوزاني استني لحد ما ألاقي واحد تاني بياخدها و أرجع أنا خسران ؟"


ابتسمت له بسخريةٍ و هي تقول:

"مش بقولك إنك طول عمرك أهبل ؟! عيلة الرشيد عرفوا يضحكوا عليك صح، لقوا مفيش فايدة منك و مش عارفين ياخدوا منك حاجة، قالوا يدوك بنتهم، مش معقولة هيبدوك على ابن عمها، و لا هو طارق حبها فجأة كدا؟!"


رد عليها هو بنبرةٍ اقرب للانفعال:

"طالما متعرفيش حاجة يبقى متكلميش أحسن، و مش طارق هو اللي كان متقدملها، دا كان راشد ابن عمهم اللي في السويس، و آه فضلوني عليه، علشان أنا تربيتهم"


ردت عليه هي بإيجازٍ و كأنها لم تسمع حديثه:

"المهم يا حسن، بكرة فيه ناس هنروح نقابلهم علشان تتقدم للعروسة اللي أنا جيبتهالك"


كسا التيه ملامح وجهه بعد حديثها، و لم يقوى على التحدث ، فوجدها تقول بنبرة صوتٍ حادة:

"أنا اديت ميعاد للناس و هما عارفين إنك هتشوفهم بكرة يا حسن، مش معقول هقولها خلاص"


تحدث هو أخيرًا بجمودٍ بعدما هب منتفضًا:

"حنان !! بقولك أنا متجوز و بحب مراتي، عاوزاني أروح اقابل عروسة و اتعرف عليها؟! أنتِ بتفكري ازاي؟!"


ردت عليه مُقررةً:

"بفكر زي أي حد طبيعي، جوازتك دي أكيد فيها حاجة غلط، و أنا مش هقبل إنهم يستغلوك، و الناس هتيجي بكرة و هننزل علشان نشوفهم"


قبل أن يرد عليها خرجت «هدير» من الداخل و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:

"حسن !! بابا بيأكد علينا بكرة الجمعة عزومة الشباب في العيلة، و مستنينا بكرة"


حرك رأسه ينظر لها بقلة حيلة فتحدثت «حنان» بنبرةٍ جامدة:

"حسن بكرة مش فاضي، رايح يتقدم لعروسة، روحي أنتِ"


اقتربت منها «هدير» تقول بجمودٍ و ثباتٍ:

"هيروح يشوف عروسة و عروسته موجودة ؟! طب دا احنا لسه راجعين من شهر العسل مكملناش ساعة، و لا إيه يا حسن؟! ما تحكيلها على الساحل الشمالي و الاسبوع اللي قضيناه سوا هناك"


ظهر شبح ابتسامة على ثغره من طريقتها أمام شقيقته، فتحدث هو محاولًا تهدئة الأوضاع:

"حنان كلميهم و قوليلهم أني مسافر و إنك مكنتيش تعرفي، أنا الحمد لله متجوز و فاتح بيت و مبسوط مع مراتي"


ابتسمت بسخريةٍ فاقتربت «هدير» تمسك ذراعه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"أنا اللي مبسوطة معاك أوي يا حسن، أحسن راجل في الدنيا كلها"

حرك رأسه مُحاولًا كتم ضحكته، فوجدها هي تغمز له، ثم حركت رأسها و هي تقول لتلك الواقفة أمامها:

"نورتي البيت يا طنط حنان، قوليلي بقى بتحبي إيه اعملهولك على الغدا ؟؟ دي أول مرة تاكلي من إيـــد مـــرات أخــوكي"


اتكأت على حروفها أثناء الحديث بمرحٍ زائفٍ جعل الأخرى تفكر في كيفية التعامل مع تلك التي تقف أمامها بثباتٍ و تحدٍ و «حسن» بينهما مثل الغريق المضطر للمحاربة بأنفاسٍ مقطوعة

_________________________


انهى «ياسين» عمله و قبل أن يخرج من مكتبه وجد أحد المُدراء الخاصين برئاسته في العمل يبعث بها مرسولًا يطلب منه بوقارٍ:

"أستاذ ياسين ؟! حاتم باشا منتظر حضرتك في مكتبه، بيقول لحضرتك قبل ما تتحرك ياريت تعدي عليه في مكتبه"


عقد ما بين حاجبيه بتعجبٍ ثم حرك رأسه موافقًا و هو يقول:

"تمام يا كرم، اتفضل أنتَ، أنا هتحرك أهو"


هز الرجل رأسه موافقًا ثم خرج من المكتب، بينما «ياسين» أنتاب القلق قلبه، و بلغ التوتر مبلغه، خاصةً أن ذلك المُدعى «حاتم» يتعامل بفظاظةٍ مع الموظفين، قرر هو التحلي بالثبات و أجمع أشيائه الخاصة في حقيبة ظهره، ثم توجه نحو باب الغرفة يعبر منه حتى يتوجه غرفة مديره، طرق هو الباب طرقاتٍ رتيبةٍ على الباب الزجاجي و خاصةً أن السكرتيرة سبق و انتهى دوامها.


سمح له مديره من الداخل بالدلوف بإيجازٍ و بوقاره المعتاد مع الموظفين، ولج «ياسين» المكتب ثم وقف يضع كفيه على بعضهما و هو يقول بتهذبٍ:

"مساء الخير يا فندم ؟! وصلني إن حضرتك عاوزني، اؤمرني"


رفع عينيه من أسفل نظارته الطبية يطالعه بثباتٍ بعدما كان يتفحص بعض الاوراق الهامة الخاصة بالعمل و هو يقول بنفس الايجاز:

"اتفضل اقعد يا بشمهندس ياسين، اتفضل"


حرك «ياسين» رأسه موافقًا ثم اقترب من المقعد الملتصق بالمكتب الخشبي، و هو يقول بنبرةٍ هادئة و قورةٍ:

"تحت أمرك يا فندم، خير إن شاء الله"


خلع الأخر نظاراته الطبية ثم ضم ذراعيها فوق بعضهما و وضعها في المجرىٰ المخصصة لها و هو يقول بعدما حمحم بخشونةٍ:

"طبعًا حضرتك من أكفأ المهندسين اللي في الشركة يا أستاذ ياسين، و رغم إن سنك صغير إلا إنك كل مجهودك واضح في الشركة و في الشغل المبذول من ساعة ما وصلت الشركة هنا"


ابتسم له بهدوء و هو يقول ممتنًا له:

"دي شهادة فخر و اعتزاز يا فندم، و شرف ليا إن قامة كبيرة في مجال الهندسة و المعمار تشهد بشغلي، بس اعذرني....ممكن أعرف سبب كلام حضرتك؟!"


حرك رأسه موافقًا و هو يتابع بنفس الطريقة السابقة:

"طبعًا....حضرتك عارف إن فيه مشروع في أراضي البدو تبع الشركة هنا، و حضرتك كنت من المصممين الأساسين للمشروع دا"


أومأ له «ياسين» موافقًا بتشتتٍ و تيهٍ، فتابع الأخر بثباتٍ:

"حضرتك هتستلم إدارة المشروع دا و تشرف عليه عمليًا، و هتروح تتابع من أرض الواقع و تشرف على العمل هناك"


اتسعتا حدقتيه بقوةٍ و كأن دلوًا من الماء البارد سُكِب عليه، فوجد الرجل يتابع من جديد:

"طبعًا مش نلاقي أكفأ من حضرتك علشان يشرف على مشروع زي دا، دي فرصة عظيمة ليك و لأي شاب في سنك"


رد عليه «ياسين» بنبرةٍ مهتزة من وقع الصدمة عليه:

"دا شرف ليا يا فندم طبعًا، بس فيه ناس كتير هنا أكفأ مني و يستاهلوا إنهم ياخدوا الفرصة دي، سواء في السن أو في الكفاءة"


رد عليه الأخر بثباتٍ يرفض تراجعه عن الموافقة:

"بس الأدارة كلها هنا شايفة إن حضرتك من أكفأ الناس اللي يستحقوا الفرصة دي، و أظن إن ظروفك مناسبة"


رد عليه مُسرعًا محاولًا اقناعه بالتفكير مرةً أخرى:

"يا فندم حضرتك عارف أني متجوز لسه من شهور، و لسه مستقريتش الاستقرار التام، يدوبك ببني في حياتي، فيه زمايلي كتير يستحقوا الفرص دي، ايمن مثلًا، أكبر مني سنًا و في الشغل هنا من قبلي، أنا آسف يا فندم بس مش هقدر"


رد عليه الأخر بنبرةٍ جامدة:

"ياسين !! أنا مش بعزمك على رحلة ؟! دا شغل و مسئولية عليك، أظن إن حاجة زي دي مفيهاش مجاملات ؟! مستني ردك على الشغل"


حاول جاهدًا أن يتصف بالصبر و هو يقول بتريثٍ:

"طب يا فندم الفترة هناك هتكون قد إيه؟! أظن مشروع زي دا محتاج وقت و مجهود كبير، مش مجرد أيام و خلاص؟"


رد عليه بايجازٍ:

"هتبقى أسابيع إن شاء الله، أنا هبتعلك إيميل فيه كل التفاصيل"


حرك رأسه موافقًا بطريقةٍ مُهذبة ثم وقف و هو يطالعه بقلة حيلة، و قبل أن يهم بالخطى التفت نصف التفاتة نحو الجالس على مكتبه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"معلش يا حاتم بيه عندي كام استفسار مهمين، هو فجأة كدا المشروع بقى محتاجني؟! على ما أظن إن البشمهندس رأفت هناك و شغله ماشي مظبوط"


رد عليه بثباتٍ:

"رأفت مراته هتولد خلاص و هو طالب أجازة، و لازم الكفاءة البديلة تكون في نفس المستوى، و الادارة شايفة انكم مستوى واحد في الكفاءة"


حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم أضاف مُستفسرًا:

"طب سؤال تاني معلش، لو زي ما حضرتك بتقول كدا، لو أنا موافقتش على المشروع دا ؟؟ إيه اللي المفروض يحصل"


رد عليه بنبرةٍ ذات مغذى يرسل له رسالةً مبطنة القصد:

"على ما أظن إن حضرتك مهندس كُفء و على درجة عالية من الالتزام المهني و ملفك يشهد بكدا، بلاش يكون فيه نقطة سخيفة تضيع مجهودك"


حرك رأسه موافقًا و قد توصل لـ مفدىٰ الرسالة و بالطبع ستعود النتائج عليه بالسلب في عمله و سمعته المهنية التي حارب للحفاظ عليها، ابتسم له باقتضابٍ ثم خرج من المكتب بخطواتٍ واسعة و رأسه أوشك على الانفجار من كثرة الضغط عليه من تفكيره المُشتت.


خرج «ياسين» من مكتبه فأخرج «حاتم» هاتفه يطلب رقمًا مُحدد، وضع الهاتف على أذنه و هو ينتظر الرد من الأخر و قد وصله أخيرًا الرد مُتلهفًا بقوله:

"ها يا حاتم ؟؟ وافق و لا لأ؟"


  رد عليه الأخر بضجرٍ:

"أنا قولتله يا هشام، و على ما أظن هو هيوافق، ياسين عاقل و بيحب شغله"


رد عليه الأخر بتشفٍ:

"خلينا نستفاد منه، الشغل هناك واقف و رأفت شخصيته ضعيفة، ياسين دا هو اللي هينفع مع الناس اللي هناك"


تحدث الآخر مُحذرًا له بنبرةٍ جامدة و تحدٍ:

"هشام !! ياسين ابن رياض الوحيد، و رياض طول عمره صاحب فضل على الشركة كلها، متنساش إنه المحامي الوحيد اللي كمل في قضية ممتاز و رفض ياخد أي فلوس، ياسين ميتأذيش يا هشام"


رد عليه الأخر بنفاذ صبرٍ:

"هو أنا قتال قُتلة يا حاتم ؟! العرب هناك عاملين مشاكل و موقفين المشروع، ياسين دا يروح يتصرف معاهم و شكله ما شاء الله... حكيم، ربنا يستر بس و ميتغاشمش مع الناس هناك"


أغلق الأخر الهاتف بقلة حيلة و نفاذ صبرٍ من الأخر، فهو يعلم أن تلك الأشياء الصغيرة لن تصل لكبار العمل، و المسئول الوحيد عنها هو «هشام».

_________________________


خرج «ياسين» من مقر عمله ثم تقابل مع «ياسر» و ركب معه السيارة حتى يعودا سويًا نحو وجهتهما، و قد لاحظ «ياسر» شروده و تهجم وجهه، فسأله بتعجبٍ من حالته:

"مالك ياض ؟! فيه حاجة مزعلاك و لا إيه ؟! متخانق مع مراتك؟!"


انتبه له و حرك رأسه نفيًا ثم أخرج زفيرًا قويًا لعله يخرج ما يعتل به صدره، فسأله أخيه من جديد:

"يا بني مالك؟! فيه عين جاموسة رشقت فيك طيب؟! ما كنا كويسين الصبح ؟!"


رد عليه «ياسين» بايجازٍ بنبرةٍ تحمل ثقل العالم في حروفها:

"الدنيا في عشر دقايق اتكركبت فوق دماغي يا ياسر، عاوزني أسافر أشرف على المشروع اللي بيتعمل عند البدو، يا كدا يا بالعربي اقعد في بيتكم يا ياسين"


رد عليه «ياسر» بلهجةٍ حادة:

"إزاي دا ؟؟ مش الشركة مقسمة فرق ؟! يعني جزء بيباشر من أرض الواقع و جزء من المكتب و جزء تصميمات ؟! حصل إيه بقى"


زفر بقوةٍ ثم تحدث بنبرةٍ أقرب للانفعال من كثرة الضغط:

"ماهو أنا مش فاهم !! فجأة كدا بقيت مهندس كُفء و مطالب مني أشرف على مشروع كبير زي دا و أسافر لفترة توصل لشهور ؟!"


تحدث «ياسر» يسأله بدهشةٍ ممتزجة بالحنق:

"إيه ؟! شهور !! ليه يا ياسين ؟! طب رياض فين يكلم ممتاز علشان يتدخل ؟!"


رد عليه بقلة حيلة:

"هروح أقول لأبويا كلم صاحبك علشان مشتغلش ؟! دا كلام يا ياسر؟! أنا مش عيل صغير"


رد عليه الأخر مُسرعًا:

"مش قصدي كدا، كل اللي اقصده مثلًا إنه يروح يسأله هل فعلًا مفيش غيرك؟! طب باقي المهندسين فين؟!"


تنفس بعمقٍ ثم تشدق بنذقٍ:

"مفيش غيري في نفس كفاءة رأفت، تقريبًا نفس الدماغ و التصميمات و نفس الشغل، بس هو طول عمره بيحب النزول لأرض الواقع، إنما أنا شغلي كله من المكتب"


ربت على كتفه و هو يقول مؤازرًا له في مشكلته تلك:

"ربنا يفرجها و إن شاء الله يفكروا و يلاقوا حد أشطر منك"


حرك رأسه نفيًا ثم تحدث بكلماتٍ يائسة نتيجة تلك المقابلة:

"ماظنش يا ياسر، غالبًا كدا القرار رسمي من غير رجعة فيه، ربنا يستر بقى في اللي جاي"


تنفس «ياسر» بعمقٍ ثم تحدث أخيرًا بثباتٍ:

"طب اطلع بينا على ميمي، خالد و عامر سبقونا على هناك، و لا هتروح؟!"


رد عليه مُسرعًا:

"لأ طبعًا هنروح نشوفها، خلونا اشبع منكم قبل ما أسافر، دي ممكن تتعب لو عرفت"

_________________________


في محافظة الأسكندرية و خصيصًا في شوارعها المزدحمة و المتكدسة بمختلف الأجناس و الأنواع، كانوا يسيرون على أقدامهم هم الأربعة بداخل أحد الأسواق الشهيرة بتلك المحافظة حتى يبتاعون عدة أشياء قبل رحيلهم، وقف «وليد» يشتري الحلويات الخاصة بتلك المحافظة و تعد الحلوى الرسمية بها، أخذ العلب الكرتونية و التي كانت مرتصة فوق بعضها في صفًا طويلًا حتى سأله «طارق» بسخريةٍ:


"جرى إيه يا وليد ؟! ناوي تفتح فرع في القاهرة ولا إيه؟! كل دي هريسة"


ابتسم له و هو يقول مُفسرًا بصوته الرخيم:

"علشان الحبايب يا طارق، خديجة بتحبها و جيبت للشباب معايا كلهم، و عم طه وصاني أجيبله منها، كتبت في ورقة علشان منساش حد"


ردت عليه «جميلة» بتأثرٍ:

"دايمًا حنيتك بتكسب و تأثر فيا، بصراحة أكتر ميزة بتخليني اتغاضى عن طريقتك"


رفع أحد حاجبيه و هو يقول بحنقٍ منها موجهًا حديثه لزوجها:

"شوف مين فينا بقى اللي بينكش التاني؟! عاملة زي أمك لازم ترمي كلمة تحرق دمي"


ردت عليه هي بضجرٍ منه:

"يا بني ملكش دعوة بأمي، ياربي منك ؟! و بعدين عامل حسابها معاك ليه و كاتب اسمها ليه ؟!"


رد عليه بسخريةٍ و هو يقلد طريقتها في الحديث:

"أنا و عمتي أحرار !! و بعدين وريني هتجيبي ليهم إيه بقى"


ابتسمت له بثقةٍ و هي تقول:

"كل واحد فيهم طلب حاجة جيبتها، جيبت لخلود الأكسسوارات اللي قالتلي عليها و جيبت لسلمى الحاجات اللي قالتلي عليها و طارق جابلهم الحاجات اللي قالوا عليها"


تدخلت «عبلة» تقول بسخريةٍ:

"بيت الرشيد محسسني إننا راجعين من العُمرة، ناقص يوصونا على سجاجيد صلاة و سِبح"


ضحكوا عليها الثلاثة بينما «وليد» اقترب من السيارة يضع بها الحلويات ثم اقترب من أحد المحلات التجارية الخاصة ببيع "أم الخلول" ليجلب منها لصغيرته "خلود" و بعدها عاد لهم من جديد، فحدثته «عبلة» تذكره:

" أوعى تكون نسيت أم الخلول علشان خلود ؟! دي ممكن تولع فينا، و أنا مش ناقصة"


رفع الحقيبة في يده و هو يقول:

"متخافيش....مقدرش أنسى، دي موصياني من قبل الفرح"


حركت رأسها موافقةً فوجدته يترك الحقيبة في يد زوجته ثم تحرك من أمامهم جيمعًا راكضًا للناحية الأخرى، وقفوا يطالعونه بدهشةٍ بعدما تحرك هو للجهة الأخرى يعبر الطريق راكضًا، حتى اختفى أثره من أمامهم و بعد دقائق ظهر من جديد و هو يعبر الطريق، و في يده علب بلاستيكية شفافة و الضحكة المرحة تشق وجهه و هو يرفع يديه يحرك ما يمسكه بمرحٍ و هو يقول:


"دايخ عليها من ساعة ما جينا، فريسكا باللوتس و البندق، عبلة بتحبها، أوي"


ابتسمت بفرحةٍ كُبرى و هي تطالعه بغير تصديق، فقدمها هو لهم جميعًا و هو يبتسم لهم، ثم وقف بجوارها و هو يقول هامسًا في أذنها بهدوء:

"ماهو مينفعش أكون بفتكر في الكل و أنتِ لأ، لو ماكنتش لقيتها كنت هتصرف و أجيبهالك، كليها يلا"


رفعت رأسها نحو أذنه تلك المرة و هي تقول هامسةً له:

"هو أنا قولتلك أني بحبك؟؟"


ابتسم و هو يحرك رأسه موافقًا فوجدها تقول بقلة حيلة:

"طب ليه حاسة أني عاوزة اقولها لك تاني؟! او يمكن حاسة إنها مش كفاية عليك"


_"بـس أنـتِ و عيونِك كِـفاية"


خرجت منه بايجازٍ و هيامٍ و هو يطالع عمق عينيها و كأنه مغلوبًا على أمره بنظرةٍ واحدة منهما.


قامت «جميلة» بتذوق الحلويات التي أعطاها لها «وليد» حتى اصابتها حالة من الانتشاء بذلك المذاق، فتحدثت بنبرةٍ هائمة:


"حلوة أوي و خفيفة كدا، أول مرة ادوق حاجة زي دي، مصر طلع فيها حاجات حلوة أوي"


ابتسم لها «طارق» و هو يقول:

"بس مش أحلى منك يا جميلة، حتى لو كل حاجة فيها حلوة، هيفضل أحلى ما فيها جميلة"


حركت رأسها نحوه و هي تبتسم له فحرك رأسه نحوها و هو يقول بنبرةٍ هامسة:

"تعرفي أني بحبك أوي في الخمار الأخضر؟؟ مش عارف ليه تحديدًا بس بيعمل مصايب في قلبي"


اخفضت رأسها سريعًا تنظر لخمارها ثم رفعتها له من جديد فأضاف هو مفسرًا:

"الفستان الأبيض دا و الخمار الأخضر برتاح لما أبصلك فيهم، زي منظر الزرع و شكل الغروب بالظبط"


تمسكت هي بذراعه و هي تبتسم براحةٍ فوجدته يحرك رأسه نحوها ثم ابتسم و هو ينظر لها بطرف عينه، و هي تكاد تجزم أن السعادة في عينيه جعلتها تشك بأن عينيه تضحك لها كما فعل ثغره.

_________________________


في بيت آلـ «الرشيد» كان العمل على قدمٍ و ساقٍ بمناسبة حضور شباب العائلة في العزومة التي أمر «محمود» باعدادها لهم، حيث قام «أحمد» بجلب ما أرادوه، و قامت نساء العائلة بالتجهيز، حتى تحدثت «زينب» و هي تقوم بتقطيع الطماطم:

"مشيرة ؟! الفراخ اتبلت علشان ندخلها الفُرن؟! و لا أخلي مروة تعملها؟!"


ردت عليه بيأسٍ:

"يا زينب دي المرة العاشرة احلفلك فيها أنا و خلود تبلناها، هو الأكل فراخ و بس؟!"


ردت عليها «زينب» بضجرٍ:

"أنتِ بتتعصبي ليه ؟؟ متخلنيش أطلع تعبي فيكي يا مشيرة"


لوحت لها بكفها و هي تقول بسخريةٍ منها و من حديثها:

"اتنيلي، إلا ما عملتيها و احنا مش طايقين بعض، هتعمليها دلوقتي؟!"


ضحكت «مروة» عليهما، بينما «سهير» تحدثت تشاكسها:

"هو أنتِ يا مشيرة عمر حد عرف يسد قصادك ؟! دا أنتِ مكربجة البيت كله"


رفعت حاجبها له و هي تقول بخبثٍ تهددها:

"سهير ؟! ابنك بقى جوز بنتي لمي نفسك بدل ما اوريكي شغل الحماوات الصح"


تحدثت «مروة» تقول بيأسٍ منها:

"مفيش فايدة، مشيرة هي مشيرة، لسه متغيرتش"


تنهدت «زينب» بقلة حيلة و تحدثت بلمحة حزنٍ استشفتها النساء:

"فاكرين فاطمة ؟! الله يرحمها و يسامحها بقى، اتحرمنا من حاجات كتير بسببها"


دعت كلًا منهن لها بالرحمة و المغفرة بينما «مشيرة» تهجم وجهها عند ذكر اسمها و هي تفكر أن سبب كل ما فرق بينهم جميعًا كانت «فاطمة»، تعمقت في تفكيرها حتى دلف «طه» الطابق الأول و يده العصائر و خلفه «محمد» يحمل حقائب الفاكهة، جلس كليهما بعدما ألقوا على النساء التحية، و خلفهما صعد «مرتضى» يحمل حفيده على يده و هو يغني له بمرحٍ:


"حبيب جدو فارس....و العين عليها حارس......حبيب جدو فروسة....و بكرة هجبله عروسة"


ضحكوا عليه جميعًا فتحدثت «مشيرة» تسأله بتعجبٍ:

"هو أنتَ خدت فارس معاك و انتم بتجيبوا الحاجة؟! بتهزر؟!"


رد عليها «محمد» بحنقٍ من شقيقه:

"لأ يا ختي، دا ندل علشان ميشيلش معانا الحاجات راح خده من وئام أول ما شافهم تحت البيت، طول عمره واطي"


رد عليه «مرتضى» بنفاذ صبرٍ:

"أهو ابنك اتجوز هو كمان، ربنا يكرمه و يجيبلك حفيد علشان تفرح بيه و تحل عني"


تدخل «طه» يقول بسخريةٍ:

"طب هنا و الندالة ظهرت علشان فارس، هناك الندالة ظهرت ليه؟!"


كرر خلفه منفعلًا انفعالٍ زائفٍ:

"ندالة ؟! علشان أكلتكم كبدة شرقاوي بقيت ندل ؟! يا اخي يا رب الناس كلها تبقى في ندالتي"


رد عليه «محمد» بضجرٍ:

"علشان الشطة يا أخويا، أنتَ عارف إن الشطة بتاعتهم غبية، و أنتَ عمال تدلق و كأنك بتغرق حارة، طفحتنا اللقمة"


لوح له بكفه و هو يقول بضجرٍ:

"يعني هو أنتم بطلتوا أكل يعني؟! الأطباق اتمسحت"


تحدثت «مروة» تسأل زوجها بتوعدٍ له:

"هو أنتَ كلت كبدة من غيري يا مرتضى؟! يا نهارك مش فايت ؟!"


صعد «أحمد» في تللك اللحظة يقول بمرحٍ:

"قبل ما تظلميهم، هما جابوا للعيلة كلها معاهم سندوتشات علشان عارفين انكم بتحضروا لبكرة"


تحدثت «سهير» بمرحٍ:

"طب مين اللي شال الليلة دي كلها بقى ؟! و لا كل واحد جايب لعيلته؟"


رد عليها «طه» بهدوء:

"محمود اللي شايل كل حاجة، حتى أكلنا هنا، ربنا يكرمه"


تحدثت «زينب» تسأل عنه باهتمامٍ:

"هو فين صح؟! مش المفروض يطلع معاكم؟!"


رد عليها «أحمد» مُفسرًا:

"تحت بيكلم الشباب مع وئام علشان يأكد عليهم عزومة بكرة، طالعين دلوقتي هما الاتنين و عمو حسان واقف معاهم تحت"


بحث «طه» عنها بعينيه فتحدث بهدوء:

"هي خلود فين يا زينب؟؟ مش كانت معاكم هما و فين سلمى و هدى؟!"


ردت عليه بايجازٍ:

"راحت تجيب ملازم المراجعة يا طه، و زمانها جاية و سلمى نامت و هدى فوق بتحط الفراخ في التلاجة و بتعمل حلويات علشان بكرة"


حرك رأسه موافقًا ثم حرك رأسه نحو شقيقته يسألها بهدوء:

"و أنتِ عاملة إيه يا مشيرة؟! لسه ضغطك مش متظبط؟!


ابتسمت له وهي تقول بتأثرٍ من سؤالها و حديثه الذي غدا نادرًا معها:

"الحمد لله يا طه، باخد العلاج مظبوط، هو بس علشان جميلة سابتني و أنا كنت متأثرة"


حرك رأسه موافقًا ثم ابتسم لها، فتحرك «أحمد» يقول بضجرٍ:

"يلا بقى علشان ناكل، أنا جعان و عمال ألف معاهم من الصبح، طنط سهير أمسكي الشنطة دي خليها لخلود و سلمى، و احنا ناكل سوا و هاتوا هدى تاكل معانا"


تدخلت «مروة» تقول بخبثٍ:

"و اشمعنا طنط سهير ؟! ليه مش طنط مروة و ليه مش عمتو؟! دا أنتَ !!"


ضحكوا عليه جميعًا فتحدث هو بثباتٍ:

"بلاش يا مرمر دا أنتِ حبيبتي، اقفي في صفي و خليكي معايا"


رد عليه «مرتضى» بضجرٍ:

"و حياة أبوك يالا ؟! إيه مرمر دي؟! مش مالي عين أهلك و لا إيه؟! طب محمد ؟! الواد دا ميتجوزش سلمى، أنا عندها ليها عريس حلو"


وضع «أحمد» الحقائب و هو يقول بنبرةٍ أقرب للانفعال:

"طب خلي حد يقرب من بيت الرشيد و يفكر يعملها، هقطع رجله الأتنين، متعصبونيش"


تحدث «طه» بسخريةٍ:

"محدش معصبك يا ابن الأهبل، أنتَ اللي متعصب خلقة"


قبل أن يرد عليه صدح صوت هاتفه برقم «خلود» قطب جبينه و هو يرد عليها فوجدها تقول بغضبٍ و بصوتٍ أقرب للبكاء:

"يا أحمد الملازم خلصت !! ملحقتش أجيبها و بيقولولي استني ليلة الأمتحان، هعيط و مش عارفة أعمل إيه"


سألها هو بنبرةٍ جامدة:

"مجبتيهاش من بدري ليه يا خلود ؟! ما الفلوس معاكي من بدري و بابا سايبهالك ؟!"


ردت عليه بنفس الضيق و الصوت المختنق:

"أعمل إيه طيب ؟! مفيش حد في الدنيا بينزل الملازم كلها مرة واحدة كدا ؟! دول اتقل مادتين عربي و انجليزي !!"


تنفس هو بقلة حيلة ثم تحدث بنفاذ صبرٍ و هو يقول:

"طب اقفلي كدا و أنا هتصرف، خليكي عندك لحد ما أكلمك"


"طيب أديني قاعدة أهوه، ناقص حد يجي يديني حسنة بالمرة"

ردت عليه بحنقٍ و هي تجلس على الدرجات الصغيرة أمام المركز التعليمي، ثم أغلقت الهاتف مع شقيقها، و بعد جلوسها حدثت نفسها بضجرٍ قائلةً:

"كان لازم يعني يسيب السنتر ؟! ما هو لو موجود كان زمانه نفعني"


قالت حديثها ثم رفعت رأسها للسماء و هي تقول ببكاءٍ زائفٍ:

"يا رب !! يعني يوم ما يكون عندي واسطة في حاجة، تمشي ؟! إيه اللي أنا فيه دا ؟؟"


أخفضت رأسها حينما وصلها صوت هاتفها يصدح مرةً أخرى برقم شقيقها، ردت عليه و هي تقول بتهكمٍ ساخرٍ:

"ها أيها المحقق كونان ؟! عرفت تتصرف و لا هتسوحني ؟!"


رد عليها هو بايجازٍ:

"خليكي عندك ١٠ دقايق و الدنيا هتتحل، و ياريت تيجي علطول بعدها، ماشي ؟!"


أغلق في وجهها فتحدثت هي بضجرٍ منه و من طريقته:

"يا بارد !! اقسم بالله الجاكيت ما هو راجعلك تاني، روح ابكي على الأطلال بقى"


أغلقت الهاتف تمامًا و هي تطالع الفراغ أمامها و خاصةً محل الزهور القابع على طرف الطريق، فوقع بصرها على فتاةٍ تقف برفقة شابٍ قد يبدو خطيبها و هو يجلب لها باقة زهور، ابتسمت بسخريةٍ و هي تقول محدثة نفسها مرةً أخرى:


"البت دي هبلة و لا إيه؟! بوكيه ورد مفرحها كدا ؟! قسمًا بالله سندويتشين شاورما و بيبسي برقبة الورد دا"

حدثت نفسها بسخريةٍ و لا زال بصرها مُثبتًا على المحل، حتى مر الوقت و لم تلاحظ ذلك الذي وقف أمامها حتى تحدث بسخريةٍ:


"عاجبك الورد أوي كدا؟!"


_"و لا ليه أي لازمة، الشاورما أحسن مليون مرة منه"


ردت بتلك الطريقة دون حتى تنتبه مع من تتحدث، حتى ضحك هو بشدة رغم محاولاته في كتم تلك الضحكات، فرفعت رأسها نحوه مُسرعةً و هي تقول بذهولٍ من تواجده:


"عمار !! بتعمل ايه هنا؟! صدفة؟"


سألته بنبرةٍ يكسوها الاستنكار فتحدث هو بنبرةٍ هادئة حتى يزيل استنكارها ذلك:

"لأ مش صدفة، بس جيبتلك الملازم، اتفضلي، شوفي كدا هما و لا لأ؟!"


مد يده بالمذكرات و هو يبتسم لها بسمةٍ هادئة، فأخذتها هي منه مسرعةً حتى شهقت بقوةٍ ثم تحدثت بغير تصديق و بنبرةٍ فرحة:

"الله !! ربنا يكرمك و يجبر بخاطرك يا رب، جيبتهم ازاي؟"


رد عليه بتفكيرٍ زائفٍ:

"اعتقد دا سر المهنة !!"


عقدت حاجبيها فوجدته يقول مُفسرًا بوجهٍ بشوشٍ:

"أحمد كلمني و طلب مني لو أعرف رقم حد من المدرسين علشان أجيبلك الملازم منه، افتكرت إن الفرع التاني أكيد هيكون فيه علشان العدد فيه أكبر، كلمت واحد صاحبي و هما جابهم ليا"


اعتدلت واقفةً من مجلسها تقف مقابلةً له، و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"أنا متشكرة جدًا ليك، متعرفش أنا كنت هلف وراهم إزاي علشان اعرف أجيبهم، شكرًا مرة تانية"


أبتسم لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"لا شكر على واجب !! أنا تحت أمركم طبعًا، المهم أنتِ تذاكريهم بسرعة و ياريت بلاش تفتحيهم ليلة الامتحان، معاكي وقت كافي أهوه"


حمحمت هي بتوترٍ زائفٍ و هي تقول:

"هو أنا اتكشفت و لا إيه؟! بس متقلقش هما شكلهم كتار و أكيد لازم أبدأ فيهم، خصوصًا أني عملت جدول زي ما أنتَ قولت لـ سـ...."


توقفت عن الحديث بخجلٍ بعدما ادركت ما كانت تفوهت به، بينما هو ابتسم لها ثم تحدث برزانةٍ:

"ربنا يوفقك و يكرمك إن شاء الله، طالما خدتي نية النجاح و الجد و طلبتي من ربنا التوفيق، يبقى متقلقيش"


حركت رأسها موافقةً ثم أخرجت النقود من حقيبتها الصغيرة و هي تقول بهدوء:

"طب اتفضل، فلوس الملازم"


حرك رأسه نفيًا و هو يقول:

"للأسف مش هقدر أخدهم، خليهم معاكي بقى"


عقدت ما بين حاجبيها و هي تقول مُشجعةً له حتى يأخذ الأموال:

"لأ طبعًا دا حقك، اتفضل لو سمحت علشان مبحبش حد يجاملني"


رد عليها هو مبتسمًا:

"هو ماخدش مني فلوس أصلًا، هو اداهم ليا مُجاملة و دا لإن الملازم المشرفين هما اللي بياخدوا فلوسها، و أنا و هو مع بعض بقى، هكرمه في حاجة تانية"


ردت عليه بحرجٍ منه:

"أنا متأسفة أوي أني حطيتك في وضع زي دا، طب كدا ممكن تعمله خدمة تاني مقابل الملازم؟"


رد عليها مُسرعًا يرفض فكرتها:

"لأ طبعًا مش للدرجة دي يعني، متشغليش بالك أنتِ، إحنا مع بعض و الدنيا بتمشي، المهم ربنا يوفقك"


حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له ثم قالت:

"طب عن اذنك بقى علشان متأخرش أكتر من كدا"


أومأ لها باهدابه موافقًا فخطت هي خطوةً واحدة فاوقفها هو بقوله الهاديء:

"آنسة خلود ؟! لو احتاجتي ملازم تاني، خلي أحمد يكلمني، و أنا هجيبها ليكي، بلاش تنزلي للملازم مخصوص"


حركت رأسها موافقةً ثم تركته بعدما لوحت له بكفها، تابع هو أثرها بعينيه ثم أطلق زفيرًا قويًا، ثم جلس موضع جلوسها يراقب محل الزهور و بعد مرور ثوانٍ قال بسخريةٍ:


"معاها حق، فعلًا الشاورما أحلى"

_________________________


في شقة «ميمي» وصل الشباب و اجتمعوا سويًا عندها، فلاحظت هي ملامح «ياسين» الجامدة و شروده، فسألته هي باهتمامٍ بات واضحًا في نبرتها:

"مالك يا حبيبي ؟! شكلك متضايق كدا ليه ؟! فيه حاجة مزعلاك؟؟"


حرك رأسه موافقًا ثم رمى رأسه على فخذها و هو يقول بنبرةٍ حزينة:

"فيه....أنا مش عاوز أسافر، مش عاوز أسيبكم هنا و أبقى هناك لوحدي، أنا أصلًا عمري ما كنت لوحدي، أنا تعبان أوي يا ميمي"


حركت كفها المجعد على خصلات رأسه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"طب و فيها إيه يا ياسين ؟! دا رزق و ربنا كرمك بيه يا حبيبي، مش يمكن فيه خير ليك و لحياتك؟!"


رفع نفسه و هو يقول بحنقٍ:

"فين الخير و أنا بعيد عنكم ؟؟ ازاي أعيش هناك و أنا عمري ما سيبت حد فيكم ؟! أعيش ازاي من غير عامر طيب ؟!"


رد عليه «عامر» بفخرٍ و اعتزازٍ:

"أصيل يا ابن رياض، طمرت فيك العشرة يا حبيب أخوك"


ضحكوا عليه بيأسٍ، فتحدث «ياسين» بجديةٍ:

"لأ و الله مش بهزر، أنا وسطكم هنا متطمن و عمري ما خوفت، أنا زي السمك، لو خرج من المياه روحه تروح"


تحدث «خالد» بهدوء محاولًا بثه بعض الطمأنينة:

"يا ياسين ربنا يكرمك و يجبر بخاطرك بس إن شاء الله تبقى بداية خير ليك، طالما كلهم شاهدين على كفاءتك"


حرك رأسه ينظر لها فتحدث «ياسر» مُضيفًا:

"بالظبط، دا شغل و احنا كلنا بنحارب علشانه، و بعدين أنتَ شايف الحال، غيرنا مش لاقي الشغل دا أصلًا، قولهم إنك موافق و ابدأ ظبط نفسك"


حرك رأسه موافقًا على مضضٍ فتحدث «عامر» بمرحٍ:

"الواد وليد جاي بكرة، وحشني و الله، حاسس إني عاوز اشوفه دلوقتي"


ردت عليه «ميمي» بسخريةٍ:

"هتشوفه بكرة خلاص يا أخويا، هانت، أظن بعد الفرح اللي أنتَ عملته دا، كلهم هيتعاقدوا معاك على أفراح العيلة الباقية"


حرك حاحبيه لها بثقةٍ و هو يقول:

"إيه رأيك ؟! بذمتك مش كان فرح خيالي؟! عملت زفة نوبي و صعيدي و شبابي، حتى ديزني لاند مسيبتهاش في حالها، قدروني كويس بس"


رد عليه «خالد» بسخريةٍ:

"دا بإمارة القط و الفار بتوع يوم الجمعة ؟! اسكت يا فاضحنا"


لوح له بيده و هو يقول بضجرٍ:

"هعمل أيه يعني؟! لابسه تحت القميص؟! هو اللي قطعلي الزراير، و بعدين أنا جايب الكوليكشن على بعضه، بكل أفلام الكرتون"


تحدث «ياسين» منفعلًا:

"يخربيت أهلك !! هو فيه غير القط و الفار ؟!"


رد عليه بثقةٍ:

"طبعًا، فيه " شلبي سولوفان" و "مارد وشوشني" و فيه "سيمبا" و فيه" ميكي ماوس" و فيه "بسبس بوبي" و فيه"سبونج بوب" و "بسيط" و فيه "سبايدر مان" و "سوبر مان"و "بات مان" و غالبًا فيه "أيرون مان"و اخر حاجة "غامبول"


تحدث «خالد» بمرحٍ ساخرٍ:

"ما شاء الله !! على كدا الترزي مين ؟! كابتن ماجد ؟!"


تدخل «ياسر» يقول بنفس السخرية:


"لأ يالا، أكيد والت ديزني"


انتشرت الضحكات منهم جميعًا حتى تحدث «ياسين» ببكاءٍ زائفٍ:

"عاوزيني أسيب القعدة الحلوة دي و امشي ؟! يرضي مين دا؟!"


نظروا لبعضهم البعض لمدة ثوانٍ و بعدها انفجروا في الضحك و هو معهم بعدما احتضنه «خالد» مُمسدًا على ظهره و كأنه يطمأنه بذلك.

_________________________


في شقة «حسن» كان يحاول جاهدًا بضبط الأجواء حتى لا تحتد بينهما، و خاصة أن «هدير» أثرت الهروب من نظراتها الموجهة نحوها و اندمجت في صنع الطعام و تركت لهما المساحة سويًا، فتحدثت شقيقته تسأله بضجرٍ:


"برضه مش عاوز تقولي سبب الجوازة يا حسن ؟! كلامك مش مقنع"


زفر هو بضجرٍ ثم تحدث بنفاذ صبرٍ:

"حنان !! ابوس راسك كفاية بقى، مش كان همك أني اتجوز و أستقر، أنا استقريت الحمد لله، شاغلة بالك بقى ليه بسبب الجواز ؟!"


ردت عليه هي بنبرةٍ أقرب للانفعال:

"علشان دي بنت عيلة الرشيد يا حسن، عيلة الرشيد اللي عايشين على حسك، نسيت الشركة اللي فتحوها بفلوسك؟! و جواز وئام اللي أنتَ دفعت فيه ؟؟ لسه مش شايف إنهم بيستغلوك؟!"


رد عليها بنبرةٍ جامدة و لهجةٍ حادة:

"حنان لو سمحتي خرجيهم من دماغك، فلوس إيه دي اللي بينا و أنا هبصلها ؟! فلوس الشركة دي أنا اللي اتحايلت عليهم ياخدوها علشان شغلهم يكبر، و فرح وئام دا علشان هو أخويا و طول عمرنا أنا و هو طارق في ضهر بعض، و دلوقتي أختهم بقت مراتي، و مش هسمحلك تيجي عليها"


ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة:

"أهو بص !! من أولها مش طايقلي كلمة، أومال بعد كدا هيحصل إيه ؟! هما لو محترمين كانوا على الأقل خلوك تعبر أختك و تعرفها بجوازك، إنما هما كل همهم إنهم يسيطروا عليك، علشان تفضل ليهم بنك"


شدد على فروة رأسه بنفاذ صبرٍ و قرر إنهاء الحديث بقوله:

"حنان !! اللي بتتكلمي عنهم دول عيلتي و عيلة مراتي اللي واقفة برة بتعمل الأكل، واخدة بالك ؟! مراتي اللي مش بس بحبها، أنا من غيرها مليش لازمة، أنا كنت ميت و الروح ردت فيا تاني يوم ما هدير بقت معايا، لو سمحتي ملكيش دعوة بيها"


ضمت ذراعيها أمام صدرها و هي تقول باصرارٍ:

"أنا آسفة يا حسن، بس أنتَ بيتضحك عليك، عرفوا ازاي يخلوك تبلع الطعم بشوية حنية منهم"


ابتسم لها بتهكمٍ و هو يقول بوجعٍ:

"ياريتك كنتي ادتيني طُعم زيهم يا حنان، على الأقل هما عرفوا يصطادوا، أحسن من اللي شاف السمكة و سابها مع نفسها"


رمقته بغيظٍ ففتح هو باب الغرفة يخرج منها حتى توجه نحو المطبخ فوجدها مندمجة في صنع الطعام كما هي منذ فترةٍ طويلة، و مع زيادة خوفه ركض إليه يحتضنها فجأةً، تفاجأت هي من فعلته تلك لذلك تحدثت تسأله بتيهٍ و ذهولٍ:


"لا حول ولا قوة إلا بالله !! مالك يا حسن ؟! هي أختك عضيتك و لا إيه؟"


ابتعد عنها يضحك بيأسٍ حتى تحدث و هو يقول بقلة حيلة ولا زالت ملامحه ضاحكة:

"احترمي نفسك يا هدير !! كل الحكاية بس إني خوفت مرة واحدة، و حسيت أني عاوز أحضنك، يتيم بقى نقول إيه؟"


أشارت له حتى يخفض نفسه لمستواها، ففعل هو ما طلبت منه فوجدها تقول هامسةٍ:

"سرب أختك برة، و أنا احضنك لحد الصبح و الله"


رد عليها بحنقٍ:

"اسرب أختي ؟! لمي نفسك بقى أنا ساكتلك من الصبح، إيه قلة الأدب دي"


رفعت حاجبيها باستنكارٍ له فوجدته يتنهد بقلة حيلة و هو يقول:

"هي عصبية شوية و طريقتها ناشفة، بس قلبها طيب، واحدة واحدة و الدنيا هتروق، عاوزك بس تمسكي نفسك يا هدير"


ردت عليه بأسفٍ و هي تعتذر له مُسبقًا:

"موعدكش بصراحة يا حسن، مش هقدر و خصوصًا إن لساني طويل أصلًا"


حرك رأسه موافقًا بيأسٍ ثم أضاف بقلة حيلته المعهودة:

"الله يطمنك يا هدير، شكرًا"


خرجت شقيقته من الغرفة ثم توجهت نحو المطبخ فوجدتهما يتحدثا سويًا، فسألته هي بضجرٍ:

"شنطتي فين يا حسن؟! قولت للبواب يطلعها، هو مجبهاش؟!"


رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:

"في الأوضة الأخيرة يا حنان، طلعها و أنا دخلتها جوة، ادخلي غيري هدومك، لحد ما نغرف الاكل"


ابتسمت بسخريةٍ و هي تقول بتهكمٍ على شقيقها:

"ما شاء الله أنتَ كمان بقيت بتغرف الأكل ؟! اتطورت أهوه، و لا العروسة مبتعرفش تغرف؟!"


قبل أن يتحدث هو، ابتسمت «هدير» و هي تقول مُعاندةً لها:

"لأ بعرف أغرف حلو أوي، بس أنا و حسن بنحب نعمل كل حاجة سوا، و هو من أول يوم ليا هنا و هو بيساعدني، مش حضرتك برضه متجوزة يا طنط؟! أكيد عمو بيساعدك"


اقتربت منها تقول بخبثٍ:

"متجوزة الحمد لله، و حسن برضه كان متجوز، الله يرحمها بقى، أظن أنتِ متعرفيش حاجة زي دي"


حرك «حسن» رأسه نحو شقيقته بحدةٍ، فتحلت «هدير» بصبرٍ لا تدري من أي اكتسبته و هي تقول بثباتٍ:

"لأ عارفة ريم الله يرحمها، خلاص بقت عند اللي خلقها و خلقنا كلنا، بس دا ماضي و عدى، خلاص مش هنبصله، إحنا ولاد النهاردة، و المهم إن حسن بقى جوزي أنا و حبني أنا"


حركت رأسها موافقةً و هي تقول:

"ما شاء الله بتأكديلي اللي بفكر فيه، أنتِ كتاب مفتوح أوي"


ابتسمت لها بثقةٍ و هي تقول:

"خلي بالك بقى علشان الكتاب مليان طلاسم، دا علشانك مش علشاني"


حركت كتفيها بلامبالاةٍ و كأنها لا تكترث لحديثها ثم خرجت من المطبخ، فسحبت «هدير» السكين دون أن تشعر بنفسها، فوجدته يقترب منها يقول هامسًا بحنقٍ:

"بس يخربيتك رايحة فين ؟! اهدي يا هدير، ربنا يسترك"


ردت عليه بنفس الهمس:

"هبعتها لابوك و أمك، أسمع مني، أكيد دا تأثير غيابهم عليها"


حاول كتم ضحكته فوجدها تقول بقلة حيلة:

"أنا مش هقدر أمسك نفسي كتير يا حسن، أنا مبعرفش اسكت، الكلام ممكن يقف في زوري يموتني و الله"


ضمها بين ذراعيه يمسد على ظهرها و هو يقول بهدوء:

"أنا عاوزك بس تفكري فيا قبل أي حاجة، افتكري أني مليش غيرك علشان أنتِ اللي باقيالي، علشان خاطري يا هدير عدي الكام يوم دول لحد ما كل حاجة ترجع لطبيعتها"


رفعت كفها تربت على ظهره و هي تقول بايجازٍ:

"حاضر يا حسن....حاضر"


بعد مرور دقائق التفوا حول المائدة و «هدير» تقوم بسكب الطعام لها و لزوجها حتى ابتسم لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"حطي لنفسك يالا علشان تاكلي، و لا هتاكلي معايا في نفس الطبق ؟!"


حركت رأسها موافقةً و هي تقول بوجهٍ مُبتسمٍ:

"لأ خلاص هاكل في طبقي، كل أنتَ بألف هنا و شفا، دوقوا و قولولي رأيكم"


حرك رأسه موافقًا ثم غرف ملعقته بالطعام ثم تذوقه و بعدما أثار اعجابه تحدث بكلماتٍ يثني عليها فخرًا بها:

"تسلم إيدك يا هدير، الأكل حلو، أظن دي بقت شهادة مجروحة خلاص، كلي يلا"


حركت رأسها موافقةً و قبل أن تتناول طعامها سألت «حنان» بطريقةٍ مهذبة:

"إيه رأي حضرتك ؟! اتمنى يكون الأكل عجبك"


حركت رأسها موافقةً ثم قالت بايجازٍ و كلمةٍ واحدة:

"حلو"


ضمت «هدير» شفتيها على بعضهما ثم بدأت في تناول الطعام، حتى صدح صوت هاتفها برقم شقيقتها، ردت هي عليها بهدوء، و قد استمعت لحديث شقيقتها بالكامل، فأغلقت الهاتف معها فسألها «حسن» بهدوء:

"فيه حاجة يا هدير ؟!"


ردت عليه هي بهدوء:

"هدى بتأكد علينا بكرة نروح بدري علشان طارق و وليد هيروحوا على البيت عندنا علطول، و بعدها هيروحوا شققهم"


حرك رأسه موافقًا فتحدثت «حنان» تسأل بسخريةٍ:

"و هما راحوا فين طارق و وليد؟؟ سافروا ؟!"


ردت عليها «هدير» بثباتٍ:

"عقبال عيالك كدا اتجوزوا، ربنا كرمهم و كل واحد فيهم كمل نص دينه، عقبال ما تفرحي بحبايبك"


ردت عليها بضجرٍ:

"إيه الأسلوب دا ؟! على فكرة أنا داليا بنتي متجوزة و ابني في كلية، ليه محسساني إني خالتك"


قبل أن ينطق «حسن» ضغطت على قدمه من الأسفل و هي تقول بثباتٍ:

"لأ طبعًا مش خالتي، خالتي الله يرحمها كانت خرسا، طبعًا أنتِ أخت جوزي، يعني في مقام عمتي"


حدجتها «حنان» بسهام عينيها ثم عادت لتناول طعامها من جديد، بينما «حسن» زفر بقلة حيلة ثم تحدث مُغيرًا للأجواء:

"هما الشباب هيكونوا موجودين بكرة؟! و لا إحنا بس؟!"


ردت عليه هي:

"هدى قالت إن بابا صمم يعزمهم و يكونوا موجودين معانا، و خصوصًا بعد الفرح و وقفتهم معانا، هما خلاص مبقوش غرب"


حرك رأسه موافقًا ثم تحدث باحراجٍ منها:

"طب أنا بكرة هوصلك و هاجي هنا و هرجع تاني أخدك بعد ما تقعدي مع أخواتك"


كسا الاستنكار ملامح وجهها، فتحدث هو مفسرًا بعدما حمحم بخشونةٍ و أشار بعينيه نحو شقيقته:

"علشان حنان موجودة و مش هينفع تكون لوحدها، خليني معاها هنا و إن شاء الله هاجي بليل أخدك"


تصنعت «حنان» التجاهل له و لحديثه، بينما هي اقترحت عليه بلمحة حزنٍ:

"طب ما تيجوا معانا سوا !! البيت ما شاء الله كبير و واسع و يشيل الحبايب كلهم"


ردت عليها «حنان» بنفاذ صبرٍ:

"أنا عمري ما هدخل مكان معرفش حد فيه، و مش واخدة على أهله، زي ما مينفعش أعيش في مكان مش مرحب بيا"


في تلك اللحظة ودت «هدير» أن تنطقها و تقول:

"طب ما أنتِ هنا و أنا مش مرحبة بيكي"

قبل أن تتفوه بذلك تذكرت حديثه لها بأن تتحمل شقيقته، و تفكر به و لو لبعض الثواني، فكتمت كلماتها بداخلها محاولةً التحلي بالصبر على الرغم من تأكدها من نفاذه، حتى وجدتها تترك الطاولة ثم دلفت للداخل، فسألته حينها بضجرٍ:


"حسن !! هو أنتَ فعلًا هتعمل اللي قولت عليه دا ؟! هتسيبني هناك لوحدي؟!"


حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:

"هعمل إيه طيب ؟! هروح اعتذر ليهم و لـ عم محمود، أنا مش عاوز مشاكل، عاوزك بس تتحملي لحد ما نشوف أخرتها"


زفرت هي بيأسٍ ثم أخفضت رأسها و هي تقول بضيقٍ:

"أنا كدا غصب عني مش هتحمل يا حسن، كدا أنا أسوأ ما فيا"


رد عليها هو مُحذرًا:

"افتكري يا هدير أنها اختي الكبيرة، يعني مش هقبل إنك تغلطي فيها، زي ما عمري ما هقبل لحد يجيب سيرتك، و أظن أنا كنت هرد لولا أنتِ سكتيني"


ردت عليه هي بخبثٍ:

"سيبلنا احنا كيد النسا يا حسن، لما نشوف أخرتها إيه، يمكن المسلسل يخلص على كدا"

_________________________


وصل «ياسين» شقته فوجدها تنتظره أمام التلفاز حتى اقترب هو منها يقبل رأسها ثم جلس بجانبها، فسألته هي مُبتسمة:


"اتأخرت ليه يا بيه ؟! كنت عند مراتك التانية؟! و لا شوفتلك شوفة تانية؟!"


رد عليها بسخريةٍ:

"بس اركز مع الأولى علشان أشوف التانية، كنا عند ميمي و لسه راجعين أنا و العيال"


حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ ثم سألته بنبرةٍ هادئة:

"كلموك علشان عزومة بكرة ؟!"


حرك رأسه موافقًا فسألت هي من جديد:

"طب هنروح إمتى ؟؟"


رد عليه هو بايجازٍ:

"بعد الضهر إن شاء الله، وئام قالي إن قبل العصر لازم نكون موجودين"


حركت رأسها موافقةً ثم تحدثت بحماسْ:

"وليد جاي بكرة و دي أهم حاجة، المهم أني هشوفه بعدما بقى عريس زي القمر"


ابتسم لها بهدوء،فسألته هي باهتمامٍ من صمته و حالته تلك:

"ياسين !! هو أنتَ مالك فيك إيه؟! فيه حد مزعلك ولا حاجة؟!"


حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء:

"ضغط شغل شوية و عاوز أنام بصراحة علشان أفوق لبكرة و لوليد و اللي هيعمله فيا"


ابتسمت له هي ثم أشارت له حتى يقترب منها، فمال هو نحو موضع إشارتها، و حينها حركت كفها فوق رأسه و هي تقرأ له آية الكرسي و الموعوذتين، حتى تنهد هو بعمقٍ و هو يشعر بالسكينة في ذلك الوضع و حينما شعر بوخز الدموع رفع يده يمسح تلك الدموع، فسألته هي بمشاكسىةٍ:


"بتعيط ولا إيه؟! اتأثرت ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:

"اللحظات الحنينة دي بتأثر فيا، و أنا نقطة ضعفي الحنية يا خديجة"


ربتت على رأسه و هي تبتسم بهدوء فتفاجأت به يسألها بتريثٍ:

"لو جالك فرصة ترتاحي مني هتوافقي؟!"


سألته هي بتعجبٍ:

"ارتاح منك ؟! هو أنتَ تاعبني في أيه علشان ارتاح منك ؟!"


حرك كتفيه وهو يقول لها:

"عادي يعني، بس جاوبي على سؤالي يا خديجة"


ردت عليه هي بحيرةٍ:

"هو أنا مش فاهمة كلامك بصراحة، بس ماظنش أني ممكن افكر في حاجة زي دي، دا أنا لقيت راحتي معاك، تيجي أنتَ تقولي ارتاح منك؟؟"


رد عليها هو بثباتٍ على عكس ما يدور بداخله:

"الله يطمنك يا كتكوتة، ما شاء الله على الأجابة مشجعة أوي لباقي الكلام"


قطبت جبينها بتعجبٍ فوجدته يضيف من جديد برزانةٍ:

"لو قالولك مثلًا هغيب عنك مثلًا شهر، شهر و نص كدا، هتعملي إيه"


شهقت هي بقوةٍ، فحرك فمه يمينًا و يسارًا بتهكمٍ مثل النساء، فقالت هي بخوفٍ:

"هترعب ؟! و الله مش بهزر، أيه الرعب دا، دا أنا اللي مصبرني أني معاك يا ياسين، تيجي تقولي تغيب شهر... شهر و نص؟! "


أغمض جفنيه بيأسٍ ثم تحدث مُطمئنًا لها:

"بهزر معاكي يا خديجة، طلعت غالي أوي عندك، اثبتيلي الغلاوة بقى و أكليني"


ابتسمت له ثم أمسكت وجهه و هي تقبل وجنته ثم قالت بمرحٍ:

"هأكلك حاضر، يا ابو شهر و نص أنتَ"


تحركت من أمامه نحو الداخل فتحدث هو بسخريةٍ:

"ما شاء الله....بتصعب الأمور عليا اكتر ما هي صعبة"

_________________________


في محافظة الأسكندرية و على الشاطيء ليلًا، جلس «وليد» على الرمال و «عبلة» تضع رأسها على قدمه حتى غفيت في موضعها، فقام هو بفرد الشال الصوفي الخاص بها ثم وضعه عليها و حرك كفه بعدها حتى استقر فوق رأسها.


شرد هو بها و في محاولاتها معه و محارباتها باستماتة عليه، و حينما تعمق بالتفكير وجد أنها هي فقط من تستحق كل ذلك، هي وحدها من تستحق حبه و هي وحدها من يحق له التفكير بها، 


ابتسم و هو يتذكر كيف تكون هيئتها صباحًا حينما تستيقظ و تجده بين ذراعيها و هو ينفي التهمة عن نفسه ببراءةٍ، تذكر كيف تركض خلفه حتى يحملها هو على ظهره و يدور بها بمرحٍ، 


أمعن النظر و التفكير بها حتى شعر بكف أحدهم يستند على كتفه و هو يجلس بجواره، و لم يحتاج وقتًا لمعرفة من هو، حتى سأله «طارق» بسخريةٍ:


"سايب الدفا و جاي تقعد هنا و تنيمها في التلج دا ؟! نامت كدا ليه؟!"


رد عليه ببساطةٍ:

"علشان هبلة، قالتلي ننزل نودع البحر و زي ما أنتَ شايف كدا، نامت و سابتني أشكيله حالي"


تحدث «طارق» بهدوء:

"ياما اشتكينا، حصل إيه يعني؟! مفيش حاجة بتتغير، كنا كل ما نزعل نفوق أكتر، و كل ما نيأس نمسك في أمل كداب، بس تعرف؟؟ احساس إنك تاخد الحاجة اللي اتمنيتها دا حلو أوي يا وليد، إحساس إن طلبك مسموع و اتنفذ حلو أوي، جربته مرتين، يوم ما جميلة طلعت موجودة، و يوم ما بقت ليا و يوم ما بقت مراتي رسمي، الدنيا يا أخي طلع فيها حاجات حلوة أوي و تحديدًا زي جميلة"


ابتسم «وليد» له فسأله «طارق» بهدوء:

"وليد هو أنتَ ليه روحت تتعالج عند هناء؟! و ليه قولتلي حاجة زي دي؟! مخوفتش مني أرفض أسلمك أختي؟!"


تنفس «وليد» بعمقٍ ثم قال بصوتٍ رخيمٍ:

"اللي يقبل بواحد كان مدمن و خريج مصحة زي دي، مستحيل يرفض واحد هيتعالج علشان أخته، أنا قولتلك علشان تكون شاهد عليا"


حرك رأسه موافقًا ثم سأله:

"برضه مقولتليش ليه ؟! علشان إيه تروح تتعالج و أنتَ سبق و اتعالجت قبل كدا"


رد عليه «وليد» مفسرًا:

"المرتين كانوا علشان أختك، المرة الأولى علشان مستحيل واحد مدمن يتوافق عليه، و المرة التانية علشان كنت معقد نفسيًا، و حرام عليا امرمط واحدة و أنا عندي عقد و كلاكيع، اللي مقبلوش على أختي مقبلوش على حد، أنا واحد عندي مبدأ"


سأله «طارق» بسخريةٍ:

"إيه هو مبدأك يا عم مبادئ أنتَ"


رد عليه مفسرًا بقوله:

"المعقد نفسيًا يتعالج مش يتجوز"


عقد «طارق» ما بين حاجبيه بحيرةٍ فأضاف «وليد» مفسرًا:

"زي ما سمعت كدا، ليه تعيش معايا و أنا مش عارف أثق فيها و كل يوم أقول هتمشي و تسيبني، و ليه تتحمل واحد عبء على نفسه أساسًا، و ليه تفضل تكدب و تخبي على أهلها أني بزعلها، أنا كنت مؤذي و أكتر من اتضر مني كانت نفسي، يبقى مكانش هينفع انقل الأذى ليها، حرام على الانسان يضيع النعم من ايده و يرجع يبكي على الأطلال"


ربت «طارق» على كتفه بفخرٍ و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"عرفت بقى إن عبلة مكانش هينفعها حد غيرك؟! و عرفت إن أنتَ متتعوضش بحد تاني؟!"


حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم له ثم اخفض رأسه ينظر لتلك النائمة على فخذه.

_________________________


شعرت «سارة» منذ الصباح ببعض التعب و الأعراض الغريبة عليها، فهاتفت الفتيات تستشيرهن في حالتها حتى اقترحت عليها «ريهام» بعض الحلول و حذرتها من البعض الأخر، امتثلت هي لحديثها ثم قامت بعمل الاختبار التي أخبرتها به، و لجهلها بتلك الأمور أو عدم تصديقها أو وصول ذلك الشيء لمخيلتها، قامت بتصوير الجهاز و ارساله للمجموعة الخاصة بها هي و الفتيات و هي تقول بلهفة و تشتتٍ و هي بداخل المرحاض:


"يا...يا بنات... هو كدا إيه؟! أنا مش فاهمة حاجة و حاسة أني عاوزة أعيط"


ردت عليها «ريهام» مُسرعةً بفرحةٍ كبرى بعدما وصلتها الصورة:

"مـبـروك يا سارة أنتِ حامل"


استمعت «سارة» لجملتها بغير تصديق و كأن لسانها سبق و أكلته القطة حتى أغلقت الهاتف و وقفت تنظر في المرآة و هي تظن نفسها داخل حلمًا جميلًا لا تريد الاستيقاظ منه، و في تلك اللحظة فكرت به و هي تريد أن تركض إليه و تخبره بذلك الخبر السعيد و لكن هل ذلك الخبر يقال بتلك الطريقة ؟؟ بالطبع يحتاج طريقة خاصة.

      ______________

الفصل الثامن والخمسون من هنا


تعليقات



×