رواية حان الوصال الفصل السابع والثلاثون
تقبض على عجلة القيادة بشدة من فرط غيظها، وفمها لا يتوقف عن صب اللعنات نحو هذا السمج الذي جعلها أضحوكة الليلة كما يصور لها عقلها:
– غتت وغلس ودمه يلطش، لأ وعاملي فيها
دكتور بجد وبيوجه النصايح، بس كله من مدام نجوان، هي السبب، خلته ياخد الثقة عشان يفتي براحته.
على الكرسي المجاور لها، كانت بهجة تكتم بكفها على فمها الذي لا يتوقف عن الضحك منذ ان استقلت معها السيارة، تسمع لها ولا تستطيع المجادلة، تقديرًا لحالتها، فما فعله هذا الشيطان معها اليوم ، في مشاكسة خجلها والغزل المبطن بصورة مقصودة أظهرت اهتمامه الصريح بها امام الجميع ممن كانوا حاضرين سهرة اليوم، حتى شقيقتها الصغرى انتبهت للأمر.
– كفاية ضحك يا بهجة انا على اخري .
صاحت بها لتجبرها على التحدث وإبداء الأسف:
– يا ستي سامحيني، بس انا والله ما قادرة أوقف، كل ما افتكره وهو بيناديلك الأستاذة الآنسة صفية مبقدرش امسك نفسي، ولا كمان لما يناغشك ويستفسر بغلاسة على اي جملة تقوليها، فظيييع…….
– هو فعلا فظييع، بس بغلاسة بغتتاتة بأي حاجة وحشة.
كانت تتحدث ضاغطة على اسنانها بصورة تزيد من استمتاع بهجة التي كانت تجاهد للأ تزيد عليها:
– معلش يا حبيبتي، هو يمكن هزاره تقيل عليكي، عشان شايفك بس مؤدبة زيادة عن اللزوم وبتصديه على اي كلمة يقولها .
– وعشان مؤدبة بيستغل يقلل من احترامي ويضحك اي حد عليا، دا حتى شادي ابن عمتك، الراجل الوقور المحترم مكنش قادر يمسك نفسه هو ومراته، ولا اخواتك هما كمان، مكنش ناقص غير اللي على باقي الطرابيزات في الكافيه تتفرج علينا
هذه المرة تحدثت بلهجة أوشكت على البكاء، تجبر بهجة على التوقف، بل والتخفيف عنها:.
– بس هو مقللش منك ولا ضيع احترامك في اي وضع، انتي اللي واخدة الأمر على اعصابك، عشان عارفة قصده كويس اوي واحنا كمان عارفين وشادي ابن عمتي راجل حبيب وحاجة زي دي متخفاش عليه، ميبقاش عقلك مقفل واستوعبي .
ارتخت معالمها وخفت حدتها بعض الشيء مرددة باستفهام:
– استوعب لإيه بالظبط؟ هو قصدك إعجاب ولا الكلام الفارغ ده انا مليش دعوة ولا اعترف بيه أساسًا، انا محامية يا بهجة، والبلاوي اللي بشوفها في مهنتي تخليني اكره الصنف كله.
– يا سلام، انتي مصدقة نفسك يا صفية، الرجالة زي الستات، في كل حتة في الوحش والحلو ، في الطيب وفي الشرير .
– عارفة.
تمتمت بها ثم توقفت برهة قبل أن تستطرد بقلق:
– بس برضو انا معرفهمش عشان عمري ما اختلطت بحد غريب عني منهم، كل معرفتي بيهم تتمثل في اتنين، واحد فيهم ابويا وانتي عارفاه دا يخليكي تقتلي الصنف كله مش تكرهيه، اما بقى التاني فهو خالد خال زهرة اختي وخالي انا بالتبيعية لها، ودا بيعاملني زي بنته، لكن ناس من سني مجربتش، حتى لما كنت في الجامعة، عمري ما سمحت لحد من الشباب يزود عن السؤال معايا، ولما اشتغلت محامية بقى كل علاقاتي يا خناق في المحكمة مع حد منهم، يا يبقى برا المحكمة في منافسة العمل وإثبات الذات،
تركتها بهجة حتى انتهت لتعقب بمرح:
– يا عيني يا حبيبتي، شوفي انتي بتكرهيهم ازاي؟ قوم حظك يوقعك مع واحد منهم زي الدكتور هشام، استاذ في الفرض والمكر، زي التعلب بالظبط.
– دا على نفسه؟
قالتها صفية لتتبدل ملامحها للشراسة مرددة:
– تعلب بقى ولا ديب ميهمنيش انا، لا هو ولا غيره، حد يقدر يهز شعرة فيا، وانا هوقفه عند حده، وابقي تشوفي.
رددت من خلفها بجدية وحماس:
– ماشي هبقى اشوف
❈-❈-❈
– إنت قاعد في الضلمة ليه يا رياض ؟
صدر السؤال من والدته بعد عودتها إلى المنزل وتفاجأها بجلوسه في بهو المنزل دون إضاءة ولو خفيفة حتى من مصابيح المنزل المتعددة، لتضغط وتنير عدد منهم ، قبل ان تتجه وتأخذ جلستها على الكرسي المقابل، متابعة بقلق عقب عدم رده :
– بكلمك يا رياض، هو انت مسمعتش
زفر يجيبها:
– سمعت يا ماما، بس انا دماغي مشغولة، ومكنتش حاسس بجو الضلمة اساسا.
تمتمت بما يشبه السخرية:
– لدرجادي؟ ع العموم اللي ياخد عقلك يتهنا به، المهم تكون بخير بس .
– بخير يا ماما، أن شاء الله هكون بخير
قالها بتحدي جعلها تنهض عن مقعدها قائلة:
– اتمنى والله ، مفيش ام تكره الراحة لابنها، عن اذنك بقى اروح انام .
وما شرعت بأن تحركت حتى سمعته يوقفها:
– على فكرة انا عندي ليكي خبر جديد
– سألته بدهشة:
– هو ايه؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
خرجت مع شقيقاتها صباحًا على ميعاد فتح محلهم ، في ظل انشغال شقيقها باستعدادته لدخول الجامعة، فقد قررت صرف عقلها عن التفكير او على الاقل المحاولة بالانشغال الدائم، وقد ساهم لقاء امس مع الأحبة ان يعطيها دفعه للاستمرار حتى يحدث الله امرَا،
كانت في هذا الوقت تمسح على الطالاوت وعائشة وجنات قد تولتا أمر المطبخ، في التحضير لعمل اليوم مع الرواد
وكانت المفاجأه حينما وجدته فجأة أمامها ، حتى كادت ان تفرك بعينبها حتى تتأكد من هويته، ولكنه أكد بقوله اليها:
– صباح الخير يا بهجة، عندك وقت تقعدي معايا وتسمعيني؟
كتمت زفرة الإحباط داخلها، فالبداية غير مبشرة على الإطلاق، لتربط على قلبها في محاولة للتماسك والاستعداد للقادم منه:
– اكيد طبعا، اتفضل وقول اللي انت عايزه.
وأشارت بيدها على أقرب طاولة بينهما، وجلست تسبقه في الجلوس، تبتلع ريقها بتوتر شديد تحاول السيطرة عليه، فتبعها بهدوء يتخذ مقعده مقابلا لها، لتلتقي بندقتيه بخضرواتيها وحديث سريع دار بينهما ، يحمل عتابًا، يحمل اشتياقًا ولوعة، يحمل قلقًا ترتجف له أطرافها:
– اتفضل انا سمعاك، ومستعدة لأي قرار منك.
لم يجيبها إلا بعد فترة من التأمل قائلا:
– تصدقي انك وحشتيني رغم اني شايفك امبارح ، ورغم الخناق، مش عارف هعمل ايه في الايام اللي جاية بعد…..
– إنت خلاص قررت وهننفصل خلاص؟
فضحتها اللهفة امامه، حتى اثارت على ثغره ابتسامة رائقة يشاكسها:
– انتي عايزة ايه؟
اخجلها بلفتته، فحاولت الإنكار بردها:
– يعني هعوز ايه؟ ما انت سمعتني امبارح، القرار في ايدك .
خبئت ابتسامته فور ذكرها عن حديث الأمس، ليتمالك متحدثًا بجدية:
– تمام يا بهجة عرفت، وانا جي النهاردة عشان ابلغك…
انتبهت جميع الحواس وتحفزت كل خلية بجسدها في الترقب مرددة بضيق بعد قطعه للعبارة:
– تبلغني بإيه؟
– ابلغك اني مسافر يا بهجة.
تقافزت الأسئلة برأسها تتمتم بها باستفهام لا يتوقف:
– مسافر فين بالظبط؟ وليه؟ وكدة معناها انك مفارق خالص يعني؟ طب هتسيب طنط نجوان ولا هتاخدها معاك؟
زم شفتيه في انتظار انتهائها، حتى إذا توقفت جاء رده:
– اديني فرصة اكمل يا بهجة.
ابتعلت رمقها بقلق متعاظم توميء له بالمواصلة، وخفقان قلبها المتسارع تخشى ان يصل لأسماعه:
– انا مسافر اخلص شوية شغل يا بهجة، كان المفروض اللي يقوم بالمهمة دي كارم، بس انا نحيته عشان أخدها فرصة اغير جو وافكر كويس، يعني ممكن المدة تطول عن الكام يوم لأسبوع، او الشهر لو احتاجت….
– او لسنة كمان براحتك خالص على فكرة
أضافت بها بانفعال آثار تسليته ليعقب:
– وافرضي وصلت لكدة فعلا، ايه اللي يعصبك؟
– ازاي يعني ايه اللي يعصبني؟ انت واخد بالك بتتكلم في ايه؟ وأحنا كنا متفقين على ايه امبارح؟ لو ناوي تخلع يا بن الناس قول وخلص، عشان كل واحد يروح في طريقه ويشوف سكته، مش اقعد انا في انتظارك وانت تلوف على واحدة تنسيك البلد واللي فيها هنا.
كاد ان ينفعل هو الاخر ردًا على ثورتها، ولكن بانتباهه لقولها الأخير تحول غضبه لابتسامة متسعة كي يغيظها:
– يعني انتي اللي قالقك هو اني ممكن ابص لوحدة تانية وانساكي؟
امتقعت ملامحها بالحمرة القانية لتعود للإنكار والمكابرة:
– لأ طبعا انا بتكلم عن نفسي، ما هو مش معقول يعني أفضل كدة مركونة ع الرف، مش يمكن انا كمان اشوف نفسي ولا الاقي اللي يعجب بيا…….
– اخرصي يا بهجة
هتف بها مقاطعًا بحدة اللجمتها على المواصلة، يحدجها بنظرة قادرة على احراقها، ثم اردف بحزم:
– خلي بالك من كلامك عشان انا لحد الان مصبر نفسي ومطول بالي، مش عايز ازعلك ولا أزيد عليكي، انتبهي بقى.
اسبلت اهدابها عنه، غير قادرة على مواجهة الجمر المشتعل بثاقبتيه، واضطرت التزام الصمت ، تتركه يردف:
– الأمر مش هيطول للسنة والكلام الفارغ ده، انا قولتك هخلص شغلي واخدلي كام يوم راحة، واهي نعتبرها فرصة لينا احنا الاتنين……..، فاهماني يا بهجة؟
اومأت بتحريك رأسها لتجيبه باستدراك متأخر:
– اكيد فاهماك، سافر يا رياض، ووقت ما تلاقي نفسك قدرت وقادر على الاستغناء ياريت متأخرش عني، عشان انا متأكدة اني مهما طال البعد او وجعني، برضو مش هغير رأيي .
زفر بحنق لا يعجبه تحليلها ، وفي نفس الوقت لا يملك الحجة لإقناعها بغير ذلك، لينهض فجأة يجفلها بطلبه:
– طب مش هتودعيني بأي حاجة وانا ماشي دلوقتي؟ .
استقامت عن مقعدها هي الاخرى قائلة بعدم فهم:
– اودعك بإيه يعني انا مش فاهمة؟
– تعالي انتي لسة هتفكري.
قالها ليباغتها على حين غرة بسحبها اليه، كي يضمها إلى صدره، يسحب رائحتها داخل رئتيه، وكأنه يدخل اليهما الهواء ليحيا، شدد عليها بذراعيه مغمض العينين، لا يريد من العالم شيء آخر، وهي لا تقل عنه، حتى تلك القشرة الواهية التي تتحلى بها في مقاومته لم تعد تشعر بها الآن، وقد ذابت في غمرته، كطفلة ينقصها الحنان، ولكن لا تقبله إلا من والدها.
– هتوحشيني يا بهجة، انا واثق ان مهما طالت المدة او قصرت هفضل دايما مشتاقلك، ربنا يقدرني بقى.
– وأنا كمان ربنا يقدرني
قالتها بصدق، ولم يشغلها توضيح المعنى، لتستدرك بعد ذلك لوجود شيقيقتيها داخل المطبخ، فربتت على ساعده تنبهه:
– البنات جوا يا رياض .
افلتها مضطرا ليعود لتأملها قليلًا قبل أن يجبر قدميه للتحرك والذهاب من أمامها، فتسقط عائدة لمقعدها بتعب لا ينتهي، تنظر إلى السماء بتضرع، ترجو النهاية لهذا العذاب
❈-❈-❈
وفي قسم الشرطة
حيث اللقاء المباشر لسميرة بابنها ولأول مرة منذ القبض عليه، وعلاج الجروح المنتشرة بوجهه وبعض أعضاء جسده، لتهتف بصب اللعنات على من فعل به ذلك، متغاضية كعادتها عن السبب الاساسي لما وصل به إلى هذا المصير وكأنه بالفعل مظلوم :
– جاته كسر ايده، شالله ما يوعي يعمل بيها حاجة تاني، البلد دي فيها حكومة، انا بكرة افضحهم في الدنيا كلها واجيبلك حقك يا حبببي، انت لازم تساعدني يا متر
توجهت بالاخيرة نحو المحامي الموكل بالدفاع عنه، ليعقب محذرًا:
– تحت امرك يا هانم، بس احنا كدة هنفتح علينا طاقة جهنم خصوصا وإن ابراهيم ممسوك متلبس، وفي كذا قضية حضرتك
شهقت بغضب وجاء رد ابراهيم بقرف:
– مين ده يا ما، مجبتيش ليه اللي اتولى القضية المرة اللي فاتت؟ هو كان حرامي بس بيجيب الناهية مش صاحبنا ده، شكله الجواب باين من عنوانه
بادله الرجل توجيه النظرات بازدراء ، فجاء الرد من والدته:
– إنت قولتلها بنفسك حرامي، دا اللي طلبه مني المرة دي، ضعف اللي لهفه المرة اللي فاتت عشر مرات، يعني فوق طاقتي يا بني.
جأر بها غاضبًا:
– فوق طاقتك ده ايه يعني، والمحروس جوزك راح فين؟ الفلوس اللي بيكوم فيها دي هيبسبها لمين غيري لما اقعد العمر كله محبوس؟
– هيسبها لعياله من مراته التانية .
– ننننعم، انت بتقولي ايه؟
ردت بنبرة باكية :
– بقولك اللي حاصل يا نور عيني ، بعد اللي حصل ابوك قالهالي في وشي مش من حد غريب، بقالو سنتين متجوز في اسكندرية واحدة من هناك، الملعونة خلفتلو توأم مش واحد، قال عشان يعوضوه عنك، بعمايلك اللي كانت دايما مسودة وشه.
دخلت في نوبة من البكاء تواصل :
– انا كنت ناوية أفرج عليه خلق واشحططه في المحاكم، بس هو هددني، أن ما كنت ارضى لا يطلقني ويديني كل حقوقي بس مش هيصرف مليم عليك، وانا
اضطرت اوافق عشان خاطرك يا بني.
وأكملت ببكاءها، ليتمتم بالسباب والشتائم غير مباليًا بوضع الرجل اليه، ويردد متوعدًا :
– ماشي اوي، خليه يفرح بالسنيورة، أنا ان ماكنت اطلع منها واخنق له الجوز ، انت يا راجل انت، تعمل المستحيل وتطلعني من هنا ، يا اطلع انا روحك
ردد الرجل يراضيه بالكذب خوفا منه:
– طبعا طبعا يا عم هيما، ان شاء الله هعمل كل جهدي واخرجك من المصايب دي.
❈-❈-❈
في الناحية أخرى
اعتدلت بجذعها عن الفراش تستقبل ضاحكة ، ذاك الذي دلف اليها في غرفة النوم بصنية الطعام التي أعدها بيديه، مرددًا بطرافة:
– الفطار يا ستو هانم،
انتظرت حتى اقترب يضع الصنيه على قدميها بحرص متابعًا بتفاخر:
– شوفي كدة، صنعة ايديا يا خرابي عليا.
زادت ضحكاتها وهي تتطلع إلى ما تحتويه الأطباق امامها، مرددة:
– بصراحة هو فعلا يا خرابي عليا، البيض محروق يا عصام، ولا الجبنة… انت دلقت العبوة كلها، ليه يا حبيبي؟ ولا…..
– ولا.. ايه؟ ارفع انا الصنية خالص مدام هتتحفيني بانتقداتك لمجهودي العظيم.
وهم ان يرفعها بالفعل ألا انها لحقت تمعنه لتتحول لهجتها للتملق:
– لا يا عم انت صدقت ولا ايه؟ دا انا بس بهزر ، هات هات حد طايل اصلا؟ دا الواد اللي في بطني هيدعيلك.
– اااه، حبيب ابوه ده، عشان خاطره بس.
قالها بتأثر ليدنو يقبل فوق بطنها، ثم سحب الكرسي ليتناول معها أفطاره، مردفًا:
– وانا اللي مصبرني على البهدلة دي غيره، خليه يطلع بقى ابن الجزمة ده، روحي انا اللي هتطلع على ما يوصل .
ردت بإشفاق:
– بعد الشر عليك يا حبيبي هانت، بس انت كمان محمل نفسك زيادة عن طاقتها، ما لو كنت وافقت اروح لأمي….
– بس يا امنية، تروحي لمين؟ هي امك دي حد يروح لها دلوقتي ولا يشوف وشها اساسًا بعد اللي حصل معاها، دي حتة تعويره في راسها، مقومة الدنيا عليها وعاملة فيها صاحبة اصابة خطيرة، عليا النعمة انا بتصعب عليا رؤى.
كان يتحدث بإسهاب فلم ينتبه لتغيرها سوى اخيرا، ليسارع بالتلطيف:
– ايه يا باشا، احنا هنزعل ولا ايه؟ اعتبريني متكلمتش أساسًا.
تبسمت مستجيبة لمزاحه:
– دا على اساس اني عيلة صغيرة يعني، ماشي يا عصام باشا، ع العموم انت مقولتش حاجة غلط، دي امي وانا عارفاها، عندها حتة الجهل زيادة شوية، بس انا اتعودت عليها، اصل مش هتبرى منها يعني.
– لا يا ستي متتبريش، انتي بس شدي حيلك عشان تقفي على رجلك من تاني ، ونخلص بقى من تحكمات الدكتورة دي بقى، انا جيبت أخرى يا ست
قالها بدراميه جعلها تعود للضحك مرة أخرى بصوت أعلى، مرددة لترضيته:
– حاضر…. والله حاضر…..
❈-❈-❈
وفي مطار القاهرة الدولي
توقفت محلها وسط مجموعة كبيرة من ألافراد من كافة الجنسيات تراقب توجهه نحو المغادرة إلى طائرته، يجر حقيبة السفر، ورأسه تلتف كل دقيقه نحوها، وهي متربعة الذراعين، مكتفيه بحديث العيون، لقد عرض عليها بالأمس الذهاب معه إلى تركيا، وقضاء الوقت بين أعضاء الفرع الثاني من العائلة، ولكنها رفضت، لسبب واحد، وهو ان تعطيه الفرصة الكاملة ليحدد قراره، رغم يقينها الكامل به، إلا أنها تفضل ان يأتي عن قناعة كاملة منه وحده.
وهي الآن عليها التحرك داخل الوطن، لتفعل ما برأسها، وضعت نظارتها السوداء فوق عينيها، لتغادر صالة المطار، لتذهب نحو وجهتها.
❈-❈-❈
خرجت من البناية التي بها مقر عملها، مكتب المحاماة خاصتها، بعد انتهاء نوبة عملها الصباحية، حتى تعود إلى المنزل، ثم تأتي على ميعاد نوبتها المسائية، مندمجة في الحديث مع إحدى السيدات التي ترافعت عن ابنتها قريبًا وحصلت لها على البراءة:
– ولا يكون عندك فكر يا ام ريهام، انا مش ههدى ولا يرتاح لي بال غير لما اطلعها من القضية وإن شاء الله المرة دي ماتوصلش للنيابة ولا تتحول للمحكمة ، انا شايفة الموضوع ميستاهلش بإذن الله.
– بجد يا ست المحامية، يعني مش هتشحطط وراها زي ما حصل المرة اللي فاتت .
– بإذن الله مش هيحصل اطمني، بس ياريت توصيها بقى تخف عصبيتها دي شوية، مش اي حد يكلمها تفتح نفوخه، خليها تتعلم تتجاهل حبتين، دا احنا بنقابل بلاوي ياما في حياتنا.
سمعت منها المرأة لتردد بعفويتها تدعي:
– من عيوني هقولها وهوصيها كمان، مع انها خدت الأمان من ساعة ما بقت تخرج من الحبس على ايدك، اللهي يارب يفتحها عليكي ويرزقك بالقضايا لحد ما تبقي محامية قد الدنيا .
– ربنا يخليكي يا ستي، تعالي اوصلك معايا في عربيتي
تلقت المرأة دعوتها بمزيد من الامتنان:
– لا انا مشواري قريب يا أميرة يا بنت الامرا، روحي انتي، وربنا يكرمك وتلاقي العدل، مسافة ما تلفي راسك تلاقيه في وشك، سلام يا ست المحامية، الف سلامة
وتحركت تغادر امامها، فتتبسم في اثرها صفية متمتمة بسخرية:
– مسافة ما الف الاقيه في وشي كمان، والله انتي عسل يا ام ريري.
تنهدت ضاحكة لتلتف نحو سيارتها، فتجحظ عينيها حينما وجدته امامها، بابتسامته المتسعة متكئًا على سيارتها، يخاطبها ببرود لا يتخلى عنه أبدًا في حضورها:
– أستاذة آنسة صفية، عاملة ايه؟
ضاقت عينيها بغيظ اختلط بريبة لا تفهمها، لتلتف برأسها للخلف نحو المرأة التي تاهت وسط المارة ثم تعود اليه سائلة:
– هو انت ليك علاقة بام ريري؟
سألها بعدم فهم:
– مين ام ريري؟
ضغطت عينيها وقامت بفتحهم سريعًا بإحباط، وقد استوعبت ان الأمر لا يتخطى الصدفة، مما زاد عليها، لتغمغم بغيظ شديد:
– الله يسامحك يا ام ريري، انا شكلي هيحبسلها بنتها المرة دي، عشان استريح منها ومن دعواتها.
– انتي بتكلمي نفسك، يا آنسة يا أستاذة صفية؟
نزعها من شرودها بكلماته، لتنفعل به:
– متقولش يا زفته، انت جاي ليه اساسا ها؟ لتكون قاصد توصلني كمان المرة دي؟
أجابها بهدوءه المعتاد:
– بعد الشر عليكي، لا الحقيقة انا مش جاي اوصلك للأسف يعني، انا جايلك بصفة رسمية، اصل امي عايزة تقابلك.
– نعم!
– بخصوص قضية، اصل خالي واكل ورثها، وهي عايزة اشوفك تدليها بإيه؟
– يا سلام، وانت عايزني بقى اقولك في الشارع.
– لا طبعا انا جاي اخد رأيك الاول، تجيلك ع المكتب ولا على بيتكم احسن.
صارت بعصبية مرة اخرى، لا تستوعب حديثه.
– بيت ايه اللي تجيني فيه؟ دكتور هشام هي والدتك عايزة ايه بالظبط؟
تنهد يتصنع الجدية في رده لها:
– اشرحلك اكيد يا أستاذة بالتفصيل عشان تشوفي أبعاد الموضوع ، بس كدة يستلزم قعدة بقى، تحبي نرجع فوق على مكتبك، ولا نخرج برا على اي كافيه او كازينو قريب من هنا، يا آنسة يا أستاذة صفية؟
❈-❈-❈
دلفت إلى محل الكافيه خاصتهم ، وبعد الترحيب بعائشة والمزاح معها، تجولت تبحث عنها، حتى وجدتها بزاوية مختصرة، بعيدة عن الجميع، ممسكة بهاتفها مندمجة عليه بتركيز على شيء ما،
– ممكن افهم، سايبة اخواتك وقاعدة لوحدك ليه بقى؟
اجفلت بهجة في البداية لحضورها، لكن سرعان ما استوعبت تجيبها:
– معلش بقى، اصل لقيت نفسي مضايقة قولت اشوف مستقبلي، واديني دخلت اهو على موقع الكلية، يعني مش هبكي ع الاطلال.
– ومين طلب كدة؟ وهو في اطلال اصلا؟ قومي يا بنت تعالي معايا.
خطفت منها الهاتف تجبرها على النهوض والتساؤول:
– اروح معاكي فين؟ وانتي خدتي التليفون لي اصلا؟
باغتتها بجذبها من يدها لتسحبها وتجبرها على السير معها:
– هقولك واحنا ماشين، تعالي ياللا .
حاولت بهجة التوقف بمزيد من الدهشة والاستفسار:
– طب قوليلي طيب، ساحباني ورايحة بيا على فين؟
واصلت نجوان الخروج بها مرددة:
– هفهمك كل حاجة مستعجليش.
❈-❈-❈
في ذاك القصر الضخم الذي يطل على بحر البوسفور، حيث الجمال والمشاهد الساحرة لذلك الجزء الخاص من المدينة، فلا يسكنه سوى القلة المحظوظة من البشر.
كانت الجلسة التي تجمع بين اثنين افترقا منذ سنوات عديدة، وانفضت صداقة تجمعهما بحكم القرابة وتقارب الأعمار بينهما، ليأتي اليه الأن، وتسحبه أقدامه اليه، يتحدث اليوم ويسهب مخرجًا ما في قلبه،
– إنت تقريبًا من سني، وتفكيرك نفس تفكيري، لو كنت مكاني، كنت تقدر تقوم بالخطوة دي؟
فترة من الصمت مرت في تبادل النظرات بين الاثنان، ما بين حيرة وغموض غير مفهوم حتى خرج صوت الأخر:
– طب انت عارف انك عملت اللي كان نفسي اعمله انا في يوم من الايام .
سأله قاطبًا:
– هو ايه اللي كان نفسك تعمله في يوم من الايام؟
تنهد بشجن ليشيح بأبصاره نحو زرقة المياه الصافية امامه من شرفة المنزل العريق، بحنين عاد يذكره بنقطة ما في العقل لا يقوى على نسيانها ابدًا:
– اني اتجوز اللي بحبها يا رياض، انا أعجبت بستات كتير وعاشرت ستات اكتر، واتجوزت ست جميلة وفيها تقريبا كل الصفات اللي يتمناها اي راجل ، بس محبتش في حياتي غير واحدة بس، واحدة عرضت عليها فكرة الجواز في السر زيك كدة، بس انت حظك كان احسن من حظي لما وافقت وطولتها، انما انا بمجرد عرض الفكرة نفسها خسرتها، وفضلت عليا واحد اقل مني في كل حاجة، لأنها شافت التقدير منه، اللي ملاقتهوش مني انا .
سأله بفضول وقد استرعى اهتمامه الضعف الذي يلمسه ولاول مرة من شخص مثله:
– مين دي اللي قدرت تهز قلبك؟ لا وكمان لقت اللي تفضله عليك انت؟
اجابه بشرود وقد تمثلت صورتها الجميلة امامه:
– عيون بلون العسل، بشرة خمرية من اجمل ما رأت عيني، وشخصية معتزة بنفسها وكرامتها، شموخ الجبال ورقة الصبا.
عبر رياض عن دهشته:
– يااه، انت كمان بتقول فيها شعر، والله ما كنت أتوقع أن الكلام ده يطلع منك انت يا عدي، ولا يمكن عشان مطولتهاش زي ما قولت .
صمت الاخر برهة بتفكير متروي قبل ان يرد على سؤاله بسؤال:
– طب ما اخد انا رأيك انت بما انك خضت التجربة فعليا، بعد ما طولت اللي أعجبت بيها او حبيتها، مش راضي تسيبها ليه دلوقتي.
اجابه بصدق
– عشان مش قادر، ان كان الحرمان صعب، فنار القرب والتهديد بالبعد أصعب بكتير، امال انا سيبت البلد وجايلك ليه؟ عشان مش قادر، مش قادر يا عدي وعايز النصيحة يمكن الاقي عندك الحل
– كنت نفعت نفسي
قالها الاخير بمزيد من الأسى الذي ارتسم على ملامحه الوسيمة، وجدية تختلف تماما عن العبث الذي يتحلي به معظم الأوقات، بصورة ضاعفت من ذهول الأخر، وتعجبه أيضًا، ليستائل:
– طب ومراتك؟ وولادك ؟ ايه وضعهم بالظبط؟
تبسم يجيبه:
– مراتي بحبها، وولادي بموت فيهم، بس برضو هتفضل البنت اللي بقولك عليها، ليها مكان في القلب عمره ما يتغير ولا ينمحي بأي وقت.
داخل غرفة سامر والتي كان يدخلها ولأول مرة منذ الحادث، عائدًا من المشفى الذى قضى بها عدة أيام للعلاج ، مستندًا على ذراع شقيقه، يرافقه والدته وشقيقته، وتلك التي أقلته بسيارتها:
– اتفضلي يا لورا، هو انتي غريبة؟ دا انتي بقيتي خلاص من أصحاب البيت
قالتها درية بتملق تحثها للتقدم حينما وجدتها تقف على مدخل الغرفة ولم تواصل الى داخلها،
فجاء ردها هي بحرج :
– مرسي يا طنت، انا اصلا ورايا مشوار.
هتف هو مناديًا بإسمها بعد أن سطحه شقيقه على الفراش:
– تعالي يا لورا، اقعدي حتى دقيقتين قبل ما تمشي، على الاقل تاخدي واجبك، ولا انتي شيفانا بخلا؟
– تبسمت مستجيبة لندائه قائلة:
– لا يا سيدي مش بخلا ، بس انت قولت اني مش غريبة، يعني مفيش داعي.
تكفل بالرد هذه المرة سمير بشيء من المزاح:
–
– لا طبعا في داعي، دا كفاية انك تعبتي نفسك ودخلتي بعربيتك الغالية الحارة المقندلة دي، وع العموم اطمني مش هنعمل غير كوباية شاي ومن غير سكر لو عايزة عشان الرجيم.
ضحكت لمزحته، ثم قبلت في النهاية، لتأخذ جلستها السريعة على الكرسي المقابل له، ويدور بينهما حديث سريع عقب خروج درية وسحبها للبقية معها، في أفعال مكشوفة تثير دائمًا غضب ابنها، فيحاول التوضيح مبررًا:
– مااا معلش لو مستغربة عمايل والدتي، أصلها ست جاهلة وتفكيرها محدود،، ف أكيد انتي فاهمة يعني.
مطت شفتيها بابتسامة ماكرة تدعي عدم الفهم:
– لا الحقيقية انا مش فاهمة، فهمني انت .
تضاعف الحرج بداخله حتى كاد ان يكرر المحاولة، ولكن سريعًا ما استدرك لتلاعبها بتلك النظرات الماكرة، فيعبر عن ضيقه:
– لورا الله يخليكي بلاش استعباط، عشان انتي فاهمة كل حاجة، متبقيش لورا اصلا لو مجيبتهاش وهي طايرة.
أعجبها اطراءه لتزداد ابتسامتها انتشاءًا، وتقول:
– ماشي يا سيدي، مدام نكشتني كدة انا كمان مش هعمل فيها غبية، لأن تفكير مامتك دا شيء طبيعي بالنسبة للمجتمع اللي نشأت فيه، المهم انا وانت عارفين اللي ما بينا ايه؟
استرعى انتباهه كلماتها الواضحة، كما انها اثارت فضوله ليردد خلفها باستفساره:
– ايه هو بقى اللي ما بينا يا لورا؟
– ارتياح
خرجت منها سريعًا لتردف شارحة:
– معاك بتكلم وبعبر بسهولة عن اللي جويا، بشرح وبتكلم من غير حساب لأي شيء ، يمكن عشان انت الوحيد اللي شوفتني على حقيقتي بعيوبي، وبأخطائي، دا غير انك بتسمعني ودي لوحدها ميزة
أكان يأمل بإجابة غير تلك، سيكون من الجنون ان تشطح به الظنون لغير ذلك مع امرأة مثلها، وفي تلك الفترة القصيرة من معرفته بها، ولكنه لا ينكر ان مجرد القرب منها يسعده.
– ايه بقى سرحت في ايه؟
سألت تنتشله من شروده، فجاء رده بابتسامة صافية:
– اكيد مش في حاجة وحشة يا لورا، ما هو انا كمان بحب اتكلم معاكي واسمعلك، انتي ست جميلة يا لورا، ولازم تكتشفي نفسك .
❈-❈-❈
تخطو بقدميها الى ذلك البهو الضخم في القصر التاريخي، تجول عيناها داخله وفي اجواءه برهبة وخوف، مشاعر مختلطة لا تعلم لها تفسير، تكتنفها رغبة شديدة للخروج والذهاب، ولكن اليد التي تسحبها تجعلها غير قادرة على التراجع، حتى وهي مازلت تحاول:
– نجوان هانم، خليني ارجع ربنا يخليكي.
ألتفت اليها المذكورة هذه المرة بضيق وتصميم:
– تاني هنعيده يا بهجة، هو انا هقولها كام يا روحي، امشي معايا عن سكات وبلاش زن بقى زي العيال الصغيرين .
– ما هو اصل يعني؟
– لا اصل ولا فصل، اتحركي ياللا مفيش وقت
هتفت بالاَخيرة لتعود للسير بها غير اَبهة باعتراضها، محددة وجهتها نحو إحدى الغرف الضخمة لتجفل بعدد من السيدات حول طاولة كبيرة بأوراقهم ونقاش دائر بينهما، وكأنها داخل دائرة حكومية:
– مساء الخير اتأخرت عليكم .
القت نجوان بالتحية لترتفع جميع الرؤوس نحوها، وكان اولهم ، تلك المرأة العجوز التي تترأس الجلسة، ترتدي العوينات الطبية في الإطلاع على مجموعة من الأوراق امامها، وقد تركتهم، لترتكز ابصارها عليها وهي تدلف بهيئتها الساحرة تخطف قلوب الحاضرات من سيدات مجتمع يرحبن بها وكأنها النجمة، تهدي لهن الابتسامات، تلقي إليهم ردودها برقة بالغة، وبيدها تسحب…..
ماهذا؟!…..
احتدت ابصارها تنظر بشرار عينيها نحو بهجة التي كانت بالكاد تدعي الثبات وهذه تقترب بها من بهيرة لتحيها اولا بقبلات زائفة:
– هاي يا بهيرة عاملة ايه يا قلبي؟
واقتربت تهمس بجوار اذنيها:
– شوفتي بقى انا بقيت مطيعة ازاي؟ بدل ما نتشحطط انا وانتي وولادنا في المحاكم على ميراثنا في القصر، وافقت بكرم اخلاقي اني اشاركك العمل الخيري واهو اخد الثواب معاكي.
الصدمة اللجمت بهيرة، حتى برقت عينيها في النظر اليها، دون ان ينبت فمها ببنت شفاه، ولكنها لم تكترث او حتى تعطيها فرصة للإستيعاب، فقد انتصبت تلفت ابصار الجميع نحوها، بسحب مقعد لها ومقعد لبهجة تجلسها بجوارها، ثم تخاطب السيدات الحاضرات؛
– حبايب قلبي أعضاء الجمعية الموقرة، واضح ان مش كلكم عارفين بمنصبي الجديد وسطكم، بس انا هعرفكم، اصل انا بقيت نائب رئيس مجلس الإدارة، والأمورة دي.
واشارت على بهجة تلف ذراعها حول كتفيها تستطرد:
– دي تبقى بهجة خليل المساعد بتاعي .
– المساعد بتاعك!
كان هذا صوت بهيرة التي استعادت بأسها، تستنكر بسخرية مقيته تتابع:
– مين دي اللي تبقى مساعد يا نجوان؟ انتي جايبه الجلي……
قاطعتها مؤكدة بصوت واضح:
– بهجة خليل كلية حقوق، اينعم هي لسة في الدراسة بس انا واثقة فيها وفي شطارتها.
وتوجهت نحو باقي الحضور موجهة الحديث لهم:
– وبكدة يبقى اكتمل نصاب الجمعية، نبتدي بقى الاجتماع.
❈-❈-❈
انه لا يعنيها بشيء، هي الآن تتصرف بعملية وتعامله بصفة رسمية من أجل العمل ، العمل وفقط، حتى واسلوبه الغريب لا يعجبها، ونظراته الاغرب أيضًا.
اصدرت صوت حمحمة بفمها لتبادره بالأسئلة، بعد أن اجلسته على المقعد المقابل لمكتبها:
– اتفضل يا دكتور، اتكلم
– اتكلم اقول ايه بالظبط؟
قالها ببرود متناهي بعد أن ظل لفترة يتأملها بتلك الابتسامة التي تجعلها توشيك على تهشيم فكيه، حتى يكف عن عبثه:
– تتكلم عن قضية الست الوالدة اللي عايزة ترفعها على اخوها اللي اكل حقها في الورث.
تشدد على الكلمات بضيق مقصود ومع ذلك لا يتراجع هو عن نهجه معها في المراوغة:
– اه صحيح فكرتيني على قضية خالي اللي واكل ورث امي، طيب هي فعلا عايزة ترفع قضية، بس نفسها كمان يرجع من نفسه بدل المحاكم والقواضي والشحططة.
كانت قد أمسكت الدفتر تدون به بعض الملاحظات الهامة والتي سوف تبني عليها أسس القضية، لكن وما ان نطق بكلماته الأخيرة حتى توقفت تدفع القلم من بدها بعدم استيعاب :
– افندم حضرتك، ازاي يعني؟ افهم من كدة ان هي هترفع ولا مش هترفع؟
زاد اتساع ابتسامته يجيبها بسهولة:
– ما انا بقولك اهو يا متر، هي عايزة ترفع وفي نفس الوقت مترددة، اصل دا برضو اخوها، حتى لوا كان حرامي .
توقفت برهة تطالعه بأعين شاخصة، لتهتف بصوت بالكاد تجعله يخرج طبيعي:
– يعني عايزة ترفع ولا مش عايزة؟ هو سؤال وجاوبني عليه، بس كدة، الله يخليك.
وكأنها تتحدث في واد اخر ، اقترب برأسه فجأة نحوها، يتمعن النظر بها قائلا:
– هو انتي عنيكي لونها بني ولا اسود، انا اللي اعرفه انها سودة، ليه المرة دي شايفها بني؟
اربكها بالفعل حتى أصبحت تبحث عن صوتها :
– وانت ا انت مالك ان كانت سودا ولا خضرا حتى ، تبحلق ليه من اساسه؟
صار مستندًا بمرفقيه الاثنان يتحدث بأريحة غير مبالي بثورتها:
– بس انتي مش محتاجة بحلقه يا أستاذة يا آنسة صفية، عيونك وسع الفنجان يعني ولو انا على مدخل الاوضة هنا هعرف لونهم،
– الله اكبر …. في ايه يا حضرة؟ هو انت هتقر، انا نظري اصلا ضعيف على فكرة ودا لينسز عشان يكون في علمك يعني
– طب اللون الأصلي يبقى ايه؟
– يبقى الأسود يا سيدي، استريحت
تبسم هذه المرة بانتصار بعدما استدرجها بمكره للحديث الذي يريده قائلا:
– انا برضو عجبني الأسود اوي وشايف انه يليق على بشرتك.
تأثرت في البداية لإطراءه لكن سرعان ما استدركت لهفوتها، فهدرت به بانفعال:
– في ايه؟ هو انت جاي في قضية ولا عن حديث العيون؟ سيادة الدكتور المحترم انت جاي عشان ايه؟ قول من الاخر .
نهض يجيبها وبيده يغلق زارار سترته:
– في قضية طبعا ، بس اديني فرصة كدة يومين تلاتة اروح البلد اقنع امي، سلام يا أستاذة يا آنسة صفية
وخرج مغادرا تنظر في أثره لمدة من الوقت متمتمة بدهشة:
– دا ماله ده؟
❈-❈-❈
عودة إلى درية التي ضاقت وفاض بها من أفعال ابنتها، وهيئتها المتغيرة، حتى انتظرت خروج الضيفة العزيزة لتختلي بها داخل غرفتها وترى ما بها:
– انا عايزة اعرف بقى يا روح امك آخرة القلبة دي ايه؟
رفعت لها حاجبًا متسائلة باستخفاف مستفز:
– قلبتي انا؟! ليه بقى؟ هو انا اللي ما صدقت ان سامر اتكتبله على خروج، وقومت خدت ديلي في سناني ومشيت بحجة ان ورايا شغل ولازم اخلصه بسفرية مستعجلة.
شهقة استنكار صدرت من درية لتعقب على قول ابنتها الغريب:
– ودا ايه اصله ده؟ انا بسألك عن نفسك، بتحولي علي ابوكي ليه يا بت؟
صاحت بها:
– عشان ابويا سبب قلبتي ياما، مخنوقة ومبقوقة من افعاله، الراجل جوزك ملبسنا كلنا العمة ياما.
سمعت منها لينعقد حاحبيها بشدة فتجلس جوارها على الفراش تلكزها بعنف تريد التوضيح:
– عمة ايه يا بت؟ هو انتي تعرفي عنه حاجة مش مظبوطة؟ قولي يا سامية بدل ما اخلص عليكي.
نزعت عنها يدها تصرخ بها:
– وتخلصي عليا ليه بقى ان شاء الله؟ ما ترحيلو هو وشوفيه، اسأليه بيضيع فلوسه على صفاء العايقة ليه؟
استبد بدرية الغضب حتى صار مقاربًا للهياج، لتطبق بكفيها على قماش بلوزتها مردفة:
– انتي دلوقتي حالا تفهميني يا بت الكلب، مين هي صفاء العايقة؟ وايه دخلها بابوكي؟
❈-❈-❈
انتهى الاجتماع أخيرًا، بعد إقرار عدد من البنود الهامة والقرارات الفاصلة في عدد من الموضوعات، حاولت بهيرة عدة مرات احراج بهجة بالاسئلة ولكن شقيقتها كانت لها دائمًا بالمرصاد وكأنها وكلت بالدفاع عنها، مما ضاعف حالة الغضب والهياج الذي تكتمه داخلها، حتى إذا انفض جمع النساء الحاضرات طرقت عصاها بعنف تظهر ذلك الجزء من شخصيتها المتعجرف بتعالي يتخطى الحدود :
– زودتيها اوي يا نجوان، انا لما كلمني المحامي امبارح وقالي على اتفاقه معاكي وافقت على اساس انك تلاقي حاجة تشغلك وتنضمي لصف نساء المجتمع اللي يناسب مكانتك واسم عيلتك، مش تنزلي بمستوى الجمعية كلها وتجيبي جليستك وتعينيها في منصب هام زي ده، مع ستات من أرقى نساء العاصمة.
شعرت بهجة بالاختناق، فهي بالكاد قضت تلك الساعتين من النقاش الممل على مضض، وسط ترقب دائم لرد فعل هذه المرأة المتسلطة، فلا ينقصها الآن قسوة الحديث الجاف منها، وبدون أن أدنى رد منها، دفعت كرسيها للخلف بجذعها تهم بالنهوض ولكن نجوان منعتها بالقبض على كفها، لتوجه ردها نحو الأخرى :
– اولا عايزة افكرك ان انتوا اللي ساعيتو ورايا عشان متأكدين من صحة موقفي في القضية واللي كانت هتخسركم كمان سمعتكم كجمعية محترمة، يعني الموافقة كانت مني، انا اللي اتفضلت عليكم منعًا للشوشرة والقيل والقال على اسم العيلة الكريمة، ثانيًا وهو الأهم، انا مسمحلكيش تقللي منها، وحطي في بالك ان اللي يمسها يمسني، التجريح دا لو اتكرر تاني انا هنسى صفة الأخوة، ولا حتى فرق السن ما بيني وما بينك يا اختي يا كبيرة .
ونهضت فجأة امام زهولها، تعاود سحب بهجة للخروج بها هذه المرة، من غرفة الاجتماعات تلك، فكانت فرصة بهجة للتعبير عن رفضها ، تنزع يدها منها:
– نجوان هانم ارجوكي، لحد كدة وكفاية، انا جيبت اخري وشايفة كل اللي بيحصل ده عبث، سيبني بقى امشي….
قالتها وكادت ان تشرع بالذهاب، ولكن نجوان قاطعتها:
– مش هتمشي يا بهجة ولا تروحي في اي حتة، لأن احنا مش بنعمل عبث، وياريت بقى تخلي بالك من كلامك يا بنت .
قالت الأخيرة بحدة انتبهت لها بهجة لتشعر بخطأها على الفور، فتبدي اعتذارها:
– انا اسفه، بس انا اصلي….
قاطعتها مرة أخرى:
– يا بنتي ما قولتلك لا اصل ولا فصل، تعالي كدة بدل الرغي.
قالت الأخيرة لتعاود جذبها من يدها، وتتحرك بها الى جهة اخرى ، حتى أجبرت بهجة على التذمر:
– يالهوي عليا هتروحي بيا فين تاني؟
– يالهوي عليا.
غمغمت بها بابتسامة لعفويتها لكن سرعان ما تحولت للجدية تنهاها برقة اختلطت بالمزاح:
– خلي بالك يا بيبة، مش عايزين يالهوي ويامصيبتي والحاجات دي، طنتو بهيرة شوكت هتعلقني انا معاكي لو اللفظ دا سمعته بين أعضاء الجمعية، دا غير ان ممكن يحصلها حاجة ودي برضو اختي وتهمني.
– تقبلت بهجة نقدها، لتتخيل رد فعل الأخرى ان وقع هذا اللفظ على اسماعها فتتبسم قائلة بخبث؛
– تصدقي انا نفسي فعلا اشوف رد فعلها لما تسمعيها، يالهوي دا يبقى شكلها مسخرة، لتكمل بضحك، فتعفب نجوان :
– تاني يا بهجة تاني يا لهوي.
❈-❈-❈
برد فعل سريع عقب سماع الحديث من ابنتها عن المدعوة صفاء والشكوك الدائرة حول علاقتها بزوجها الذي سافر اليوم حتى قبل خروج ابنه من المشفى، تحركت على الفور نحو خزانة الملابس دون انتظار او الاخذ والرد في التفكير، غير مبالية بإلحاح ابنتها التي تريد منها الانتظار:
– استني ياما، طب حتى لما نسأل ولا نشوف الأمر ايه؟
نهرتها تدفعها عنها لتواصل ارتداء عبائتها السوداء وطرحتها:
– لا تشوفي ولا تزفتي، انا رايحة دلوقتى بلدها البت دي، مش ههمد غير لما اعرف كل حاجة بنفسي، ويا ويله لو طلع كلامك صح وله اي علاقة بيها، هدفنهم هما الاتنين ان شاء الله.
صارت تلطم بكفيها على وجنتيها:
– يا مصيبتي يا مصيبتي، يا خوفي لا تفضحينا وتخلي سيرتنا على كل لسان، ساعتها ولادك هيحطو غلبهم فيا ويقولو عليا فتانة .
– يقولو ولا يعيدو يا بت ، محدش اصلا هيجيب سيرتك، انبطي بقى وغوري شوفي وراكي ايه؟
وارتدت حذائها لتتحرك مغادرة بعدما التقطت محفظة النقود خاصتها، فتردد سامية في اثرها:
– مصيبة لا البسها انا كمان المرة دي والنعمة اروح فيهم في داهية
❈-❈-❈
والى تركيا
وبعد أن ترك جلسته مع ابن خالته، ودلف الآن إلى الفراش من أجل اخذ قسطًا من الراحة، نتيجة تعب السفر وارهاقه،
ولكن عقله الساخن بالأفكار الطاحنة، أبى أن يعطيه غايته، صدى كلمات عدي مازال يتكرر برأسه، الحزن الذي كسي تعابيره، والحسرة التي تخللت وجدانه، ذلك العابث الذي تربى معه وكان في وقت ما ، أقرب الأشخاص اليه، يعلم جيدا بشخصيته، كان يظنه ابعد ما يكون عن العشق والهوى، ليس بالعاطفي او الحالم كمصطفى شقيقه، ولكن لما الاستغراب؟ من كان يظن أن رجل مثله هو ، يحمل كل عقد الماضي، يعشق ويحب امرأة مثل بهجة؟ يبدو أن سلطان الهوى أقوى من اي شيء .
اعتدل بجذعه فجأة، ليتاول الهاتف غير عابئًا بكل الوعود التي قطعها على نفسه قبل ان يأتي إلى هنا، ويعطي لنفسه مساحة للتفكير بعيدا عن تأثيرها عليه، اللعنة انه حتى لم يمر يوما واحدًا وقلبه أصبح يتلظى نار الشوق اليها .
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت في هذا الوقت تتفقد الغرف المتعددة داخل القصر الضخم برفقة نجوان التي صارت تعرفها على ركن بالمنزل وبالتحديد داخل الطابق الثاني، ،ذلك الذي كان يجمعها بأشقائها، بحنين يقتلها للقاء بمن فارقوا:
– شايفة با بهجة، اهي دي تبقى اوضة اخويا كاظم الله يرحمه، دا اتوفى وهو شباب، كان من اقرب الناس ليا ، جميل وبيحب الحياة عكس بهيرة في كل الصفات، لذلك رغم انه كان ولد لكنه كان اقربلي منها. من يوم ما توفى وهو ساب لي فراغ كبير في حياتي، حتى بعد جوازي من الراجل اللي بحبه وخلفتي منه، مكان الأخ ولا يعوضه كنوز الدنيا.
بصوت متأثر وقد ازداد تعلقها بهذه المرأة الحنون:
– ربنا يرحمه يارب، بس تفتكري بهيرة هانم عرفت بموضوع جوازي من رياض، يعني تكون لورا قالتلها.
بتفكير عميق نفت نجوان بتحريك رأسها؛
– لا مفتكرش عشان لو حصل كنتي هتلاقي معاملتها هتبقي بشكل تاني كمان ودا اللي مخليني مستغربة ان لورا مقلتلهاش، بس محدش عارف، عندي احساس ان البنت دي اتغيرت…. معرفش ليه؟ ياللا بقى ربنا يهديها ويرزقها باللي يسعدها
تبسمت لها باتساع تعبر عما تشعر به نحوها :
– انتي ست جميلة اوي .
ضحكت بحب تقرصها من وجنتيها:
– والله انتي اللي جميلة وزي القمر، استني عليا بس، دا انا محضرالك مفاجأت……
– تاني…. لا الله يخليكي كفاية عليا المنصب اللي طلعلي من تحت الارض، افهم ايه انا في نظام الجمعيات الأهلية والكلام الكبير ده؟
عبست تدعي الجدية في توجيه الأمر لها:
– بلاش كلام فارغ يا بنت، بكرة تتعلمي كل حاجة، بس انتي تفتحي دماغك.
– والله، يعني انتي عايزة تفهميني….
قطعت منتبهة لدوي الهاتف برقم غريب، قطبت تطالعه عبر شاشة الهاتف بتساؤل، اجابتها عنه نجوان غامزة بطرف عيناها:
– دا رقم دولي يا بيبو، ردي بقى عليه وخدي راحتك معاه، وانا هروح اطل طلة على بهيرة واشوفها لتكون ولعت في باقي أعضاء الجمعية.
قالتها على عجالة وتحركت ذاهبة من امامها، تتركها داخل الغرفة الضخمة وحدها، تجري مكالمتها مع ذلك الطالب من الرقم الدولي، فيأتي ردها بتردد:
– الوو…. مين معايا؟
جاءها الصوت بعد فترة قصيرة من الترقب، ليدغدغ حواسها، وينشر الفراشات بمعدتها:
– انا رياض يا بهجة، وحشتيني.
كادت ان تسقط دمعتها من فرط شوقها اليه، رغم مرور عدد من الساعات فقط على فراقهما، ولكن يبدو أن بعد المسافات زاد من وطأة ما يجتاحها نحوه، وهو ايضًا لا يقل عنها:
– وانت كمان وحشتني، وحشتني اوي
❈-❈-❈
لم تستغرق رحلة الذهاب إلى المدينة التي تعرفها، والتي تسكن بها هذه المدعوة صفاء، سوا ساعتين معها ، بعدما استقلت سيارة أجرة خاصة بها، لتقف بها امام المنزل تماما، حتى حينما فتح لها احد الأبناء، فسألته عن والدته، أخبرها انها قي الطابق الثاني ولا يصح الصعود اليها بناءًا على تعليمات منها، حينها أخبرته بالقرابة التي تجمعها بها ، ولكنه ايضا منعها، لتهتدي الى ضالتها في الاخير، بإعطاءه عدد من الأوراق الماليه، جعلته يتراجع عن تشدده، ويترك لها الفرصة حتى تصعد وتتولى والدته أمرها.
وبالفعل وصلت الى شقة العروس بالطابق الثاني ، ولحسن حظها كان الباب مفتوحًا بعض الشيء لتستغل وتدلف على أطراف اصابعها دون ان يصدر منها اي صوت،
بحثت داخل غرفتين فلم تجد بهم الا الفراغ بالإضافة إلى الردهة، لا يوجد سوى صوت التلفاز بالصالة الفارغة ايضا، إلا ان رائحة العطر القوية بغباء شخصيته، هي فقط من دلتها عن مكان مكوثه، بعدما فقدت الأمل وكادت ان تغادر، لتتسمر محلها على مدخل الغرفة الجانبية المنزوية، وهي تجده بهذه الهيئة الجديدة والغريبة عنه.، يرتدي منامة بيتيه ملتصقة بجسده المتكور، بدون أكمام وسروال قصير حتى أعلى الركبة، بهيئة تبدو شبابية ولكن لا تليق به كما ترى امامها،
لتتوقف فاغرة فمها لوقت من الزمن، تراقبه بذهول، بعدما انكشف لها اخيرا كل هذه الأسرار عنه، يكتنفها احساس قوي ان احد ما قد صفعها على رقبتها من الخلف ( قفاها)
– ازيك يا خميس؟
صوت صرخته الفزعة لحضورها كاد ان يخرج للخارج من علوه، وقد التف اليها بإجفاله والتصق ظهره بالخزانة كمن رأى ملك الموت امامه
– دددددورية
صدر الاسم بلجلجة واضحة، تلقفتها هي تردد، واقدامها تتقدم نحوه بنية واضحة :
– هي بذات نفسها يا قلب دورية، ايه بقى رأيك في المفاجأة؟
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة ليتملقها بزيف مكشوف:
– تجنننن، انا هموووت من الفرحة طبعًا، بس انتي عرفتي تيجي هنا ازاي؟ ومين دلك على مكاني؟
ردت تجيبه بهدوء خطر:
– عرفت ازاي؟ دي متخصكش، اما عن اللي دلني على مكانك هنا؟ فدي ساهلة اوي…… من ريحتك يا خميس،
توقفت بنظرة شاملة له بالكامل وبأعين برقت بشر، وبتهكم واضح:
– بس انت ايه الحلاوة دي يا خميس ، يا راجل دا انا معرفتكش.
بجسد ينتفض ونبرة مهزوزة بارتياعه منها، رد يبادلها الغزل بكذب مفضوح، علٌه يؤثر بها:
– ممش احلى مننك يا روح قلبي، دا اننتي القمر.
بضحكة ساخرة تقطعت لعدة مرات بقصد منها، فاستجاب يبادلها بصعوبة، لتوففه فجأة بلهجة صارمة وأعين تلونت بالإحمرار :
– انا بقول نخوش في الجد احسن يا خمسينو، مش جه برضو وقت الحساب؟
سمع منها، ليتمتم بقلب على وشك التوقف:
– خمسينو كمان، اااه جالك الموت يا تارك الصلاة.
زامت تقترب منه بصورة أظهرت وكأنها على وشك الفتك به، لينتفض صارخًا من امامها:
– يانهار اسود، انتي جايه تموتيني ولا ايه؟
صرخت به تمسك سكين فاكهة التي التقطها من الطبق امامها
– اموتك واشرب من دمك كمان، بقى وصلت بيك الجرأة تخوني انا مع خرابة البيوت دي اللي من كل جوزاة عيل .
– ومالها يا اختي اللي من كل جوازة عيل، على الاقل بشرفي
صدر الصوت من خلفها ، لتفاجأ بتلك المدعوة صفاء تلف رأسها بالمنشفة، وترندي عباءة ملتصفة بجسدها، صورتها تلك أشعلت النيران بجسدها ، لتردد معقبة بسخرية وتهكم:
– شيللاه يا شرف ، هو انتي لو عندك شرف اصلا ، كنتي قعدتي راجل غريب في بيتك يا ام شرف .
صدحت لها بضحكة مائعة، لتسحب خميس الذي يرتجف محله من الرعب، تقربه منها ، فتخبرها بتشفي:
– طب وهو فين الغريب ده؟ لهو انتي متعرفيش ان خمسينو يبقى جوزي على سنة ورسوله.
– ايييبه، دا انا اخلص عليكم انتو الأتنيييبن.
صرخت بها لترفع السكينة امامهما بتهديد جعل خميس يتراجع بارتياع هو الاخر، اما صفاء والتي وقفت محلها تتحداها متخصرة:
– اعمليها طيب وعوريني ولو بخدش واحد بس، عشان ازود عليكي التهم، بنصيبة اكبر، بعد ما دخلتي البيت واتسحبتي تهددي الإمن وتتهجمي عليا انا وولادي، ومش بعيد البسك قضية ارهاب كمان، دا انا هخليكي تروحي في تأبيدة .
ارتخت ذراعي درية بالسكين، لا تصدق الجبروت الذي تتحدث به هذه الملعونة، لتتجه نحو خميس بعدم استيعاب:
– إنت واخد بالك البت دي بتقول ايه ؟
لم تجد منه ردًا ، وقد الجمه الخوف منها ومن الأخرى، والتي كانت له الآن كدرع حامي، لتواصل لها بتهديدها:
– الواد ابني اللي عكمتيه بشوية فلوس عشان يسيبك تطلعيلي، اتصل بيا بلغني وانا بقى يا غالية اتصلت بالشرطة عشان ياخدو الحرامية اللي داخلة بيتي تتسحب ودلوقتي ماسكة عليا السكينة،، يعني تقفي مكانك كدة وإياك تتحركي سمعاني.
على الفور سفطت منها السكين على الارض تصرخ بزوجها:
– اللحقني يا خميس الولية عايزة تلبسني نصيبة.