رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الواحد و الاربعون
"
غدوتُ غريقًا في بحور عينيكِ
وجدتُ مسكني بين ذراعيكِ
_________________________
تُشبهين راحةٍ رُزق بها القلب بعد عمرٍ من العناء، أو كأنكِ كما عصفورٌ صغيرٌ و في دروب العشق غَنَّاء، مثلي من اعتاد القلق كيف له بنظرةٍ منكِ يطمئنُ و يجد الهناء؟ كيفَ لُحسنكِ أن يغويِّ تائبًا عن الحُب، كيف جعلتي القلب يتواضع في حبكِ و أنتِ تسيرين في مدارات حبي بكل خيلاء.
حرك «وليد» العصا في يده و هو يقول بنفس الهدوء المرعب:
"مرة زمان عيل ضربني و أنا في ابتدائي و علشان كنت لوحدي مقولتش لحد و هو فضل شايف نفسه عليا لحد سنة رابعة كدا، هو كان فاكرني ناسي و مش فاكر، بس هو غبي علشان أنا فضلت بحوشله علشان يوم ما يجي معاد حقي أخده صح، قولتلك قبل كدا اخرجي من سكتنا و اطلعي برة حتتنا مصممة تُحشري نفسك، الواد يوم ما جه تحت إيدي أنا كسرت رجله و مش بس كدا أنا خليته طول السنين الباقية يخاف يرفع عينه فيا، أنتِ زيك زيه، بس الفرق بقى إنك مجتيش عليا، أنتِ جيتي على الغالية عندي، و دي عقابها ضعفين، صوتي بقى علشان هاخد حقي و حق الغالية، يا....يا غالية"
كان يتحدث وهو يحرك العصا بين كفيه يلوح بها أمام ناظريها، أما هي فتصنعت الثبات و كأنها لا يُهمها من الأساس حتى تحدثت بنبرةٍ أوضحت عدم اكتراثها:
"مش هتقدر تعملي أي حاجة، أنتَ جبان أصلًا، و بعدين هي الست خديجة هتخليك مُجرم على أخر الزمن ؟!"
ابتسم لها تلك البسمة التي لا تنم عن الخير و ورافق تلك البسمة قوله:
"أنا مش هحاسبك على النص الأول في كلامك، أنا هرد على النص التاني و أقولك أني علشانها ممكن أحرق البلد باللي فيها، علشان خديجة أنا ممكن أفرم اللي يجي على سكتها"
حركت كتفيها ببساطة وهي تقول بنبرةٍ اثارت حنقه:
"ما يمكن هي اللي جت على سكتي ؟! و أنا اللي يجي على سكتي ممكن أموته عادي، يعني الحمد لله إنها عايشة من الأساس، يا شيخ ياريتها كانت ماتت و خلصنا منها"
حسنًا هي ارادت أن تخرج الوحش الكامن بداخله و استطاعت فعل ذلك بجدارةٍ، فبعد ذلك الحديث وجدته يمسك المقعد البلاستيكي المجاور له ثم قذفها به دون أن ينتبه أنها فتاةٍ و كأنها أودت بأخر ذرة ثبات لديه، أما هي فصرخت بملء صوتها حينما وجدت المقعد يُقذف عليها حتى سقطت على الارض بعدما تعرقلت في طرف السجادة الموضوعة خلفها، حينها هو اقترب منها يجثو على ركبتيه و هو يقول بهمسٍ مخيف:
"أنا لحد أخر لحظة كنت هكتفي أني أخوفك بس و أخليكي تنزلي من هنا سليمة، بس بعد كلامك دا لو عرفتي تنزلي من هنا تبقى أمك داعيالك في ليلة مفترجة"
طالعته هي بغلٍ دفين لم تتدخر جهدًا في إظهاره و هي تقول:
"أنا بكرهكم، اللي زيك و زي خديجة دول بياخدوا كل حاجة، خدت مني كتير، خدت مني حب أهلي و خدت مني صحابي، حتى و هما بعيد عنها كانوا برضه بيدافعوا عنها قصادي"
صرخ في وجهها بقوله الحاد:
"بـــس !! اخرسي بدل ما أخرسك أنا، خدت منك إيه يا حلوة ؟! إذا كان حقها هي سابته أصلًا، لو على صحابك هما عرفوا إنهم نضاف مينفعش يفضلوا جنب القرف بعدوا عنك، لكن أنتِ زيك زي الزبالة متتخيريش عنها يا منة، يا ويلك من اللي جاي"
رمقته بغيظٍ من حديثه رغم الخوف الذي تسلل قسمات وجهها لذلك و قبل أن تركض من أمامه و تهم بالهروب وجدته يوكزها بالعصا في كتفها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"اتـــرزعــي !! عارفة ؟! شكلك و أنتِ خايفة كدا مفرحني أوي و نفسي أضربك و اتكيف بيكي و أنتِ بتتوجعي زيها، بس أنا لو ضربتك هركب نفسي غلط و عيبة، و أنا مينفعش اصغر قدام نفسي علشان مديت إيدي على بنت، قومي غوري من وشي"
تنفست هي بعمقٍ بعد حديثه و في لمح البصر اعتدلت واقفة حتى تركض من السطح و لكنها تفاجأت بأخر من توقعت وجودها هنا، حيث وجدت «مشيرة» أمامها تقف على أعتاب السطح، و قبل أن تتخطاها و تخرج من السطح، وجدتها تدفعها و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
"رايحة فين يا حلوة ؟! هو دخول سطح الرشيد زي الخروج منه ؟! متجيش دي"
ابتسم «وليد» بثقةٍ ثم اعتدل واقفًا وهو يقول من خلفها بخبثٍ:
"نسيت أقولك يا منة، أنا مقدرش أمد أيدي على بنت حتى لو كانت زيك كدا، بس في نفس الوقت أنا مقدرش أنام و حقي بايت برة، و خديجة مش ليها حق بس، دي ليها عندك كتير و من زمان، علشان كدا أنا هقف اتفرج على حقي و هو بيرجع"
التفتت له فوجدته يميل بجزعه على الطاولة الصغيرة يقوم بإشعال شمعة صغيرة فسألته هي بريبةٍ:
"أنتَ...أنتَ بتعمل إيه ؟! هو فيه إيه ؟!"
اعتدل واقفًا من جديد وهو يقول بخبثٍ كعادته ممتزج بالمرح:
"بولعلك شمعة علشان تتمزجي، هدلع الروح قبل ما تروح"
اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدته يرتمي على الأريكة وهو يقول لعمته:
"يلا يا عمتو، خليني اصفالك شوية و خدي حق خديجة و حقي و حق أحمد و خلود، أصل منة الله أكبر ماشية تدوس براحتها"
ابتسمت له بشرٍ ثم أغلقت الباب ثم خلعت حجابها تلقيه على الأريكة و بعدها شمرت ساعديها و هي تنظر لتلك التي تقف أمامها بثباتٍ لا يهمها شيئًا حتى تفوهت بوقاحةٍ:
"هو انتم الاتنين هتخوفوني ؟! مش هتقدري تعملي حاجة أصلًا، سيبيني انزل بدل ما تحصلي ست خديجة أنتِ كمان"
ابتسم «وليد» بسخريةٍ و قبل أن تكتمل بسمته وجد «مشيرة» تهجم عليها و هي تقول بنبرةٍ أقرب للصراخ:
"أنتِ إيه يا بت ؟! ملكيش كبير يكسر عينك ؟! دا أنا هموتك في إيدي"
أنهت حديثها ثم دفعتها على الأريكة و بعدها انهالت عليها بالصفعات و اللكمات و الأخرى تصرخ في يدها تطلب النجاة، بينما «مشيرة» كممت فمها بيدها و باليد الأخرى تضربها في أنحاء جسدها، حتى ضربتها «منة» بقدمها في بطنها، حينها ارتدت «مشيرة» للخلف حتى أوشكت على السقوط لكن يد «وليد» منعتها من ذلك، فطالعته هي بتعجبٍ، فوجدته يحرك رأسه أمرًا لها بقوله:
"كملي يا مشيرة، اللي زي دي متستاهلش الشفقة، شوفي شغلك"
اندفعت «مشيرة» من جديد تضرب رأسها بيد الأريكة ثم أمسكت قدمها تلويها للجهة الأخرى و هي تقول بصراخٍ:
"لــيه يا بنت وفاء !! جيتي على الغلبانة اللي كله جاي عليها لـــيه ؟! أنا و وأبوها و دنيتها و كانت نقصاكي أنتِ كـــمان !! مش هرحمك من إيدي، مش هسيبك"
صرخت «منة» في وجهها بوجعٍ:
"يا شيخة ربنا ياخدك و ياخدها و يخلصني منكم، غوري"
تدخل «وليد» يتحدث بنبرةٍ جامدة:
"لمي نفسك يا بت بدل ما أكمل أنا عليكي، لسه اللي جاي هيفرحك أوي، اتقلي على رزقك"
تركت «مشيرة» قدمها ثم كررت نفس الموضوع في ذراعها اليمين و هي تقول بتوعدٍ:
"هكسر عضمك كله، زي ما هي اتوجعت هخليكي أنتِ كمان تتوجعي يا منة، صبرك عليا يا حلوة"
بعد جملتها الأخيرة ضغطت على ذراعها و هي تلويه للخلف حتى صرخت «منة» بألمٍ و هي تقول:
"آاااه....خلاص خلاص ....ســيبــينـي بــقـــى"
تركتها «مشيرة» على مضضٍ و فجأة أمسكت خصلات شعرها تهزها في يدها بعنفٍ و هي تقول:
"أمك و أبوكي تحت بيتطمنوا على خديجة و بيتأسفوا ليها على عملتك السودا، يلا يا حلوة تعالي علشان تعملي زي بابا و ماما"
ردت عليها بشموخٍ رغم الألم البادي على ملامح وجهها:
"مش هتأسف لحد، أنتِ بتحلمي"
تدخل «وليد» يُبعد عمته عنها ثم أخفض جزعه حتى يصبح في نفس مستواها و هو يقول بنبرةٍ جامدة لا تقبل المفاوضة:
"لأ يا روح أمك هتتأسفي و تبوسي راسها و تحقي نفسك قدامهم كلهم تحت، و الحكم اللي هيتحكم عليكي بيه هيمشي زي السيف، يا كدا، يا أخد الحج سالم يوم من أوله لأخره لفة حلوة على الكافيهات و بيوت صحابك اللي بتروحوها تعملوا فيها الحفلات بتاعتكم، ها !!"
طالعته هي بخوفٍ من حديثه، فنبرته و إصراره لم يكن مجرد تهديد، لذلك تحدثت بنبرةٍ مشتتة:
"أنتَ بتقول إيه ؟!.... أكيد يعني مش هيصدقك، أنتَ مجنون، أنا بقى اللي هيسألني هقوله إن أحمد حاول يتحرش بيا و لما جيت اتكلم عملتوا الشويتين دول، مش لوحدك اللي بتفكر"
اخفضت «مشيرة» جزعها تخلع نعالها ثم اقتربت منها تضربها به و هي تتحدث بغلظةٍ:
"يا بنت***** إيه يا بت ؟! جبروت يخربيت أمك، دا أنا اتهديت و الزمن جه عليا، أنتِ إيه"
ابعدها «وليد» عنها حينما استمع لصوت صراخاتها في يد عمته، ثم أخرج هاتفه و هي تطالعه بتعجبٍ، أما هو فتحدث بنبرةٍ جامدة و هو يقول لمن يهاتفه:
"اطـــلـــع !!"
أغلق الهاتف مرةً أخرى وهو يرمقها بسهامه و لو كانت النظرات تقتل لكانت هي الآن صريعة تلك النظرات، بينما «مشيرة» أخذت حجابها تلفه على رأسها، و في تلك اللحظة دلف «أحمد» السطح و كأنه ينتظر الهجوم على فريسته، نظرت هي له بخوفٍ، فوجدته يقترب منها و هو يقول لها بصوتٍ منخفض لكنه بث الخوف داخلها بنجاح:
"أنا دلوقتي مقسوم نصين، نص فرحان بمنظرك دا وهو شايف حقه بيرجع و نص تاني ندمان إن الحق دا مرجعش بإيده، عارفة اللي أنتِ عملتي فيها كدا دي تبقى لينا إيه ؟! عارفة فيه كام واحد حياته واقفة عليها !! بس دي حاجة أشكالك متعرفهاش، أنا دلوقتي ممكن أوري صورك لأبوكي و أنتِ في الكافيه بس أنا مش هعمل كدا، علشان مقهرهوش، و أنتِ يا شاطرة هتنزلي قدام الكل تذلي نفسك لحد ما أنا أوافق، يا كدا يا قسمًا بالله هربيكي على إيدي، و يا ويلك لو أنا حطيتك في دماغي"
اقتربت منه «مشيرة» تربت على كتفه و هي تقول بفخرٍ:
"جدع ياض، مع أني بقول نسيبها تتربى شوية في إيدي تربية الزرايب دي، خلوني اشفي غليلي منها"
تدخل «وليد» يقول لها بنبرةٍ جامدة:
"لأ، كفاية كدا علشان تعرف تتكلم تحت، يلا يا عمتو وقفيها و ارمي عليها الطرحة خليها تنزل علشان تتأسف، و يا رب تغلط علشان أوريها ضرب الرجالة عامل إزاي"
أقتربت «مشيرة» تسحبها من على الأريكة فوقفت أمامها تحاول التمسك على آلامها و لكن هيئتها أصبحت أخرى، شعرها المشعث و تلك الجروح التي اصابت وجهها نتيجة أظافر مشيرة، حتى جسدها الذي انتشرت الآلام به، لم تستطع التوقف على قدمها حتى سقطت على الأريكة مرةً أخرى، فسحبتها هى بنفس الطريقة ثم قامت بربط الحجاب على شعرها، بقوةٍ حتى صرخت «منة» بوجعٍ، حينها ضغطت «مشيرة» على يدها ثم سحبتها خلفها حتى تنزل بها للأسفل، بينما «وليد» ربت على كتف «أحمد» وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا خليتك تطلع تطمن بنفسك إن حق أختي أنا مش هسيبه يبات برة، أي حاجة تانية مش هنقدر نعملها، سالم و وفاء ميستاهلوش عينهم تتكسر كدا، كفاية الخلفة العار دي"
حرك رأسه موافقًا وهو يقول بنبرةٍ ظهر بها التعب:
"أنا مكنتش هعمل حاجة بالصور دي، و إحنا بنشتغل في الكافيه الصور دي قابلتنا على الكاميرا علشان اللي حسن بياخد منها مقاطع الدعاية، إحنا الغرب زعلنا، ما بالك بأبوها بقى"
حرك رأسه موافقًا له ثم أشار له حتى يلحقه للأسفل.
_________________________
في الأسفل اجتمعوا حول «خديجة» يطمأنون عليها حتى اعتذرت منها «وفاء» أمام الجميع و هي تبكي بخجلٍ من فعلة ابنتها، و من حسن حظها أنها وقعت مع «خديجة» التي ابتسمت لها بهدوء ثم قالت:
"متعتذريش يا طنط وفاء، حضرتك ملكيش ذنب، و بعدين أنا قد بناتك برضه يعني مينفعش تعتذري ليا، الحمد لله جت بسيطة"
ردت عليها «إيمان» بنبرةٍ جامدة تدخل في الحديث:
"هي إيه اللي جت بسيطة ؟! أنتِ نصك الشمال باظ، مش دي غلطة بنتها ؟! أنتِ ليكي حق و لازم تاخديه"
أيدتها «هدير» بقولها المنفعل:
"بتتكلمي صح يا إيمان، و لولا الوقت و الجيرة أنا كان زماني رميتها من فوق السطح"
طالعتهما «خديجة» بيأسٍ ثم نظرت لزوجها فوجدت نظراته جامدة لم تستطع فهمها، حينها زفر هو بقوةٍ ثم أغلق عينيه يحاول التحكم في ثباته، بينما في الأسفل وقف «سالم» يعتذر من «طه» بقوله:
"أنا أسف يا طه، أكيد فيه حاجة غلط في الموضوع علشان الأمور توصل لكدا، حقك عليا و الله، أنا تحت أمرك في أي حاجة، اللي تؤمر بيه"
رد عليه هو بنبرةٍ جامدة:
"اللي خديجة هتؤمر بيه هيتنفذ يا سالم، و لسه أنا هعرف بنتك عملت كدا ليه في بنتي، أصلها مش طيشة هي"
رد عليه هو بخجلٍ منه:
"محدش قال إنها طيشة و أنا بنفسي هربي بنتي...بس أنا مش عاوز أخسركم و أنتم أهلي، و لسه إحنا مش فاهمين حاجة"
تدخل «وئام» في الحديث بصوتٍ هادر:
"بقولك إيه يا عم سالم أنتَ على عنينا و راسنا، بس اللي حصل في أختي لو زي ما أنتَ بتقول بنتك هي السبب محدش هيسكت، هخلي ستات العيلة كلهم ياخدوا حقها، أنتَ مشوفتش منظرها و هي غرقانة في دمها و لا صوت صريخها و هما بيجبسوها، دي سحبت روحي بعياطها"
نكس رأسه للأسفل بخجلٍ و خزيٌ من فعلة ابنته الغبية، و على حين غرة استمعوا جميعًا لصوت صرخات عالية من «منة» و «مشيرة» تسحبها خلفها من مرفقها، و الأخرى تتألم من قوة الوجع المنتشر في انحاء جسدها حتى دفعتها «مشيرة» داخل الشقة و هي تقول بصوتٍ منفعل:
"ادخلي يا روح أمك، ليكي عين تصرخي و تبجحي كمان ؟!"
اتسعت الأعين بقوةٍ و صعد الرجال من الأسفل على صوت الصرخات تزامنًا مع حديث «مشيرة»، بينما «حسان» اقترب من زوجته يسألها بنبرةٍ جامدة:
"إيه اللي أنتِ عملتيه دا ؟! أوعي تكوني أنتِ اللي عاملة فيها كدا يا مشيرة ؟!"
ردت عليه هي بنفس الجمود:
"آه أنا اللي عملت فيها كدا و لو كترت هجيب أجلها و أخرج روحها في إيدي، بص خديجة عاملة إزاي بسببها، شوف جسمها المتجبس"
اقتربت في تلك اللحظة «عبلة» من «منة» تمسك ذراعها و هي تقول بصوتٍ حاد:
"أنا سكتالك من بدري و عمالة أفوت، قوليلي ضربتي خديجة ليه ؟! انطقي"
حينما رآت والدها تمكنت منها بعض الشجاعة و هي تقول بصوتٍ أشبه للصراخ:
"أوعي إيدك أنتِ مجنونة !! هي و أختها اللي اتهجموا عليا و ضربوني، أنا كنت بدافع عن نفسي، دا أنتو عيلة مجانين"
في تلك اللحظة هجم «وليد» عليها يدفع نحو الحائط و يده على عنقها يضغط عليه و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"و ربي اللي خلق الخلق كلهم هندمك على قلة أدبك دي و حالًا، أنا مختار أكون محترم و أنتِ بتجبريني أقل أدبي"
في تلك اللحظة اجتمع حوله «حسن» و الشباب يحاولون أبعاده عنها حتى نجحوا في ذلك بعد صراخ والدتها و صوت والدها الذي ارتفع في المكان يدافع عن ابنته، بينما «وليد» صرخ في وجههم:
"أنا مش غلطان !! بس هي اللي مش متربية، لسه بتبجح و تقاوح، الحلوة عمالة تلف على أحمد و علشان هو متربي و مش راضي يديها وش عمالة تزود في قلة الأدب، و أخرتها جاية على خديجة، لولا إني راجل و هي بنت كنت عرفتها الحق بيتاخد إزاي، انطقي يا بت أحسنلك"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية ممتزجة بالصراخ:
"ربنا ياخدني علشان ترتاحوا كلكم، أنا معملتش حاجة، كنت بتكلم أنا و خلود و خديجة اتدخلت و أنا دافعت عن نفسي مأجرمتش يعني"
ردت عليها «خديجة» بصوتٍ منفعل في وجهها:
"أنتِ كدابة و مش محترمة، علشان أنا كنت بدافع عنك و أنتِ اللي بدأتي بالغلط و غلطتي فيا، لأول مرة في حياتي افرح في حد، بس أنتِ تستاهلي بصراحة، و بعدين أحمد قالك إنه مش بيحبك، بتجري وراه ليه!!"
ردت عليها «منة» بصراخ في وجهها:
"ما أنتِ رجعتي اهوه يعني كان حصلك حاجة ؟! و عمتك ضربتني و أخوكي كمان، خلاص خدوا حقك كلهم"
اقترب منها «ياسين» يقف مقابلًا لها وهو يقول بصوتٍ هادر:
"هما خدوا حقها بس أنا لأ، و أنا حق مراتي غالي أوي مش هسيبه"
طالعته بخوفٍ فوجدته يشير بنظره لـ «إيمان» التي اقتربت منها تمسكها من ذراعها تلقيها على الأرض أسفل قدم «خديجة» و هي تقول بصوتٍ حاد:
"اتأسفي يا بت بدل ما أجيبك من شعرك، و اتأسفي بأدب و ضمير بدل ما أطلع شعرك في إيدي، يلا يا عروسة، و لا تحبي أكمل على مجهودهم ؟!"
لوهلة شعرت «منة» بالخوف منها و من إصرار حديثها لذلك تحدثت بصوتٍ منكسر و هي تقول:
"حقك عليا يا خديجة.....أنا أسفة على كل حاجة عملتها معاكي.....متزعليش مني"
ردت عليها «خديجة» بقلة حيلة:
"قومي يا منة خلاص، بس ياريت مشوفكيش تاني، بصراحة مش هقدر أصفالك طول عمري"
أقتربت «هدير» في تلك اللحظة تجلس على ركبتيها أمامها و هي تقول بهمسٍ مخيف:
"أظن أنتِ عارفاني و عارفة أنا عاملة إزاي و كنت إيه، متخلنيش أرجع تاني اقلب بعد ما ربنا هداني، لو جيتي جنب حد من عيلة الرشيد تاني أنا هفرمك في إيدي، غوري من وشي بدل ما أقطع وشك"
أومأت لها بقلة حيلة ثم اعتدلت في وقفتها، بينما «محمود» تحدث يقول بنبرةٍ هادئة:
"اللي حصل دا غلط كله يا سالم، البيت بيتك طبعًا و الشقة اللي أنتَ مأجرها دي من أبويا خلاص وقتها خلص، هي صحيح قانون قديم بس إحنا عاوزين شقتنا، أظن أنتَ عندك بدل الشقة اتنين دلوقتي و لسه ساكن هنا من غير حاجة، وجودك على عينا و راسنا بس وجود بنتك مش مُرحب بيه، شوف هتمشي من البيت امتى، احنا عيلة كلنا في بعض، و مش عاوزين غُرب وسطنا"
رد عليه هو بثباتٍ:
"حقك يا حج محمود، أنا كنت قولتلك أني همشي و أسيب البيت، و طالما بنتي غلطت كدا أنا محقوق ليكم"
ردت عليه هي بصراخٍ:
"هو مش أنا اعتذرت !! ملوش لازمة خلاص نمشي من هنا"
في تلك اللحظة نزلت صفعة قوية على وجهها من والدتها و هي تصرخ في وجهها:
"اخرسي بقى أنتِ ليكي عين ؟! غوري ربنا ياخدك و يريحني منك بقى، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب إنك تبقي كدا، غــــوري"
ركضت «منة» بعد صراخ والدتها بينما «وفاء» اقتربت من «خديجة» تقبل رأسها و هي تقول معتذرة لها:
"متزعليش مني حقك عليا أنا، أنتِ عارفة أني بحبك أوي"
ردت عليها «خديجة» بتأثرٍ:
"و أنا و الله بحبك أوي يا طنط، مش زعلانة منك أنتِ ملكيش ذنب في حاجة"
حركت رأسها موافقةً ثم رحلت من أمامهم جميعًا، بينما «سالم» وقف يعتذر منهم جميعًا ثم أخبرهم بموعد رحيله من البيت بعدها صعد إلى الأعلى.
بينما «وليد» اقترب من «خديجة» حينما لمح العتاب في نظرتها،وهو يجلس أمامها و يقول بنبرةٍ هادئة حاول صبغها بالمرح:
"الحمد لله إنك كويسة و أني اطمنت عليكي، بس أنا مكانش ينفع أنام و حقك بايت برة، عيشت طول عمري باخد حقك من الكبير قبل الصغير، لو منة كانت نامت سليمة النهاردة، أنا كنت هتعب، يرضيكي أخوكي يتعب ؟!"
حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم له فوجدته يقبل رأسها ثم نظر في عينيها و هو يقول بنبرةٍ متأثرة من هيئتها يحاول جاهدًا التحكم في دموعه:
"حقك عليا يا خديجة لو فيه حاجة زعلتك أو فيه حاجة تعبتك، لأول مرة أخذلك و أكون مش موجود وقت ما تحتاجيني"
رفعت ذراعها السليم تحاوط بكفها وجهها و هي تقول بنبرةٍ مختنقة:
"دا غصب عنك و غصب عننا كلنا، صدقني أنا مش زعلانة و الله دا كله خير من ربنا، هفكرك بكلام خالو إسماعيل ؟! إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، كدا كدا كان هيحصل، يبقى الحمد لله على كل حال لحد ما نعرف الحكمة فين يا وليد"
احتضنها هو و رغمًا عنها بكى و هو يتذكر ألمها و المعاناة التي قد تكون عاشتها بسببه، بينما «ياسين» رغمًا عنه بكى هو الأخر على مظهرهما، و كلًا منهما يبكي مع الأخر، فتفاجأ بـ «يونس» يميل عليه من على ذراع «خالد» ثم احتضنه يربت على ظهره حينها مسح «ياسين» دموعه بكفٍ و بالكف الأخر حمل «يونس» الذي استمر يربت على كتفه و كأنه صديقًا يواسي صديقه في محنته، حتى ابتعد «وليد» عن «خديجة» التي بكت معه هي الأخرى، ثم أشار لـ «ياسين» حتى يأتي و يجلس محله، فامتثل «ياسين» لرغبته و جلس محله و «يونس» على ذراعه، فسألته هي بنبرةٍ باكية:
"طب وليد و عارفة إنه بيعيط علشان هو طول عمري بيحب يعيط قصادي، أنتَ بقى بتعيط ليه؟!"
رد عليه هو بنبرةٍ باكية:
"علشانك.... بعيط علشانك يا خديجة، هو دا وعدي إني احافظ عليكي ؟! زعلان علشان أكيد اتوجعتي جامد"
مسحت دموعه من على وجهه و هي تقول بهدوء:
"مش أوي و نسيت وجعي الحمد لله، ربنا مصبرني أوي، بلاش تعيط أنتَ كمان بقى، خليني اشوف طه اللي بيعيط وراك دا"
التفت «ياسين» ينظر خلفه فوجد «طه» يقف منزويًا و الدموع تسيل على وجنتيه، حركت هي رأسها حتى يتسنى لها رؤيته، فوجدته يقترب منها ثم أخفض نفسه لمستواها يقبل رأسها و بعدها ربت بيده على رأسها و هو يقول بصوتٍ مختنق:
"أنا بعيط على نفسي يا خديجة، و على اللي عملته و مش عارف اسامح نفسي عليه، بعيط كل ما افتكر إني مش قادر ألوم الغريب و أنا تعبتك أكتر منه، بعيط علشان لحد دلوقتي لسه مش عارف أشيل السلسلة بتاعتك من جيبي و مش عارفة تفارقني و يوم ما كنت هديهالك حصلك كدا"
حركت عينيها تطالعه بتعجبٍ من عينيها الدامعتين فوجدته يخرج قلادة من الذهب بها صورته معها منذ صغرها و ذات مرة من المرات التي ضربها بها قامت هي بقطعها ثم ألقته في وجهه، حينها أخذها «طه» ثم وضعها معه و حتى الآن لم تفارقه تلك القلادة، مد يده لها بها و هو يقول بنبرةٍ باكية:
"ينفع تاخديها تلبسيها ؟!"
حركت رأسها نفيًا فوجدته يطالعها بدهشةٍ، بينما هي ابتسمت له و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"لبسهالي أنتَ"
اقترب منها يضعها على عنقها وهو يبتسم بقوةٍ، بينما هي ابتسمت له تطمئنه بذلك و كأنها تخبره أنها لم تحمل في قلبها شيئًا له، فتحدثت «مشيرة» تقول بمرحٍ طفيف:
"خلاص هجبلك سلسلة دهب حلوة كدا علشان تضحكي في وشي زي ما ضحكتي لطه، أنتِ طيبة أوي يا بت يا خديجة، بتفكريني بنفسي زمان"
تدخل «وليد» يتحدث بتهكمٍ:
"مين دي ؟! خديجة زيك ؟! دا أنتِ البت اتفرمت منك فوق و شعرها اتقطع في إيدك، دي عاوزة سنة تعالج فيه"
التفتت له تسأله بفخرٍ:
"بس إيه رأيك في عمتك ياض ؟! شوفتني و أنا جامدة ياض ؟!"
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"مرة من نفسي يا عمتو، قولت استثمرك في الحق"
تدخل «عامر» يقول بنبرةٍ مرحة كعادته:
"الشهادة لله شكل البت بيقول إنك كنتي بايتة على مسلسلات غادة عبد الرازق"
تدخل «حسن» يقول ساخرًا:
"أو نادية الجندي، نفس المستوى، حاجة كدا جبروت إمرأة"
رمقتهما هي بتوعدٍ وهي تقول بخبثٍ:
"حسن و عامر و معاكم وليد، تحبوا تجربوا إحساس منة؟!"
ضحك الجميع عليهما بينما ثلاثتهم نظروا لبعضهم ثم ضحكوا هم أيضًا، بينما «مرتضى» تحدث يقول بنبرةٍ هادئة:
"طب يلا اكلوا الناس دي طلع عينها و علشان خديجة كمان، إحنا داخلين على الفجر، يلا"
أومأت له النساء بموافقةٍ ثم ذهبوا من أمامه يحضرون الطعام بينما «رياض» اقترب في تلك اللحظة يجلس مقابلًا لخديجة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"ألف سلامة عليكي يا نور عين رياض، كدا تخضينا عليكي كدا؟ مش كنتي تخلي بالك من نفسك"
ردت عليه هي بهدوء كعادتها:
"و الله كل حاجة حصلت فجأة، أنا متخيلتش إن حاجة زي دي ممكن تحصل، بس جت سليمة الحمد لله"
ربت على يدها وهو يقول لها بنبرةٍ هادئة:
"ألف سلامة عليكي و ربنا يبعد عنك أي حاجة وحشة يا رب، المهم إنك تقومي بسرعة أحسن ياسين يروح يتجوز عليكي"
ابتسمت له بيأسٍ فوجدت «ياسين» يسأله بحنقٍ:
"فيه إيه يا غالي ؟! اتجوز على مين أنا ؟! ما تخليك محضر خير يا بابا"
رد عليه هو بسخريةٍ:
"قال يعني هسيبك تعملها ؟! هبهدل أبوك في المحاكم يا أخويا"
تدخل «مرتضى» يقول بسخريةٍ:
"ما أنتَ هتبهدل نفسك كدا يا رياض، استفدت إيه بقى ؟!"
رد عليه «عامر» ساخرًا:
"علشان يبقى اللي زهق من المكرونة بصلصة و راح يجيب كشري، بدل ما يجيب محامي غريب يودي ابنه في داهية"
أشار له «رياض» بالتريث وهو يقول بخبثٍ:
"صبرك عليا لما أحطك على التقلية متبقاش تزعل"
ضحكوا عليه جميعًا، بينما «عمار» أخرج هاتفه حينما وحده يصدح برقم والده، فقال هو بقلقٍ:
"يا ليلة مش فايتة !! أبوك بيتصل يا عامر، هقوله إيه و أنا لحد دلوقتي برة البيت"
رد عليه «رياض» مقررًا:
"هات هكلمه أنا متشيلش هم، هات التليفون"
أومأ له موافقًا ثم أعطاه له بينما «رياض» قام بمهاتفة «فهمي» و أخبره بأن «عمار» معه حتى الآن و سيعود معه، بينما «خلود» دلفت في تلك اللحظة وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"يلا يا جماعة الأكل جهز هناك اتفضلوا يلا"
ابتعد «يونس» عن «ياسين» ثم ركض نحوها، فحملته هي على ذراعها وهي تبتسم له فوجدت «خالد» يقول ساخرًا:
"يونس ابني خد على كل اللي هنا، اجتماعي أوي و كدا خطر"
ردت عليه «خلود» بنبرةٍ هادئة:
"بس كلنا فرحانين بيه و الله، و أنا بالذات علشان بحب الأطفال أوي، ربنا يبارك فيه"
تدخل «عامر» يقول بصوتٍ مبتهج:
"و أنا و عمار بنحب الأطفال أوي، يا بخت الأطفال و الله"
رمقه «ياسر» بحنقٍ فتجاهله هو ثم قال موجهًا حديثه لها بعدما وجد أخيه يخفض رأسه أرضًا:
"قوليلي صحيح عاملة إيه في السنتر ؟! حد بيضايقك هناك ؟! خاصةً بعدما عمار مشي"
ردت عليه هي بنبرةٍ تحاول صبغها بالثبات بقولها:
"ها !! لأ أنا تمام و مستر عمار ربنا يكرمه موصيهم عليا أنا و سلمى كمان، متشكرة لحضرتك جدًا"
رد عليها هو بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة:
"لأ و لا يهمك يا آنسة خلود أنا تحت أمرك، لو فيه حاجة خلي أحمد يكلمني و أنا تحت أمركم"
أومأت له موافقةٍ ثم تحركت من أمام الجميع تنسحب بخجلها بينما «عمار» طالع أخيه بعتابٍ من حديثه، فابتسم له «عامر» بخبثٍ.
_________________________
بعد تناول الطعام بدأ الجميع في التجهز للرحيل، لكن «عمار» حمل المقاعد البلاستيكية يضعها فوق السطح لكنه تفاجأ حينما وجد «خلود» تجلس على الأرض و هي تبكي بقوةٍ و كأنها تؤنب نفسها بتلك الطريقة، لم يتحكم هو في فضوله حتى اقترب يقف خلفها و هو يسألها بثباتٍ حتى لا تتضح لهفته:
"آنسة خلود أنتِ كويسة ؟! صوتك كأنك بتعيطي ليه؟!"
مسحت هي دموعها فورًا و هي ترد عليه بصوتٍ مختنق نتيجة البكاء:
"لأ....أنا مش بعيط و لا حاجة، أنا بس كنت مخنوقة شوية و لما قعدت لوحدي حسيت إن الخنقة زادت"
جلس بجانبها هو و ترك مسافةً بينهما وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"بس شكلك دلوقتي معيط !! لو فيه حاجة مزعلاكي احكيها لحد ممكن يساعدك أو على الأقل ترتاحي شوية"
تنهدت هي بعمقٍ و هي ترد على حديثه بقولها:
"ياريت بس مفيش حد هيفهمني، و في نفس الوقت أنا غلطانة"
حرك رأسه نحوها يطالعها بعدما كان ينظر أمامه، بينما هي رفعت رأسها للسماء تحاول التحكم في عبراتها التي خذلتها من جديد و نزلت رغمًا عنها، بينما هو سألها بصوته الرخيم:
"ممكن تتكلمي و أنا أسمعك على الأقل لو ملقناش حل يبقى ارتاحتي شوية من الكتمان....دا لو مش هيضايقك طبعًا"
ردت عليه هي دون سابق إنذار بصوتٍ باكٍ:
"أنا بعيط علشان خديجة، مش هعرف أسامح نفسي و أنا السبب في اللي حصلها كله، كل مرة اتهور و هي تتأذي"
رد عليها هو بتعجبٍ من حديثها:
"و أنتِ مالك و مال اللي حصل ؟! دا نصيب و كلنا شوفنا إن البنت دي هي السبب، ملكيش دخل أصلًا"
ردت عليه هي بنبرةٍ منفعلة:
"لأ ذنبي، أنا اللي بدأت و مديت إيدي عليها، و هي وقعت بسببي رغم إنها كانت بتدافع عنها، ذنبها إيه تفضل كدا متكتفة في الجبس؟!"
تنفس بعمقٍ ثم تحدث بحكمةٍ كعادته:
"أنا متأسف بس تفكيرك غلط يا آنسة خلود، دا نصيب و كان ممكن يحصل من غيرك عادي، كان ممكن منة دي تشوفها لوحدها و يتخانقوا سوا و تزقها زقة أكبر من دي، أو كان ممكن يحصل العكس و خديجة هي اللي تزقها و البنت كانت تتأذي و ساعتها الضرر يزيد، لكن اللي حصل دا حكمة من ربنا، ربنا قال في كتابه العزيز،
قال تعالى:
" وَ عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَ عَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "
_"صدق الله العظيم"
عارفة تفسير الآية دي إيه ؟! إن إحنا ممكن بجهلنا نتمنى لنفسنا حاجة و إحنا فاكرينها خير و عمالين نطالب بيها لكن هي شر لينا و هتأذينا، و نفس الحكاية ساعات اللي حصل يبقى هو الخير و قمة العطاء بس إحنا فاكرينه شر، الحكمة كلها إن ربنا سبحانه و تعالى هو القادر المُعطي، كل حاجة بتحصل خير لينا حتى لو إحنا مش فاهمين دا، لو ركزتي في الموضوع هتلاقي فيه جوانب كتيرة أوي، و كلهم خير، و لو فضلتي تقولي ياريت اللي جرى ما كان أنتِ كدا بتشيلي نفسك فوق طاقتها، لأن اللي حصل كله خير من رب العالمين، كان ممكن يحصل أسوأ من كدا بكتير بس ربنا اختارلنا اللي فيه الخير، و كان ممكن دا كله ميحصلش أصلًا بس بعد كدا يحصل حاجات أكبر و نتائج تكون أسوأ، أحمدي ربنا على اللي حصل و ارضي بقضاءه و متشيليش نفسك فوق طاقتها"
ابتسمت رغمًا عنها بعد حديثه الذي بثها الطمأنينة داخل قلبها، بينما هو أضاف من جديد:
"في مقوله بتقول
{لو اطلعتم علي الغيب لأخترتم الواقع}
والحقيقه اني بلاقي راحة نفسية في الجملة دي و بتحسسني قد إيه إن تدابير ربنا مفيش أحلي ولا أحسن ولا أحن منها، بتعرفني قد إيه إن إحنا كبشر تفكيرنا و دماغنا محدودة قصاد عظمة ربنا سبحانه وتعالي وبتأكدلي إني في عناية ربنا و
اللي عمري ما اقلق طول ما أنا فيها وتحت ضلها، و يا بخته اللي يسلم قلبه و نفسه لرحمة ربنا"
تنهدت هي بعمقٍ بعد حديثه الذي أوفى بغرضه و أكثر بكثير، بينما هو ابتسم لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"اتمنى تكوني ارتاحتي شوية، و أتمنى إنك تسيبيها على ربنا و تتوكلي عليه يا آنسة خلود، عن إذنك"
اعتدل واقفًا بعد حديثه بينما هي تحدثت دون أن تتحرك و تنظر له أو تطالع أثره:
"شكرًا يا أستاذ عمار، كلامك وفى الغرض و زيادة و حقيقي جه في وقته بالظبط، تفكيرك عظيم ما شاء الله"
اتسعت بسمته أكثر وهو يرد عليها بصوته الرخيم:
"الشكر لله سبحانه و تعالى يا آنسة خلود، احمدي ربنا و اشكريه إني كنت سبب يريحك شوية"
خرج هو بعد جملته تلك بينما هي لم تستطع إنكار إعجابها بتفكيره و حكمته في التصرف و الأمور، حتى وجدت نفسها تبتسم تلقائيًا عند تفكيرها به.
_________________________
رحل الشباب بزوجاتهم و معهم «رياض» و «عمار» و «زهرة» و «ميمي» الذي ذهب كلًا من «حسن» و «وليد» لتوصيلها، بينما «ياسين» حمل زوجته إلى شقة والدها بعدما طلب منهم الرحيل و لكن ما حصل عليه كان الرفض من قِبل الجميع، دخل بها غرفتها ثم وضعها على الفراش و هي تنظر له بخجلٍ، بينما هو حمل الوسائد يضعها خلف ظهرها حتى تكون في وضعٍ أكثر راحةٍ، و بعد تأكده من راحتها جلس مقابلًا لها فوجد الاعتذار باديًا على ملامح وجهها، فسألها هو بنبرةٍ جامدة:
"خديجة !! أنتِ بتبصيلي كدا ليه؟! يارب أكون فاهم غلط"
ردت عليه هي بنبرةٍ مترددة:
"بصراحة يعني....عاوزة أعتذرلك، عمال تشيلني و تحطني، حاسة أني تقلت عليك يا ياسين"
رمش بأهدابه ببلاهةٍ فوجدها تضيف مُردفةً بلهفةٍ:
"مش قصدي حاجة و الله، بس حاسة إنه مجهود عليك"
زفر هو بقوةٍ ثم تحدث يقول بنبرةٍ جامدة:
"تحبي أخلي النص اليمين يحصل النص الشمال يا خديجة ؟! و ساعتها تبقي تقيلة بجد؟!"
ردت عليه هي بقلقٍ:
"لأ خلاص خلاص... تعيش و تشيل يا رب، أنا غلطانة ليك، خايفة على صحتك"
رد عليها هو بضجرٍ:
"ملكيش فيه لما أبقى أشتكي ابقي اتكلمي، مش فاهم إيه الجوازة اللي مبصوص فيها دي"
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"و هو مين هيبصلك في الجوازة دي ؟! دا نصيب يا ابن الحلال، لو مش عاجبك نفضها سيرة بقى"
حرك رأسه للجهة الأخرى وهو يقول بسخريةٍ:
"يا شيخة !! إحنا ممكن نُفضها فعلًا بس على روح واحد فينا، جالك قلب تقوليها في وشي"
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بوجهٍ مبتسم:
"لأ و الله، أنتَ عارف أنا بحبك يا ياسين، و مقدرش استحمل غيابك عني، و الله العظيم أنا وجعي مش حاسة بيه علشان وجودك معايا"
ابتسم هو لها فوجدها تغمز له كما يفعل هو معها، فتحدث هو بنبرةٍ ضاحكة:
"أنا بقول خليكي كدا، خفة الدم و الشقاوة دي مبشوفهاش كتير"
ردت عليه هي بسخريةٍ:
"و ممكن تكون حلاوة روح و أفرفر بعدها محدش ضامن"
امتعض وجهه و هو يرمقها بغيظٍ تزامنًا مع قوله بتهكمٍ:
"بومة و الله لبست في بومة، بس أقولك حاجة أنا شمتان فيكي، عارفة ليه يا كتكوتة !! علشان اتريقتي عليا و أنا بدبح، اشربي يا حلوة"
طالعته بتقززٍ و هي تقول:
"يع !! بس بقى متفكرنيش، أهو طلع عليا أهو، ملحقتش أتكيف من العقيقة، أنا هقول لوئام يعيدها تاني"
ابتسم هو رغمًا عنه فوجدها هي تضحك بخفةٍ تزامنًا مع رفعها ذراعها الحر تحاول فك حجابها، اقترب هو منها ثم خلعه لها، فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
"الله يكرمك يا بني و الله، حتى الدراع السليم فيه مشكلة و واجعني، دي وقعة سلم موسيقي بجد مش هزار"
أمسك هو وجهها وهو يسألها مُقررًا أكثر من كونه مُستفسرًا:
"خديجة هو فيه حاجة بتوجعك ؟! كتر هزارك و تريقتك دي مش المفروض إنها تطمني"
تنفست هي بعمقٍ ثم قالت بهدوء:
"آه يا ياسين جسمي كله و دماغي و جعاني، غالبًا رموشي نفسها وجعاني، بصراحة عاوزة أعيط من الوجع"
طالعها هو بخوفٍ فوجد الدموع تسيل على وجنتيها، حينها ابعد يده عن وجهها فوجدها تحاول التحكم في نفسها خاصةً مع ذهاب مفعول المُسكن حينها زادت الآلام في جميع أنحاء جسدها، كانت تحاول إخفاء ذلك الآلم في المزاح و السخرية حتى تُخفيه عنه، بينما هو احتضنها يربت على ظهرها و هو يحاول ردع عبراته من النزول، تأوهت هي من ألم رأسها المُفاجيء، فوجدته يبتعد عنها يسألها بلهفةٍ:
"أعمل إيه طيب علشان متتوجعيش كدا ؟! خديجة أنتِ مش كويسة صح؟!"
مسحت دموعها ثم قالت بنبرةٍ حاولت صبغها بالثبات:
"أنا كويسة متخافش، غالبًا بس مفعول الدوا بدأ يروح يا ياسين، هاخد الدوا اللي بابا جابه"
ابتعد عنها ثم توجه نحو التسريحة الخاصة بغرفتها يأخذ الدواء من عليها ثم توجه إليها يعطيه لها بنفس اللهفة و الخوف البادي عليه، بينما هي تناولت الدواء ثم أرجعت رأسها للخلف و هي تُجاهد حتى لا تصرخ من الآلام المُتفرقة التي تشعر بها في جسدها و خاصةً رأسها، بينما هو جلس بقربها يطالعها باهتمامٍ حتى وجدها تضع رأسها على صدره و هي تتثاءب، بينما هو سألها بنبرةٍ تائهة:
"هو سؤال !! هتنامي كدا إزاي ؟! دراعك هيوجعك يا خديجة، المفروض تعلقيه"
ردت عليه هي بصوتٍ خافت مختلط بالتيه:
"مش عارفة....طبطب عليا يمكن أنام يا ياسين أو هات شاكوش و اضربني بيه على راسي"
قطب جبينه بتعجبٍ فوجدها تتحدث من بين اليقظة والنوم:
"هو أنتِ ليه مش بتقولي كلام حلو ؟! علشان مكسورة يعني؟"
حرك رأسه ينظر لها فوجدها تتثاءب بقوةٍ ثم حركت رأسها على كتفه وهي تقول بنبرةٍ خافتة بالكاد وصلت له:
"مش مشكلة كدا كدا بحبك برضه، هو أنا كنت أطول يعني"
ابتسم رغمًا عنه من طريقتها و حديثها، فمال برأسه عليها و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"تطولي و نص كمان يا ست الكل، دا يا بخت القلوب اللي تحبها خديجة"
ابتسمت رغمًا عنها ثم غاصت في ثباتٍ عميق، بينما رفع هو يده يربت على رأسها بحنوٍ بالغ الأثر و باليد الأخرى حاوط جسدها و هو يتلو آيات الذكر الحكيم ممرًا يده موضع الآلام، و هي غافية بين ذراعيه لا حول لها ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بينما هو بين الحين و الآخر كان يشعر بالشفقة عليها و على ما تشعر به لكنه استمر في قراءة ما تيسر من القُرآن الكريم و هو يدعو الله لها بالشفاء.
_________________________
في غرفة «خلود» جلست على طرف فراشها تتذكر حديث «عمار» عن ما حدث اليوم و حينما أمعنت التفكير في حديثه حينها رفعت رأسها تحمد الله في سرها و هي تدعو الله أن يُشفي شقيقتها و تعود كما كانت، و فجأة فتح باب غرفتها بواسطة «أحمد» الذي دخل فجأةً، حركت رأسها تنظر له و حينما وجدته أمامها حركت رأسها تتجاهله و هي تطالع الفراغ، بينما هو زفر بقوةٍ حينما تأكد من غضبها منه ثم اقترب منها يقول ممازحًا لها:
"جرى إيه يا خوخة !! قاعدة لوحدك ليه تعالي، مش عوايدك يعني"
أخرجت نفسًا عميقًا ثم أغلقت عينيها حتى لا يقع بصرها عليه، بينما هو اقترب منها يجلس بجوارها وهو يسألها بتعجبٍ:
"مالك يا خلود ؟! أنا أول مرة أشوفك كدا ؟! مين زعلك طيب"
ابتسمت هي بسخريةٍ من حديثه فوجدته يسألها بنبرةٍ جامدة:
"انطقي يا زفتة بقى مالك !! مين مزعلك يا خلود ؟! أنا مبحبش أشوفك زعلانة"
صرخت في وجهه بقهرٍ:
"أنتَ.....أنتَ يا أحمد اللي مزعلني، جالك قلب تشك فيا ؟! جالك قلب تصدق أني أعمل كدا و في مين ؟! في خديجة اللي بعتبرها أمي"
سألها هو بتعجبٍ:
"أشك فيكي !! أنتِ اتجننتي يا خلود ؟! إزاي تقولي كدا ؟! و بتقولي كدا بناءًا على إيه ؟!"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"سؤالك ليا كل شوية و لما الزفتة دي قالتلك أني زقيتها أنتَ ساعتها سألتني تاني، أنا زعلي منك أنتَ"
تحرك هو يجلس على ركبتيه أمامها وهو يقول بلهفةٍ حزينة:
"متقوليش كدا و تزعليني من نفسي، أنا لا يمكن أشك فيكي، حطي نفسك مكاني، طلعت لقيت أختي مرمية على السلم بتنزف و أختي التانية واقفة مسهمة و بتعيط !! أنا وضعي إيه؟! و الزفتة دي كانت بعيد و فجأة قربت مني تقولي إنك عملتي كدا، طبعًا مستحيل أصدقها لإن مش ديه اللي ينفع أخد بكلامها، بس سكوتك ساعتها خضني و اللي شل تفكيري إن لو هي فعلًا اللي زقتها يبقى من الأصل خديجة كانت بتدافع عنها، و دي حاجة مقدرتش اقبلها، لكن أشك فيكي !! يا خلود دا أنا مليش غيرك في الدنيا، أنا واحد بيتوه و يرجعلك أنتِ، علشان خاطري متعيطيش بسببي"
اجهشت في البكاء و كأنها على وشك الإنفجار من كثرة الضغوطات التي شعرت بها منذ وقوع الحادث، بينما هو خطفها بين ذراعيه يربت عليها و هو يقول بنبرةٍ هادئة حتى يُطمئنها:
"علشان خاطري كفاية عياط بقى، بتعيطي ليه ؟! لو بسببي أنا ممكن أضرب نفسي بالجزمة علشان زعلتك، مالك يا خلود ؟!"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"بعيط علشان خديجة....صعبانة عليا أوي هي مش هتعيط و مش هتتوجع بس أنا حاسة إنها موجوعة و صعبان عليها نفسها...يارتني أنا اللي كنت مكانها، كان زماني بعيط و بتوجع عادي، بس هي متعودتش على كدا"
قبل رأسها ثم زفر بقوةٍ بعدها قال مُقررًا:
"لا أنتِ و لا هي يا خلود بعد الشر عنكم انتم الاتنين، أنا مليش غيركم، منها لله منة بقى، بس هما طفوا ناري و خدوا حقي و حق أخواتي منها"
احتضنته هي بشدة تود الاحتماء بأخيها و لأول مرة تعلن «خلود» ضعفها بتلك الطريقة التي لم تجد حلًا أخر غير البكاء الذي شكل هزيمتها بأبلغ الأشكال، بينما «أحمد» حاوطها بذراعيه سامحًا لها تخرج ما يجيش به صدرها، و هي تبكي بقوةٍ حتى امتزج البكاء بصوت الشهقات العالية.
_________________________
فوق سطح البيت جلس «وليد» كعادته و في يده صورتهما سويًا هو و «خديجة» و هما في عمر السابعة، كان يطالع الصورة و الدموع تسيل على وجنتيه، لم يتخيل أنها عانت دون وجوده، تلك التي قسم معها سنون عمره و أيام صغره، تلك الروح التي نُصفت بينهما، لتكتمل كلًا منهما بوجود الآخر مثل التوأم طوال عمرهما، هو حاليًا يشعر بها و بآلمها حتى وغز الدموع الحارقة يشعر به أيضًا، و لكن ما أطفأ نيران صدره هو رؤيته لـ «سالم» يعود بابنته من المشفى و يبدو أن والدتها أكملت فعل العائلة، حينها شعر هو أن حقه أصبح معه، و حينما أخفض رأسه يطالع الصورة بكى من جديد حتى وجد يد أحدهم تُوضع على كتفه، حينها رفع كفيه يمسح فوجد «عبلة» تجلس مقابلةً له و الدموع تلمع في مقلتيها، و حينما أخفض رأسه ينظر للأسفل يحاول إخفاء الدموع، حينها رفعت هي رأسه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"مالك بس ؟! مش خدت حقك و حقها ؟! إيه اللي مزعلك و مخليك كدا يا وليد؟! مبحبش أشوفك زعلان كدا"
زفر هو بقوةٍ فوجدها تمسح دموعه بيدها و هي تقول بصوتٍ باكٍ:
"مالك يا وليد ؟! احكيلي أنا معاك أهو، قولي إيه مزعلك و إيه واجعك و أنا أخد الوجع دا عنك، ريحني الله يرضى عليك"
رد عليه هو بصوتٍ مختنق:
"تعبت....و الله العظيم تعبت و أخري جاب أخره مني خلاص، كل ما فيه حاجة تبقى موجودة تريحني الدنيا تحاربني فيها، ما صدقت ارتحت لما بقيتي ليا، لقيت الدنيا بتبعدنا و شوفت أسبوع صعب....خديجة اللي مقوياني على الدنيا كانت هتروح مني، و دلوقتي بتتوجع و لأول مرة أكون مش معاها، أنا مش هعرف هخسر منين تاني، بس و الله مش قادر على أي خسارة"
أمسكت كفه بين كفيها تربت عليه و هي تقول بنبرةٍ هادئة إلى حدٍ ما:
"مفيش خسارة هتيجي، أنا معاك أهو و مستحيل أسيبك بعد ما جربت أسبوع من غيرك و كان أصعب أسبوع يعدي عليا في حياتي، و خديجة كويسة الحمد لله، صحيح هي هتاخد وقت لحد ما تخف بس هي معانا و إحنا مش هنسيبها، و قولت لياسين يخليها معانا هنا علشان عارفة إنك مش هتتحمل بعدها عنك في الحالة دي، و هو وافق و مقدر، يبقى اطمن و ريح قلبك"
طالعها هو بدهشةٍ فوجدها تضيف مُردفةً:
"اطمن و متخافش هي هتفضل معانا هنا لحد ما أنتَ بنفسك تطمن عليها، أنا اقنعتها و أقنعت ياسين بالعافية، بس الحمد لله وافقوا علشانك"
سألها هو بنبرةٍ تائهة:
"هو أنتِ اللي خلتيهم يوافقوا إنها تفضل هنا !! ياسين صمم يمشي أصلًا....طب ليه؟"
ردت عليه هي بنبرةٍ مقررة:
"علشانكم انتم الاتنين، خديجة لازم يكون معاها حد ياخد باله منها و يراعيها، تقدر تقولي مين هيعمل كدا و هي في بيتها !! و ياسين و شغله ؟! و أنتَ مش هتتحمل إنها تكون تعبانة و بعيدة عنك، علشان كدا كان لازم يفضلوا هنا، كدا أحسن للكل و كدا هنطمن عليكم انتم الاتنين"
تخللت الراحة قسمات وجهه بعد حديثها معه لذلك سألها بلهفةٍ:
"عبلة هو أنتِ خلاص مش زعلانة مني ؟! يعني إنك تسيبيني خلاص شيلتيها من راسك"
ابتسمت له و هي تجاوبه بمرحٍ طفيف:
"أسيب مين يا بني !! قاعدة على قلبك يا وليد طول العمر، معاك في اللي جاي كله لحد ما أنسيك كل حاجة راحت و زعلتك"
أقترب منها هو و على حين غرة قبل رأسها، طالعته هي بخجلٍ فوجدته يفتح ذراعيه وهو يقول بمرحٍ:
"وحشتيني يا سوبيا...."
ارتمت بين ذراعيه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"و أنتَ و الله وحشتني أوي، كل حاجة بايخة و ملهاش طعم من غيرك يا وليد، حتى العمر ميتحسبش من غير وجودك فيه"
ربت بذراعه عليها و باليد الأخرى حاوطها و هو يشعر أخيرًا بالراحة منذ عِدة أيام، تلك التي أشتاق إليها كثيرًا حتى ذلك العناق الذي يجد به ملاذه الآمن، بينما هي استكانت بين ذراعيه و هي تبتسم باتساعٍ بعدما شعرت به يبتسم هو الآخر، فسألته هي بتعجبٍ:
"أنتَ بتضحك على إيه ؟! لو عليا هزعلك يا وليد، دا مبدأيًا يعني"
رد عليها هو مُسرعًا:
"لأ مش عليكي....بضحك على الدنيا، غريبة يا عبلة عمالة تجمع فينا و إحنا أغراب و تفرق بينا و إحنا ملناش غير بعض، عرفت إن ضعفي مبيظهرش غير قصادك و قصاد خديجة، أنا ضعيف من غيركم و ضعيف بضعفكم"
شددت عناقها له و هي تقول بنبرةٍ هادئة تطمئنه بذلك:
"لأ أنتَ مش ضعيف و لا حاجة، أنتَ أحسن واحد في الدنيا كلها و الله، شوفت كتير و اتحملت كتير و لسه بتدي مبتاخدش، أومال أنا بحبك ليه؟!"
قبل رأسها ثم تنهد بعمقٍ، بينما هي سألته و كأنها انتبهت لتوها:
"صح يا وليد هو أنتَ و مشيرة إزاي ضربتوا منة !! اتفقتوا سوا !!"
رد عليه هو مردفًا بثباتٍ:
"قبل ما أطلع قابلت أحمد نازل من فوق و كنت أنا راجع مع خديجة و من شكله عرفت إن فيه مصيبة، وقف و حكالي اللي حصل و أنا طلعت و كنت ناول أطلع روحها في إيدي، بس كدا هركب نفسي عيبة لو ضربت بنت، مفيش راجل مهما كانت رجولته ينفع يمد إيده على بنت مهما كانت أفعالها، لقيت مشيرة عمالة تركز معايا و تبصلي غمزتلها و هي فهمت الغمزة، خوفت تبقى غبية و متجيش بس هي مشيرة برضه، و لحقتني"
ابتسمت هي رغمًا عنها فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم قال بهدوء:
"أنا بكرة هروح لهناء، و دا علشاني و علشانك و علشان حياتنا الجاية مع بعض"
ابتعدت عنه تقول بحذرٍ:
"لو مش عاوز بلاش، ولو حاجة زي دي هتتعبك برضه بلاش، مش أنتَ خلاص معايا و مش هتسبني ؟!"
حرك رأسه موافقًا وهو يقول مؤكدًا:
"عمري يا عبلة ما هسيبك بإرادتي، و عمري ما أقصد ليكي الزعل، أنا عاوز افرح معاكي و عاوز ابدأ أجهز بيتي معاكي بس و أنا فرحان من غير خوف، من غير ما دماغي تلعب بيا، سيبيني أخد الخطوة دي علشان أرتاح"
تحدثت هي بلهفةٍ:
"خلاص خدني معاك"
_"اللي بياخد العباد ربنا ياختي مش أنا، أخدك معايا فين"
رد عليها هو بذلك ردًا غير متوقع منه جعلها ترمقه بغيظٍ فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص خلاص......مش هينفع بكرة و الله علشان هطلع من الشغل على هناك، و علشان تكوني مع خديجة، ممكن ؟!"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له بتفهمٍ فوجدته يغمز لها وهو يسألها بخبثٍ:
"عبلة ؟! مش عاوزة تعرفي ليه بيدار كدا و لا داري كدا ؟!"
ضحكت هي بقوةٍ فوجدته يحتضنها ثم قبل رأسها و هو يشعر براحة غريبة تسيطر عليه بقربه منها، وزادت أكثر مع تأكده من راحتها بجواره، حينها رفع رأسه يطالع السماء كعادته و البسمة الصافية تُزين ثغره.
_________________________
في غرفة «هدير» بعد عودة «حسن» من عند «ميمي» دخل غرفة زوجته ثم أخرج الحاسوب الخاص به ينهي الأعمال المتراكمة عليه، بينما «هدير» جلست بجواره على الفراش و حينما شعرت بالألم يشتد على ذراعها حينها كشفت ذراعها لتجد به جرحًا نتيجة اشبتاكها مع «منة»، زفرت هي بقوةٍ ثم قامت بتخبئته أسفل ملابسها، بينما «حسن» حرك رأسه لها يسألها بتعجبٍ من صمتها:
"ساكتة ليه يعني مش عوايدك؟! مالك يا هدير ؟؟"
ردت عليه تطمئنه بقولها الهادئ:
"لأ أنا كويسة متخافش، بس اليوم كان صعب أوي و أنا مستنية الفجر يأذن علشان أصلي و أنام"
حرك رأسه موافقًا لها ثم أغلق حاسوبه الخاص، ثم خرج من الفراش و توجه يفتح أحد الادراج الموجودة في أثاث الغرفة، ثم عاد لها مرةً أخرى في يده علبة تشبه علبة الاسعافات وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"مينفعش تسيبي الجرح مفتوح من غير ما تطهريه أو حتى على الاقل تمسحيه، دا غباء يا هدير"
ردت عليه هي بخجلٍ:
"أنا شايفاك بتشتغل يا حسن، و مش هعرف أعمله لنفسي لو هدى كانت هنا كنت خليتها تعمله ليا، بعدين أنتَ شوفته إزاي"
ابتسم لها وهو يقول:
"عيني مبتغفلش عنك طول ما أنتِ قصادي، حتى لو بشتغل برضه عيني متبعاكي"
ردت عليه هي بخجلٍ من حديثه:
"علشان عيونك حلوين بس....و أنتَ كمان جواك حلو أوي..."
حرك رأسه يسألها بتشككٍ:
"يا شيخة !! أنا وجودي حلو ؟! دا أنا كنت هقولك أروح الشقة و أسيبك هنا لوحدك ترتاحي مني"
سألته هي بصدمةٍ من حديثهُ:
"هيجيلك قلب تروح الشقة من غيري ؟! خلاص يا حسن زهقت مني؟؟"
ابتسم هو لها بحبٍ وهو يقول:
"مفيش حد بيزهق من ونيسه في الدنيا يا هدير، أنا مليش غيرك أنتِ في كل الدنيا، و دا بجد، شيلي من دماغك حكاية أني ازهق منك دي علشان مش هيحصل أصلًا"
ابتسمت له براحة، بينما هو كشف ذراعها ثم بدأ في تمضيض الجرح و معالجته و هي تبتسم له فوجدته يسألها بتعجبٍ:
"مش بيوجعك !! أنا قولت هتفرجي عليا الناس"
ردت عليه هي بسخريةٍ:
"مقارنةً باللي خديجة فيه يبقى كدا عبط و دلع، دي يا حبيبتي تعبانة أوي و وئام قال إن الكتورة قالتله بليل هتتعب لما البنج مكان الخياطة يطير و مسكن العضم يروح، صعبانة عليا أوي"
رد عليها هو بأسى:
"للأسف هي ملهاش ذنب في حاجة و دا اللي يضايق أكتر، بس ربنا رحيم بعباده و أكيد هيصبرها على الآلم، أنا كنت عاوز أقولك أني فرحان بيكي"
حركت رأسها بتعجبٍ للخلف من جملته الأخيرة فأضاف هو مفسرًا:
"فرحان بيكي علشان أنتِ دافعتي عن بنت عمك و كنت واقفة في ضهرها، موقفك دا يستاهل التقدير، ربنا يخليكم لبعض يا هدير"
ابتسمت له هي بفرحة عارمة سيطرت على ملامحها و نظرتها بعد حديثه، فوجدته يعود من جديد لتمضيض الجرح ثم وضع عليه اللاصق الطبي، بعدها رفع رأسه لها وهو يقول بمرحٍ طفيف:
"أي خدمة يا ستي، بقيت تمرجي علشانك أهوه، المهم إنك تكوني مرتاحة و مفيش حاجة بتوجعك"
حركت رأسها موافقةً فوجدته يجلس بجانبها ثم اخفض جسده على الفراش حتى ينام، بينما هي التصقت به ثم قالت أمرةً له:
"احضني يا حسن....هو أنا لازم أقولك ؟!"
تعجب هو من طريقتها لكنه أخفى تعجبه ثم رفع ذراعه يحتضنها فوجدها تبتسم له وهي تقول بمرحٍ:
"شاطر يا حسن برافو عليك....خليك صاحي بقى علشان تصحيني أصلي الفجر"
رد عليها هو بضجرٍ طفيف:
"صبرني يا رب، حاضر يا هدير نامي و أنا هفضل صاحي و أصحيكي تصلي الفجر"
رفعت رأسها تقبله ثم عادت لموضعها من جديد وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
"أقولك على سر ؟!"
سألها هو بمرحٍ ساخر:
"أنتِ اللي قتلتي موفاسا ؟!"
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ الحمد لله، بس بجد هكلمك جد و الله مش هزار و مش عارفة ليه عاوزة أقولك كدا"
حرك رأسه لها بريبةٍ من حديثها فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
"لما كنت بتيجي البيت هنا عند عمو مرتضى كنت بستغربك أوي، حاجة جوايا كانت بتخليني أفكر فيك اللي هو إزاي عايش لوحده كدا و بيجي هنا يقعد معاهم، بصراحة ساعات تانية كنت بخاف منك،
علطول كِشري و مقفل، بس ساعة الانتحار ساعتها كلامك كان حلو أوي، و خلاني أبدأ أصلي من تاني، ساعتها عرفت إن لُقانا مكانش صدفة يا حسن، و اتأكدت أكتر لما حصل موضوعي و بقيت مراتك، اتعلمت منك كتير ، أهم حاجة هي قلبك الطيب اللي علطول بيهون على الكل و حاسس بيهم، عاوزة أقولك أني فرحانة بموقفك مع ميمي، أنا حاسة إننا اتنين كانوا ضايعين لقوا طريقهم عند بعض"
ابتسم هو لها بسمته الصافية فوجدها تبتسم له و هي تقول بمشاكسةٍ:
"بس برضه ساعات بحس أني هتشل منك، يعني كل دا و مردتش عليا، طب إيه طيب"
قبل رأسها بهدوء ثم طالع عينيها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هدير أنا بحبك"
اتسعت بسمتها أكثر وهي تقول بهيامٍ بعد حديثه:
"شوفت كل اللفة دي علشان أسمعها منك !!، بحب أسمعها منك أوي يا حسن"
ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
"و أنا مبحبهاش، بس بحبك أنتِ"
قبل أن ترد عليه تناقشة صدح صوت المؤذن، فأشار لها وهو يقول:
"الفجر يلا علشان نصلي"
سألته هي بحماسٍ:
"هتصلي بيا يا حسن ؟!"
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فوجدها تقبله على وجنته ثم ركضت من جواره بمرحٍ جعله ينظر في أثرها بفرحةٍ هو الأخر.
________________________
في غرفة «خديجة» صدح صوت هاتفها عاليًا يعلن عن موعد أذان الفجر، فاستيقظت هي على أثر الصوت لكنها تأوهت حينما نسيت و حاولت تحريك ذراعها، بينما «ياسين» أستيقظ على صوت ألمها وهو يقول بخوفٍ:
"خديجة !! أنتِ كويسة ؟! مالك"
ردت عليه هي بصوتٍ متقطع:
"أنا كويسة.....متخافش....بس نسيت و حركت كتفي....يلا علشان تصلي الفجر"
حرك رأسه موافقًا ثم تحرك من جانبها فوجدها تسأله بتعجبٍ:
"هو أنا هصلي إزاي يا ياسين ؟! عاوزة اتوضا"
ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هنصلي سوا يا خديجة، هحطلك كرسي تقعدي عليه، تعالي بس علشان أوضيكي"
ابتسمت له هي بحبٍ فوجدته يحملها على يده، حينها تحدثت بخجلٍ:
"يا ياسين سيبني أمشي طيب، الجبس اتقل مني أساسًا"
رد عليها هو بسخريةٍ:
"هو أنتِ فيكي حاجة يا خديجة ؟! و بعدين مينفعش تدوسي على رجلك و هي متجبسة"
خرج بها من الغرفة حتى يتوجه بها نحو المرحاض لكنه تفاجأ بوالدتها في الممر المؤدي للغرف و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"كنت لسه هصحيك علشان تصلي يا حبيبي، دخلها معلش علشان اوضيها"
أومأ لها موافقًا ثم ادخلها المرحاض، بينما «طه» جلب طبقًا كبيرًا ثم وقف بجانب زوجته يعاونها في التعامل مع «خديجة» بينما «ياسين» وقف تائهًا، فتحدثت «خديجة» قبل أن تبدأ الوضوء توجه حديثها له:
"ياسين أوضة أحمد فيها حمام، ادخلها هو صاحي علشان يصلي الفجر برضه"
تدخل «طه» مؤيدًا حديثه:
"روح يا ياسين عند أحمد بدل ما تقف تستنى، لسه الإقامة بتاخد وقت"
رد عليه هو بثباتٍ:
"لأ أنا هصلي بخديجة هنا مش هقدر انزل معاكم المسجد، هي مش هتعرف تصلي لوحدها"
ابتسم له «طه» بتفهمٍ، بينما «ياسين» تركهم ثم توجه لغرفة «أحمد» يطرق بابها، فتح له الباب وهو يبتسم له، فتحدث «ياسين» بحرجٍ منه:
"معلش يا أحمد هتوضا عندك هنا علشان هما بيوضوا خديجة هناك، لو مش هزعجك يعني"
رد عليه هو بسخريةٍ:
"لأ هتزعجني و جامد كمان، يا عم البيت بيتك خُد راحتك، هروح أصحي الجثة خلود، دي فيها ٣ ساعات"
ابتسم له «ياسين» بينما «أحمد» دله على المرحاض في غرفته ثم توجه نحو غرفة شقيقته و كالمعتاد وجدها نائمة على الفراش و الهاتف في يدها، ابتسم هو بسخريةٍ عليها ثم أخذ الهاتف يفتحه حتى يقوم بتشغيل الصوت حتى يعاونه في إيقاظها، لكنه تفاجأ حينما وقع بصره على حساب «عمار» عبر موقع الانستجرام و «خلود» تتصفح صوره !! اتسعتا حدقتيه بقوةٍ و هو يفكر فيما بينهما حتى تتصفح شقيقته صوره و حسابه الخاص عبر موقع الصور، بالطبع الموضوع لم يكن خيرًا خاصةً أن شقيقته لم تكن من ذلك النوع الذي يكترث بتلك الأشياء، فكيف له أن يتصرف في تلك المُشكلة؟!