رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثالث والخمسون بقلم شمس بكري

أصابني من كل خزيٌ بالعالمِ داء..
و كانت وحدها نظرة عينيك الدواء.
_________________________

و كأنني أصبحتُ طيرًا يُحلق في الآفاق، و غدوت أتساءل هل امتلكت جناحين أم أن مدينتي احتوتني في عناق؟! فغدا قلبي آمنًا هادئًا؛ بعدما مزقه ألم الفراق و كأنني تزوقت جُرعةً من لوعة الاشتياق، الآن فقط هدأ قلبي و أنار دربي و كأن هدوء العالم بأجمعه وُجِدَ في سربي، الآن فقط حصلت على حُبي، فراح القلب يُهلل:
"ها قد حصلت على ما تمنيته، ها قد نِلتُ ما وددته، الآن أصبح ما أردته لي و أنا له"

خرج «وليد» و في يده «عبلة» بعدما سلمها له والدها و خلفه «طارق» و في يده «جميلة»، و البقية خلفهم نحو الحديقة الملاحقة بالقاعةِ حتى يتم التقاط الصور الخاصة بالعروسين ، و لكن المفاجأة التي أذهلت الجميع هو وجود «عامر» و بجانبه سيارتين غريبتين الأطوار، من يراهما من الوهلة الأولى يظن نفسه داخل حُلمًا جميلًا و بالأحرىٰ داخل أحد الأفلام الكرتونية الشهيرة، حيث كانت السيارة مُصممةً بنفس هيئة سيارة تلك القصة الشهيرة "سندريلا" و يرافقًا خيلٌ باللون الأبيض و مع بداية حلول الليل و الظلام من حولهم ظهرت الاضاءة الذهبية التي قام «عامر» بتزيين العربات بها.

وقف بين السيارتين بشموخٍ و ثقةٍ و هو يبتسم للجميع الذين طالعوه بدهشةٍ يَرافقها التعجب و الحيرةٍ، فتحدث هو مُفسرًا:
"دي عربية السندريلا، علشان أخواتي مش أي حد، لازم يكونوا زي الفارس اللي خد عروسته على الحصان الأبيض"

شقت البسمة أوجه الجميع بعد جملته و في ذلك الحين ركض إليه «وليد» يحتضنه بقوةٍ و هو يربت بذراعيه تزامنًا مع قوله الذي أظهر تأثره و عاطفته:
"ربنا يخليك ليا يا عامر، هتفضل أحسن أخ في الدنيا كلها"

حرك «عامر» كفيه على ظهره حركاتٍ رتيبةٍ و هو يقول بنبرة صوتٍ متحشرجة:
"و أنتَ حبيبي و ربنا، ربنا يتمم ليلتك على خير و يفرحك دايمًا"

ابتعد «وليد» عنه و التأثر بلغ مبلغه على وجهه و نظرة عينيه، فاقترب «طارق» منهما و احتضن  «عامر» و هو يقول بامتنانٍ له:
"تسلم يا غالي، و شكرًا على تعبك و على كل حاجة بتعملها"

ابتسم له ثم قال بفخرٍ:
"و لسه يا واد، الليلة دي كلها مفاجأت صبركم عليا بس، يلا علشان تلحقوا تتصورا"

ابتعد عنه «طارق» و هو يبتسم له، بينما «ياسين» وقف بجانب زوجته و هو يبتسم، فحركت رأسها تطالعه بعينيها و حينما رأت البسمة على وجهه سألته بتعجبٍ:
"فيه إيه ؟! بتضحك كدا ليه؟!"

حرك رأسه حتى يتسنى له رؤيتها و هو يقول بنبرة صوتٍ هادئة:
"علشان عامر، دماغ رايقة و الله، بصي كدا العربيات مع الأجواء، تحسي إن الفرح معمول في ديزني لاند"

ابتسمت له و هي تقول:
"هو بصراحة دماغ أوي، بس فكرته حلوة و هتخلي الفرح دا حاجة تانية، تعرف ؟! كان نفسي أركبها أوي العربية دي"

أمعن النظر في وجهها ثم حرك رأسه موافقًا بهدوء، فحركت رأسها للأمام و هي تطالع الجميع حولها، ثم رفعت رأسها له تسأله من جديد:
"بس قولي بصحيح، طلعت منقي الفستان و سايبني عمالة اختار و أحتار، مش سهل أنتَ برضه"

مال على أذنها يهمس بهدوء:
"عيب لما أكون ابن رياض الشيخ و معملش حسابي في حاجة زي دي، دا يتبرى مني، يرضيكي ؟!"

حركت رأسها نفيًا وهي تحاول كتم ضحكتها، فغمز هو لها بثباتٍ، حتى وجدها تتمسك بذراعه و هي تقول بصوتٍ مرحٍ:
"أنا فرحانة أوي أوي النهاردة، اقولك حاجة ؟! فرحانة أكتر من يوم فرحنا"

رفع حاجبه يطالعها بغير تصديقؤ فوجدها تضيف مسرعةً:
"مش قصدي....مش قصدي، بس يوم فرحنا كان توتر و خوف و قلق، بس لما شوفتك و أنتَ جاي تاخدني كنت زي الفراشة طايرة في السما، دلوقتي فرحانة علشان عبلة و وليد و علشان طارق اللي صبر كل دا و اتحرم منها و علشان جميلة اللي عاشت بعيد عننا، و دلوقتي ربنا كرمها، فرحتهم مخلياني طايرة"

ابتسم لها باتساعٍ و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"و علشان قلبك الطيب دا ربنا بيكرمك بكل الخير، و أظن أنا الخير كله و لا عندك شك؟!"

حركت رأسها نفيًا وهي تقول بصوتٍ ضاحك:
"لأ شك ازاي ؟! دا أنتَ الخير و البركة برضه"

تلاشت بسمته و حل محلها الجمود الزائف، فسألته هي بطريقةٍ أضحكته:
"أقولك حاجة و متضحكش ؟!"
أمسك يدها بيأسٍ و هو يقترب بها من والديه و هي خلفه يسحبها بقوةٍ و هي تضحك عليه و على تبدله.

و في المنتصف كانتا «عبلة» و «جميلة» بقربها تنتظر كلتاهما قدوم عريسها بعدما ركب كلًا منهم السيارة الخاصة به التي جلبها لهما «عامر» و قبل اقتراب كلًا منهما بالسيارة أشار «عامر» للعامل في الخلف الذي ضغط على الألعاب النارية بألوانها في السماء و كأنهما في أحد الأفلام الشهيرة، فكل من بالمكان، ظن أن هذا المشهد خاص بأحد الأفلام و يتم تصويره بهذا المكان، 

و إبان ذلك خرج «وليد» بجزعه من السيارة بعدما اقترب من «عبلة» و هو يمد كفه لها، فابتسمت هي بسمتها الصافية له ثم مدت كفها له حتى تركب السيارة بجواره، و بعدما دلفت هي، اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم خرج من السيارة، و بعدها صعد على الخيل و الجميع حوله ينظرون له بفرحةٍ كبرى تماثل فرحته التي حصل عليها أخيرًا، و فعل المثل «طارق» و سار خلفه بسيارته و من بعدها بدأ التقاط الصور الخاصة بهم بعدما قام المصور الفوتوغرافي بضبطهم و تجهيزهم للصور.

وقفت «هدير» بجوار شقيقتها و هي تبتسم باتساعٍ على مداعبة «فارس» الذي أخذ يبتسم في نومه على الرغم من الصخب حوله، حتى اقترب منها «حسن» يقف بجوارها فحدثته هي بفرحٍ:

"تعالى بُص يا حسن !! فارس بيضحك و هو نايم و شكله حلو أوي"

ابتسم لها ثم مد يده لـ «هدى» و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هاتيه أشيله بعد أذنك يا هدى"

حركت رأسها موافقةً ثم أعطته له و هي تبتسم ثم قالت مُسرعةٍ بعدما سلمته الصغير:
"خليك بقى ماسكه و أنا هروح أخلي أحمد يصورني مع وئام قبل ما ينشغل عني، سلام"

حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم بيأسٍ، فتحدثت «هدير» بتهكمٍ:
"أمهات أخر زمن بصحيح، روحي يا أصيلة، سيبتي ابنك علشان تتصوري مع جوزك ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"آه عادي يعني، هو مع حد غريب ؟! مع عمه و خالته، خلي بالك بس لو صحي ابقي طبطبي عليه"

انسحبت من أمامهما بعدما لوحت بكفها تودعهما، بينما «حسن» تحدث بسخريةٍ:
"مالك !! هتاكليها يا ستي؟!"

حركت رأسها بعشوائيةٍ في عدة جهات غير متناسبة ثم قالت:
"هدى اتهبلت، كانت عقلة و الله، بس الخِلفة طيرت عقلها خلاص"

ابتسم لها ثم حرك رأسه للأسفل ينظر لذلك الصغير الذي يسكن بين ذراعيه بهدوء حتى وجد نفسه يبتسم تلقائيًا و هو يتذكر كيف كان يتمنى أن يَمن الله عليه بتلك النِعمة، و كم كان يتخيل حياته مع صغيره الذي كان يدعو الله أن يأتي لدنياه حتى يكون له عونًا، لكن الله لم يشاء له بتلك الهِبة، فتيقن هو مؤخرًا أن ذلك لحكمةٍ لم يعلمها سوى الخالق.

كانت «هدير» تطالعهما بعدة مشاعر مختلطة و بعينين يغزوها الدمع تأثرًا بمشهده مع الصغير، و قبل حتى أن يرفع هو رأسه كانت تعلم بما يجول بخاطره دون حاجتها للتفسير، فرفع هو رأسه حينما شعر بها تمسح دموعها الساخنة حينما شعرت بها على وجهها، فسألها هو بتعجبٍ بنبرة صوتٍ متحشرجة:

"مالك يا هدير ؟! بتعيطي ليه ؟!"

ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:
"لأ مش بعيط و لا حاجة يا حسن، هو بس ممكن يكون الهوا مخلي عيني تدمع"

حرك رأسه باستنكارٍ لها، فهزت رأسها عدة مراتٍ تؤكد صدق ما تفوهت به، فرفع كفه هو يمسح دموعها فوجدها تتنفس الصعداء بعمقٍ و هي تقول:
"حسيت بيك دلوقتي، حسيت إنك اتحرمت من كذا حاجة، في الأول كنت بغير و ساعات كنت بحس أني متضايقة علشان كان فيه واحدة تاني قبلي، بس كل مرة ببصلك غصب عني ساعات بفرح علشان بحس أنتَ قد إيه تعبت، ربنا يعوضك يا حسن لحد ما تنسى إنك تعبت في يوم"

ابتسم هو بسمة طفيفة لم تصل إلى عينيه ثم اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال بعدما طالعها بنظرى عينيه الصادقة:
"عوضني....ربنا كرمني بيكي يا هدير و أنا نسيت كل حاجة عدت، و بعدين أنتِ بقيتي بتتأثري كدا ليه، مش دي هدير اللي عارفها من صُغري"

ابتسمت له و هي تسخر من نفسها بقولها:
"مش عارفة بقى أنا بقيت مرهفة الإحساس و دي حاجة زفت، أنا مكنتش طيبة كدا، الله يسامحك بقى"

ابتسم لها ثم رفع ذراعه يحتضنها بقوةٍ و الذراع الآخر عليه «فارس»، حتى تحدثت هي بطريقةٍ غريبة و كأنها طفلة تتمنى دُميةً في يد زميلتها:
"حسن، أنا عاوزة أجيب عيل زي فارس منك"

ضحك هو عليها و على جملتها العفوية، فابتعدت عنه ترمقه بحنقٍ، حينها حرك رأسه موافقًا ثم قال ساخرًا منها:
"حاضر يا هدير، ربنا يكرمنا إن شاء الله و هجبلك عيل زي فارس، هو رنجة ؟! دا إيه الهم دا"

ضربته في كتفه و هي ترمقه بغيظ من سخريته، فابتسم لها مع قوله:
"ربنا يكرمنا إن شاء الله و يكتبلي الاحساس دا و أعيشه معاكي"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت حتى تشاكسه:
"طب يلا علشان نشوف حد يصورنا، بقالي كتير منزلتش صور معاك على انستجرام"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"هو أنتِ لسه محسساني إنك متجوزة رحالة، أنا لو اختفيت محتواكي هيضيع"

حركت رأسها مسرعةٍ و هي تقول:
"يا أخي بعد الشر، نكدو و الله نكدو، تختفي تروح فين يعني؟! أنا على قلبك مش هسيبك، اعتبرني تخليص الذنوب اللي عملتها و لبست فيا"

مال على أذنها يهمس بهدوء:
"لو الوقوع في الحب ذنب و أنا عن سكته كنت غايب، فأنتِ عينك غوتني بعدما كنت تايب"

 رفعت رأسها تطالعه بدهشةٍ فوجدته يلتفت حوله ثم باغتها بقبلةٍ على وجنتها و هي تقف متسمرةً من طريقته الغريبة التي تتبدل في غضون ثوانٍ، فأمسك هو كفها ثم قال بمراوغةٍ:

"يلا علشان نتصور"

حركت رأسها موافقةً ثم سارت خلفه و هي تكاد تُجزم بأنه يُعاني من انفصام الشخصية، فتبدله بتلك الطريقة لم يكن طبيعيًا.

إبان ذلك كان الجميع منتشرون في الخارج وسط الحقيبة و كلًا  منهم بوضعٍ مختلف بين التصوير و المرح و المشاكسة، و كانت «هدى» تقف بجوار زوجها تلتقط معه الصور و «خلود» تقوم بتصويرهما سويًا حتى نفخت وجنتيها بحنقٍ ثم قالت:
"خلاص بقى !! العريس و العروسة متصوروش كدا، انجزوا"

رمقتها «هدى» بغيظٍ و هي تقول:
"يا باردة صوري، معرفتش اتصور معاه في فرح خديجة كنت حامل، صوري يا رخمة"

نفخت وجنتها بضجرٍ ثم قالت:
"حط إيدك على كتفها خليني اصوركم، يلا يا وئام"

حرك رأسه يطيح لها و هو يقول بسخريةٍ:
"ايدي على كتفها !! هو أنا بتصور مع أمي؟! ناقص تقوليلي بوس راسها، صوريني و أنا بلفها بإيدي"

ابتسمت «هدى» باتساعٍ، بينما «خلود» تحدثت بضجرٍ:
"دا إيه المراهقة المتأخرة دي بقى ؟! أنتم مش معاكم عيل ؟!"

قبل أن ينطق «وئام» تحدثت «هدى» بضجرٍ منها:
"صوري يا معدومة المشاعر، يا جِبلة يا باردة، إيه يا بت دا ؟! الله يصبره اللي هتبقي من نصيبه"

ابتسمت «خلود» رغمًا عنها، بينما «وئام» أمسك كف زوجته و هو يقول بمرحٍ:
"يلا يا خوخة، صوري و أنا بلفها بإيدي، دي هدى حبيبة قلبي"

ابتسمت «هدى» له، فرفع رأسه ينظر لها و هو يقول بصوته الرخيم:
"هدى حبيبتي و صاحبتي و أختي و مراتي و أم ابني، و كل حاجة كان نفسي فيها في يوم لقيتها فيها هي"

تدخلت «خلود» تقول بتهكمٍ:
"خلاص حركتوا مشاعري، يلا بقى علشان نلحق الزفة قبل ما عامر يبدأ"

حرك رأسه موافقًا ثم أمسك كف زوجته و هي تدور حول نفسها و كفها يمسك كفه، و هي تضحك بسعادةٍ و «خلود» تلتقط الصور لهما معًا و رغمًا عنها ابتسمت بفرحةٍ، على الرغم من كونها شخصًا عمليًا، قليلة التعامل بالمشاعر، و لكن في بعض الأحيان تعترف بينها وبين ذاتها أنها من بين كل تلك القصص المحيطة بها، تود معايشة قصةً مثلها

أقترب منهم «حسن» و زوجته، فتحدثت «خلود» بفرحٍ:
"الله أكبر، حسن و هدير، أحسن مصور في مصر، تعالى صورهم بقى علشان تعبت"

رفع حاجبه لها و هو يقول بسخريةٍ:
"أحسن مصور في مصر !! أنتِ بتشتغليني خلي بالك بس هعديها بمزاجي"

حركت رأسها نفيًا و هي تقول مُسرعةً وسط الضحكات من الأخرين:
"خالص و الله، حد ينكر إنك دارس التصوير و فاهمه كويس؟!"

حاول كتم ضحكته عليها، فتحدثت «هدير» لها بخبثٍ:
"و علشان تبقي عملتي انجاز، هتصورينا أنتِ، يلا يا حلوة"

تلاشت بسمة «خلود» تدريجيًا، فرفعت «هدير» أحد حاجبيها و هي تقول بنبرةٍ متريثة:
"ها يا خوخة !! هتصورينا و لا أصور قتيل النهاردة ؟!"

نفخت «خلود» وجنتيها ثم ضربت الأرض بقدميها بعد رضوخها لهم و لـ «هدير» خاصةً.
_________________________

في تلك الأثناء كان «عمار» يقف منزويًا عن الأنظار و بجانبه صديقه، و لكن عينيه تعرف مُستقرها جيدًا حيث وقف يتاعبها بعينيه من على بُعدٍ، فوجد نفسه يبتسم بين الحين و الآخر، و خاصة باللون المميز التي انفردت هي به، حيث كانت ترتدي نفس الفستان الذي ترتديه فتيات العائلة، مع اختلاف بعض التفاصيل التي تميزت هي بها من خلال تلك الزهرة الفضية التي وضعتها على أحد كتفيها، 

مع اللون الذي امتازت به و هو اللون الأزرق ببهجته المعهودة، و حجابٌ بنفس اللون، و على الرغم من أن الحجاب كان على الطرق الحديثة و عنقها مكشوفًا، إلا أنه لم يستطع التحدث، ففي المجمل هي كما هي مُتفردة على من حولها، و كأنها نجمة برونزية تتألق وسط عتمة السماء المظلمة في ليله،

 هكذا كان يفكر و هو يبتسم برزانةٍ على طريقتها و هي تلتقط الصور لهم و يشهد على تذمرها و حنقها البادي عليها من خلال ردود أفعالها، حتى وجدها تقف في مقدمتهم و هي تلتقط لهم صورةً بالكاميرا الأمامية، بعدها أمسك «حسن» الهاتف و هو يقوم بتصويرها بمفردها و كأنها بذلك تنتقم منهم، حتى ضحك «عمار» بيأسٍ حينما تأكد من تفكيرها و أنها بالطبع تنتقم.

انغمس في شروده بها و صديقه بجواره يتحدث في الهاتف، حتى شعر بكف أحدهم يوضع على كتفه، حينها حرك رأسه مُسرعًا فتفاجأ بوالده يبتسم له بهدوء، فحمحم هو بقوةٍ ثم قال ببمسةٍ هادئة:

"خير يا بابا !! فيه حاجة عاوزها مني ؟! سيبت ماما لوحدها ليه؟"

رد عليه والده بنبرةٍ هادئة:
"مامتك مع الستات و البنات، قولي بقى واقف بتراقب مين؟"

ظهر التوتر على وجهه و ملامحه بعد حديث والده الذي ابتسم له بثقةٍ، و قبل أن يرد عليه، أضاف والده:
"بقالي ساعة بدور عليك و أنتَ هنا واقف تراقب !! هي أم فستان ازرق صح ؟!"

زاد التوتر و اتضح الخجل أكثر من ذي قبل و هو يزدرد ريقه بخوفٍ، فأضاف «فهمي» برزانةٍ:
"متخافش كدا، أمك قالتلي لما أنا سألتها، طول عمري بحبك و بحب دماغك و بحب طريقة تفكيرك، تحب افاتحهم في موضوعك؟!"

رد عليه مًسرعًا:
"لأ يا بابا، أنا لسه صغير و لسه قدامي طريق صعب أوي، لو بايدي مكنتش اخترت أني أحتار و اشتاق كدا، بس غصب عني من غير ما أحس لقيت نفسي كل شوية بغرق، و أنا لو على رقبتي معملش حاجة تغضب ربنا، لو هي نصيبي في الدنيا يبقى ربنا يكرمني بيها و يقدرني علشان أوصلها، لو هي مش نصيبي يبقى ربنا يقدرني و أنساها قبل ما اتعلق أكتر و يبقى صعب عليا"

ربت على كتفه بفخرٍ ثم قال بهدوء:
"ربنا يكرمك باللي تقدرك و تسعد قلبك يا عمار، و لو الخير ليك معاها يبقى ربنا يقرب طرقكم سوا، و لو فيه شر ليك سواء في الدنيا أو الآخرة يبقى ربنا يكرم كل واحد فيكم بعيد عن التاني"

حرك عينيه دون أن إرادةً منه و كأنه خارج طوعه حتى استقر بصره عليها من جديد، فتحدث والده بسخريةٍ:
"ركز معايا يا واد، يادي النيلة عليك، دا أنتَ واقع خالص"

حرك بصره نحو والده من جديد و هو يبتسم بيأسٍ، فاحتضنه والده و هو يربت على ظهره، فسأله «عمار» بقلقٍ:
"بابا !! هو أنتَ مش زعلان مني؟ أنا معملتش حاجة غلط و الله، أنا بس كل ذنبي أني حبيت"

ابتسم له والده بعدما ابتعد عنه ثم قال بصوتٍ هاديءٍ:
"عارف إنك مبتغلطش و عارف إنك بتحاول علشان تبقى شخص تاني، بس الحب مش ذنب، الحب حلو و ربنا كرمك بـ هِبة من عنده، حافظ على الحب اللي في قلبك لحد ما تتحب أنتَ كمان"

حرك رأسه موافقًا، فاقترب منهما «عبدالرحمن» و هو يقول بقلة حيلة:
"واخد ٢٠ وصية من ماما و ٨٠ من بابا، غالبًا فكريني عيل صغير"

رد عليه «فهمي» بهدوء مُردفًا:
"يا بني دي غريزة الأبوة والأمومة، مهما كبرتوا لازم نخاف عليكم، دا شيء مفروغ منه"

رد عليه «عبدالرحمن» مُسرعًا:
"أنا مبزعلش خالص، بالعكس أنا بكون فرحان أوي، هما اعتراضهم بس أني ممكن اتأخر"

ابتسم له «فهمي» ثم دعا الله يبارك له فيهما و من بعدها توجه نحو «رياض»، فاقترب «عبدالرحمن» من «عمار» و هو يقول بخبثٍ:
"فضحت نفسك يا أهبل !! طب أقف ورا الشجرة و اتفرج براحتك، جتك خيبة"

رمقه «عمار» بغيظٍ و لم يرد عليه فأضاف الآخر بسخريةٍ:
"خلاص متزغرليش كدا، ربنا يكرمك يا سيدي و تخلص على خير إن شاء الله علشان ربنا يرزقك بيها"

ابتسم له بفرحٍ فأخرج «عبدالرحمن» هاتفه و هو يقول بخبثٍ:
"ما تيجي نتصور و لا إحنا ملناش نفس احنا كمان نتصور؟"

نظر له لمدة ثانية واحدة و من بعدها هجم عليه يمسك عنقه بين كفيه و الأخر يضحك بقوةٍ عليه و هو يرجوه أن يتركه، حتى ضحك «عمار» ثم احتضنه فجأةً و هو يقول بتأثرٍ:
"ربنا يخليك ليا يا عبدالرحمن، و عقبال ما نحضر فرحك إن شاء الله"

ربت «عبدالرحمن» على ظهره ثم قبل كتفه و العبرات تلمع في مقلتيه و هو يتذكر كيف أكرمه الله بذلك الصديق حتى في بعض الأحيان يظنه عائلته بأكملها، أو المعطف الدافئ الذي وجده في ليالي الشتاء القارسة.
_________________________

بعد الانتهاء من تصوير العروسين، حان موعد الزفة الخاصة بالفرح، و السؤال هنا، هل في وجود «عامر» كيف سيكون التالي؟!

لم يطل الجهل بالإجابة، حيث وقف «طارق» و زوجته تمسك بيده و «وليد» كذلك على باب القاعة حتى يدخلونها، بعدما سبقهم الجميع للداخل و ظلوا هم فقط في الخارج و الجميع في انتظارهم

و بمجرد فتح الباب، تفاجأ العرسان بوجود أحد الفرق النوبية في منتصف القاعة و الجميع حولهم يلتفون على شكل دائرة، و مع طلتهم من الباب انتشرت الزغاريد و أصوات البهجة التي احتلت الأوجه بأكملها، و فجأة اقترب شباب الفرقة من العريسين يمسكون كفهم حتى وقفوا معهم في منتصف القاعة و بدأت الرقصة الشهيرة الخاصة ببلاد النوبة بأسوان و كلًا منهم يمسك بيد زوجته و الشباب حولهم يرقصون أيضًا، حتى دلف «عامر» وسطهم يرقص مع الفرقة بنفس الطريقة الخاصة بهم على الكلمات الآتية:
"إيوو يا شمندورة من جِنا...بهر جاسكيو مينجا....سجري مالا واينا مورتنا نا واينا....على الشط استني رايحة فين؟....دا أنا ليكي بغني غنوتين..... على الشط استني رايحة فين... دا أنا ليكي بغني غنوتين....غنوة عن الآهة و الحنين و غنوة لعنيكي يا حنين....آه يا شمندورة لابسة توب....يا أجمل من الصورة دوب يا دوب....يا أسمر يا سمارة دوبت... دوب يا عيون قدارة على القلوب......
آه يا شمندورة صبري طال....ردي و جاوبيني على السؤال.... اطلبي و اتمني لو محال....من العين و النيني و الغزال....آيو من شمندورة من جِنا...آه يا شمندورة آه و آه...."

رقص الشباب وسطهم على شكل دائرة مع الفرقة، و العريسين في منتصف تلك الدائرة و كلًا منهم يرقص مع زوجته بمرحٍ و فرحةٍ كُبرى حتى، فكانت تلك الزفة هي الأجدر بالفوز في البهجة و المرح 

و من بعدها أعلن عامل الموسيقى أن الرقصة القادمة خاصة بالعروسين فقط، فانسحب الجميع من حولهم حتى يتركون لهم المساحة، فاقترب كلًا منهم من زوجته يمسك يدها، فحرك «وليد» رأسه ينظر حوله ثم استقر بموضع بصره من جديد عليها فسألته هي بتعجبٍ:
"مالك ؟! بتدور على مين ؟!"

رد عليها مُردفًا بنفس الطريقة التي يتحدث بها الآخر:
"بدور على ابوكي و مستنيه يقولي جرى إيه يا ابن مرتضى ؟! أنتَ هتستحلاها و ترقص مع بنتي كمان ؟!"

ضحكت هي بقوة فوجدته يضحك هو الآخر ثم قربها منه أكثر، و اللحن الهادئ بدأ يرتفع حولهم، فسألته هي بنبرة صوتٍ ظهر بها الاهتمام:
"قولي يا وليد، مبسوط؟! و لا حاسس بإيه ؟!"

رفع عينيه لها و هو يتعمق بنظره في عسليتيها مع قوله الهاديء:
"تفتكري كل دا و مش مبسوط ؟! دا أنا شكلي بقى أهبل من كتر الفرحة، الحمد لله يا عبلة على كل حاجة فاتت و على كل حاجة جاية، و أنتِ معايا فيها"

ابتسمت هي بفرحةٍ و خاصةً مع ارتفاع نبضات قلبها و تلك البرودة التي اجتاحت جسدها مرةً واحدة، فسألها هو بتعجبٍ:
"مالك ؟! إيدك متلجة كدا ليه؟!"

ردت عليه هي بتأثرٍ:
"علشان فرحانة أوي، و أنا لما بفرح أيدي بتتلج كدا، طول عمري كنت عاوزة اتجوز علشان أعرف بيقولوا إيه و هما بيرقصوا كدا"

حرك رأسه باستنكارٍ، ثم أضاف بغموضٍ لم يخفى عنها:
"لأ أنا كان نفسي اتجوز علشان حاجة تانية بصراحة"

حركت رأسها بقلقٍ منه فوجدته يضيف مُفسرًا ببراءةٍ زائفة:
"علشان نصحى نصلي الفجر سوا و علشان ألاقي حد ياكل معايا بليل، أصل مبحبش أكل لوحدي"

حاولت كتم ضحكتها على طريقته التي يتحدث بها، فاقترب هو يقبل قمة رأسها ثم تنهد بعمقٍ و كأن الراحة تعرف الطريق إليه لأول مرةً بالحياة بعدما عاش عمرًا بأكمله في العناء.

و بقربهما كان «طارق» يمسك يدها و هو يتحرك على اللحن و  و هي تتحرك معه بهدوء و تخفي عينيها للأسفل هروبًا منه، فرفع هو وجهها ثم سألها:
"فيه حاجة مزعلاكي ؟! مالك يا جميلة؟!"

رفعت رأسها تطالعه وهي تقول:
"مكسوفة يا طارق، هو أنا بتجوز كل يوم ؟! أنا طول عمري بحضر افراح بس البنات بتبقى لوحدها و الرجالة لوحدها، هنا رعب"

ابتسم لها ثم قال بهدوء:
"كنتي عاوزاني أعمل فرح و أقسمهم نصين يا جميلة !! طب دي عيلة الرشيد تقلب أي فرح لمراجيح، كلهم رفضوا"

حركت رأسها موافقةً على مضضٍ فوجدته يبتسم لها و هو يقول:
"بعدين دي ليلة حد يزعل فيها !! دي ليلة العُمر اللي ضاع عليها كل العمر، حد بكشر كدا !!"

حركت رأسها نفيًا و هي تبتسم رغمًا عنها، فسألها هو بخبثٍ:
"قوليلي بصحيح هي الهدوم اللي في الشقة دي بتاعة مين؟! أصل الدولاب مليان حاجات غريبة بصراحة"

سألته هي بحنقٍ:
"و أنتَ إيه اللي خلاك تدور على الحاجات دي ؟! دي هدومي يا سيدي"

اتسعت بسمته و هو يقول:
"أكيد دا ذوق عمتو مشيرة، عارفها أنا رايقة طول عمرها"

حركت رأسها موافقةً على حديثه و هي تحاول كتم ضحكتها، فأضاف هو بسخريةٍ:
"أنا كنت خايف ألاقي محل اسدالات و طرح في الدولاب، بس طمنتيني"

نظرت له بدهشةٍ و هي تقول بحيرةٍ و تيهٍ:
"أنتِ مين !! فين طارق الهادي المحترم، كدا كتير"

رد عليها هو مُسرعًا بلمحة خبثٍ:
"بعد اللي شوفته امبارح دا و الخمار كان مخبيه عني، صعب بصراحة أفضل متربي، خصوصًا إن الحصار اتفك خلاص"
ضحكت هي بقوةٍ فغمز هو لها بمرحٍ حتى يشاكسها

و بعد انتهاء اللحن و رقصتهما بدأت كلمات الأغنية الرومانسية و هم يرقصون عليها:
"صدقني خلاص من بين الناس...حبيتك و اخترتك ليا....طول ما أنا وياك....قدامي ملاك.... خلتني مغمضشي عينيا....الله....يا سلام....في عينيك أحلى كلام.... قرب مني شوية شوية.... قلبي و قلبك سوا يتلاقوا....دي الدنيا أنتَ مليتها عليا....دا الحب اللي محدش داقه"

حينها دارت «عبلة» حول نفسها بعدما قام «وليد» بتدويرها بكفه، و كذلك «جميلة» و الجميع حولهم يصفقون لهم بحرارةٍ حتى احتضن كلًا منهم زوجته وسط التصفيقات الحارة مِن مَن حولهم

 و بعدها أخذ كلًا منهم زوجته ثم اقترب من المقاعد الخاصة بهم يجلسون عليها سويًا، و سط حالة هدوء خيمت على الجميع و على المكان بأكمله خاصةً مع وقوف «عامر» بجانب عامل الموسيقى و معه مكبر الصوت حتى تحدث يقول بنبرةٍ مرحة موجهًا حديثه للقاعةِ بأكملها:

"السلام عليكم....ركزوا معايا كدا كلكم، أولًا ألف مبروك لحبايب قلبي طارق و وليد"

وجه الجميع بصرهم نحوه و هو يتحدث، و حينها مال «خالد» على «ياسين» و «ياسر» بينهما، فتحدث الأول بحنقٍ:
"عشر دقايق و هنتفضح كلنا، حد يروح يقطع نور القاعة بسرعة"

ضحك كليهما عليه، فتحدث «ياسر» ببساطةٍ:
"يا عم اصبر بس، أكيد عاملنا مفاجأة حلوة، الواد عامر دا دماغ تانية"

أيد «ياسين» حديثه بقوله:
"خلينا نفرح، و لو اتفضحنا يعني، هيبقى قضاء و قدر، كله فدا وليد و طارق يا عم"

تحدث «عامر» من جديد:
"المهم دلوقتي عاوزكم تركزوا معايا و....."

توقف عن الحديث حينما انقطع الصوت بعدما انطفأ مكبر الصوت، فحاول مرارًا و تكرارًا لكن دون فائدة، فرفع صوته و هو يقول:
"حد ييجي يا جدعان يشوف البتاع مش شغال ليه؟!"

ترك «وليد» مقعده ثم اقترب منه يحاول معه هو الأخر حتى أصدر المكبر صوتًا، فقام «عامر» بتجربته و هو يقول:
"الله...الله....حي.....وحـــدوه"

ضحك الجميع عليه و خاصةً مع صدى الصوت الذي انتشر بالمكان، و قبل أن يبدأ حديثه انقطع الصوت من جديد، فتحدث بضجرٍ:
"ما تشوف يا عم وليد !! البتاع دا بيقطع ليه؟!"

قام «وليد» بالمحاولة مرةً أخرى و هو يحاول جاهدًا كتم ضحكته، و حينما نجح في ذلك اعطى «عامر» المكبر، فتحدث «عامر» بمرحٍ و هو يقوم بتجربة الجهاز:

"الله....حي....فِراشىة الحج فايز الرشيد ترحب بكم في فرحة احفادها"

ضحك الجميع عليه بقوةٍ و خاصةً رجال العائلة و «وليد» الذي احتضنه و هو يضحك بشدةٍ، أما «حسن» فضرب رأسه في كتف «وئام» بعدما أوشك على لفظ أنفاسه من كثرة الضحك، فسأله صديقه بتعجبٍ:
"بتضحك على إيه ؟! هتموت من الضحك يخربيت عقلك"

رد عليه «حسن» بنبرةٍ ضاحكة:
"بتخيل الحج فايز الرشيد الله يرحمه لو كان سمع الجملة دي، كان زماننا بندور لعامر على فِراشة الجنازة"

ضحك عليه الشباب بأكملهم، حيث كانت الطاولات منقسمة لهم و للرجال الكبار، و النساء على الطاولات الخاصة بهن، فأضاف «عامر» أخيرًا بجديةٍ بعد توقف الضحكات:

"خلاص يا جماعة إحنا آسفين، دا خطأ فني، المهم يعني معاكم عامر فهمي، المفروض إن في نهاية كل سنة بينزل فيلم مدته بتكون تقريبًا نص ساعة، الفيلم دا بيبدأ من أول يوم في السنة لحد أخر ساعة فيها، كل سنة الفيلم بيكون عبارة عن خمس أشخاص و هما خالد و ياسر و ياسين و عامر و عمار و أفراد عيلتنا، السنة اللي خلصت دي إحنا منزلناش الفيلم، و ناس كتير استغربت حاجة زي، بس اللي أنا كنت بجهزه كانت حاجة أكبر، في نص السنة اللي فاتت دي، العيلة كبرت و زادت

مبقيتش بس عبارة عن خمس أشخاص، دي بقت حاجة أكبر من كدا بكتير، الحكاية بدأت تحديدًا لما ياسين أخويا راح يتقدم لمراته، أخر واحد فينا كان بياخد الخطوة دي، السنة دي فيه فيلم، بس فيلم أكبر و أحداثه أحلى، السنة دي بدل الخمس شباب بقينا ١١، زاد علينا (وئام _ طارق _ حسن _ وليد _ أحمد _ عبدالرحمن) بقينا عيلة أكبر في ضهر بعض، السنة اللي فاتت كلنا حصلنا حاجات حلوة بلا استثناء.
أنا ربنا كرمني و اتجوزت اللي حبيتها بعدما لقيتها بالصدفة و مسكت فيها" 

ابتسمت «سارة» بفرحٍ و هي تنظر له خاصةً بعدما وجه بصره لها ثم غمز لها بطرف عينه، فأعاد هو الحديث من جديد:

"ياسر مثلًا ربنا كرمه و خالد وافق و جوزه أخته بعد عمر كامل بيدعي ربنا إنه يتجوزها و إنه يكون معاها في بيت واحد، خالد ربنا كرمه و يونس كبر سنة، و بقى أصغر صاحب لينا في الدنيا، ياسين ربنا استجاب له و رزقه باللي كان فاكرها إنه مش هيلاقيها، و لما لقاها احنا لقينا معاهم عيلة الرشيد، و بقى عندنا أخوات أكتر و بقينا في ضهر بعض في الوحش قبل الحلو و عمار أخويا حقق حلمه و دخل كلية الصيدلة و هيبقى أشطر دكتور صيدلي إن شاء الله.

الفيلم اللي هينزل دلوقتي نصه الأول هيكون عبارة عننا إحنا العيلة الصغيرة و النص التاني هيكمل بالعيلة الكبيرة، كل واحد فينا مع شريكه و لحظات الفرح و الحزن اللي عدت علينا كلنا، فيلم هيبقى كبير بس هيضم حاجات حلوة هنفضل طول عمرنا نحمد ربنا على النعم دي و يلا علشان نبدأ فيلمنا"

أنهى حديثه و هو يبتسم بمرحٍ، ف صفق الجميع له و انطلقت الأصوات المهللة له، و بعدها انطفأت الأضواء و ظهرت شاشة العد على الشاشة الكبيرة، حتى وصلت لرقم "0" و من بعدها بدأ الفيلم بـ «عامر» و هو يغمز بعينه

 ثم أشار نحو تاريخ اليوم و هو اليوم الأول في العام الجديد، و بعدها بدأت الصور و الفيديوهات القصيرة التي جمعت الشباب مع بعضهم في شقة «ميمي» و في الشارع مع بعضهم و تواريخ مكالمتهم لبعضهم، احتوى الفيلم على بعض اللحظات الخاصة بهم و التفاصيل الدقيقة التي حرص «عامر» على توثيقها، حتى وقت صلاة الجمعة و صورهم بعدها وضعها، و استمرت تلك اللقطات و الجميع يشاهدها بتأثرٍ من تلك الصداقة المتينة حتى أتت لحظات الأفراح الخاصة بكلٍ منهم و صورته مع زوجته، و من بعدها بدأ العد من جديد ثم بدأت  اللحظات الخاصة بعائلة «الرشيد» حتى ميلاد «فارس» و نقل الأثاث الخاص بالشباب و رافق ذلك الفيلم عدة أغاني حماسية و هي:
"اللي بينا...لحظة حلوة عيشتها بكلمة....بعتهالي في وقتها ما بينا ١٠٠ مكالمة....اتصالحنا و اتخاصمنا فيها ١٠٠٠ مرة....بس برضه بابتسامة تحلى لينا مُرة...اللي بينا سندة..وقفة...قعدة...صحبة...رحلة...زحمة....طعمة...ضحكة رجة القلب رجة بعد نكتة جامدة....اللي بينا أحلى وقت و أحلى عمر عدى...."

بدأت بعدها الأغنية التالية و خاصة المقطع:
"ما قبل أي حد تاني...ليه نستنى لو لثواني....و احنا بإيدينا نعيش بمزاجنا احلى كتير... في دماغك افكار مجنونة و الناس بتقول مش مضمونة...غامر...عافر...جازف دي الدنيا رهان.... خليك وسط الناس الحلوة....عيش اللحظة كأنها غنوة....ارقص اضحك افرح من غير حسبان....ما قبل أي حد تاني....ليه نسنتنى لو لثواني...و احنا بإيدينا نعيش بمزاجنا احلى كتير"

رافق ذلك المقطع لقطات «عامر» في نقل الأثاث و المرح الخاص به مع شباب العائلة و كأنه يقوم بتوصيل رسالةً لهم، حتى بدأت الأغنية الثالثة و هي تضم اللقطات السريعة للجميع حتى كبار العائلة:
"سر السعادة في بيتك تعالى....وسط ناسك تعالى و افرح هنا....املى قلبك أمان...هتملى المكان....سعادة و هنا.... السعادة بإيديك هتلاقيها لما تقدر تسيب تأثير كبير....فرحة متبسمة و متقسمة على قلوب كتير..."

بعدها وقف الشباب معًا و معهم «طارق» و «وليد» و بدأوا يقفزون سويًا بمرحٍ عند بداية المقطع التالي:
"على ميعاد ميعاد كل ليلة....هنا فرحة بتلم عيلة....ضحكة في عيون الحبايب... سعادة زيادة....على طبيعتك أنتَ في مكانك....مرتاح و ناسك أمانك....دي الفرحة دقت بيبانك....ندهالك....جيالك..."

"سر السعادة بيعرف طريقك...كل ما تروح مكان بيحلو بيك....لحظة تفرق معاك وسط ناس عايزاك....و بتسأل عليك....سر السعادة مفيش حد غايب....فرحة تفضل تزيد من عام لعام...تبقى فرحة عينيك....بأغلى ما ليك.... بمقام فرحتين...على ميعاد ميعاد كل ليلة....هنا فرحة بتلم عيلة...ضحكة في عيون الحبايب.... سعادة زيادة....على طبيعتك أنتَ في مكانك....مرتاح و ناسك أمانك....دي الفرحة دقت بيبانك....ندهالك جايالك..."

تعانق الشباب مع بعضهم بفرحةٍ جعلت الأعين تتوجه نحوهم و خاصةً الفتيات و هن يطالعهن بأعين دامعة تأثرًا بهم، حتى نزل الرجال الكبار وسطهم يرقصون معهم و معهم «محمود» أيضًا الذي تخلى عن ثباته وسط فرحة العائلة بأكملها، و الفتيات على بعدٍ منهم يرقصون سويًا مع «عبلة» و «جميلة» و نساء العائلة بأكملها يرقصن وسط الفتيات في جوٍ قد غاب عنهم لمدة طال انتظارها، حتى توقفت الموسيقى و انتشرت أصوات تشبه صوت طلقات النيران حتى توقف الجميع عن الرقص و هدأت الأجواء و خيم السكون عليهم جميعًا، و فجأة فتح الباب القاعة ليعبر منهم عدة رجال يرتدون الملابس الصعيدية و في مقدمتهم رجلٌ يمسك في يده سلاحًا حتى اقترب من الشباب و هو يقول بلهجة صوتٍ حادة لهم:

"قدامي منك له...يـــلا"
رفع صوته يصرخ في وجههم حتى تقدم «عامر» ثم تحدث موجهًا حديثه للجميع:
"تعالوا معايا يا رجالة....لو مروحناش معاهم هيخلصوا علينا"

حينما تحدث «عامر» أيقن الجميع ما يدور حولهم، حتى خرج الشباب خلف بعضهم تباعًا من القاعة و نظرات الاستنكار تكسو الملامح و خاصةً الفتيات و هن ينظرن لبعضهن بجهلٍ و كأن كلًا منهن تستفسر من الأخرى عما يدور حولها، و بعد خروج الشباب أغلق الباب لمدة دقائق و الصمت كما هو يخيم عليهم و مع طيلة الصمت و الانتظار بدأ القلق ينتاب قلوبهم، حتى فُتح الباب مرةً أخرى و رافقه موسيقى صاخبة، و لكن ما أثار الدهشة و التعجب هو ارتداء جميع الشباب للملابس الصعيدية و كلًا منهم في يده عصا كبيرة الحجم، حينها اتسعت الأعين بقوةٍ فبدأت الأغنية التي حددها «عامر» و هي:
"اللي أبوه صعيدي ميخافش"

بدأت الأغنية و الشباب يرقصون عليها بالعصا وسط التصفيق و الفرح من الجميع، حتى تدخل «مرتضى» و «رياض» معهم يرقصان بالعصا و الشباب حولهم  يرقصون مع بعضهم على كلمات الأغنية، حتى وقف «طارق» و «وليد» في المنتصف و هما يرقصان سويًا بالعصا تلك الرقصة الشهيرة "التحطيب" و كلًا منهما يتحدى الأخر بمرحٍ و الشباب حولهم كما هم، حتى سحب «طارق» «وليد» داخل ذراعيه و هو يضحك بقوةٍ، ضحك «وليد» هو الأخر ثم ربت على ظهره و هو يقول داخل أذنه حتى يصله الصوت:
"ألف مبروك يا حبيب أخوك، ربنا يخليك ليا يا طارق و يقدرني و أرد جمايلك عليا"

ربت «طارق» على ظهره هو الأخر ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"و يخليك ليا يا وليد، متقولش جمايل دي علشان مفيش أخ بيشيْل أخوه جمايل، دا حقك عليا"

قبل أن يرد عليه قام «ياسين» بحمل «وليد» و «حسن» برفع «طارق» فهلل بقية الشباب و الرجال، أما «طارق» و معه «وليد» فبدأ كلًا منهما بالرقص بالعصا مقابلًا للأخر و في الأسفل يرقص الشباب سويًا، حتى قام «خالد» بحمل «يونس» على كتفه و هو يرقص بمرحٍ حتى ظهر على جميع شاشات العرض بالقاعة و هو يرقص مثلهم.

و الفتيات ترقص مع بعضها و معهن نساء العائلة و خاصةً «مشيرة» التي بين الحين تحتضن الفتاتين، فهي لم تنسى أنها قامت بتربية «عبلة» و «هدير» في كنفها في غياب ابنتها، فكانت بين الحين و الآخر تحتضن كلًا منهن على حدة حتى اقتربت من «خديجة» و قبل أن تحتضنها، تفاجئت بها تمسك يدها حتى ترقص معها، حينها احتضنتها «مشيرة» بقوةٍ و تأثرٍ، حتى احتضنتها الأخرى و هي تقول:
"ربنا يتمم فرحتك بخير يا عمتو، و عقبال ما تشوفي عيالها إن شاء الله"

ابتعدت عنها «مشيرة» و هي تقول بصوتٍ مختنق:
"ربنا يفرحني بعيالك أنتِ الأول، هيطلع عندهم أطيب أم في الدنيا كلها يا خديجة"

 حركت رأسها موافقةً ثم أضافت تشاكسها:
"لأ و هيبقى عندهم جدة صعب برضه، لو تعبوني هبعتهم ليكي خلي بالك" 
ضحكت «مشيرة» بقوةٍ حتى أحتضنتها «خديجة» بفرحٍ لعلها لذلك تزيل و لو جزءًا من الماضي الذي ذاق معاناته عائلة بأكملها.
_________________________

انتهت رقصة الشباب و تلك الأجواء الحماسية حتى أتى الوقت المخصص للراحة و هو وقت توزيع الطعام و تقطيع قالب الحلوى للعروسين، فوقف «طارق» بزوجته و بحواره «وليد» بزوجته حتى اقترب منهم العاملين بالمكان و كلًا منهم يدفع طاولة متحركة يعلوها قالب حلوى مدرجة خمس درجات، و إبان ذلك كان «ياسين» و «حسن» كلًا منهم يقوم بالاشراف على توزيع الطعام و المشروبات الغازية، كان «عامر» في تلك اللحظات جالسًا وسط الشباب، فسأله «خالد» بسخريةٍ منه:

"جرى إيه يا عم عامر ؟! جاي تقعد دلوقتي يعني ؟! خير؟!"

رد عليه بحنقٍ:
"هو كل المجهود اللي أنا عامله دا من الصبح مش عاجبك يا ابن المُفترية ؟! جوعت خلاص، أنا هخلي ياسين يديني نصيبه"

ضحك عليه الشباب بأكملهم، و على طاولةً مجاورةً لهم خاصة بالفتيات كانت «سلمى» تجلس بجوار «خلود» و في تلك اللحظة مر «أحمد» من جوراهما، فأمسكت شقيقته كفه و هي تسأله بتلهفٍ:
"أحمد !! قولي إيه رأيك في الفستان !! أنتَ معبرتنيش من الصبح؟!"

طالعها بتعجبٍ من حديثها، فأعادت هي سؤالها مرةً أخرى، حينها زفر هو بقوةٍ ثم قال:
"حلو و زي القمر يا خلود، و رب الكعبة من ساعة ما خلصتي لبس و أنتِ بتسأليني، حلو"

غمزت له بعينيها و هي تشير نحو «سلمى» التي كانت تتابعهما ببسمةٍ هادئة، فحرك هو رأسه حتى يتسنى له رؤيتها بعدما حاول مرارًا الهروب من رؤيتها حتى يستطع السيطرة على نفسه، و لكن هيئتها كانت أكثر من مؤثرة حيث ارتدت فستانًا باللون الأخضر القاتم و معه حجاب بنفس اللون، كانت تتطابق مع «خلود» في نفس التصميم، و مع انفرادها بذلك اللون وجد نفسه يبتسم بهدوء، ثم حرك رأسه من جديد ينظر لشقيقته و هو يقول:

"عاوزة حاجة يا خلود ؟! الفرح كله فساتين حلوة أوي و بنات العيلة كلهم شكلهم حلو"

ظهر الاحباط على وجهها لكنها وأدته سريعًا حتى لا يتبين أمرها أمامه، فاعتدل هو في وقفته ثم تحرك من جوارها و هو يتجاهلها، لكنه لم يستطع الصمود أكثر من ذلك، فعاد لها من جديد و هو يقول بهدوئه المعتاد:

"بس دا ميمنعش إن كل حد فيهم اتميز بحاجة عن التاني، و أنا قلبي الله يعينه، مشكلته في عينها بتسفره بلاد من نظرة"

رفعت رأسها نحوه مُسرعةً فوجدته يضيف برزانةٍ:
"اللون حلو و العيون أحلى، بس فيه فستان تاني هيبقى أحلى و أحلى"

ارتفعت ضربات قلبها إثر حديثه فرحل هو من المكان و كأنه لم يفعل شيئًا، تاركها خلفه تحاول السيطرة على خجلها و حُمرة وجهها، فتحدثت «هدير» تشاكسها:
"خلصي بقى الثانوية العامة بتاعتك دي، عاوزين حتى نلبسكم دِبل"

تدخلت «خديجة» تقول بمرحٍ:
"لأ احنا ربنا يكرمنا و نكتب الكتاب علطول، خطوبة إيه دي، عمو محمد هيكبس على الواد"

تدخلت «إيمان» تقول هي الأخرى:
"يلهوي !! بيفكرني بخالد، بس ياسين الله يكرمه بقى جه كتبلي الكتاب علطول، إحنا لسه هنهزر، اتوقع إن وليد هيعمل كدا برضه"

ضحكت الفتيات فتحدثت «سارة» تقول بمرحٍ:
"وليد ربنا يكرمه كدا علشان يجوز عمار و أحمد و عبدالرحمن"

اثناء ذلك الحديث كان «يونس» بجانب والدته يبكي و هو يشعر بالحزن، فتحدثت «ريهام» بقلة حيلة:
"يا يونس ما تخليك جدع بقى، هخرج فين أنا ؟! خليك هنا بص العروسة !!"

حرك رأسه نفيًا و هو يبكي رافضًا الانصياع لحديثها، فسألتها «هدى» بتعجبٍ من حالته:
"ماله يا ريهام ؟! بيعيط ليه؟!"

ردت عليها بيأسٍ:
"عاوز يركب المراجيح اللي شافها برة، و أنا لو خرجت هيطلع عيني و مش هيرضى يدخل"

تحدثت «خلود» مسرعةً:
"طب هاتيه يا ريهام، هخرج أنا بيه و هكلم السنتر أعرفهم إني مش هروح المراجعة بكرة و هعوضها بكرة بليل"

ردت عليها بخجلٍ منها:
"بلاش يا خلود هيتعبك، أنا شوية كدا و هخرج بيه، بس لو خرجت مش هيرضى يدخل"

وقفت «خلود» ثم أمسكت يده و هي تبتسم لها تزامنًا مع قولها:
"هاتيه بس ملكيش دعوة، يونس يعمل اللي هو عاوزه، لو احتاست هكلمك"

حركت رأسها موافقةً فسألتها «سلمى» بتعجبٍ:
"طب مش هتاكلي !! ياسين جاي اهوه بالأكل"

حركت كتفيها بلامبالاةٍ ثم أضافت بفخرٍ:
"ياسين و حسن هما اللي بيوزعوا، يعني حقي مضمون"

ضحكت عليها الفتيات فتحركت هي بـ «يونس» من المكان، و في الخلف زوج من الأعين تتابعها، حتى حدث نفسه بتعجبٍ:
"رايحة بيه فين دي ؟! مصيبة لا يكون عاوز يدخل الحمام !!"

شهق هو حينما أخذه تفكيره لتلك النقطة ثم انسحب من وسط الشباب حتى يخرج خلفها و لم ينتبه له سوى صديقه الذي ابتسم بيأسٍ تزامنًا مع حركة رأسه.

خرجت «خلود» به نحو الأرجوحة الموجودة بحديقة القاعة ثم رفعته عليها و هو يبتسم لها بمرحٍ و هي تحرك الأرجوحة بحركاتٍ هادئة حتى لا يصيبه مكروه، و في الخلف وقف هو يزفر براحةٍ حينما وقع بصره عليها، و حينما لمحه «يونس» رفع ذراعيه و هو يقول:

"أمار !! أمار"
فحدث «عمار» نفسه بسخريةٍ:
"أمار !! الله يفضحك يا ابن المفضوح زي ما فضحتني"

حركت رأسها للخلف فوجدته يقف على مقربةٍ منهما، فابتسمت له بهدوء حتى تسيطر على توترها، فاقترب هو منهما و هو يقول بترددٍ:
"أنا متأسف كنت رايح الحمام و شوفتك واقفة افتكرت فيه حاجة، معرفش إن يونس معاكي"

ردت عليه هي بخجلٍ:
"لأ عادي مفيش مشاكل، هو كان عمال يعيط علشان يركب اللعبة دي، قولت أخرجه و أشم نفسي شوية"

حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها ثم حرك بصره نحو «يونس» الذي أخذ يبتسم لهما و الأرجوحة تتحرك به، فتحدثت هي حتى تزيل ذلك التوتر السائد نتيجة الصمت:
"و أنتَ بقى عامل إيه في الجامعة؟! حلوة و لا ثانوي أحلى"

ابتسم لها بهدوء ثم تحدث بسخريةٍ:
"لو سلخوا جلدي في الجامعة مش هتمنى ساعة واحدة من ساعات ثانوية عامة"

عقدت حاجبيها و هي تسأله بتعجبٍ من حديثه:
"ياه !! للدرجة دي ؟! الله يطمنك"

ابتسم بيأسٍ ثم أضاف مُفسرًا:
"الفكرة كلها إن ثانوية عامة طول السنة بتتحركي بهدف معين و العيون عليكي، و ناس حاطة أملها فيكي و عاوزينك تفرحيهم، و ناس تانية عاوزة تشمت فيكي و عاوزة تشوفك مكسور اليوم دا"

سألته هي بتعجبٍ:
"معقولة !! و أنتَ كان فيه ناس عاوزينك تزعل اليوم دا ؟!"

تنفس بعمقٍ ثم حرك رأسه موافقًا و تابع بعدها بقوله:
"كان فيه، صحابي اللي كانوا معايا في الشارع و شوية قرايب و كام حد من الجيران، احنا بننجح علشان لازم ننجح، فيه عيون لازم تفرح بيكي و عيون مينفعش تفرحيها فيكي، ساعتها اختارت العيون اللي أنا عاوز أفرحها و حطيتها قدامي"

ابتسمت له و هي تقول:
"طبعًا أخواتك كلهم و مامتك و باباك"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"و ميمي و الشيخ أيوب، كل دول كانوا مستنيين فرحتهم بيا"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أنا معنديش عيون خالص، لدرجة أني فكرت جديًا في الانسحاب"

اتسعتا حدقتيه و هو يسألها:
"تنسحبي !! ليه كدا و علشان إيه"

حركت كتفيها و هي تقول:
"عادي، بس أنا مليش طولة بال أفضل سنة كاملة اذاكر بنفس الروتين زي سلمى كدا، دا غير أني أدبي يعني عادي مش فارقة أوي معايا"

رد عليها هو مُسرعًا يقطع استرسال تفكيرها بتلك الطريقة:
"لأ طبعًا مينفعش التفكير دا، لازم تحاربي علشان الحاجة اللي عاوزة توصلي ليها، أنا كنت بسعى و كنت متوكل على الله، و كنت كل يوم أدعي من قلبي علشان يكرمني باللي نفسي فيه، لو كنت خوفت و انسحبت كان زماني بلوم نفسي"

ردت عليه هي تستفسر بحيرةٍ:
"تفتكر أنا ممكن أوصل لحاجة و أنا شخص خلقه ضيق كدا ؟! بقولك كسلت أفهم الفيزيا علشان كدا روحت أدبي"

حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
"مفيش حاجة اسمها علمي و أدبي، فيه حاجة اسمها ربنا كتبلك رزق في مكان محدد يبقى خلاص احمد ربنا على رزقك دا، مش كل العالم دكاترة و مهندسين و مش كله مدرسين و محاميين، لو مضحتيش بالحاجات الصغيرة اللي بتحبي تعمليها كل يوم، فـ هييجي يوم و تضحي بحاجات أكبر منها ١٠ مرات بس و أنتِ ندمانة، ابدأي في أي وقت و أنتِ هتلاقي نتيجة ترضيكي، و ترضي تعبك"

تحدثت هي بنبرةٍ ضاحكة:
"وحد الله بس، بقولك أنا أدبي و لحد دلوقتي معنديش حاجة بفكر أدرسها و مش حاطة حاجة في دماغي، أنا ابيض"

ضحك عليها هو بيأسٍ ثم قال:
"لو فاكرة إنها بتتقاس بعلمي و أدبي تبقي غلطانة، هي بتتقاس بعمل كل واحد و اجتهاده، و في النهاية برضه هي نصيب، طب أقولك حاجة يمكن تضحكك و تلهمك شوية ؟!"

حركت رأسها موافقةً فتابع هو حديثه و هو يحرك الأرجوحة الذي استقر «يونس» بداخلها:
"خالد أبو يونس كان أدبي و جاب ٩٠٪ و ياسين كان علمي رياضة و جاب ٩٧٪ و ياسر علمي علوم و جاب ٩٩٪ و عامر أخويا أدبي و جاب ٧٣٪، خالد دخل تجارة و ياسين هندسة و ياسر طب و عامر سياحة و فنادق، دلوقتي بقى خالد نائب مدير حسابات و ياسر دكتور في مستشفى استثماري و ياسين مهندس في شركة معمار، و عامر أخويا مدير شركة الفاروق للسياحة والسفر"

اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد حديثه، فأضاف هو بنبرةٍ ضاحكة:
"و الله دي حقيقة مش بهزر، كل واحد ربنا كتبله رزق في مكان معين و هو مطلوب منه السعي بس، لكن برضه في النهاية رزقك مكتوب لو جريت جري وحوش البرية كلهم و صارعت الأرض برضه مش هتاخد غير اللي مكتوبلك و بس، كل الحكاية في النتيجة، إنك لما توصل للحظة النهاية متبقاش ندمان إنك قصرت في اللي عليك، تبذل مجهود كبير و نتيجته تيجي ليك متأخر، أحسن من مجهود قليل أو شبه منعدم نتيجته بتكون الندم"

ردت عليه هي بنبرةٍ أظهرت تأثرها و امتنانها:
"متشكرة ليك جدًا على كلامك، جه في وقته و أنا مرعوبة و متخبطة، و كنت خلاص هعلن الانسحاب"

ابتسم لها و هو يقول:
"متقوليش كدا أنا تحت أمرك، و ربنا يكرمك إن شاء الله و أنا هكلم أحمد و أقوله على مدرسين أدبي الحلوين اللي صحابي كانوا بياخدوا معاهم، و ربنا يوفقك و توصلي للي عاوزاه"

حركت رأسها موافقةً ثم باغتته بسؤالها الفضولي:
"طب و أنتَ ؟!... قـ .... قصدي يعني وصلت للي عاوزه و لا لسه؟!"

حرك رأسه نحوها بعدما كان يطالع الصغير، و حينما وقع بصره عليها و التقت عينيه بعينيها تحدث بهدوء:
"وصلت لجزء من اللي كنت عاوزه، و لسه الباقي، صحيح هو بعيد زي نجوم السما، بس أنا متأكد أني هوصل"

ردت عليه هي بهدوء:
"ربنا يكرمك باللي نفسك فيه إن شاء الله، أنتَ تستاهل كل خير"

حرك رأسه موافقًا و كم ودد في تلك اللحظة أن يخبرها بأنها هي كل الخير الذي تمناه، حتى ودد لو أخبرها بأنها تشبه النجوم المتلألئة في كل شيءٍ حتى بعدها عنه، و كأنها اقتبست جمالها من السماء.

لاحظت هي نظرته لها فحركت رأسها نحو الصغير ثم داعبته قليلًا قبل أن تأخذه و تعود مرةً أخرى للداخل بعدما استأذنت منه في الرحيل و سمح هو لها ثم وقف ينظر في أثرها و هو يبتسم بهدوء و بعدما انتبه لحديثه معها وقف ينهر نفسه، ففي كل مرةٍ ينساق خلف رغبته في التحدث معها و كأنها تسحره بنبرة صوتها بمجرد فتحها للحديث معه.
_________________________

في داخل القاعة و بعد توزيع الطعام على الجميع شرع الجميع في تناول الطعام و خاصةً «خديجة» التي كانت تشعر بالجوع و أثناء تناولها الطعام اقترب «ياسين» ثم مال على أذنها يهمس بهدوء:

"لو خلصتي أكل تعالي معايا، و لو مخلصتيش برضه قومي معايا"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"جعانة !! هاكل و أقوم معاك"

أمسك هو كفها ثم أوقفها رغمًا عنها و الفتيات ينظرن لبعضهن بسخريةٍ عليهما، فاعتذر هو منهما ثم خرج بها من القاعة نحو الخارج.

و على المقعد الخاص بالعروسين كان «وليد» ينظر حوله و هو يحاول كتم ضحكته فسألته «عبلة» بتعجبٍ:
"بتضحك على إيه ؟!"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"جعان و عاوز أكل، جو القاعات دا مش جاي معايا، روحوني بقى"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"هو احنا جايبين عيل نفسحه !! دا فرحك يابني ارحمني"

اقترب منها يسألها بخبثٍ:
"طب بالله عليكي مش عاوزة تروحي ؟! عاجبك الجو دا ؟! بيتنا أولى بينا، و جوعت بجد"

ردت عليه هي بهدوء:
"عمتو مشيرة و ماما عملوا أكل حلو أوي لينا، هنروح ناكل سوا، اسكت بقى هتفضحنا"

ابتسم هو لها بيأسٍ و هي الأخرى حتى وجدته يشبك كفها بكفه و هو يضغط عليه و كأنه يتأكد هل هي أمامه حقًا أم أنه يتخيل كل ذلك.

على طاولة الرجال تحدث «رياض» مباركًا للرجال:
"ألف مبروك يا جماعة و ربنا يتمم فرحتهم على خير و عقبال ما تشوفوا أولادهم"

رد عليه «مرتضى» بمرحٍ:
"احساس حلو و أنا مجوز الاتنين كدا، مش عاوز أشوف وش كلب فيهم قبل سنة"

ضحك الرجال عليه جميعهم، فمال «وئام» عليه بعدما استمع لحديثه من الطاولة المجاورة:
"عاوز إيه يا بابا !! نعم يا حبيبي ؟!"

رد عليه بتهكمٍ:
"أنعم الله عليك يا ابن الأهبل، ولا !! مشوفش وشك قبل سنة أنتَ و الأهطل التاني"

نظر «وئام» في أوجه الرجال بأكملهم ثم نظر لوالده مرةً أخرى و هو يقول:
"طب بلاش أنا و بلاش الأهطل التاني، مش عاوز تشوف حفيدك؟؟"

رد عليه بضجرٍ:
"من هنا لحد ما يدخل مدرسة مش عاوز أشوف وشكوا، أنا يدوبك ألحق استجم من اللي عملتوه فيا"

قال حديثه ثم سأل «رياض» بقوله:
"قولي يا رياض، بما إنك جربت الشعور دا، البيت من غيرهم هيبقى عامل ازاي؟!"

رد عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"لو بالضحك و الهزار فهو حلو و هادي و واخد راحتك، لو بجد بقى فهو ملوش طعم يا مرتضى، و ماسخ، علشان الحاجة اللي كانت مخلياله لون و بهجة اختفت، كنت فاكر زيك كدا إن ياسين لما يتجوز أنا هفرح و اتبسط بس و الله كل ما أعدي على أوضته و هو مش فيها ببقى عاوز أروح أجيبه من بيته و يقعد معايا و خصوصًا أني مليش غيره"

دعا الرجال له أن يبارك الله فيه و يحرسه و يحميه من كل سوءٍ، فتحدث «مرتضى» بقلة حيلة بعد حديث الآخر:

"خلاص امري لله، ابقوا تعالوا يوم الجمعة"
قبل «وئام» كتفه بفخرٍ فأضاف هو مقررًا:
"التاسعة من دلوقتي....عدوا ٨ جمعات و أشوف وشكم التاسعة"

ضحك الجميع عليه من جديد فتحدث «محمود» مُسرعًا:
"تعالى يا وئام يا حبيبي بيتي مفتوحلك علطول، حتى لو عاوز الشقة كلها متغلاش عليك"

تدخل «محمد» يقول متشفيًا بأخيه:
"أنا بفرح فيك أوي لما تتكبس كدا، تصدق بقى، أنا هخلي الواد وليد يجي يبات عندي كل أسبوع؟!"

رمقه «مرتضى» بسخطٍ فتحدث «طه» يفصل بينهما:
"خلاص يا جماعة، دا إيه المرار دا؟! مرتضى أصلًا مش هيقدر يعيش من غيرهم و خصوصًا الواد وليد، شوية و هيجيبهم البيت بتاع العيلة"

أيده «محمود» في الحديث و كذلك «فهمي» الذي أضاف بلمحة حزنٍ:
"أنا بصراحة لما عامر اتجوز حسيت بفراغ كبير أوي، صحيح كانت العمارة كلها شاهدة عليه و على عمايله و شقاوته بس البيت بقى ملوش صوت من غيره و خصوصًا إن عمار هادي أوي"

رد عليه «حسان» بتفهمٍ:
"بصراحة أي حد عايش مع عامر و يسيبه لازم يحس بفراغ كبير، ربنا يبارك فيه و يحفظه و يفضل علطول سبب في فرحة الناس"

ابتسم له «فهمي» فأضاف «طه» مُسرعًا:
"بحبه حب غريب، و الله بحسه عيل صغير كدا شقي و من غيره الحاجة تبوخ، الفرح دا من غير عامر كان زمانه حاجة تانية ماسخة خالص"
ظل الحديث لدى الرجال قائمًا على «عامر» و طريقته و بهجته الغريبة التي تشعل الأجواء حماسًا.
_________________________

خرجت «خديجة» مع «ياسين» نحو الحديقة و هو يسحبها خلفه حتى توقف أخيرًا فسألته هي بتعجبٍ:
"يا بني بقى هتكعبل لابسة زفت كعب، خير ؟! جايبني هنا ليه؟"

زفر هو بقوة م التفت لها و هو يقول بقلة حيلة:
"مش عاوزة تركبي العربية دي يا ست الكل ؟! يلا قبل ما يجهزوهم علشان يتحركوا، هصورك فيها و ارجعك تاني"

ابتسمت باتساعٍ ثم سألته بحذرٍ:
"و هو عمو هيرضى يا ياسين؟!"

عقد حاجبيه و هو يسألها بتعجبٍ:
"عمو !! عمو مين دا ياما ؟!"

ردت عليه هي مفسرةً:
"عمو صاحب العربية يا ياسين، مش هيزعق لما أنا اركبها ؟!"

لطم على وجهه و هو يقول بنبرةٍ أقرب للانفعال:
"أشد في شعري منك !! عمو مين يا بت !! أومال عامر اللي دافع و مأجر دا إيه ....علشان يجي عمو يقولنا مينفعش ؟! اسكتي"

حاول كتم ضحكتها و هي تقول بحنقٍ:
"الله !! مش يمكن هو مخليها للعرسان بس ؟! أعرف منين أنا إنه عادي ؟!"

أغلق جفنيه بشدة محاولًا التحكم في انفعالاته، حتى وجدها تربت على كتفه و هي تقول:
"خلاص خلاص.... يلا بسرعة بس علشان ندخل القاعة قبل ما يبدأوا من غيرنا، بس صور حلو بلاش الصور تكون مهزوزة علشان مزعلكش"

تحركت نحو العربة بثقةٍ و هو في الخلف ينظر في أثرها بتعجبٍ و دهشة و حيرةٍ معًا، لكن دهشته لم تدم طويلًا حينما وجدها تبتسم له بهدوء و تشبك كفيها معًا، حينها ابتسم هو الأخر و كأنها أصابته بعدوى التبسم و مع كل صورة يلتقطها لها تزداد بسمته أكثر، حتى بدل الكاميرا ثم اقترب منها حتى يلتقطان الصور سويًا و هي تتمسك بذراعه، حتى اقترب منهما «أحمد» و هو يقول بمرحٍ:

"لو محتاجين مصور أنا معنديش مانع، بدل ما تقضوها سيلفي كدا، ها بسرعة قبل ما أرجع في كلامي"

أعطاه «ياسين» الهاتف و هو يقول مسرعًا:
"يا عم أمسك صورنا الله يكرمك، دا أنا دراعي وجعني و هي كلها متر و نص"

وكزته في كتفه و هي تقول:
"متر و ٦٤ سم، أنتَ اللي طويل أعملك إيه"
قبل أن يرد عليها هو تدخل «أحمد» يقول بحنقٍ منهما:
"خلصونا !! هدخل و اسيبكم"

ردت عليه هي مسرعةً:
"لأ صورني بسرعة معاه علشان هو يصورك معايا، يلا"
ابتسم لها «أحمد» ثم رفع الهاتف و بدأ في التقاط الصور لهما سويًا مع العربة بأضوائها الجذابة التي أضافت للصور رونقًا خاصًا.

في الداخل و بعد انتهاء فترة الراحة أعلن عامل الموسيقى عند قدوم أخوين العروستين، فاقترب «طارق» من شقيقته يمسك يدها و هو يبتسم لها، و كذلك اقترب «أحمد» من «جميلة» يمد لها يده و هي تطالعه بأعين مغرورقة بالدموع فحرك رأسه لها يحثها على التمسك بكفه، ثم اقترب كلًا منهم إلى ساحة الرقص و بدأ لحن الأغنية المعتادة لرقص العروس مع شقيقها، و إبان ذلك اقترب «وليد» من «ياسين» و «خديجة» و هو يمسك كفها فسأله «ياسين» بضجرٍ:
"رايح فين يا حبيبي ؟! هي وكالة من غير بواب؟!"

رد عليه مفسرًا ببساطةٍ:
"هرقص مع أختي، اشمعنا هما بيرقصوا مع اخواتهم ؟!"

حاولت «خديجة» كتم ضحكتها فتحدث «ياسين» بحنقٍ:
"بيقولك لعربسها بإيدي هوديها، أنتَ جاي تاخدها من عريسها ؟! أنتَ أحول يالا؟!"

ضحك الشباب عليهما بعدما استمعوا لهما، فتحدث «وليد» متحديًا له:
"بلاش علشان مزعلكش، هاتها ترقص معايا بدل ما أخدها منك و أخليك تبات لوحدك"

اتسعتا حدقتيها حينما استمعت لحديثه، بينما «ياسين» ابتسم بثقةٍ و تحدٍ و هو يقول:
"طب أنا بقى عاوزك تاخدها النهاردة، أنا بقى عاوزك تثبت على كلامك و تاخدها النهاردة"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"بلاش !! علشان أنتَ عارف أني مبيفرقش معايا حاجة و ممكن عادي اخدها و هنقضي اليوم سوا إحنا التلاتة و ناكل سوا و لسه شهر العسل طويل، هاتها أحسنلك"

زفر «ياسين» بقوةٍ فغمز له «وليد» ثم سحبها و توجه بها نحو ساحة الرقص، فاقترب «ياسين» من الشباب و هو ينظر حوله بضجرٍ فتحدث «عامر» بسخريةٍ:

"طارق ياخد منه مراته و هو يجي ياخد منك مراتك ؟!"

ضحك «ياسين» رغمًا عنه فهو يدري كم تصل درجة تعلقه بها لذلك حرك رأسه ينظر لهما و كأنه أبًا يشاهد صغاره بجوار بعضهما 

بدأت الأغنية و كلًا منهم يرقص مع أخته على الكلمات الأتية:
"الفرحة اللي أنا حاسس بيها...لا أنا قادر أقولها و لا أحكيها.... أختي حبيبتي و ضي عيوني لعريسها بإيدي هوديها.... من يوم ما وعينا على الدنيا مفارقناش بعضنا لو ثانية....على عيني إنك تبعدي عني....دمعتي مش قادر أخبيها....آه....و أوعي تنسي إن أنا حضنك....سرك أخوكي...سندك ضهرك و اوعي تخافي و هجبلك حقك لو ضايقك"

كانت كلًا منهن ترقص مع شقيقها على كلمات الأغنية بتأثرٍ و أكثرهم كانت «جميلة» التي بكت رغمًا عنها حتى سألها «أحمد» بتعجبٍ:
"مالك يا جميلة بتعيطي ليه؟! فيه حاجة مزعلاكي طيب؟؛"

حركت رأسها نفيًا وهي تقول بصوتٍ مختنق:
"بعيط علشان أنا كنت فاكرة أني معنديش أخ، طول عمري كان نفسي يكون عندي أخ ولد بس مجربتش الاحساس دا، و دلوقتي أنتَ موجود و بترقص معايا على أكتر أغنية كنت بخاف من لحظتها"

ابتسم لها بهدوء و هو يقول:
"مش عاوزك تزعلي و لا تخافي طول ما أنا موجود معاكي، أنا في ضهرك علطول و لو كل الدنيا زعلتك، أحمد الرشيد هيقف في وش الدنيا كلها علشانك، حتى لو طارق نفسه"
احتضنته هي بشدة و كأنه تودعه فربت هو على ظهرها ثم قبل قمة رأسها.

كان «طارق» يرقص بـ «عبلة» التي كانت تبتسم له بفرحةٍ كبرى لم تستطع السيطرة عليها، فسألها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"بتضحكي علي إيه يا عبيطة !! هبلة أنتِ شكلك كدا"

ردت عليه بمرحٍ:
"الله !! فرحانة يابني، أنا بتجوز ليدو و أنتَ النهاردة بتتجوز جميلة و كل حاجة كان نفسنا فيها في يوم بقت حقيقة، و دلوقتي برقص معاك علشان هتسلمني لعريسي"

ابتسم لها ثم قال:
"وأنا فرحان علشان فرحتك أنتِ و وليد، فرحان علشان كل حاجة كانت مزعلاكم خلاص مشيت و هتبقوا مع بعض في بيت واحد يقفل عليكم، عاوزك بس تخلي بالك منه و تحطيه في عينك، وليد يبان صعب و ناشف بس جواه عيل صغير عاوز شوية حنية"
حركت رأسها موافقةً فاحتضنها هو بقوةٍ و في تلك اللحظة ودد لو دار بها وسط الجميع معبرًا عن فرحته.

كان «وليد» إبان ذلك يراقب ملامحها و هي ترقص معه و تطالعه بسهام عينيه، فسألها:
"زعلانة و لا إيه ؟! مش عاوزة ترقصي مع أخوكي ؟!"

ردت عليه تنفي حديثه:
"لأ طبعًا عاوزة، أنا بس مستغرباك، المفروض هما العرايس، أنا هنا بعمل إيه؟!"

رد عليه ببساطةٍ:
"أنتِ كمان عروسة، نسيتي فترة الجبس و بعدها فترة فرحي، حني على الواد بقى عاوز ابقى خال، وقعتكم سودا لو بقيت أب و لسه مبقتيش خال"

ردت عليه بيأسٍ منه:
"مفيش فايدة فيك، لسانك مترين و نص !! اسكت"

ابتسم لها ثم تحدث بنبرة صوتٍ هادئة:
"عارفة !! أنا حاسس بحاجة غريبة أوي و حاسس إني زي اللي أول مرة يعرف يعني إيه حياة، كنت فاكر إن بعد فرحتي بيكي مفيش حاجة ممكن تفرحني، بس احساسي النهاردة حلو و غريب، حاسس كدا زي اللي خرج من الحرب كسبان كل حاجة فيها"

ابتسمت له فوجدته يضمها إليه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"شكرًا لوجودك معايا، كل مرة كنت بتعب فيها كنتي بتلحقيني و كنتي دايمًا موجودة، عمرك ما زهقتي و عمرك ما مليتي و عمرك ما تعبتي، وليد اللي في عيونك هو اللي بيخليني أحبني، مهما توهت في الدنيا و مهما كبرت و مهما عيشت، هفضل أحبني طول ما عيونك بتحبني يا خديجة"

تشبثت هي به و هي تبكي فقبل هو رأسها ثم رفع كفه حتى يمسح تلك الدمعة التي فرت على وجهه و هو يكاد يجزم أن أضعف نسخةً منه هي وحدها من تستطع السيطرة عليها حتى تحتويها.

انتهت رقصة الأخوات معًا، فأعلن العامل رقصة كل زوجين مع بعضهما، فاقترب كلًا منهم مع زوجته، حتى «خلود» اقتربت مع «أحمد» بعدما أصرت عليه، و بقيت «سلمى» بمفردها، حتى اقترب منها «مرتضى» يقول بمرحٍ:

"قومي يا بت تعالي ارقصي معايا، سيبك منهم دول عالم كئيبة"
أمسكت يد عمها ثم اقترب منهم ترقص معه مثلهم و هو يضحك بمرحٍ فسألته هي بتعجبٍ:
"رقصت معايا ليه يا عمو !! مرقصتش مع طنط مروة ليه"

رد عليها بسخريةٍ:
"صعبتي عليا، قولت البت غلبانة و تالتة ثانوي و الدنيا دايسة عليها، اعطف عليها يا واد يا مرتضى"

أصدرت صوتًا من فمها يدل على الضجر، فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص يا بت بهزر معاكي، الواد أحمد بيرقص مع البت خلود و أنا واخد بالي من كل حاجة، قولت ارقص معاكي يمكن يروح يكلم ابوكي و نخلص منكم انتم كمان"

ضحكت بيأسٍ فوجدته يقول بخبثٍ:
"يوم ما تنجحي في ثانوية عامة وعد مني دبلته هتكون في إيدك علشان أربي الواد محمد ابوكي، يا أنا يا هو أبو كرش دا"

ضحكت هي بقوةٍ عليه فغمز لها عمها و هو يقول بنفس الخبث:
"دا أنا هفرحه أوي، انجحي أنتِ بس و ملكيش دعوة"

انتهت رقصة الأزواج الرومانسية و بعدها بدأت الرقصة الأكثر شيوعًا في الأفراح و هي الرقصة المعتادة بالمرح على تلك الأغنية الشهيرة:

"سهر الليالي"

حينها رقص كلًا منهم بمرحٍ مع زوجته بعد تلك الأغنية الهادئة التي رقصوا عليها جميعًا، و في لمح البصر تبدل الهدوء إلى المرح و البهجة على تلك الأغنية حتى «وليد» نفسه الذي وجد نفسه مثل الطفل الصغير و هو يرقص على تلك النغمات.
_________________________

انتهى الفرح بداخل القاعة و أعلن العامل ذلك و بدأت الأقدام تتجهز للرحيل و لكن قبل الخروج من باب القاعة اقتربت السيارات التي قام «عامر» بجلبها ثم طلب منهما أن يأخذ كلًا منهما زوجته و يركب تلك السيارة حتى يتم خروجهما نحو سيارات الزفاف. 

بعد خروج تلك السيارات خارج القاعة نزل منها كلًا منهما و في يده زوجته ثم توجه نحو سيارته يقودها نحو بيتهم الجديد، و السيارات خلفهم في حلقات تشبه حلقات السباق و لكن الدهشة ظهرت مع وجود دراجات نارية خارج القاعة،

 و مع حركة السيارات بدأت تلك الدراجات تنتشر بالمكان حتى قاموا بعمل زفة جديدة وسط الطرقات العامة حتى وصلت إلى بيت الزوجية، حينها رقص الشباب جيمعًا أسفل البيت و كأنهم بذلك يعلنوا قدوم العروسين، و مع الألعاب النارية و الموسيقى العالية التي انتشرت من السيارات و بعد رقص الشباب و العائلة بأكملها رحلوا تباعًا بعد توديع العروستين و القاء الوصايا للعريسين.

صعد كلًا منهما شقته مع زوجته بعدة مشاعر مختلفة، بدايةً منذ دلوفهما الشقة، و اغلاقهما للباب، حتى حدث «طارق» زوجته بنبرةٍ هادئة:
"مبروك يا جميلة وجودك معايا، يا رب اقدر اسعدك و اقدر اخليكي فرحانة علطول معايا، صدقيني أنا مش طالب غير كدا و بس"

حركت رأسها موافقةً بخجلٍ منه،فاقترب منها يقبل رأسها ثم قال بهدوء:
"يلا علشان نصلي سوا و علشان أبدأ معاكي عهد جديد قدام ربنا سبحانه و تعالى"
ابتسمت هي بفرحةٍ كبرى ثم تحركت من أمامه و هو ينظر في أثرها بسعادةٍ بالغة.

في شقة «وليد» بدأ هو الصلاة و «عبلة» خلفه، و بعدما ركع هو ثم حان موعد السجود و بمجرد لمس جبينه الأرض في تلك اللحظة نزلت دموعه رغمًا عنه، و شعر براحة غريبة تجتاح روحه و كأنه طفلًا عاد لوالدته بعد يومًا عصيبًا مر عليه في الخارج، وجد نفسه يطيل السجود و الدعاء لها قبله بأن يجعلها الله خير الزوجة الصالحة، و حينما وصل للشكر و الثناء على نعم المولى عز وجل وجد دموعه تزداد على كل مرةٍ أكرمه الله فيها بأكثر ما يستحق.

انهى صلاته و ذكره و تسبيحه و هي في الخلف، حتى وجدته يلتفت لها بعد نهايته ثم ابتسم بهدوء، فسألته هي بصوتٍ مختنقٍ:
"عيطت ليه يا وليد ؟! خلتني أعيط أنا كمان الله يسامحك"

سحبها نحوه يقربها منه حتى احتضنها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عيطت من اللحظة يا عبلة، غصب عني أنا واقف قدام ربنا و مراتي ورايا و بنصلي و هنبدأ عمر جديد مع بعض في حياة المفروض نجاهد فيها، حاجات كتير ملغبطاني و مفرحاني"

تحدثت هي بسرعةٍ:
"أنا فرحانة علشان جربت اللحظة دي معاك أنتَ، خديجة و هدير قالولي إن هما بيفرحوا لما يصلوا ورا ياسين و حسن و كنت كل شوية اتخيل كدا و احنا بنصلي سوا و كنت بفرح أوي"

اخفض فمه حتى قبل جبينها قم قال بنبرةٍ هادئة يشوبها مرحٍ طفيفٍ:
"مكانش ينفع اليوم دا يكون فيه واحدة غيرك و مكانش ينفع واحدة غيرك تلبسلي الفستان الأبيض و مكانش ينفع واحدة غيرك تمسك ايدي في اليوم دا"

ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة فأضاف هو من جديد:
"فاكرة لما قولتلك انك حقي وان وليد الرشيد مبيسيبش حقه؟؟ اهو  النهارده بقي الحق رجع لاصحابه يا عبلة "

رفعت نفسها ثم قبلت وجنته فطالعها هو بتمعن ثم سألها بمرح وهو يحاول كتم ضحكاته :
"عبلة !! مش عايزة تعرفي طب ليه بيداري كده ولا داري كده!؟ " 

ضحكت هي بقوة عليه فشدد هو عناقه لها وهو يضحك بقوة وكأنه يضحك للمرة الاولي في حياته .


تعليقات



×