رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والخمسون بقلم شمس بكري
شربت الخمر و فوقت من سكرته و ذوقت الحب و بتُ مخمورًا
_________________________
كنت طوال حياتي أجمع بين الشيء و نقيده، الشر بي و لكني آثرت الخير في خصالي، الحديث عندي و لكن الصمت كان خير أقوالي، امتلكت القسوة، لكن اللين يغلب على أفعالي، داويت جروح الآخرين و جراحي باتت مُلازمةً لحالي، جبرت المكسورين و خاطري تصدع و كأنني بلا شعورٍ أو لا أبالي؛ و لكن في الحقيقةِ أن الفِكر يأكل في بالي.
دلفت «مشيرة» بأقدامٍ تهتز و كأنها تخشى الاقتراب أكثر من ذلك على الرغم من أنها لم تكن مرتها الأولى في ذلك المكان، و لكن تلك المرة تملُك خوفًا غريبًا من تلك الجلسة، كما أن هناك رهبة غريبة تجتاحها من تلك الجالسة أمامها تنتظر اقترابها أكثر، حتى جلست «مشيرة» أمامها على المقعد المقابل لمكتبها، تفهمت «هناء» حالتها و خوفها، فابتسمت لها و هي تقول بحديثٍ يبثها الطمأنينة:
"مالك بس ؟! مش جيتي مرة قبل كدا و اتكلمنا سوا ؟! إيه اللي مخوفك المرة دي؟!"
تنهدت «مشيرة» بخوفٍ لعلها تُهديء من فرط توترها و رجفة كفيها، فتابعت «هناء» الحديث بقولها:
"أنا مقدرة و متفهمة شعورك، صعب طبعًا بعد كل حاجة تتقبلي وجودك هنا صح؟!"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت مُسرعةً:
"لأ مش كدا و الله، بس أنا يمكن مش قد أي مواجهة ممكن تحصلي هنا"
ردت عليها «هناء» بلهجةٍ حازمة:
"مينفعش تفكري كدا، لازم يكون عندك إرادة أكبر من كدا، طالما جيتي هنا يبقى لازم كل شيء يكون صح و أهم حاجة بقى إن ارادتك في التغيير تكون هي الدافع يا مشيرة، ها ؟!"
تنفست «مشيرة» بعمقٍ لعلها تسحب الهواء لرئتيها و بذلك ترتاح قليلًا من عناء تفكيرها، ثم حركت رأسها موافقةً و أضافت بايجازٍ:
"تمام.... أنا جاهزة"
حركت الأخرى رأسها موافقةً ثم تحركت من مقعد مكتبها و الأخرى تتبعها، حتى جلست على المقعد الكبير الخاص بجلسات الاسترخاء، في ذلك الحين قد جلست الأخرى على مقعدها المعتاد و هي تقول بنبرةٍ هادئة و وجه مُبتسم:
"ها...أنا حابة أسمعك...قوليلي بقى يا مشيرة مين الضحية و مين الجاني؟"
تنهدت الأخرى بقلة حيلة ثم أضافت:
"أنا....أنا الاتنين، و على فكرة أنا ضحية برضه و دي حاجة أنا مش هنكرها"
ردت عليها الأخرى ببساطةٍ:
"متنكريهاش و مش عاوزاكي تنكريها، بس برضه تقدري تنكري إنك الجاني؟!"
حركت رأسها لها تستفسر منها بنظراتها، فتحدثت الأخرىٰ تتابع بنفس الأسلوب:
"بداية التغير هتبدأ لما نعرف إن الجاني كان ضحية بس هو رفض خضوعه للدور دا، أنا معاكي إنك ضحية، بس أنتِ مستحملتيش وضعك كتير و قررتي تنتقمي من حد تاني، و يبقى السؤال المهم ليه يا مشيرة ؟!"
تنهدت «مشيرة» تنهيدة مهتزة و هي تفرك بكفها الأيسر، كفها الأيمن مع قولها الذي شعرت به مثل نصل السكين ينخر في حلقها:
"اللي حصل فيا كان كتير و ساعتها محدش حس بيا، ساعتها أنا الوحيدة اللي خسرت و كلهم كسبوا، صحيت من النوم لقيت نفسي خسرت كل حاجة، بيتي و بنتي و جوزي و أي حاجة افتكرت أنها هي اللي هتعوضني، و بعد كل دا اتضربت من محمود و طه، ملقيتش حد يديني فرصة اتكلم، لو كنت فضلت ساكتة وسطهم كان زماني ميتة بالبطيء، كان لازم مشيرة التانية دي تختفي، أنا معاكي كنت غلط و طلعت انتقامي في ناس غلط، بس مكانش فيه قدامي غير كدا"
تحدثت «هناء» بنبرةٍ صوتٍ أقل حزمًا و بين ثناياها اللين و الدعم الذي يحثها على التحدث:
"أنا عاوزاكي تكملي، كملي كلام يا مشيرة، قوليلي ليه زينب و خديجة تحديدًا ؟!"
ردت عليها بنبرة صوتٍ باكية:
"علشان كنت فاكرة إن زينب هي السبب، و علشان فاطمة طول عمرها مفهماني إن زينب هي اللي عملت كدا علشان تفرق بيني و بين طه، كنت كل ما اتخيل جميلة و هي بتعيط بليل علشان مش في حضني بحس إن فيه حاجة بتخنقني، كل ما افتكر إن قلبي وجعني على فراق بنتي كنت بحس أني عاوزة اوجعها على بنتها، أنا كنت كل يوم بفضل في الشقة لوحدي زي الجثة المرمية و هما مع عيالهم و كل واحد معاه مراته، الزمن مشي بيا و أنا بغلط في حق واحدة مشوفتش منها غير كل خير"
ردت عليها «هناء» بتفهمٍ لحالة الصراع التي تدور بينها و بين ذاتها:
"الفكرة في العموم يا مشيرة إن مفيش شر مطلق و مفيش خير مطلق، كل واحد فينا جواه الاتنين بنسب متفاوتة، لو ركزنا على الغريزة اللي بتحركنا هنلاقي إن الدافع هو السبب في تحريك الغريزة دي، يعني مثلًا زي واحد حرامي ظروفه كلها زفت و مش لاقي ياكل، بس لجأ للسرقة و للحل الأسهل في الفعل و أصعب في النتائج، صحيح سرق و نهب و أخد حاجة متخصوش، هو تغاضى عن النتيجة، من غير ما يحسبها، لو سيبنا وقت للتفكير مؤكد حاجات كتير ماكنتش هتحصل"
سألتها الأخرى بنبرة صوتٍ متحشرجة نتيجة البكاء الذي داهمها:
"ازاي ؟! هو فيه حد يقدر يغير حتى طريقة تفكيره علشان يتحكم في النتايج؟!"
ردت عليها الأخرى مُقررةٍ بتفسيرٍ:
"آه فيه، لو كل واحد فينا قبل أي فعل ياخده فكر في ردود أفعال الناس أكيد الحياة هتختلف، يعني مثلًا أنتِ ساعة تفكيرك في الانتقام عمرك ما فكرتي في مشاعر خديجة و رد فعلها، كل تفكيرك إن زينب تتوجع زيك على بنتها، و إن خديجة تخسر حاجة زي اللي ما بنتك خسرت، كل الأوضاع ساهمت إنك تكوني جاني، رغم إن الجاني الأصلي مش موجود في الصورة"
سألتها «مشيرة» بحيرةٍ:
"مين الجاني الحقيقي؟! قصدك حسان ؟!"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت بحزمٍ:
"لأ....أنا مقدرش أحطه في صورة الجاني لإنه ضحية برضه، و حسان زيه زيك ضحية للعبة اتعملت عليكم، هو غلطته إن متكملش و قال على اللي حصل و هرب ببنته، بس رد فعله مبرر و طبيعي"
سألتها بحرقةٍ:
"رد فعله كان طبيعي في أني اتوجع كدا ؟! في أني اتحرم من بيتي و بنتي بالطريقة دي؟! حسان زيي برضه"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت:
"لأ مش زيك، حسان خاف يبقى جاني علشان كدا هرب و مشي، لو حطيتي نفسك مكانه هتعرفي إنه اختار الحل اللي يحافظ على بنته خصوصًا إن عمر ٦ سنين دا كانت هتتأثر بكل حاجة حواليها، بس هو مفكرش في نتيجة هروبه و دا يعلمنا إن الهروب مش حل للمشاكل أبدًا"
سألتها «مشيرة» بترقبٍ من القادم:
"طب و أنا ؟! كدا المفروض ابقى أيه ؟! هتعامل ازاي في اللي جاي و هعمل إيه؟!"
ابتسمت لها و هي تسألها بهدوء:
"أنتِ مقتنعة إنك شخص مؤذي و لا لأ ؟! لسه بتكابري و لا مقتنعة إنك جاني ؟!"
ابتلعت غصة مريرة في حلقها و هي تقول بلهجةٍ أظهرت وجعها:
"أنا اقتنعت أني مؤذية علشان واحدة زي خديجة و واحد زي وليد أنا اتسببت في وجعهم، لما خديجة بتتكلم معايا و أشوفها بتضحكلي و كأن مفيش حاجة، بحس إني مليش عين ابصلها، خديجة بتحارب علشان تتعامل معايا، بس بحس إن جواها خديجة الصغيرة، خديجة اللي كانت علطول في أيد جميلة و معايا هما الاتنين، و واحد زي وليد عمل كتير علشاني و علشان بنتي"
حركت رأسها موافقةً ثم اضافت باستحسانٍ:
"طالما بدأتي تقتنعي إنك جاني يبقى كدا حلو أوي و نقطة كويسة تخلينا نبدأ خطوات التغيير مع بعض ليكي و لكل اللي حواليكي"
حركت رأسها موافقةً ثم عاد الحديث يدور بينهما من جديد حتى خرجت «مشيرة» من العيادة و اقتربت من ذلك الجالس على المقعد ينتظرها في الخارج و هي تبتسم له بتوترٍ، بينما هو هب من جلسته يسألها بهدوء:
"أنتِ كويسة ؟! و لا فيه حاجة تعباكي ؟!"
حركت رأسها نفيًا و هي تبتسم له بسمةٍ هادئة، فحرك رأسه موافقًا ثم أشار لها حتى تتقدمه نحو الخارج و هو يتبعها.
_________________________
وصل الشباب لوجهتهم المحددة و كلًا منهم يفكر في القادم، و لكن بمجرد توقف السيارتين أمام البوابة المنشودة، حتى قام «ياسين» بسحب «عامر» من ثيابه حتى مال عليه الأخر بتعجبٍ فوجد الأخر يسأله هامسًا بحنقٍ:
"هو إيه اللي حصل ؟! النادي شكله نضف كدا ليه ؟! هي ناقصة نكد يعني ؟!"
رد عليه «عامر» بتيهٍ:
"مش عارف حصل إيه، بس على ما أظن كدا إننا هنتروق و هيتنكد علينا كلنا"
تحدثت «سارة» من الخلف تسألهما بتشككٍ:
"بتتوشوشوا في إيه؟! فيه حاجة؟!"
رد عليها «عامر» مفسرًا بتوترٍ:
"ها؟!.... لأ دا بيأكد عليا معملش شقاوة علشان محدش يكلمنا جوة"
طالعته بغير تصديق من خلال حاجبيها المرفوعين بينما هو حرك رأسه مؤكدًا حديثه بملامح وجه ساخرة، و في السيارة المجاورة اشرأبت «إيمان» برأسها حتى مالت للأمام قليلًا ترى الوضع حولها، ثم عادت لوضعها من جديد تسأل بتهكمٍ:
"هو دا المكان المقرف ؟! يا حلو أنتَ و هو ؟! ما ترد يا ياسوري؟! هو دا المكان اللي مش عاجبكم؟! لما دا شكل البوابة أومال من جوة عامل ازاي؟!"
رد عليها «خالد» بسخريةٍ و تهكمٍ:
"من برة هالله هالله و من جوة يعلم الله ياختي، على فكرة دي شكليات، متحملناش نقعد ساعة على بعضها"
أيده «ياسر» بقوله:
"بالظبط، يا ستي يا رب يعجبكم هو احنا نكره يعني؟!"
ردت عليه بنبرةٍ جامدة:
"هنشوف علشان اللي جاي كله هتيغير، و ربنا يعينكم من اللي جاي"
نظر كليهما لبعضهما بخوفٍ من القادم و خاصة من «إيمان» تحديدًا.
نزلوا تباعًا من السيارات خلف بعضهم حتى وقفوا معًا أمام بوابة النادي بعدما أوقفوا السيارتين في الجراج الخارجي، اقترب «خالد» أولًا من فرد الأمن و هو يقدم له البطاقة التعريفية الخاصة بعمله ظنًا منه أن الدخول يحتاج لبعض الإجراءات الروتينية أو بعض الرسوم المالية، لكنه تفاجأ بالعامل يرد عليه مُرحبًا:
"اتفضل يا فندم، الدخول مجانًا للعاملين بالقطاع الخاص في شركات الفاروق، اتفضل يا فندم"
رد عليه «خالد» بسخريةٍ:
"الله يسترك...لازم تعلي صوتك كدا يا ؟.... اسمك إيه؟!"
رد عليه بوجهٍ بشوش:
"عبد الفتاح... محسوبك عبد الفتاح"
سأله من جديد:
"لازم تفضحنا كدا يا عبد الفتاح؟! متشكر يا سيدي"
رفع كفه يضعه على صدره يرحب به، و البقية في الخلف اختلفت تعابيرهم من بين متوعدًا و من بين محاولًا كتم ضحكته و من بين مذهولًا، حتى أخرج الثلاثة البطاقات الخاصة بعملهم و كانت نفس النتيجة السابقة؛ الترحيب الحار مع نفس الخبر المجاني، دلفوا سويًا عبر البوابة للداخل، حتى تحدثت «إيمان» بتوعدٍ:
"و كمان الدخول مجاني ؟! صبركم عليا و الله العظيم لأعمل حزب نسائي عليكم و أخليكم هنا زي عبد الفتاح دا"
ضحكوا عليها جميعًا فتحدثت «ريهام» تقول بضيقٍ مصطنع:
"لأ و أنا من هبلي كنت فاكرة إننا لما نروح نجيب حاجة الشقة مع بعض كدا دي خروجة، أنا حزينة على عمري اللي ضاع"
تدخلت «سارة» تقول بتهكمٍ:
"لأ و ينزلوا و بيخرجوا و يقعدوا سوا و احنا هبل، سايبين مكان زي دا و أخرتها يجمعونا في بيت واحدة مننا"
سأل «ياسين» زوجته بسخريةٍ:
"و الأستاذة مش عاوزة تقول حاجة هي كمان ؟! ها اشجيني"
ردت عليه بلامبالاةٍ:
"بصراحة المكان بالنسبة ليا مش بيفرق، المهم الناس اللي معايا، عادي يعني مش فارقة"
رفع كفيه للسماء و هو يقول بفخرٍ و فرحةٍ كُبرى:
"روحي ربنا يجبر بخاطرك و ينصرك على من يعاديكي، قلبي راضي عنك لأخر يوم في عمري"
ضحك عليه الشباب بيأسٍ، بينما «إيمان» تحدثت تسألها بنبرةٍ بها توعدٍ:
"بتقولي إيه يا كتكوتة ؟؟ سمعيني كدا كلامك تاني...قولي ها بقى ؟!"
ابتلعت ريقها ثم حركت رأسها تنظر لزوجها و هي تقول بجمودٍ زائفٍ:
"بس دا ميمنعش أني مش هسكت على إنك مخبي عليا مكان زي دا، و هنضم ليهم، علشان تخبي كويس يا ياسين"
تلاشت بسمته و هو يقول:
"روحي الله يكسفك يا شيخة، مفيش ثبات على المبدأ خالص ؟!"
رد عليه «عامر» بسخريةٍ:
"يا جدع اتلهي، مش لما يبقى عندنا إحنا ثبات، خلاص يا جماعة وعد مني كل جمعة هنيجي نقعد هنا"
ظهرت تعابير الفرحة على أوجه الفتيات، فأضاف «خالد» مُفسرًا:
"الجمعة السنوية، هتبقى جمعة كل سنة زي طلعة الميت كدا"
تدخل «ياسر» يقول ساخرًا:
"حلو دا، المرة الجاية نيجي بالقرص و الفاكهة"
ضحكوا عليه جميعًا حتى هو ابتسم بيأسٍ، ثم توجهوا نحو الطاولات البلاستيكية يجلسون عليها بعدما ضموا الطاولتين بجانب بعضهما، ثم ارتصوا حولها و كلًا منهم بجواره زوجته، حتى تحدث «ياسين» بسخريةٍ:
"ما شاء الله الصرف باين، دول عملوا ملاهي كمان، شكلنا زفت أوي و الله"
تحدثت «خديجة» تسأله بوجهٍ بشوش و نبرةٍ صوتٍ على وشك الضحك:
"طب و هو أنتم إيه اللي خلاكم تقولوا إنه وحش من الأول ؟؟ حكمتوا كدا بناءًا على إيه ؟!'
رد عليها «ياسين» يجاوبها مُفسرًا:
"علشان جينا مرة هنا من ٣ سنين كدا و كان زي الصحرا، و من ساعتها الانطباع الأول هو اللي فضل موجود، كنت بسمع من زمايلي ساعات أنه بقى حاجة تانية بس ماكنتش بركز"
حركت رأسها موافقةً، فتحدثت «إيمان» بنبرة صوتٍ مرحة:
"طب إيه الأنشطة اللي ممكن نعملها هنا علشان نفرح ؟! هنفضل قاعدين كدا؟؟"
ردت عليها «ريهام» مفسرةً:
"نرتاح شوية بس و نقوم نركب يونس المراجيح سوا قبل ما ينام"
ردت عليها «إيمان» تعدل على حديثها:
"سوا !! نركب المراجيح أنا و يونس سوا، مش هيركب من غير عمته طبعًا"
اقترب منهم العامل يسألهم بطريقةٍ مُهذبة:
"تشربوا إيه يا فندم؟؟"
رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"فراخ مشوية"
_"نعم يا فندم ؟!"
خرجت من العامل باستنكارٍ و البقية يحاولون كتم ضحكتهم، بينما هو تحدث بنفس المرح:
"يا عم بهزر معاك خليك فرفوش كدا"
حرك رأسه موافقًا و هو يقول:
"تمام يا فندم مفيش مشاكل، تؤمروا بإيه"
تحدث «عامر» بحيرةٍ:
"مش عارف بصراحة لسه مقررناش، هناخد لفة و نرجعلك"
مال «ياسين» على أذنه يهمس بضجرٍ:
"مش دا يا جاموسة، مش دا"
حرك رأسه موافقًا ثم تحدث ببلاهةٍ من جديد:
"طب خلاص مفيش مشاكل، فاتحين لحد الساعة كام؟!"
تدخل «خالد» يتحدث بجديته المعهودة:
"خمس دقايق يا فندم و تعالى نكون قررنا، زي ما أنتَ شايف كدا معانا أطفال"
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بنفس الطريقة المهذبة:
"تمام يا فندم مفيش مشاكل، المنيو مع حضرتك اهوه، عن أذن حضرتك"
رحل من أمامهم، فاندفع «خالد» يمسك «عامر» من ثيابه و هو يقول بضجرٍ منه:
"فاكر نفسك في العتبة يالا؟! هنلف لفة و نرجعلك ؟! ليه بناطيل هي يا عين أمك ؟!"
رد عليه بتبجحٍ كعادته:
"مش أحسن ما نفضل ندور في المنيو زي الهُبل، كنت بنجدكم"
فصل بينهما «ياسر» و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص يعني إيه الجديد، دا عامر يا خالد، المهم شوفوا هتطلبوا إيه قبل ما الراجل ييجي تاني"
تركه «خالد» على مضضٍ ثم زفر بعدها بقوةٍ، فتحدث «عامر» بهدوء و رزانةٍ:
"أنا عاوز أيس كريم"
رد عليه «ياسر» مسرعًا يرفض طلبه:
"بس يالا بطل هبل، أيس كريم إيه و أنتَ ميت كدا؟! مفيش الهبل دا شوف حاجة تانية"
تدخل «ياسين» يقول بهدوء:
"هاتله عصير برتقان و لا جوافة أي حاجة علشان العلاج اللي هو بياخده دا"
رد عليه «عامر» مُسرعًا بتهكمٍ:
"هو أنا عندي الصفرا ؟! بطلوا هزار يا جدعان و هاتولي أيس كريم"
أشهر «خالد» سبابته في وجهه و هو يقول مُحذرًا بنبرةٍ جامدة:
"عامر !! لم نفسك أنا دماغي مش فيا، هتشرب العصير أهلًا و سهلًا، مش هتشرب يبقى مفيش حاجة هتتشرب و كلمة كمان منك، العصير هيبقى حِلبة"
رد عليه بضجرٍ و هو على مشارف الانفعال:
"حِلبة إيه يا عم هو أنا والد ؟؟ ما تجيب مُغات بالمرة، ما تردوا يا جدعان، أنتِ يا ست سارة، مش جوزك أنا ؟!"
ردت عليه بلامبالاةٍ:
"إخواتك كلامهم صح يا عامر، و أي حاجة هتضرك بلاش منها، بطل استهتار في صحتك"
نفخ وجنتيه بمللٍ ثم تحدث بمضضٍ و كأنه مُرغمًا على ذلك:
"خلاص خلاص....خلوها جوافة بس من غير لبن"
ابتسم «ياسر» بتشفٍ و هو يقول:
"كدا تعجبني، شاطر يا عامر، لما تخف هجبلك أيس كريم وعد مني"
رمقه «عامر» بغيظٍ و هو يقلد طريقته في الحديث، ثم لوح له بكفه و إبان ذلك استعلم «ياسين» منهم جميعًا عن مرادهم حتى يُدلي بتلك الطلبات للعامل و يجلبها لهم"
_________________________
و على أحد الطرق الجديدة كان «حسن» يسير بسيارته بوجهةٍ مُحددة، و زوجته بجانبه تطالعه بتعجبٍ من طيلة صمته، حتى نفذ صبرها و تخلت عن صمتها و هي تقول بضجرٍ:
"لأ ما هو أنا مش هقدر أسكت أكتر من كدا يا حسن ؟! احنا رايحين فين؟! و إيه الشنطة اللي ورايا دي؟! جيبتها منين؟! فهمني"
تنفس هو بعمقٍ ثم تحدث يرضي فضولها:
"هنسافر يا هدير، بدل ما نفضل طول الأجازة في وش بعضنا كدا، هنتفسح و نعمل شهر عسل حلو، اعتبري نفسك عروسة"
رمشت بأهدابها عدة مراتٍ تجبر عقلها على استيعاب كلماته، بينما هو ابتسم ثم تحدث بنبرةٍ ضاحكة:
"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مالك يا ستي ؟! هو أنا كهربتك و لا إيه؟!"
ردت عليه هي ببلاهةٍ:
"حسن هو أنتَ مجنون ؟! عندك خلل يعني و لا إيه بالظبط علشان أكون فاهمة؟!"
حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
"ليه يعني؟! علشان رايحين شهر عسل؟!"
ردت عليه هي مُسرعةً:
"لأ علشان كل مرة تفاجئني كدا و تحسسني كأني هطلة، طب عرفني علشان اعمل حسابي أو اجهز نفسي، أنتَ محسسني إننا بنهرب من حاجة"
حرك رأسه يطالعها لعدة ثوانٍ بعمقٍ و هي تطالعه بسهام عينيها بقوةٍ حتى تحدث هو أخيرًا يقول بصوتٍ جامدٍ:
"لا بنهرب و لا حاجة يا هدير، كل الحكاية إن الشركة هتقفل كام يوم لحد ما طارق و وليد يرجعوا من شهر العسل، و وئام بيجهز حاجته خلاص علشان هيروح شقته بعدما يرجعوا، و أحمد هيريح الفترة دي و يشوف طلبات العيلة، أنا قولت بقى نستغل الفترة دي إننا نروح شهر عسل و أخرجك و أفسحك لو متضايقة ممكن نرجع تاني"
تحدثت هي بلهفةٍ:
"مش زعلانة يا حسن أكيد، بس مستغربة، معملتش حسابي و مفيش اي حاجة معايا، و ياترى المكان اللي هنروحه دا فين؟!"
تنفس هو بعمقٍ ثم تحدث أخيرًا بثباتٍ بعدما أجبر شفتيه على التبسم:
"هنروح بيتي، أنا عندي الشاليه بتاعي في الساحل الشمالي، اتطمنتي كدا؟!"
حركت رأسها نحوه بغير تصديق و هي تسأله بدهشةٍ:
"عندك شاليه ؟! و أنا معرفش ؟! بتاعك بجد و لا بتتريق؟!"
رد عليها ببساطةٍ:
"دي فيها تريقة يا هدير ؟! أومال لما بتيجوا المصيف في اسكندرية، الشباب بيروحوا فين؟! مش هما بيسيبوكوا برضه؟!"
حركت رأسها موافقةً فتابع هو مفسرًا:
"أنا و هما بقى بنتجمع في الشاليه بتاعي، و انتم بتفضلوا في بيت اسكندرية"
ابتسمت هي بسخريةٍ:
"ما شاء الله على الندالة !! طول عمرهم مفهمينا انهم بيضحوا براحتهم علشان نكون إحنا على راحتنا، اتاريهم خاربينها عندك"
رد عليها بنبرةٍ ضاحكة ثم أضاف مُحذرًا:
"معلش بقى خليها عليكي، المهم محدش يعرف حاجة من بقية العيلة، هما بيكونوا فاكرينهم في القاهرة"
ردت عليه هي بثقةٍ:
"عيب عليك !! سرك في بير"
_"الله يطمن قلبك"
_"مخروم"
خرجت منها بثباتٍ جعله يطالعها لعدة ثوانٍ ثم أوشك على الإمساك برأسها غيظًا منها، فوجدها هي تقترب منه ثم وضعت رأسها على كتفه و هي تقول بسخريةٍ:
"و على إيه تتعب نفسك، الراس و صاحبة الراس كلها تحت أمرك، و سرك في بير متخافش"
ابتسم هو لها ثم حرك رأسه موافقًا، و حينها صدح صوت هاتفه عاليًا بنفس الرقم الذي أرق ليله، فرفعت هي رأسها من على كتفه حتى يستطع هو الرد على الهاتف، لكنها تفاجأت به يكتم الصوت تمامًا، عقدت ما بين حاجبيها تستنكر فعلته و هي تقول:
"ليه يا حسن؟! ما ترد يمكن رقم مهم أو حد تبع الشغل"
حرك رأسه نفيًا ثم اضاف:
"لأ، دا رقم حنان أختي، عمالة تتصل بقالها كام يوم"
سألته هي بتعجبٍ:
"طب ما ترد عليها، مش عاوز ترد على أختك ليه؟!"
زفر بقوةٍ ثم تحدث بنبرة صوتٍ مهتزة:
"هدير أنا مخنوق و مش عاوز حاجة تزيد خنقتي، ينفع نقفل على الموضوع دا؟!"
حركت جسدها بالكامل على المقعد حتى أصبحت مقابلة له و هي تقول بنبرةٍ اقرب للانفعال:
"أنا من حقي أفهم يا حسن كل حاجة، طالما بقيت مراتك، يعني إيه لحد دلوقتي أختك متعرفش اننا متجوزين؟! و ليه مش عاوز ترد عليها؟! ليه الغموض دا كله"
ضرب المقود بيده و هو يقول منفعلًا في وجهها:
"خلاص يا هدير !! متزوديش وجعي بقى، عاوزاني أرد عليها ؟! حاضر، بس عاوزاني أرد على واحدة بتفضل طول السنة مش معبراني و مش سائلة فيا و تيجي في اسبوع تفضل تزن عليا اتجوز علشان مفضلش لوحدي؟! عاوزاني أرد عليها أقولها أنا اتجوزت علشان تقلب دماغي و تعملي تحقيق؟!"
اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد حديثه و انفعاله بتلك الطريقة فلم تتخيل هي أن وجعه صعب بتلك الطريقة، فتابع هو بصوتٍ منكسر:
"أنا مش عاوز أكون مثير للشقفة، مش عاوز العيون كلها تفضل تبصلي أني الواد اليتيم اللي اتربى لوحده و يعيني حاله يصعب على الكافر، أنا ما صدقت ارتاح في دنيتي شوية بقى"
مسحت دموعها اللتي نزلت رغمًا عنها بعد حديثه بتلك الكلمات التي عبرت عن تصدع روحه و كسر قلبه، بينما هو رفع كفه يمسح دموعه، ثم تنفس بعمقٍ، في تلك اللحظة، سألته هي بنبرةٍ باكية:
"حسن أنا ليه حاسة إن وجعك أكبر من كدا ؟! ليه المشكلة أكبر من اختك مش بتسأل عنك؟! الموضوع أكبر من كدا"
تنهد هو بعمقٍ ثم تحدث بنبرةٍ صوتٍ متحشرجة:
"عارفة ليه؟! علشان لما الدنيا حطتني قصاد حياتها في كفتين، اختارت كفة حياتها، كل مرة اتسابت فيها كانت الأجابة غامضة، مرة من أبويا لما مات و أنا عيل صغير، و من أمي لما سابتني و أنا مليش غيرها و من حنان لما حست اني عبء عليها، و من ريم اللي قررت تختار نفسها و مشاعرها على حسابي، كل دول أنتِ بقيتي قصادهم في كفة لوحدك، و لو حسبناها صح فأنتِ بالعالم كله عندي، مش عاوز حاجة تخليكي تحسي إنك متضايقة"
وضعت رأسها على كتفه مرةً أخرى بينما هو رفع كفه الحر ثم ربت على رأسها بخوفٍ و لا يدري ماذا يفعل في تلك المعضلة، كيف يجرؤ على التحدث أمامها، بأن شقيقته دائمًا تحذره من أبناء الرشيد و من «وئام» و «وليد» خاصةً، بالطبع ستثور ثائرتها و تقوم بهدم كل شيءٍ فوق رأسه.
يعلم أنه يسير بالطريق الخطأ في صمته، مثل من دلف المحطة مُتأخرًا عن موعد رحلته و حينما فاته القطار، اضطر لركوب أخرٍ دون أن يعلم وجهته، تلك هي حياته، اختار الصمت بدلًا من البوح دون أن يدرك نتيجة ذلك الصمت.
_________________________
جلست «مشيرة» في أحد الكافيهات العامة مع زوجها، و هي تنظر حولها بتوترٍ حتى اقترب منهما النادل يضع العصير على الطاولة الزجاجية ثم رحل من أمامهما، حتى تحدث «حسان» بنبرةٍ هادئة:
"اشربي يا مشيرة العصير، مش بتحبيه؟؟"
حركت رأسها موافقةً ثم تحدثت مسرعةً:
"لأ بحبه، أنتَ لسه فاكر أني بحب الفراولة ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"طبعًا، أنا عمري ما هنسى لما طلبتيها مني و أنتِ حامل و ساعتها قلبنا الدنيا عليها لحد ما جبناها علشان متطلعش لجميلة"
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أيوا افتكرت، الوحيد اللي طلعلي في العيلة وليد، نقطة ضعفه عصير الفرالة، و خلود برضه"
حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها فوجدها تقول بعدما تنهدت بعمقٍ:
"وحشوني أوي، وليد و جميلة و عبلة الهبلة دي و طارق كمان، و لسه فاضل كتير لحد ما يرجعوا"
رد عليها هو بقلة حيلة:
"حرام عليكي هما مشافوش شوية برضه، خليهم يتهنوا شوية في حياتهم، ربنا يديم ستره عليهم و يبارك في فرحتهم يا رب"
ابتسمت بغلبٍ و هي تقول:
"لو عليا عاوزاهم يفضلوا مبسوطين قبل ما السجادة تتسحب من تحت رجليهم، هما من حقهم يعيشوا مبسوطين، غيرهم اتغر و اتخدع فيها و النتيجة اهوه، نازلة من عند دكتورة نفسية"
رد عليها هو بنبرة صوتٍ حازمة:
"مشيرة أنا ساعدتك في الخطوة دي علشان أنا غلطان و غلطتي كبيرة و أنا مقتنع بغلطي، و لولا إرادتك إنك تيجي هنا بمزاجك، عمري ما كنت هجبرك على حاجة زي دي"
حركت رأسها موافقةً ثم تحدثت بصوتها الواهن:
"أنا جيت علشان أعرف أنام، جيت علشان أخلص من الذنب اللي بيلف حوالين رقبتي، عاوزة ارتاح، و عاوزاهم يطمنوا ليا، عاوزة لما أحضن خديجة أو وليد أو هدير أبطل أحس بالخوف و وجع الضمير، أنا عارفة إن اللي زيي ميستاهلش إنه حتى يتحب، بس أنا بحارب اهوه و بدفع نتيجة تهوري"
ابتسم هو لها و هو يقول:
"أنا قولتلك أنا معاكي في أي حاجة، و أظن كل حاجة أهيه بدأت تتصلح، و لسه لما يعرفوا إنك بتيجي عند الدكتورة كل دا هيخليهم يعرفوا إنك بتحاربي علشانك، رغم إنك عملتي كتير أوي يثبت إنك بتحاربي، أنتِ ضحيتي بنفسك علشان تنقذي ياسين و وليد، و خدتي حق خديجة من منة، و جيتي هنا علشانهم برضه، ربنا يكرمك و يوفقك يا مشيرة في كل حاجة بتعمليها"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له، فحرك رأسه يشير نحو الكوب و هو يقول مُبتسمًا:
"اشربي العصير يا مشيرة خلينا نروح، أنتِ بتنامي باين"
أخذت هي الكوب ترتشف منه و هو يطالعها مُبتسمًا ثم أخذ الكوب الخاص به.
_________________________
في النادي تفرفوا جميعًا، حيث ذهبت الفتيات مع «ريهام» و «يونس» و ذهب الرجال نحو ملعب كورة القدم يلعبون مع بعض الشباب، منهم زملائهم بالعمل جمعتهم صدفةً بحتة، استمرت الجلسة بينهم في جوٍ يملئه الحماس، حتى وقعت عيني «إيمان» على فتاةٍ ما تراقب الشباب بعدما توقفوا عن اللعب و خاصةً زوجها، تركت الفتيات ثم اقتربت من الشباب تقف على مقربةٍ منهم و عينيها لا تفارق تلك الفتاة حتى وجدتها تصطدم بـ «ياسر» حينما عاد للخلف بظهره و كأنها لا تتعمد فعل ذلك، رفعت حاجبها و ضمت ذراعيها أمام صدرها تراقب الآتي حتى وجدته يلتفت لتلك الفتاة و هو يقول مُعتذرًا:
"حصل خير أكيد مكانش قصدي أنا آسف"
ردت عليه هي بطريقةٍ زائفة:
"حصل خير و لا يهمك، هو حضرتك عضو معانا هنا ؟!"
حرك رأسه باستنكارٍ و قبل أن تتحدث هي من جديد، تفاجأت بكتفٍ يصدمها من الخلف عن عمدٍ، التفت الفتاة خلفها و قبل أن ترفع صوتها تحدث «ياسر» بتعجبٍ من تواجدها في ملعب الرجال:
"بتعملي إيه هنا يا إيمان؟! و سيبتي البنات ليه؟!"
ضمت ذراعيها أمام صدرها و هي تقول بتهكمٍ:
"جاية اتطمن عليك يا ياسوري، و لا هو دا حمام رجالي ؟! أومال السكر دي بتعمل إيه هنا ؟!"
ردت عليها الفتاة بتقززٍ من طريقتها:
"أنتِ بتتكلمي كدا ليه؟! اتكلمي كويس لو سمحتي، إيه الأسلوب دا"
تحدث «ياسر» بنبرة صوتٍ جامدة:
"اومال تكلمك ازاي ؟؟ هي بتتكلم كويس أهيه"
ردت عليه الفتاة مردفةٍ:
"تتكلم بأدب، أي اتيكيت في الموضوع ؟؟ دا اسلوب بيئة"
تحدثت «إيمان» بسخريةٍ:
"و الله ؟! يعني إيه أكلمك باتيكيت ؟! اكلمك بالشوكة و السكينة مثلًا ؟! و ألبس الكلام ببيونة ؟!"
حاول «ياسر» كتم ضحكته و في تلك اللحظة اقترب الثلاثة شباب حتى تحدث «خالد» مستفرًا:
"فيه إيه يا ياسر ؟؟ و إيمان بتعمل هنا إيه؟! إيه اللي جابك"
ردت عليه بثقةٍ:
"كنت ندراها يوم ما اشوف جوزي و هو بيلعب كورة أجي أشجعه و قصاد كل جول أزغرطله، أصل أنا بيئة"
قبل أن تتحدث الفتاة تعرف عليها «ياسين» فتحدث بذهولٍ:
"آنسة سوزي ؟؟ بتعملي إيه هنا؟!"
اقترب «عامر» من «خالد» يهمس له بخوفٍ:
"الحقنا لا تكون واحدة من اللي راح يخطبهم قبل كدا مش ناقصين مصايب احنا"
تحدثت الفتاة بنفس الدهشة و هي تقول:
"بشمهندس ياسين !! هو حضرتك بقيت بتيجي النادي؟!"
استمعت «خديجة» لذلك الحديث و معها الفتاتين الآخرتين، فتحدث «ياسين» بهدوء:
"دي أول مرة و ماظنش هتتكرر تاني، واضح أن فيه سوء تفاهم"
تحدثت «إيمان» بضجرٍ:
"و لا سوء تفاهم و لا نيلة، هي اللي خبطت في جوزي، و عمالة تتدلع من الصبح و أنا ساكتة"
تحدثت الفتاة بتعجبٍ:
"جوزك !! هو الأستاذ دا جوزك ؟!"
ابتسمت لها و هي تحرك رأسها موافقةً فاقتربت «خديجة» تسأل بضيقٍ:
"فيه إيه اللي بيحصل هنا ؟؟ من الآنسة دي"
رد عليها «ياسين» باحراجٍ:
"دي الآنسة سوزي يا خديجة، سكرتيرة عندنا في الشركة، اقدملك خديجة مراتي"
طالعتها الفتاة بتعالٍ و هي تقول:
"آهلًا و سهلًا، اتشرفت بمعرفتك"
ابتسمت لها الأخرى باقتضابٍ و هي تقول:
"الشرف ليا أنا يا آنسة، هو فيه حاجة؟!"
اقتربت صديقة الفتاة و هي تقول متعجلةً لها:
"خلصي يا سوزي دا كله واقفة عندك؟؟ مين دول مش تعرفينا على القمامير؟!"
ردت عليها الفتاة تقوم بمهمة التعريف:
"دا البشمهندس ياسين الشيخ، مهندس معماري في الشركة عندنا، و دول الأساتذة اصدقائه، و الآنسات معرفهمش بصراحة"
تدخلت «سارة» تقول بتهكمٍ:
"لآ آنسات إيه يا حبيبتي كلك نظر، مدامات، عقبالك كدا يا رب، شكلك لسه آنسة، مش آنسة برضه؟!"
حركت رأسها موافقةً بنظرةٍ أثارت استفزاز «إيمان» حتى تحدثت بضجرٍ:
"بصي عِدل يا حبيبتي، يا تبصي على قدك، مالك يا عسل ؟!"
ردت عليها الفتاة بتأفأفٍ:
"أنتِ سخيفة أوي بجد، مش فاهمة متجوزك على إيه, ازاي أصلًا أنتِ مراته"
قبل أن أيًا من الواقفين الوضع هجمت «إيمان» على الفتاة تمسكها من خصلات شعرها و هي تتوعد لها حتى اقترب منها «ياسر» و «خالد» و الفتيات يحاولن أبعادها عن الفتاة حتى صرخت هي في وجههم:
"سيبوني أعرفها متجوزني ليه، سيبوني علشان لما تروح للي خلقها تعرف الإجابة"
صرخ في وجهها شقيقها ينهرها عن فعلها حتى صمتت أخيرًا، فتحدث هو معتذرًا للفتاة:
"أنا متأسف ليكي يا آنسة، هى عصبية شوية، عن أذنكم...ورايا كلكم"
تحدث بنبرةٍ جامدة موجهًا حديثه لهم حتى تبعوه نحو الخارج، ثم جلسوا على المقاعد مرةً أخرى، فسألتها «ريهام» بحيرةٍ:
"أنتِ إيه اللي خلاكي تسيبينا؟؟ ما كنتي قاعدة جنبنا، و بعدين حصل إيه لكل دا؟!"
ردت عليها «إيمان» بضجرٍ و هي تستشيط غضبًا:
"الهانم واقفة هتاكلهم بعنيها، و الأول كانت واقفة عمالة تراقب في ياسين، بعدها نقلت على ياسر، و لحد ما خبطت فيه مستحملتش بقى"
رد عليها شقيقها بحنقٍ منها:
"قولتلك امسكي اعصابك شوية، بطلي تنفعلي على كل حاجة كدا، امسكي نفسك شوية، و بعدين يمكن صدفة"
صرخت في وجهه بقولها:
"متعصبنيش !! البت عينها هي و اللي معاها مش مفارقة واحد فيكم، إيه قلة الأدب دي، إيه النادي الزفت دا ؟!"
تحدث «عامر» بلامبالاةٍ و سخريةٍ:
"أكيد لبسهم هو السبب، أستاذ ياسر لابسلي جاكيت جينز و بنطلون بيج، و الأستاذ ياسين لابسلي سويت شيرت أسود و بنطلون زيتي، و أستاذ خالد لابس جاكيت اسود جلد و أنا لابس قميص كروهات، أكيد أغرينا البنات"
ضحكوا عليه بيأسٍ فتحدث «ياسين» مردفًا:
"الناس دي مش شبهنا و مش زينا، هما عندهم مفيش حدود و كل حاجة متاحة، يمكن علشان كدا أنا مش مقبول وسطهم هناك"
سألته «خديجة» بنبرةٍ مستنكرة:
"ازاي يعني ؟؟"
حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يجاوبها بقوله:
"علشان عندي حدود، هما هناك هزار و ضحك و خروجات، بالنسبة ليهم اللي بيعمل الصح كدا يبقى غريب، و أنا راضي أكون وسطهم غريب"
حركت رأسها بتفهمٍ فوجدت «يونس» على مشارف البكاء و هو يتوسل لوالدته بشيءٍ لم يدركه سواها، حتى سألتها «إيمان» بضجرٍ:
"بيعيط ليه ابن الزنان دا ؟! عاوز إيه تاني ؟!"
ردت عليها بقلة حيلة:
"عاوزني انا و أبوه نروح نركبه المراجيح سوا، مش أنا لوحدي و مش خالد لوحده"
تحدث «عامر» بمرحٍ:
"الواد دا بيفهم، خد ابنك يا خالد و متزعلوش، يلا قوم متزعلش يونس حبيبي"
زفر «خالد» مُستسلمًا ثم وقف و هو يقول بقلة حيلة:
"يلا يا يونس تعالى معايا علشان تركب المرجيحة، يلا يا ريهام قومي"
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت خلفه بعدما أمسك هو بيد صغيره الذي أخذ يقفز على الأرض بفرحٍ و هو يسير بجانب والده، فتحدث «عامر» بتأثرٍ:
"الحقوني !! أنا عاوز أجرب الاحساس دا، يلهوي يلهوي"
سأله «ياسر» بنبرةٍ ضاحكة:
"مالك يا أهبل أنتَ ؟؟ عاوز تجرب إيه مش فاهم؟!"
رد عليه مفسرًا:
"اجرب إحساس أني يكون عندي ابن كدا و أخده و نركب المراجيح سوا، إيه المشاعر دي؟!"
تحدث «ياسين» مفسرًا:
"دي غريزة الأبوة، بتتحرك تلقائيًا لما تشوف قدامك المشاعر دي ملموسة، زي الأمومة كدا، و بعدين يونس مغري لأي حد إنه يكون أب"
أيدوا حديثه بموافقةٍ مع إبتسامة هادئة رسمت على وجوههم، و زادت أكثر حينما وقع بصرهم على «يونس» و ضحكاته الرنانة مع والديه.
_________________________
توقفت سيارة «طارق» في منتصف الطريق في أحد الاستراحات العامة على الطريق حتى تدلف الفتيات للمرحاض، بينما ظل «وليد» بمفرده في السيارة ينتظرهم حتى أخذه تفكيره إليها، فابتسم تلقائيًا ثم أخرج هاتفه من جيب سترته و هو يبتسم بخفةٍ حتى اتسعت بسمته أكثر حينما فتح صورته معها، لم يستطع التحكم في نفسه أكثر من ذلك حتى طلب رقمها و الشوق في عينيه يتضح بقوةٍ، وصله الرد منها بسرعةٍ كبرى و هي تقول بلهفةٍ:
"وليد !! عامل إيه وصلت ولا لسه ؟!"
رد عليها هو بهدوء:
"أنا كويس يا حبيبتي متخافيش، لسه في الطريق عند الاستراحة التانية، بس هما دخلوا الحمام و أنا فضلت في العربية و قولت اكلمك لحد ما يخرجوا"
سألته بضيقٍ مصطنع حتى تشاكسه:
"يا سلام !! يعني حضرتك مكلمني كدا شفقة، لو هما موجودين هتنسي أنا بقى ؟!"
سألها هو بمعاتبةٍ:
"هو أنتِ عمرك تتنسي برضه؟! كل الحكاية أني كنت بقلب في صورنا سوا و مقدرتش أقاوم رغبتي في أني أسمع صوتك، أنتِ كويسة؟!"
ردت عليه هي بتأثرٍ:
"أنا عارفة بس بهزر معاك، متقلقش عليا....كويسة طول ما أنتَ كويس، و أظن كدا إنك كويس و فرحان"
ابتسم هو بحنين ثم تحدث يجاوبها مؤكدًا حديثها:
"مبسوط أوي و الله و بجد مش مجرد كلام، مبسوط بكل حاجة في حياتي، لو مبقيتش مبسوط بكل اللي عندي يبقى أنا جاحد على النعم يا خديجة، كفاية وجودك معايا لوحده، في حد ذاته دا نعمة كبيرة"
لمعت العبرات في عينيها و اختنق صوتها و هي ترد عليه:
"خلاص بقى متخلنيش أعيط، افرح و اتبسط كدا و عيش حياتك، الأسبوع دا مبيتكررش تاني، اللي بيجي بعده الله الأعلم بيه"
ظهرت ضحكة طفيفة على وجهه ثم قال ساخرًا:
"حاضر يا خديجة، خلي بالك من نفسك و سلميلي على ياسين و على اللي معاكي، عاوزة حاجة مني أو من إسكندرية ؟!"
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ عارف أنا عاوزة إيه متستهبلش، لو نسيت هزعلك"
رد عليها هو مُسرعًا:
"مقدرش أنسى حاجة تخصك، وعد مني هجيبلك اللي نفسك فيه، أنا عامل حسابي أجيب للكل بس أنتِ هتوصى شويتين بيكي"
ظهرت السعادة الغامرة على مُحياها بعد حديثه، ثم أغلقت الهاتف معه و هي تتنهد بعمقٍ.
أغلق الهاتف معها ثم حرك رأسه للخارج حتى يستعلم عن خروجهم، فوجدهم يخرجون من المكان، يحملون أشيائًا في أيديهم، حتى دلفوا السيارة، فتحدث هو بسخريةٍ:
"هو أنتم جايين مزنوقين من القاهرة لحد اسكندرية؟! معندكوش حمامات في بيوتكم؟!"
تحدث «طارق» مفسرًا:
"أنتَ مالك يا بارد، كنا بنجيب سندوتشات لينا كلنا، مش عارف فيه أكل هناك ولا لأ"
رد عليه يجاوب على حديثه:
"فيه، عم محمود كلم عم شعبان و قاله يجيب حاجات يحطها في الشقة اللي تحت، و قاله يجيبه ناس يروقوا البيت متخافش"
تنهد «طارق» بأريحية ثم أعطاه الطعام و هو يقول بحنقٍ زائفٍ:
"أمسك يا أخويا، عبلة صممت تجيبلك الكبدة اللي بتحبها، انتم تحبوا في بعض و اتدبس أنا"
أخذ الطعام منه وهو يبتسم بهدوء ثم التفت لها يقول بنبرةٍ هادئة:
"ربنا يخليكي ليا يا عبلة، شكرًا"
ابتسمت له و هي تقول بخجلٍ:
"متشكرنيش، إحنا واحد ولا إيه ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم اعتدل في جلسته، فتحدث «طارق» بسخريةٍ:
"يا حبايبي !! عصافير كناريا ؟! شايفة يا جميلة؟! واخدة بالك"
ردت عليه بحنقٍ:
"عاوز إيه مش فاهمة؟! مش إحنا جيبنا الأكل سوا مع بعض ؟! أعمل إيه تاني؟!"
رد عليها بضجرٍ:
"متعمليش حاجة خالص، أنا اللي هعمل كل حاجة و هقول كمان، خليكي ساكتة كدا"
حرك «وليد» رأسه ينظر له بسخريةٍ و هو يقول:
"أنتَ بقيت قليل الأدب ليه؟! السِكة دي كانت بتاعتي أنا، هندخل على شغل بعض ولا إيه؟!"
رمقه «طارق» بغيظٍ و هو يقول
"بس يالا اخرس خالص، مالك شكلك بقيت هادي كدا و بصراحة أنا مش مطمنلك"
ابتسم له «وليد» ثم قال بقلة حيلة:
"بصراحة ؟؟ عاوز اهدا شوية يا طارق، عاوز أفرح كدا و أخد نفس عميق يخليني أنسى اللي فات، و بعدين خلاص هتشاقى ليه؟! اللي عاوزه من الدنيا خدته خلاص، بس أنا متعود انها لما بتديني حاجة، بتاخد قصادها حاجات، و أنا مش مستعد لأي حاجة تتاخد مني دلوقتي"
سألته «جميلة» بقلقٍ:
"مالك يا وليد ؟! فيه حاجة مزعلاك ؟؟"
حرك رأسه نفيًا ثم التفت لها يقول مُفسرًا:
"خالص و الله، أنا يمكن بس مستغرب الفرحة، تقولي إيه بقى ؟! أخوكي وش فقر"
ابتسموا له فتنهد هو بعمقٍ ثم قال:
"يلا يا جماعة كلوا قبل الأكل ما يبرد، احنا هنوصل ميتين أساسًا"
_________________________
في النادي توقف «خالد» عن تحريك الأرجوحة حينما صدح صوت هاتفه، فأخرجه من سترته و هو يقول بنبرةٍ هادئة لزوجته:
"معلش يا ريهام هرد على التليفون دا تبع الشغل، و هجيلك"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له، ثم وقفت موضع وقوفه حتى تحرك الصغير على الأرجوحة، لكنها تفاجأت به يحاول النزول من عليها حتى يذهب خلف والده، و قبل أن تدرك ما فعله سقط من على الأرجوحة، فركضت هي مسرعةً بخوفٍ، لكنها تفاجأت بكف أحدهم يحول بين «يونس» و بين الأرض، فاقتربت من الصغير تسأله بلهفةٍ و هي تتفحصه:
"يونس !! فيك حاجة ؟! اتعورت طيب ؟! أنتَ كويس ؟!"
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فقبلت هي وجنته ثم احتضنته بدوافع غريزة الأمومة حتى تفاجأت بذلك الواقف جوارها و هو يقول بخبثٍ:
"يا بختك يا يونس"
رفعت رأسها تطالعه بعينيها و هي تقول بضجرٍ:
"نعم !! حضرتك بتقول إيه؟!"
نظر لها بخبثٍ و هو يتفحصها ثم قال بنبرةٍ ذات مغذى:
"العسل ماله مكشر ليه؟! و بعدين مش تخلي بالك على اللي معاكي؟!"
رفعت صغيرها من على الأرض حتى تتحرك و تترك ذلك الوقح الذي يقف أمامها، فتحدث هو مُسرعًا:
"بالراحة بس مالك يا عسل قفوشة كدا ليه؟! حتى علشان خاطر يونس"
قبل أن تهم بالرد عليه تفاجأت به يقع على الأرض حينما ضربه «خالد» في وجهه بعدما اتى من خلفها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"و أبو يونس هيربيك يا روح أمك"
قال حديثه ثم هجم عليه يسدد له بعض اللكمات في وجهه و هو يسبه ببعض الشتائم، حتى ركض إليه أخوته يرفعونه من على ذلك الشاب و معهم أفراد الأمن، حتى تحدث «ياسين» بلهفةٍ:
"عملك إيه يا خالد !! نهارك مش فايت دا وشه باظ"
رد عليه و هو يلهث بقوةٍ:
"يغور في داهية ياكش يموت.... البيه واقف يعاكس في مراتي و بيضايقها"
اعتدل الرجل واقفًا بعدما اسنده رجال الأمن، و هو يقول متوعدًا له:
"أنا مش هسيبك، هخرب بيتك و ابيتك في الحجز، أنتَ متعرفش أنا مين يا مهزق أنتَ ؟!"
اقترب «عامر» يمسكه من تلابيبه و هو يقول بضجرٍ بعد سبة أخيه:
"المهزق هو الدكر اللي خلف بغل زيك و نسي يربيه، كلم أخويا عدل بدل ما اكمل أنا عليك"
أقتربت «سارة» تمسك يد زوجها و هي تقول بخوفٍ:
"خلاص يا عامر بقى سيبه، خلاص يلا"
نظر لها الرجل بوقاحةٍ و هو يقول:
"هي الحلوة دي تبعك؟! و كل الحلوين دول معاكم؟؟"
في خلال ثوانٍ اجتمع عليه الأربعة شباب يضربونه بغلٍ دفين بعد وقاحته تلك و تطوله على زوجاتهم بالنظر و الحديث، و بعد مرور دقائق من تم الفصل بينهم، و بعدها تم أخذ الشباب و الرجل نحو أقرب قسم شرطة بالمنطقة، و الفتيات في الخلف يشعرن بالخوف حتى قامت «إيمان» بإخراج هاتفها حتى تتواصل مع «رياض» و بعدما رد عليه صرخت في المكالمة و هي تقول:
"الحقنا يا عمو رياض !! الشباب اتقبض عليهم"
_________________________
في بيت آلـ «الرشيد» كان «أحمد» جالسًا مع «خلود» و «سلمى» فوق سطح البيت، نظر حوله فوجد كل شيءٍ خالي من الروح، و كأن البيت برحيلهم اصبح مثل حديقة الزهور التي تحولت من الألوان اليافعة المُزهرة إلى الزهور الذابلة و كأنها فقدت الروح، تنهد بعمقٍ ثم حرك رأسه يطالع كلتا اللتين أمامه يستذكرا دروسهما، فتحدث هو بضجرٍ:
"إيه الزهق دا يا جدعان !! مش ورايا حاجة اعملها ؟! بتعملوا إيه في الحالات اللي زي دي؟؟"
سألته «خلود» بضجرٍ:
"عاوز إيه أنتَ ؟! قاعد على النت و مش وراك شغل و لا مذاكرة و لا أي حاجة، يبقى كبر دماغك و خلينا في الهم اللي احنا فيه"
رد عليها هو بتهكمٍ:
"عينك يا حلوة !! هتجيبيني الأرض كدا، بس أنا زهقت"
ردت عليه «سلمى» بخوفٍ:
"صدقني دا أحسن مليون مرة من احساس الخوف من حاجة ملكش يد فيها"
عقد ما بين حاجبيه بحيرةٍ فأضافت هي بصوتٍ مختنقٍ:
"عمري ما تخيلت إن الشهور دي تكون صعبة عليا كدا، من شهر ١٢ و أنا مضغوطة في الثانوية العامة، كلهم قالولي إن الشهور دي بتجيب اكتئاب بس لما جربت حاسة أني عاوزة أعيط"
قالت حديثها ثم تركت القلم و بكت رغمًا عنها بعدة مشاعر مختلطة يغلب عليها الخوف من القادم، حتى اندفعت «خلود» تترك موضعها ثم احتضنتها و هي تقول مواسيةً لها:
"بتعيطي ليه بس ؟؟ تغور الثانوية العامة، فداكي الثانوية، فداكي ألف ثانوية، أحمد راضي بيكي كدا"
ضحكت «سلمى» رغمًا عنها بين ذراعيها حتى اقترب «أحمد» يجلس بجوارهن و هو يقول:
"مالك يا سلمى ؟! بتعيطي كدا ليه؟! أومال لو مش بتذاكري و تصلي و بتصحي من الفجر بقى؟!"
مسحت دموعها و هي تقول بصوتٍ مختنق:
"أنا في وقت صعب أوي، مش عارفة أرجع أذاكر اللي فات و لا اركز في اللي جاي، و لا أعمل الاتنين سوا، حاسة اني تايهة أوي، و الحلم عمال يكبر جوايا و مش هقبل نفسي في كلية غير اللي حلمت بيها، أنا عاوزة اهرب"
طالعتها «خلود» بشفقةٍ، بينما «أحمد» تحدث بهدوء يحاول بثها الطمأنينة:
"النتيجة دي بيد ربنا سبحانه وتعالى، إحنا بنسعى علشان مطالبين بالسعي، لكن النتيجة دي كرم و توفيق من ربنا، مش ثانوية عامة هي اللي تخليكي تيأسي من رحمة ربنا، خلي املك في ربنا كبير و اعرفي إن مفيش حد تعبه بيروح على الفاضي"
حركت رأسها موافقةً، فأخرج هو هاتفه ثم أشار لهما بالتريث و كلتاهما تتابعه بتعجبٍ، بينما هو ضغط على الرقم المُراد حتى وصله الرد و هو يقول بهدوءه المعتاد:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أحمد، إيه المفاجأة الحلوة دي؟!"
رد عليه الأخر بعدما فتح السماعة الخارجية:
"أنا بخير يا عمار الحمد لله، معلش أنا بستأذنك هفتح السماعة علشان عاوز ناس تسمع المكالمة دي"
رغم الحيرة و الدهشة التي ظهرت عليه إلا أنه وافق و رحب بذلك أشد ترحيبًا، و على الجهة الأخرى ظهر الاستنكار يعلو وجهيهما حتى تحدث «أحمد» مفسرًا للجميع:
"دلوقتي سلمى بنت عمي عمالة تعيط و خايفة، و عندها اكتئاب الثانوية العامة، بما إنك ما شاء الله يعني اللهم لا حسد دخلت كلية صيدلة، تقدر تقولي الحل إيه علشان تبطل عياط؟!"
ابتسم «عمار» على الجهة الأخرى حتى ظهرت البسمة في حديثه و هو يقول:
"بص هو علميًا و عمليًا الشهور دي بتكون فيها اكتئاب و ضغط أكتر من فترة الامتحانات و دا على كل طلاب الثانوية العامة حتى أوائل الجمهورية نفسهم، لإن الحيرة الفترة دي صعبة، و الحماس بيقل و الخوف بيزيد علشان الامتحانات قربت، لو الفترة دي مستغليتهاش صح يبقى الضغط و التوتر هيزيد"
سأله «أحمد» مُسرعًا:
"أيوا !! نعمل إيه بقى علشان نستغل الفترة دي يا عمار؟! معلش بنتقل عليك"
رد عليه يرفع عنه الحرج بقوله:
"لأ خالص متقولش كدا يا أحمد، أنا عيوني ليكم، بصراحة ياسين و ياسر عملولي جدول حلو كنت ماشي بيه طول السنة و في نفس الفترة دي أنا كنت حاسس بالتعب، بس النظام اللي مشيت عليه ريحني و جاب معايا نتيجة"
توقف عن الحديث لبرهةٍ من الزمن ثم تابع من جديد شارحًا لهم:
"أهم حاجة الفروض و الورد اليومي علشان البركة تملا اليوم، و تاني حاجة اليوم ميكونش عشوائي، يعني على الأقل تكون محدد عاوز تنجز إيه، تالت حاجة بقى و دي الأهم، مينفعش تروح تمسك مادة كاملة و تقول هخلصها في يوم !! كدا هتتعقد منها و من المذاكرة بأنواعها، الحل إنك تركز في اللي بتاخده دلوقتي و تضاعف تركيزك فيه بس معاه تاخد فصل من نفس المادة و تراجع عليه"
سألته «سلمى» بحيرةٍ:
"ازاي دا ؟؟ اعمل الاتنين مع بعض؟!"
رد عليها مؤكدًا:
"أنا كنت مقسم الأسبوع كل يوم مادة، المادة ليها يوم مخصص بيها هي، مثلًا لو السبت كيميا يبقى هذاكر اللي خدته في الدرس النهاردة و أحل عليه و أخد درس أو باب من القديم في نفس المادة أراجع عليه، و هكذار في باقي المواد، أركز في الجديد و أخد جزء بسيط من القديم و كدا ابقى مسكت العصاية من النص، بهتم و أذاكر الجديد و براجع و بلمح القديم، ظبطي كدا
في كل المواد.
أهم حاجة بقى هو نظام نومك، يعني مثلًا تصحي من الفجر، الساعات دي فيها خير و بركة و أحاديث كتير عن فضلها و كلام كتير من العلماء، و ياريت بلاش تبدأي مذاكرة من بليل لحد الصبح، دا مش صح....لان قوة تركيز العقل في الوقت دا بتكون أقل من الطبيعي و بالتالي المجهود هيكون أكبر و الكَم أقل، غير كدا لما بنبدأ مذاكرة بليل طبيعي بنحس بتوتر غصب عننا، و دا علشان الضلمة و الليل دايمًا هيحسسوكي إنك في سباق و لازم تخلصي بسرعة، العكس بقى لو بالنهار هتكوني متطمنة حتى لو الليل دخل، بس الجسم تلقائيًا هيرتاح علشان دي طبيعته.
ظبطي يومك و وقتك و توكلي على الله سبحانه وتعالى، محدش بيتكل على الله و بيسلمه أمره و بيتخذل، و افتكري إن فيه رزق ليكي في مكان محدش ينفع ياخده غيرك و المكان مينفعش تكوني موجودة في غيره، حتى لو مش الكلية اللي حلمتي بيها، فيه مكان تاني أحسن، ياسين علطول كان يقولي تبقى مبسوط لو دخلت كلية من اختيارك، و تبقى مُبخت و محظوظ لما ربنا يختارلك الكلية، و فعلًا جيبت مجموع يدخلني طب بس ربنا أراد أني ادخل صيدلة علشان المجال اللي بحبه، ربنا يوفقك و يسهلك كل صعب أنتِ و كل طالب ثانوية عامة.
تنهدت هي براحةٍ اجتاحت ثنايا روحها، بينما «أحمد» شكره و اثنى على حديثه و طريقته و مجهوده ثم أغلق معه المكالمة، فاحتضنت «سلمى» «خلود» و هي تقول بفرحةٍ كبرى:
"أنا ارتاحت أوي و الله، هعمل كل اللي قالي عليه و ربنا يكرمني زي ما كرمه كدا إن شاء الله"
احضتنها «خلود» و هي تمسد على ظهرها بحبٍ و عقلها مشغولًا في التفكير به و في طريقته، بينما «أحمد» ابتسم براحةٍ كبرى حينما شعر بهدوء توترها و في تلك اللحظة أراد أن يأخذ عنها خوفها حتى لا يرى ضعفها بتلك الطريقة.
_________________________
في احدى المناطق الراقية في محافظة الأسكندرية كانت تجلس تلك السيدة التي لم يظهر عليها السن بعد، زفرت بقوةٍ بعدما فشلت في التواصل مع أخيها، ثم أخرجت رقمًا ينافي الرقم السابق حتى وصلها الرد من الجهة الأخرى فقالت هي معتذرة:
"أنا متأسفة جدًا علشان بكلِمك في الوقت دا، أنا إن شاء الله نازلة القاهرة أخر الأسبوع دا، عروسنا الحلوة تجهز علشان حسن أخويا يشوفها، مش أنتِ قولتيلي إنها من القاهرة؟!"
وصلها الترحيب من الجهة الاخرى بحديثها، فأضافت هي باستحسانٍ:
"تمام كدا، نتقابل أخر الاسبوع و أنا هبتعلك العنوان و كل التفاصيل"
اغلقت الهاتف بعد تبادل أطراف الحديث الغير مُفصلة ثم نظرت أمامها بشرودٍ، حتى اقترب منها شابٌ يجلس مقابلًا لها و هو يقول بحيرةٍ:
"برضه هتعملي اللي في دماغك ؟؟ ما تكبري هو مش عاوز يتجوز يا ماما خلاص، خليه براحته"
ردت عليه هي مسرعةً:
"لأ خلاص مفيهاش رجوع دي، كلمت الست و العروسة هتقابلنا يوم الجمعة، غصب عنه هيشوفها"