رواية حان الوصال الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم امل نصر

رواية حان الوصال الفصل الثالث والاربعون بقلم امل نصر 

 ما زالت أجواء الحفل الضخم مستمرة بفعاليات مبهرة تأخذ بعقول الحضور واندماجهم معها، بخلاف ) البعض ممن لم ينتبه لأي شيء منها، فهناك ما يشغله.


كفاية بص على صحبتك يا صفية، هي مش عيلة صغيرة على فكرة ولا هتوه في الشارع.


هتف الطبيب هشام بتلك الكلمات، بعد أن فاض به منها ومن تهربها الدائم ليغمرها ارتباك جاهدت بالإنكار حتي تغطي عليه كعادتها معه :


وأنا كنت عملت إيه يعني ؟ شوفتني سيبتك وقعدت معاها على الطرابيزة مثلا؟ ردد مستمرًا في مواجهتها :

ما هو ده اللي أنتي عايزاه فعلاً يا صفية، إنك تقومي وتروحيلها مع إنها أساسا مش واخدة بالها منك، لأن فيه اللي شاغلها عنك، وده حقها طبعًا، زي ما أنا من حقي ألاقي من خطيبتي الاهتمام لما أقعد معاها. صفية إحنا كده مش هنتقدم ولا خطوة في خطوبتنا المؤقتة، ولو أنتي غايتك كده من الأول، أرجو إنك تبلغيني من البداية عشان ما يبقاش مجهود ورايح في الهوى.


هذه المرة لم تجد عذرًا في قاموسها فحاولت


التلطيف:


غايتي إزاي يعني ؟ ما هو لو كده ما كنت رفضت من الأول وريحت مخي.

أمممم. زام بفمه ثم مال بجذعه نحوها على الطاولة يزيدها إرتباكا


طيب ولما هو كده يا صفية مبتدينيش الفرصة ليه عشان أقرب وأكسر الحواجز اللي واقفة ما بينا؟ أنتي حتى رافضة نخرج مع بعض لوحدنا وعلى طاولة تجمعنا زي ما هو حاصل دلوقتي.


ما أنت قولت بنفسك، ادينا قاعدين لوحدنا أهو.


قاعدين في قاعة مليانة بالناس، ولولا صاحبتك هي اللي أصرت تسيب لنا المجال شوية، مكنتيش سمحتي إنه يحصل أبدًا، أنتي حتى رنة التليفون بتردي عليا بالعافية وبكلمات محدودة، بتخافي لا أتجاوز معاك في الكلام للخط اللي أنتي رسماه لعلاقتنا يا أستاذة يا آنسة صفية.

بصعوبة شديدة وجدت صوتها لتجادل رغم علمها بصدق حديثه


للمرة الألف بقولهالك، أنا لو رافضة المبدأ من البداية مكنتش من الأساس وافقت، يمكن بخجل في بعض الأحيان.


بعض الأحيان !


شدد على الكلمة بتهكم ليضيف بمشاكسته


طب قولي معظم الأحيان يا صفية عشان تبقى واقعية أكثر، وأنا صابر عليكي عشان متأكد إنك عايزاني، لكنك قافلة على نفسك وعلى قلبك يا صفية، رغم إن اللي زيك اتخلقت للحب، لأن فيك كل الصفات اللي يتمناها أي راجل... إلا عقلك طبعًا.

مالو عقلي إن شاء الله ؟ مجنونة مثلاً ولا مجنونة ؟ صدرت منها بعفوية واستفاقة سريعة، بعد أن غيبتها قليلا كلمات الغزل، ليسارع هو بتوضيحه


لا، عاقلة يا صفية وست العاقلين بس دماغك متبتة على ثوابت حطيتيها في دماغك ومش قابلة تغيريها، يعني أقرب مثال دلوقتي أهو، سبتي كل الكلام الحلو ومسكتي في الجملة الأخيرة على أساس إنها شتيمة، عارفة يا صفية لو تبصي كويس لنفسك في المراية هتكتشفي حاجات حلوة كتير فيكي، وأولها جمالك طبعًا.


حركت رأسها بتعبير يدل على سأمها، ترفض تصديق كلماته من داخلها


يا عم بقى رايح جاي تقولي جمالك، أنا شايفة نفسي عادية على فكرة وراضية وحامدة بنعم ربنا

وإيه جاب سيرة الرضا في كده؟ أنا بقولك اكتشفي نفسك وجمالك مش بطالب إنك ترضي باللي قاسمهولك ربنا، ده شيء عادي أصلاً ومفروغ منه. تفوه بها بتعجب من منطقها، ليقترب برأسه أكثر يركز بالنظر داخل خاصتيها مردفا:


طب حاجة بسيطة كده محدش قالك قبل كده إن عيونك الواسعة دي عاملة فرق جامد في وشك ؟


اتقالت لي كتير طبعًا.


بجد يا صفية.


أيوة والله بجد، ستي رقية ربنا يخليها عشان ما أنا يعني أشبه زهرة اختي رغم إننا مش من نفس الأم،

وأمي لما تبقى راضية عني في ساعة رواق، وأبويا بقى لما يطلب مني أقرا المكتوب على علب البرشام اللي بيجيبه على الفاضي وعلى المليان، مجرد بس ما أقوله إن التعليمات اللي عليها بتحذر الاقتراب منها للي زيه على طول ألاقى الجملة اللي ماسكها عليا من وأنا عيلة صغيرة، عينين بقر من غير نظر.


يخرب بيته.


متقولش كده يا هشام ده أبويا.


أبوك مين يا صفية ؟ ده وباء مش أب.


صدرت منه بانفعال زاد من حزنها، ليزفر بضيق متعاظم يكتمه داخله، ثم غير دفة الحديث

خلاص سيبك وكبري، المهم خلينا في أختك زهرة زي ما ذكرت قبل كده إنها اتجوزت راجل أعمال، ده میخلیکیش تاخدي ثقة في نفسك، بما إنك تشبهيها ؟


دب الحماس بها لتجيبه بحب وعفوية


عمو جاسر اتجوزها عشان حبها بجد ومبصش لأي فرق ما بينهم غير كده برغم إني شبهها، لكنها برضو أجمل مني ده كفاية شعرها الطويل ولونه سواد الكحل.


ما أنتي كمان شعرك حلو.


أيوة بس ميجيش نص شعرها ....

قطعت فجأة، تستدرك حماقتها، فتخضب وجهها بالحمرة الشديدة من الخجل، لتصمت مسبلة عينيها غير قادرة على مواجهته، فتبسم يشاكسها


مكدبش عليكي يا صفية، أنا من يوم ما شوفتك بشعرك ده اللي أنتي مستهونة بيه، وصورتك دي مش بتفارق خيالي أبدًا.


بطل كلامك المستفز ده يا هشام؟


مستفز ليه طيب وأنت خطيبتي؟ ثم إن ده شيء غصب عني ومش قادر أتخطاه، إن الله جميل يحب الجمال.


ارتعشت شفتيها بعجز في البحث عن رد مناسب

لتوقفه عن إخجالها، أمام استمتاعه الظاهر بهيئتها تلك، لتتمتم بقلة حيلة في الأخير وهي تشيح بوجهها عنه.


يووووه بقى.


أما عن تلك المحترقة بنيران العشق، فقد كان اهتمامها منصبًا فقط عليه سارق قلبها وعقلها أيضًا، عيناها لا تفارقه ولا تفارق جلسته مع تلك المرأة الغريبة، ذات الجسد المغوي بمعالم وتضاريس هي المسكينة؛ لا تملك حتى نصفها ، ولا تستطيع إزاحة بصرها عنه، فكيف بحاله هو الرجل، تبا للكبرياء الذي يمنعها من أن تذهب إليها الآن وتجرها من شعرها حتى تبعدها عنه، ليتها ما تحدته منذ قليل ليتها تهاونت معه ولو قليلا حتى تجد مساحة من التفاهم، حتى تذهب إليهما وتنفذ ما برأسها.


خليكي كده زي العبيطة قاعدة غير تاكلي في نفسك، ولا أقولك روحي جيبيلهم لمون أحسن يروق عليهم ويرطب الجو. كانت تلك كلمات نجوان والتي عادت إليها بعدما تركتها منذ دقائق للترحيب بمجموعة أخرى من الأشخاص برفقة نور التي لم تتركها هي ولا زوجها، والتي علقت تتدخل بينهما بفضول:

هما مين اللي تجيبلهم لمون؟ إيه الحكاية بالضبط؟ أشارت لها بذقنها للأمام حتى تريها المقصود من الحديث، قائلة بانفعال :


اتفضلي شوفي بنفسك مين الست دي يا نور؟ ومين اللي عازمها ؟ هي اللي زي دي أساسا ليها في الخير؟ استغفر الله العظيم يارب.

ضحكة مكتومة اعتلت ملامح الأخيرة في البداية وعيناها تذهب نحو المذكورة وجلستها على طاولة واحدة مع رياض، لتعقب بتفهم لحالتها :


آه، أنتي قصدك على نادين، وهي إيه اللي عرفها برياض صحيح ؟


أنتي بتسأليني أنا ؟! ده أنا عرفت اسمها بس منك دلوقتي. صدرت منها بانفعال وبحة صوت علت نسبيًا حتى لفتت أبصار الطاولة المجاورة لهم، لتجبر نجوان على تنبيهها


خلي بالك يا بنت، أنتي كده هتفضحينا. ضغطت على شفتها السفلى بغيظ لتتوجه بأبصارها نحو الأخرى والتي اشفقت تراضيها 

أنا آسفة يا بهجة لاني مش مركزة، بس أكيد يعني هتكون اتعزمت من طرف مدام إيفون، وده لأن جوزها المرحوم كان بيساهم في أعمال خير كتير من اللي بتقوم بيها الجمعية، أصله كان راجل غني جدا، بس بصراحة كان عجوز أوي....

طبعًا وأكيد بعد ما ورثت فلوس العجوز، دلوقتي بتدور على صحة الشباب باينة مش محتاجة ذكاء والله باينة .....


تمتمت بالكلمات وهي تحدث نفسها معهما، لتوجه الحديث إلى نجوان بنبرة لائمة


لكن أنتي هتسكتي ع المسخرة دي؟ يعجبك يعني کده؟ دي واحدة شكلها جاية تلوف على ابنك واخدة بالك من شكلها عندها قاعدة صواريخ تدمر

أجيال.

قالتها بمغزى واضح كاد أن يضحك الاثنتان، ولكن هيئتها المزرية ألجمتهما عن ذلك، وانتفضت نجوان ناهضة من جوارهن قائلة
قاعدة صواريخ ولا دمار شامل حتى أنا البنت دي مش مريحاني من الأول، وعندي إحساس قوي إني أعرفها مش فاهمة ليه هروح أشوفها وأنت يا بهجة حصليني مدام كرامتك واجعاك أوي.


قالت الأخيرة بغيظ لم تعطي بهجة له بالا ، وقد نبت الحماس داخلها لترجوها

يا ريت الله يخليكي، أجي وراكي ولا أروح معاكي المهم أطب فوق روسهم. وما أن أنهت كلماتها وهمت نجوان بالتحرك، حتى فاجأها حضور مصطفى:

إيه يا ست أنتي وهي قاعدين هنا ليه والناس كلها بتسأل عنكم؟ قالها ليمسك بأيدي الاثنتين زوجته وخالته الحبيبة، يبتغي سحبهما كما يفعل منذ بداية
الحفل، فحاولت نجوان الاعتراض متحججة ببهجة

استني يا مصطفى البنت سايباها طول الوقت لوحدها.

وتقعد لوحدها ليه ؟ تعالي يا بهجة اتعرفي ع الناس معانا، هو أنتي لزقتي ليه في الكرسي يا بنتي؟ تلقت دعوته الكريمة لترفضها ببعض الذوق، وقد تسلل الإحباط داخلها

لا روحوا أنتم أنا أساسًا جاية مع صاحبتي وخطيبها الدكتور هشام. وأشارت نحو الطاولة التي تجمع الإثنان بالقرب منها، حتى إذا تحركوا في الأخير لتركها، ألقت إليها نجوان بوعدها
خمس دقايق إن شاء الله ورجعالك إنتظريني.

منتظراكي. تمتمت بها على مضض، وداخلها فوران وغليان، تعد نفسها إنها إذا تأخرت عن خمس دقائق سوف تذهب إليها ولو تسببت حتى بفضيحة لهذه الأفعى المتلونة وله أيضًا، فهو يستحقها.

بجمود يحسد عليه، كان جالسًا أمامها غير مكترث بأفعالها المقصودة في إظهار فتنتها الطاغية، تغمرها الثقة وهي تمثل كتلة أنوثة متفجرة أمامه، ولا يكلف نفسه بإرضائها ولو بنظرة إعجاب.

تتخذ أدم حجتها في حديث عنه غير مفهوم، بمماطلة حتى لا ينتهي الحديث سريعًا، والحق يقال هو في الأصل لا يحتملها وكاد بالفعل أن ينهض من بداية جلستها ولكن يمنعه ذلك الشعور بالانتشاء الذي أصبح يتشعب داخله، منذ أن انتبه لنظرات بهجة من خلفه، تظهر احتراقا يستمتع به بعد تحديها له منذ دقائق وعدم إكتراثها، ينتظر رد فعل منها إذا زاد الوضع بينه وبين نادين عن ذلك، ولكنه أيضًا قد أصابه الملل.


مدام نادين ممكن توضحي أكثر؟ ما كدبش عليك أنا لحد دلوقتي ما فهمتش حاجة . ماله آدم بقى؟ هو اشتكالك من أكل جوليا ؟

ضيق واضح ارتسم على ملامحها، وهي تجده يغلق عليها بكلماته المحددة، إسهابها في الحديث عن أمر آدم الذي لم تشرح حالته حتى الآن كما يجب بقصد منها، لتواصل بطريقتها المائعة :

یا ریاض باشا، هو ما اشتكاش من جوليا، بل بالعكس، الست قايمة بالواجب وزيادة معاه في كل الأكل اللي بيطلبه منها ، بس الطفل زي ما انت عارف مش كل حاجة يحبها ننفذهاله، وأنا بعرض عليه يجي عندي ولا أجي أنا بنفسي أشرف على الأكل اللي بتعمله عشان الأكل يكون صحي.

قطب جبينه وتحركت رأسه باستفهام، قائلا بحدة:

أنا ملاحظك كذا مرة تكرري في حكاية الأكل الصحي دي، آدم بياكل أكل بيتي ومصري مع اللي بتعمله جوليا من أكلات إيطالية، مفيش أكل من برا عشان تخافي عليه؟
متزعلش مني يا رياض باشا، بس أنا فعلاً لازم أخاف عليه، دا مريض مناعة يعني أقل حاجة .....تضيعه

استني عندك وقفي... مين دا اللي مريض مناعة؟

قاطعها بغضب شديد يريد التأكد من المعلومة التي سقطت منها ببساطة وكأنها تتحدث عن الطقس حتى جعلها ترتبك في الرد:

ال، إيوه مرض مناعي عنده هو مش صعب يعني على فكرة، كل الحكاية إنه بيحتاج كشف دوري وتحاليل كل مدة يشوفها الدكتور المختص، واهتمام زيادة بالأكل الصحي وبعض التعليمات اللي يمشي عليها، هو آدم ما قالكش؟
هتف بها، وبأنفاس خشنة يحاول السيطرة بصعوبة على غضبه

لأمتزفتش... مرض مناعي يا أستاذة وأنت جاية تكلميني عنه دلوقتي ؟... ولا إيه لزومه الكلام معاك أصلاً؟

ثم نهض من أمامها فجأة، يهم بالمغادرة دون استئذان، فنهضت هي الأخرى تلحق به:

طب أنت ماشي دلوقتي ورايح فين؟

وصله صوتها المستفز بالتساؤل، وهو في قمة غضبه منها الآن حتى كاد أن يفحمها برد يخجلها لتساهلها في أمر هام كهذا ولكنه انتبه على قدوم بهجة
بصحبة والدته فتراجع عما في رأسه ليلتف إليها يجيب بنبرة متوازنة بعض الشيء:

ها خده وأطمن عليه طبعًا ، دي مش محتاجة إنتظار إحنا عندنا المستشفى بتاعتنا يا نادين

طب أنا رايحة معاك.

هم أن يرفض ولكن منعه التساؤل الذي صدر خلفه من نجوان

رياض .... ما جتش ليه تسلم عليا ؟

استدار إليها ينتقل بالنظر نحوها ونحو بهجة قلبه
وسر عذابه

معلش بقى ما أنا شايفك من ساعة ما وصلت مشغولة مع مصطفى بيه في الترحيب بالضيوف ومرة تانية مع بهجة هانم، على العموم أنا كمان ماشي دلوقتي.


ماشي رايح فين ؟ ومين دي؟ عرفنا بيها الأول.

صدرت من بهجة بتسارع ودون إنتظار، حتى كاد أن يتهكم في حديثه لها ، ولكنه التزم الجمود حتى ينتقم منها لإنتظاره لها كل هذا الوقت، مغلبة العناد عليه كالعادة:
دي خالة آدم وهي جاية معايا دلوقتي تطمئن عليه وتشوفه، عن إذنكم بقى معلش.

وتحرك دون أدنى تفسير آخر، يغادر أمام صدمة بهجة التي اتبعت بعينيها تلك المرأة التي ترمقها بانتصار وهي تلحق به، لتتمتم هي بانهيار

شايفة عمايله، قاصد يشلني أنا فاهماه والله فاهماه.

وعلى عكس ما توقعت من تجاوب منها في هذا الأمر الحيوي والقاسي، تفاجأت بتغير نجوان، وقد اعتلى ملامحها شيء من الحزن تغمغم وكأنها تحدث نفسها :

خالة آدم، يعني دي أخت ناريمان؟ وأنا اللي كنت بكذب إحساسي من ساعة ما شوفتها، يعني هي فعلاً قاصدة ابني دلوقتي.

التقطت قولها لتضيف بعصبية وعدم توازن

أهو بقى، أديكي فهمتيها لوحدك، هتسكتيلها ها؟ هتسكتيلها بقى هتسكتيلها ؟

ردت نجوان بتعب وقد فاض بها :

اسكتي أنت الأول يا بهجة وخليني أفكر.
داخل غرفة الطبيب المختص، وبعد أن أجبر شقيقه على الذهاب معه إلى المشفى وفحصه، كانت الساعة تتعدى الواحدة ليلاً في انتظار نتائج التحاليل والأشعة التي تم عملها، والصغير لا يكف عن التذمر بجوار خالته التي لم تتركه حتى الآن.

أووف بقى عايز أرجع أنام على سريري في أوضتي أنا هفضل سهران لحد إمتى؟

تطلع عليه رياض بحنق يمنع نفسه بصعوبة علي ألا ينفجر به ذلك الصغير الأحمق وخالته المستهترة تبا لهذا الحظ الذي أوقعه مع هذه العائلة.

أووف تاني بقى عايز أمشيييي.
إلى هنا وفقد السيطرة ليهدر به بغضب عاصف

وبعدين بقى ؟ يعني مش كفاية إنك خبيت عني موضوع مهم زي ده؟ مش قادر تصبر علي ما تطلع نتيجة التحاليل ويطمنا الدكتور عنك ؟

عادي وافرض ما طلعتش كويسة ودا المتوقع، إيه اللي هيحصل؟

قالها ببساطة أثارت دهشة شقيقه وضاعف من غضبه، فتدخلت نادين تزيد الطين بلة

متستغربش، أصله ياما تعب منه الموضوع ده مع مامته، وفي كل مرة كان بياخد كام يوم في المستشفى وتحت الرعاية وبعدها يخف عادي...
تمتم بها بذهول يكاد أن يطيح بعقله، لا يصدق هذا البرود الذي تتكلم به، وشقيقه متضامنا معها وكأن الأمر يخص شخصا آخر غيره

كلامها حقيقي، أنا فعلاً مرات كتير بدخل المستشفى لما بتعب كام يوم وبيعدوا أنا أصلاً راجل وبتحمل.

صاح به رياض بنفاذ صبر

راجل في المرض ؟! إنك تستهتر بيه وتاخدها عافية إنك ما يهمكش... مين مفهمك الكلام ده أصلاً؟ الأحسن إنك تسكت يا آدم ومتعصبنيش، أنا فيا اللي مكفيني.
سمع آدم ليزعن لأمره ويكف عن الكلام، يشيح بوجهه للناحية الأخرى، ولا يعطي بالا ولا أهمية لهذا الأمر الجلل، حتى دلف الطبيب كي يخبرهم بنتائج التحاليل، طارقًا على الباب بخفة قبل أن يتحدث:

رياض بيه ممكن كلمتين على انفراد لو سمحت؟

سبقه آدم بهدوءه الغريب

وتكلمه ليه على انفراد؟ أنا صاحب الحالة، يعني لو في حاجة تبلغهالي أنا مش هو.

سهم الطبيب بارتباك، ولم يعرف بما يجيب، فجاء الرد الحازم من رياض الذي يمسك نفسه بصعوبة على الانفجار
اتكلم هنا قدامه يا دكتور، متخبيش عنه أي شيء الله يخليك.

سمع منه الطبيب ثم اقترب يتحمحم مزعناً لامره )

يقول:

طيب أنا هتكلم بشكل مبسط عشان توصل لدماغ طفل بعمرك، وبما إنك شجاع هقولك بكل صراحة إن التحاليل مش مبشرة، لابد من الرجوع لعلاجك ومراعاة الاهتمام بأكلك الصحي، وبالنصائح اللي هكتبهم دلوقتي ماشي يا بطل.

تمام عادي.

قالها ببساطة كادت أن تجلط شقيقه، ولكنه لا ينكر
إعجابه بالبأس الذي يتميز به ذلك الصغير رغم عدد سنواته القليلة، والأجمل من كل ذلك أنه أيضًا لا يملك فقط الصفات الشكلية لوالده الراحل، بل والشخصية كذلك، بالمميزات والعيوب، وما أصعب الأخيرة حينما يتعلق الأمر بالصحة، وقد علم بعد ذلك من الطبيب حينما انفرد به بالفعل بعد ذلك بعيدًا عنهم، بحقيقة المرض الذي يستوجب اهتمامًا مضاعفا وإلا تطور الأمر إلى أشياء غير محمودة على الإطلاق.
وصلنا يا بهجة ناوية تنزلي ولا تكملي معانا؟

قالها الطبيب هشام بعد أن توقف بسيارته أمام البناية التي تسكن بها، يقصد بمزاحه أن يفك جمودها، وذلك الشرود الذي يتلبسها منذ البداية
لتضيف صديقتها أيضًا:


أنا بقول تكمل معانا أحسن، بس نروح على بيتنا بقى نرغي براحتنا للصبح، إيه رأيك يا بيبو؟

تبسمت بهجة، تترك الهاتف الذي انشغلت به منذ استقلت السيارة معهما، وتضعه في حقيبة يدها
والله إنت رايقة يا صفية، هو أنا فيا دماغ أصلاً يا بنتي للرغي، إلا إذا كنت عايزة نكد؟

قالتها وهمت أن تغادر، تمسك بيدها على مقبض الباب، فجاءها التعقيب من الطبيب هشام

طب ما تنكدي علينا قبل ما تنزلي وتمشي، إحنا ناس بنحب النكد أصلاً، خصوصًا لما يخص ابن حكيم، ولا إيه يا سيادة المحامية، مش برضو نفسك بتتفتح على شغل المحاكم، أول ما تسمعي عن أي مشكلة ما بينهم ؟

لم تتقبل صفية هذه المرة مزاحه، ليأتي ردها بضيق:
لا طبعا مش لدرجة دي يعني، أنا إينعم متغاظة منه، لكني مقبلش الخراب ما بينهم، ده جواز بشرع ربنا مش أي ارتباط وخلاص.

يكملك بعقلك يا غالية قالها هشام بتسلية قابلتها بعبوس وعتاب، ليأتي رد بهجة في الأخير:

طب وإذا كانت نيته كده فعلاً، هتعملي إيه؟ رياض باين عليه زهق واللعبة خلاص خلصت ده حتى اتصالي بيه مش معبره.

سألتها صفية:

ليه بتقولي كده؟ أجابتها بنبرة يغلفها الحزن:
عشان ده اللي حاصل فعلاً، شكله لقى البديل واحدة متاحة وفاتحة دراعتها ليه بحجة ابن اختها وهو أكيد مصدق، ست بحق وحقيقي تملى العين.

قصدك على الست اللي روحت معاه؟ سألها هشام، فجاءت إجابتها بحسرة:

أيوة هي يا دكتور شوفي هيئتها إزاي؟ لأ ولقت حجتها عشان تتلزق فيه ابن اختها اللي طلع في البخت فجأة .....

توقفت برهة، لتردف بيأس وبيدها تدفع باب السيارة للخروج

يلا بقى كل واحد بياخد نصيبه سلام ولا تصبحوا
على خير أحسن. وما همت بأن تنزل بقدميها كي تترجل من السيارة، حتى فاجأها قول الطبيب.

بس اللي أعرفه إن ابن حكيم مش من الرجالة التي تجري ورا النوع ده من الستات، لأنه ياما قابل في حياته أجمل وأحلى منها كمان، لكنه في الآخر مخترش غيرك يا بهجة، ولا دي كمان عايزة إثبات ؟
في صباح اليوم التالي

استفاق يفتح عينيه داخل الغرفة التي يغفى بها ولأول مرة على تخت واحد جمعه مع شقيقه الصغير، بعد أن غلبه النوم بالأمس ليبيت جواره. لم لكن شعور الأمس، بتلك القبضة التي تعصر فؤاده، منذ علم بالمرض الذي أصابه منذ نعومة أظافره، بل ويكيف نفسه على العيش به دون شكوى أو تذمر. طفل صغير يتحمل ما لا يطيقه الكبار، وهو الذي ظل لعدد من السنوات ناقمًا على والديه، بل والعالم أجمع، بسبب تلك الأحداث المؤسفة التي تركت أثرها عليهم، ولكن لم تمس صحته، وحتى المال الذي ضاع عوضه هو في مدة قليلة. الآن فقط يشعر بالامتنان نحو والده، بعد أن ترك له تلك القطعة النادرة، ولم يعرف بقيمتها سوى اليوم.

تنفس بخشونة ينزع الغطاء عنه، من أجل أن ينهض ويرى ما ينتظره. تناول الهاتف من فوق الكمود المجاور للتخت، يلقى نظرة عليه، ليتفاجأ بعدد المكالمات الهائلة عليه من قبل العملاء وشريكه كارم، ووالدته وزوجته الحبيبة التي تذكرت أخيرًا أن تعطي له أهمية، ولكن للأسف لم يكن متاحا للرد على أحد، بعد أن انصب اهتمامه بذلك الصغير فنسي الهاتف وما عليه.

خطر بباله أن يتصل ببهجة ويجيب عليها بنبرة عاتبة، ربما رق قلبها وتنازلت عن ذلك العناد حتى تسمع منه وتتفهم عليه، ولكنه يحتاج أن يطمئن علي والدته ويطمئنها.

ماذا عنها هي أيضًا؟

وما هم بأن يضغط بإصبعه على زر الاتصال حتى تفاجأ بإضاءة الشاشة برقم آخر مختلف، رقم خادمته ضغط يجيبها على الفور
الوو يا جوليا ... صباحك فل يا ستي، في حاجة؟ مين؟ وجاية كدة ع الصبح تعمل إيه ؟ طالعة هنا کمان؟!

هي مين دي اللي طالعة على هنا؟ كان هذا صوت آدم، بعد أن أيقظه صوت شقيقه، ليضطر أن يجيبه

خالتك يا حبيبي جاية عشان تشوفك على الساعة تمانية الصبح، لا وكمان عارفة طريق أوضتك.

وما كاد أن ينهيها، حتى فاجأتهما المذكورة بظهورها على مدخل الغرفة
صباح الخير، إيه ده؟ رياض باشا ؟

صباح الخير يا خالتو

جاء رد آدم بوجه مشرق وفرح، الجم شقيقه، ومنعه عن الرد بحدة على جرأتها في أن تأتي في وقت مبكر مثل هذا دون استئذان، أن تخترق خصوصية المنزل، وكأنها من أصحابه.

يبدو أنها هي أيضًا انتبهت لذلك، وقد تضمن حديثها الاعتذار

صباح الخير يا قلب خالتو أنا آسفة يا رياض باشا
مكنتش أعرف أنك نايم هنا في أوضة آدم، وأنا كنت جاية أصحيه عشان يفطر من الأكل اللي جايباه وعملاهوله بنفسي.

تلقف آدم دعوتها صارخًا:

عملتيلي الأكل اللي كانت بتعملهولي ماما ؟

بنفس الطريقة اللي أنت بتحبها، وبرضه ما يضرش صحتك.

‏Was yes هتف مهللا بها بلكنته الإنجليزية، يغلق على رياض أي فرصة في الجدال أو الاعتراض، ليستسلم في الأخير منسحبا
تمام أوي، أنا رايح أخد شاور عشان أروح شغلي.

قالها وتحرك لمغادرة الغرفة، نادته بلهفة :

خلص الشاور وإحنا هنستناك تفطر معانا.

آسف مبفطرش، عن إذنكم. تمتم بها رافضًا عرضها بنبرة جافة، دون حتى أن يلتف برأسه نحوها لتطالع أثره هي بغيظ وتوعد، ثم تتوجه نحو آدم بعد ذلك :

خلاص بقى يبقى مفاضلش غيرنا أنا وأنت بسرعة يا بطل اغسل وشك وسنانك عشان نلحق الأكل السخن
‏Yes هلل بها مرة أخرى لينهض سريعًا نحو حمام غرفته، وشرعت هي في المغادرة كي تعد الطعام للإفطار، لكنها انتبهت على دوي الهاتف المكتوم لتفاجأ بهاتف مختلف عن الخاص بابن شقيقتها.

علمت بذكاءها أنه الخاص برياض، مضاءة شاشته باسم امرأة:

بهجة. تمتمت بالاسم، تتذكر تلك الفتاة التي لاحت عليها الغيرة الواضحة نحوها بالأمس حينما قابلتها مع رياض أثناء خروجهما من قاعة القصر الذي أقيم فيه الاحتفال.

فالتمعت عيناها بخبث لتضغط على زر فتح المكالمة وتجيبها :

الووو...

مين اللي بيتكلم؟ مش دا تليفون رياض؟

أيوة يا أستاذة بهجة باين ولا مدام، هو فعلا بتاع رياض، وأنا نادين اللي بترد عليكي. بس، هو مش فاضي دلوقتي، بياخد شاور
نعم 
هو بياخد شاور، وإنت إيه اللي وصلك لتليفونه أصلا؟

الله، فيه إيه يا آنسة؟ دا جزائي أني برد عليكي وأطمنك، رياض باشا بياخد شاور وبس على كده.

حضرتك لو عايزة تكلميه يبقى انتظري بقى شوية على ما يخرج عن إذنك بقى.

ختمت تنهي سريعًا، ثم تبسمت بملء فمها، غير عابئة بوضع المسكينة في الجهة الأخرى، ولا بوقع الكلمات الموحية وأثرها عليها من نتائج كارثية
لم يمض الكثير من الوقت تقريبا مسافة الطريق التي قطعته بهجة بعد إنهاء المكالمة مع تلك الأفعى فلم تشعر بنفسها إلا وهي ترتدي ملابسها، وتنزل سريعًا، كي تستقل أقرب سيارة أجرة أتت بها إلى هنا، في هذا المنزل، الذي قد وعدت نفسها قبل ذلك بعدم دخوله سوى بعد أن تكون امرأته في الإشهار والعلن. أتى عليها الوقت الآن كي تأتي وترى امرأة أخرى به، بل وهي التي فتحت لها، لتظهر الدهشة في مقابلتها على مدخل المنزل


ااا آنسة باين ولا مدام بهجة، إنتي اللي كلمتيني من شوية صح ؟

ردت بهجة بحدة تدفعها من أمامها وتزيحها:
آه يا حبيبتي بهجة، وإنتي بقى تبقي صاحبة البيت صح ؟

قالتها بتهكم، والأخرى تدعي التوجع من خلفها:

إيه ده يا آنسة براحة مش كده؟ هو إنت داخلة زريبة حضرتك ؟

دلفت بهجة بخطواتها الغاضبة، تنقل عينيها داخل المنزل الذي أصبح فجأة غريبًا عنها، فوقعت أبصارها على جوليا التي رحبت بها :
بهجة حبيبتي إنت رجعتي من تاني نورتي بيتك يا قلبي.

حبيبتي يا جوليا ربنا يخليك، هو فين رياض؟

قالتها بهجة لتتفاجأ بتعليق الأخرى من خلفها:

بيت مين بالظبط يا جوليا ؟ صفتها إيه الأستاذة؟

ومالها برياض بقى عشان تسأل عليه ؟

وإنت مالك ؟ صدرت من بهجة نحوها بحدة، تواصل اختراق المنزل، لتتفاجأ بذلك الفتى الصغير، بصورته المألوفة لها وكأنها ليست المقابلة الأولي لها معه،
يتناول طعامه بهدوء، فيوجه السؤال نحوها

إنت مين ؟

أجابته بلطف يناقض تماما غضبها منذ قليل:

أنا بهجة يا حبيبي إنت بقى آدم صح؟ ما شاء الله عليك، بدر منور تشبه شكل والدك اللي شوفته في الصورة، حقيقي اللي خلف مامتش

یا ست بهجة بقى ؟ ما تنورينا وتقولي إنت مين؟ وصفتك إيه بالظبط عشان نبقى إحنا على نور، إيه علاقتك برياض الحكيم عشان تدخلي هجم كده؟
همت أن تجيبها، فجاء الرد من آدم بعفوية:

أنا عارف صفتها إيه ؟ عشان شوفت لها كذا صورة في أوضة رياض أكيد إنت....


صديقة الفتاة

إيه ؟ هتفت بهجة مستهجنة تفسير الصغير، لتسارع بالتوضيح له :

لا يا حبيبي مش كده طبعًا، أنا أبقى مراته، هو فين رياض ؟

حاوت نادين لتقف مقابلاً لها قائلة بتشكك
بس أنا أعرف إن رياض الحكيم مش متجوز، ولا....

توقفت تشملها بنظرة دونية متابعة

ولا إنت تبقى مراته في السر
تعليقات



×