رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم شمس بكري


 

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والثلاثون


كل مُدن الجمال عادية أمام عيونك....كُل الأماكن شاغرة و إن كانت مزدحمة؛ بدونك
_________________________

الطيور على أشكالها تقع و أنا طيرٌ حُر و أنتِ لم تليقين بي، سبق و قلبي طلب منكِ الوصال، فـ تعاليتي عليه بالدلال، و بعدما دار الزمان رغبتي في وجودي ظنًا منكِ أنني أصبحتُ أمرًا مُحال، صدق من قال تأتي الرياح بما لا تشتهيه السُفن، فها أنتِ أتيتِ و أنا أؤكد لكِ أن وجودي مَعكِ يُشبه الخيال.

_"أنا كمان بحبك يا أحمد، و بحبك أوي كمان"

تفوهت «منة» بذلك بعدما أمسكت كفه على عين غُرة و كأنها ترد على اعترافه لها، بينما هو رمش بأهدابه ببلاهةٍ لا يصدق حديثها، و على الطرف الأخر وقفت كلتاهما تتابع ما يحدث بعدما أخرجت «خلود» شهقةً قويةً و «سلمى» بجوارها دموعها تنزل رغمًا عنها و حينما همت بالمغادرةِ أمسكتها «خلود» و هي تقول بنبرةٍ جامدة:

"اقفي نشوف أخرتها، متكرريش غلط ناس قديمة مرة تانية و تتسببي في جروح للناس"
طالعتها بعينيها الدامعتين بنظرةٍ تائهة، فوجدتها تومأ لها برأسها تحثها على التوقف حتى تتابعا ما يحدث و قبل أن تتحدث «سلمى» أوقفتها الأخرى بقولها الصارم:
"وعد مني يا سلمى، لو حصل حاجة تزعلك أنا بنفسي هاخد حقك حتى لو منه هو"

بكت «سلمى» من جديد و هي تحرك رأسها تطالعهما سويًا، فوجدتها تسأله بتعجبٍ من صمته:
"أنتَ ساكت ليه يا أحمد ؟! بقولك بحبك أنا كمان و عارفة إنك بتحبني، رد عليا"

حرك رأسه للأسفل ينظر لكفها الذي يمسك كفه فابتسم بسخريةٍ ثم ابتعد عنها يزفر بضيقٍ منها و من تصرفاتها، فسألته هي بقلقٍ:
"أنتَ ساكت ليه؟! مش أنتَ بتحبني؟! قول و متداريش يا أحمد"
أغمض عينيه بألمٍ ثم التفت لها يقول بنبرةٍ جامدة:
"أخـــرسي !!"

اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدته يقول منفعلًا في وجهها:
"أحب مين ؟! أحبك أنتِ ؟! ليه هو أنا مجنون علشان أبلي نفسي بيكي ولا إيه ؟!"

ابتسمت «خلود» على الطرف الأخر بينما «سلمى» تبدلت نظرتها إلى الدهشة من حديثه فوجدته يتابع من جديد:
"أنتِ مينفعش تتحبي يا منة، و لا ينفع حتى أفكر فيكي مجرد التفكير، أنتِ هوا"

ردت عليه هي بلهفةٍ:
"بس أنتَ كنت مهتم بيا قبل كدا و نظراتك كمان، أنا عرفت النهاردة"

ابتسم هو بسخريةٍ وهو يقول:
"سبحان الله !! عرفتي النهاردة و أنا جايبك من خناقة شباب عليكي ؟! و بعدين أنا كنت أهبل لما فكرت فيكي، كنت فاكر نفسي بفكر في الهنا طلعت بظلم نفسي و قلبي معاكي، فوقي يا منة"

حركت رأسها بتعجبٍ و هي تقول بغير تصديق:
"يعني إيه؟! أومال موقفك معايا النهاردة كان إيه؟"

رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"كان موقف رجولة لواحدة متعرفش يعني إيه أدب و أخلاق، أنا واحد طالع من شغلي لقيت شباب بيتخانقوا على بنت و هي واقفة فرحانة بنفسها، و لولا العشرة و وجود حسن معايا أنا كان زماني مشيت عادي"

سألته هي بنبرةٍ تائهة:
"أنا كنت فكراك غيران عليا، نظراتك كانت بتقول إنك متضايق"

_"منك....أنا متضايق منك أنتِ، اللي بتعمليه في نفسك صعب أوي، خروج و سهر و شلة و لبس ضيق، و حجاب ساعات و ساعات، لولا أني عارف إن أهلك ناس طيبين كنت غلطت فيهم"

رد عليها هو بذلك بنبرةٍ جامدة يلقي بسهام حديثه أمام وجهها، و الأخرتين تستمع له في الخلف، أما هي حينما رأت فشل ما أتت لفعله، سألته بلهفةٍ مرةٍ أخرى:
"أنا ممكن أسيب كل دا علشانك، ممكن اتغير لو أنتَ هتساعدني"

رد عليها هو بثباتٍ:
"و أنا مش عاوزك أصلًا علشان اساعدك، أنا واحد في حالي مش بتاع قرف، مينفعش اروح أربط نفسي بالقرف كله، مشكلتك إنك فاكرة نفسك حاجة"

طالعته بدهشةٍ من طريقته الفظة معها فوجدته يقول بنبرةٍ جامدة:
"مش مستوعبة صح ؟! أنا غلطت مرة زمان لما فهمت عيني إنها مشغولة بيكي، و دي الحقيقة أنتِ مشغلتيش غير عيني بس، لكن لما عرفت يعني إيه القلب يحب عرفت إنك بالنسبة ليا مجرد حاجة بتعدي قدام العين و خلاص، لكن تتحبي لأ"

سألته هي بتهكمٍ:
"و هو أنتَ بقى بتحب مين؟"

رد عليها هو بتبجحٍ:
"مش شغلك أنا بحب مين، حاجة متخصكيش، اللي بحبها دي حاجة متتقارنش بحد أصلًا، منة خرجيني من دماغك أحسن"

ردت عليه بثقةٍ:
"مش هعرف خلاص، اتشغلت بيك زي ما أنا شغلتك قبل كدا"

تهجمت ملامح وجهه و هو يقول بسخريةٍ لاذعة:
"المصيبة إني كنت بفتكرك غصب عني، عارفة أنتِ عاملة زي إيه ؟! أنتِ عاملة زي الصداع يا منة، بيجي بالغصب للإنسان، بس لو ريح حبة حلوين و خد مُسكن هيرتاح، هو أنتِ كنتي صداع بس الفرق أني مخدتش مسكن، أنا خدت علاج نهائي منك لما سلمت قلبي للي ضامن إنها تستاهله، زي ما أنا بحارب علشان استاهلها"

ابتسمت «سلمى» بفرحٍ و هي تجاهد حتى لا تركض إليه تحتضنه بعد حديثه، بينما «خلود» تحدثت تقول بفخرٍ:
"توب الرجولة متفصل عليه، حبيب قلب أخته دا"

في الداخل اقترب هو منها ثم قال بجمودٍ و بطريقةٍ فظة:
"خرجيني من دماغك زي ما أنا عميت عيوني عنك، علشان اللي زيك مرار للقلب، و أنا قلبي واخد على الورد ملوش في الصبار....ها هتعرفي تنزلي و لا أنزلك أنا، بس بطريقة مش كويسة خالص"

رمقته بغيظٍ ثم التفتت حتى تتركه، فوجدته يقول بخبثٍ من خلفها:
"منة ؟! اللي حصل النهاردة كله من أوله لأخره مش هجيب سيرته لحد، و أنا فاهم أنتِ كنتي طالعة ليه، أنا مش واطي علشان أروح أقول لأهلك على عمايلك السودا و أقهرهم، بس لو كترتي ساعتها لساني هيفلت و أنا لساني لو فلت بيبقى صعب"

غادرت من أمامه و قبل أن تخرج من الباب وجدتهما أمامها و كلتاهما تنظر لها بتشفٍ، فبادلتهما النظرة بأخرى متوعدةً، ثم تحركت من المكان، فركضت «خلود» نحو شقيقها تحتضنه و هي تقول بفخرٍ:

"أنا فرحانة بيك أوي، أنتَ تستاهل كل خير يا أحمد"
ابتسم هو على طريقتها ثم لف ذراعيه حولها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا اللي فرحان بيكي و فخور إنك أختي يا خلود، أنا بحبك أوي على فكرة"

ابتعدت عنه و هي تبتسم له فوجدت «سلمى» تقترب منهما و هي تبتسم بخجلٍ و عينيها يكسوها الاحمرار، فحمحم هو بتوترٍ حتى يُجلي حنجرته، فوجدها تنبس بترددٍ و كأنها تجاهد حتى تتفوه أمامه:

"بص أنا أسفة، بس أنا مشيكتش فيك و الله، بس للحظة خوفت أكون بوهم نفسي، خوفت تحصل حاجة تكسر عشمي فيك، بس أنا بشكرك يا أحمد علشان مخيبتش ظني، و شكرًا علشان تستاهل محاولاتي علشانك"

ابتعد عن شقيقته ثم اقترب منها يقف مقابلًا لها و هو يقول بنبرةٍ متريثة:
"أنا من الأول بصيت لعيون غُرب على قلبي و كنت فاكر هتونس بيهم، كنت زي اللي اختار الغربة يعيش فيها تايه و يسيب وطنه، أنا عمري ما حبيتها، علشان أنا مبحبش الغُربة"

ابتسمت هي له فوجدته يغمز لها، أخفضت رأسها بخجلٍ منه، فأمسكت «خلود» يدها و هي تبتسم بثقةٍ هي الاخرى و قبل أن تتحرك أيًا منهما، سألهما هو بتعجبٍ:
"صح هو انتو طلعتوا إزاي ؟! إيه اللي طلعكم هنا؟!"

ردت عليه «خلود» مُردفةً:
"كنا تحت و شوفناك و أنتَ طالع قولنا نطلع نرخم عليك شوية، مكنتش أعرف إن الحربوئة دي هنا، بس هو إيه اللي حصل علشان تقولك موقفك معايا؟"

زفر هو بقوةٍ ثم قال معاندًا لها:
"أنا مش هقولك علشان أنتِ سمعتي كل حاجة، و دي بنت زيك، يعني لمي نفسك بدل ما ألمك أنا"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"هتشل لو معرفتش التفاصيل، طب بص احكي حاجات مبالغ فيها و أنا هخمن معاك"

ابتسم رغمًا عنه لهما ثم تحرك من أمامهما متجاهلًا نظرة الفضول التي تنبثق من عينيها، و بمجرد خروجه ابتسمت لرفيقتها ثم احتضنتها بقوةٍ ورافق فعلتهم تلك أصوات صراخ مُبهجة.
_________________________

في الأسفل نزلت السيدات بالطعام للرجال حتى يتناولون العشاء معًا، و خلفهن «مُشيرة» بصينية كبيرة عليها العديد من أنواع الحلويات التي قامت هي بإعدادها و هي تقول بمرحٍ:

"عملالكم شوية حلويات كدا تتسلوا بيها بعد الأكل إنما إيه، يا رب تعجبكم"

ابتسموا لها جميعًا، بينما «عامر» اقترب منها يقول بمرحٍ:
"وريني يا عمتو عاملة إيه ؟! و لا أقولك يا حجة مشيرة؟"

ضحكوا جميعًا عليه، بينما طالعته هي بحنقٍ و هي تقول:
"أنتَ قلبك أسود ليه ياض أنتَ ؟! و بعدين الحلويات دي علشانهم كلهم مش علشانك أنتَ"

رفع طرف أنفه يرمقها بوجهٍ ممتعض فوجدها تبتسم له ثم قالت بنبرةٍ مرحة:
"بهزر معاك خلاص، أمسك الصينية دي مني، و أنا هطلع أعملكم الشاي"

رد عليها «ياسين» مقاطعًا لها بمرحٍ:
"لأ متتعبيش نفسك، أنا هعمله ليهم، أنا تخصص شاي في العزومات و المناسبات"

رد عليه «خالد» متدخلًا:
"أيوا بصراحة الليلة دي مش هيظبطها غير ياسين و الشاي بتاعه، مهندس فيه"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص بألف هنا عليكم، أنا هطلع علشان أشوف الستات و أعشيهم هما كمان، لو احتاجتوا حاجة كلموني"

رد عليها «عامر» بمرحٍ حتى يشاكسها:
"ألف شُكر يا حجة، ربنا يكرمك"

رمقته بغيظٍ فوجدته يقول بنفس مرحه المعتاد:
"بهزر يا عمتو، أنتِ شكلك لسه مخدتيش عليا"

طالعته بيأسٍ ثم غادرت من أمامهم، بينما هو نظر للحلويات بين يديه و هو يقول باشتهاءٍ واضح في نبرته:
"يلهوي يا جدعان، أنا و الحلويات دي كلها لوحدنا !! و مع بعض"

رد عليه «وليد» بحنقٍ:
"نعم يا روح أمك ؟! بتاعتنا كلنا، أنا بقالي أسبوع باكل من الشارع و دوقت المُر، عاوز حاجة حلوة تنسيني بقى"

رد عليه «عامر» بتهكمٍ:
"و هو أنتَ فاكر نفسك خليل مطران؟ رايح تبكي على الأطلال قدام البحر؟ اتوكس، أنا لو مكانك كنت طلعت كلت لقمتين حلوين و شربت كوباية شاي و لا كأن حصل حاجة، قولتلك قبل كدا كل مشكلة ليها اوردر أكل"

بعد حديثه ركض «وليد» فجأة فوجده يفر هاربًا نحو الداخل و هو يصرخ و الحلويات معه، و مع ارتفاع الضحكات عليهما، نظر «حسن» لـ «عمار» و هو يقول بيأسٍ ممتزجًا بالحيرة:
"هو أنتَ أخوه إزاي ؟! بجد و الله، إزاي بطن واحدة هي اللي شالتكم أنتو الاتنين ؟!"

ابتسم له «عمار» و هو يقول بيأسٍ و قلة حيلة:
"قسمتي و نصيبي، بس حظي الحلو إنه أخويا علشان بصراحة طول عمره في ضهري"

ربت «حسن» على كتفه و هو يقول بفخرٍ:
"ربنا يباركلك فيه، عامر قلبه أبيض و طيب و دمه الخفيف هو اللي محبب الناس فيه"

أنهى جملته فوجد «عامر» و بجانبه «وليد» يضع يده على كتفه و كليهما يتذوق من الحلويات و كأن شيئًا لم يكن، و هما يضحكان سويًا بصخبٍ جعل الأعين تتابعهما بتعجبٍ، فتحدث «طارق» يقول ساخرًا بتعجبٍ:
"دا سحر أسود أكيد، خليهم هما في الحلويات و سيبونا إحنا مع الأكل الحلو دا"

أيده الجميع و هم يلتفون حول المائدةِ التي أعدتها فتيات العائلة و نسائها، بينما «عامر» ترك «وليد» و الحلويات ثم ركض يجلس على الطاولة وسطهم، فتحدث «وليد» يقول بضجرٍ:

"أنتَ واطي يا عامر، سبتني علشان الأكل، طب و ربي ما فيه حلويات تاني ليك"

لوح له بيده وهو يقول بلامبالاةٍ:
"مش مهم كلت منها كتير، يلا بس تعالى ناكل علشان نشوف ورانا إيه"
_________________________

في الطابق الأول اجتمعت نساء العائلة بأكملها حول المائدة الطويلة و كانت تلك المرة الأولى التي تجتمع فيها النساء مع بعضها دون أن ينقصهن واحدةٍ، كانت جلستهن مريحة و مرحة خالية من الشوائب القديمة التي كانت تحتل نفوسهن، و فجأة تحدثت «مشيرة» تسأل بتوترٍ طفيف و هي تحاول فتح الحديث مع «خديجة»:
"بقولك صح يا خديجة ؟! كلمتي أهل ياسين و البنات علشان يجوا بكرة ؟! يعني... يقضوا اليوم معانا و يفرحوا بالعقيقة"

طالعهما البقية بقلقٍ، بينما «خديجة» حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"كلمتهم و هيجوا إن شاء، و أكدت عليهم يجوا بدري"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم لها فوجدتها تحرك رأسها موافقةً ثم أخفضت رأسها تنظر في الطعام أمامها و هي تحاول الثبات أمام الجميع، حتى وجدت «خلود» تميل على أذنها تقول بهمسٍ:

"فيها عِبر الدنيا كلها، بس عليها طبق حلويات و طاجن أم علي يخليكي تبلعي ليها الزلط"

حاولت «خديجة» كتم ضحكتها فوجدتها تضيف بنفس الهمس:
"و الحاجة التانية هي جميلة بنتها، البت دي عسل أوي و تتحب، عيبها الوحيد إنها بنت مشيرة"

زادت ضحكتها أكثر من قبل فوجدتها توكزها في ذراعها حتى تلفت الأنظار عليهما، بينما «هدى» تحدثت تقول بنبرةٍ مرحة:
"إحنا نبوس فارس بقى علشان جمعنا كلنا سوا كدا، و الله دا يوم ولا في الأحلام"

ردت عليها «زينب» بطيبتها المعتادة:
"ربنا يباركلك فيه يا هدى و تفرحي بيه أنتِ و وئام"

ابتسمت لها «هدى» و هي تؤمن وراء دعائها، و من بعدها استمرت الأحاديث الفرحة و «عبلة» معهن تتحدث بمرحٍ و كأنها تبدلت إلى واحدةً أخرى بعد عودته حتى شاكستها «جميلة» بقولها:
"شوف اللي كانت منكدة علينا كلنا، عمالة تتكلم و تضحك كمان"

ردت عليها هي بضجرٍ يشبه ضجر الأطفال:
"يا رخمة متفضليش تفكريني كل شوية، و بعدين أنا كنت مكتئبة علشان وليد كان بعيد عني، صحيح في قربه مبهدلني، و بقعد بالأسبوع معرفش عنه حاجة بس أنا مليش غير قربه و وجوده"

ابتسموا لها جميعًا فقالت هي بنبرةٍ بها خجلٍ من فِعلتها القديمة:
"زي ما هو اتوجع مني كان لازم أجرب اللي هو شافه، مع إن دا ميجيش نقطة في بحر وجعه، بس أنا مش هسيبه تاني، و مش هينفع اسيبه"
كانت النظرات لها بين فخورة و بين أخرى متعاطفة و بين أخرى نادمة على ما فعلته، و لكن أكثرهم كانت مراعاةً لها هي «خديجة» التي أشارت لها حتى تتحدث مع بعد انتهاء الطعام.

أنهوا طعامهم و قاموا بتنظيف الطاولةِ ثم تحركت «خديجة» أولًا و «عبلة» خلفها بخجلٍ، حتى ابتسمت لها ثم قالت برقتها المعتادة حينما رآت رأسها المنكسة للأسفل:
"ارفعي راسك يا عبلة، متتكسفيش مني، مالك؟"

تهدج صوتها و هي تقول بنبرةٍ أوشكت على الاختلاط بالبكاء:
"علشان كنت سبب في زعل وليد....أنا عارفة غلاوته عندك عاملة إزاي، و أنا المرة دي اتغابيت كتير، أنا أسفة علشان حطيت نفسي في مقارنة واحدة معاكي، كان لازم أفهم إنك متتقارنيش بحد"

ردت عليها هي بنبرةٍ هادئة كعادتها:
"و أنا مش زعلانة منك و هو أكيد مش هيزعل، وليد طيب أوي و حنين يا عبلة، هو بيحاول علشانك و مشيل نفسه الذنب، بس هو ملوش ذنب إن كل دنيته تعانده كدا، وليد جميل أوي و الله، و على فكرة هو فعلًا مينفعش نتقارن ببعض، لأن أنا أخته و مهما كان علاقتي بيه هتفضل علاقتك بيه ليها نظرة تانية، علشان أنتِ مراته و حبيبته و شريكته في الحياة اللي ربنا قسمها له هو، يعني روح واحدة و ربنا ألِف بين قلوبكم سوا علشان تكملوا الطريق مع بعض، مينفعش حد عاقل يقارن بين الأخت و الزوجة لأن غصبٍ عننا المشاعر مختلفة، هتفضلي أنتِ برضه ليكي مكانة تانية"

رفعت رأسها و هي تطالعها بدموعها و تقول:
"وليد طول عمره معتبرك محطة أمان، طول عمره شايف فيكي حاجة غير الكل، منكرش أني كنت بستغربها ساعات، بس لما كان بيتكلم في الليلة اللي دي، قالي إنك الوحيدة اللي مكسرتيهوش، وليد شاف معاكي كتير أوي يخليه ميأمنش لحد غيرك يا خديجة، ياريت أقدر اساعده و أساعد نفسي معاه"

ابتسمت لها و هي تقول:
"هتساعديه، طول ما قلبك محركك معاه هتساعديه يا عبلة، خليكي معاه و حاوطيه، اتكلمي معاه و شاركيه اللي جاي و فكري معاه في بيتكم و حياتكم، بلاش لما هو يبعد تسكتي أنتِ للبعد دا، وليد طول عمره نفسه في مأوى يشبه قلبه، و أنتِ جميلة زيه بس محتاجة تتحركي معاه شوية علشان تقدري تعدي معاه السكة"

حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ فوجدتها تربت على يدها و هي تحثها على الحركة خلف قلبها و الانصياع له.
_________________________

في الأسفل عند الشباب أجتمع «حسن» مع «أحمد» في الشرفة و هو يقص عليه ما حدث مع «منة»، و بعدما انهى سرده سأله الأخر بنبرةٍ جامدة:
"تحب اربيهالك ؟! دي بجحة أوي ، ليها عين تتكلم بعد ما شوفناها في موقفها دا؟! واحدة تانية تحط عينها في الأرض مننا"

زفر هو ثم قال:
"أنا ربيتها بالكلام و لو عملت حاجة تاني أنا هقول لعم سالم أحسن، أنا ما صدقت حياتي تنضف شوية يا حسن، على يدك كنت خاربها و مطنش للدنيا كلها، مش عاوز أرجع تاني أحمد القديم، أنا عاوز أفضل أحمد اللي بيحارب علشان سلمى"

ربت «حسن» على كتفه بفخرٍ ثم قال بهدوء:
"يبقى خلاص شيلها من دماغك زي ما شيلتها من قصاد عينك، و افتكر إنك بتحاول و محدش بيحاول و محاولته بتضيع، افتكر يا أحمد إن المحاولة نفسها هتعلمك كتير أوي"

حرك رأسه موافقًا له ثم تحرك من أمامه يجلس مع الشباب في الخارج، بينما «حسن» ابتسم وهو ينظر في أثره ثم تنفس بعمقٍ و بعدها أخرج هاتفه حينما وصلته رسالةٍ منها فابتسم بشدةٍ حينما وجد المكتوب:

"ها نقيت الرز و لا لسه يا أبو علي؟"
أسفل تلك الجملة ارسلت له رمزًا تعبيريًا و هو غمز بطرف العين و كأنها تشاكسه، فتحولت بسمته إلى ضحكةٍ طفيفة ثم ارسل لها بسخريةٍ:
"لسه ياختي، كنا بناكل و بعدها كل واحد هيقعد يعمل حاجة، بس خير يعني بتكلميني ليه؟"

عند رؤيتها للرسالة، ارسلت له بضجرٍ و أصابعها تتحرك بعنف:
"أنا متربيتش بطمن عليك، روح شوف كنت بتعمل إيه أنا غلطانة"

أبتسم هو عند رؤيته لرسالتها و خصيصًا و هو يتذكر هيئتها اثناء الكتابة، لكنه قام بتسجيل رسالةٍ صوتية بصوته الرخيم:
"خلاص يا ستي بهزر معاكي، و كويس إنك كلمتيني أنا واقف لوحدي في البلكونة و مش شايف القمر و كنت قلقان، بس طلعت بكلمه أهوه"

أرسل لها رسالته و هو يبتسم بخفةٍ و أعينه ينبثق منها شعاع الفرح لما يشعر به بسببها هي، بينما هي في الأعلى ارتدت سماعتها حينما رآت رسالته الصوتية و هي تجلس وسط النساء، و حينما استمعت لكلماته و صوته، تنفست بقوةٍ ثم ارسلت له بأنامل مهتزة:
"طب كدا أنا اتثبت منك و دي حاجة جديدة عليا، قولي مش محتاج مساعدة؟"

ارسل لها كتابةً:
"لو أنتِ اللي هتساعديني أنا محتاج جدًا بصراحة و محتاس، لو حد غيرك، اطمني جوزك جامد"

ابتسمت هي مرةً أخرى ثم أرسلت له مُلصقًا و هو عبارةٍ عن قلبًا باللون الأحمر و أسفلة جملة
"خلي عندك قلب و دوس على القلب"

قطب جبينه بتعجبٍ عند رؤيته تلك الجملة و ضغط على الملصق فوجد صورته تظهر له و أسفلها:
"طلعت أنتَ اللي جوة القلب"

ضحك هو بقوةٍ حتى وصلت ضحكته إلى القهقهات من طريقتها الغريبة، و من بعدها ارسل لها كتابةً:
"لو أنا جوة القلب فأنتِ كل القلب"
اغلق هاتفه بعدها ثم وضع في جيبه و من بعدها خرج للشباب يجلس معهم و يحظى بمرحهم، فوجد الضحكات تنتشر بقوةٍ و هم يسخرون على بعضهم، فسأل هو بتعجبٍ:
"خير مين اللي معمول عليه الحفلة و بيتضحك عليه؟"

رد عليه «ياسر» بنبرةٍ ضاحكة:
"عامر، بيحكيلهم إزاي اترفد اسبوع من المدرسة بسبب علبة كُشري"

طالعه بتعجبٍ فوجده يقول بفخرٍ:
"أنتَ مكنتش موجود، بص يا سيدي كنت جعان و طلبت معايا أكل كشري في المدرسة، المهم أني طلبت من الفراش و هو مرضاش يخرج، روحت واقف على السور بس منطتش مهمًا كان أنا برضه عندي أخلاق، و حدفت الفلوس للراجل بتاع الكشك و قولتله يجبلي علبة كشري و هاخد من عنده إزازة بيبسي، و هو وافق، المهم المديرة مكتبها بيطل على المدرسة كلها، شافتني و أنا قاعد على السور، صرخت من فوق و فضلت تزعق، روحت ناطط لبرة من خضتي، و دخلت الكشك لحد ما عمو جه، و من غبائي بقى طلعت على السور تاني بس خوفت على علبة الكشري تبوظ لو نطيت بيها علشان أنا كنت مخلي الراجل يمسكهالي، قولت خلاص أقعد أكلها و نبقى نشوف الحوار هيخلص على إيه، و يدوبك خلصت علبة الكشري و لسه هطلب منه البيبسي لقيت المدرسة كلها واقفة تحت السور، و من هنا لهنا خدت رفد أسبوع و أسمي اتكتب على لوحة المشاغبين طول الترم"

زادت الضحكات مرة أخرى عليه، فقال «وئام» بيأسٍ:
"أنا كنت فاكر إن مفيش حد شقي في الدراسة و بتاع مشاكل غير وليد أخويا، الحمد لله طلعت نسخة منه بس بمرح شوية"

تحدث «ياسين» يسأله بتعجبٍ:
"هو وليد كان زي الأستاذ كدا ؟!"

رد عليه «طارق» بضجرٍ حينما تذكر:
"من ابتدائي و هو بيجيب مصايب، مرة كسر لواحد سنانه علشان خديجة، و ساعتها دفعنا فلوس لأبوه علشان يسكت"

اتسعت أعينهم بدهشةٍ فقال هو بجمودٍ:
"أعمل إيه يعني ؟! واحدة نزلالي تعيط و تقولي يوسف ضربني بالقلم، أسمي على أمه؟"

سأله «ياسين» بحنقٍ:
"هو عملها إيه الحلو دا إن شاء الله؟! يعني أيه يضربها يعني؟"

رد عليه «حسن» بسخرية:
"يا عم دا كان من زمان، أنتَ مزعل نفسك ليه؟"

تحدث «وليد» يقول بثباتٍ:
"الحلو كان واقف على الفصل و هما صغيرين و هي جنبها صاحبتها بتكلمها، و هو علشان يثبت نفسه قدام صاحبتها علشان بيحبها رسم الشبحنة على وش أختي"

سأله «عمار» بحذرٍ و ترقب:
"طب هو لما عمل كدا أنتَ عملت إيه؟"

ابتسم هو بثقةٍ و هو يقول:
"هو رسم بالشبحنة على وش أختي، و أنا رسمت بالكرامة على رجولته"
اتسعت الأعين بقوةٍ بينما هو عاد بذاكرته إلى الماضي و هو يقص عليهم ما حدث

( منذ عدة سنوات) 
في وقت الفسحة الدراسية و حينما كان «وليد» في الصف الأول الاعدادي و «خديجة» في الصف السادس الابتدائي، نزلت له و هي تبكي بقوةٍ و وجنتها حمراء و كأنها ملتهبة و ما جعل الأمر يزداد سوءًا هو تورمها، فسألها هو بخوفٍ:
"مالك يا خديجة ؟! مين عمل فيكي كدا مين مد إيده عليكي"

ردت عليه هي من بين شهقاتها:
"يوسف....يوسف اللي معايا في الفصل، سما كانت بتكلمني و هو جه ضربني أنا علشان كان واقف على الفصل.....أنا معملتش حاجة والله....كلهم ضحكوا عليا"

احتضنها هو بقوةٍ و هو يربت على ظهرها بحنانه المعتاد عليها ثم قبل رأسها و من بعدها ابتعد عنها و هو يقول بهدوء:

"اطلعي الفصل أنتِ و لو حد كلمك عرفيني و أنا هشوف الموضوع دا بعد المدرسة"

حركت رأسها موافقةً ثم سألته بخوفٍ:
"وليد !! لو ضحكوا عليا تاني أعمل إيه ؟! أنا عمالة أعيط علشان ضحكهم"

ابتسم لها بخبثٍ و هو يقول:
"خليهم يضحكوا و أنا برضه هبقى أضحك معاهم"

حركت رأسها موافقةً حينما فهمت مقصده، بينما هو صعد إلى فصله و هو يفكر في أخته حتى نهاية اليوم الدراسي، اجتمعا سويًا في منتصف الحوش و هو يتفحص المكان بعدستيه و كأنه فهدًا ينتظر فريسته، حتى وجده يركض مع أصدقائه، حينها أمسك كفها ثم اقترب منه و هو يوقفه و هو يقول بنبرةٍ جامدة:

"ضربت خديجة ليه يا يوسف؟! هو فيه راجل يمد إيده على بنت برضه؟"

رد عليه «يوسف» بتبجحٍ و قلة حياء:
"هي أختك اللي غلطت و اتكلمت و أنا واقف على الفصل"

_"إيه يعني اتكلمت و أنتَ واقف على الفصل؟! هو أنتَ واقف إمام مسجد يعني؟"
رد عليه «وليد» بذلك بطريقته المعتادة مع الجميع منذ صغره، بينما الأخر اغتاظ من طريقته فقال مُردفًا:
"بقولك اتكلمت و أنا واقف على الفصل، هي اللي غلطت و أنا عاقبتها"

و بنفس الطريقة المعتادة قال:
"غلطت و أنتَ عاقبتها ؟! ليه بتتعلم في قسم النزهة بروح أمك ؟! ولا إيدك متتمدش على أختي بدل ما اقطعهالك"

عض «يوسف» على شفته السفلى و على حين غرة دفع «خديجة» التي كانت تقف بجوار أخيها و هو يقول معاندًا له:
"طب أهوه بقى"

قبل أن تقع على الأرض أمسكها هو بيده كعادته حتى اعتدلت في وقفتها، بعدها تنفس بعمقٍ و على حين غرة و خاصةً حينما رآى الفتاة التي يحبها ذلك الولد، أخفض جسده ثم انزل بنطال «يوسف» فجأةً و قبل أن يدرك الآخر الوضع و يقوم بدفعه عرقله «وليد» بقدمه حتى سقط أرضًا ثم مال عليه ينهال عليه بالضربات و كل ما يتخيله هو منظر بكائها و وجنتها الحمراء، و ظل مستمرًا في ضربه و هي تحاول ابعاده عنه حتى أتى أحد المُعلمين ثم فصل بينهما أخيرًا.

(عودة إلى الوقت الحالي)

كان يقوم بسرد الحكاية أمام الجميع بثباتٍ و فخرٍ، ة بعد نهايته لسرد الحكاية أضاف:

"هو حب يرسم نفسه و يعمل شبح عليها و هزر معاها، أنا برضه هزرت معاه بس بطريقتي"

رد عليه «عامر» بنبرةٍ ضاحكة:
"مش متخيل إن ممكن ياسين مرة يزعل أختك و تيجي تعمل فيه زي ما عملت في يوسف، يا رب متحصلش"

ضحكوا عليه جميعًا، بينما «ياسين» قال بحنقٍ طفيف:
"أنتَ عارف أني عمري ما أعمل كدا، و عارف كمان إنها في عيني، أنا اللي مضايقني هو إنها علطول غلبانة و بتتاخد في الرجلين"

رد عليه «وليد» بثقته المعتادة:
"و أنا عيشت طول عمري بقطع الرجل اللي بتفكر تاخدها، خديجة قبل ما تكون أختي هي بنتي"

سأله «عمار» بنبرةٍ حائرة:
"طب و هما عملوا إيه فيك بعد كدا ؟! أكيد المشكلة كبرت"

تدخل «طارق» يقول بمرحٍ:
"أبو الواد طلع ندل و خد فلوس تعويض عن اللي حصل و علاج سنانه كانت علينا إحنا"

ازدادت الضحكات مرةً أخرى فتحدث «وئام» يقول بضجرٍ:
"أنا قولت هيكبر يدخل الجيش و يتربى بس هما خافوا علشان هو بتاع مشاكل و عمو محمود كلم صاحبه و خلصله الموضوع من غير ما يروح، و خد إعفا، أنا أروح الجيش و هو لأ"

طالعوه جميعهم بقلة حيلة، بينما «خالد» قال بحنقٍ:
"نفس اللي حصل مع عامر، قولنا هيروح الجيش يتربى و فضل يعيط يوم التقديم و الكشف، و إحنا معاه زعلانين علشانه بس الحظ خدمه كالعادة"

سأله «وليد» بنبرةٍ ضاحكة:
"ليه عمل إيه؟! هو المفروض يكون دخل الجيش علشان عمار"

رد عليه «عامر» بفخرٍ ممتزج بالمرح:
"هقولك يا سيدي، روحت أقدم و أخلص الكشف الطبي و أنا متأكد أني هقبل علشان طولي و جسمي، أنا ١٧٨ سم و أكيد يعني هيقبلوني، يطلع على حظي الحلو إن فيه واحد قريبه واسطة جامدة أوي و جايبله إعفاء، بس هو علشان فقر ورقة إسمه وقعت من الظابط و علشان يلحقوا الدنيا قبل ما تتعك قالوا كل اللي جُم النهاردة إعفاء و ملهمش جيش و ساعتها ختمولي الورق إعفا علشان معرفتش أجري كويس، و طلعت براءة من الجيش"

ارتفعت ضحكات الجميع عليه، بينما «أحمد» قال بتعجبٍ:
"لأ بجد اللهم ربع حظك يا عامر، تخيل تبقى سالك و أبيض لدرجة إن الواسطة تخدمك من غير ما تعرفك"

رد عليه «ياسين» بمرحٍ:
"هو هو نفس الحظ اللي خلى الفوج يجي بليل بدل الصبح و هو يتولاهم و في يوم و ليلة يتحول من منظم للأفواج السياحية لمدير الشركة كلها"

رمش بعضهم ببلاهةٍ فقال هو بفخرٍ:
"الحمد لله طول ما قلبك ابيض يبقى هتعيش مرتاح، أنا ماشي زاهد في الدنيا دي، بتفاجأ بكرم ربنا عليا و رحمته بيا"

تدخل «ياسر» يقول بنفس الضحك:
"مرة و عمار في تالتة إعدادي تحديدًا في الترم الأول، كان الكمبيوتر بيضاف للمجموع و عمار مكانش يعرف حاجة فيه، و إحنا كنا عند المدرسة بناخده بعد الامتحان، بس اللي حصل السنة دي كان ولا الأفلام"

ابتسم «عمار» بخجلٍ حينما تذكر ما حدث، بينما الشباب انفجروا الضحكات و هم يتذكرون ما حدث في ذلك اليوم، و مع إلحاح «وئام» و «أحمد» بدأ «خالد» في سرد الحكاية

(منذ عدة أعوام) 
أمام مدرسة «عمار» الإعدادية، و كان اليوم هو اليوم المخصص لامتحان مادة الحاسب الآلي و في ذلك اليوم كانت أعصاب الشباب متوترةً لأجل أخيهم نظرًا لجهله في تلك المادة و التي لم يدرك هو أنها تضاف للمجموع، و فجأة خرج العامل من المدرسة و هو يقول:

"معرفش يحل حاجة يا أستاذ عامر، المدرسة كلها فوق مش عارفة تحل و المراقبين دول غُرب، معرفش حد فيهم"

نفخ وجنتيه بضيقٍ، فتحدث «خالد» يقول بنبرةٍ حائرة:
"طب هنعمل إيه ؟! إحنا اتفاجئنا إمبارح إنها بتضاف، ياسين أنتَ مذاكرله قد إيه فيها؟"

رد عليه «ياسين» بضجرٍ:
"يا بني أنا كنت معاه و هو بيذاكر الإنجليزي، و الكمبيوتر أصلًا ركناه على جنب قولنا خسارة الوقت يضيع عليه"

وضع يده على رأسه، فوجد «ياسر» يقول بتعجبٍ:
"كمبيوتر إيه اللي بيضاف دا يا جدعان؟! هي مش دي المادة اللي كنا بنام فيها؟ بقى ليها امتحان و كمان بيضاف للمجموع؟"

حركوا كتفيهم بحيرةٍ من الأمر بأكمله، و هم ينتظرون"الفرج" كما أخبرهم «عامر»، و فجأة مرت أمامهم سيارة "الروبابيكيا" و هي سيارة مختصة في بيع و شراء الخُردة و الأشياء القديمة و رافق تلك السيارة مُكبر صوت يتحدث منه السائق، رفع «عامر» حاجبه وهو يفكر في حلٍ للجميع ، و فجأة ترك أصدقائه و أوقف السيارة، و بعد الحديث مع السائق ابتسم هو بقوةٍ ثم أخرج هاتفه تحت نظرات التعجب من أصدقائه، بينما هو هاتف ابن عمه و حينما وصله الرد قال بلهفة:

"إزيك يا سعيد، بقولك المدرسة اللي أنتَ شغال فيها مدرس ألعاب، فيها مدرس كمبيوتر؟"

_"آه يا عامر، فيه عاوزه ليه؟ هو قدامي أهو واقف إشراف على البوابة"
رد عليه بذلك بحيرةٍ، فوجده يقول بلهفةٍ:
"طب هاته أكلمه بسرعة، عمار جوة مش عارف يحل حاجة، يلا بس يارب عم فاروق يروح يحج"

تعجب ابن عمه من طريقته لكنه ذهب إلى صديقه ثم أعطاه الهاتف و بعد حديثه مع «عامر» و إلحاحه وافق أخيرًا و هو يضحك بيأسٍ على إعطاءه للإجابات، حينها ابتهج وجه «عامر» ثم أخذ مكبر الصوت يتوجه به نحو المدرسة و الهاتف على أذنه و هو يقول من خلال المكبر:
"مدرسة الهلال الكريمة، ركزوا يا عيال علشان هقول الإجابات، اجهزوا"

ركض إليه الشباب و هم يضحكون عليه، فأكمل هو:
هبدأ بالصح و الغلط 
"أول اتنين صح و الباقي غلط، ركزوا"

وصلهم صوت صياح الطلاب من الداخل و هم يهللون بفرحٍ، فأعطى هو مكبر الصوت إلى «ياسين» ثم قال:
"كمل أنتَ، زوري وجعني...أنا هقولك الإجابات المستر معايا على التليفون"

أومأ له «ياسين» موافقًا على مضضٍ و الأثنين الأخرين يضحكان بقوةٍ عليهما، فتابع «ياسين» بعدما عاد «عامر» المكالمة و هو يمليه الاجابات، فقال «ياسين» بصوتٍ عالٍ:

"ركزوا يا عيال، هقولكم سؤال أختر كله، أول واحدة محرك البحث.......تاني واحدة برنامج الاكسل......تالت واحدة وورد ٢٠٠٨ ....رابع واحدة هتبقى اختصار للمواقع الحكومية....هقولهم تاني و ركزوا"

ضحك «عامر» بقوةٍ و الناس في الشارع بعد الجلبة التي أحدثوها، بينما «خالد» لمح «المدير» يخرج من بوابة المدرسة الخلفية، حينها شهق بقوةٍ و هو يشير لصديقيه أثناء استرسال «ياسين» في الجواب، و فجأة حينما خرج البقية خلف المدير، ركض «خالد» و «ياسر» سويًا نظر «عامر» في اثرهما بتعجبٍ و حينما لمح المدير، ركض مثلهم و هو يقول بقلقٍ:

"الله يعينك يا ياسين"
بينما «ياسين» نفسه بعد انتهائه من إعطاء الإجابات، تابع حديثه بصوتٍ عالٍ يقول دون أن ينتبه لركض أصدقائه:
"واد يا عمار ركز و اعمل دايرة على الاختيار بلاش خط.....عمار وضع الصح و الغلط......بقولك صح هنجيب فطار و نعمل حسابك معانا بلاش تفطر لما تخرج و تـ...."
توقف عن حديثه حينما شعر بيد أحدهم توضع على كتفه، فحرك رأسه لليسار قليلًا فوجد حينها المدير و أعوانه يتوعدون له بالنظرات، حينها حرك رأسه للأمام يقول في مكبر الصوت:

"عمار !! إحنا في شقة ميمي، تعالى ورانا"
قال جملته ثم ركض و مكبر الصوت في يده و هو يقول للسائق:
"تعالى ورايا يسطا علشان تاخد المَكروفون"

ضحك السائق بقوةٍ و كان يقرب عمرهم إلى حدٍ كبير و هو يسير خلفهم بسيارته، و المعلمون يقفون ببلاهةٍ ينظرون في أثره بعدما ركض هو و السائق خلفه.

(عودة إلى الوقت الحالي)

ضحك الشباب بقوةٍ حتى سقطوا من مواضعهم، حتى «عمار» الذي تذكر ما حدث و انفجر في الضحكات هو الأخر، و كلما توقفت الضحكات عادت من جديد و كلًا منهم يتخيل هيئة الشباب في ذلك الوقت و هم يركضون بمكبر الصوت، و استمرت الليلة على ذلك حتى انتهوا الشباب مما كانوا يقومون بفعله و أنتهت عليهم الأمسية بتلك الضحكات الرنانة.
_________________________

في صباح اليوم التالي قبل صلاة الجمعة حاول البعض الخلود للنوم و البعض الأخر يقوم بتجهيز و تحضير الأشياء و كان أكثرهم مرحٍ «عامر» حتى أتى عليهم الصباح، فجلسوا سويًا قبل النزول للصلاة، و أول من تحدث كان «ياسر» الذي قال بشوقٍ:

"كان زماننا دلوقتي بنحضر نفسنا علشان نطلع عند ميمي بعد صلاة الجمعة، ميمي لو العقيقة دي كانت عندها كانت هتفرح أوي، ميمي طول عمرها بتفرح بالحاجات دي"

رد عليه «ياسين» بقلة حيلة:
"لو كنت أعرف كنت روحت جبتها، بس هي مش هترضى، لو خلصت بدري أخد وئام و ابنه و نروح ليها"

تحدث «عامر» يقول بمرحٍ:
"معاك في أي حاجة المُهم ناكل الفَتة، لو كلنا الفتة و اتحركنا كل حاجة هتبقى تمام"

دخل في تلك اللحظة «طه» و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"يا عم جهزوا نفسكم بس علشان تدبحوا، إحنا مستنيين أهوه"

رد عليه «ياسين» بإحترامٍ:
"حاضر يا عمي بعد الصلاة علطول هاجي أدبح، إحنا محهزين كل حاجة من إمبارح"

أومأ له موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة لم تخلو من فرحتها:
"طب يا حبيبي ربنا يكرمكم، أنا هنزل اقعد مع الرجالة تحت شوية، لحد الصلاة، عن إذنكم"

ردوا عليه جميعًا الإذن، بينما هو نزل من أمامهم حتى يجلس مع أخوته في الأسفل، بينما الشباب جلسوا سويًا مرةً أخرى.

في الأعلى قامت «خلود» بسرد ما حدث بالأمس لـ «خديجة» التي انصتت لها بتمعن حتى اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد الإستماع لما حدث بالأمس، و فجأة قالت بنبرةٍ جامدة:
"إيه قلة الأدب دي ؟! إزاي تعمل كدا مع ولد ميحقش ليها تلمسه و لا تتكلم معاه ؟! و الله لو أمها مش ست طيبة و معانا من بدري كان زماني قولتلها، بس هي مش هتتحمل"

ردت عليها «خلود» بأسى:
"أنا كنت قلقانة أحمد يعك الدنيا و يضعف مرة واحدة، خصوصًا إن كلامها كله طريقة تصنع و خبث"

زفرت «خديجة» بقوةٍ و فجأة وجدت «ياسين» يحمحم بقوةٍ بعدما دلف الشقة و فتح الباب بالمفتاح الخاص بشقيقها، فوقفت «خلود» تقول بمرحٍ خبيث:

"طب هنزل أنا بقى علشان مبقاش عزول بينكم، عن إذنكم يا كتاكيت"
ابتسمت لها شقيقتها بيأسٍ و هي تتابع تحركها من المكان، بينما هو حاول جاهدًا كتم ضحكته حتى خرجت تمامًا من الشقة و بعدها جلس بجانبها و هي تبتسم له فقال هو بمشاكسةٍ:
"افضلي اضحكي كدا عليا و عاوزك تضحكي أكتر بقى لما تشوفي جوزك و هو بيدبح"

تلاشت بسمتها و امتعض وجهها وهي تقول:
"يع ؟! ياسين بلاش بجد تدبح أنا عاملة نفسي ناسية أصلًا بس أنتَ كل شوية تفكرني، بجد الفكرة مرعبة أوي"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"إيه المرعب أني هدبح ؟!"

ردت عليه هي بلهفةٍ:
"شوف نفسك بتقول إيه !! بتقول إيه المرعب أني هدبح ؟! ياسين الجملة نفسها مرعبة أوي"

وضع يده على كتفها يضمها إليه و هو يقول مُطمئنًا لها بمرحٍ:
"دا خير يا بت مالك ؟! و بعدين رياض محلفني معملش حاجة من غير ما هو يجي، هتشوفي جوزك و هو بيشرفك قدام العيلة كلها"

ضحكت رغمًا عنها و هي تقول بيأسٍ:
"أنتَ ليه محسسني إنك هتاخد وسام في الشجاعة ؟! ياسين بجد أنا ممكن أخاف منك أوي لو شوفتك و أنتَ بتدبح، أنا بترعب أصلًا"

تنهد هو بعمقٍ ثم ابتعد عنها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"متترعبيش و متخافيش مني، أنتِ بنفسك هتفرحي أوي و الله لما تشوفي الأضحية و المنظر الجميل دا، سامحني يارب"

قال جملته الأخيرة بنبرةٍ خافتة بعدما أخفض رأسه، فضحكت هي عليه ثم قالت بتوترٍ:
"بص أنا هفضل هنا مش هنزل اتفرج، و أنتَ بقى الله يعينك يا ياسين، ولو وليد هيقف معاك يبقى خليكم انتو الاتنين مع بعض و أنا هفضل حوالي سنة ضوئية كدا احاول انسى الموقف أو انساكم"

طالعها هو بخبثٍ و هو يقول:
"طب عيني في عينك كدا هتقدري تنسيني؟! كدابة يا ست الكُل، متقدريش تنسي ياسين"

ابتسمت هي بيأسٍ ورافق بسمتها تلك الإيماءة البسيطة التي حركت بها رأسها موافقةً، فوجدته هو يغمز لها ثم قال بنبرةٍ هامسة:
"على فكرة أنتِ وحشتيني أوي، بقالك كتير بعيد عني"

ردت عليه هي بتعجبٍ:
"فين دا ؟! هو إمبارح بس يا ياسين، لكن طول الفترة اللي فاتت كنت معاك"

رد عليها هو بمعاتبةٍ:
"بس عقلك كان مع وليد يا خديجة، كتر زعلك عليه و تفكيرك فيه بعدك عني و خلاكي كل يوم تفضلي تعيطي و مشيلة نفسك الذنب"

ردت عليه هي بخجلٍ من نفسها:
"أنا أسفة و الله تعتبتك معايا، بس غصب عني كنت زعلانة علشانه هو، وجعه و جرحه كان صعب أوي يا ياسين، كلامه ليا عن الوجع و عن اللي كان بيحس بيه صعب أوي، و أنا اتعودت اداوي جروحه دي، بس المرة دي كنت عاجزة، و اتفاجئت بيك أنتَ كمان موجوع زينا"

تنهد هو بعمقٍ ثم ربت على كفها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"الحمد لله كل حاجة خلصت و عدت على خير، و ضحكتك الحلوة نورت وشك تاني، بلاش تزعلي يا خديجة علشان الزعل مش ليكي، أنتِ الحلو كله اتعمل علشانك.... علشانك أنتِ"

ابتسمت هي باتساعٍ له فوجدته يضع ذراعه عليها حتى يضمها إليه فوضعت رأسها على صدره و حينما ربت هو على رأسها قالت هي بتشككٍ:
"ياسين !! أنتَ دا كله بتلهيني علشان أنسى موضوع الدبح ؟! أنسى يا بابا"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتِ هتنكدي علينا و تطفحينا اللُقمة ليه ؟! الجاموسة نفسها مش معترضة على الدبح، متبقيش قطاعة أرزاق بقى يا كتكوتة"

ضحكت هي بيأسٍ فوجدته يبتعد عنها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا هدخل أغير هدومي علشان صلاة الجمعة علشان هاجي أدبـــــح علطول"

اتكأ على كلمة "الدبح" فوجدها ترمقه بغيظٍ فراقص لها هو حاجبيه ثم تحرك من أمامها و هو يدندن بصوتٍ عالٍ:

"سنة حلوة يا جميل..... سنة حلوة يا جميل، سنة حلوة يا.... سنة حلوة...."

ردت عليه هي بسخريةٍ بنبرةٍ عالية:
"دي بتتغنى في أعياد الميلاد، لكن دا سبوع يا أهبل، مش عارف الفرق ؟!"

رد عليها هو من الداخل بصوتٍ عالٍ:
"عارف يا كتكوتة، دا موكوس بقاله أسبوع و التاني موكوس بقاله سنين، في كل الحالات موكوس جديد اتضاف لقايمة المواكيس"

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"روح ربنا يجبر بخاطرك بتوأم مواكيس يا رب، علشان القايمة تزيد"
ضحك هو من الداخل بقوةٍ عليها و هي في الخارج أيضًا تضحك بقوةٍ.
_________________________

فوق السطح كانت «خلود» جالسةً و بجانبها هِرة صغيرة تقوم هي بتربيتها فوق السطح، و أثناء جلوسها وجدت «هدير» تدخل السطح و في يدها عدة مقاعد بلاستيكية و هي تلهث بقوةٍ، و لكن عند رؤيتها للهرة صرخت بقوةٍ ثم ركضت تقف على الأريكة المجاورة لها و هي تقول بخوفٍ:

"ابعديها يا خلود، انزلي بيها علشان خاطري من هنا..... دخلت إمتى دي ؟! يا ناس"
اقتربت منها «خلود» بخبثٍ و القطة في يدها، فاستمرت هي في الصراخ بخوفٍ و هي تنظر للقطة في يد «خلود» التي ابتسمت و هي تقول ببراءةٍ زائفة:
"فيه إيه بس يا هدير ؟! دي قطة طيبة و جميلة خالص، خايفة منها ليه ؟!"

ردت عليه هي بنبرةٍ أوشكت على البكاء:
"أنا بترعب منهم يا خلود، علشان خاطري مشيها، أنا جسمي بيتعب منهم أصلًا، أنا عندي منهم فوبيا"

اقتربت منها أكثر فصرخت أكثر فقالت لها بخبثٍ:
"هعالجك من الفوبيا يا هدير، أنتِ متعرفيش إن الفوبيا حلها في المواجهة ؟!"

ردت عليها هي بذعرٍ:
"علشان خاطري يا خلود بقى، و الله بخاف منهم و أنتِ عارفة.....يا ستي حرام عليكي هعيط"

خرج «حسن» من المصعد فوجدها تتوسل لها ببكاءٍ حتى تبتعد عنها بالقطة، فاقترب هو منهما و هو يسأل بتعجبٍ:
"فيه أيه انتم الاتنين؟! 

ردت عليه «هدير» بلهفةٍ و كأنها وجدت ملاذًا أمنًا:
"تعالى يا حسن، خلود معاها قطة و عمالة تخوفني، علشان خاطري قولها أني بترعب منهم"

اقترب منهما يقف أمامها يوليها ظهره وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"معلش يا خلود هي عندها فوبيا منهم و مبتتحملش وجودهم، معلش"

ردت عليه هي بخجلٍ منه:
"أنا كنت بهزر معاها بس و الله مش قصدي حاجة، أنا مكنتش أعرف حوار الفوبيا دا، أنا كنت فكراه مجرد خوف طبيعي"

ردت عليها هي بلهفةٍ:
"لأ و الله فوبيا و مش بتحمل وجودهم في مكان، من ساعة ما خربشوني و أنا صغيرة، معلش يا خلود متزعليش مني"

طالعتها «خلود» ببلاهةٍ فوجدتها تضيف مُردفةً:
"علشان صرخت و اتعصبت عليكي يعني، بس بجد وجودها مرعب أنا حاسة إنها زي الأسد على إيدك"

ردت عليها هي ببلاهةٍ:
"هدير أنتِ بتتأسفيلي بجد ؟! الله يا جدعان ؟! بركاتك يا حسن"

طالعها الأثنين بتعجبٍ فقالت هي بسخريةٍ:
"هدير الرشيد بتتأسفلي أنا ؟! عجايب و الله، دي القعدة مع حسن طلعت حلوة و مفيدة أهوه، فيه واحدة حبيبتي عاوزاكم تاخدوها معاكم يمكن ربنا ينفخ في صورتها و تتأدب أو يكرم و يعجل بطلوع روحها"

نظر لبعضهما بحيرةٍ فقالت هي مغيرةً للحديث:
"خلاص خلاص مش مشكلة، المهم يعني أنا كنت بهزر يا هدير و دي أول مرة أهزر معاكي فيها، متزعليش و ياريت تقبلي هزاري"

أبتسمت لها بسمةٍ هادئة و هي تقول بهدوء:
"مش زعلانة خلاص، بس بلاش هزارك يكون بالقطط أي حاجة تانية براحتك أنا معاكي فيها"

ابتسمت لها بحبٍ و على حين غرة مدت يدها بالقطة و كأنها ستلقيها عليها فوجدتها تقفز على ظهر «حسن» و هي تقول بتوسلٍ:
"اجري يا حسن، بسرعة أبوس رجلك، دي حقيرة و ندلة"

ضحك هو بقوةٍ فوجد «خلود» تقترب منهما أكثر من قبل، و حينها ركض بها و هي على ظهره تصرخ بملء صوتها حتى ابتعدا عن المكان و أصبحا في الطابق الذي يسبق السطح، فتوقف وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"خلاص هبل بقى انزلي، لو حد شافنا هيقول علينا إيه؟"

نزلت من على ظهره بخجلٍ و هي تقول بتلعثمٍ:
"أ...أنا أسفة بجد مأخدتش بالي.... معلش الموقف كان رخم شوية"

ابتسم هو لها و هو يقترب منها أكثر حتى التصقت هي في الحائط خلفها فوجدته يقترب أكثر و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"بقى برضه فيه حد يتأسف قدام الشخص اللي جوة قلبه ؟! طب القلب يقول علينا إيه؟"

التقطت هي مغذىٰ حديثه فوجدته يحرك رأسه باستفسارٍ بسؤالٍ لم يفصح عنه بلسانه، بينما هي حاولت الهروب من نظراته و هي تقول بخجلٍ:

"يعني علشان....علشان خلود كانت واقفة.....خوفت تكون اتحرجت....يعني علشان منظرك برضه"
ابتسم هو على توترها و خجلها منه فرفع وجهها بيده و بعدما طالعها و طالع وجهها تحدث يقول بنبرةٍ تائهة:
فيه شاعر عظيم قال مرة قبل كدا
"للهِ سِرُّ جمَالٍ أنتِ مَوضِعُهُ
والسرُّ حيْثُ يَشاءُ اللهُ يُودِعُهُ" 

وأنتِ الجمال كله فيكي يا هدير"

رفرفت بأهدابها فوجدته يقبل وجنتها ثم ابتعد عنها يبتسم عليها و هي تقف ساكنة الحِراك، و حينما طال صمتها تحرك هو من أمامها تاركها خلفه تنظر ببلاهةٍ حتى استوعبت ما حدث للتو و حينها ركضت خلفه و هي تقول بمرحٍ:
"استنى يا بني، المفروض أني أقولك ربنا يجبر بخاطرك علشان تحس بيا"
وصلتها ضحكته الرنانة بقوةٍ فركضت هي بحماسٍ أكثر.
_________________________

في الأسفل وصلت الفتيات مع بعضهن كما طلبت منهن «خديجة» حتى يحضرن اليوم بأكمله، بينما «خالد» أثناء جلوسه مع الشباب لمح صغيره يركض على الدرجات الصغيرة و هو يقول بصوته الطفولي:
"بابا....خالد....بابا"

شهق هو بفرحةٍ فوجده يركض إليه حتى يحتضنه، فمال «خالد» له ثم حمله على ذراعيه و هو يقول بشوقٍ:
"حبيب قلب بابا يا يونس، وحشتني أوي، عامل إيه"

حرك رأسه موافقًا بخجلٍ من الجميع فاحتضنه «خالد» مرةً أخرى و هو يقبله، فوجده يتحدث بعدة كلمات غير مفهومة و لكنه التقط منها كلمة "النونة" فقال «عامر» ساخرًا:
"أنا سمعت كل حاجة بس مفهمتش حاجة، غير كلمة نونة، اعتقد ابنك فاكرها بنت و جاي يحجز؟"

اقترب منه «وليد» يحمله على ذراعه و هو يقول بمرحٍ:
"حبيب قلب ليدو، تعالى يا روح قلبي أخليك تشوف النونة، مش أنتَ عاوز تشوفها ؟!"

حرك رأسه بحماسٍ، بينما «وئام» اقترب منه و الصغير على يده و هو يقول بمرحٍ له:
"أهو يا يونس النونة، بوسه يلا"

مال «يونس» بجسده على الصغير يقبله على جبينه و لكن ما حدث بعدها جعل الأعين تتسع بدهشةٍ حينما أخرج «يونس» قطعة الحلويات "البونبوني" ثم وضعها على الصغير و هو على ذراع والده، فتحدث «ياسين» مردفًا بفخرٍ:
"هو علشان متعود اللي معاه يدي للي معهوش و هو شايفه صغير زيه علشان كدا إداله، طمرت فيك التربية يا يونس"

تدخل «طارق» يقول بفخرٍ:
"اللهم بارك ربنا يبارك فيه و يحفظه من كل شر، عسول خالص يا خالد"

تدخل «وليد» يقول باستحسان:
"لأ و نزيه و شيك، بص شياكته، لابس سويت شيرت اسود و تحتيه تيشيرت أبيض و بنطلون بيج و كوتشي ابيض، الطقم دا عندي أخوه فوق، هطلع ألبسه، مين الاستايلست بتاعك يا يونس"

رد عليه «عامر» بفخرٍ:
"أنا....ببعت ليهم صور الطقم و هما يجيبوه و ياسر الدكتور الرسمي بتاعه، أما ياسين هو نبع الحنان، أما خالد فهو البنك اللي بيصرف"

هزه «وليد» على يده و هو يقول بمرحٍ:
"أنتَ مطلع عين العيال دي؟! أنتَ مخليهم كل واحد فيهم يعمل لسيادتك حاجة؟"

حرك رأسه موافقًا بقوةٍ و نظرات الخجل تخرج من عينيه، بينما «عمار» اقترب منه و هو يقول بمرحٍ:
"تعالى لعمار، وحشتني يا يونس"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
" نو.....لأ"

نظر «عمار» إلى شقيقه وهو يقول معاتبًا له بمرحٍ:
"عجبك كدا ؟! من يوم ما حفظتهاله و هو مش بيقول غيرها، طب انقل على اللي بعدها"

رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"لأ ما هو أنا كنت غايب في باقي الحصص"

ضحكوا عليه بيأسٍ، فتحدث «وئام» بتعجبٍ:
"هو حسن راح فين؟! أنا شوفته نازل مرة واحدة و افتكرته هيقعد معاهم تحت، الصلاة قربت"

رد عليه «طارق» بحيرةٍ:
"أنتَ عارف دماغه، هتلاقيه راح يجيب حاجة و جاي، هو خد عربيته؟!"

جاوبه «أحمد» مردفًا:
"آه مشي بيها، أنا افتكرت حد فيكم بعته يروح يجيب حاجة"
طالعوه بقلة حيلة و هم يحركون رأسهم نفيًا، بينما «وئام» شرد في صديقه و في ذهابه من أمامهم.
_________________________

في شقة السيدات دخلت الفتيات تبارك لـ «هدى» و كلًا منهن تقدم لها هديتها بعد التعارف بينهن جميعًا، فتحدثت «إيمان» تقول بمرحٍ:
"طب هو فين بقى أنا عاوزة أشوفه علشان أنا نقطة ضعفي الأطفال"

ردت عليها «خديجة» بنبرةٍ ضاحكة:
"هيجي دلوقتي مع باباه، أنا كلمت وئام و قالي هطلع بيه"

ردت عليها هي بشوقٍ لها:
"بس أنتِ علشان وحشتيني و كدا هقوم أبوسك قدامهم كلهم، اسكتي و أنتِ عاوزة تتاكلي كدا"

ضحك الجميع عليها فقالت «ريهام» بنبرةٍ ضاحكة:
"معلش يا جماعة اعذروها هي إيمان كدا، بتحب خديجة أوي"

تدخلت «هدير» تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"طب و الله أنا اللي حبيتكم أوي، و حاسة كدا إن إيمان دي شبهي في الأخر، حساها زيي كدا قلبها جامد"

تدخلت «سارة» تقول موافقةً:
"فعلًا كلنا بنسمع كلامها و الله، إيمان دي أمنا كلنا، محدش يقدر يلج قصادها"

اقتربت «هدير» تجلس بجوارها وهي تقول بحماسٍ:
"بقولك إيه قبل ما تمشي هاتي رقمك، أنا بفرح لما ألاقي ناس كدا، لو ينفع طبعًا"

قالت جملتها الأخيرة بحذرٍ فردت عليها هي مؤكدةً:
"عيب عليكي كلها نص ساعة و تلاقي جروب على الواتساب منور بينا كلنا"

تحدثت «مشيرة» تسأل «سارة»:
"أنتِ أكيد مرات عامر صح ؟! باين عليكي أوي"

قطبت جبينها بحيرةٍ فوجدتها تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"شكلك مستحملة كتير، الله يعينك، بس و الله جدع و مش سايبنا، البيت من امبارح كإن فيه حنة بلدي"

ردت عليها هي بنبرةٍ هادئة:
"أيوا أنا مراته، هو بيحب الفرح و الهزار أوي، طول عمره بيكره الكئابة، اتمنى بس ميكونش أزعج الجيران"

ردت عليها «مشيرة» بلامبالاةٍ:
"ما يتضايقوا، دا بيتنا و بيتهم، و بعدين خلونا نفرح بقى، هنشيل هم ليه؟"

ردت عليها «جميلة» بمرحٍ:
"على رأيك، كفاية نكد يا جماعة بجد تعبتوني، أنا بسببكم قربت أهاجر، كفاية المدرسة عليا"

أيدتها «عبلة» و هي تقول:
"معاكي حق أنا طالعة من دور اكتئاب طازة و الله، فرحونا بقى"

في تلك اللحظة دلف «وليد» وهو يقول ساخرًا:
"ماهو أنتِ اللي منكدة علينا يا بومة، لو ربنا يكرمك و تعقلي شوية؟! بس إزاي ؟!"

طالعته بوجهٍ ممتعض فسألته والدته بنبرةٍ ضاحكة:
"اهدوا بقى إحنا لسه بنقول يا هادي، أنتَ كنت فين؟"

نظر هو لزوجته بخبثٍ وهو يقول:
"كنت بشوف ليه بيداري و أنا أداري كدا"

طالعه الجميع بتعجبٍ بينما والدته قالت بتيهٍ:
"إيه ؟! بتقول إيه أنتَ ؟!"

رد عليها هو بلامبالاةٍ وهو يرى خجلها الذي تحاول إخفائه:

"لأ خلاص متشغليش بالك، دا موضوع تخين لما يرفع هقولك عليه، المهم وئام طالع و الشباب معاه"

أومأ له الجميع بموافقةٍ، و بعد مرور ثوانٍ دلف و ابنه على يده و الشباب خلفه و كلًا منهم يطالع زوجته و كأنه يرحب بها، حتى توقفت «خديجة» ثم اقتربت من «وئام» و هي تقول بخجلٍ تخاول التغلب عليه:

"أنا بصراحة كنت محتارة في هدية ليك و لا لهدى و لا لفارس نفسه، و كنت عمالة أفكر، لحد ما عملت حاجة ليكم انتم التلاتة، يا رب تعجبك"

حرك رأسه لها باستفسارٍ فوجدها تمد يدها له بالطارة التي قامت هي بصنعها له و لأسرته، فأخذها هو منها بتعجبٍ سرعان ما تحول للدهشة الممتزجة بالفرح و الحب حتى اقترب منها يقول بنبرةٍ مختنقة:
"إيه الجمال دا كله يا خديجة ؟! دي أحلى هدية في الدنيا كلها، مفيش كلام يوصف جمالها"

سألته هي بلهفةٍ:
"بجد ؟! يعني عجبتك بجد و لا بتجاملني؟"

رد عليها هو بنبرةٍ قاطعة:
"أجاملك إيه بس ؟! دي ميكفيهاش مجاملة، أنا همشي افتخر بيها طول حياتي، طول عمرك موهوبة فيها"

ردت عليه هي بتأثرٍ:
"بصراحة كنت عاوزة الهدية توصلكم بكل الحب، ة الحاجات اللي بتتعمل بالإيد دي بتخرج مشاعر كتير أوي بتوصل في الأخر على هيئة الشيء دا، أنا فرحانة أوي إنها عجبتك"

اقترب منها أكثر ثم احتضنها و هو يقول بعاطفةٍ أخوية:
"أنتِ حبيبة قلب أخوكي يا خديجة، فاكرة لما كنت بقولك أنتِ و وليد كبرتوني قبل سني؟! طول عمركم عيالي مش أخواتي، الحمد لله إن أمي رضعتك، علشان تكوني عمة فارس رسمي"

ابتسمت له بحبٍ وهي تطالعه بعينيها الدامعتين فوجدته يمسح تلك الدموع و هو يقول بنبرةٍ مرحة:
"يا بت كفاية دموع بقى، طول عمرك عيوطة كدا؟! مبتخلصش دموعك دي يا خديجة؟"

حركت رأسها نفيًا ببكاءٍ تأثرًا من موقفه، فوجدته يقبل رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"لو بتحبي أخوكي بطلي عياط، فكرتيني بامتحانات الثانوية و أنا رايح أوصلك، كنتي لازم تركني حبة تعيطي كدا"

ابتسمت رغمًا عنها من بين دموعها فتدخل «وليد» يقول ساخرًا:
"دي مش عندها قنوات دمعية لأ؟! دي عندها قنوات النيل للمنوعات، مغرقة مصر بدموعها"

ضحكت هي بقوة فوجدت «هدى» تخطف القماشة من يد زوجها تطالعها بدهشةٍ و هي تقول:
"تحفة يا خديجة، ما شاء الله ذوقك حلو و كلامك حلو حتى، جميلة زيك و الله"

تدخل «ياسين» يقول بسخريةٍ:
"تخيلوا كانت مكسوفة تديها ليكم؟ كانت فاكرة إنها مش حلوة ، قولوا ليها حاجة علشان هي مش مصدقة"

تدخل «عامر» يقول بمرحٍ:
"بصي هي مش حلوة أوي يعني، لو تعملي واحدة بإسمي و إسم سارة و إسم عيالي اللي لسه معرفهمش هتكون أحلى"

ضحك الجميع عليه، فقالت «خلود» بنبرةٍ مرحة:
"لو بقى تعمليلي واحدة ليا بإسمي يا سلام"

أضافت «إيمان» تقول هي الأخرى:
"طبعًا كدا كدا هتعملي ليا من غير طلب، أنا حبيبتك"

كانت تحرك رأسها نحو كل من يتحدث حتى رفعت صوتها تقول:
"بــــس !! حاضر كل واحد عاوز هعمله من عنيا، بس مش كدا !!"

طالعها الجميع بدهشةٍ قطعها «حسن» حينما دلف المكان وهو يقول بفخرٍ ممتزج بالمرح:
"بصوا أنا جبت مين ؟!"

التفت الجميع ينظرون له فابتعد هو عن الباب حتى يفسح المجال لها، و حينما وقع بصرهم عليها وقفوا جميعًا بفرحةٍ كبرى لم يتوقعوا أنها تأتي إلى هنا بنفسها تحضر تلك المناسبة العائلية، فصرخت «خديجة» و «هدير» في آنٍ واحد:

"مـــيــمــي !!"
و بعد صرختمها ركضت كلتاهما نحوها و هي تستند على عكازها حتى تحتضنها و هي تبستم باتساعٍ، بينما «وليد» ابتسم لـ «حسن» حينما تأكد من ظنونه.
_________________________

بعتذر جدًا ليكم عن البارت القادم اللي المفروض ينزل يوم السبت علشان عندي أول يوم في امتحانات الفاينال يوم الحد، فأنا متأسفة جدًا بجد و إن شاء نلتقي يوم الاتنين على خير و هحاول أعوضكم عن اليوم دا، و ربنا يوفقنا جميعًا و يكرمنا برحمته الواسعة.

تعليقات



×