رواية شط بحر الهوى الفصل الرابع والأربعون بقلم سوما العربى
بعد أمسية رائعة حظى بها معها على سطح السفينة وحدهم اسيقظ بابتسامة مشرقة عرفت طريقها لوجهة وحدها لا إرادياً .
باشر فى فتح عيناه و هى تلازمه يتمطأ بكسل شديد ، ليفتح عيناه على صوت صديقه الذى بدأ يردد : سيدى يا سيدى ، إيه الروقان ده !
تنهد ضياء براحه ثم ردد بصوت عذب سعيد : صباح الخير.
جاوبه رائف بحاجب مرفوع: يا صباح الروقان و المزاج العالى ، قولى إيه سر الاشراق إلى انت فيه ده ، و كنت فين طول الليل ، كلارا قلبت عليك الدنيا .
وقف عن سريره و قال : ششششش .. انا صاحى مزاجى عالى و مش عايز وش و لا زن خالص ، و بصراحه صوتك مزعجك .
أشار رائف على نفسه و ردد بصدمه : أنا صوتى مزعج ؟! دلوقتي بقا مزعج يا سعادة البيه !
أبتسم ضياء و رد عليه : أوى ، أنا كنت مخبى عليك من زمان بس جه الوقت إلى لازم أصارحك بيه بالموضوع ده.
ذهب للمرحاض سريعاً و هو يضحك بسعادة تاركاً صديقه خلفه يتفنن سبه بكل السباب النابى الذى يعرفه .
بعد دقائق خرج من المرحاض و قد بدل ملابسه ثم قال: أنا مش هرد عليك ، مش ناوى اعكر مزاجى خالص بصراحة.
هم ليتحرك و يخرج من الغرفه لكن اوقفه رائف قائلاً: أستنى عندك الأول ، قبل ما تروح لازم تبقى عامل حسابك و تعرف ، كلارا متضايقه منك جدا و مستحلفة لك .
هز كتفيه بلا اهتمام و قال : تمام تمام ... أوعى بقا من طريقى أنا خارج .
خرج سريعاً و رائف من خلفه متعجب لأحواله .
صعد ضياء عدة طوابق حتى وصل إلى المطعم، أنه ميعاد الفطور ، متوقع أن يجدها هنا .
دلف للداخل سريعاً ، وجد كل الرفاق مجتمعين ، تبعه رائف الذى تقدم خلفه بسرعه .
ظل ينظر هنا و هناك لكنه لم يجدها ، أقتربت كلارا منه و هى تلاحظ عيناه تدور فى المكان و على ما يبدو تبحث عن شخص ما ، تمسحت فى جسده مردده بدلال : كنت فين حبيبي ، معقزل كده تسيبنى زعلانة منك .
ضمها له و قال بابتسامة لكن باله مشغول : ماعلش ، راحت عليا نوما .
كلارا : مش كنا متفقين هتنام عندى امبارح.
وقف وقد نفذ صبره يقول : يوووه ..
أوعى.
وقف ينفضها عنه بلا مراعاة لمشاعرها او منظرها و هى تشعر و كأن قلبها قد شق نصفين ، لا تعلم ما هو الذنب الذى اقترفته فى حياتها حتى تغرق فى عشق شخص مثل ضياء.
و هو لا يهتم ، يبحث الأن على من شغلته و شغلت تفكيره .
فى غرفة تقى و نادين .
كانت قد انتهت من تضفير شعرها على شكل جديلة فرنسية و نادين تقف بالقرب من الباب مردده : أنا خلصت ، هطلع انا و استناكى ، اوكى ؟
نظرت لها تقى فى المرأه تهز رأسها: أوكى.
فتحت نادين الباب لتخرج لتشهق مصدومه و تغلقه بسرعه فالتفت نادين على مقعدها تسأل بقلق : مالك فى إيه ؟
أقتربت منها نادين تردد : ضياء ، شكله بيدور عليكى و جاى على هنا ، مش بتقولى جالك هنا امبارح ، يعنى عارف طريق أوضتك.
إرتبكت تقى و قالت: يا نهار ابيض.
تمسكت بنادين و قالت: بقولك ايه ، انتى مش هتسبينى و تخرجى ، أنتى فاهمة .
اتبعدت نادين عنها سريعاً و قالت بتلاعب و خبث : و أنا مالى يا ختى ، واحد و مراته مايصحش أتدخل ما بينهم ابدا ، ده حتى حرام .
أتسعت عينا تقى برعب و هى ترى نادين تبتعد باتجاه الباب تناديها : نادين ، زفتته .
بينما نادين تلوح لها بيدها مغادره: سكسكيوزمى .. باى باى يا قطه .
خرجت و هى غير مبالية بسباب تقى لها ، بينما هرولت تقى تجمع اغراضها و تجلب رباط شعرها كى تنهى به جديلتها تستعد كى تلبس حذائها بأهمال كى تخرج قبلما يدلف هو لعندها.
كادت أن تفعل لكنه تلقاها عند الباب ، توقفت مرتبكة عيناها متسعة .
أبتسم بجانب شفتيه معجب بطلتها ينظر لقدميها التى لم تدخل فى الحذاء الرياضي بالكامل و جديلتها التى لم تُضفر إلا لنصفها و بيدها رابطة شعر بشكل طفولي لذيذ.
أقترب منها عدة خطوات عادت على أثرها هى للخلف مما سمح له بالدخول و أغلق الباب خلفه أيضاً .
ظل يقترب منها و هى تعود للخلف بقلق حتى اصدمت بحافة الفراش فوقفت.
نظر لها نظره شموليه و هو يود أكلها كلها ثم قال: كنتى خارجه كده خلاص يعنى ؟ شكلك مستعجله.
حمحمت تحاول إخراج أى حديث من حلقها لكن لم تستطع.
شهقت بخفوت و هى تشعر بكفيه على كتفيها يضغط عليهم كى تجلس ففعلت و تفاجىئت به يجلس بجوارها ملاصقاً لها حرفياً ، ثم تناول جديلتها يكمل تضفيرها لها و هو يقول: من كتر ثقتك فى نفسك و فى جمالك خارجه و أنتى مش مكملة أى حاجة
أبتسم لها ثم قال : حقك ، أنتى جميلة أوى .
رفعت عنياها عن الارض تنظر لأصابعه التى تجدل لها شعراتها ، يثقل تنفسها و هى تشعر بأنفاسه قريبه منها جداً ، ثم ارتفعت بعينها لوجهة فوجدته ينظر لها بتيه مردداً و عينه تجوب كل ملامح وجهها : أجمل ما شافت عينى.
لم يعطها الفرصه لتستوعب كلماته كى و هو يصنع الصدمة الأكبر بعدما جلس ارضا على عقبيه يربط لها رباط حذائها الأبيض .
نظر لها برضا ثم قال: كده بقينا جاهزين .
مد يده لها فوقفت بإرتباك ، أقترب منها مبتسماً ثم سأل : ما فيش حاجه عايزه تقوليها لى ؟
استغربت ما يقول ، سقط قلبها بين قدميها ، هل كشف أمرها و ينتظر منها هى أن تبادر و تحكى.
بقت صامته بخوف إلى أن اقترب من اذنها مردداً: يعني مثلاً أنتى وحشتنيني أوى ، أنتى بقا إيه ؟
ظل منتظر لأى جواب منها و سأل: إيه ؟ مافيش اى حاجه خالص كده!
حمحمت بارتباك و أحمر وجهها من قربه المهلك منها ، فاتسعت إبتسامته مردداً بتنهيدة حاره : أنتى ليه حلوه كده .
ضحكت .. ضحكت بألم على سخرية القدر هل الأن فقط أصبحت حلوه فى عين من كان السبب فى كل نوباتها النفسية.. تباً بل سحقاً له ، لا يتسحق أى شفقة او رحمة ، يحرم العشق على أمثاله.
فهم صمتها الحاقد على أنه خجل فقرص وجنتها الممتلئة مردداً: و أحلى من جمالك بقا كسوفك ، خصوصاً لما يبان على خدودك إلى محتاجه تتاكل أكل دى .
أبتسمت بأهتزاز ، تبخل عليه حتى بالإبتسامة ثم قالت: كنت جاى هنا لحد ، صحابك فى اوضة من الأوض إلى جنبنا ؟
قرص وجنتها الثانيه ثم قال: لأ ، جايلك مخصوص ، مش عارف أقعد من غيرك ، فيها حاجه دى ؟
لم تكن متجهزة للرد على حديثه الصريح ، زاد عليها الأمر و هو يقول لها : كمان شوية المركب هتقف فى أول بلد ، بتفضل واقفه طول اليوم عشان تسمح للركاب لو عايزين يعملوا تور فى كل بلد تقف عندها ، عايزين ننزل من غير ما حد ياخد باله .
سألت بأستهجان: ليه .
اقترب منها يتنهد بلهفه : مش عايز حد منهم ييجى معانا ، عايز أبقى معاكى لوحدى ، أوكى ؟
صمتت لا تعرف بماذا تجيب لكن على ما يبدو انه لا ينتظر الرد.
______________________
كانت تسير فى الشوارع لا تعلم إلى أين تذهب ، منذ ليلة أمس و هى مختفية ، قلبها يأكلها عليها ، غنوة بمثابة إبنتها التى لم تلدها .
كانت تضرب كف بأخر و هى تسير فى الحاره قاصدة بيتها تتفقده ربما عادت .
شعرت بظل خلفها يتبعها منذ فتره ، إلتفت بعصبيه ترفع حاجبها الأيمن مستنكرة بعدما ألتفت و لم تجد أثر لأى شخص خلفها.
سحبت نفس عميق و تعمدت السير لعدة خطوات إلى أن توقفت و رأت ظل لشخص ضخم قليلا يتوارى خلف عمود عريض لأحد المحلات .
سارت ببطء شديد إلى وصلت له و قبضت على ملابسه تهز فيه للأمام و للخلف مردده : بقا مش مكسوف على شيبتك بذمتك ، دى عمايل راجل كبير ، طب أعمل لأخرتك ده انت رجلك و القبر .
حاول نفض يدها عنه يقول بإعتراض شديد : لاااااا ، مين ده اللي رجله و القبر بعد الشر عليا.
تركت ملابسه و هزت رأسها تصيح : إيه هتعظم على إلى خلقك ؟
اقترب برأسه منها متحرشاً يردد : لأ بس أنا مش هموت دلوقتي ، أنا حاسس قلب المؤمن دليله.
صدرت عنها ضحكه رقيعه مستهزءه تردد : حوش حوش ، أبو كاس بقا مؤمن ، اختشى على دمك ده انت حتى صاحب تربيزة .
ذم شفتيه و هو يسب هارون بداخله بالتأكيد هو من أخبرهم على إدمانه لعب القمار .
نظر لها بنظره غير بريئة ، يدلك كفه على صدره مرددا: طب ما لو تكسبى فيا ثواب ، و أتوب على إيدك ، ربينى من جديد .
نظرت له بنزق ثم صاحت : يا نوغه ، قال على رأى المثل بعد ما شاب ودوه الكتاب .
رفض ما قيل رفضاً قاطعاً و اعتبره يمس كرامته و صاح و هو يشيح بيده عالياً: لاااااا ، ده كله إلا كده ، ده مين ده اللي شاب.
أبتسم بزهو يعدل ياقة قميصه و أكمل : طب ده أنا حتى بفكر اخش دنيا و أتجوز .
أشجان: تتجوز ؟ يا راجل أختشى على دمك ، ده يالا حسن الختام بدل ما تقول أعمل لأخرتى تقول أتجوز ، و مين دى إلى هترضى بيك يا نضرى.
أبتسم بإتساع و جاوب : إنتى.
صاحت بعلو صوتها فى قلب الحارة تردد : إيه إيه.. إيه إيه ، ده انت الظاهر عليك اتخبلت فى مخك ، قال أنتى قال ، ده أنت رجل برا و رجل جوا ، ده أنت إلى فى سنك بيقول للدنيا سلامات ، قال اتجوزك قال .. روح شوفلك تربى أترمى فيها .
رد بأسف مصطنع: ليه بس كده ، و لا عشان زبدة سايحة يعنى هتتنكى عليا ، بس حقك ، حقك تتدلع يا جميل و أنا صابر أوى و بالى طويل .
صرخت أكثر و لم تستطع الصمود أمامه : يالهوووى ، ضغطى علي منه ، هيجلطنى ، تعالى لى هنا .
قبضت على ملابسه من جديد بغل و بدأت تردد : إيه.. هى العيلة دى عايزة منى إيه ، إبن اخوك من ناحية و أنت من ناحية ، إيييه .. ناويين تموتنا بجلطه فى الدماغ و لا ساكته قلبيه.
زاد من جلطه لها ورفعه لضغطها ببراعة و هو يردد بإستفزاز : الله ، إيدك طريه أوى ،هز فيا يا جميل و لا يهمك ، بس براحه عليا عشان ركبى ما أنتى عارفه .
صاحت عاليا و هى تشعر ببداية ألم فى كتفها : يا خراااااااابااااى.
قاطعها و هو يتلمس حقيبتها مرددا: تلفونك باينه بيرن يا زبدة .
تركته بغضب فوقع فجأة منها لتردد : أمسك نفسك يا حزين ، قال و ناوى تتجوز ، أصوم أصوم و أفطر على بصله .
جاوبها بسرعه : و ماله البصل ، و الله مظلوم ده مافيش أكله تنفع من غيره .
جلبت هاتفها من الحقيبه ترد عليه : صح بس مصنن .. ريحته مش و لابد ، زى ناس كده إسم الله على مقامك.
نظرت للهاتف منتبهه و ترى تبصر رقم غنوة أمام عينها فجاوبت سريعاً بلهفه : انتى فين يا بت من امبارح ، قلقتينى عليكى.
صمتت تستمع لردها و عينها تتسع بغضب ثم قالت: نعم نعم ، بتقولى عند مين ، طب إقفلى ، إقفلى .
أغلقت الهاتف سريعاً ثم نظرت لكاظم و قالت : قوم أصلب طولك ، و لا مش عارف.
وقف سريعاً يقول: مين قال كده ، ده الدهن فى العتاقى.
نظرت له شزراً ثم قالت: إخلص و من غير و لا كلمة ودينى للي يولع فى دماغكوا .
هز رأسه و قال بجهل: هو إيه ده ؟
صرخت فيه بغضب : بيتكوا ، بيتكوا يا خويا ، هتخلص و لا أتصرف أنا
تحرك على الفور يردد بوجه متهلل : لأ هخلص طبعا هو أنا فى ديك الساعه ، ده البيت هينور .. إن شاء مش هتخرجى منه المره دي.
قالت قبلها تتحرك و هى تهز كتفها بكبر و دلال : ده لما رجلك تسلم على قفاك .
تحرك خلفها سريعاً و هو يرمق جسدها من الخلف يردد: هتسلم إن شاء الله.
لم تهتم له كثيرا كل أهتمامها بتلك التي على ما يبدو قد رضخت لخيار لقلبها ، بينما كاظم يفكر من أين سيجلب مأذون الآن و هل يسألها إن كانت تحمل بطاقة هويتها ام يصمت .
_______________________
جلست تتابع الأخبار ، تستمع بتركيز إلى مدير أعمالها الجديد الذى بدأ بسرد كل خطط يوما لكنها قاطعته بتحفز : لأ لأ.. سيبك من كل ده ، أنا عايزة اعرف الموظفة إلى إسمها غنوة صالح جت النهاردة و لا ما جتش.
توقف عن التحدث يرمش بعيناه ذات الاهداب الكثيفه و قال: مم.. مش عارف يا فندم، أنا ما لى و مالها دلوقتي إحنا لازم ننظم سكدجول اليوم عشان نعرف نقدم إيه و إيه الى ممكن يتأخر لآخر اليوم و بردو الميتنج إلى كمان نص ساعه لازم حضرتك تكو....
قاطعته بحده و غضب تضرب بيدها على سطع المكتب و قالت بإصرار : تروح حالا تشوف هى جت و منتظمه فى شغلها و لا لأ، و تدور وراها تعرفلى لو مسببه أى أخطاء فاهم.
صمت لثوانِ يزم شفتيه بعدم رضا فصرخت فيه : سامعنى .
تنهد بهدوء ثم قال بإذعان : سامع يا فندم ، أى أوامر تانيه ؟
اشارت له لمى بعينها للباب و قالت: اتفضل روح دلوقتي لو سمحت و تيجى بسرعه تعرفنى.
خرج من عندها و هو غير راضي تماماً عن ما يحدث ، لقد أتى لهنا فى وظيفة مساعد المدير التنفيذي لشركة مختار جروب وليس كمرشد أو (عصفوره ) على زملائه.
ما أن فتح الباب حتى دلفت السكرتيره ترغب فى قول شيء لكن بادرت لمى تردد و هى تضع أصابعها على رأسها من الألم: قولى لهم يجيبولى القهوة بتاعتى بسرعه.
جاوبتها السكرتيره على الفور : حاضر ، بس.. فى ظابط برا طالب يقابل حضرتك.
جعدت لمى ما بين حاجبيها و سألت : ظابط ؟ عايزنى انا ؟ ليه ؟!
السكرتيره: مش عارفة يا فندم
تنهدت لمى و قالت بتفكير : طيب دخليه ، خلينى أشوف في ايه ؟
هزت السكرتيره رأسها إيجاباً ثم ذهبت للباب تقول لمن يجلس فى مكتبها منتظراً : أتفضل يا فندم .
دلف سريعاً و على وجهه إبتسامة عذبة يقول: صباح الخير.
شهقت لمى بخفوت ، رضوان ... كيف نسته؟ كان لابد و أن تتوقع أنه هو من يريدها .
وقفت عن كرسيها تقول باحترام و هى تمد يدها له : أهلا أهلا حضرة الظابط ، الشركه كلها نورت .
وقف أمامها بطوله المهيب و طلته الخاطفة للأنفاس يقول: الشركه منوره بيكى .
اشارت له على أحد المقاعد المقابله لمكتبها و قالت : أتفضل اتفضل .
جلس و هى كذلك ثم نظرت للسكرتيرة و قالت: أطلبى لنا أتنين قهوة لو سمحتى.
نظرت لرضوان و قالت : و لا الباشا يحب يطلب حاجة تانيه.
أبتسم رضوان بكياسة ثم ردد بوقار : لا هى القهوة تمام .
نظرت لمى لسكرتيرتها تعطيها الأمر بالذهاب ، ففعلت و أغلقت الباب خلفها .
ظل الصمت هو الأمر الواقع لمدة دقيقة كامله كل منهما ينظر للأخر و لا يوجد من يبادر بالحديث.
نظر لها بجانب عيناه ثم قال : لأ مش هتكلم غير لما أشرب قهوتي ، مصدع أوى.
ضحكت بمرح على أفعاله ، رضوان شخص متزن جدا فى كل شىء ، يوازن ما بين العصبيه و الهدوء ، الهيبه و المرح ، حتى فى جماله متزن .
لا هو الوسيم وسامة قاتله و لا هو ذاك المشعث ، هو الوسط فى كل شىء و لا يوجد فعلياً ألطف من هذا .
كان ينظر لها شارد فى ضحكتها الجميلة ثم قال: أنا بصراحة معجب جدا بقوتك فى مواجهة كل امور حياتك ، واحده غيرك كان زمان إلى حصل معاها ده هدها ، بس شايفك ما شاء الله ، قاعده فى قلب شغلك و مالية مركزك و مدورة الشغل زى الوالد الله يرحمه ، براڤو بجد .
أبتسمت ابتسامة ساخره ، الحزن يملئ عيناها ، من لا يعرف لا يدرك ، الكل يحكم بالمظاهر.
و هو صادق ، من يراها يجزم بأنها قويه و إستطاعت تخطى كل شيء و هى الآن تجلس فى قلب عملها تتابع شغلها و تنجز فيه أيضاً.
و لا أحد يعلم او يتوقع أنها هنا كل شغلها الشاغل مراقبة و عد أنفاس غنوة ، هارون نفسه لا تهتم له او يفرق معها كثيراً و ان حدث وشكل فرقاً فحتما لأنه يتعلق بوجود غنوة .
تلك الفتاة ، لقد ارتبط مصيرهما معاً ، لن تتركها و شأنها ، الأمر أصبح شخصى إلى الحد الذي لا حد له .
خرجت من شرودها على صوت الباب يفتح و دلف من بعده أحد السعاه يحمل صينيه عليها أكواب القهوة مع المياه ، وضعها و أنصرف.
أرتشف رضوان القليل من فنجانه ثم قال بتلذذ: واو ، حتى القهوة هنا بيرفكت .. أنا كده هاجى كل يوم أخد قهوتى الصبح عندك قبل ما أروح الشغل ، أنتى مش متخيله الشغل فى القسم بيجيب لى صداع و قرب يجيب لى قراع .
ضحكت لمى ثم قالت : لأ يبقى لازم تيجى تشربها معايا كل يوم عشان تبقى مصحصح كده و مركز ، ده كله إلا خدمة الوطن.
قهقه عليها ثم قال بسرعه: أنا كمان شايف كده.
صمتت تنظر له ، بحديث ضمنى كأنها تقول بلا حديث ( ها سمعاك ، جاى فى إيه)
فهم عليها سريعاً ، لم تكن نظرتها تحتاج للتفسير ، حمحم بإرتباك ثم قال بعدما وضع فنجانه : أنا كنت جاى لك بخصوص قضية معالى الوزير الله يرحمه .
فقالت بأهتمام : هى بقت قضية؟ مش قولت لى هتتقيد ضد مجهول !
صمت لثوانِ متنهدا ثم قال: حالتك ساعتها ما كنتش تسمح انك تعرفى ، ده غير إن في تفاصيل جديده ظهرت.
سألت بأستهجان : زى إيه ؟
رضوان : زى أن فى حد من الكبار...الكبار أوى ، تقدرى تقولى كده إنه الراس الكبيره بتاعتهم دخل لمصر من يومين و ده له معانى و توقعات كتيره أوى و للأسف كلها مش حلوه.
فردت بعصبيه : طب و مستنين إيه ، ما تقبضوا عليه !
تنهد بتعب ثم قال: بتهمة إيه ؟ جاى يزور الأهرامات مثلاً ؟
صمتت تنظر له فقال من جديد: الفتره الجايه لازم تاخدى بالك من أدق التفاصيل و أنا دايما هكون على إتصال بيكى و لازم كمان ....
قاطعهم دق مهذب على الباب و دلف من بعده مدير أعمالها ينظر لها بصمت.
كأنه قد قرأ الوضع و تفهم لذا قرر تأجيل الحديث فيما طلبته ، لكن هى لم تتفهم او تصبر و سألت : ها عملت ايه ؟
جعد رضوان ما بين حاجبيه مستغرب و بقى منتبه بأهتمام لحديثهم حيث رد عليها الواقف بالباب : ماجتش النهاردة يا فندم و المفروض أن فى ميتنج مهم هى تنظمه بس للأسف ماحلصش .
وقفت بعصبية و قد فارت أعصابها بنجاح ما أن تعلق الأمر بغنوة و قالت : تتصلوها بيها تيجى فوراً ، شكلها نسيت نفسها ، بعد نص ساعه عايزه كل حاجه تكون تمام و لو ما حصلش تعرفنى .. اتفضل نفذ.
ذهب من أمامها سريعا ، لم يعمل معها ليومان على بعض و بدأ فى سب حاله كونه تقدم لتلك الوظيفه بل و دعا ربه أن يُقبل بها .
فيما إلتف رضوان للمى و قال : فى مشكله ؟
حاولت سحب نفس عميق ثم قالت : لا تمام تمام.
وقف بهدوء ثم قال : طيب أنا بقول تيجى معايا دلوقتي عشان تتابعى مجريات القضية ، فى حاجات كتير لازم تاخدى بالك منها عشان أنا متأكد أنه هيحاول يتواصل معاكى .
لم يكن كل تركيزها معه ، و لا حتى جزء منه ، هى فقط تضم قبضة يدها تفكر فى تلك الحرباء البجحة التى تجرأت فى كل أفعالها إلى أن وصل الأمر بها لأن تستهر علناً بلمى مختار.
نادى عليها رضوان : لمى .. أنسة لمى .
انتبهت له من بعد شرودها تردد: هااا ! كنت بتقول حاجة ؟
فرد بحِلم : بقولك أنه أكيد هيتواصل معاكى لازم تيجى معايا القسم نتناقش فى الموضوع ده.
لكنها لا تستطيع ترك غنوة و شأنها هكذا خصوصا الأن فقالت: أكيد هيحصل ، هفضى كل مواعيدى فى يوم و أجى.
تنهد بإستسلام ثم قال : تمام ، منتظرك.. ممكن بس رقمك عشان انسق معاكى المواعيد ، انتى عارفه معظم شغلى بكون مش فى المكتب.
تبادلا ارقام هواتفهما على الفور و ذهب بعدها ليتركها تجلس و النار تأكل أحشائها تخطط لتلك الحقيرة .
__________________
وصل بسيارته داخل بيت الصواف ، ترجل منها و إلتف حول السيارة يفتح لها الباب مرددا: نورتى بيييتك يا غنوتى .
ترجلت هى الأخرى مبتسمة تشبك يدها فى يده قائله : شكرا.
تقدمت لجواره حتى دلفا للداخل ، اغلق الباب و نادى إحدى الخادمات يسأل عن عمه فأخبرته أنه قد خرج.
تقدم من إحدى الارائك يجلس عليها بأريحية و ضمها له بقوة فسقطت لجواره ، أحتضنها بسرعة و هو يضحك بسعادة مردداً : خير ما عمل ، أخيراً يا غنوتى هستفرد بيكى.
ثم قذق لها قبله فى الهواء فنهرته بحده: ولاااا .
هارون : إيه بس .
ضحكت مكملة : ماحبش البوس على الهواا.
ضحك متفاجئ من الجانب الآخر المستتر الذى لم يكن يعرفه بغنوة ، ذلك الجانب العابث الخالى من الحياء.
صفق بكفيه يردد : الله ، طلعت سافله ، أنا بحب كده اوى.
قربها منه أكثر ثم قال : بلاش على الهوا .
ابتعدت عنه تصيح: انت فاكرنى عيلة هتضحك عليا ، نعمل إشهار الأول ، و عايزه فرح..كبير ، و فستان ، لا اتنين فيرست لوك و ساكند لوك .
صاح عالياً: إييية إيه . حيلك حيلك ، ده هياخد وقت كتير اوى ، انا بقول النهاردة نكتب الكتاب و ننزل خبر على كل الصفحات و المواقع ، أظن مافيش أكبر من كده إشهار.
وضعت يدها فى خصرها تسأل : طب و الفرح ؟ و الفيرست لوك و ساكند لوك ، ده انا غنوة صالح اشطر ويدنج بلانر فى مصر كلها .
حاول الاقتراب منها كى يحظى بحضن منها : عادى يا حبيبتي ، باب النجار مخلع ، كل الى بتقوليه ده هياخد وقت كتير و أنا خلاااااص مش قادر ، الحقى روحك بدل ما الحقش أمسك نفسى عنك و نبقى نعمل الإشهار فى طهور إبننا .
هم ليقترب منها لكنه توقف كمن صعقته الكهرباء على صوتها ، و من غيرها ، عفريت حياته و كابوسه الأزلى تصيح عالياً: شيل ايدك عنها جاك كسر إيدك
ضحكت غنوة و هو عض كفه ندم وقهر يصرخ : منك لله.
فى نفس التوقيت وقف ألبير أمام أحد الضباط في مطار برج العرب فى الاسكندرية ، يختم له جواز سفره ثم أبتسم فى وجهه مردداً : Welcome to Egypt