رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والثلاثون
كان حبك معركةً فاز فيها الجميع، و كُنتُ أنا الخاسر الوحيد بها.
_________________________
علمته الرماية و لما أشتد ساعده رماني، و كم علمته نُظم القوافي و لما قال قافيةً هجاني.
مدت يدي لكِ؛ راغبٌ في وصالك، أطرق بابك بكامل قوتي أملٌ في رؤية جمالك، لطالما كان قرب الحبيب للحبيب واجبًا....فـ أكرمي قلبي و أريني حنانك، أتيتُ إليك مُحملًا بهزائم الطريق أريد فقط سماع صوتك حتى و إن كانت كلمات عتابك.
_"أنا خسرت كتير من الدنيا و معنديش استعداد أخسرك أنتِ، علشان أنتِ حقي يا عبلة و وليد الرشيد مبيسيبش حقه، كل خساير الدنيا تهون قصاد عيونك و دنيتي فيهم، أنا المرة دي اللي هتمسك، سيبي براحتك و أمشي و ارفضي، بس هتلاقيني قتيل عليكي، زي ما طول عمري قتيل على حقي، تفتكري وليد عمره هيسيب حقه؟"
تفوه «وليد» بذلك أمام الجميع بإصرارٍ ضاربًا بقرار انفصالهما عرض الحائط، أما هي حاولت اسكات تلك المضخة التي ترقص فرحًا بداخلها وهي تحاول التحكم في تنفسها، فوجدته يقترب منها و تلك البسمة الخبيثة ترتسم على محياهُ وهو يقول بنفس الإصرار:
"فيه ثوابت مفيش فيها تغيير يا عبلة و هي العين بالعين و السن بالسن و عبلة الرشيد ملهاش غير وليد، هاتي أخرك يا بنت محمد علشان وليد ملوش أخر يتجاب"
ابتسمت هي رغمًا عنها من طريقته المغرورة التي اشتاقت لها كثيرًا، فوجدته يميل عليها مُقبلًا قمة رأسها أمام الجميع و تبع فعلته تلك بقوله الهادئ:
"مينفعش أنا اللي ازعلك يا عبلة، مينفعش عيونك تدمع بسببي، شكرًا علشان فوقتيني قبل فوات الأوان"
طالعته بعينيها الدامعتين و كأنها تعتذر له عن ما بدر منها، فوجدته يمد يده لها و هو يقول بصوته الرخيم:
"أنا اللي بمد ليكي إيدي و عاوزك معايا كل يوم يا عبلة، عاوزك مراتي و حبيبتي و صاحبتي، عاوز أنسى اللي شوفته بوجودك، عاوزك السوبيا بتاعتي...يا سوبيا"
قال جملته الأخيرة بمرحٍ فارتفعت ضحكات الجميع حوله، بينما هي مدت يدها تعانق كفه و هي تقول بنبرةٍ تجاهد حتى تتحدث بها دون بكاءٍ:
"و أنا معاك و الله، قولتلك دا حِملك و دا كتفي و مينفعش تميل لوحدك من غير ما كتفي يسندك، بس كان لازم يكون فيه رد فعل مني يلحقنا إحنا الاتنين"
بعد حديثها وجدته يحتضنها بقوةٍ يشبع شوقه و حنينه لها و هو يقول بوجع الاشتياق:
"آااه يا عبلة....وحشتيني و وحشتي قلبي و عيني، غيابك تعبني يا سوبيا"
وضعت رأسها على كتفه وهي تجهش بالبكاء لا تصدق إنه عاد لها من جديد و هي بين ذراعيه الآن ، بينما هو ربت على ظهرها وهو يقول بندمٍ:
"متزعليش مني يا عبلة، قدامهم كلهم أهو أنا هحاول تاني بس مش عاوزك تسيبيني في نص الطريق أنا مش هعرف أرجع تاني لوحدي لو دا حصل"
ابتعدت عنه تحرك رأسها موافقةً ببكاءٍ و هو يبتسم لها، بينما «عامر» صفق بيديه و هو يقول بمرحٍ:
"هايل يا فنانين، يلا المشهد اللي بعده، خلصونا بقى"
ضحك الجميع عليه، بينما هي ركضت بخجلٍ من أمام الجميع نحو شقتهم، فضحك هو على رد فعلها ثم التفت ينظر لعمه و هو يقول مُتشفيًا به:
"طبعًا على عينك اللي بيحصل دا صح ؟! و كنت مستني ورقتها بجد؟ بس ريح نفسك علشان بنتك ملهاش عندي غير ورقة واحدة و هي ورقة شهادة الوفاة لما تخرج من بيتي، غير كدا ملكوش ورق عندي و لو رقصتوا على صوابع إيديكم مش هسيب حقي فيها يا عمي، و كلمة طلاق دي تتشال من دماغكم كلكم، و لأخر مرة هقولها طلاق مبطلقش"
وقفت هي في الخارج تبتسم بشدةٍ حتى أوشك فمها على التيبس و من بعدها ركضت نحو شقتهم بعدما وقفت تتنصت عليه، و في الداخل رد عليه عمه بضجرٍ منه:
"أنا مليش دعوة بيك أنتَ، بس دي بنتي يا وليد و صعب عليا دموعها، قولتلك قبل كدا لو بنتي عيطت بسبب أي حد مَهمًا كان هو مين، و في نفس الوقت أنتَ ابن اخويا يعني ليك غلاوة عندي، بس حافظ عليها و على نفسك من الدنيا دي، و خلص بقى عاوزين نحضر فرحكم"
اقترب منه ثم احضتنه و هو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بالندم:
"حقك عليا يا عمي، بس وعد مني عبلة في عيني و بداية من جديد على حق"
ابتعد عنه عمه يطالعه بفخرٍ و هو يقول:
"و هو دا عشمي فيك، كنت مستنيك ترجعلنا أجمد من الأول، وليد الضعيف دا مكانش لايق عليك، ربنا يسعدكم يا بني"
ابتسم له بسمةٍ صافية، ثم جلس في المنتصف مع الشباب و هو يستمع لسخريتهم و مرحهم، و لكن من بين الجميع التقت عينيه بعيني «ياسين» الذي غمز له بمرحٍ فبادله تلك النظرة بأخرى ممتنة له، أما «خديجة» فراقبت نظراتهما لبعضهما و من خلال تلك النظرات استطاعت فهم ما يدور بينهما و حينها رفعت نفسها حتى تقول له هامسةً بامتنانٍ:
"شكرًا....أكيد أنتَ السبب"
حرك رأسه ينظر لها و عند رؤيته لملامحها وجد نفسه يبتسم لها و كأنه يقول لها بنظرته "لا عليكِ" فزادت بسمتها إتساعًا عند تأكُدها من ظنونها، بينما «طارق» ابتسم لهما بحبٍ و هو يتذكر ما حدث ذاك اليوم.
(منذ حوالي يومين)
كان «وليد» جالسًا في الشقة الخاصة بهم أمام التلفاز و دموعه على وجنتيه بقوةٍ و هو يحاول التوصل لحلٍ يرضي جميع الأطراف، لا البعد في قدرته و لا البقاء بتلك الطريقة يُفيد، مهما حدث و مهما مر عليه ستظل هي من طلب القلب وصالها و تغزلت العين في جمالها و أثرى فمه في دلالها، هي حبيبته و فجأة فتح هاتفه على صورتها و هو يقول لها ببكاءٍ و كأنه يحدثها بوجعٍ:
"أعمل إيه يا عبلة علشان ارضيكي و ارضيني؟ أعمل إيه علشان افرح بنظرة عيونك ليا؟ مشيت طريق كنت فاكر إنه هيجمعني بيكي و اكتشفت في أخره إنه بيضيعني و يضيعك مني.....ليه علشان أعرف قيمة اللي عندي اتعذب كدا؟ ليه يا عبلة حبيتك أنتِ، و ليه هو اختارك أنتِ، أنا و الله حاولت أهرب من حبك....بس غصب عني عيونك تتحب....عينك دي شوفت فيها دنيا منيت نفسي بيها....و كل دا لسه بحبك....و مش هقدر أفضل في مكان أنتِ فيه و مش ليا.....بس هريحك و أمشي"
تنفس بعمقٍ ثم ابتسم للصورة و كأنها هي تبتسم له، و أسفل المنزل تحديدًا قبل الظهر توقفت سيارة «ياسين» و بجانبه «طارق»، فسأله و هو يتفحص المكان بعدستيه:
"هو دا البيت يا طارق ؟! تفتكر هيبقى فوق و لا جينا على الفاضي؟"
رد عليه «طارق» مؤكدًا تفكيره:
"وليد هنا يا ياسين، أنا حافظه و عارف دماغه، و لولا أني عارف طريقتك و دماغك و إنه بيحبك مكنتش تعبتك معايا كدا"
رد عليه «ياسين» بلومٍ و معاتبةٍ:
"عيب الكلام دا يا طارق انتو اخواتي، ربنا يريح قلوبهم و يرجعوا لبعض، رغم أني مستغربك أوي"
طالعه «طارق» بتعجبٍ فوجده يقول مُفسرًا:
"يعني إنك جاي لحد هنا علشان تخليه يرجع لأختك و تكلمه؟ واحد غيرك كان فكر بطريقة تانية و قال إنه يختار صف اخته"
ابتسم له بسخريةٍ و هو يقول:
"وليد أخويا زيه زي عبلة يا ياسين، شوفنا مع بعض كتير، الوحيد اللي كنت بفتكر جميلة قصاده و أفضل أعيط و أنا الوحيد اللي شوفته لما كان في المصحة، كل مرة كان بيخرج يسأل عن عبلة و خديجة، و لما اتعالج برضه كان علشان عبلة و خديجة، وليد بيحب عبلة و روحه فيها، و عبلة بتحبه و نفسها تشوفه فرحان، لازم أتدخل علشان الاتنين يخصوني"
ربت «ياسين» على كتفه و هو يقول بـ إشفاقٍ عليهم و حزنٍ لأجلهم:
"المُقابلة دي هتجيب نتيجة يا طارق و هتقول ياسين قال، صدقني ، المهم يلا بس"
خرج كليهما من السيارةِ و من بعدها نحو شقة «وليد» يطرقا باب الشقة، تعجب «وليد» في بادئ الأمر لكنه مسح وجهه بكفيه ثم أغلق الهاتف و بعدها توجه نحو باب الشقة يفتحه، و رغم مفاجأته بوجودهما سويًا إلا أنه افسح المجال لهما و هو يشير نحو الداخل بصمتٍ، نظر كليهما لبعضهما ثم دلفا الشقة، فارتمى هو على الأريكة بلامبالاةٍ و كأنه لا يكترث لهما فتحدث «طارق» يقول بضجرٍ:
"يا برودك يا أخي، مفيش عندك ريحة الدم ؟! خلاص مفيش إحساس؟ بقى تحت الصفر عندك"
رفع حاجبه له و هو يقول بتهكمٍ:
"و هو البيه سايب القاهرة و ناسها و جاي علشان يقيس أداء إحساسي؟"
اغتاظ «طارق» من طريقته و قبل أن يتحدث، تدخل «ياسين» يقول بنبرةٍ هادئة:
"إحنا جايين علشانك و علشان نطمن عليك، ينفع تغيب و تسيب دنيتك كلها كدا و تيجي هنا ؟!"
نفخ وجنتيه بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة:
"و أنتَ سايب خديجة و جاي ليه ؟! هي دي الأمانة اللي مأمنك عليها؟"
رد عليه «ياسين» بحدةٍ من طريقته:
"ملكش دعوة بخديجة، دي مراتي و أنا عارف إزاي اتصرف، البيه بقى عارف إن أخته هارية نفسها عياط علشانه و مرمي هنا؟ عارف إنها عاوزة تسمع صوته بس و هو مهانش عليه يطمنها ؟! طب بلاش هان عليك تكسر بخاطرهم و هما فرحانين بابن أخوك؟"
لم يستطع التحمل أكثر من ذلك، لذا انفجر يصرخ به قائلًا بألم نبع من داخله:
"و أنا ؟! أنا فين في كل دا ؟! مش مسموحلي أهرب و أتوجع حتى....كلهم مهانوش عليا بس قلبي هان عادي، أنا من كتر ما نفسي بقت بتصعب عليا بقيت أتعب.....حتى العياط مش من حقي؟ صعبان عليكم أني مكملتش فرحتكم؟ أنا من يومين بالظبط مكنتش لاقي حد يقفل جروحي اللي اتفتحت....أنا كل مكان فيا موجوع.....و وجع ملوش نهاية، طول العمر فاكر نفسي شاطر علشان مبعيطش، بس طلعت حمار علشان الدموع كانت نازلة مني جوايا"
تبدلت النظرات من الجمود إلى الشفقة، فاقترب منه «ياسين» يجلس بجواره و هو يقول بصوته الرخيم:
"جروحك كانت متخدرة بس مكانتش مقفولة، أنتَ زي اللي ركن العلاج الأساسي و فرح بالمسكن، رغم إنك عارف إن المُسكن دا ليه وقت و هيروح فيه و المفعول هيطير، و المشكلة هتزيد، بس خوفك من العلاج الأصلي خلاك تهرب للمسكن يا وليد، سكنت جروحك و لما راح المفعول اكتشفت إنها مفتوحة لسه و بتنزف، لحد ما بقيت مش ملاحق، كان لازم جروحك تتفتح علشان تعرف إنها لسه بتوجع و لسه عاوزة اهتمام"
رفع عينيه يطالعه بأعين دامعة، فوجده يربت على يده و هو يقول:
"أنتَ مش وحش بس دُنيتك هي اللي وحشة، كل ما تحب حاجة تاخدها منك، بس أنتَ قدها و قدود، لازم تطلع ليها لسانك و تضحك عليها، ليه عامل في نفسك كدا"
ابتسم بوجعٍ و هو يقول ساخرًا:
"علشان اللي جربته كان صعب يا ياسين، كان صعب أني أعيش بحارب في كل الجهات بسلاح واحد، لا قرايب نصفوني و لا صحاب و لا حتى اللي حبيتها، كلهم سابولي جروح في قلبي، و أنا اتحملت و كملت، زعلانين مني علشان موثقتش فيهم و هما معملوش حاجة تخليني آمن ليهم، ميعرفوش أني مش عارف أثق في نفسي حتى"
اقترب منه تلك المرة «طارق» يجلس أمامه و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"و هو لما أنتَ جيت ليا أنا و أخوك علشان تتعالج دا مكانش انتصار ؟! و لما عبلة بقت ليك دا مكانش انتصار ؟! و لما روحت لهناء دا مكانش إنتصار ؟! و حياة خديجة اللي اتغيرت بسببك و بسبب إنك جوزتها ياسين دا مكانش انتصار؟"
ازدرد لُعابه بتوترٍ فوجده يتابع بنفس الثبات:
"حياتك مليانة انتصارات علشان هزايمك كانت كتير، و أنا أعرف إن قصاد كل مرة اتهزمت فيها انتصرت من جديد، بلاش تخلي الدنيا تضحك عليك علشان هي فاكرة إنها هزمتك"
أضاف «ياسين» مُكملًا:
"الدنيا دي عاوزة المقاتل....يخسر شوية و يكسب شوية، عياطك مش هيفيد بحاجة لما تصحى تلاقي نفسك مضيع كل حاجة"
أغمض عينيه بقوةٍ، فوجد «طارق» يعتدل في وقفته و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا كدا وصلت ليك رسالتي، بس هقولك حاجة كمان، عبلة فيه ألف واحد يتمناها يا وليد، بس أنا مشيتهم كلهم علشان كنت عارف إن مفيش غيرك يستاهلها، متخلنيش أندم أني سلمتك أختي"
فتح عينيه على مضضٍ و هو يطالعه بشررٍ يتطاير من عينيه له، فوجد «ياسين» يقول بحكمته المعتادة:
"ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز، قال تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
_"صدق الله العظيم"
نطقها كليهما بعد ذكر تلك الآية، بينما «ياسين» قال بنفس الحكمة:
"ربنا خلق أعظم روابط الأرض بين قلوب البشر و دي علاقة فيها سر محدش يقدر يوصله و ربنا له حكمة في كدا، خلق الست من ضلع الراجل و دي كانت معجزة، مجاتش من راسه و لا من رجله و لا أي مكان تاني، إنما ربنا كرمها لما اتخلقت من ضلعه علشان تكون أقرب للقلب، و سبحانه و تعالى ذكر في كتابه كلمة "لتسكنوا إليها" علشان العلاقة تبان، إحنا مش عاوزين مجرد ناس في حياتنا و خلاص،
لأ...إحنا عاوزين نشوف بيوتنا فيهم، ناس نسكنهم و يسكنوا فينا، أي راجل في الدنيا مهما كانت قوته لازم يضعف قدام شريكته، لازم يكون معاها الطفل اللي الدنيا كبرته قبل ميعاده، هو دا السكن، حد أقرب ليك من أهلك و من كل اللي حواليك حتى نفسك، عبلة بقى هي السكن اللي ربنا كرمك بيه، صحيح فيه شرخ من الأيام، بس أنتَ و هي هتقدروا ترمموا البيت دا تاني،
ربنا سبحانه و تعالى خلق بين الراجل و الست حاجة أعظم من الحب و العشق و هي المودة و الرحمة، المودة و الرحمة اللي مهما كانت العلاقة قادرة ترجع تاني من جديد، تلاقي ناس واقفة على الطلاق و حياتها على المَحك و بسبب المودة و الرحمة يرجعوا تاني و كإن مفيش حاجة حصلت، إحمد ربنا إنك لقيت سكنك و حافظ عليه علشان لو ضاع، مفيش سكن في الدنيا كلها هيعوضك"
طالعه «وليد» بتمعنٍ و كأن تلك الكلمات أجابت حيرته و فكره، في كيفية التعامل في تلك العلاقة و نسيْ هو أنها من رحمة ربنا عليه، كرمه بها حتى يستطع تخطي ما حدث له، مثلما تخطت «خديجة» ما مرت به، و مع انغماسه في التفكير، وجدهما يقفا حتى يرحلا و قبل أن يتفوه هو وجد «طارق» يقول بنبرةٍ جامدة:
"عقيقة فارس يوم الجمعة و احنا هنجهز يوم الخميس، لو جيت يومها هعرف إنك فوقت و اختارت صح، سلام"
(عودة إلى الوقت الحالي)
ابتسم ثلاثتهم لبعضهم و هم يتذكرون تلك المُقابلة و التي أتت بخير النتائج، فتحدث «وئام» يقطع تلك اللحظة بقوله المرح:
"بقولكم إيه ؟! الأستاذ كان منكد علينا، يلا خلونا نفرفش كدا و نقوم نشوف اللي ورانا، يلا يا عامر عاوزك تفرحنا كلنا"
اشار «عامر» على عينيه و هو يقول بمرحٍ:
"من العين دي قبل العين دي يا ابو فارس، فين السماعات اللي هنا علشان نبدأ احتفالنا"
تدخل «خالد» يقول بهدوء:
"طب بما إننا هنا كتار الحمد لله، الستات ممكن تطلع فوق و الرجالة هي اللي تشتغل"
تدخلت «خلود» تقول بمرحٍ ممتزج بالتوسل:
"لأ....أنا بحب الحاجات دي و عاوزة أعمل معاكم، بصوا اطلبوا أي حاجة و أنا هساعدكم"
رد عليها «عامر» بفخرٍ ممتزج بالمرح:
"أصيلة و الله أصيلة....و يا بختنا بيكي يا خلود"
اتسعت الأعين المدركة سبب الحديث، و البقية لم يتوصولوا لمقصد كلماته، فقال هو مُردفًا بتوترٍ طفيف:
"قصدي يعني إن كل الناس بتهرب من الشغل في الحاجات دي، بس الآنسة خلود إحنا محظوظين بيها علشان هتساعدنا، عاملة زي أخويا عمار"
حاول الشباب الأربعة كتم ضحكتهم، بينما هي طالعته بخجلٍ ثم أخفضت رأسها تحاول كتم ضحكتها هي الأخرى، بينما «ياسين» قال بنبرةٍ هادئة:
"المهم عاوزين نجهز الحاجة علشان بكرة منتفاجأش إننا ناسين حاجة، عاوزين علب و معالق و شنط، و عاوزين خضار علشان السلطة"
رد عليه «مرتضى» بفرحةٍ لم يستطع التحكم في اخفائها:
"معاك في أي حاجة، المهم الناس تفرح و تتبسط، أحمد هياخد العربية و يروح يجيب كل حاجة تطلبها منه حتى العلب و المعالق"
رد عليه «ياسر» مُردفًا:
"فيه واحد بنجيب منه و حاجته خامتها حلوة و سعره حنين، بس عاوز حد يروح تبعنا علشان يعرفه و يوجب معاه"
تحدث «خالد» مفسرًا:
"أنا قولت لعمار يجي على هنا علشان لو احتاجنا حاجة هو يجيبها و هيجيب معاه عِدة الدبح، أكيد هنا مفيش"
رد عليه «عامر» بخبثٍ لكنه مرحٍ:
"أحسن حاجة إنك كلمت عمار، هيفيدنا أوي هنا و هيتبسط، اصله بيحب الحاجات دي و بيفرح لما يشوفها"
تكرر الموقف مرةً أخرى، فقال «وليد» مغيرًا للحديث:
"طب أنا هطلع أغير هدومي و أنزل علشان أعرف اتحرك معاكم، مش هتأخر"
رد عليه «محمد» بسخريةٍ:
"قال يعني إحنا مش عارفين إنه طالع لست عبلة، روح يا أخويا"
رد عليه هو بتبجحٍ:
"مراتي و حقي، فيها إيه لما السوبيا توحشني؟"
قال حديثه و هو يتحرك من أمام عمه الذي ضحك رغمًا عنه و هو يقول بقلة حيلة:
"المصيبة إنه كان واحشني ابن مرتضى، يلا ربنا يهديه"
ضحك الجميع عليه ثم بدأوا الحديث عن "العقيقة" و كيفية التجهيز لها.
_________________________
في الأعلى صعد «وليد» إلى شقة عمه «محمد» فوجد الباب مفتوحًا، دلف هو مباشرةً نحو موضع غرفتها و قبل أن يطرق الباب وصله صوتها وهي تقول من الداخل:
"أيوا زي ما بقول لحضرتك كدا، وليد رجع و قالي اللي قولته ليكي، أنا بصراحة مقدرتش أجي عليه أكتر من كدا، كفاية أوي وجعه الأيام اللي فاتت، إحنا كدا ماشيين حلو"
قطب جبينه و هو يستمع لحديثها، لم يستطع التوصل لمن تحدثه، فوجدها تقول بنبرةٍ منفعلة إلى حدٍ ما:
"يا دكتورة افهميني، هو كدا اتكلم و قال عن اللي حاسس بيه، و موقفي دا كان لازم يحصل، أنا بحبه و عمري ما هقدر أزعله تاني، أنا اللي عاوزاه إن وليد يفرح شوية بحياته"
أغمض جفنيه بشدة حينما أدرك أنها تتحدث مع «هناء»، فوصله صوتها من جديد و هي تقول بتوسلٍ:
"أنا معاكي في أي حاجة غير البُعد عنه، لا أنا و لا هو نستاهل البعد عن بعض، بس أنا هكمل معاكي علشان شوفت النتيجة بعيني، حقيقي مجهودك بان"
تنفس بعمقٍ لا يصدق تلك اللعبة التي اقامتها عليه كلتاهما، و قبل أن يفتح الباب وصله صوت الأغاني من الداخل و هي تغني معها الكلمات الآتية بفرحٍ:
"بقالي ليالي بنادي حبيبي ما جاني....لا ريح بالي و لا داري باللي جرالي....طب أعمل إيه في اللي بحبه يا ويلي و يا ناري، و أنا شايف صورته قصاد عيني يابا طال ليلي و نهاري....طب ليه بيداري كدا....و أنا أداري كدا....ولا داري كدا ولا لأ؟......"
قبل أن تكمل الكلمات وجدته يفتح الباب بقوةٍ و هو يقول بصوته الجهوري:
"أنا هقولك ليه بيداري كدا و ليه بيداري كدا و هطلع عين أهلك كلهم في إيدي"
شهقت هي بقوةٍ و هي جالسة على فراشها و السماعات الكبيرة "الصب" بجوارها، فوجدته يدلف الغرفة ثم أغلق الباب بقدمه و هو يقول بتهكمٍ:
"بقى أنا يتعمل عليا لعبة منك أنتِ و هناء ؟! بقى أنا يتعمل فيا كدا منكم ؟! وليد الرشيد اللي طول عمره ماشي يحط على أتخن تخين، يتحط عليا منكم ؟!"
وقفت هي على الفراش و هي تقول بتلعثمٍ و خوفٍ:
"استنى....هـ....هفهمك و الله...كل حاجة كانت علشانك أنتَ، و الله مكانش قصادي غير أني أعمل كدا"
اقترب من الفراش و هو يسألها بنبرةٍ جامدة:
"مكانش قدامك غير إنك تدوسي على جروحي؟! مكانش قدامك غير إنك تخوفيني أني أخسرك؟"
ردت عليه هي بخجلٍ ممتزج بصوتٍ باكٍ:
"و الله العظيم كان هو دا الحل الوحيد، هي قالتلي إنك طول ما أنتَ ساكت هتفضل تتعذب مني، أنا متقبلتش خوفك مني يا وليد"
تنفس بعمقٍ يحاول التحكم في غضبه، فوجدها تنزل له تقف أمامه و هي تقول بألمٍ:
"الفترة اللي فاتت من غيرك أنا اتعذبت فيها، كنت كل يوم أصحى على كابوس بشع و كلهم اصعب من بعض، متزعلش مني، طب أنتَ ساكت ليه"
ابتسم هو رغمًا عنه ثم حملها على يده فجأةً و هو يقول بمرحٍ:
"علشان اقولك طب ليه بيداري كدا ؟! مش عاوزة تعرفي برضه؟"
ابتسمت له باتساعٍ و هي تلف ذراعيها حول عنقه فوجدته يُطيل النظر في وجهها و هو يتعمق في عينيها، فسألته هي بحذرٍ من صمته المفاجئ:
"وليد !! أنتَ سكت تاني كدا ليه"
رد عليها هو بثباتٍ ينافي حديثه:
"بفكر أعمل عزا هناء في عمر مكرم و لا في الحامدية الشاذلية؟"
اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدته يقول بنفس الطريقة:
"أنا بقول في عمر مكرم علشان صلاح سالم يكون فاضي"
لحظة صمت مرت عليهما و من بعدها انفجرا سويًا في الضحك فوجدته يدور بها و هي على ذراعيه و صوت البهجة يخيم على تلك الغرفة التي شهدت على البكاء منذ عدة أيام.
_________________________
في الأسفل وقف «عامر» في الطابق المخصص لمناسبات العائلة و هو يقوم بغسل الأدوات الخاصة بتسوية الطعام و هو يغني مع المهرجانات الشعبية التي قام هو بتشغيلها و بجانبه «وئام» و «حسن» و كليهما يقوم بتنضيف الخضروات و غسلها بعدما استقر كليهما على الأرض، أما في الخارج كان «ياسر» و «خال» يقومان بتنظيف المكان حتى يستطيعون التحرك به، و في الخارج وقف «ياسين» و «طارق» مع بعضهما يقومان بتنظيف الشارع و أمام البيت بعدما طلب «محمود» أن يقوموا بعمل مائدة الطعام في الشارع للعمال حولهم، و فجأة اقترب «طارق» من«ياسين» الذي كان يقوم بـ كنس الشارع ثم ربت على كتفه من الخلف، التفت له «ياسين» فوجده يقول بنبرةٍ ممتنةٍ له:
"وليد رجع النهاردة بفضل كلامك بعد فضل ربنا سبحانه وتعالى، وليد رجع و عرف إزاي يحافظ على عبلة و إزاي يسلمها قلبه، ربنا يباركلنا فيك"
ابتسم له «ياسين» وهو يقول بنبرةٍ ودودة حتى يرفع عنه الحرج:
"متقولش كدا يا طارق، وليد كان هيرجع من غير كلامي حتى، وليد عمره ما كان هيخرب فرحتكم علشان هو عارف إن العيلة هنا نفسها تفرح، و بعدين أنا اخوكم برضه مش غريب وسطكم"
أومأ له موافقًا ثم قال بخجلٍ و كأنه يتحدث لأول مرّة:
"هقولك على حاجة و يارب متزعلش مني أو تفهمني غلط، بس هما قبل كدا كانوا عاوزيني أتجوز خديجة، و قالولي إني أولى بيها من الغريب"
تبدلت نظرته و تلاشت بسمته بعد حديث «طارق» فوجده يضيف مُسرعًا:
"بس و الله أنا كنت رافض تمامًا مش علشان حاجة، بس خديجة طول عمرها غلبانة و طيبة و أنا كنت هظلمها معايا و حرام عليا علشان أنسى جميلة أظلم خديجة، و كنت دايمًا مستني أشوف مين اللي هياخد الطيبة و الحنية دي كلها،
و كان جوايا خوف إن اللي ياخد خديجة يظلمها، بس أنتَ حاجة تانية، أنتَ من أول ما شوفتك و أنا حاسس إن أي حد أنتَ في حياته هيكون محظوظ بيك، أنا اطمنت على خديجة علشان هي معاك، متزعلش مني علشان كلامي بس و الله دا اللي حصل، و خديجة نفسها متعرفش حتى، الكلام دا كان من أبويا و عم مرتضى"
تنهد «ياسين» بقلة حيلة ثم ابتسم له و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"حصل خير و كتر خيرك إنك مستغلتهاش علشان تنسى بيها واحدة تانية، شكرًا إنك طلعت إنسان نضيف و حافظت على كرامتها في غيابي، علشان تكون من نصيبي يا طارق، خديجة هي مكسبي في الدنيا، و أنا مقدر إنكم عيلة واحدة و أكيد حاجة زي دي كانت واردة تحصل، بس أنا مش فاهم سبب كلامك بصراحة"
سأله بنبرةٍ تائهة محتفظة بالحذر فوجده يقول مُفسرًا:
"كلامي معناه إنك أحق واحد بخديجة و إن خديجة تستاهلك أنتَ، طول عمري شايفها زي عبلة و سلمى عندي، ربنا يخليكم لبعض و تفرح بعيالك منها يا ياسين و يباركلي في وجودك"
ابتسم له بحبٍ فوجده يتركه بعدما ربت على ظهرها، بينما هو ابتسم بطيبةٍ و هو يتذكر حديقه و خجله منه، لكنه احترم صراحته و موقفه و أخويته التي يشعر بها نحوها، على الرغم من أن الفكرة بأكملها لم يستصغيها من الأساس، لكنه يعلم «طارق» و يعلم طريقة تفكيره.
في الداخل خرج الثلاثة من المطبخ بمرحٍ و هم يضحكون على مشاكسة «عامر» لهم و سخريته عليهم و في الخارج انتهيا «خالد» و «ياسر» من تنظيف المكان ثم قاما بترتيب الطاولات التي سيتم العمل عليها، و من بعدها التفوا جميعًا حول تلك الطاولات الخشبية كبيرة الحجم و بعد مرور دقائق انضم إليهم «ياسين» و «طارق» فتحدث «وئام» بحماسٍ:
"ها المفروض نعمل إيه دلوقتي؟! أنا حاسس أني عندي حماس غريب و فرحان أوي"
ضحكوا عليه جميعًا و على حماسه المُفرط، فتحدث «خالد» مُقدرًا موقفه لكن بسخريةٍ:
"هي بتبدأ كدا أنا عارف و مجرب، لحد ما نوصل لمرحلة الحفاضات بتبقى أحقر مرحلة في تاريخ أي إنسان، يا جدع دا بيرتاح في المرة بـ ٥ جنيه، دا لو حمام عمومي مش هيكَسب كدا"
ارتفعت ضحكات الجميع عليه فأضاف هو بحنقٍ طفيف:
"لأ و إيه بقى ؟! فيه نوع مفضل، فاكر نفسه بيلبس من زارا بروح أمه"
زادت الضحكات أكثر و هو معهم، فقال «حسن» بمرحٍ:
"أنتَ شكلك شايل أوي يا خالد، هاته يا عم و أنا هجبله الحفاضات لو مزعلاك أوي كدا، أنا بحب العيال أوي"
رد عليه «طارق» بسخريةٍ:
"مين دا اللي بيحب العيال ؟! نسيت العيال اللي في الشركة اللي كانوا في الحضانة اللي كانت جنبنا ؟! لحد دلوقتي العيال لو شافونا صدفة بيجروا"
رد عليه «وئام» بقلة حيلة:
"يعني هما دول كانوا عيال ؟! العمارة كلها كانت بتشتكي منهم، دا فيهم واحد إسمه مروان مكانش بيسيب ست في العمارة من غير ما يعاكسها، عيل سافل"
رد عليه «عامر» مُسرعًا بلهفةٍ:
"مروان ؟! الواد دا شعره بُني و نازل على عينيه؟ و عنده سِنة مكسورة؟"
رد عليه «حسن» بتعجبٍ من وصفه للفتى:
"آه هو ابن السافلين دا، تعرفوا منين يا عامر ؟!"
رد عليه «عامر» بتهكمٍ:
"دا حبيبي....أعرفه عز المعرفة ولو ليكم تار عنده تعالوا خدوه، بس هي الحضانة دي إسمها إيه"
رد عليه «طارق» بسخريةٍ:
" هي دي كانت حضانة ؟! كنت كل ما أبص على العيال فيها أندم على سنين عمري اللي فاتت، كان إسمها K.F.Y، حتى إسها غريب"
رد عليه «ياسين» بتعجبٍ و هو يسخر منهم:
"هو إيه دا ؟! حضانة دي و لا فرع كنتاكي؟ إسمها إيه برضه"
رد عليه «وئام» بنبرةٍ ضاحكة:
"و الله مفيش واحد فينا قدر يعرف إسمها لحد دلوقتي، بس العيال فيها متدلعة أوي، دول بيجيبوا ليهم مطربين في الحفلات"
رد عليه «عامر» بغموضٍ:
"طبعًا مش فيها ابن مدام زيزي؟! لازم يبقى متدلع، و الله و وقعت تحت إيدي يا مروان الكلب"
رد عليه «ياسر» بعدما أدرك سبب حديثه:
"هو دا الواد اللي خليتنا نقفل عليه الأسانسير علشان بيعاكس مراتك؟"
ضحكوا جميعًا بقوةٍ، بينما هو قال بحنقٍ:
"هو ابن زيزي، بس على مين دا بقى بيخاف حتى يتنفس قدامي"
_________________________
في سيارة «طه» كان «أحمد» جالسًا بها و معه «عمار» بعدما قاما بجلب الأدوات البلاستيكية التي طلبها منه «ياسين» حتى يتم توزيع الطعام بها، و خرج «أحمد» حينها و قابل «عمار» في الطريق حتى يذهب معه إلى ذلك المكان، و فجأة تحدث «أحمد» يقول بعد الصمت:
"إيه يا عمار ساكت ليه ؟! اتكلم معايا يا عم، مبحبش السكوت دا، و لا أنتَ مش عاوز تتكلم معايا؟"
قالها بمرحٍ حتى يشاكسه، فابتسم له «عمار» و هو يقول نافيًا حديثه بقلة حيلة:
"ليه بس يا أحمد ؟! أنا بس راجع من الكلية و منمتش كويس، لو تنزلني عند بيتي يبقى كويس"
رد عليه «أحمد» بضجرٍ طفيف:
"يعني إيه مش هتيجي البيت عندنا ؟! عيب عليك يا عم، دا إحنا محضرين ليلة في الدور الأرضي و كلنا هنبات سوا حتى «عامر» أخوك، دي ليلة و لا ليالي العُمر"
ابتسم له و رافق بسمته تلك قوله الهادئ:
"ربنا يبارك فيكم و يديم عليكم الفرح إن شاء الله، أنا هاجي معاك علشان شنطة العِدة بتاعة الجزارة، ياسين طلبها و جبتهاله، بس البيت فيه ستات و أكيد مش هينفع رجالة غريبة تبات في البيت، علشان يكونوا على راحتهم"
ابتسم له بفخرٍ و هو يقول بمرحٍ:
"دا أنتَ يتعمل قاموس تربية بإسمك و الله، إيه يا بني الاخلاق دي ؟! الله أكبر"
رد عليه هو مُفسرًا بأدبٍ:
"دي أصول و متزعلش، أكيد العيلة هتكون مع بعضها كلها، أنا مش عارف إزاي الشباب هيباتوا عندكم؟"
رد عليه هو مفسرًا بمرحٍ:
"يا عمي هنبات في الدور الأول دا لو حد فينا نام أصلًا، ياسين قال إننا هنفضل لحد الصبح نجهز في الأكل و بعدين تعالى فُك معانا كدا و متشيلش هم، و بعدين كل الستات اللي في البيت أخواتك يا عمار"
ابتسم له «عمار» بتوترٍ و هو يفكر فيها و في ظهورها أمامه، تلك التي كلما ظهرت أمامه أُفتضح أمره و ظهر شوقه في عينيه لها، يكفيه بعاده عنها بعدما ترك العمل و أصبحت رؤيتها مستحيلة، كيف له أن يصمد أمام نظراتها؟!
هكذا كان يفكر «عمار» في «خلود» و في تواجدهما سويًا حتى توقفت السيارة أمام البيت و تفاجأ بها تخرج راكضةً من البيت و هي تميل نحو نافذة شقيقها و هي تقول بمرحٍ:
"أنا اللي هطلع الحاجة يا أحمد، هات قبل ما طاقتي تخلص و أفرهد منك"
مال «عمار» ينظر لها و هو يبتسم بخفةٍ عليها، فوجدها تشهق بقوةٍ ثم اعتدلت في وقفتها و من بعدها التفتت توليهم ظهرها و هي تلعن تهورها و هي تظن أن شقيقها عاد بمفرده كما حال ذهابه، لم تضع في الحسبان وجود «عمار» معه، لكنها استعادت رابطة جأشها ثم التفتت لهما تقول بهدوء ينافي حماسها و طريقتها السابقة:
"حمدًا لله على سلامتكم يا جماعة، هشيل أنا الحاجة علشان أنتو تعبتوا و أنتو بتجبوها"
قالت حديثها المتوتر ثم تحركت نحو شنطة السيارة بعدما ضغطت أخيها على الزر يفتحها لها، فوقفت هي تقوم بأخذ الأشياء منها بتوترٍ تحاول إخفائه و خصيصًا حينما خرجا كليهما من السيارة، فحملت هي بعض الأشياء حتى تهرب من أمامه، و لكن من فرط توترها سقطت بعض الأشياء من يدها، فركض هو لها ثم حمل الأشياء من الأرض، بينما «أحمد» حتى لا يقوم باحراجها أمامه قال بمرحٍ:
"يا ستي ربنا يفرحك دايمًا، كل دا علشان فارس؟ معلش يا عمار هي اتحمست شوية"
ابتسم له «عمار» و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عادي يا عم ربنا يبارك فيه و يزود أفراحكم إن شاء الله، هاتيهم عنك يا آنسة خلود"
ردت عليه هي بنبرةٍ عادية:
"مفيش مشاكل أنا هطلعهم، و شكرًا علشان موقفك"
قبل أن تتحرك من أمامه أوشكت الأشياء التي تحملها على السقوط، فوجدته يقول بنبرةٍ جامدة:
"يا ستي هاتي الحاجة بقى، هيقعوا تاني و يبوظوا، حرام عليكي بقى"
قال حديثه ثم خطف ما كانت تحمله في يدها دون أن يلمسها و قبل أن تتحدث هي تدخل «أحمد» يقول لها حتى يوقفها:
"عمار ياخدهم أحسن علشان يدخلهم عند الشباب علطول و أنتِ خليكي فوق بقى، لو احتاجنا حاجة هنقولك"
حركت رأسها موافقةً ثم تركتهما و رحلت بينما «عمار» ابتسم على خضوعها لأخيها ثم تحرك خلفه داخل البيت حتى يدخل للشباب الذين هللوا فَرحين بمجيء الشابين، و بعد دلوفهما اقترب «حسن» من «عمار» و هو يقول بشوقٍ له:
"وحشتني و الله يا عمار، إيه الغيبة دي كلها علينا؟ مشوفتكش من يوم ولادة فارس"
رد عليه هو بنبرةٍ ودودة:
"أنا الحمد لله كويس أوي، أنتَ إيه أخبارك؟ طمني"
رد عليه بحبٍ:
"كويس أوي الحمد لله، و بقيت كويس علشان شوفت أخويا كمان، و هبقى كويس لما نقضي الليلة كلها هنا و إحنا مع بعض"
تدخل «ياسر» يقول بقلقٍ زائف:
"بقولك إيه يا خالد؟! أكدت عليهم إننا هنبات علشان العقيقة؟ علشان متفاجئش بيها زعلانة"
رد عليه بنبرةٍ ضاحكة من كثرة قلقه:
"و الله العظيم عرفوا و هيباتوا مع بعض عندي، ارتحت كدا؟ و معاهم سارة كمان، اتطمن هما هيفرحوا أساسًا"
تحدث «طارق» يقول ساخرًا:
"جرى إيه يا دكتور ياسر؟ أنتَ خايف و مقلق كدا ليه؟ دا عامر معملش كدا"
ضحك الجميع على سخريته من «عامر» الذي قال بمرحٍ:
"لأ أنا بحب مراتي أوي، و مبخافش منها، دا حب من أول نظرة دا"
سأله «وئام» بتعجبٍ:
"إيه دا بجد ؟! حب من أول نظرة إزاي احكيلي، أنا بحب القصص دي"
رد عليه هو بنبرةٍ هائمة:
"عيني جت في عنيها و أنا اتخضيت بصراحة، كهربتني بنظرة منهم، قولت بس هي دي اللي تستحق تبقى معانا في بطاقة التموين، هي دي اللي تستاهل تشاركنا في السكر و الزيت، هي دي اللي بنصيبها ينفع نجيب علبة سمنة"
ارتفعت ضحكات الشباب بصخبٍ بعد حديثه و هو معهم أيضًا، و كانت الجلسة مرحة و لكن ينقصها فقط «وليد»، فاستمر الشباب في الضحكات و السخرية عليه في جوٍ ممتليء بالألفة و المودة بينهم جميعًا.
_________________________
اقتربت «جميلة» من غرفة «عبلة» تفتحها بسرعةٍ و هي تقول بلهفةٍ:
"يا عبلة هاتي اللبن علشانـ..."
قطعت استرسال حديثها حينما وجدت «وليد» غافيًا على الأريكة و «عبلة» بين ذراعيه و كليهما في حضرة الآخر أمنًا، و لكن بسبب دخولها و اندفاعها استيقظ «وليد» و هو يفتح عينيه على مضضٍ فتفاجأ بـ «جميلة» تقف متسمرةً بحيرةٍ لا تدري ماذا تفعل، فتحدث هو بنبرةٍ متحشرجة نتيجة استيقاظه:
"جميلة !! "
سألته هي بخبثٍ:
"آه جميلة يا ليدو، قولي بقى بتعمل إيه هنا و إيه اللي نيمك كدا؟"
ابتسم هو حينما تذكر مرحهما سويًا حينما دار بها في الغرفة حتى سقطا على الأريكة سويًا فوجدها تبكي رغمًا عنها و هي تظن أن عودته من نسج خيالها الذي أتعبه شوقها له حتى غفيت بين ذراعيه بعدما ربت هو عليها و طمأنها بوجوده، و فجأة خرج من شروده و هو يقول بنبرةٍ هادئة لكنها فرحة:
"فضلنا نهزر مع بعض شوية لحد ما هي نامت بين إيدي و أنا بصراحة اتلككت علشان أحضنها، من ساعة اللي حصل و أنا مش عارف أنام و دي أول مرة عيني تغمض"
ردت عليه هي بلمحة حزن أثرت عليها:
"هي كمان شافت كتير يا وليد، كانت كل يوم تصحى تعيط في حضني أو حضن طارق، كل يوم كابوس يصحيها من النوم و تفضل تلوم نفسها، عبلة بتحبك أوي و الله"
ابتسم هو لها ثم حرك رأسه يقبل قمة رأسها و بعدها انسحب من جوارها ثم حملها حتى يضعها على الفراش، ابتسمت له «جميلة» على حنانه المفرط، فوجدته يغمز لها ثم قال بخبثٍ:
"هبقى أقول لطارق يعملك كدا"
ابتسمت هي بيأسٍ منه فوجدته يبتسم هو لها ثم خرج من الغرفة، فاقتربت هي من «عبلة» حتى توقظها و تطلب منها ما أتت لأخذه، لكنها تفاجئت بـ «عبلة» تنتفض في نومتها و هي تقول بخوفٍ:
"وليد !! هو فين ؟!"
ردت عليها «جميلة» تطمئنها:
"اهدي اهدي....وليد كويس"
سألتها هي بلهفةٍ:
"يعني هو كان هنا بجد ؟! أنا مكنتش بحلم صح ؟!"
ابتسمت لها ثم قالت:
"كان هنا و كان نايم جنبك على الكنبة، و هو اللي شالك ينيمك على السرير كمان، و أنا اللي دخلت و شوفتكم سوا"
ردت عليها هي بحنقٍ حينما تذكرت:
"و إيه اللي دخلك بس يا جميلة ؟! ليه يا فقر قطع الأرزاق دا ؟"
ردت عليها بضجرٍ:
"قومي يا حلوة، كلنا طلعان عنينا تحت و أنتِ هنا في حضن وليد، قومي يا بت"
ابتسمت «عبلة» بفرحةٍ ثم قفزت عليها تقبلها و هي تقول بمرحٍ:
"هقوم و أساعدكم و ارقص كمان، هاين عليا أزغرط، وليد رجع، رجع يا جميلة"
ابتعدت عنها بضيق و هي تقول منفعلة بحنقٍ:
"خلاص يا زفتة، يعني هو راجع من العُمرة ؟! قرفتونا انتو الاتنين، و نكدتوا علينا و على طارق"
ابتسمت لها «عبلة» و هي تقول بخبثٍ:
"طارق ها ؟! كل اللي شاغلك طارق ؟! الله يرحم أيام ما كانت جوازتكم بالغصب"
أشارت لها حتى تقترب منها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"تعالي يا عبلة قربي....عاوزاكي"
اقتربت منها بمرحٍ فوجدتها تمسك خصلاتها و هي تقول بحنقٍ من بين أسنانها:
"كان حلال فيكي الطلاق علشان تتربي، بقيتي سافلة"
ضحكت «عبلة» و هي تقول بتوسلٍ:
"خلاص خلاص بهزر و الله، يا ستي قلبك أبيض بقى"
تركتها «جميلة» فوجدتها تحتضنها بقوةٍ و كلتاهما تضحك من قلبها على الأخرى.
_________________________
في شقة «طه» أنهت «خديجة» أخر حروف الطارة بعدما أضافت تفصيلةً صغيرة و هي تلك الجملة التي سبق و كتبها لها «ياسين» يوم خطبتهما و هي:
"رَقِــيـقٌ بِــمّا يَـكْـفِي لِــيُـنـاسِبَكَ"
ابتسمت هي باتساعٍ حينما رآت ما صنعته بيدها بكل حبٍ حتى تقدمه لأخيها، و فجأة وجدت «طه» يقف أمامها و هو يقول بمرحٍ:
"كنت متأكد إنك هتعملي واحدة ليهم، أصل مش معقول خديجة متوصلش حبها ليهم"
ابتسمت هي له فوجدته يجلس بجانبها و هو يقول بحماسٍ:
"وريني بقى عاملة إزاي ؟!"
اعطتها له بتوترٍ خشيةً من رد فعله فوجدته يُبدي إعجابه من خلال قوله:
"يا بنت اللذين ؟! دي تحفة يا خديجة، ما شاء الله"
سألته هي بلهفةٍ:
"بجد ؟! يعني مش وحشة؟ أنا حاسة أني مزوداها، بس هي اتعملت بمزاج رايق من تاني يوم ولادته"
ابتسم لها والدها و هو يقول بفخرٍ:
"جميلة زيك بالظبط، كل حاجة فيها حلوة زيك و الله، بس أنتِ عرفتي إزاي إسمه من قبل حتى يا يسموه ؟!"
ابتسمت له و هي تقول بحماسٍ:
"لما اتولد روحت سألت وئام هتسموه إيه قالي إن وليد هو اللي هيسميه علشان هو و هدى متفقين على كدا، و لما روحت لوليد اتخابثت عليه شوية و قولتله لو أنتَ اللي هتمسيه هتسميه إيه؟ قالي إنه هيسميه نفس الإسم اللي كان نفسه يتسماه، وأنا علشان طنط مروة كانت بتحكيلنا حكاية الفارس اللي أنقذ بلده، ساعتها قولت أكيد هيبقى فارس، و زي ما توقعت طلع فارس"
ابتسم هو لها بحنانٍ و كأنه يراها للمرةِ الأولى، فوجدها تُخفض رأسها بخجلٍ منه، حينها اقترب منها يجلس بجوارها ثم احتضنها و هو يقول بعاطفةٍ أبوية:
"و أنا زي ما اتوقعت إنك حلوة أوي يا خديجة، يا بخت الواد ياسين بيكي، خدك معاه طول العمر"
ابتسمت هي بفرحٍ له فوجدته يطالعها و هو يقول بنبرةٍ تائهة:
"حرام عليا أني حرمت نفسي من نعمة وجودك، دا أنا طلعت بحبك أوي"
رفعت عينيها تطالعه بدهشةٍ و لكن رغمًا عنها اختلطت دهشتها ببكائها، فوجدته يحرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ مختنقة من كتمه للدموع:
"بحبك أوي كمان، و عرفت كدا لما سبتيني، قيمة الحاجة بنعرفها لما تضيع مننا، أنتِ مضعتيش مني، بس أنا ضيعت كل الوقت الحلو اللي كان ممكن أعيشه معاكي و أنتِ في حُضني"
احتضنته هي بقوةٍ وهي تبتسم بحبٍ فوجدته يربت بيده على رأسها ثم حرك رأسه حتى يُقبل قمة رأسها، و هي بين ذراعيه تُشدد عناقها له حتى تنعم بدفء ذلك العناق.
_________________________
في شقة «وليد» نزلها هو بعدما خرج من شقة «عبلة» ثم دلف غرفته حتى يقوم بتبديل ثيابه إلى أخرى بيتية مُريحة حتى يستطع التحرك بها مع الشباب، فارتدى هو بنطالًا باللون رياضيًا باللون الأسود و فوقه سترةً خريفية "سويت شيرت" باللون الرمادي، و قبل خروجه من الغرفة وجد والدته تدلف الغرفة و في يدها كوبًا من العصير و هي تقول بمرحٍ:
"حبيب قلب ماما، أشرب العصير دا علشان متهبطش مني، وحشتني أوي"
ابتسم هو لها ثم اقترب منها يأخذ الكوب منها ثم أرتشف منه و بعدها قال بمرحٍ:
"عصير مانجا ؟! دي بتطلع للغالليين بس على رأي خلود"
ردت عليه هي بحنانها المعتاد:
"و هو فيه أغلى منك برضه على قلبي؟! رغم إنك تاعبني و واجع قلبي بحركاتك دي، بس خلاص مفيش بُعد تاني عننا"
ابتسم هو لها ثم قال بهدوء:
"مفيش بعد تاني خلاص، بس فيه حاجات كانت لازم تتغير، بس مش مهم خلينا نفرح بالمعلم الصغير"
بعد حديثه و مرحه مع والدته تركها و نزل للشباب الذين استمروا في الضحكات و السخرية حتى دلف هو، فقال «ياسين» بضجرٍ زائف:
"أهلًا !! أهلًا بالبيه الندل اللي سابنا محتاسين، كنت فين يا حلو؟"
طالعه بلامبالاةٍ ثم جلس بجوار «عامر» الذي قال بسخريةٍ:
"خلاص يا جماعة محدش يحرجه، هتلاقوه كان قاعد مع الجاموسة بيودعها"
ضحكوا عليه جميعًا، فسأل «ياسر» بتعجبٍ:
"صحيح هي فين أنا مش سامع ليها صوت، هي لسه ماجتش هنا"
رد عليه «وئام» مُفسرًا:
"لأ موجودة في المخزن المقفول اللي تحت، بابا و عمامي معاها تحت و كنت سامع عم طه بيقول إنه هيغير هدومه و ينزل"
تحدث «خالد» يقول مُستحسنًا:
"طب كويس إنها ليها مكان تبات فيه، عم لُطفي الندل بياخد بيات الليلة بـ ١٠٠ جنيه"
رد عليه «وليد» بوقاحته المعتادة:
"ليه بايتة في أوضة نوم أمه ؟!"
للمرة التي يفشلون في عدها ارتفع صوت ضحكاتهم جميعًا حتى شاركهم الضحك هو الآخر، فتحدث «وليد» يسأل بطريقةٍ جادة:
"بجد و الله مش بهزر ليه ١٠٠ جنيه في الليلة، دا لو هتبات على سرير أمه مش هياخد كدا"
رد عليه «عامر» مفسرًا بسخريةٍ:
"علشان الإضاءة و علشان المياه و علشان الخدمات اللي بيقدمها للجاموسة"
رد عليه «حسن» بتهكمٍ:
"إيه هي الخدمات مش فاهم يعني ؟! أكيد مش جايبلها عمرو دياب يغنيلها أول يوم في البعد"
رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"لأ هتلاقيه جايب لها أحمد شيبه يغنيلها أنا بتقطع من جوايا و نسيت طعم الفرح"
ارتفع صوت ضحكاتهم مرةً أخرى و كلًا منهم يضرب كفيه ببعضهما و هم يتخيلون منظر المُطرب و هو يُغني بجوار الماشيةِ.
_________________________
في الطابق الأول اجتمعت النساء مع بعضهن بأكملهن و هن يقومن بالتجهيز لذلك اليوم بحماسٍ و الضحكات منتشرة بينهن كحال الشباب في الأسفل، حتى نزلت «خديجة» خلف والدها و جلست معهم جميعًا وسط تلك الجلسة المُضحكة و التي محت آثار الأسبوع المُنصرم بآلامه، و فجأة انسحبت «هدير» من بينهن حينما هاتفها زوجها ثم أرسل لها طالبًا منها أن تسبقه نحو شقة والدها، امتثلت هي لمطلبه و بعد مرور ثوانٍ من دخول الشقة وجدته خلفها، اقتربت منه تسأله بلهفةٍ:
"إيه يا حسن خضتني؟! أنتَ كويس صح؟!"
ابتسم لها وهو يقترب منها ثم قال بصوته الرخيم:
"أنا كويس علشان شوفتك دلوقتي، وحشتيني أوي النهاردة"
ابتسمت له هي بتشككٍ فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"طب و الله وحشتيني أوي، بُصي أنا مرة واحدة حسيت أني عاوز أقولك حاجة مُهمة"
سألته هي بترقبٍ فوجدته يأخذ نفسًا عميقًا ثم قال بفرحةٍ سيطرت على صوته:
"أول مرة من زمان أجي البيت هنا و أحس أني منهم، طول عمري كنت بحس أني غريب وسطهم، و دا كان غصب عني يا هدير، علشان طول عمري حاسس أني غريب على الدنيا كلها، بس حاليًا أنا هنا بصفتي جوزك أنتِ، يعني أنتِ السبب"
ابتسمت هي بفرحٍ و العبرات تلمع في عينيها فوجدته يقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال بنبرةٍ ممتنة لها:
"ربنا يباركلي فيكي يا هدير، يا كل ورثي من الدنيا دي، أنا هبات تحت مع الرجالة، و لو عرفت هسحب نفسي و أجيلك"
ابتسمت هي بسمةٍ يائسة فوجدته يسألها بترددٍ و خجلٍ:
"هدير ؟! ينفع تحضنيني؟"
حركت رأسها موافقةً و هي تقول ببسمةٍ هادئة:
"من غير ما تطلب يا حسن، تعالى"
فتحت ذراعيها بعد جملتها تلك فوجدته يقترب منها حتى تحتضنه، و بعدها رفعت كفها تربت على ظهره، فوجدته يقول بصوتٍ مختنق:
"إحساس اليُتم اللي بيجيلي دا مفيش حاجة قادرة تمشيه غير حُضنك يا هدير، أنا بكره إحساس أني غريب في الدنيا، بس معاكي أنا بلاقي فيكي كل أهلي و ناسي"
ابتعدت عنه تطالعه بدهشةٍ فوجدته يبتسم لها ثم أمسك كفها بين كفيه يربت عليه، و فجأة وجدته يقول بمرحٍ:
"عن إذنك بقى هنزل علشان ورايا شكارة رُز هنقيها و دي أهون من تقطيع البطل"
ضحكت هي بقوةٍ عليه فوجدته يغمز لها ثم لوح بكفه حتى يودعها، فنظرت هي في أثره بفرحةٍ كبرى ثم تنهدت بعمقٍ.
_________________________
صعدت «خديجة» إلى شقتهم بعدما طلبت منها والدتها ذلك، و بمجرد دخولها الشقة وجدته خلفها يطرق الباب، تعجبت هي و ظنت انها شقيقتها لكنها تفاجأت حينما وجدت زوجها، فابتسمت له و هي تقول بمرحٍ:
"إيه يا عم ياسين ؟! بقالي كام ساعة مش شايفاك قُصادي، نسيتنا ولا إيه؟"
أغلق هو الباب خلفه و هو يقول بسخريةٍ مرحة:
"أنساك دا كلام ؟! متجيش أبدًا دي و أنساكي، أنسى الكتكوتة برضه؟"
أبتسمت له و هي تسأله بتشككٍ:
"طب و إيه اللي جابك دلوقتي ؟!"
قلب عينيه و كأنه يفكر في الجواب و فجأة وجدته يقول بنبرةٍ هادئة محتفظة ببسمتها:
"بصراحة ؟! وحشتيني أوي، و قولت قبل ما أنام اتطمن عليكي"
اقتربت منه تقف أمامه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا كنت هكلمك علشان أقولك إن اليوم حلو أوي، رجوع وليد و بابا و كلامه ليا، و وجودكم مع بعض، أنا حاسة أني فراشة والله بجد، بس مع التفكير لقيتك أنتَ السبب في كل دا، ربنا يديم وجودك الحلو ليا"
سألها هو بحيرةٍ زائفة:
"ليه هو أنا عملت إيه يعني علشان تشكريني؟"
ردت عليه هي بنبرةٍ مؤكدة:
"نظرات وليد ليك و نظراتك ليه كانت بتقول إن أنتَ السبب إنه يرجع، لما أنتَ بصيتله و غمزت أنا اتأكدت إنك ليك يد، أنتَ طيب أوي و حلو أوي و أنا بحبك أوي و نفسي أفرحك زي ما أنتَ مفرحني، أعمل إيه علشان افرحك"
اقترب منها هو يمسك كتفيها ثم قبل رأسها و بعدها نظر في عينيها و هو يقول بنبرةٍ هادئة و صوتٍ رخيم:
"عاوزك علطول فرحانة علشان أفرح أنا كمان، عاوزك تثبتي ليا أني قد الأمانة و إني حافظت على وصية سيدنا محمد ليا، أنتِ وصية الرسول يا خديجة، و رياض كان علطول يقولي علشان تبقى راجل يبقى تحافظ على عهدك مع ربنا و تنفذ وصية الرسول، و أنا بحاول و الله علشان ربنا يكرمني فيكي دايمًا"
لمعت العبرات في مقلتيها فوجدته يمد يده يمسح تلك الدموع ثم ابتسم لها فوجدها هي تحتضنه و هي تبكي رغمًا عنها، فابتسم هو بيأسٍ من تلك الدموع لكنه رفع ذراعيه ثم ضمها إليه و هو يقبل رأسها.
_________________________
كان «أحمد» جالسًا مع الشباب و معه «عمار» بقربه، و فجأة وصلته رسالةٍ تطلب منه الصعود فوق سطح البيت، تعجب هو الرسالة و محتواها و خمن أنها «خلود» تشاكسه كعادتها، فانسحب هو من بين الشباب حتى يصعد إلى السطح، و حينما صعد وجده فارغًا قطب جبينه بتعجبٍ باديًا على ملامح وجهه و قرر المغادرة و قبل أن يعود أدراجه وجد «منة» أمامه و هي تبتسم له، فسألها هو بنبرةٍ جامدة:
"أنتِ بتعملي إيه هنا ؟! و إيه اللي مطلعك في الوقت دا؟"
اقتربت منه تقف مقابلةً له و هي تقول بطريقتها المتصنعة:
"أنا طلعت هنا علشانك، كنت عاوزة أقولك حاجة مهمة"
سألها هو بنفس الجمود:
"خير ؟! و بعدين جبتي رقمي منين أصلًا؟"
ردت عليه هي بمرحٍ:
"جبته من على فيسبوك، هغلب يعني يا أحمد؟"
عند رؤيته لدلالها بتلك الطريقة شعر بالتقزز منها فقال بحدةٍ:
"أنتِ عاوزة إيه يا منة ؟! خير إن شاء الله؟"
ابتسمت له و هي تقول:
"كنت عاوزة أشكرك على موقفك النهاردة معايا، أنا كنت متأكدة إنك مش هتقدر تنساني"
رد عليها هو بحنقٍ:
"نــعم !! أنسى مين ؟! و أنساكي ليه و أنا مش فاكرك أصلًا ؟!"
ردت عليه هي ببراءةٍ زائفة:
"مش هتقدر تنساني علشان أنتَ بتحبني، أنا عارفة من بدري، بس موقفك معايا النهاردة خلاني اتأكدت إنك بتحبني"
طالعها هو بدهشةٍ غير مُصدقًا عن ماذا تتفوه فوجدها تقترب منه تمسك يده و هي تقول بفرحةٍ و كأنها سمعت اعترافه للتو:
"و أنا كمان بحبك يا أحمد، بحبك أوي كمان"
رمش هو بأهدابه عدة مرات و هو يحرك رأسه بتعجبٍ في نفس اللحظة التي شهقت بها «خلود» و تسمرت «سلمى» في مكانها بعد استماعمها لجملة «منة» و لكن دون أن ينتبه عليهما «أحمد»، و لكن ذلك المأذق كيف سيخرج منه؟!"