رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السبعون بقلم سهام صادق
عند غروب الشمس، عبرت السيارة التي يستقلها الصديقين بوابة المزرعة.
_ الهوا هنا يرد الروح واهو نبعد شوية عن دوشة القاهرة.
قالها "نجيب" الجالس جوار "نائل" بالمقعد الخلفي للسيارة.
_ "نائل" أنت نمت؟
ثم هتف وهو يربت على فخذ "نائل" حتى يستيقظ، ليفتح "نائل" عينيه وينظر إلى الممر الطويل الذي تسير به السيارة.
لم ينتبه "نجيب" على تلك الدمعة التي فرت من عينين "نائل" عندما داهمته الذكريات التي حاول الهرب منها، لكن رائحة المكان أعادت ما لم ينساه يومًا.
« جميلة أوي المزرعة يا "نائل"، أنا فرحانه أوي»
« بتعملي إيه يا مجنونه، "زينب" كفايه لعب..»
تركض أمامه بعدما تركت خرطوم المياة الذي أغرقته به.
« اوعي تفتكري هتعرفي تهربي مني، مسكتك»
يرفعها عاليًا ويدور بها صائحًا بعلو صوته.
« بحبك يا "زينب"»
وها هي السنوات الطويلة التي مضت عادت تطرق حصون قلبه الذي مات باللحظة التي طلقها مُجبرًا.
« أخدتني مزرعة صاحبك عشان تودعني فيها، أنا حامل يا "نائل"»
ودموعه تسقط من العجز وقلة الحيلة وهو يسمعها تبكي بقهر.
« وابنك اللي في بطني هتسيبوا لمين، هقوله إيه لما يكبر»
_"نائل"، هنفضل قاعدين في العربية، "شاكر" واقف مستنينا.
خرج "نجيب" من السيارة لينظر "شاكر" إليه، فتمتم "نجيب" وهو يهز رأسه.
_ من ساعة ما ركبنا العربية وهو حالته غريبه.
اقترب "شاكر" من السيارة بقلق.
_ "نائل" اكلم الدكتور بتاعي يجي.
تعلقت عينين "نائل" به ثم حرك رأسه إليه بألا يُحادث أحد.
_ عايز اقعد في الاوضة اللي قعدت فيها زمان يا "شاكر"، خدني ليها.
...
لم يكن إستسلامها لتلك المشاعر التي يجتاحها به ضعفًا بل كان احتياج حركه هو داخلها بعد ما حدث بينهما مُنذ الصباح، الأثاث الذي اختاروه سويًا اليوم تمنت أن تختاره معه قبل زواجهما، تناولهم للطعام بعدما أنهكهم البحث عن ما يرغبون بشرائه، إنها تفاصيل صغيرة لكنها أحيت داخلها شعور حرمها أن تعيشها وسؤال واحد أخذ يتردد داخل رأسها وهي غارقة بين ذراعيه في دوامة تسحبها معه وتجتاح أنوثتها، لماذا تغير الآن معها بعد ما أخبرها به صراحةً تلك الليلة عندما وجدها تبكي على سوء معاملته لها وهي عروس و أن لا مانع لديه أن يعطيها حقوقها الزوجية وتكون زوجة للفراش لكن لا تنتظر أكثر من هذا، هذا هو دورها... زوجة للمتعة والإنجاب.
تردد هذا الصوت داخل رأسها كلما انجرفت معه في دوامة من المشاعر لا يُحركها إلا الرَجُل لأمرأته.
تحرك بها نحو غرفته بعدما شعر بإستجابتها، فتعالت أنفاسها وهي تنظر إليه بنظرة مشوشة، بلهفة أخذ يفك أزرار قميصه ثم عاد ليغرق في نعيم لا يرتوي منه، نعيم حرمه على نفسه لسنوات بعدما وصمه جده بوصمة المغتــ.صب.
لم تكن بكامل وعيها لتسمع صوته وهو يخبرها بالذنب الذي اقترفه في حق "سارة" وأنه ليس مغتصبًا.
_ أنا مش مغتــ.صب يا "زينب"، هو كان السبب... هو السبب.
قُبلاته الشغوفة تحولت إلى قُبلات فاترة وقد استشعر أخيرًا تلك الملوحة التي يلتقطها بشفتيه وتصلب جسدها بين ذراعيه.
ابتعد عنها وهو يحاول إلتقاط أنفاسه لينظر إليها بنظرة باهتة.
_"زينب"، أنا..
تدفقت الدموع داخل مقلتيها عندما أدركت وضعهما.. هي على فراشه مستسلمة لتلك المشاعر التي خدرتها وجعلتها كالمغيبة.
سيجعلها كما خطط منذ البداية، زوجة لتحقيق أغراضهم...
« هتعيشي مع جدك عشان تراعيه، ابوكي مات مديون.. أنتِ ولا حاجة، أنا معنديش أخ اسمه "أسامة"، جدتك كانت خطافة رجالة عضت الأيد اللي اتمدد ليها، عايزه تقارني نفسك بـ بنتي فوقي لنفسك، أخرك تكوني خدامة عند بنتي، حذاري جوزك يشتكي منك وترجعيلنا تاني، كويس رضي بواحدة أبوها اتسجن ومات وهو جايب لينا العار»
« جوازنا جيه بسرعة وأنا متعودتش على ست في حياتي، لو عايزة نتمم جوازنا معنديش مشكلة لكن متجيش بعد كده تسأليني ليه علاقتنا علاقة باردة مبتحركهاش غير غريزتنا، "زينب" كان اختيار درسه كويس "شاكر" بيه»
أغلقت عينيها بقوة لعلها تهرب من هذا الصوت الذي لم يرحمها، هم حولوها إلى أنثى مشوهه من الداخل... لا تثق بأحد ولا تجد الأمان إلا في حضن جدها..لقد تزوجت من أجلة حتى تخفف عنه عبئها.
حاوطت جسدها بذراعيها وسُرعان ما بدأ جسدها يرتجف بطريقة جعلته ينهض من الفراش مصعوقًا.
_ "زينب"، فيكي إيه..
_ أنا سقعانة أوي.
بالكاد سمع صوتها لينظر بذهول نحو مكيف الغرفة المغلق.
اِرتجاف جسدها الشديد جعله يقف لوهلة مشتتًا، لينفض رأسه سريعًا ويتحرك نحو خزانة الملابس الضخمة ويلتقط من على أحد الأرفف غطاءً ثقيل.
اقترب منها بهلع ووضع الغطاء عليها متمتمًا بصوت متقطع.
_ حاسة بدفى دلوقتي، اشغل وضع التدفئة على التكييف؟
صار لا يعرف ما عليه فعله، قام بضبط وضع المكيف وعاد إليها يهتف بقلق.
_ زينب، افتح عينك...أنا آسف صدقيني مكنش المفروض ألمسك وأنا عارف إنك مش مستعدة.
جلس جِوارها على الفراش ثم التقط كفوف يديها وأخذ يحرك كفيه عليهما.
_ نروح لدكتور طيب، ردي عليا.
نظرت إليه بنظرة أوجعت قلبه الذي لم يعود للحياة إلا معها.
_ ياريتني ما إتحديته يومها ووافقت اتجوزك، افتكرت إني بنتقم منه طلعت بنتقم من نفسي، طيب اقولك على سر..
ابتسم عندما تذكر لحظة رؤيته لها لأول مرة حين تقدم لخطبتها مع والديه و جده.
_ قولت لنفسي.. لأول مرة "شاكر" باشا يوصف حد صح، كنتي جميله أوي يا "زينب" ، تفتكري أنا عجلت الجوازة ليه بسرعه..
عندما وجدها تسمعه تحرك نحو الجهة الأخرى من الفراش واستلقى عليه ثم اجتذبها برفق إلى حضنه.
أرادت الإبتعاد عنه، فهمس برجاء.
_ خليكي في حضني ووعد مني مش هلمسك غير وأنتِ متقبله ده.
_ وعودك كلها كذب، أنت ليك هدف عايز تحققه من ورا الجوازة دي.
ابتسم بسعادة عندما استمع إلى صوتها.
_ حطى العقاب اللي أنتِ عايزاه بس خليكي في حضني النهاردة.
_"صالح" أنا عايزة اطلق ممكن.
اهتز قلبه عندما اخترقت الكلمة جميع حواسه ليبتلع ريقه ثم تنهد.
_ خلينا نتكلم بكرة يا "زينب"
ذلك الثبات الذي حدثها به لا يعلم من أين أتى لكنه صار يعرف طباع "زينب".
_ يعنى موافق على الطلاق؟
بصعوبة حرك رأسه إليها.
_ نامي وبكرة نتكلم، تمام.
أغلقت عينيها ولم تمر إلا دقائق وقد غفت بين ذراعيه ليرفع يده يمررها برفق على خصلات شعرها.
_ اطلقك إزاي وأنا روحي بقت فيكي يا "زينب"، هعمل المستحيل عشان تفضلي معايا.
...
أغلق "صالح" عينيه بسبب الصداع الذي اشتد عليه ليرتشف من فنجان القهوة الذي بيده ثم تحرك نحو حجرة الجلوس التي نظفها في ساعات الصباح الأولى.
الأرق كان واضح على ملامحه ورغم ذلك كان متأنق في بذلته الرماديه وقميصه الذي اعتاد على فتح أول زرين منه.
أطلق زفيرًا طويلًا ثم استرخى في جلوسه وشرع في تصفح هاتفه حتى يشغل عقله قليلًا.
بعد ساعه من جلوسه هكذا تنهد بحيرة واتخذ قراره، ترك هاتفه على الطاولة الصغيرة التي أمامه ثم نهض متجهًا إلى غرفته.
دفنت "زينب" وجهها بالوسادة عندما بدأت تتذكر ما حدث بينهما، إنها المرة الثانية التي يصل بهما الأمر إلى علاقة شبه كاملة تنتهي قبل أن يتم ما صار يرهبها منه، زواجهما إذا تم ستنكسر معه كرامتها وسيحقق هو غايته.
_ بتضعفي ليه يا "زينب"، بتضعفي ليه..
ابتلعت لعابها ثم حدقت بسقف الغرفة شاردة فيما عليها فعله عندما يُطلقها؛ فقد أخبرها أمس أنهم سيتحدثون بأمر طلاقهم.
لم يطرق الباب لظنه أنها مازالت نائمة لينتفض جسدها عند رؤيته، فتمتم باعتذار وهو يقبض على مقبض الباب الذي فتحه للتو.
_ مكنتش فاكر إنك صاحية، أسف.
هربت بعينيها بعيدًا ونهضت من على الفراش لتنظر إلى ساقيها العاريتين وقد انتبهت على ما تغافلت عنه بسبب شرودها، أنها ترتدي أحد القمصان الخاصة به.
_ أنا حضرت ليكي الفطار، كنت حابب نتكلم شوية لكن للأسف عندي اجتماع ومضطر أمشي.
_ طيب هنتطلق امتى؟
تساءَلت بها عندما وجدته يستدير بجسده ليسحب نفسًا عميقًا ثم التف إليها.
_ خلينا نتكلم لما أرجع.
_ والعفش اللي اشتريناه؟
ابتسم بتلك الابتسامة التي صار يجيدها وبهدوء اقترب منها.
_ عادي يا "زينب" هنفرشه سوا.
_ يعنى أنت بتضحك عليا وهتفضل تساومني من ناحية الطلاق.
تظاهر بالصدمة لتعقد هي حاجبيها بترقب.
_ لأ طبعًا مين قال كده، أنا معاكي في أي قرار أنتِ عايزاه... اقدر امشي دلوقتي ونأجل كلامنا لما أرجع.
كاد أن يتحرك لتتساءَل.
_ هترجع امتى؟
تنهد ثم استدار مرة آخرها إليها.
_ أول ما أخلص شغل اكيد هرجع، خلصي فطارك كله.
غادر دون أن ينتظر مزيدًا من أسئلتها التي تتمحور حول وعده لها بالأمس.
اِستقل سيارته لينظر إلى الطريق قبل أن يتحرك نحو مقر عمله.
_ الست العنيدة لازم تتعامل بسياسة المهاودة.
وأول شئ كان يفعله عند دخوله مكتبه -بعدما أشار إلى "كريم" مساعده بأن لا يتبعه- هو إخراج الكتاب من درج مكتبه؛ فــ عليه تكملة قرائته.
....
ابتسمت "زينب" بابتسامة باهتة وهي تستمع إلى تلك الأحاديث الجانبية من زميلاتها بالمعهد.
_ بفكر اغير Hair style بتاعي ، أعمل أي حاجه مجنونه.
_ تصدقي وانا كمان، "زينب" إيه رأيك؟
تساءَلت بها "هدير" زميلاتها لتنظر نحوها "نسمة" متسائلة:
_ مالك يا "زوزو" النهاردة ساكته ليه، أوعي تقوليلي نكد الجواز لحق يصيبك.
_ يا ساتر عليكي وعلى تفاؤلك، ملكيش دعوه بيها يا "زينب"...
ضحكت "نسمة" بخفوت.
_ بكره تقدموا أنتوا الاتنين وتنضموا لحزب النساء البائسات.
التوت شفتي "هدير" وهتفت وهي تنهض من جوارها واقتربت من "زينب".
_ لأ إن شاء الله مش هننضم للحزب بتاعك، أكدي على كلامي يا "زينب" لتشمت فينا.
رمقتها "زينب" بابتسامة صافية وركزت بأنظارها نحو الكتاب الذي أمامها.
_ "زوزو" إيه رأيك في إقتراح "هدير"؟
قالتها "نسمة" وهي تقضم قطعة الشيكولاته التي بيدها.
كادت أن تتحدث "زينب" لكن اقتراب زميلتهن قطع حديثهن.
_ مدام "كاميليا" عايزاكم في أوضة مكتبها.
...
اجتمع الجميع في غرفة السيدة "كاميليا" مديرة المعهد لتنظر لهم ثم ضحكت.
_ مالكم ليه القلق ده، مفيش قرارت جديدة هنطبقها.. الحمدلله معهدنا ماشي صح ودايمًا الكل بيشكر في مناهجنا وتفوقكم.
أخذت السيدة "كامليا" تصفق لهم لتتسع ابتسامتهم جميعهم.
_ إجتهادنا وتفوقنا جاي من إدارتك الناجحة يا استاذة "كاميليا".
قالها أحد الزملاء الذي دائمًا يمتدح السيدة "كاميليا" بأي شئ تفعله أو تتحدث به.
_ شكرًا يا استاذ "فارس"، اسمعوني بقى ومش عايزة أى رفض لإقتراحي.
اتسعت ابتسامة "كاميليا" عندما رأت نظرت الترقب بعينيهم.
_ بنتي لسا متخرجة من كلية السياحة وبتدرب في شركة خالها وأنا بصراحه عايزه اكفأكم على اجتهادكم وحبكم للمعهد وفي نفس الوقت تكونوا أنتوا أول فوج ليها ومتقلقوش الرحلة على حساب المعهد وكل واحدة او واحد فيكم يقدر يجيب فرد معاه وطبعًا فرصة حلوه للمتجوزين...
_ الرحله فين يا استاذة "كامليا".
دارت عينين "كاميليا" بينهم ثم هتفت حتى تزيد من حماسهم.
_ أسوان
.. ...
ابتسم "صالح" عندما وجدها تنتظره، فهتف وهو ينظر نحو جهاز الحاسوب المفتوح على الطاولة.
_ برضو نفس القاعده، طيب و ضهرك لحقتي تنسي وجعه.
_ عايزه اتكلم معاك.
هذا ما توقعه منها وصار مستعد له.
_ تمام، ممكن بس دقايق وارجعلك.
تحرك نحو غرفته وأغلق الباب عليه ليُراجع تلك السطور التي قرئها.
بعد نصف ساعه...
كان يخرج من الغرفة بعدما ارتدي ملابس مريحة للمنزل.
_ اتعشيتي الأول؟
عقدت ساعديها أمامها وحركت رأسها نافيه.
_ إيه رأيك اعمل أنا العشا وبعدين نتكلم.
لم يتركها لتفكر بل تحرك نحو المطبخ وهو يشمر أكمام قميصه.
_ هعملك أكله إيطاليه علمهاني صديق.
ضاقت حدقتاها وتحركت ورائه وقد أخذها الفضول نحو ما سيصنعه.
_ أنت بتحب الاكل الإيطالي؟
ابتسم وهو يخرج المكونات من البراد ثم اتجه إلى أحد الأدراج.
_ جداً، بس قوليلي أنتِ بتحبي الأطباق الإيطالي؟؟
خرجت الكلمات منها بتلقائيه.
_ بحبها جداً.
ودون أن تعي أخذت تخبره عن أسباب حُبها للطعام الإيطالي الذي كان يعشقه والدها.
اجتذب معها الحديث وكلما أراد أن يجد عبوة من التوابل كان يسألها عنها.
_ نص ساعه والاكله تكون جهزت، إيه رأيك نعمل طبق سلطه؟
نضج الطعام وانتهوا من إعداد طبق السلطة ليضع أخر طبق على الطاولة قائلًا:
_ اتفضلي سنيوريتا.
وأسرع نحو المقعد الذي تفضل الجلوس عليه وقام بتحريكه حتى تجلس، فابتسمت.
_ جراتسي.
_ رأيك بقى؟
تساءَل بها عند جلوسه وانتظر أن تتذوق من الطبق، غرزت شوكتها ثم انتظرت لثواني قبل أن تضع الشوكة بين طرفين شفتيها.
_ جميلة اوي، تسلم ايدك.
عفوية هي كالأطفال الصغار، تنسى ما يغضبها سريعًا وتفرح بأبسط الأمور، كالدفئ والأمان... وهذا هو ما وضع عليه خطوط عدة بالكتاب.
التهم الطعام بشهية مفتوحه ومن وقت لآخر كان يختلس النظرات إليها إلى أن وجدها تنظر إليه بنظرة طويلة.
_ خلينا نأجل موضوع الطلاق.
رفع عينيه عن الطبق ونظر إليها، فارتبكت وأطرقت رأسها.
_ يرجع جدو الأول وكمان في رحلة في المعهد يعني...
تمتمت كلماتها بصوت خفيض متقطع، فخرج صوته بسعادة.
_ من زمان أوي مطلعتش رحلة جماعية.
وواصل كلامه بحماس.
_ قوليلي بقي هنروح فين لأني اتحمست.
...
نظر "سيف" بسخرية نحو العُلبة التي وضعتها والدته أمامه، فهل أخيرًا تذكرت زوجته وأرادت إهدائها هدية.
_ عيد ميلاد "بيسان" النهاردة، هتكون لافته لطيفة منك.
تحركت "سمية" واقتربت منه بعدما رأت نظرته للهدية التي كان داخلها أسوار من الذهب الأبيض.
_ "بيسان" كان ليها دور كبير معاك في إنك تتعلم الشغل بسرعه يا "سيف" ولا أنت شايف غير كده.
اتجهت عيناه نحوها يرمقها بنظرة فهمتها سريعًا.
_ أنا خلاص فقدت الأمل إنك تكون على علاقة حب مع "بيسان"، فأتمنى تكونوا أصدقاء.
طالت نظرة "سيف" إليها، فأسرعت بتغيير الكلام حتى لا يُدرك ما تسعى إليه بتمهل.
_ قولي عمك راجع امتى، اصلي عايزه اباركله هو والعروسه.
_ راجع بكره.
أشاح "سيف" وجهه عنها، فامتقعت ملامح "سميه".
_ مش قادرة أصدق لحد دلوقتي إن "عزيز" أتجوز، البنت دي لعبتها صح..يلا اهي طلعت كسبانه في النهاية وبكرة تجبلكم "عزيز" صغير.
رغم نيران الحقد التي اندلعت في قلب "سميه" إلا أنها اخفت هذا وقد تعالت أصوات ضحكاتها.
_ هسيبك يا حبيبي تركز في شغلك وأوعى تنسى الهدية "بيسان" هتفرح أوي.
غادرت "سمية" الغرفة بعدما أشعلت داخله كرهه نحو "ليلى"، فهو لا يتخيل أن يصبح لعمه طفلًا منها.
زفر أنفاسه بضيق ثم نهض من وراء طاولة مكتبه ليتحرك بالغرفة بدون هوادة إلى أن عادت عيناه تستقر نحو الهدية التي يشعر من ورائها بنوايا والدته التي بتأكيد لن تتغير نحو العلاقة التي تريد أن تجمعه مع "بيسان".
اقترب من طاولة المكتب ليلتقط تلك العُلبة ثم فتحها.
_ "سيف" السكرتيرة قالتلي إنك عايزنى.
هتفت بها "بيسان" فور دخولها مكتبه بعدما طرقت الباب لتنفلت ضحكة خافتة من بين شفتي "سيف".
استدار "سيف" إليها، فتعلقت عينين "بيسان" بتلك العُلبة المخملية التي يحملها.
_ فيه حاجه في الشغل محتاجني فيها، اعمل حسابك أنا ساعه وهخرج من الشركة... فأي حاجه محتاجها مني قدامك ساعه بس.
قالتها بمِزاح حتى تُداري تلك الخيبة التي التمعت بعينيها، فبالتأكيد الهدية التي بيده ليست لها.
_ كل سنه وانتي طيبه يا "بيسان".
تقدم منها، فنظرت إليه ثم اتسعت ابتسامتها.
_ وأنت طيب يا "سيف".
وسُرعان ما تابعت حديثها وقد ارتفعت دقات قلبها بسعادة.
_ أنت أخر واحد كنت اتخيل إنك تفتكر عيد ميلادي.
شعر "سيف" بالحرج لتظاهره بأنه يفعل هذا من تلقاء نفسه ليمد يده إليها بالهدية.
_ دي عشاني.
ابتسم حتى يُداري شعور الخزى الذي شعر به عند رؤية سعادتها لمجرد أنه تذكر يوم مولدها.
_ أتمنى تعجبك.
التقطت منه الهدية ثم نظرت إليه، انتظر أن ترى ما بداخل العُلبة ليتراجع بذهول إلى الوراء عندما احتضنته.
_ شكرًا يا "سيف".
خفق قلبه بشعور لا يصدقه لتهتف بسعادة.
_ بقالي سنين مفرحتش بعيد ميلادي بس المرادي عيد ميلادي غير كل مره.
ابتعدت عنه بعدما أدركت تهورها لتخفض رأسها بخجل.
...
...
في تمام الرابعة فجرًا......
كانت السيّارة التي يقودها "عزيز" - العم - تعبر البوابة، حيّاهم "مسعد" الحارس وهو يتثاءب ثم أسرع بغلق البوابة.
ابتسمت "ليلى" عندما وجدت ڪُلاً من زوجة عمها و "شهد" والعم "سعيد" يقفون بالخارج ينتظرون قدومهم، وقد ترك "سيف" الشرفة التي يقف داخلها منتظرًا قدوم عمه.
_ شهر العسل كان حلو يا "ليلى"، اتفسحتي فين وجبتيلي هدية معاكي ولا لأ.
قالتها "شهد" بعدما احتضنت "ليلى"، ليزيحها العم "سعيد" من أمامها قائلًا:
_ وده وقته، ابعدي كده خليني اسلم عليها.
دمعت عينين "سعيد" عندما وضع يديه على خديها، لتسرع "ليلى" في تقبيل كف يده قائلة:
_ وحشتني يا راجل يا عجوز.
اتسعت ابتسامة "عزيز" لتمسح "عايدة" دموعها وتجتذبها إلى حضنها مجددًا.
_ كأنك غيبتي عننا لسنين، البيت كان ضلمة من غيرك.
_ طيب وأنا يا "عايدة" محستوش بفرق، ولا خلاص "ليلى" اخدت الجو مني.. عمومًا أنا راضي.
ضحكوا جمعيهم ليخرج "سيف" من المنزل وينظر إليهم ولأول مرة يبغض هذا الشعور، أنه لا يستطيع الاقتراب من عمه.
لم ينتظر "عزيز" أن يبادر "سيف" بالتحرك إليه بل تحرك نحوه وفتح له ذراعيه.
تلاشى ذلك الشعور الذي كاد أن يغرسه شيطانه داخله وأسرع بالاقتراب منه ومعانقته.
_ حمدلله على السلامه يا عمي.
ضمه "عزيز" إلى حضنه، فــ تعلقت عينين "ليلى" بهم وعلى محياها ارتسمت ابتسامة صادقة... ،إنها تُحب ما يقوم به "عزيز" مع أولاد شقيقه.
_ حمدلله على السلامة.
تمتم بها "سيف" مرة أخرى بعدما نظر نحو "ليلى" التي أجابته على الفور.
_ الله يسلمك.
ثم هتفت وهي تنظر حولها.
_ اومال فين "كارولين" أصلها وحشتني.
نظروا جميعًا إليه، فارتبك "سيف" وتمتم بحرج.
_ فضلت مستنيه بس للأسف نامت.
أومأت "ليلى" برأسها، لتهتف "شهد" وهي تتثاءب.
_ ليه يا "لولو" جيتوا متأخر كده.
ضربها "سعيد" علي رأسها قائلًا:
_ المرة الجاية هيسألوكي يرجعوا امتى.
رغم سيطرة النُعاس على أجفانهم إلا أنهم انفجروا بالضحك وسُرعان ما كان يرتسم الذهول على ملامحهم عندما التقط عمها يدها وتحرك بها.
_ سيبها معايا النهاردة يا "عزيز" بيه.
فتحوا أفواههم من الصدمة ليسرع "عزيز" نحوها ملتقطًا يدها وبصوت مازح هتف حتى يُخفف من هذا الحرج.
_ لأ ما خلاص بقى أنا أخدتها منك يا "عزيز".
تعلقت عينين "سيف" بذراع عمه التي التفت بتملك حول خصر "ليلى" ومحاولاته في ملاطفة العم - "عزيز" - حتى يتركها له.
_ في إيه يا "عزيز" مالك، سيب البنت تدخل مع جوزها وبكرة نتجمع كلنا سوا إن شاء الله.
تدخلت "عايدة" بالأمر وكذلك العم "سعيد" ورغمًا عن عمها ترك يدها، شعرت "ليلى" بالضيق وهي ترى دموع عمها.
_ هجيلك الصبح بدري يا عمو، وهاجي كمان احضر ليك الفطار ونفطر سوا.
تلاشت تلك الابتسامة التي زينت ثغر "عزيز"، فأسرعت "عايدة" بالتقاط يد زوجها وهتفت وهي تتحرك مع عائلتها نحو المسكن.
ادخلي مع جوزك يا بنتي وبكرة ربنا يحلها.
لم يتحدث "عزيز" بشئ أمام ابن شقيقه الذي وقف ينظر إليهم بصمت، لتنفرج شفتي "سيف" بابتسامة ساخرة عندما تحركت جِوار عمه الذي اختفت ابتسامته.
أغلق "سيف" باب المنزل بعد دلوفهم وبخفوت خرج صوته.
_ كويس إنها عارفه أصلها فين...