رواية شط بحر الهوى الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم سوما العربى


 

رواية شط بحر الهوى الفصل الثالث والأربعون بقلم سوما العربى 


مرت ساعات للأن و تقود سيارتها فى الشوراع تبحث بعينيها عنه ، لا يمكنها الإستيعاب ، كيف فعلها ذلك المتهور ؟! و منذ متى و هو متهور بالأساس لطالما كان نمطى جداً و لا يحبذ المغامرة أو الخروج عن المألوف و هذا ما عهدته عليه طوال فترة إقامتها فى القاهره لجواره .

لولا حديث شقيقتها لها و تأكيدها الأمر لأكثر من مره لما صدقت .

المرعب فى الأمر أنه قد مر يومان كاملان حين رحل تاركا مصر ، إذا فهو صار له يومان الآن بالشوارع.

ذلك الحقير.. بالبداية يرفضها بطريقة أكثر من مهينة و الآن يجعلها تموت قلقاً عليه بكل لحظه تمر عليها.

لا و الأدهى من هذا و ذاك أنه يضعها فى محل الشعور بالذنب تجاهه ، و وضعها بموضع المذنبه الآن أمام الكل.

نابغة عصره هذا الذي حينما قرر التمرد لمره فعلها بالطريقة الأصعب و الأخطر ، لو كان يريد التمرد لما لم يقبل بها زوجة و كفى نفسه و كفاها كل هذا العذاب 

و لكن كيف! كيف تسير حياتها بهدوء و تمضى الأمور بسلاسة ، لا يمكنه فهو عاشق للكأبة و البؤس.

يرفض الحل الأسهل و الأن يحملها ذنبه و يقتلها من الحيرة و القلق عليه.

وقفت تضرب رأسها بيأس على طارة القيادة ، لم تصل لحل بعد كل ذلك حتى الشرطه و المستشفيات لم يساعدوها ، و هى تعلم لن يقدموا العون أو يكثفوا جهودهم لأجل شخص عربى و مسلم أيضاً.

عادت أدراجها للبيت ، لتريح جسدها ساعه واحده حتى يتثنى لها مواصلة البحث عنه .

تباً له ، ستبحث عنه كما لو كان طفل صغير و قد فقدته فى شوارع المدينة المزدحمة.

وصلت البيت تجر قدميها جرا ، بالكاد تستطيع السير .

لكن ما أن وطأت قدميها داخل البيت حتى أغمضت عيناها بضيق شديد و هى تستمع لصوت صراخ ذلك البغيض على والدتها بحده : أسمعى ڤيولا ، لقد صبرت كثيرا و لكنك على ما يبدو قد نسيتى حجم المبلغ الذى أقرضتك إياه ، يمكننى الزج بكى فى السجن الآن و لن ترى الشارع طيلة حياتك لذا توقفى عن التلاعب و المماطلة .

تقدمت ڨيولا منه تردد : صدقنى سيد ألبير ، لقد انقطعت كل سبل التواصل بينى و بينها ، أتعتقد أنى لا أرغب فى إتمام الأمر ، أى أم تلك التى ستمانع زواج السيد ألبير ڤيكرت من أبنتها و أى عريس سيكن افضل منك ؟ لكنى حقا لا أستطيع التحكم بها أو فرض أى سيطرة عليها ، بالأساس لا أستطع التواصل معها.

حاولت نغم الإختباء منهما كما تفعل دوماً لكن ألبير قد لمحها بأعين الصقر خاصته.

فقال: و صغيرتك هذه ! ألم تكن عندها منذ فتره قصيره بالتأكيد لديها كافة التفاصيل التى أريد .

وقفت نغم و هى تجاهد كى تصلب طولها و تتصدى له رافضه و لكن سبقتها ڤيولا و هى تقول : صغيرتي متمردة ، على ما يبدو أنها وفية لشقيقتها أكثر من أمها ، وفية لدرجة الغباء لا تعلم أنها تمنع عن شقيقتها منابع الخير كله .

قلبت نغم عيناها بملل ثم قالت : منابع خير لها أم لك يا والدتى العزيزة ؟ لا أصدق ما تفعلينه حقاً .

أبعدت عيناها عن ڤيولا و نظرت لألبير تردد: و أنت سيد ألبير ، ما سر إصرارك الشديد على غنوة رغم كونك تستطيع الزواج بعشرة مثلها ؟! ألم تفكر يوماً ما العمل فى أمر الديانة ؟! فكما تعلم شقيقتي مسلمة و أنت مسيحى .. أخبرنى ما الحل بنظرك ؟ هل ستقبل تغيير ديانتك ؟ ف المسلمة لا تتزوج بغير المسلم أبداً .

أبتسم ألبير بثقه ثم جاوب : أنا مسيحى متدين جدا ، و لن أتخلى عن ديانتى مهما حدث .

نغم : و هى أيضاً لن تفعل .

هز كتفيه و ردد ببساطة : الزواج المدنى يا صغيره.. الزواج المدنى جمع شمل كل الأحبة.

رمشت نغم بأهدابها و هى تتخيل رد فعل غنوة لو أستعمت لحديثه ، لم تستطع التحكم فى تلك الضحكة التى فلتت منها و هى تتخيل أيضاً رد فعل تلك السيدة التى تدعى أشجان على حديثه هذا ، بل و نظرت لعنق ألبير من الخلف تتخيل أشجان و هى تصكعه عليه بخفها المنزلى ذو الوردة الكبيرة و ألبير يفر صارخاً فى حارتهم الضيقه و أحباب الله خلفه يزفونه بأروع زفى تليق بمقامه ألرفيع 

توقفت رغماً عنها على صوت ألبير يصرخ بها : علام تضحكين ، أتستخفين بي ؟ 

ألتف يوجه حديثه لڤيولا و قال بحده : لن أصبر كثيراً و أريد عنوان زوجتى الآن ، لقد حجزت بالفعل على أول طائرة ذاهبة للقاهرة.

نظرت ڤيولا لابنتها و قالت : أخبريه نغم و لا تخافى .

لكن نغم ظلت ثابته على موقفها و قالت: لن أفعل و ليحدث ما يحدث.

فصرخ ألبير فى ڤيولا بغضب يردد : أسمعى ، لقد صبرت كثيراً .. كثيرا جدا و هذا ليس بطبعى إطلاقاً ،  على وعد منك بتمهيد الأمر لها لكنك طوال تلك المدة لم تفعلى و الآن أنا أقف اتوسل لتلك الصغيره أن تمن على بعنوان زوجتى ، فلتعلمى جيداً ڤيولا أنى قادر على الوصول لها و لكل تفصيلة قد تخصها لكنى انتظرت لأرى الدعم منكِ لأعرف هل أنتى معى أم ضدى .

فهتفت ڨيولا على الفور : معك طبعا سيد ألبير معك ، و هل سأجد عريس لأبنتى أفصل منك.

نظرت ڤيولا لنغم بشراسه و قالت: نغم فتاه جيدة و ستخبر والدتها بكل شيء الآن ، أليس كذلك عزيزتى ؟

ردت نغم بإصرار و ثبات : كلا أمى .

همت ڤيولا بالصراخ عليها لكن أوقفها صوت جرس الباب.

ذهبت لتفتح لتجد شاب أسمر وسيم يقف أمامها بحالة رثه و الإنهاك واضح جداً على محياه يردد: مساء الخير.. مش ده بيت نغم .

أتسعت عينا نغم بصدمة ، أيعقل ؟

بينما ڤيولا تنظر له بإستغراب تسأل بلكنتها الأجنبية: من أنت ؟ و ماذا تريد من نغم ؟

لكن نغم كانت قد هرولت سريعاً ناحية الباب، تتأكد من صدق حدسها .. إنه بالفعل حسن بشحمه و لحمه .
__________________

جلست فى غرفتها تغمض عيناها تحاول الحصول على القليل من الاسترخاء ، ما مرت به فى الفترة الأخيرة ليس بهين إطلاقاً.

لم تستطع الجلوس مع أسرتها ، للحقيقة لم تشتاق لهم أو تشعر بأى نقص طوال فترة إحتجازها فى قصر فلاديمير.

ليسوا بأهل لها تماماً ، أهل بصلة الدم فقط لكن يالقلب و الروح فلا .

سحبت نفس عميق ، ربما هو.. لن تنكر فلا أحد معها الآن .

سحبت نفس نفس أعمق لتشعر برائحته تتخلل صدرها ، هل باتت تحلم به أم أصبح يخترق خيالها و تشعر بأنفاسه قريبه منها .

إنتفضت مذعوره عل يد تسير بخفه على وجنتها ، و فتحت عيناها لتبصره جالس لجوارها بالفعل يبتسم لها بأعين لامعه ثم قال: وحشتينى، أخيراً نورتى بيتك.

لكنها قابلت حديثه بوجه متجهم و قالت: دخلت هنا إزاى و أمتى ؟ مش المفروض تستأذن .

تنفس بعمق ثم قال: طيب بصى ، خلينا نحاول ننسى إلى حصل ، أنا عارف أنى غلطان و والله مش هتتكرر تانى و حياتك عندى.

نظرت له بسخرية ثم أشاحت بعينها بعيداً عنه فقال بلين واضح : أنتى عارفه إنك أغلى حاجه عندى ، تقريباً ما أملكش غيرك.

رفعت رأسها بحده ثم قالت: و مين قال إنك تملكنى أصلاً؟

اخذ يقترب فى مكانه منها و هو يمرر أصابع يده على كفها مرسلاً لذه حلوه فى قلبها و هو يردد : هيحصل ، أنا عارف إن ربنا هيبعتلى عوضى ، من أول يوم شوفتك فيه كنت عارف إننا هنوصل لهنا .

سخرت مجددا من حديثه و قالت: عوضك ؟ أما انك بجح بصحيح .. مش مكفيك كل الملايين الى عملتها من ورا عيلة الدهبى لحسابك لوحدك ، ده انت فى ظرف كام شهر بقيت تنافس شركتهم.

التوى ثغره بابتسامة مشرقة ثم قال: لحقتى عملتى تحرياتك عنى و حسبتى حسبتك ، بس على العموم دى حاجة مبشرة ، معنى كده أنك بتفكرى فى عرضى.

فيروز : عرض إيه ؟

ماجد: تعالى نتجوز يا فيروز و خبط لزق كده من غير ما نشرح لهم أنا مين و أنتى مين و إننا مش أخوات ، أنا مش هاممنى أوى و عارف إنك أنتى كمان مش هامك .

وقفت فيروز عن مقعدها تنفض يده ثم كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت: شكلك ناسى أنك مديت إيدك عليا و ضربتنى و شتمتنى و كمان شككت في أخلاقي ، و الأهم من كل ده إنك ناسى أنى مش بحبك أصلاً.

صك أسنانه في بعض بصمت يحاول التحكم فى أعصابه لكن لم يفلح كثيرا وقف و جذبها من ذراعها مردداً: يعنى أنتى مش بتحبيني ؟

نظرت له بتوتر ثم قالت: لأ.

صمت لثوانِ ثم قال: أنا لو مش حاسس إنك مش بتحبينى و لا عمرك ممكن تحبينى صدقينى مش هضيع وقت من عمرى معاكى .

جعدت ما بين حاجبيها تسأل : قصدك إيه ؟!

أبتسم عذوبة و بلا حديث جذب رأسها لصدره يحتضنها ، و للعجب أنها أستكانت فى أحضانه فقال : مش معنى إن طريقى ليكى طويل إن مافيش خالص لأ فى ، و فى حاجات كتير أوى ، إنتى هتبقى ليا يا فيروز و هييجى الوقت إلى تبقى أم أولادى ، أنا متأكد.. أنتى بس إلى عنيده و قلبك أسود حبتين.

حاولت التملص من بين ذراعيه مرددة: أبعد عنى يا ماجد .

اغمض عينيه مبتسماً ثم قال: ما غطيش شعرك لما دخلت يعنى زى ما بتعملى دايما!

أتسعت عيناها تدرك أنها لم تفعل ، أتسعت إبتسامته و قال: شكلى مش أنا بس إلى متأكد .

هم ليحتضنها من جديد لكن فتح الباب على حين غفلة ليطل عليهم محمود و يرى قربهم من بعض و يسأل: هو فى إيه ؟

إرتبكت فيروز كثيراً ، إلا أن ماجد لف ذراعه حول كتفها و ضمها له يردد : كنت بتكلم معاها و اطمن عليها ، أشوف الراجل ده ضايقها مثلاً ؟

فقال محمود بإستدراك : أيوه صحيح.. ده راجل مريب ، قاعد تحت و بيقول إن فى معاد مابينكوا .

أغمض كل من ماجد و فيروز عيناهما بضيق .

يتذكران ما حدث وقت وصولهما للقاهره و أنه كان على علم بكل ما خطط له ماجد و على متن نفس الطائرة معهما فى غرفة جانبيه مغلقه.

و قد تركهما على وعد بلقاء آخر و هو مطمئن فعلى كل حال لن يستطيعا الهرب منه .

فقال ماجد : طيب أنزله و أنا جاى وراك ماعلش .

محمود: أنا عندى شغل جدك قاعد معاه، خلص يالا و انزل ، سلام .

غادر محمود  فإلتف ماجد لفيروز و قال: مش عايز ألمح طرفك برا الاوضه طول ما الزفت ده هنا ، سامعه ؟

هزت رأسها موافقه ثم سألت : هتعمل معاه إيه ؟

إبتسم عليها يذوب بها عشقاً و مال يقبل جبينها ثم قال: همرجحه .

أنهى حديثه بغمزه عابثه و غادر سريعاً و تركها و هى لا تفقه شئ.
_________________

ترجلت من سيارة الأجرة و قد تمكن الغضب منها و سيطر على عقلها ، تستحلف لذلك البجح و تتوعده .

فقد مر الليل كله و للأن لم تعد غنوة للمنزل و لم تبت فيه ، ماذا يعتقد هو ، أيعتقد أنها بلا أهل أو شخص يحسب له ألف حساب ؟ حسناً هو من جلبه لنفسه ، هى ستريه .

أقتربت من البوابه الحديدية تصرخ فى الحارس : أنت يا بلدينا ، أفتح لى المخروبة دى .

أقترب منها الرجل يردد : جرى إيه يا ست ، كل يوم و التانى هابة علينا زى زعابيب أمشير كده ليه ؟

أشجان: بقولك إيه أنا مش طايقه نفسى و لا شايفه قدامى مش عايزه اطلع زهقى عليك أنت ، أنت مالكش ذنب و بقول أسيبه لصحاب نصيبه ، روح ناديلى إلى مشغلك .. و لا أنت حر أقف بقا و خد إلى فيه النصيب 

أشاح لها الرجل بيده مرددا بضيق : لا و عليه ، أنادى عليهم حاضر.

و بعد دقائق عاد و خلفه كاظم بوجه متهلل ، أقترب منها و كاد أن يتحدث ليجد أشجان تصرخ فى الحارس : أنت يا راجل أنت انا مش قولت لك ناديلى إلى مشغلك ، جايبلي الكهنه ده ليه ؟

اقترب كاظم منها مرددا: ما أنا إلى موجود ، و الموجود يسد .

رقصت أشجان رقبتها له مستخدمه ذراعيها و هى تقول: مش كل الموجود يا عنيا .

كاظم: أخص عليكى ، أديتيهالى فى قلبى .

أشجان: جاك وجع فى قلبك ، ما تختشى على دمك و تصلب طولك مالك سايب على نفسك كده.

أتسعت ابتسامة كاظم و قال: هو حد يشوف صفايح الزبدة السايحه دى و لا يسبش على نفسه؟

أشجان: لأ و أنت الصادق ده من ركبك السايبه .
وضع كاظم راحة يده على صدره يردد : الدهن فى العتاقى خلى بالك.

أشجان: اللهم طولك يا روح ،قصره ... أنا مش جايه أتساير ، انا جايه للى ينشك فى قلبه و يتعمى من نواضره إلى اللهى يتخفى إسمه .. إبن أخوك 

كاظم: هارون.

لتردد على الفور : قطع و قطعت سيرته .

هز رأسه بجنون منها و سأل : عمل ايه بس ، مين مزعل الزبادى بالقشطه انا عايز أفهم 

نفذ صبرها فهتفت فيه بحده : أنت و بعدهالك بقا ، انا مش حمل مناهده ، البت فين ؟

كاظم: بت مين بس ، لو قصدك غنوة فهى ماجتش هنا و لا حتى هارون حتى بصى عربيته مش راكنة من امبارح.

ضربت أشجان على صدرها و قالت: يالهوى ، امال البت فين ، هات العواقب سليمة يا رب .

ثم بدأت تتحرك مغادرة و هى تفكر بحيرة و قلق أين تسأل عنها و تجدها .

و هرول كاظم خلفها سريعاً يتبعها لم يشأ تركها بمفردها و انتهزها فرصه كذلك .
_______________________

أول ما رآها عادت الحياة لعيناه التى انطفئت من الحزن عليها بعد رحيلها يردد بلوع و أشتياق : نغم .

وقفت أمامه بجسد متخشب لا تصدق و سألت: إيه الى عمل فيك كده ؟ أنت بقالك يومين فى الشارع ؟ جذبته من يده سريعاً و قالت : تعالى ، أدخل أدخل.

دلفت و هو معها سريعاً و أغلقت الباب لتسأل ڤيولا : من هذا .

نغم : فيما بعد سأخبرك.

نظرت إلى حسن و قالت : أنا بقالى يومين بدور عليك فى كل الشوراع.. عرفت أنك واصل لهنا من يومين.. أزاى قدرت توصل لهنا.

سكت مترفعاً عن البوح بكم الذل و الهوان و الويلات التى ذاقها حتى يستطيع الوصول لعندها أخيراً و هو لا يعرف كلمة واحدة ألمانيه كل ما يملكه هو  عنوان المنزل مدون على ورقه .

نظر لنغم و قال : كان معايا ورقة مكتوب فيها العنوان بالالمانى .. غنوة كتبهولى .

عند ذكر إسمها إعوجت رقبة ذلك الذى يتابع كل ما يحدث بملل ، أتسعت عيناه بصورة مرعبة.

ثم بدأ يقترب من حسن خطوة فأخرى يردد : هل تعرف زوجتى ؟ 

نظر له حسن بجهل و سأل نغم : هو فى ايه ماله ؟

نغم: و لا حاجة.. بيسلم عليك .

إلتف و أبتسم لألبير بإرهاق يقول  : الله يسلمك .

لكن ألبير قد زادت عصبيته و أتجه إليه يلف كفيه حول عنقه يردد بغضب : سؤالي واضح ، لما تتهرب منه ، هل تعرف زوجتى ؟

انتفضت نغم هلعاً عليه و وقفت تحاول إبعاد ذلك الثور عن حسن مردده : كف عن جنونك هذا ، و كف أيضاً عن تلقيبها بزوجته فهى لم تتزوجك .

إلتف لنغم يقول دون أن يترك عنق حسن: سيحدث عزيزتى ، هى مسألة وقت لا أكثر .

ثم بدأ يهز فى جسد حسن قائلا: قل لى أين هى ، لا اريد قتلك.

تقدمت ڤيولا و تحدثت هى الى حسن بعربيتها التى لازالت تعرفها : هو بيسأل عن غنوة ، بنتى ، لأنها... تعتبر خطيبته .

هز حسن رأسة و كأنه قد تعطل عن العمل ، كما جهاز الكمبيوتر بالضبط حينما يحدث له (error) .

مخطوبة و متزوجة فى نفس الوقت! كيف ؟ و من هذا المعتوه و ما ذلك الجنون الذى يتملكه و يتحدث به .

و بقوة كبيره إستطاع تسديد ضربة قويه بقدمه فى معدة ألبير جعله يرتد للخلف ثم منحة لكمة رائعة ترنح على أثرها ألبير قليلاً ثم قال : كيف تجرؤ.. كيف .

هم لكى يضربه من جديد لكن توقف الكل على صوت صراخ نغم: كفى .

توقف حسن و هو يلهث فقالت: سيد ألبير ، مكوثك هنا و جدالك معى لن يعود عليك فى النهاية بأى نفع صدقنى و ما هو إلا مضيعه لوقتك الثمين على حد قولك ، و إن أردت غنوة فأنا أخر شخص يمكنك الإستعانة به ، أنا لن أسلمك شقيقتي و لو قطعت لحمى إرباً .

أعتدل ألبير فى وقفته يقول: و هل سترضين بسجن والدتك ؟

نظرت ڤيولا لابنتها تطلب العطف و صمتت نغم لثوانِ ثم قالت: من أقدم على فعل يتحمل نتيجته ، لقد ذبحت إبنتها مره و هى طفلة لا تفقه شئ و الآن فقط تذكرتها لأنها أصبحت ذات نفع كبير !

صعقت ڤيولا من حديث إبنتها بينما ألبير يقف يقرأ الوضع و ذلك الإصرار الواضح بقوه فى عيناها ،تلك الفتاه لن تتراجع و تنفذ ما يطلبوه .

لذا تنفس بعمق ثم قال لها بصوت فيه بصيص من الترجى : لكنى أعشقها و أتمناها ، ألن تساعدينى ؟ 

نغم : لا تظن ابداً أنك تستطيع خداعى بصوتك اللين الضعيف هذا سيد ألبير ، سمعتك الطيبة تسبقك.

همم متفهماً بعدما التقط نبرة السخرية فى حديثها ، رفع إحدى حاجبيه و قال : سأسفر غدا للقاهره ، لست بعاجز و لا أنا من لا يستطيع التوصل لما يرغب، هى بضعة أيام قليلة و سأعود و هى بالطبع معى .. اعتبرى هذا وعد منى لك يا صغيرة .

أبتسمت له بسماجة تردد : حظ جيد سيد ألبير... لقد أنستنا كثيراً.

اهتز فكه بغضب و لكنه لم ينطق بالمزيد بل غادر سريعاً و كله إصرار على الذهاب بأقصى سرعة لمصر و العودة بزوجتة .

إلتفت ڤيولا تصرخ فى وجه ابنتها : هل ارتحتِ الآن ؟!

ثم التفت تنظر إلى حسن و سألت بعدها : و من هذا أيضاً ؟و ماذا يصنع هنا ؟

نغم : اتركينا وحدنا إذا سمحتى.

هتفت ڤيولا معترضه : ماذا ؟

نغم : ماذا انتِ؟

نظرت ڤيولا بتقزز و ملل ناحية حسن ثم قالت: سأغادر فقط لأنى لا طاقة لى بما يحدث او سيقال.

بالفعل غادرت ڤيولا و صعدت لغرفتها بينما ألتفت نغم لحسن تشأله بإمتعاض : إيه الى جابك هنا ؟

اقترب منها حسن يردد بلهفه : وحشتينى .. وحشتينى أوى يا نغم .. أنا جيت عشانك ، أنتى ما تعرفيش أنا حصلى إيه فى بعدك .

كان يتحدث و هو يقترب منها بلهفه يقلص المسافه بينهما لكنه توقف بصدمه أمام حركة يدها الصارمة التي تأمره بالتوقف و الثبات فى مكانه محافظاً على تلك المساحه التى صنعتها ثم قالت بوجه متيبس : جاى تعمل إيه يعنى مش فاهمه!

أبتلع لعابه بصعوبه من طريقتها اليابسة معه فى الحديث ، حاول إجلاء حلقه يبحث عن صوته ثم قال: مش فاهمه إيه نغم ، أنا جيت عشانك ، عشان أقولك انى كنت غلطان و اعتذر لك .

زمت شفتيها للأمام قليلا علامه على أنها لا تستصيغ الحديث ثم قالت بجمود : تعتذر لى ؟ على إيه ؟ يمكن مثلاً على انى أنا الى كنت بقرب منك و باخد كل الخطوات ناحيتك و إنى أنا إلى بدأت و سرحت عن مشاعرى ناحيتك و لا على أنى أنا الى رخصت نفسى و عرضت عليك الجواز و أنت رفضت و لا على انك و لا مره اخدت أى خطوه أى خطوه ناحيتى و يوم ما اخدتها فأنت مشيت ما قربتش. 

كان يستمع لها بقلب مفطور يعلم أنه مخطئ ، لكنه جاء إليها نادم يتمنى المغفره و قال بإستعطاف : نغم ، ماتقصيش عليا و ماتنسيش تربيتى ، إحنا كده و تربيتنا كده .

نغم: و الله ؟ و هارون مش نفس البيئة و نفس البلد و صابر و مستحمل كل بلاوى غنوة ، الغلط عندك أنت ، فى شخصيتك أنت .

اقترب منها يقول مترجياً : يا نغم.. ده انا عملت كل ده عشانك.

صرخت فى وجهه بكل ما بداخلها من غضب و كبت : هو ايه اللي عملت كل ده عشانك ، أنا عملت إلى مافيش اى حاجه كانت تتعمل و أنا ماعملتهاش و أنت عشان سافرت من بلد لبلد كده خلاص ، لأ مش خلاص و أسفك مرفوض ، أتفضل أطلع برا و أرجع على أول طيارة تانى لبلدك .

اقترب أكثر حتى ما عاد هنالك أى مسافه بينهما يردد : نغم ، أسمعينى بس.

أشاحت بيدها ناحية الباب و صرخت فيه : برااا.

لأول مرة تلمح الدموع في عيناه يتوسلها و هو يردد إسمها: نغم.

تحركت ناحية الباب و فتحته و صرخت فيه : قولت لك برا.. أسفك مرفوض .

ظل مكانه لثوانِ أملاً منه فى تغيير رأيها لكن ملامح وجهها المنزعجه لم تتغير و صرخت مره اخرى: قولت لك أطلع برا أرجع بلدك و اتجوز واحده أمك تختارها لك .

بجسد مثقل و قلب مكسور تحرك ببطئ ناحية الباب ، ألقى عليها نظرة أخيرة طويله ثم تحرك متجاوزاً الباب فالتفت تصفقه خلفه و تقع أرضاً منهارة.

_________________

وقف يضع يده على فمه فى محاولة جديدة فاشلة لكبت ضحكاته ، لكنه لم يستطع و هو يرى غنوة سطحت تلك الشقراء أرضا تجلس على معدتها بكل أريحية تضربها بغل و جنون و الأخرى تستغيث و قد  تحولت غنوة كلياً تضر الفتاه و تجذبها من شعراتها التى تتباهى بها و هى تصرخ فيها : عارفة لو شوفتك مقربة ناحيته تانى هعمل فيكى إيه ، هكسر لك أيد يمين و رجل شمال يا شمال و أخليكى تمشى تزوكى فى الشوارع، أنتى فاهمة .

حاولت الضحية الصراخ مستنجده : أااااه... أبعدى عنى .. أبعدى عنى يا بتاعة أنتى.. أاااه ، الحقنى يا هارون ، خلصنى من المتوحشة دى.

أشتعل جنون غنوة و ذهب عقلها كلياً و صرخت فيها: و كمان بتقولى إسمه ، أنا هعرفك إزاى تنطقية تانى 

زادت ذروة غضبها خصوصاً و هى تراه يحرك قدميه و يقترب ملبياً طلبها فهتفت بحده : اثبت مكانك و إلا و الله هخليها خراب يا بيت خراب أنت لسه ما تعرفنيش أنا مجنونه.

حاولت الفتاه تخليص نفسها منها مردده : مجنونة على نفسك ، أوعى بقولك... أااااه... هموووت .. الحقنى يا هارون.

لكن هارون لا يستطيع التحرك من شدة استغراقه فى الضحك بطريقه هيستيريه تزداد مع زيادة جنون غنوة كلما نطقت تلك العقربة إسمه بميوعتها المستفزة .

و بلحظه خاطفة إستطاعت تلك الشقراء تخليص نفسها من تحت غنوة بصعوبة و حاولت الوقوف لكنها من شدة الضرب كانت كلما وقفت سقطت و غنوة تقف كى تجذبها لعندها من جديد و تشبعها ضرباً علها تستريح.

لكن الفتاه كانت تسير بأقصى قدرة لديها و هى تعرج على قدميها تفر خارجاً و غنوة تهم بالركض خلفها كى تلحقها و تضربها من جديد لولا يد هارون التى تمسكت بها بقوة و هو لا يزال لا يمكنه التوقف عن الضحك ، يرد من بين ضحكاته و جسده المهتز و هو يقبض بكل يد على ذراع : أهدى خلاص ، مشيت .

نظر على أصابع يدها و أظافرها التى تحولت إلى مخالب ،و هو يرى خصلات صفراء معلقه بين أصابع كفيها : إيه ده ، ههههههه قلعتى شعرها .

ضربته بغل مردده : أنت بتضحك على ايه.. أنت ليك حساب تانى و روقة لوحدك .

حاول التوقف عن الضحك ينظر لها بأعين لامعه و مد يده يهندم خصلاتها المشعسه أثر معركتها و ردد بفرحة : بتغيرى عليا يا غنوتى .

ضربته بكلتا يديها فى معدته فتأوه بصمت و هى قالت: أنا و لا بغير عليك و لا تهمنى أصلا و لو شوفت واحده مقربه منك قسماً بالله لانتف شعرها شعراية شعراية و أنت بقا هتتنفخ و تتسلخ و أوزع  لحمك فى أكياس زى خروف العيد.

تحركن كى تغسل وجهها و ترتب شعرها و هو ينظر لأثرها بزهول : خروف العيد ! و بعدين بقا فى أنثى الجوزاء إلى أنا وقعت فيها دى .

تحرك خلفها سريعاً و ذهب للمرحاض الذى وقفت فيه تغسل وجهها بالماء البارد ليقترب منها و بيده المنشفة يحتجزها بين جسده و الحائط .

أشاحت بوجهها بعيداً عنه و قالت: أبعد عن وشى الساعة دى أحسن لك.

مد أنامله لوجنتها يحرك وجهها كى تنظر له و بدأ يجفف لها وجهها بخفة و تأنى بينما يتأمل ملامحها البديعة التى انتشرت فيها الحمرة من العصبية و الغضب ، يرتكز بعيناه على أكثر ما يعشقه فيها و هى عيناها المرسومة ببراعة من الخالق سبحانه وتعالى.

و سأل مجددا: بتغيرى عليا؟

أشاحت بوجهها بعيداً عنه فأقترب منها بهدوء يلتقط شفتيها يقبلها بهدوء شديد .

يشعر بها مستجيبة تذوب معه فضمها له أكثر و هى زادت من ضمه لها كذلك .

أبتعد عنها بعد لحظات يردد بصوت خافت: طب و ليه بقا وجع القلب ، أنا تعبت من لعبة القط و الفار دى ، تعالى نعيش مع بعض لو أنتى مش محتجانى فى حياتك أنا محتجاك .

أغمضت عيناها بتعب و قالت : و تفتكر أنا مش عايزه ، مافيش حد قوى طول الوقت، بس أنا مش عارفه اتخطى حكاية بابا.

صمت بتعب ثم سحبها خلفه بهدوء حتى وصل للحديقة من جديد جلس و جذبها لتجلس فى أحضانه ثم قال بتروى : طيب تعالى نتكلم بالعقل.

تنهدت قائلة : عارفه هتقول إيه ، مش أنت إلى موته و لا أنت الى أخدت قلبه بإرادتك و لا حتى طلبت ياخدوا قلب منه أو من غيره و إنك كنت متخدر و بين الحياة والموت ، عارفه كل ده و ياما قولته لنفسى الفترة إلى فاتت ، بس كل مرة بقرب منك ببقى ناقمة على نفسى و كرهاها و بحس أنى إتسامحت فى إلى حصل لأبويا.

زم شفتيه بعجز ثم قال: طيب تيجى نحسبها حسبة تانيه ، مش يمكن كل ده حصل عشان نبقى مع بعض و قلب أبوكى يفضل ينبض جنبك ، و ماعلش لو إلى هقوله كلام قليل الزوق و الإحساس بس هو لازم يتقال و إسمعيه منى ، إلى عرفته إن أبوكى كان مريض كلى فى مرحلة متأخرة و الاتنين كانوا متدمرين هو ماكنش هيعيش سوى أيام معدودة.

همت لتصرخ فيه غاضبه بتقزز لكنه أحبط محاولتها و أكمل : عارف إن الأعمار بيد الله و إن حتى لو فدة مايبررش ابداً إلى حصل معاه ، بس ربنا بيمشى الأقدار فى طريق يخدم بيها أصحابها ، مصر فيها 102 مليون ، إشمعنى أبوكى بالذات إلى أخد قلبه .

صمتت بعجز و قد توقف عقلها عن التفكير ، نظر لها بصمت ثم تنهد مرددا: أنا من حبى ليكى لسه لا حاسبتك و لا حملتك حساب كل الكوارث الى سببتيها فى حياتى ، أنا اتسممت و اتضربت بالنار كذا مره ، سجنت عمى بسببك و خسرت صاحب عمرى بردو بسببك ، ده غير الصفقات الى راحت عليا مع لمى و أبوها بس بقول كل ده يهون قصاد انك معايا .

لكن مرة أخرى لم تجيب فوقف عن مقعده و ردد بحزم : أنا هقفل البيت و أرجع لك عشان نمشى بس على بيتى سواء كان عاجبك أو لأ ، خلاص خلصت فترة الدلع و أنا طولت بالى عليكى قولت أسيبك تستوعبى بس انا خلاص عايز حقى فيكى و مش هفرط فيه لو أنتى بقا متنازلة عن حقك فيا ف دى مشكلتك.

تركها بمفرها و ذهب يلملم أشياءه ثم عاد ليجدها باقية فى مكانها بصمت .

مد يده لها قائلا بلين : يالا .

وقفت بهدوء و تحركت معه دون جدال فجلس بالسيارة يشبك يده بيدها و هو فى طريقه للعودة إلى منزله .

______________________

وقفت أمامه تنظر له بتذبذب ثم ردت متلعثمة : و .. و أنا هعرفك منين ؟

ثم لثانية تبتلع غصة مريرة بحلقها ثم سألته بقوة : أنت تعرفنى ؟ 

شرد فى ملامحها الرقيقة و ردد : لأ ، بس.. حاسس اني أعرفك أو...

رفعت إحدى حاجبيها و سألت: أو إيه ؟

هز رأسه بتشتت ثم قال: مش عارف .

مد يده للسلام و قال: إيه رأيك نتعرف على بعض و نكون صحاب.

مدت هى الأخرى يدها و بابتسامة ذئب صافحته مردده : موافقه.

إبتسم لها لأول مرة في حياته كلها بعذوبة و قال : تعرفى إنك حلوة أوى 

زادت إبتسامة الثقة على شفتيها و قالت: شكرا.

صمت لثوانِ فقالت بإستغراب : طب إيه ؟! هتفضل واقف هنا كتير ؟

نظر حوله فقالت هى : أنت فى أوضتى .

إبتسم مستدركاً ثم قال: طيب ممكن تغيرى و نسهر لوحدنا .

شدد عليها في الحديث مجدداً: لوحدنااا.

هزت رأسها موافقه فابتسم بسعادة بالغة و قال: أنا مستنيكى برا ، ماتتأخريش عليا.

هزت رأسها بابتسامة عريضة ترمقه و هو يخرج من الغرفه متوعدة له بالكثير.


تعليقات



×