رواية حان الوصال الفصل الثامن والثلاثون
تألقت أمام مراَتها وتزينت ترتدي طقمًا جديدًا من الملابس التي انتقتها معها تلك المرأة العزيزة على قلبها ، تذكر انها في بداية الأمر لم يعجبها الزوق الجديد، بظن منها انه لن يليق بها، ولكن خاب ظنها حينما نظرت إلى المرأة وهي ترتدي احدهم، لتكتشف نفسها وكأنها امرأة جديدة، بذلك التغير الذي يطرأ معها تدريجيًا، ان تكون امرأة راقية، ليس من أجل رجل حتى لو كان حبيبها او غيره، بل من أجلها هي وفقط، هي الاحق بالاهتمام لنفسها ، وبالطبع سوف يرتد ذلك على البقية .
صوت صفير من الخلف انتشلها من شرودها، لتلتف نجو شقيقتها الوسطى جنات:
– ايه يا عم الحلاوة دي؟ ما شاء الله عليكي يا بيبو، احنا ناقصنا بس سجادة حمرا ونمشي عليها باللبس اللي يجنن ده.
استدارت اليها بابتسامة لا تنكر سعادتها بالإطراء:
– بجد يا بت يا جنات، يعني الطقم الجديد لايق عليا ، اصل كنت خايفة اوي لا يطلع ضيق عليا بس نجوان قالتلي مقاسي، هو فعلا مقاسي ولا تفتكرتي انها بتجاملني؟
ضحكت المذكورة بشقاوة محببة تطمئنها مرددة :
– والله يا ستي ما بتجاملك، اديني حلفتلك بالله اهو ، البلوزة ماركة مشهورة اوي، والبنطلون والجاكيت كمان ، حتى الجزمة والحجاب، كلهم زوق عالي، مبينك واو، حاجة كدة اخر حاجة، وبنفس الوقت رقيقة ومتحفظة،
زوق ليدي بالفعل، والله نجوان دي عسل، ست جميلة كدة تنقلك طاقة الحب بمجرد ما تقعد معاكي.
عقبت بهجة على قولها بتفهم:
– هي فعلا كدة، وانا فاهمة قصدها كويس اوي باللي بتعمله معايا، انها تزقني في منصب مهم في الجمعية، وتساعدني ان اطور من نفسي في اللبس والشخصية دا حقها على فكرة، عشان صورتها قدام المجتمع اللي هي نشأت فيه، حتى لو هي مقالتش ولا وضحت بكدة انا لازم افهم من نفسي واحاول حتى لو لا قدر الله موضوعي انا ورياض منفعش برضو مش هخسر حاجة لما اتحسن او اتقدم في حياتي، لان في كل الاحوال دا فايدة ليا، وكفاية ابص لنفسي واشوف التغير
تابعت تشير اليها بيدها نحو ما ترتديه من الأعلى إلى الأسفل:
– وزي ما انتي شايفة قدامك اهو، بتابع الدراسة في الجامعة، وفي نفس الوقت بروح الجمعية بشكل يختلف بمية وتمانين درجة عن السنين اللي فاتو ، من عاملة على مكنة خياطة بعباية سمرا باهتة، لواحدة بلبس ماركة مشهورة على رأيك،
تأثرت جنات بشدة حتى خرج قولها بصوت مفعم بالمشاعر الصادقة داخلها:
– عشان دا مكانك الحقيقي يا بيبو، انتي اتظلمتي ونسيتي نفسك، بس عدل ربنا نصفك.، وبلبسك ده اللي يشوفك يقول انك اتولدتي هانم، والله ما بهزر.
– حبيبتي.
صدرت من بهجة لتقترب منها تقبلها بابتهاج، والتف ذراعها حول كتفيها لتضمها اليها تردف بحماس:
– حلو اوي رفع المعنويات ده، نروح نفطر بقى مع جوز المتشردين قبل ما يخلصو على الاكل.
اومأت جنات رأسها بموافقة، لكن فاجأتها بتقريب انفها منها قائلة بإعجاب:
– الله يا بيبو، انتي حتى ريحتك بقت غير، دا كدة التطور عدى اميال كمان، بقولك ايه، انا بحبك اوووي.
ضحكت ردا لها:
– وانا كمان بموت فيكي يا ام عقل شاطح
❈-❈-❈
والى اسطنبول
حيث كان يتسكع بدون سيارة، داخل المدينة التي لا يزورها إلا قليلًا رغم عشقه لها، وذلك بفضل اشغاله الكثيرة، يستمتع بأجواءها والهاتف على اذنه يتحدث معها عبره، بعد انتهاءئه لعدد من اعماله، وقد اقترب ميعاد رجوعه واشواقه اليها ازدادت اضعاف.
عدة ايام مرت عليه، ولم يتوقف مرة عن الاتصال بها، والسؤال عن كل كبيرة وصغيرة في شئونها، وكأن الفرصة التي أعطاها لنفسه في البعد عنها، أتت نتائجها بالعكس، حاول إشغال نفسه بالعمل ، او باللقاء بأقرباءه هنا، حتى الذهاب إلى النوادي الليلة والتعرف على نساء غيرها، ولكن قلبه أبى أن يدق إلا لها، يراها في كل امرأة تأتي امامه، حتى كاد ان يسلم الراية ويعلنها من هنا كي تصل الى العالم اجمع:
– أيوة يا بهجة انا كويس والحمد لله، المهم انتي طمنيني عليكي، عرفيني عاملة ايه من غيري .
سبق اجابتها ضحكة رقيقة مرحة:
– حلوة حكاية عاملة ايه من غيري دي؟ اكيد عايشة يعني والحمد لله ما جراليش حاجة، دا كلهم كام يوم بس اللي غيبتهم يا رياض مش زمن يعني.
– بالنسالك انتي مش بالنسبالي، انا بيمروا عليا كأنهم سنين صوتك دا ذاته بيزود الاشواق في قلبي، ومع ذلك برضو مش قادر ما اتصلش، ولا اسمعه، يوم عن يوم بتعلق بيكي اكتر مش العكس.
كان يصله صوت انفاسها، وصمتها المعبر بقوة عما يكتنفها، من قال ان الكلمات فقط هي المعبر في تلك الحالة، هناك ما هو اقوى، الإحساس الذي يجمع بين الطرفين، وتألف الارواح ما أعظمه
– سكتي ليه يا بهجة؟
– يعني هقول ايه؟ انت قولت كل الكلام، في انتظار رجوعك بقى.
– اممم، ماشي يا بهجة،طب بقولك ايه انا واقف دلوقتى قدام محل هدوم حريمي، عنده شوية هدوم عندي احساس انها هتجنن عليكي، ايه رأيك؟
– بجد يا رياض، طب ابعتلي كدة خليني اشوف الزوق التركي .
قالتها بلهفة وحماس جاهلة عن تلك الابتسامة الخبيثة التي ارتسمت على ثغره وهو يتأمل الموديل العارضة خلف الواجهة، ترتدي فستان يشبه قطعة النوم، بل اكثر عري ولكنه رائع التصميم والأناقة حتى أنه بالفعل أصبح يتخيلها ترتديه، لذلك قرر على الفور شرائه، ولكن في البداية لابد له من التسلية برد فعلها الآن، وذلك بإرسال الصورة التي التقطها حالا بكاميرا الهاتف، ليصله رد فعلها على الفور، بشهقة تسبقه:
– ايه ده؟ دا برضو فستان؟! لا سيدي مش عيزاه ولا عايزة زوقك ال…… اقفل يا رياض وروح شوف مصالحك، بلا شرا فستانين بلا كلام فارغ الحاجات دي ليها اصحابها.
ضحك بصخب ينهي المكالمة بناءًا على طلبها، يلج لداخل المحل عازمًا على أمر شرائه ومجموعة أخرى تضاعف من سعادته في مشاكستها والاستمتاع بردود افعالها الغير متوقعة.
❈-❈-❈
القت الهاتف من يدها على سطح المكتب الذي تعمل به الآن كمساعد لنائب مجلس الإدارة بالجمعية الموقرة ، بوضع اجتماعي يسهل عليها الكثير من الأمور،
لكن تلك المشاعر التي تكتسحها وتزيدها تشتتًا، في كل مرة تسمع إلى صوته، كيف تجد لها حلا كما انه هو ايضًا لا يساعدها بأفعاله، اللعنة، وهل تلك نبرة رجل يريد الفراق بالفعل .
– سرحانة في ايه يا بهجة؟
قالتها نجوان وهي تدلف اليها داخل الغرفة التي اصبحت تجمعهما سويًا لتجعلها تنتبه اليها وتجيبها:
– لا عادي يعني….. متشغليش نفسك.
قطبت تجلس على الكرسي المقابل لمكتبها واضعة قدما فوق الأخرى
– مشغلش نفسي ازاي يعني؟ ما تتكلمي يا بنت.
صمتت برهة من التفكير حتى اجابتها بتشتت:
– مش عارفة صراحة اقولك ايه؟ بس…. اصلي يعني كنت بكلم رياض قبل ما تيجي وو….
– ايه يا بنتي ، انتي هتنقطيني بالكلام، هو رياض عرف بمنصبك الجديد معايا؟
اجابت عن سؤالها تنفي برأسها، لتبزغ ابتسامة واسعة على فمها، لتقول:
– كويس اوي، انا كمان مش عايزاه يعرف دلوقتي.
قطبت بهجة وعقدت ما بين حاجبيها بريبة وحيرة متسائلة:
– طب ليه؟ ليه مش عايزاه يعرف اني بشتغل معاكي؟ ولحد امتى؟ دا خلاص قرب يرجع من سفره
تبسمت بمرح زادها اشراقًا تجيبها:
– وماله يا عبيطة لما يرجع من سفره؟ وهو احنا يعني هنفضل مخبين العمر كله، انا بس اعملهالو مفاجأة.
– مفاجأة!
– اه مفاجأة واسمعي الكلام وبطلي عبط بقى، وقومي جهزي نفسك عشان خارجين بعد ساعة كدة ورانا مشوار .
سألتها بهجة قاطبة:
– مشوار ايه؟
تبسمت تجيبها بمكر:
– ندوة يا بهجة، ندوة للتعريف عن انشطة الجمعية وذكر الانجازات اللي بنعملها في وقت قياسي.
❈-❈-❈
انتهى من شراء المجموعة التي يريدها، وأشياء أخرى اكثر حماسًا تحفزه على اللهو وتشعل خياله الخصب للقادم معها، ثم واصل تسكعه ليتوقف امام محل المصوغات الشهير، يطالع الواجهة رافعًا النظارة السوداء عن عينيه قبل أن يتحرك ويدلف داخله، يستقبله عامل المحل بابتسامته الودودة قبل أن ينتبه صاحب المحل، فيرحب بها بمبالغة نظرا للمعرفة القديمة وما يجمعهم من تاريخ في التعامل معه، وهو مصري يجمع بين الجنستين التركية والمصرية.
– رياض باشا، بقالنا سنين كتير اوي ماشوفناش بعض، من عهد اا.
كاد ان يذكر اسم والده ولكن استدرك سريعًا ليقطع مردفًا بغبطة:
– بس وحشتنا والله، وبسمع عنك من ولادي اخبار تفرح، دا غير مدام نجوان كمان، امتى بقى تنورونا من تأني المحل؟
تبسم ردا له:
– إنت عارفها، كل حاجتها من عندك، اكيد مع أول عودة ليها بعد السنين اللي مرت، هتيجي وتشتري منك، المهم دلوقتي انا عايز انقي لها هدية .
هلل الرجل فرحًا بقوله:
– يا ماشاء الله، دا انا هطلعلك احلى مجموعة عندي تنقي منها، حاجة سبيشيل تليق بيها، دي زوقها راقي ولا يعلى عليه.
– وعايز حاجة رقيقة تناسب واحدة في العشرين.
هتف بها قبل ان يقوم الرجل كي يأتي بمجموعة المجوهرات، ليقطب الاخير بابتسامة ماكرة:
– لمين بقى؟ ياريت اعرف الصفة او مقدار الغلاوة عشان احدد على اساسه الهدية المطلوبة
من دون تفكير، وكما حركه احساسه، نطق لسانه بما يحمله القلب:
– يبقى تجيب أغلى حاجة عندك، عشان دي أقرب لي من النفس اللي بتنفسه.
❈-❈-❈
عودة إلى الوطن
وبالتحديد داخل منزل خميس الغائب عنه منذ ايام، لا يملك الشجاعة للعودة بعد ما حدث منه او بالأصح من زوجته الثانية مع الأولى التي نالها ما نالها من صفاء حينما اقتحمت عليها منزلها كما ادعت وبلغت الشرطة، لتجعلها تبيت داخل المحبس عدة ليال حتى تنازلت لها اخيرا بعد إلحاح مقابل مبلغ كبيرا من المال تحصلت عليه، لتجعل درية الآن ممسكة برأسها المربط بمنديل قماش تندب غير قادرة على التوقف، امام اولادها الثلاثة؛
– اه يا نفوخي، يا نفوخي اه، هموت ياناس بقهرتي، نااار بتاكلني ، اخلص منها ازاااي؟
مصمصت ابنتها بشفتيها تستهجن فعلها للمرة الالف حتى تكف عن النواح:
– افضلي كدة احرقي في دمك لحد ما تنزل عليكي حاجة لا قدر الله عشان تكمل ياما، الفلوس وغارت عشان نطلعك، كنا هنعمل ايه يعني.
– تعملي ايه؟!
صاحت بها باستنكار تردف موجهة ابصارها نحو ابنيها الجالسان على الاريكة المقابلة لها بصمت ، كوضع المتفرج:
– ما هو انتي لو معاكي اخوات رجالة، مكنتيش سألتي السؤال ده؟ راجلين قد الحيطة يقعدو على امهم وهي في الحبس، مش قادرين على حتة مرة ولا تسوى، يحايلو فيها عشان تتنازل وتخرجني من السجن، بدل ما يجيبوها من شعرها ولا يخطفوا عيل من عيالها يعرفوها ان الله حق، انا يتعمل فيا كدة انا؟
زفر سمير يشيح بأبصاره للناحية الآخرى، اما سامر والذي مازال يمسك بكفه على موضع الجرح فقد لاحت على طرف شفته شبه ابتسامة خاليه من اي مرح في الرد عليها:
– ونزود علينا الفضايح صح، ما هو دا اللي ناقص، نلبس كمأن في قضايا خطف عيال عشان تكمل .
صرخت به غير تدهشه بمنطقها وعدم اكتراثها:
– وماتكمل ولا تفرقع حتى، مش احسن من لهفها لمية الف جنيه منكم، بنت الجعانة، ما صدق ولاقتلها فرصة عشان تطلع منها بمصلحة، بس اقول ايه؟ ما كله من يوز الاخص ابوكم، هو السبب في كل اللي جرا، سابها تبهدلني وتلم عليا الناس، اه يا ناري لو اطوله هو كمان، دا انا مغلولة منه غل
– اهو ذنب ناس بتخلصه ناس
غمغم بها سامر بصوت خفيض لتهدر به والدته:
– بتبرطم بتقول ايه يا واد؟ طبعا يا اخويا اعملوا ما بدالكم ما انتو حاطين أيديكم في المية الباردة.
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها، ليتبع نهج شقيقه في الصمت وتركها لولولتها حتى ولجت زوجة ابنها الاكبر، لتنتفض صارخة وكأنها وجدت ضالتها في افراع غضبها :
– وليكي عين تيجيلي برجلك يا إسراء، بعد اللي عملته بت الكل…. قريبتك ، ليكي عين يا إسراااء؟!
وقبل ان تصل اليها وجدت من يتلقفها من وسط الطريق يتصدر امامها ليمنعها عنها:
– صلي النبي ياما وسيبي إسراء في حالها، ولا انتي مقدرتيش ع الحمار هتتشطري ع البردعة
هتفت تنهره بغليل وهي تدفعه عنها:
– إنت كمان يا روح امك بتدافع عنها، دا بدل ما تجيب حقنا وتروحها على بيت ابوها، ولا تكون بلفتك هي كمان زي قريبتها ما عملت مع ابوك الاهبل؟
جز سمير على اسنانه بغيظ شديد يحاول الا يزيد عليها برد لا يعجبها، وقد فاض به من افعالها، اما إسراء والتي وقفت تشدد على طفلها بجسد يرتجف، فردت تعترض بدفاع عن نفسها:
– طب وانا ايه ذنبي؟ انا حتى معرفتهمش ببعض عشان ابقى سبب، ان كان عمي اللي لاف عليها ولا اللي لافت عليه، الاتنين كبار ومحدش فيهم فاقد الأهلية عشان نجيب الذنب ع التاني .
زمجرت درية تحاول الفكاك من ذراعي ابنها تواصل الهجوم عليها بالتجريح:
– لا يا اختي الذنب علينا احنا، احنا اللي سيبنا الدنيا كلها وروحنا لبلدكم الجعانة، ما بتصدقوا تلاقوا راجل في وشكم تلوفوا عليه .
إلى هنا ولم يعد قادرا على ذرة واحدة من التحمل، ليدفعها عنه بغضب شديد:
– لحد هنا وتوقفي ياما، عشان انا مراتي بنت ناس، واهلها مش جعانين، وكلمة تانية هتزوديها عليها، قسمًا بالله ما ادخلك بيت تاني .
– صلي على النبي يا سمير، دي لحظة غضب.
كان هذا رد شقيقه، والذي اضطر للتدخل رغم تعبه، خشية تفاقم الشجار امام زهول درية التي تصنمت محلها من الصدمة، وابنتها صارت تحاول تهدئتها:
– تعالي ياما ارجعي ريحي اعصابك، الهري دا كله هيخسرك صحتك وعيالك كمان، مش بس الفلوس.
وتحرك سمير يسحب زوجته ويخرج بها، بعدما حمل ابنه منها، ليتركها بأنفاس متدهجة، وكأنه على بعد شعرة واحدة من أن يقطع معها الى الأبد
❈-❈-❈
قارب على الانتهاء من استعداداته للسفر، فلم يتبقى سوى اشياء قليلة ينهيها قبل أن يتخذ طريقه للعودة ، أغلق الحقيبة الكبيرة بعد أن حشر بها أشيائه، ليضعها في مكان واحد مع الهدايا والمشتريات التي ابتاعها على مدار اليومين الماضيين، وعليه الآن أن يتجهز للاستحمام وتبديل ملابسه للخروج بصحبة رفيق الطفولة في احتفال صغير اعده له قبل رحلة عودته.
دلف إلى غرفة الملابس وانتقى منها حلة رائعة تليق بالمناسبة، لكن وما ان هم بخلع ما يرتديه قبل الذهاب إلى حمام غرفته، حتى دوى الهاتف باتصال من المذكور، ليجيبه على الفور متبمسًا:
– ايوة يا عدي باشا، انا كنت حالا دلوقتي داخل اخد شاور عشان اجيلك…….. بتقول ايه؟……. مين؟ ناريمان! مالها ناريمان؟ ……… ايه حصل لها يعني؟
بإجفال شديد صار يستمع إلى قول الاخر، يخبره بتلك المستجدات التي طرأت على رأسه بدون سابق انذار، واحداث لم تكن في الحسبان، ليتماسك اخيرا بصعوبة يلملم شتات نفسه، يجيب على استفسار الاخر من الجهة الأخرى:
– لا طبعا مش هستني، انا هسافر حالًا عشان ادم، هو الأهم عندي دلوقتى.
❈-❈-❈
داخل منزل صفاء ، والتي كانت واضعة طبق كبير من الفاكهة بحجرها الآن تتناول منه باستمتاع امام شاشة التلفاز، التي تشاهد عليها بصحبة اولادها، وكل فرد منهم يحمل واحد مثلها، واصوات مضغهم المستمر ترافق الفوضى التي يحدثونها في مزيج يجعل فرد مثل ذاك الغريب وسطهم ، لا يكف عن متابعتهم بغيظ شديد وحسرة تكتنفه لما أوقع نفسه به:
– في ايه يا خميس؟ عايز تاكل ما تاكل خير ربنا قدامك كتير ، بدل ما انت حاطط عينك على الولاد ، براحة عليهم لا يزورو.
قالتها بقصد استفزه ليخرج عن صمته في رد لها:
– مش هحسد عيالك يا صفاء اطمني، انا بس مضايق عشان البهدلة اللي بيعملوها في الصالة وهما بياكلوا، فيها ايه يعني لما الواحد فيهم ياكل حتة الفاكهة ويطلع البذرة في الطبق، بدل التفتفة على الارض، والسجاد اللي اتغير لونه من البقع اللي فيه.
صدر من فمها صوت استنكار سبق ردها اليه بقوة واستهزاء:
– وما يتغير لونه ولا يخلوها زريبة حتى، امهم بصحتها وتنضف من وراهم ، يعني محدش قالك انت نضف
فغر فاهه في تعبير عن ذهول تام لردها الذي جعله يردد خلفها بدهشة:
– محدش قالي انضف! في ايه يا صفاء؟ انا بتكلم ع الزوق عشان العيال تتعلم، يعني عجبك من شوية لما الواد تف لب البطيخ من بقه، لزق في خدي؟
ردت ببساطة:
– طب وفيها ايه؟ ما هو عيل يعني مش قاصد، انت اللي مش طايقهم ولا متحمل اي حاجة منهم، وع العموم يعني لو مش عاجبك، محدش غصبك على القعاد معاهم
قالتها بقصد واضح فهم عليه، لتندفع الدماء برأسه مغمغمًا بغيظ منها:
– امال هقعد فين يعني؟ بعد ما سودتي وشي بعملتك الاخيرة مع العيال وامهم، يعني لو كان بس ربنا هداكي ووافقتي ع الصلح من اول مرة، من غير ما تنشفي راسك ع الفلوس وتعملي عمايلك مش كان احسن برضو، على الاقل كان هيبقالي فرصة اتكلم معاهم، بدل ما انا لازق هنا جمبك، لا قادر اروح بيتي ولا أدير الوكالة اللي باكل عيش منها.
استمعت حتى إذا انتهى من كلماته اشتدت ملامحها بضيق واضح مخاطبة له:
– انا جيبت حقي يا خميس، وبلاها منه التقطيم فيا ع الرايحة والجاية، اما بقى عن وكالتلك يا غالي فدي لازم ترجعلها من تاني وتكمل فيها، وتشوف لك صرفة، عشان انا مش فاتحاها تكية، عيالي يعتبر يتامي، يعني عايزين اللي يجيبلهم مش يشاركهم لقمتهم.
❈-❈-❈
داخل النادي الاجتماعي الخاص بعدد مشتركيه من اسر محدوده من علية القوم ، كانت بهيرة
مع منظمة الندوة التي تقام اليوم بالنادي من أجل التعريف بأهداف الجمعية امام الأعضاء به، تتناقش معها قبل ان بدأ الفاعليات لتفاجأ باقتراب احد النساء فجأة تخاطبها :
– باهي حبيبتي مشيتي بدري النهاردة ولا مجتيش الجمعية من اساسه؟ اصل انا ماشوفتكيش نهائي.
اغمضت عينيها الأخيرة بغضب جلي، لتلتف إلى شقيقتها المتأنقة، وقد زادها الإشراق بهاءًا، واضعة النظارة السوداء فوق عينيها، وشعرها المفرود على الجانبين، وكأنها امرأة في عمر الثلاثون، تصطنع ملامح الأسى، وتسحب خلفها تلك الفتاة في ذيلها:
– لا يا نجوان، انا مروحتش، مكانش ليا نفس اروح النهاردة، اصلي بقيت اتخنق من الجمعية واللي بيتحدف عليها.
قالت الأخيرة موجهة ابصارها نحو بهجة التي تماسكت بصعوبة حتى لا ترد عليها، اما نجوان والتي أظهرت امامها عدم اكتراث:
– اه يا قلبي اكيد تعبتي كمان من المجهود، الله يكون في عونك بقالك كتير في العمل الخيري، على العموم انا قاعدة وهسد مكانك في اي وقت، انا والمساعدة بتاعتي، احنا يهمنا راحتك يا روحي.
وارتفعت رأسها نحو المرأة الأخرى توجه الحديث لها:
– مدام ايفون انا وبهجة المساعدة بتاعتي مستنينك عند المنصة الرئيسية للقاعة، متتأخريش علينا،
اومأت المرأة رأسها بطاعة، وتحركت هي:
– ياللا بينا يا بهجة.
وتحركتا الاثنتنان تاركة بهيرة تفور من الغيظ لتضرب بعصاها على الارض موجهه اعتراضها نحو المرأة:
– مكنش له لزوم يا ايفون توجهي ليها دعوة، من امتى حد غيري اصلا بيتكلم بإسم الجمعية؟
جاء رد المرأة على تردد:
– ما هي بقت النائب بتاعك يا بهيرة هانم يعني شيء طبيعي تحضر، دا غير انها مستنتش دعوتي بمجرد ما عرفت لقيتها على طول مبلغاني بحضورها .
– اه وتسحب في ديلها البنت الدخيلة دي، لأ وكمان تدمجها مع أعضاء النادي المميزين، دا شيء بقى لا يحتمل.
تطلعت المرأة نحو ما تنظر نحوه بهيرة، في تلك الجهة الموجودة بها نجوان وسط عدد من الفتيات الصغيرات والسيدات تتحدث معهم بتباسط كعادتها، وتخطف الاضواء، وتشرك مساعدتها في الاندماج معهن في خطة زكيه تتبعها الاولى، لتعبر المرأة عن إعجابها:
– بس منقدرش ننكر يا بهيرة هانم ان البنت بقت حاجة تانية عن أول يوم دخلت لنا فيه، لمسة نجوان واضحة اوي في لبسها وفي طريقتها في الكلام، دي واقفة وسط البنات ولا اكنها منهم .
– ما هو دا اللي هي عايزاه
غمغمت بها بهيرة داخلها، يغمرها الغيظ الشديد نحو أفعال شقيقتها
❈-❈-❈
كان الوقت يقارب على الساعة الخامسة عصرًا حينما استيقظت على هزهزة عنيفة، وصوت والدتها تحاول معها:
– بت يا صفية، قومي يا بت قومي يا منيلة، قومي يا بت شوفي الضيوف اللي جم عشانك.
فتحت عينيها اليها مجفلة:
– اقوم فين يا ماما؟ وضيوف مين؟ انتي بتصحيني ليه اساسًا؟
هتفت بالاخيرة تعيد شد الغطاء عليها للعودة الى النوم، مما دفع والدتها لرفعه من عليها بأكمله تلقيه ارضًا، لتشدد عليها بغيظ:
– قومي يا بت انا مرارتي مفقوعة اصلا مش كفاية عليا ابوكي اللي طب عليا بالناس الغريبة فجأة، قومي اخلصي.
اذعنت صفية تعتدل بجذعها على تخوف، يكتنفها الاجفال بعدم الفهم:
– ضيوف…. وناس غريبة! هو في ايه؟ وانا مالي اصلا؟ انا قدامي ساعتين على ميعاد المكتب عايز اريح شوية .
دنت منها سمية تزوم كازة على اسنانها بحنق شديد ، تحاول التوضيح مرة أخرى علًها تستوعب هذه المرة:
– ما هو يا هبلة يا بت الهبلة، الضيوف جاين عشانك، عريس كلم ابوكي عليكي ودلوقتي هو وأمه قاعدين في الصالة في انتظارك..
سمعت منها ليعود اليها الوعي كاملا، وروح التمرد تكتسحها ، فتتحفز كل خلاياها وكأنها على وشك الدخول في معركة.
– نعم! عريس واتفاق على جوازة صالونات مع ابويا وانا نايمة على وداني، ليه؟ هي بهيمة والشاري بيتفق مع صاحبها عليها من غير ما يتاخد رأيها، انا اعترض…. قصدي أرفض النوع ده في ترخيص الأنثى والمساس بكينونتها .
تجمدت سمية لبرهة من الوقت فاغرة فاهها بعدم فهم للكلمات التي وصلت لأسماعها، ثم سرعان ما نفضت رأسها تجليها من هذا العته، لتأمرها بضجر:
– نيلة ولا زفت على دماغك انتي وابوكي، تقومي حالًا تحضري القعدة اللي برا دي، يمشو التاس واتفلقو انتو الاتنين، توافقي بيه ولا ترفضي ولا تعنسي حتى، في ستين داهية حتى، المهم اخلص الورطة الزفت دي، جاتك القرف، قومي يا بت.
صدرت الأخيرة بقوة جعلتها تنتفض ناهضة من الفراش على غير ارادتها، لتتمتم بتوعد:
– ماشي يا ماما، عشان خاطرك انتي بس، انما عريس الهنا ده هطفشه هو وأمه ان شاء الله.
❈-❈-❈
ما أبشعها من مفاجأت، تلك التي تباغتك على حين غرة بالأسوء. في الوقت الذي غمرك احساس ما، بنفض الهموم وراء ظهرك كي تلتفت للأمام وتمر على احزانك يأتي الماضي ويطل عليك، فيتصدر امام كل تقدم .
ما كان يكتنفه في هذه اللحظة اقوى من اي شيء وكل شيء، مشاعر لا يعرف لها اسم تجتاحه الآن وهو واقف خلف اللوح الزجاجي في المشفى، بعد وصوله منذ ساعة إلى أرض البلدة الأوربية الجليدية.
شقيقه الصغير امام جسد والدته، يطالعها بنظرات الوداع بدموع لا تتوقف، يشفق عليه، يريد احتضانه، وفي نفس الوقت يخشى رد فعله حين يقترب منه، ليته تجاوز عن كره المرأة الوحيدة في تدمير اسرته وتقرب من شقيقه على الاقل ، لربما سهل الأمر عليه الآن.
– رياض انت لسة واقف مكانك؟
قالها عدي قادمًا من الخارج بصحبة احد الرجال، ليلتف اليه ويرد بصعوبة، شاعرًا بثقل الكلمات على لسانه:
– يعني هروح فين بس؟ مش قادر اتحرك واسيبه، دا اني غير متلغبط ومش عارف اعمل ايه اصلا
قالها بإشارة نحو شقيقه، والذي ابصره عدي من محله ليعقب بدعم له:
– معلش انا عارف الحمل تقيل عليك، بس هنعمل ايه؟ دا شيء محدش كان يتوقعه ابدأ
اومأ برأسه يوافقه، قبل ان يرفع اليه عينيه سائلًا:
– طب انت معرفتش السبب لموتها المفاجيء
اهتزت رأسه بأسف يخبره:
– خطأ في عملية تجميل أجرتها هنا في عيادة خاصة لشد الجسم، ادت لحدوث نزيف أثناء الجراحة نتيجة خطأ في التخدير ودا كان السبب الاساسي للوفاة، يعني اهو رغم كل التقدم والحوادث دي برضو بتحصل رغم ندرتها لكن حظها بقى.
اغمض يسحب دفعة كبيرة من الهواء داخل رئتيه، قبل ان يفتح عينيه طاردهم من صدره بعنف، بغضب يتسلل داخله، نحو تلك المرأة التي لا يصح لها الآن الا الرحمة، لو كانت تعلم ان تعلقها الشديد بمغريات الحياة سيكون السبب الاساسي لفقدها أيضًا، ما كانت استمرت في تلك الأفعال أبدًا
تابع عدي يضيف المزيد عله يطمئنه:
– انا خلصت كل الإجراءات مع المحامي بتاعنا هنا، فاضل بس موضوع ابنها….
توقف يطالعه بتساؤول واستفهام أجاب عنه رياض دون تردد:
– طبعًا مش هسيبه.
سأله بمزيد من الفضول:
– وهتتصرف ازاي معاه؟ الولد ميعرفكش اساسًا؟ انا بقترح اخده معايا واهو يقعد مع الولاد ، على ما ياخد عليك ، يمكن مع الوقت…..
– مفيش مع الوقت يا عدي.
قاطعه به بملامح طغى عليها الهم، ومسؤولية تقسم الظهر:
– لو مخدتش عليا من دلوقتى مش هيقبلني بعد كدة ابدًا، قعاد عندك ولا هنا مش هينفع، ادم لازم يجي معايا مصر، رغم صعوبة القرار والنتائج المترتبة عليه، بس انا شايف انا دا اسلم حل .
❈-❈-❈
بملامح عابسة، ووجه لم تضع به نقطة واحدة من مساحيق التجميل والزينة كما تفعل باقي الفتيات في مثل تلك المناسبات، ضاربة بتعليمات والدتها وتوصياتها عرض الحائط، حتى انها لم تخشى رد فعل ابيها الذي وقعت عينيها عليه اول الحضور في الجلسة، وقد كان مسترخيًا في الحديث بصورة أظهرت ترحابه الشديد بالأمر، فاليأخذ فرحته الآن قبل أن تصدمه برفضها، نحو هذا ال….. تبًا، انه هو!
– عروستنا القمر، قدمي يا صفية وقفتي ليه؟
قالها محروس يدعوها للمواصلة بعدما توقفت في وسط الصالة امامهم، بأبصار شاخصة، المفاجأة جمدتها محلها حتى لم تستوعب لفعلها سوى بعد قول والدها، ودفع والدتها التي نهضت من محلها، لتجذبها من ذراعها بابتسامة ظاهرة، وهمس خفي:
– بلمتي في نص السكة ليه يا منيلة؟
علت بصوتها بعد ذلك بأدعاء الضحك لتغطي على توترها:
– عروستنا مكسوفه بقى يا جماعة اعذروها.
– اكيد يا طنت لها عذرها
نطق بها يشعل رأسها ناحيته، وقد وقف يستقبلها بابتسامة وأدب جم، بجوار والدته التي بدت على ملامحها الطيبة وهي تتلاقها بالتكبير والتهليل:
– بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن فيما خلق، دا انتي قمر فعلا يا عروسة تعالي يا حلوة وسلمي، ولا الكسوف هيمنعك ما تسلمي علينا.
انتفض داخلها وتحفزت نحوه بشر، ليندفع الادرينالين بعروقها وتتقدم بخطوات مسرعة هذه المرة لتنفي عنها الصفة السابقة:
– ابدا يا طنط مفيش كسوف ولا حاجة ازيك .
قالت الأخيرة وامتدت كفها تصافح المرأة، والتي جذبتها اليها تضمها بقوه، وتقبل وجنتها بأصوات واضحة:
– يا ختي يا حلاوتك، قمر يا ناس قمر، وطبيعي ولا نقطة مكياج، والله وعرفت تنقي يا واد.
قالت الأخيرة بغمزة نحو ابنها الذي اتسعت ابتسامته غير مباليًا بشرار عينيها الموجه نحوه في تلك اللحظة وهي تترك والدته وتمتد كفها اليه بندية:
– اهلا يا دكتور، اَنست وشرفت .
ضغط على كفها يرد التحية لها:
– دا نورك يا أستاذة صفية.
– ايه ده؟ هو انتو تعرفوا بعض؟
تسائل خميس باستفساره فجاء الرد من ابنته التي ألتفت تجلس امامهم بثقة، رافعه عنها غطاء الخجل:
– يعني يا بابا، تقدر تقول كدة معرفة سطحية.
أضاف هو يوضح بمنظوره:
– اااه بس كانت كافية اوي ان اعرف اخلاقك الممتازة يا أستاذة واجري على والدتي واقولها ان لقيت بنت الحلال اللي تستاهل ابنك الغالي
– اللي تستاهل !
تمتمت بها بتعجب ازداد مع قول والدته التي أيدته:
– اه والله يا اسطى محروس ، دا انا كمان قلبي انشرح دلوقتي بشوفتها وهاين عليا ازغرط من دلوقتي. عشان انتو اكيد مش هتكسفونا صح؟
رد على قولها محروس:
– لا طبعا، معاش اللي يكسفك يا حجة، هي تطول اساسًا؟.
توسعت عينيها بإجفال لقول والدها، ليصدر اعتراضها بانفعال، غير قابلة بالتقليل من شأنها:
– هي مين اللي تطول ولا متطولش يا بابا؟ انا محامية وليها وضعها، لو سمحت بلاش تقليل، انا…..
قاطعها هو يكمل من عنده:
– انتي الأستاذ الاَنسة صفية، هي دي حاجة محتاجة نباهة برضو؟ ولا انا لسة هعرفك يعني؟
وعاونته والدته هي الاخرى:
– معاش اللي يقلل منك يا سيادة المحامية، دا على كدة ابني صدق لما كان بيقول فيكي شعر .
وكأن بقولها اطفأت بدلو من الماء نيران على وشك الاشتعال، رغم المبالغة في القول، لكن العفوية في التحدث كان لها أثر السحر عليها، لتبدي اسفها نحو المرأة بحرج:
– متشكرة يا خالتي، انا كمان مكنش قصدي اتعصب.
واصلت المرأة بمعسول الكلام:
– يا ختي عليكي وعلى حلاوتك، شوفت كدة يا دكتور الحلاوة ع الطبيعة بيظهر فايدتها ازاي مع الكسوف، الوش احمر وبقى زي حبة الطماطم.
– اه والله يا ماما عندك حق
سمعت منه لترتفع عينيها اليه بغيظ، وتحدث والدها بمبالغته:
– والله انتو اللي مفيش احلى منكم، انا من ساعة ما الدكتور كلمني وانا الفرحة مش سايعاني، اصل البت دي مرزقة، زي اختها زهرة هي كمان اتجوزت راجل أعمال كبير ومشهور اوي، انا راجل على قد حالي اه، لكن عندي بنات يتقالوا بالدهب ، أهم حاجة السمعة والاخلاق
والدها يتحدث عن السمعة والأخلاق!
كادت ان تبزغ ابتسامة جانبية ساخرة منها تعقيبا على قوله، ولكنها تماسكت ، لتعطي انتباهاها للمرأة التي صارت تتحدث عن قريتهم، واسم عائلتهم الكريمة، وما يملكون من اراضي زراعية، ثم الثناء على اخلاق ابنها الجالس بأدب القرود بينهم الآن،
ذلك الذي بمجرد النظر اليه، يثير داخلها التحفز، فما يفعله الآن بالتقدم اليها مباشرة ودون اخذ رأيها يدفعها للتهور وعدم الزوق، ولكن بوجود تلك ألمرأة الطيبة او ربما الذكية دائمًا ما تجهض محاولاتها من البداية.
حسنًا فالتمر الجلسة على خير ولابد من مراعاة أصول الضيافة،
– كدة انتو عرفتو كل حاجة عنينا يا سيادة المحامية، مستنين بقى ردك ، مع اني كان نفسي تبقى قراية فاتحة دلوقتى .
– عادي يا حجة نخليها قراية فانحة
قالها محروس ببلاهة إعادتها لنفس النقطة من الغضب حتى كادت ان تقلب الطاولة بالرفض لولا ان الاخر لحق يسبقها:
– لا يا عمي طبعا مينفعش، العروسة لازم تاخد فرصتها في التفكير، ولا ايه؟
توجه في الأخيرة نحوها بابتسامة المعهودة، لتبادله بنظرة مقصودة يفهمها:
– عادي وماله، ناخد وقتنا في التفكير.
زمن