رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس و الاربعون 45 بقلم شمس بكري

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس و الاربعون

كُنتُ دَليلُ العُشاقِ في دِروبْ الحُب و فِي لُقياكِ تَاهَ القَلّب 
_________________________

كيف لا أحزن؟! 
و أنا من حسبت نفسي عليكَ عزيزًا، و ظننت أنني عليك_ لا أهون_ و في الحقيقة أنني هُنتُ و كأنني يومًا في حياتك لم أكون، أوصدت في وجهي بابك... و حكمت على قلبي بمذاق غيابك و أنتَ من كتب علينا الحرمان من وصالك ... و حتى لم تكلف عناء نفسك و تلقي أمامي أسبابك، و أتيت بعد جرحي الغائر تود محاسبتي طامعًا مني في سماعك و برفضي مطلبك تود إلقاء عتابك ؟، ألم تسأل نفسك ذات مرةٍ كيف أشعر أنا في بُعادك؟، و أنا من ذاق منك عذابك...أنا من حكمت عليه أنتَ بقسوة غيابك..
       ________________

خرج الشباب خلف بعضهم فوجدوا «عامر» يقف على سيارة النقل و في يده الألعاب النارية و بجواره «عمار» و «عبد الرحمن» و هو يقول بفرحةٍ:
"ألف مبروك يا طارق.....ألف مبروك يا ليدو.....بيت الرشيد بيفرح يا جـــدعـــان"

قال كلمته الأخيرة بمرحٍ ثم قفز من السيارة يمسك بيد «طارق» و «وليد» و هو يرقص معهما على الاغاني الشعبية و بعد مرور ثوانٍ اندمج معه الشباب بأكملهم و هم يصفقون بقوةٍ و الرجال معهم و النساء يطلقن الزغاريد و الفتيات في ردهة البيت يشعرن بالفرح و معهم «خديجة» أيضًا، كان المنظر مبهج للجميع و خاصةً منظر الشباب بجانب بعضهم و هم يرقصون سويًا، قامت كلًا من«هدير» و «عبلة» باسناد «خديجة» للخارج حتى تشاهد ما يحدث ، وقفت تستند على عكازها الخشبي و هي تضحك ببلاهة و فرحةٍ على منظر الشباب المُبهج، و خاصةً حينما أمسك «حسن» يد «ياسين» و رقصا سويًا وسط الشباب و بعدها انخرط الرجال معهم و رقصوا سويًا، و الجيران حولهم من الشُرفات يصقفون و يلقون عليهم المباركات و التهنئات، حتى قام «عامر» باشعال الألعاب النارية من جديد بعدما اعطى لـ «أحمد» واحدةً منها قام بإشعالها هو الأخر، بينما «وليد» رغمًا عنه وجد نفسه يضحك بفرحةٍ كبرى لم يتوقع أن يشعر بها يومًا ما، و عبر عن فرحته تلك حينما ارتمى بين ذراعي «ياسين» يشدد العناق عليه و هو يقول بنبرةٍ أظهرت امتنانه له بقوله:
"ربنا يباركلي فيكم و تفضلوا معايا علطول، شكرًا علشان كل حاجة"

ربت «ياسين» على ظهره وهو يقول بصوتٍ حاول جعله مرحًا حتى لا يظهر تأثره:
"متقولش كدا يلا، أنتَ أخونا و كويس إنك أكدت على عامر إنها سُكيتي"

ابتعد عنه وهو يضحك بشدة حتى تحولت ضحكته إلى القهقهات، فابتسم له الآخر بحبٍ، و على الجهة الأخرى كانت «خديجة» تراقبهما بعينيها الدامعتين تأثرًا من موقفهما، حتى قفز الشباب من على السيارة أخيرًا، ثم عادوا للرقص من جديد و خصيصًا «حسن» الذي وجد نفسه دون أن يعي لذلك يرقص معهم هو الآخر بفرحةٍ و زادت تلك الفرحة أكثر حينما اقترب منه «عامر» يرقص أمامه و معه «طارق» أيضًا، و استمر ذلك الوضع إلى ما يقرب الساعة وسط مشاهدات الجيران و تصفيقهم، حتى توقفت الموسيقى أخيرًا و بدأ الشباب في حمل الأشياء على السيارتين، و حينما اقترب «عامر» من رجال العائلة ربت «مرتضى» على كتفه وهو يقول بمرحٍ:
"جرى إيه يا عامر ؟؟ أومال لو مش وليد مأكد عليك سُكيتي كنت عملت إيه؟! دا قرايب الجيران عرفوا و جُم هما كمان"

رد عليه بفخرٍ:
"الله !! بفرحكم يا عم مرتضى، انتو غاويين كئابة و غم ليه ؟! فيه خشب عريس يروح سُكيتي؟!" 

تدخل «محمود» يقول مؤيدًا له بصوتٍ ضاحك:
"جدع يا عامر ربنا يكرمك، خليهم يفرحوا بحاجتهم"

في تلك اللحظة اقترب «طارق» يقول بسخريةٍ بعدما استمع لجملة عمه:
"دا يدوبك الخشب، أومال يوم العفش كله هيحصل إيه ؟!"

رد عليه «عامر» مفسرًا بمرحٍ:
"هيحصل حاجات كتير خليها مفاجأة، صبرك عليا بس"

قبل أن يرد عليه أيًا منهم اقترب منه «عمار» و هو يحمل في يده أشياءًا ثقيلة وهو يقول بلهفةٍ: 
"الحاجة السقعة يا عامر، أنتَ نسيتها ولا إيه ؟!"

رد عليه وهو يأخذها منه بقوله:
"يا عم انساها إيه بس، أنا كنت مستني الناس تخلص تحميل و أوزع الحاجة"

اقترب منه «وليد» يقول مفسرًا حتى لا يقع في موقفٍ مُحرجٍ:
"أنا لو كنت أعرف إنك هتقلبها مراجيح كدا كنت عملت حسابي و جبت، بس إحنا موصيين على غدا هناك علشان ناكل و علشان السواقين كمان تاكل"

تدخل «طه» يقول مُستحسنًا فعله بقوله:
"طب كويس عليك نور، المهم يلا بقى خلصوا قبل ما الليل يليل عليكم، و علشان المنطقة هناك هادية"

حرك رأسه موافقًا ثم عاد للشباب من جديد، بينما «عمار» فتح كرتونة الزجاجات الصفيح المُخصصة للمياه الغازية و هو يعطيها للجميع حتى الجيران حولهم الذين وقفوا بجوارهم يقومون بتهنئتهم، حتى وصل للفتيات و حينها أخفض عينيه أرضًا حتى لا يقع بصره عليهن و هو يمد يده بالزجاجات يُعطيها لكلٍ منهنَ على حِدة، حتى وصل أمام «خلود» التي حاولت جاهدةً الظهور بالثبات أمامه و حينما مد يده لها ابتسمت له هي بسمةٍ طفيفة و رغمًا عنه رفع عينيه يطالعها حتى ابتسم هو الآخر ثم نهر نفسه و هو يلتفت بسرعةٍ هاربًا من سهام عينيها، تابع ذلك الموقف زوجين من الأعين، أعين «أحمد» الذي كان يتابع شقيقته و أعين «عبد الرحمن» الذي كان يتابع رفيقه، عاد «عمار» للشباب يقوم بالتوزيع عليهم حتى تحدث «ياسر» يقول بمرحٍ:
"عقبالك يا عمار يا رب، ساعتها عامر هيفتحلك مصنع حاجة سقعة في الشارع"

ابتسم له و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"لسه المشوار طويل يا ياسر، مستعجلين على إيه أنا مش عارف"

رد عليه «خالد» بنبرةٍ ضاحكة:
"كنت فاكر زيك كدا، و العمر عدى هوا، ركز بس في مستقبلك و متخافش ربنا هيكرمك إن شاء الله، عارف ليه ؟! علشان أنتَ محترم و متربي يا عمار"

ابتسم له وهو يحرك رأسه موافقًا، بينما «خلود» حتى لا يتضح تأثرها بوجوده أكثر من ذلك اقتربت من شقيقتها تقف بجوارها وهي تقول مقترحة عليها:
"تحبي تقعد على الكرسي أحسن ؟! وقفتك كدا غلط عليكي يا خديجة"

ردت عليها «جميلة» تؤيد مقترحها:
"خلود معاها حق يا خديجة، اقعدي ريحي رجلك و ريحي نفسك شوية علشان وليد و ياسين محدش فيهم يقلق"

حركت رأسها موافقةً ثم جلست على المقعد بعدما أسندتها كلتاهما، و في الخارج انهى الشباب حمل الأشياء على السيارات أخيرًا ثم استعدوا للرحيل، حينما قاموا بتقسيم أنفسهم في السيارتين بجوار الأثات، بينما «عامر» قفز على السيارة التي تحمل سماعات الموسيقى، فسأله «وئام» بتعجبٍ:
"أنتَ مش جاي معانا ولا إيه يا عامر ؟! هتركب مع الدي جي ؟!"

رد عليه مُردفًا بفخرٍ:
"لأ هاجي طبعًا بس أنا هركب مع الدي جي، مش أنا المتعهد ؟!"

نظر له الجميع بدهشةٍ، فتحدث «ياسين» مفسرًا لهم:
"أصل عامر متخصص في الدوشة و إزعاج الآخرين"

سأل حينها «وليد» بتعجبٍ:
"هي العربية دي هتيجي معانا هناك كمان !! أنا فاكرها هنا و خلاص"

رد عليه «عمار» بسخريةٍ مُقلدًا طريقة أخيه مُتذمرًا بتزييف  مع قوله:
"إيه يا وليد عاوزنا نروح نودي حاجة العريس سُكيتي كدا ؟! مش لازم الناس كلها تعرف إن فيه عريس بيودي حاجته هناك ؟!"

ضحك الجميع عليه حينما قلد طريقة شقيقه، فتحدث «عامر» بضجرٍ يقول:
"الله !! هي كلها بقت بتقلد عامر فهمي ولا إيه ؟!"

رد عليه «حسن» بسخريةٍ:
"معندهمش نظر، عامر نسخة واحدة موردتش في مصر كلها"

حرك رأسه موافقًا بفخرٍ و تعالٍ، حتى تحدث «محمد» يقول لابن شقيقه:
"تعالى يا أحمد سوق لينا العربية علشان نروح معاكم، لو حد فينا ساق العربية هنوصل و أنتم راجعين"

تدخل «مرتضى» يقول بحنقٍ:
"ليه يا أخويا أنا لسه شباب، اتكلم عن نفسك أنتَ يا عجوز"

رد عليه «محمد» بضجرٍ:
"عجوز إيه يا مرتضى، أنتَ أكبر مني أساسًا"

تحدث «مرتضى» يقول بحنقٍ منه:
"أكبر منك إيه ؟! الفرق بينا سنة بس، هي دي اللي تفرق يعني، و بعدين مش يمكن أنتَ الكبير و هما اتلغبطوا بينا ؟! أنا لسه شباب زي وئام ابني"

تدخل «طه» يقول بسخريةٍ منه:
"جرى إيه يا جدو مرتضى ؟؟ شباب مين بس ؟! ما تخلينا ساكتين"

فتح «مرتضى» باب سيارته و هو يقول بحنقٍ:
"مع نفسكم أنتم بقى، أنا هسوق و شوفوا مين هيوديكم"

طالعه اخوته بتعجبٍ و معهم «حسان» فتحدث «محمود» يقول مسرعًا:
"خدني معاك يا مرتضى، دا إحنا فيه حفيد ما بينا حتى"

في تلك اللحظة تحدث «عامر» يقول بسخريةٍ:
"و أنا اللي فاكرنا مفضوحين ؟! دول طلعوا مفضوحين أكتر مننا، أقسم بالله، الليلة دي ناقصها عم مرتضى و تبقى كملت"

كان «ياسين» واقفًا بجوار السيارة فاستمع له، و حينها حدجه بنظرته فأطاح له «عامر»» برأسه دون أن يكترث له، بينما أبناء الرشيد ركبوا السيارة معًا و معهم «حسان» أيضًا، و فجأة قاد «مرتضى» السيارة بسرعةٍ كبرى و هو يرفع صوت الموسيقى بها فرحًا بابنه، و الشباب و العائلة بأكملها تضحك عليه و على اخوته و هم ينهروه في السيارة بصوتٍ عالٍ، فرفع «عامر» صوته يقول:
"المفروض بعد كدا نعرف وليد طالع لمين، الله ينور عليك يا عم مرتضى"

لوح له «مرتضى» من نافذة السيارة فقام «عامر» بالضرب على سقف السيارة و هو يقول:
"اطلع يا ريس، خلينا نلحق حفلتنا"

قام السائق بتدوير السيارة فاشار «عامر» لعامل الموسيقى وهو يقول بفخرٍ:
"يلا يا شيكا شغلي مهرجان حلو خليني أفرح العالم النكد دي"

قام الشاب بتشغيل المهرجانات الشعبية فقام «عامر» حينها باشعال الألعاب النارية مرةً أخرى و السيارة تتحرك من الشارع و الشباب خلفه يضحكون عليه و السيارات تتحرك خلف سيارة الموسيقى، و الفتيات تضحك بقوة حتى قالت «مشيرة» بنبرةٍ ضاحكة:
"الواد عمل فرح من غير فرح و الله، أومال في الليلة الكبيرة هيعمل إيه؟!"

ردت عليها «خديجة» بسخريةٍ:
"مشوفتيهوش في فرحه دا عمل إيه ؟! و لا فرحي، بس متستعجليش، فرح طارق و وليد قرب و هتشوفي بنفسك"
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ و الفتيات معها أيضًا يضحكن عليه.
_________________________

في شقة والدة «ياسر» بعد انقضاء ليلة الأمس بين الكوابيس المُزعجة و القلق و هجر النوم لها خوفًا من ظهور طليقها مرةً أخرى، كانت جالسة على الأريكة و تستند برأسها على كف يدها بخيبة أمل تمكنت منها بعدما ظنت أن ظهوره أمرًا مُستحيلًا، خرجت «عفاف» من المطبخ تجلس بجوارها و هي تقول بتعجبٍ من حالتها:
"أنتِ لسه يا ميرفت عاملة كدا من إمبارح !! تعالي كُلي معايا لقمة كدا هتقعي من طولك"

تركت كفها بعدما حركت رأسها من عليه و هي تقول بصوتٍ مختنق مهتز الوتيرة بقولها:
"مش عاوزة يا عفاف، أنا هم الدنيا كلها ركبني دلوقتي، سيبيني الله يرضى عليكي"

اقتربت تجلس بجوارها و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
"أنتِ عاملة في نفسك كدا ليه ؟! و لا كأنه ظهر في حياتنا أصلًا، هنعيش زي ما كنا من غيره يا ميرفت و لا يفرق معانا، إنما بطريقتك دي كدا هتشككي عيالك فيكي، بلاش يا ميرفت رجوعك يضعفك كدا"

ردت عليها بقهرٍ ممتزج بالوجع و هي تقول بنبرةٍ باكية:
"أعمل إيه يا عفاف ؟! ما صدقت أرتاح و أشوف ياسر مرتاح في حياته، إنما هو برجوعه دا بيفتح في الوجع تاني، أنتِ عارفة لو ياسر عرف هيحصله إيه ؟! عارفة لما ضربني ياسر فضل قد إيه يدور عليه علشان ياخد حقي ؟! عارفة لما ضربه بالقلم و هو صغير حصله إيه؟! كسر ابنه بإيده، فاكرة بناتي فضلوا خايفين من الجواز إزاي ؟! و ياريته راجع علشانهم، البيه راجع علشان خايف يموت قبل ما يشوفهم، دا لو كلامه حقيقة أصلًا"

ربتت على كتفها و هي تقول مؤازرةً لها:
"متخافيش أنا معاكي و خالد و ياسين و عامر كمان، ياسر مش هيعرف حاجة، و هو لو حاول يظهرله يبقى يستاهل اللي هيجراله، أنا مش عارفة ليه مش عاوزاني أقول لخالد بس؟!"

ردت عليها بلهفة تقطع حديثها:
"لأ !! لأ يا عفاف، خالد لو عرف هيبان عليه و ياسر هيلاحظ، بلاش حد منهم يعرف، أنتِ عارفة كلهم مقهورين منه قد إيه"

حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة و هي تصدق حديثها فهي محقة تمامًا، إذا علم أحد الشباب بظهوره مرةً أخرى و مجيئه إليها ستنقلب الأمور رأسًا على عقبٍ.
_________________________

وقع الإثم عليه دون أن ينتبه لما تقترفه يده في حق الآخرين، ألقى نفسه في بئر الأخطاء و الآن يطلب يد العون حتى يخرج منه، كيف له يفكر في ذلك و كيف يطلب ما لم يحق له ؟! هذا ما شغل بال «سمير» وهو يُفكر في ذنبه، حتى سئم نفسه، و قبل أن تخرج دموعه من عينيه دلفت «جيسي» غرفة مكتبه الواسعة و التي تلائم ذلك البيت الكبير الذي يقع في واحدٍ من أحد المناطق الشهيرة و التي صُممت خصيصًا لاثرياء المدينة، جلست أمامه على المقعد و هي تسأله بتعجبٍ من حالته:
"مالك يا بابا ؟! أنتَ لسه خايف من كلام الدكتور ؟! كل حاجة هتعدي على خير متخافش، أنا معاك"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بصوتٍ مختنق من البكاء:
"لأ يا جيسي، أنا زعلان على حياتي الغلط اللي عيشتها، و زعلان على كل اللي ضيعته من إيدي، حتى ولادي مش عارف أشوفهم، أنا عكيت جامد أوي، ضيعت حقي من إيدي"

لم تستطع هي التحكم في أعصابها أكثر من ذلك حتى تحدثت تقول بصوتٍ منفعل:
"أنتَ ليه مصمم تكون أناني ؟! ليه مصمم إن دا حقك و هو مش كدا أصلًا !! مش دول اللي أنتَ سيبتهم و مشيت بمزاجك ؟! مش دول اللي بِعتهم علشان الفلوس ؟! جاي دلوقتي تلاحظ إنك عكيت في حقهم ؟! أنا بقيت بكره نفسي علشان حاسة بس أني خدت حق مش حقي، أنتَ حرمت عيالك منك و مشيت و سيبتهم من غير حد يحميهم، و رجعت عاوز ترجعهم ليك علشان تبقى شوفتهم قبل ما تموت و بكدا تريح ضميرك !! مش هو دا اللي أنتَ عاوزه ؟! اقولك على حاجة ؟! أنا عارفة مكان ياسر فين و عارفة هو دلوقتي إيه، بس أنا مش هقدر أخليك توصله، علشان أنا مش هقدر أشارك في وجع إنسان بالطريقة دي"

انتبه لها و لحديثها بأكمله لكن ما أثار انتباهه هو الجزء الخاص بابنه، فاقترب منها يسألها بلهفةٍ:
"عارفة !! عارفة مكانه فين و سيباني أدور عليه؟! انطقي أنتِ عارفة يا جيسي؟!"

ردت عليه بنبرةٍ جامدة بعدما صرخت في وجهه:
"آه عـــارفــة....بس هروح أقوله إيه ؟! تعالي شوف باباك اللي سابك في الدنيا لوحدك تشيل دوره و أنتَ عيل صغير، و مش بس كدا هروح أقهره كمان و أقوله دا رباني أنا و أخويا و إحنا ولاد مراته، و ساب ولاده اللي من صلبه لوحدهم مع ست ضعيفة ملهاش حد في الدنيا، عاوزني أروح اقوله تعالى شوفه و هو مخلي أخويا رجل أعمال ليه إسمه و بقى راجل بحقك فيه ؟! إيه دا ؟! لما أنتَ مش إنسان واعي بتخلف ليه؟! لما أنتَ مش قد دورك كأب و زوج بتدخل المسئولية دي ليه ؟! بتخلف عيال و تسيبهم في الدنيا ليه ؟!"

بكى أمامها و هو يسمع حديثها الذي يشبه نصل السكين الحاد، فوجدها تقول ببكاءٍ:
"عاوزني أروح أوجع إنسان بالطريقة دي و أبقى زيي زيك ؟! لسه مقتنع إنه حقك تطلب تشوفهم؟! أنتَ أي حاجة هتحصلك منهم هتبقى خير، مفيش أولاد في الدنيا دي ممكن يعطفوا على أب زيك، ما بالك هما بقى؟!"

ارتمى على المقعد بقهرٍ و هو يشعر بوخز الآلام في جسده، و في تلك اللحظة دلف شقيقها يقول بتعجبٍ:
"مالكم صوتكم عالي ليه ؟! فيه إيه يا جيسي؟!"

حركت رأسها للخلف تقول بنبرةٍ جاهدت حتى تتحدث بها ثابتةً و هي تقول:
"مفيش يا فادي، بابا بس متوتر شوية.....علشان الحفلة و افتكرنا ماما، قولي أنتَ عملت إيه؟!"

حرك عينيه عليهما بالتساوي و هو يحاول سبر أغوار كليهما و خاصةً بعد وقوع بصره على «سمير» الذي ارتمى على المقعد و أطرق برأسه للأسفل و حينما طال صمته تحدثت شقيقته توجه حديثها له بنبرةٍ جامدة:
"بكلمك ركز معايا، عملت إيه ؟! خلصت كل الحاجات علشان حفلة بكرة ؟؟"

حرك رأسه موافقًا فوجدها تقول باستحسانًا لما قام بصنعه:
"طب كويس الحمد لله، كلمت كل الناس اللي قولتلك عليهم؟!"

زفر بقوةٍ ثم قال بضيقٍ:
"كلمت يا جيسي خلاص، و فاضل الجزء الباقي هكلمه دلوقتي و هبعتلهم على الميل، عاوزك بس معايا علشان فيه حاجات تحت هظبطها"

حركت رأسها موافقةً على مضضٍ ثم وجهت بصرها نحو ذلك الجالس على المقعد بسكون تام، فسأله شقيقها بقلقٍ واضح:
"مالك يا بابا !! أنتَ كويس ؟! تعبت تاني ولا إيه؟!"

ردت عليه شقيقته مؤكدة:
"آه هو بس بيضغط على أعصابه الفترة دي ، بس لو ارتاح و بطل تفكير أكيد مش هيتعب تاني، خصوصًا إن التفكير في التعب غلط عليه و على اللي حواليه"

كان حديثها مُبطنًا توجهه إليه في الخفاء و خاصةً أن شقيقها لم يعلم بحقيقة أولاده و لا بما يدور بينهما، و بعدها أشارت لأخيها يسبقها للخارج ثم لحقته هي، بعدما رمقت «سمير» بيأسٍ ممتزج بقلة الحيلة.
_________________________

في بيت الشباب وصلت السيارات في جو مُبهج بسبب وجود «عامر» الذي استمر في التصفيق و التصفير عاليًا بصوته، و الشباب خلفه في سيارات النقل يرقصون تارةٍ و تارةٍ أخرى يصفقون بفرحةٍ و سيارة الرجال التي قادها «مرتضى» و ظل يشاكس أخوته في القيادة و هو يدور بالسيارة حتى تحدث «محمود» ينهره بقوله:
"ما تكبر بقى يا مرتضى !! قلبي هيقف يا بني، أنتَ لسه بجنانك دا؟"

رد عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ نكدي ليه يا محمود !! فرحان يا سيدي بعفش ابني، خير بقى ؟!"

رد عليه «حسان» بقلة حيلة:
"يا سيدي ألف مبروك عليكم، بس إحنا عاوزين الفرح يتم على خير، كدا هتتقلب بينا"

تدخل «طه» يقول بسخريةٍ:
"هو مش فرح بنتك أنتَ كمان ؟! افرحوا بقى شوية، دوس يا مرتضى"

رفع «مرتضى» سرعة السيارة و هو يقول بنبرةٍ مرحة:
"حبيبي يا طه، أما الباقيين دول مش عاوز أسمع صوتهم"

تدخل «محمد» يقول بحنقٍ:
"ما تنزل تركب جنب عامر على الدي جي بالمرة ؟! هو دا اللي ناقص"

رد عليه بسخريةٍ:
"و مين اللي هيسوق أنتَ !! علشان توصلنا بعد بكرة ها؟!"

رمقه بغيظٍ و لم يرد عليه بينما «مرتضى» حرك رأسه خارج نافذة السيارة وهو يقول لسيارة الشباب:
"مبروك يالا أنتَ و هو.....عقبال الليلة الكبيرة إن شاء الله"

رفع العريسين كفيهما يقوما بتحيته، بينما هو ضغط على إنذار السيارة يقوم بلحنًا متناغمًا كنوعٍ من أنواع التحية الخاصة بالافراح و استمر الوضع هكذا حتى وصلت السيارات للشارع الخاص ببيت الشباب، و كانت في مقدمة تلك السيارت، سيارة الأدوات الموسيقية، و حينها قام «عامر» باشعال الألعاب النارية في الجو مع أغنية شعبية من اختياره و هو يقول معها بملء صوته:
"سكــــوت....جـــت الـــمــلوك"

كانت المنطقة راقية و هادئة إلى أن وصلتها تلك العائلة، و في لمح البصر انقلب السحر على الساحر و أصبحت المنطقة متكدسة السكان و الجيران و نزلوا من بيوتهم حتى يروا تلك الجلبة التي حدثت في ثوانٍ معدودة، بينما الشباب نزلوا من السيارات يحملون الأثاث مع بعضهم، و أبان ذلك كما المعتاد كان «عامر» يرقص سط الجميع و معه رجال العائلة و خصيصًا «مرتضى» الذي اندمج معه كثيرًا و الجيران حولهم يشعرون بالفرحة لأول مرة يرون مثل هذه الأشياء في تلك المنطقة.

في بيت آلـ «الرشيد» كانت البهجة لا زالت كما هي تؤثر عليهم جميعًا و هم يضحكون كلما تذكروا «عامر» و ما قام بفعله اليوم، كانت «خديجة» وسطهم تشعر بفرحةٍ لا تدري سببها، لكنها فسرتها بسبب قرب العائلة منها بتلك الطريقة، كانت تضحك على مشاكسة الفتيات لـ «عبلة» و هي تتخيل نفسها بهيئة العروس على حبيبها «وليد»، بينما «جميلة» جلست بجانبها بخجلٍ حتى لا تتم مشاكستها من قِبلهم، وكزتها هي في يدها و هي تقول بمرحٍ:
"إيه يا عروسة مالك ؟!"

رفعت رأسها تطالعها بوجهها الأحمر و عسليتيها الممتزجة بخيوطٍ خضراء تشبه و كأنها أخذت عيني والدها و والدتها معًا مع خمارها الوردي الذي لائم درجة بشرتها بشدة، ابتسمت لها «خديجة» و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنتِ زي القمر يا جميلة، و بحب لبسك و شكلك بالخمار أوي، بحس براحة نفسية لما أشوفك"

ابتسمت لها «جميلة» و هي تقول بحماسٍ:
"أنا بحبكم أوي يا خديجة، عمري ما تخيلت أني هرتبط بيكم كدا، تيتة نوال قالتلي أني لما روحت و أنا صغيرة مع بابا كنت علطول بعيط عليكي و على طارق، و أنا افتكرت حاجات بسيطة كدا، و افتكرت أني كنت مرتبطة بيكي أوي"

حركت رأسها لها موافقةً فتابعت حديثها بقولها:
"أنا هنا لقيت نفسي و لقيت أخواتي و عيلتي، و لقيت طارق مستنيني بعد كل العمر دا، منساش حبه ليا"

أمسكت كفها بذراعها الحر و هي تقول بصوتٍ هادئ:
"أنا و طارق و أحمد أكتر ناس زعلوا بعد غيابك، علشان أنتِ كنتي صاحبتي الوحيدة هنا، و أحمد كان مرتبط بيكي في صغره، و طارق كان كل ما يتكلم يقول هتجوز جميلة، لحد ما الفكرة كبرت معاه و بقت حلمه، طارق كمل أعدادي و ثانوي و جامعة و هو بيحبك و شايل وعده لنفسه إنك تكوني ليه، و ربنا كرمه بيكي أدب و جمال و حنية و جدعنة، ربنا عوض صبره خير بيكي"

ابتسمت بتأثرٍ لها فوجدتها تقول بنبرةٍ مرحة:
"أنا بشك إنه كان يعرف مكانك من الأول، أصله عنده إصرار كبير"

ردت عليها مسرعةً:
"طارق كان أمله في ربنا كبير، قالي إنه كان كل يوم يدعي ربنا يرجعني تاني ليه و هو كان متأكد إن ربنا هيستجيب للدعاء، طارق عامل ربنا باليقين و ربنا رد على يقينه بالفرج، و هو دا اللي المفروض نعمله، نتأكد من كرم ربنا علينا و نتيقن من استجابته للدعاء، دا وعد ربنا لينا، إحنا بس اللي مكناش واخدين بالنا إننا ماشيين في طرق غلط"

ربتت على يدها حينما رأتها توجه رأسها نحو والدتها و هي تبتسم لها، بينما ««مشيرة» رغمًا عنها اندمجت وسط النساء بعد عمرٍ مضى بمفردها دون أن تحاول الانخراط وسط تلك العائلة حتى فات عليها عمرٍ كامل تركت به أجمل ما يمكن للمرء الحصول عليه و هي عائلة مثل هذه تكون للمرء مثل الجيش في معارك الحياة.
استمرت الجلسة على هذا الحال حتى عودة الشباب مرةً أخرى بالسيارات حتى وصلوا للبيت بنفس الطريقة التي ذهبوا بها بعدما تناولوا الطعام هناك و كانت عودتهم بالطبع تلك المرة بدون الأثاث، نزلوا من السيارات حتى ردهة البيت و لكن لم يتكفوا بذلك، بل أخرج «وليد» الدف القديم الموجود في مخزن البيت ثم اقترب من «ياسين» وهو يقول بخبثٍ:
"يلا يا حبيبي أبدأ ليلتك، سمعني صوتك و غني يلا" 

طالعه «ياسين» بريبةٍ من حديثه فوجد «عامر» يقول بمرحٍ:
"جدع ياض يا وليد، غني يا وحيد...قصدي يا ياسين...يلا فرحنا بقى"

تدخل «طارق» يقول باستغرابٍ من حديثهم:
"هو ياسين بيغني بجد ؟! أنا فاكركم بتهزروا، هو الموضوع بجد؟!"

رد عليه «ياسر» بنبرةٍ ضاحكة:
"بيغني هو و أبوه، و بيقلدوا كمان، دا هيبهرك، بس هو يرضى علينا"

تدخل «وليد» يقول بنبرةٍ ضاحكة و هو يحاول جاهدًا للتحدث حتى يثير استفزازه:
"دلوقتي هيعمل زي عنترة ابن شداد و يقولك لما خديجة تقولي"

أمسكه «ياسين» فروة رأسه على حين غرةٍ وهو يقول بضجرٍ منه:
"يا أخي تعبتني في عيشتي، كل المصايب في حياتي من وراك، اتنيل بقى خليني ههبب إيه؟"

تركه على مضضٍ بعد حديثه فـ 
رد عليه «حسن» بتوعد وهو يقول:
"هو أنتَ عندك استعداد ترفض ؟! شكلك بتلعب في عداد عُمرك"

طالعه بقلة حيلة فوجد «أحمد» يقول بصوتٍ ضاحك:
"ما يلا يا ياسين، كل دول متعشمين فيك خير، متبقاش راجل مفسد الفرحة كدا، خليك زي عامر"

رد عليه «خالد» بصوتٍ عالٍ:
"لاااأ....عامر نسخة واحدة حلو و أنا راضي، أبوس رجلك بلاش، كفاية عليا عامر واحد"

ضحكوا عليه جميعًا فرد عليه «عامر» بتهكمٍ:
"ماله عامر يعني ؟! جربان ولا إيه مش فاهم يعني ؟! أنتو تطولوا أكون في حياتكم" 

دلف الرجال في تلك اللحظة و هم يحدجون بغيظهم في «مرتضى» الذي دلف وهو يضحك بصوتٍ عالٍ، حتى تحدث «محمد» يقول بضجرٍ:
"دا أنتَ بارد يا مرتضى، الناس بتكبر تعقل و الحلو يكبر تضرب منه، بقيت جد، عاوز إيه تاني"

لوح له بيده وهو يضحك عليهم، فسأله «طارق» بتعجبٍ:
"ماله يا بابا، عملك إيه عمو مرتضى؟!"

رد عليه «طه» بضجرٍ:
"قول معملش إيه !! عمال يخمس بينا طول الطريق و يسابق العربيات، عامل سباق مع عيال اصغر من عياله"

تجاهل «مرتضى» كل ذلك و اقترب من «وليد» يسأله بنبرةٍ جامدة:
"إيه اللي في إيدك دا يا وليد ؟! ماسك طبلة !! خلاص بقينا بيت رقاصين؟!"

طالعه الجميع بدهشةٍ فخطفها من يد ابنه وهو ينظر له بشررٍ يتطاير من عينيه ثم التفت حتى يصعد للأعلى و الجميع ينظرون في أثره بتعجبٍ و دهشةٍ حتى جلس هو على السلم ثم قام بالضرب على الدف و هو يضحك بقوةٍ حتى ضحكوا عليه جميعًا، فسأله «وئام» بتعجبٍ من بين ضحكاته:
"طب و قعدت على السلم ليه يا بابا؟!"
أشار نحو موضع رأسه و هو يقول بفخرٍ:
"علشان يبقى السلم الموسيقي ياض"

ضحك الجميع عليه فقام هو بمد يده بالدف وهو يقول:
"يلا حد يطبل علشان دراعي واجعني من السواقة"
اقترب منه «عامر» يأخذه منه وهو يضرب عليه بفخرٍ، بينما «ياسين» مع نظراتهم المُلحة عليه قام أخيرًا بغناء تلك الأغنية التي سبق و غناها يوم المباراة و هو يقول مقلدًا طريقة المطرب:
"علشان اصالحك و ارضى عليك...حاجات كتير لازم تعملها....علشان أسامحك و ارضى عليك....حاجات كتير و دي أولها..."

اشار «عامر» للشباب بيده حتى انتفضوا جميعًا في تلك اللحظة يصرخون و هو يقول بنبرةٍ عالية:
"قوم اقف و أنتَ بتكلمني....قوم اقف بصلي و فهمني....قوم اقف و أنتَ بتكلمني..... قوم اقف بصلي و فهمني....ولا تتكلم و أنا بتكلم....و إن غلطت ابقى امشي و ســــبنــاي"

صفق الشباب ثم رقصوا معًا و هو يصفق بكفيه لهم، و الرجال معهم أيضًا و النساء يقفن على السلم يشاهدن تلك الحفلة المنزلة حتى «خديجة» نفسها و كم كانت ممتنة لتلك العصا التي أعطاها لها «وليد» حتى تستند عليها، كان المشهد يملك بهجة غريبة للجميع مع رقصهم و مرحهم و قفزهم على كلمات الأغنية، حتى انتهت أخيرًا و صفق الجميع له، فتحدث «أحمد» يقول بمرحٍ:
"غني حاجة شعبي، أدينا رضا البحراوي، أصله بيكيفني"

رغم خجله من رجال العائلة، لكن بماذا يفيد الندم في تلك الحالة، فغمز لـ «عامر»  الذي بدأ بالضرب على الدف و بدأ الغناء حتى وصل لذلك الجزء الذي جعلهم يهللون بمرحٍ وهو يقول:
"طب اللي بيحب اللمة الحلوة دي يرفع إيده لفـــوق"

رفع الجميع أيديهم و هم يصرخون حتى عاد هو للغناء وهو يقول:
"ناس مني و من دمي محدش فيهم شال همي.....ناس مني و من دمي محدش فيهم شال همي....فين خالي و فين عمي"

تحدث «محمود» عند تلك الجملة يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"انتو هتهزقونا و إحنا واقفين ولا إيه؟!"

رد عليه «حسن» وهو يحاول جاهدًا التحدث من بين ضحكاته:
"عبث و رب الكعبة دا عبث، عمامه و رجالة العيلة كلها واقفة و دا يقولك محدش فيهم شال همي"

رد عليه «ياسين» بضجرٍ زائف و هو يسخر منه:
"هو أنا اللي مألف يا حسن !! مش رضا البحراوي اللي قال كدا !!، جايب الكلام من بيت أبويا ؟!"

دلف «رياض» في تلك اللحظة بعدما هاتفه «مرتضى» و طلب منه المجيء وهو يقول بتهكمٍ:
"مالك و مال أبوك ياض !! ما تخليه في حاله"
التفت الشباب له و هم يرحبون به بملء صوتهم و على حين غرة حملوه على أيديهم و «عامر» يضرب على الاداة في يده، بينما «ياسين» قال بخبثٍ و هو يغني:
"ناس مني و من دمي....محدش فيهم شال همي"

ضحك الجميع عليه و على نظرة «رياض» له و الشباب يحملوه على أيديهم حتى نزل و قال بنبرةٍ ضاحكة لم تخلو من الخبث وهو يقول لابنه:
"عاوزك تسمعني أيها الراقدون تحت التراب، علشان هرقدك يا ابن الشيخ"
صفق الشباب بأيديهم و «ياسين» يضحك بقوةٍ على والده حتى عاد للغناء مرةً أخرى، فمال «عبد الرحمن» على أذن «عمار» يقول ممتنًا له:
"أنا هاين عليا أبوس راسك علشان جبتني أشوف الليلة الحلوة دي، أنا عمري ما جربت الحاجات دي يا عمار، دا أنا فاتني كتير"

رد عليه بصوتٍ خافت:
"مش اتعرفت على اخواتي و رجالة عيلة الرشيد ؟! كل اللي فاتك هتعوضه، دا أقل واجب هنا"

حرك رأسه ينظر أمامه وهو يبتسم فوجد «وليد» يسحب يده حتى يرقص معه وسط الشباب، فذهب هو معه يرقص و يصفق وسطهم على عكس «عمار» الذي اكتفى بالوقوف وسطهم بأدبه المعتاد، حتى وقع بصره عليها و هي تراقب الجميع من أعلى درجات السلم و هي تضحك ببلاهة حرك رأسه لليسار قليلًا فوجد بقية الفتيات و النساء و حتى لا يسبب لهن الاحراج ترك موضعه ثم وقف على الجهة الأخرى و هو يبتسم على هيئتها التي تُشبه هيئة الأطفال الذين يفعلون الأعمال المشاغبة خلسةً من الكِبار، بينما «ياسين» كان يغني بملء صوته ذلك المهرجان الشعبي في تلك الأمسية المُبهجة، و أبان ذلك صدح صوت هاتف «حسن» برقم أحد العملاء، حينها انسحب من موضعه يُجيب  على هاتفه ثم عاد لهم من جديد و هو يتناقش مع «طارق» و «وئام» و تدخل الشباب معهم في الحديث بعدما طلبوا استشارتهم و استشارة العائلة بأكملها و بعد توقف الغناء عاد مرةً أخرى بعد استقرارهم أخيرًا على تلك المشورة، فما هي ؟!
_________________________

انتهت تلك الجلسة الغريبة في البيت بعد المرح و البهجة والسرور السائد في الأجواء، حتى رحل «رياض» و معه الشباب في نهاية الليلة، و صعد كلًا منهم إلى مسكنه، في غرفة «هدير» جلست بجانب «حسن» الذي جلس يتصفح هاتفه فسألته بنبرةٍ ضاحكة:
"بس إيه المسخرة دي كلها !! طلعتوا كلكم هُبل و أنا اللي كنت فكراكم كاريزما ؟! قلبتوا البيت مراجيح يا حسن ؟!"

رد عليها هو مُسرعًا بتهكمٍ:
"مش بنفرح !! هو أنتم عيلة غاوية نكد ليه ؟! شوفي النمرة اللي اتعملت تحت دي بكام في أي فرح ؟! اسكتي اسكتي"

ردت عليه بتقززٍ:
"نمرة !! ليه محسسني أني رقاصة و بفاصل معاك في النُقطة"
ضحك هو عليها و على سخريته حتى ضحكت معه بيأسٍ، فسألته هي بحذرٍ:
"المهم أنتَ فرحت و لأ ؟! دي أهم حاجة بصراحة يعني"

وضع هاتفه بجواره ثم التفت يجلس مقابلًا لها بحماسٍ وهو يقول:
"أوي، من زمان مفرحتش كدا يا هدير، بصراحة مش عارف فرحتي دي إيه سببها، بس أنا فرحان، ممكن علشان أنا كنت شاهد على صبر وليد و طارق، و يمكن علشان الأجواء دي مجربتهاش قبل كدا، و يمكن علشان معاكي و بصفتي جوزك و ليا مكان هنا زيهم، تحسي إن المجمل على بعضه مريح و مفرحني، كفاية إحساس أني مش غريب وسطهم"

سألته هي بلهفةٍ:
"هما كانوا بيحسسوك إنك غريب ؟! عمرك حسيت بكدا معاهم؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بلمحة حزن ظهرت في صوته وهو يقول:
"غصب عني يا هدير كنت بحس كدا، أنا واحد ملوش حد، عيشت لوحدي طول عمري و لما افتكرت اني خلاص هتونس و اتجوزت، أنا تعبت معاها و اتعذبت، فبقى عندي فكرة إن اللي زيي مش ممكن يجي يوم و يفرح فيه، بس خلاص كل دا اتغير لما بقيتي مراتي، حبيتك و جربت الخوف و أنا طول عمري مبخافش"

سألته هي بصوتٍ خافت محاولةً إخفاء تأثرها بحديثه:
"طب و هو أنت ماكنتش بتخاف إزاي يا حسن ؟! مفيش إنسان معندوش خوف، أنا نفسي عيشت عمري كله أخاف يا حسن، حتى و أنا جامدة و جاحدة عليهم"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال مجاوبًا سؤالها بقوله:
"علشان مكانش عندي حاجة أخسرها يا هدير، هخاف من إيه و على مين؟! فاكرة لما سألتيني عند الجسر و قولتلك الحب عندي مرتبط بالخوف؟"

حركت رأسها بإيماءةٍ تجاوب على استفساره دون أن تتحدث فوجدته يقول بعدما زفر بقوةٍ:
"أنا ساعتها و أنا بكلمك خوفت، لثواني كدا حسيت أني خايف أخسرك أنتِ، كنت هقولك ساعتها زي خوفي إنك تسيبيني، بس خوفت اقولك كدا تسيبيني بجد، عمري اللي فات كله مخوفتش فيه ربع خوفي عليكي يا هدير، حتى من الزعل، مكانش ليا عزيز في الدنيا دي، و جيتي أنتِ خدتي مكان الكل"

أبتسمت له بعد جملته فوجدته يبتسم هو الأخر، لكنها سألته بنبرةٍ مترددة:
"طب و أختك فين يا حسن ؟! مش قولتلي إنك عندك أخت، هي فين و ليه مش بسمع عنها و لا حتى بتكلمك ؟!"

رفع عينيه يطالعها بصمتٍ دون أن يتحدث فقالت هي مُسرعةً حينما وجدت تأثير سؤالها عليه:
"أنا مكانش قصدي أزعلك أو اضايقك يا حسن، بس هو سؤال خطر ببالي"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال بصوتٍ مهتز يعبر عن حزنه:
"دا حقك يا هدير، طبيعي إنك تعرفي كل حاجة عني و أنتِ مراتي، حنان أختي أنا مش في أولوياتها أصلًا، عندها بيتها و عيالها و جوزها بيسافر و يجي، مبتعرفش توازن بين حاجتين، و أنا محبتش أكون عبء عليها و أكون سبب في تقصيرها في حق بيتها، حسيت أني مش من ضمن أفكارها و غصب عني انسحبت من حياتها"

سألته هي بصوتٍ حزين ممتزج بتعجبٍ من شقيقته:
"طب هي محاولتش مثلًا إنها تحاول معاك، أو تيجي تقعد معاك تاخد بحسك شوية ؟!"

حرك رأسه موافقًا و هو يقول مُفسرًا لها:
"عملت كدا، حاولت تاخدني عندها كتير، و حاولت تخليني أسيب بيتي و أروح عندها و خصوصًا علشان هي معظم الوقت في إسكندرية، بس كل مرة قصاد محاولاتها كنت بحس إنها مجرد جبر خاطر، مش إصرار علشاني، بصراحة يعني صعبت عليا نفسي، و هي كل فترة و التانية بتجبلي عروسة و تطلب مني اقابلها، على أساس يعني هي بتحاول علشاني"

رفعت حاجبها و هي تقول بتهكمٍ:
"بتجبلك إيه يا حبيبي ؟! سمعني كدا تاني ؟!"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"يعني كل المأساة اللي حكيتها دي، و دا اللي لفت نظرك !! مفيش دم خالص ؟!"

ردت عليه هي بضجرٍ:
"علشان اللي فات كله حرق دمي، و الجزء الأخير دا جابلي شياط، و بعدين هي متعرفش إنك متجوز ؟!"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول:
"لأ متعرفش، و مش عاوزها تعرف، خليني معاكي مبسوط من غير حد تاني"

قطبت جبينها بتعجبٍ فوجدته يمسك يدها وهو يقول متوسلًا لها:
"هدير علشان خاطري خليني معاكي مبسوط و راضي كدا، و الله أنا خدت كل حاجة طلبتها  في وجودك أنتِ، راضي بيكي ورثي من كل الدنيا، أنا مبسوط و أنتِ معايا، بلاش تفكري في حاجات ممكن تقلب حياتنا"

حركت رأسها موافقةً له رغم الفضول الذي شعرت به تجاه الأمر فوجدته يقبل رأسها ثم نام على الفراش، بينما هي نظرت له تطالعه بأسى، و هي تشعر بالشفقة رغمًا عنها تجاهه، فاقتربت منه تندس بين ذراعيه و هي تحاول إخفاء تأثرها ببسمتها الهادئة.
_________________________

في غرفة «خديجة» كان هو يحاول الهروب من نظراتها الموجهة له و هو يقوم بتنظيف الجرح في جبينها، و هي ترمقه بخبثٍ حتى وضع اللاصق الطبي و هو يقول بمرحٍ محاولًا الهروب من نظراتها:
"بالشفا يا كتكوتة....ألف سلامة عليكي"

ردت عليه هي بخبثٍ:
"و ليه ألف سلامة، ما تخليها ألف شمعة تحية منك ليا ؟!"

طالعها بدهشةٍ فوجدها تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"مش الأستاذ برضه متخصص في إحياء الليلة ؟! على كدا بيقبضوك في الشركة إزاي يا ياسين ؟! بيرموا عليك النقطة؟!"

ضحك هو رغمًا عنه من حديثها و طريقتها الساخرة و هي تضحك عليه، فتحدث هو بعدما اوقف الضحكات يقول مُهددًا لها:
"أقعدي اتريقي عليا كدا براحتك، علشان نخلي النص التاني يحصل أخوه، قلة أدب"

ردت عليه هي بضجرٍ:
"أنا قليلة الأدب !! طب برة شوفلك مكان تاني تنام فيه، يلا أنا خلقي ضيق أساسًا"

رفع حاجبه لها يطالعها بحنقٍ ثم ارتمى بجانبها على الفراش رغمًا عنها فضربته هي بذراعها الحر وهي تقول بضجرٍ:
"يا رخم، روح شوف مكان تاني تنام فيه بقى"

سألها هو بخبثٍ:
"هتنامي من غيري ؟! طب مين يصحى بليل يعدل راسك اللي هتوديها في داهية بنومتك عليها دي؟! هتضربي مين بالجبس في رجله بليل ؟!"

ردت عليه ببساطةٍ:
"عادي، أنا محتاجة الجِبس في موضوع مهم أوي، هقولك عليه بعدين"

تحدث هو بحنقٍ:
"بقى كدا !! طيب يا ست الكل، هروح أبات عند أمي بقى، و ابقي قوليلهم طردته بليل"

ردت عليه مسرعةً:
"تعالى تعالى خلاص، إيه الفضايح دي، بس هقول إيه؟! واخد على لم الفضايح، نبطشي بقى"

قالتها بمرحٍ و هي تشاكسه فوجدته يقول بضجرٍ منها:
"هتمسكيهالي كتير ؟! أخوكي هو اللي صمم ياختي، و بعدين بندخل الفرحة على بيتكم، مش أحسن من جو المعازي بتاعتكم، فيه عفش عريس يروح سكيتي برضه ؟!"

سألته هي بسخريةٍ:
"طب دا العفش و هو رايح، و انتم راجعين بقى ؟!"

رد عليه مفسرًا ببساطةٍ:
"كنا بنعمل حس علشان الناس تعرف إننا رجعنا بقى"

ابتسمت هي بسخريةٍ فسألها هو بتعجبٍ:
"أنتِ إيه اللي مزعلك !!"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"علشان معرفتش اتفرج !!، كلهم اتفرجوا و أنا الجبس كان ملازمني، ياسين أنا ناقصلي شيكارة أسمنت و ابقى عمود مسلح"

حاول هو كتم ضحكته عليها فوجدها تقول ببساطةٍ:
"اضحك يا عم، متكتمش ضحكتك، ما هو دا الهم اللي يضحك"

انفجر هو في الضحك عليها حتى ضحكت هي الأخرى معه، فأوقف هو الضحكات و هو يقول:
"طب و الله حلو انك واخدة الموضوع بهزار كدا يا خديجة، يا رب بس ميقلبش بنكد على أخر الليل"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ عيب عليك والله، الدوا اللي باخده دا حلو بيخليني أضحك، خد منه و أضحك معايا"

سحب هو العلاج من جوارها وهو يتفحصه ثم رمقها بسخريةٍ وهو يقول:
"مضاد حيوي ١٠٠٠ هو اللي عامل فيكي كدا ؟! دماغك خفيفة يا خديجة، و لا دا أثر الوقعة ؟!"

ردت عليه بتشككٍ:
"تفتكر يكون دا أثر الرجة بجد؟! يلهوي لو دا حصل؟!"

حرك رأسه لها باستفسارٍ فوجدها تقول بلهفةٍ:
"صح مش أنا حلمت بينا إحنا الاتنين ؟! حلم حلو يا رب يبقى حقيقة"

سألها هو بلهفةٍ:
"إيه هو ؟! قولي بسرعة يا خديجة، يارب يطلع حلو"

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ وهي تقول له:
"بص يا سيدي حلمت خير اللهم أجعله خير، إن أنا خفيت خالص و روحت مكان أنا و أنتَ يسحر زي جمال البدو كدا، و فيه شط كبير أوي و إحنا بالنهار و الغروب جميل، حلو كدا ؟!"

ابتسم لها بهيامٍ وهو يقول:
"حلو أوي كمان، كملي يا ست الكل"

ردت عليه بنفس الحماس وهي تقول:
"و أنتَ بقى كنت معايا و كنت قمر و حلو زي ما أنتَ كدا، و أنا كنت حلوة أوي، و جيت من ورايا تقولي غزل باللغة العربية، و بعدها قولتلي إنك جايب المطرب المفضل ليك علشان عاملي مفاجاة"

ابتسم لها وهو يقول:
"حلو دا، ها كملي و بعدين؟!"

ردت عليه هي تكمل ما شاهدته في نومها و هي تقول:
"قولتلي كدا و بلف علشان أشوف مين المطرب دا لقيته مين بقى تخيل ؟!"

رد عليها مُخمنًا:
"عمرو دياب ؟!"

حركت رأسها نفيًا فأضاف هو:
"مين طيب ؟! تامر حسني ؟!"

حركت رأسها نفيًا فتحدث هو بضجرٍ:
"لأ أنا مش هجيب نقابة الموسيقيين كلها هنا، خلصي يا كتكوتة مين ؟!"

ارتسم الاحباط على وجهها و هي تقول بنفس الاحباط:
"عبد الباسط حموده و لقيته بيقولي اسمحولي اقولكم، أنا قلبي شايل منكم ؟! ليه كدا يا ياسين، عملت فيك إيه علشان تعمل فيا كدا ؟!"

ضحك هو على طريقتها و على حلمها الغريب، فوجدها تقول بحنقٍ منه:
"أنتَ بتضحك على إيه ؟! مش أنتَ اللي غشيت في الحلم؟!"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"ابقى اتغطي كويس يا خديجة و غطي راسك علشان شكلها ضربت من الرجة خلاص"

رمقته بغيظٍ وهي تقول:
"نام خلاص، أنا غلطانة أني بحكيلك حلمي، مش هحكيلك بعد كدا أحلامي"

ضحك عليها وهو يقول بسخريةٍ:
"هو دا حلم ؟! روحي نامي يا ستي"

ردت عليه موافقةً:
"أنا هنام فعلًا علشان اتأكد من الحلم، عاوز حاجة؟!"
رد عليه بسخريةٍ بجاوب سؤالها:
"سلميلي على عبد الباسط"
_________________________

انتهى ذلك اليوم ليأتي اليوم التالي يحمل معه الكثير و الكثير كعادة غيره، و في كلية الصيدلة وقف «عمار» على بعدٍ من صديقه الذي انتظر «مريم» حتى تأتي له، و بعد مرور ثوانٍ وجد فتاةٍ في نفس عمرهما تقترب من صديقه و هي تبتسم له بفرحةٍ كبرى بسبب رؤيته، بينما 
«عبد الرحمن» حاول اخفاء بسمته لكنه فشل و هو يراها تقترب منه و بعدما وقفت أمامه مدت يدها له و هي تقول بلهفةٍ:
"إزيك يا عبد الرحمن عامل إيه ؟! كل دا مشوفكش ؟!"

نظر هو ليدها الممدودة ثم نظر لصديقه يستشيره فوجده يحرك رأسه نفيًا، زفر هو بقوةٍ ثم قال لها بنبرةٍ جامدة:
"مش هينفع أمد إيدي يا مريم و أسلم عليكي و أنتِ مش من حقي، خليني محافظ على وعدي لحد ما تكوني ليا، هاتي الحاجة اللي معاكي و يلا هنا"

ابتسمت هي رغمًا عنها ثم مدت يدها له بالحقيبة و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"الشنطة دي تديها لطنط و تقولها كل نوع من دول عليه ورقة الاستخدام بتاعته، خلينا نشوف أخرتها معاك"

رد عليها هو مُسرعًا:
"أخرتها هتكوني مراتي إن شاء لما ربنا يكرمنا سوا، غير كدا لأ"

حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة ثم لوحت له بيدها حتى تودعه و بعدما اختفى أثرها، اقترب منه «عمار» يقول بفخرٍ:
"جدع و الله العظيم فخور بيك، بالله عليك مش أنتَ مرتاح يا عبد الرحمن؟!"

رد عليه مُسرعًا بحنقٍ:
"أنتَ تخرس خالص، شوفت كلمتها إزاي ؟! أنا بسمع كلامك ليه؟!"

رد عليه ببساطةٍ:
"علشان تفرح و ترتاح في الأخر يا عبد الرحمن، أنتَ بتحبها بجد و راجل و مش بتاع تسلية يبقى حرام رجولتك دي تضيع بسبب حاجة حرام مش هتفيدك بحاجة"

سأله بضجرٍ:
"إزاي بقى يا فالح ؟! أنا مش فاهم إيه الصعب في كلام بين اتنين بيحبوا بعض ؟"

رد عليه مفسرًا:
"العيب في اللي بيحصل بعد كدا يا عبد الرحمن، دي حاجة حرام و علاقة بتاخد من وقتك و مجهودك اللي المفروض يكون في أولويات تانية، لكن أنتَ بتضيعه في علاقة مش هتديك حاجة"

رد عليه بلهفةٍ:
"أنتَ مش فاهم يا عمار، أنا مليش غير مريم، معنديش حد قريب مني غيرها، أنا لوحدي حتى و أنا وسط الناس، لما شوفتك في الجامعة هنا صممت أني اصاحبك علشان حسيتك شبهي، أنتَ علمتني حاجات كتيرة أوي، علمتني إزاي أذاكر صح و إزاي أصلي و إزاي أجاهد نفسي في حاجات كتير، بس مريم حاجة تانية"

تنهد «عمار» بقلة حيلة ثم قال بهدوء:
"ربنا سبحانه و تعالى خلق الملايكة بعقل من غير شهوات و خلق الحيوانات بشهوات من غير عقل، و خلق الإنسان بالعقل و الشهوات مع بعض و هي دي الميزة اللي ربنا ميزنا بيها، أي علاقة هتدخلها أولًا و أخيرًا هيكون للشهوة دور فيها يا عبد الرحمن، حتى لو شهوة الكلام بس، دور الشيطان بقى يزين ليك الحاجة الحرام دي، و يبدأ يبسط ليك الأمور، مرة تبدأ بكلمة بريئة، و مرة بحركة و مرة بفعل و مرة بتفكير لحد ما رجلك تغرس في بحر معاصي و ذنوب، مهما كان سننا صغير و لسه مش ناضجين كفاية، آه ممكن نحب و ممكن مشارعنا تتشد لحد بس برضه مش متأكدين ديه مشاعر ثابتة ولا لأ ؟! العلاقات العاطفية في سن المراهقة عاملة زي الهدوم يا عبد الرحمن" 

قطب جبينه بتعجبٍ فوجده يقول بنبرةٍ ضاحكة يفسر حديثه:
"دا كلام عامر أخويا، هقولك يا سيدي، العلاقات العاطفية في السن الصغير عاملة زي الهدوم، طبيعي إحنا بنتطور و بنكبر سواء جسديًا أو فكريًا، 

مينفعش أجيب بدلة و أنا في حضانة و أصمم ألبسها و أنا واحد في جامعة، أكيد مش هتكون مناسبة ليا بكل الاشكال،
 دا غير إن فيه أولويات تانية تفكيري و وقتي أولى بيها، 

زي مستقبلي و حياتي الجاية علشان لما ربنا يكرمك بشريكة حياتك، تقدر تطلب حقك في وجودها، مينفعش أضيع وقتي و سني في التفكير في حاجات أولًا دا حرام و ثانيًا دا مش وقتها، لأنك كإنسان هتتحاسب على عمرك فيما أفنيته، المشكلة يا عبد الرحمن إننا بنعمل الحاجة الغلط و الحرام و نرجع نستغرب ليه ربنا حرمنا منها و ليه مباركش فيها ؟! علشان البداية كانت غلط يا عبد الرحمن، العلاقات دي بتكسر القلوب علشان كدا ربنا حرمها و منعها على عباده، يبقى الحل نستنى مقاسنا يثبت و نستقر و بعدها نختار الحاجة اللي تعيش معانا العمر كله، بدل ما نتفاجأ بيها إنها مش مناسبة لينا"

اقتنع «عبد الرحمن» بحديثه لكنه باغته بسؤاله وهو يقول:
"عمار أنتَ بتحب صح ؟! البنت اللي كانت لابسة طرحة بيج امبارح دي أنتَ بتحبها؟!"

اتسعتا مقلتيه فوجده يقول مُفسرًا بسرعةٍ:
"أنا مش قصدي حاجة و الله، بس إمبارح أنتَ كنت بتبصلها كأنك فرحان إنك شوفتها، فكرتني بنفسي لما بشوف مريم، متزعلش مني !!"

سأله بحذرٍ فوجده يبتسم بقلة حيلة وهو يقول:
"برافو عليك طلعت لماح، بس أنا مبجبش سيرة الموضوع دا علشان مش هقدر أجيب سيرة بنت الناس يا عبد الرحمن، بس أنا و الله بحارب نفسي علشان معملش حاجة غلط، بجاهد نفسي علشان أقدر أروح في يوم أطلبها من أهلها و أنا راجل ملو هدومي، مش لسه عيل بدرس في الجامعة و الله أعلم بالعمر الباقي عليا قد إيه، علشان كدا بقولك إنها حاجات مش وقتها، فيه مشاعر غريبة بتيجي تدخل حياتك، و أنتَ و شطارتك بقى، تغلب شيطانك و لا هو يغلبك"

سأله بتعجبٍ:
"طب مش أنتَ بتقول إن العلاقات عاملة زي الهدوم ؟! و إننا المفروض نستنى لحد ما سننا يثبت علشان الحاجة تكون مناسبة لينا؟! دول إيه بقى؟! يعني لو إحنا بنحبهم يبقى خلاص لقيناهم أهو"

رد عليه مُفسرًا:
"فيه ناس ربنا بيرزقها بتوب قماش يبقى معاها طول العمر، لو أنتَ قدرت حتة القماش و حافظت عليها لحد ميعادها المناسب يبقى هتاخد منها الحاجة اللي أنتَ توقعتها و أحسن، و فيه ناس هتفضل كل شوية تقطع في حتة القماش دي و تعمل منها قطع و أجزاء كتير، بس عند وقت المناسبة مش هيلاقي حاجة منها ياخدها و يقدر يعمل بيها حاجة، ولا هيقدر يرجع اللي هو قصه منها، يمكن ربنا بيدينا إشارة إن هما دول اللي مطلوب مننا نحارب علشانهم، و يمكن يكونوا سبب علشان نشتغل على نفسنا، في كل الأحوال هما رزق و مطالب منك إنك تخافظ عليه و تحافظ على قلبك من المعاصي و من العلاقات المُحرمة اللي مفيهاش بركة، علشان لما يجي وقت العلاقة الصح اللي بحلال ربنا تدوق طعم البركة و الفرحة.

احضتنه «عبد الرحمن» وهو يقول بتأثرٍ:
"أنتَ حاجة حصلتلي في الدنيا كلها يا عمار، علمتني حاجات كتير يمكن أهلي مهتموش يعلموها ليا، أنا لو هطلب حاجة من ربنا غير أني اتجوز مريم، إنك تفضل معايا طول العُمر"

ربت على ظهره وهو يقول بمرحٍ محاولًا تغيير الأجواء:
"على قلبك يا بودي، هفضل وراك لحد ما تبقى الشيخ عبد الرحمن إن شاء الله، ربنا يديم وجودك ليا"

ابتعد عنه و هو يقول بمرحٍ:
"مش كل الناس بتقابل صحاب يستاهلوا، بس أنا قابلتك تُقلك دهب يا عمار"

سأله «عمار» بقلقٍ زائف:
"إيه تُقلك دهب دي ؟! أنتَ باصص على اعضائي يا عبد الرحمن ولا إيه؟! أنا كدا هخاف منك !!"

ضربه في كتفه وهو يقول بضجرٍ:
"يا شيخ اتلهي بقى، دا منظر واحد يتخاف منه؟! بعدين بقولك أبويا عقيد شرطة و أختي في أكاديمية الطيران، يعني ناس علينا القيمة، يقوم ابنهم يطلع تاجر أعضاء؟!"
رد عليه بسخريةٍ:
"ما يمكن تمويه يا عبد الرحمن"

طالعه بتعجبٍ فضحك «عمار» رغمًا عنه من نظرته حتى ضحك معه الأخر بيأسٍ.
_________________________

في منتصف اليوم و قبل حلول الليل اجتمع الشباب معًا في شقة «ميمي»، كانوا الشباب بأكملهم، «ياسين» و أخوته الثلاثة و معهم أبناء الرشيد و «حسن» ايضًا، كانوا جميعًا في أكمل وسامتهم بعدما ارتدوا حِلات رسمية تناسب ذلك المكان الذين سيذهبون إليه جميعًا، حتى سأل «عامر» بتعجبٍ:
"برضه مش فاهم لابسين بِدل كدا و رايحين فين ؟! و لازمتنا إيه أصلًا نروح؟!"

رد عليه «طارق» مفسرًا:
"دي حفلة تبع رجل أعمال كنا إحنا المسئولين عن الدعاية للشغل بتاعه، و رايحين علشان قال إيه هيكرمنا و قال هاتوا أسرتكم، قولنا ناخد اخواتنا معانا، نشوف حفلات الناس دي بتكون عاملة إزاي؟!"

تدخل «حسن» يقول مؤكدًا:
"وليد و عامر !! مش عاوز قلة أدب، الحنة البلدي اللي كنا فيها امبارح دي مش هتنفع، نروح مؤدبين و ساكتين و ياريت لو نكون خارسين كمان"

تدخلت «ميمي» تقول بتوعدٍ لهما:
"اللي يقل أدبه في الاتنين عرفني يا حسن و أنا أضربه بالعكاز بتاعي، عرفني أنتَ بس"

حرك رأسه موافقًا لها، بينما هما طالعوهم بسخريةٍ و هم ينظرون لبعضهم، و بعد مرور دقائق قاموا بتوديع «ميمي» بعدما قبل كلًا منهم رأسها و يدها طالبين منها الدعاء لهم، و بعد خروجهم من الشقة رفعت كفها تطلب لهم التوفيق و السداد من الله، نزلوا هم من عندها بعدما اتفقوا على مقابلتهم عندها، و بعد مرور ثوانٍ رحلت السيارات تباعًا، سيارة خاصة بأبناء الرشيد و خلفها سيارتي «ياسين» و «خالد»، ورحلت السيارات تباعًا خلف بعضها، حتى وصلوا أخيرًا إلى الحفل قاموا بصف السيارات في الساحة الخارجية لوقوف السيارات ثم دخلوا البيت مع بضعهم و في مقدمتهم «طارق» بصفته رئيسًا للشركة و هو المسئول عن الدعوة، دلفوا جميعًا فوجدوا المنزل يشبه القصور الفخمة حتى من خلال طاقم العمال الذين يعملون بالمكان، وقفوا حول مائدةً طويلة بجانب بعضهم و كلًا من «عامر» و «وليد» يتهامسا بسخريةٍ على الأجواء و على رجال الأعمال، بينما «ياسين» كان يتوعد لهما بإشارته و نظرته، حتى تحدث «خالد» مستفسرًا:
"هو الدعاية اللي كنتم مسئولين عنها عبارة عن إيه؟!"

رد عليه «وئام» مفسرًا:
"عن كل حاجة هو أشتغل فيها، عن الفنادق و المصانع و المدارس والجامعات و عن الاستثمارات اللي دخلوا فيها في مصر من أول ما رجعوا"

سأله «ياسر» بتعجبٍ:
"من أول ما رجعوا منين؟!"

رد عليه «طارق» مفسرًا:
"هو و عياله من ساعة ما رجعوا من برة، عملوا شغل محتاج عشر سنين علشان غيره يقدر يعمله، دا غير الحاجات اللي هو شارك فيها، ما شاء الله، احنا كنا مسئولين عن الدعاية الورقية و الطباعات و اعلانات الطرق و المواصلات"

حرك رأسه موافقًا فأشار «أحمد» بيده نحو الشاب وهو يقول:
"أهو دا ابنه باين، إسمه فادي"

حرك الشباب رأسهم نحوه و أول من تعرف عليه كان «خالد» الذي اتسعتا حدقتيه بقوةٍ بعدما تأكد من هوية الشاب خاصةً أنه سبق و رآه ذات مرةٍ مع «سمير» في مقر عمله و قبل أن يحدث ما لم يحمد عقباه ، تحدث بنبرةٍ جامدة بعدما استعاد رابطة جأشه محدثًا أخوته:
"يلا يا جماعة من هنا ضروري، فيه حاجة مهمة مش هنيفع نتأخر عليها...يلا"

نظروا له الثلاثة بتعجبٍ فقال هو بصوتٍ حاد أقرب للصراخ:
"يــلا"

سأله «ياسر» بتعجبٍ من طريقته المفاجأة و الغير متوقعة:
"إيه يا بني فيه إيه ؟؟ ما إحنا واقفين كويسين أهوه"

رد عليه بضجرٍ:
"يلا يا ياسر، يلا يا عامر يلا يا ياسين، قدامي"

تحدث «طارق» بتعجبٍ:
"فيه إيه يا خالد !! ما إحنا كلنا سوا أهوه، هو حد جه جنبك ؟! بعدين شكلنا هيبقى وحش لو مشينا كدا"
قبل أن يرد عليه أغلقت الأضواء و الأبواب أيضًا و أتت فتاةٍ ممشوقة القوام و هي تلقي خطابًا أمام الجميع، فوقف «خالد» يشعر بارتفاع ضربات قلبه خوفًا من اللحظة القادمة و التي يتمنى قبلها ان تنشق الأرض و تبلعهما في جوفها و البقية حوله تجاهلوا تغيره المفاجيء حتى رفعت الفتاة صوتها و هي تقول بفخرٍ و اعتزاز بعد خطابها:
"دعونا نرحب معًا برجل الأعمال سمير أبو اليسر الغزولي"

صفق الجميع بقوةٍ بينما الثلاثة شباب وقفوا كمن ضربتهم صاعقة رعدية من السماء على عكس «خالد» الذي أغمض جفنيه بشدة خوفًا من القادم، حتى حرك رأسه نحو «ياسر» الذي حرك رأسه نفيًا و كأنه لا يصدق ما هو به، حتى وجد «سمير» ينزل من على درجات السلم و في يده «جيسي»، أمعن النظر في وجهه يحاول تكذيب ما يحدث حوله، لكن هيهات ففي تلك اللحظة لم يجد أمامه سوى صورته و هو يصفعه في صغره قبل رحيله بعدما ضرب والدته، حينها جاهد يحاول استنشاق الهواء فوجد «فادي» يقول في مكبر الصوت:
"أنا حابب أرحب معاكم بوالدي، و الحقيقة اللي معظمكم ميعرفهاش إن سمير مش والدي البيولوجي، بس هو أكتر بكتير من كدا هو اللي اداني عمره و وقته و بقى ليا أكتر من أبويا، هتفضل أحسن أب في الدنيا كلها و هفضل علطول فخور بيك يا بابا"

اغمض «عامر» عينيه بألمٍ و خوف و «ياسين» من خلال عينيه الباكيتين راقب «ياسر» وهو ينظر أمامه بدهشةٍ ممتزجة بالآلم و الوجع و القهر و هو يرى غيره يستمتع بحقه، حق الذي سُلب منه رغمًا عنه و برضا الطرف الآخر، و حينما اقترب منه «خالد» حتى يحاول وقف القادم بقدر الإمكان، اقترب منه «سمير» يقول مُرحبًا به دون أن يعلم بوجوده هنا وهو يقترب منه حتى وقف أمامه:
"بشمهندس خالد !! فرحان إن حضرتك جيت الحفلة"
اتسعتا حدقتي «ياسر» بقوةٍ بعد استماعه لجملة «سمير»  بينما «ياسين» حرك رأسه نفيًا بيأسٍ و «عامر» الذي شد فروة رأسه يشدد عليها بعدما حدث ما لم يُحمد عقباه.

تعليقات



×