رواية حان الوصال الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم امل نصر


 رواية حان الوصال الفصل الخامس والثلاثون 

دفع باب المنزل بعنف ليلج عائدًا من منزلها، بعد قضاءه ليلة كاملة معها في حضنه، ليدخل بثورته الاَن يهدر بوعيد وغضب وصل أوجه:
– انا مسكت نفسي بالعافية عن العيل ده، لولا بس خوفي عليها لتنتكس ما كنت سمحت له ابدا يكمل وكنت سحبتها من هناك غصب عنه وعنها.
بحنق متزايد سألت تضاعف من غضبه؛
– بصفة ايه؟
برقت عينيه بصدمة وعدم تصديق يصرخ بها:
– هو ايه اصله ده؟ انتي كمان هتعومي على عومه، انا مش فاهم والله بتعملوا معايا كدة ليه؟ حتى بعد ما اتنيلت وأعلنت جوازي بيها، اعمل ايه تاني بقى، امسك ميكروفون الف بيه.
اخرجت من جوفها تنهيدة طويلة مشبعة بإحباطها، لتسقط على أقرب مقعد وجدته امامها قائلة:
– رغم ان كلامك كله استهزاء وسخرية، بس انا برضو مش هتضامن معاك، لأن هو معاه الحق، الولد ضغط على نفسه واتقبل الوضع القائم عشانها وعشان صحتها، لكنه مش هيقبل بالاستمرار ولا إنه يشوفك تسحبها على بيتك وتجبره ع التعود .
– بس هي مراتي، اعيش انا في بيت وهي بيت ليه؟ كان لازمتها ايه بقى اعترف من اساسه؟
– شوفت بقى، اهو رد فعلك دا يثبت ان الولد حقه يتصرف كدة، مفيش حاجة أجبرتك تعترف غير غيرتك يا رياض، هو كمان غيران على أخته وعايزاها تبقى معززة مكرمة في بيت جوزها، بإشهار وفرح يعرف الناس كلها .
زمجر بحنق شديد مغادرا امامها بعدم تقبل:
– يا سلاام وانا بقى تحت امر عيل زيه عشان امشي ورا العته ده، يشوف مين اللي هيسمعله ولا ينفذ
تبسمت بسخرية من خلفه، تتابع صعوده إلى غرفته كي يبدل ملابسه ويذهب إلى العمل:
– اما نشوف يا رياض مين اللي هيتسمع كلمته.
❈-❈-❈
على صنية صغيرة وضعت فوق اقدامها المغطاة بغطاء الفراش، بدأت تتناول الطعام بحرج بعد إلحاح من شقيقتها وصديقتها التي حضرت اليوم تطمئن عليها، وتسمع لكل الأحداث بعدما فاتها الحضور بالأمس:
– يا نهار ابيض، كل دا حصل وانا نايمة على وداني من امبارح، طب اتصلي بيا بلغيني، الدنيا تتشقلب وتتعدل وانا خارج الصورة يا بهجة.
تبسمت في البداية بضعف وكأنها سمعت مزحة:
– صورة ايه بس يا بنتي؟ دا كان يوم ما يعلم بيه الا ربنا، انها رسيت على كدة في الآخر، انا كنت بموت في جلدي وانا بتخيل اخواتي يسيبوني ولا انزل من نظرهم، ومازلت والله مقلقة، يمكن هي حكاية التعب دي اللي جات رحمة من عند ربنا عشان يلطف بيا برد فعلهم عليا.
تفهمت صفية جيدا وجهة نظرها، فهي ايضًا كانت تخشى ذلك، لما تعلمه جيدا عن تعلق بهجة بأخوتها وتعلقهم بها، فتحدثت بدعم لها:
– مهما حصل اكيد هيفهمو كويس نيتك، انتي كل اللي بتعمليه عشانهم، وعشان كدة ربنا واقف معاكي، بس مقولتليش بقى عن رد فعل صاحبنا بعد عمايل الدكتور إيهاب لما اتنك واتشرط عليه.
ضحكت بهجة لما تلمسه من تشفي في نبرة صديقتها، لتردد من خلفها بتعجب:
– الدكتور إيهاب! اه طبعا ما انتي الفرحة مش سايعاكي دلوقتي بسبب اللي سمعتيه، على العموم يا ستي انا كنت نايمة ساعتها، واللي حكتلي عائشة، قالتلي انهم كانو هيشدو مع بعض ولولا تدخل نجوان لكانت بقت خناقة، ربنا يستر ، انا كدة مبقتش عارفة اخرتها ايه؟
– اخرتها خير ان شاء الله، خلي انتي تكالك على الله وقولي يارب.
– يارب
تمتمت بها بهجة بتضرع ونهضت صفية مستأذنة:
– طب اسيبك بقى تكملي فطار واروح انا اشوف شغلي، وهبقى اجي اطل عليكي اخر اليوم .
قالتها ودنت تطبع قبلة حانية على جبهتها، قابلتها بهجة بابتسامة شقية تشاكسها:
– متعرفيش الدكتور هشام خف ولا لسة من ضربة اللوكامية؟ اصله صعب عليا اوي بعد الكلام اللي قالهولك عن نفسه، يعيني وحيد وعايز اللي يطمن عليه.
بابتسامة يشملها الغيظ ردت صفية:
– اه يا حبببتي صعبان عليكي اوي، طب ما توصي رياض باشا يقوم بالواجب معاه، أظهري اهتمامك وهو اكيد هيفهم
جارتها بهجة بالمزاح:
– اه يا حبيبتي هيفهم، هيفهم اوي، وساعتها متلوميش الا نفسك لما يضيع العريس منك
– عريس ! ايه الكلام الفارغ اللي بتقوليه دا يا بهجة، انني شكل التعب اثر على دماغك .
هتفت بها بجدية مكشوفة واعتراض زائف، قبل ان تسحب نفسها، هاربة من بهجة التي كانت تضحك لافعال صديقتها المكشوفة.
❈-❈-❈
لم يخبر أحد هذه المرة بوجهته، خرج ليلًا في غفلة من سكان المحمية، تلك المنطقة العشوائية بموقعها الجغرافي المميز، والذي يصعب على قوات الأمن اختراقها، بالإضافة لتكدس السكان بها، وما قد ينتج عنه من خسائر بشرية فادحة لو حدث هجوم امني، واعضاء العصابة دائمًا ما يتخذون البشر كدروع لحمايتهم، لتظل على حالها كبقعة إجرامية لا يتم القبض على أعضاءها سوى بعد الخروج منها، او بعمليات نوعية محددة الأهداف
اما عنه وقد خرج اليوم منها، قاصدًا وجهته دون اعلام احد، يعد نفسه بالعودة اليها مرة اخرى بعد ان ينفذ ما برأسه.
وها هو الآن بداخل المبنى يأخذ مكانه فوق السطح منذ الفجر ، يراقب من أعلى ويتحين الفرصة المناسبة لدخول المنزل دون ان يشعر به احد.
ساعات مرت عليه وهو على هذه الحال، حتى ابصر من موقعه فتح الباب وخروج تلك المتحذلقة الصغيرة إلى جامعتها.
لينتفض متحفزًا ينزل خطوات الدرج بخفة، وحرص شديد في مراقبة لحركة الجيران، حتى لا يشعر به احد،
وصل الى باب الشقة، وضع يده على الجرس وانتظر لحظات مع صوت الخطوات القادمة اليه:
– ايوة يا للي ع البال مين؟
حبس انفاسه يعد على أصابعه في انتظارها، واحد، اتنين ، تلاتة، أربعة..
لم يكمل الى العدة الخامسة والباب يفتح امامه، فتطل منه خالته، والتي ما ان همت برفع رأسها والتعرف عليه وحتى فاجأها:
– مين؟ براهيم…..
على الفور باغتها بوضع قطعة من القماش على فمها وأنفها، ليجبرها على الارتداد بقدميها لداخل المنزل
باستنشاق المادة المخدرة، ، يغلق الباب بجسده من الخلف، فيشدد بعنف على تلك الجاحظة عينيها، تحاول المقاومة بحركات لا تؤثر به، ليواصل بعزم غير مباليًا بمكانتها عنده ولا بصحتها حتى كامرأة كبيرة لم تأخذ في يديه سوى لحظات قليلة، حتى ارتخى جسدها وهوى ليدفعه على الارض أثرت على رأسها بعدم اشفاق، ثم جثى على ركبتيه ينزع عن اصبعيها الخاتمين الذهبيين، ثم الثلاث اساور القديمة من رسغها، والذي لاطالما افتخرت بهم امامهم.، يغمغم لها بسخرية:
– معلش يا خالتي، مضطر اخد شبكة المرحوم الدكش، اصل طول عمري بضايق من شخللتهم قدامي،….
واكمل ضاحكًا يضعهم في جيب بنطاله، ثم اتخذت اقدامه طريقها نحو الغرفة المقصودة، يدفع الباب ثم يلج إلى الداخل بخطوات محسوبة، واتجهت ابصاره على الفور نحو التخت ليجدها كما توقع، مازالت نائمة ولم تستيقظ بعد
فاقترب حتى وقف يطالعها من علو يتأمل بسفور المنحنيات البارزة لجسدها رغم الغطاء فوقه، ليسيل لعابه وعيناه تتركز على بشرتها الناعمة والوجه الذي تغيرت ملامحه التي نحتت بعد فقدان كمًا كبيرًا من الدهون، حتى ظهرت تفاصيله الجميلة جيدًا.
ليتنهد باشتعال سرى بداخله ويده تخرج من الحقيبة الصغيرة التي تعلو كتفه كاميرا صغيرة يبحث عن زر اشغالها وفمه يردد بحديث نفسه:
– كاميرا بصورة فاقئة الجودة، عشان العرض يبقى Hd.
تابع ضاحكًا يبحث عن مكان مناسب لوضعها مرددًا:
– ياما نفسي اشوف رد فعل المحروس جوزك لما يشاهد العرض…..
– انا هو قدامك عشان يبقى البث مباشر.
صدر الصوت من ذاك المتربص والذي تفاجأ به داخل الغرفة معه من خلفه، يبدو أنه كان في انتظاره، ليباغته بضربة كبيرة من الرأس أسقطته حتى قبل ان يستوعب رؤيته:
– حمد لله ع السلامة يا هيما، دا انا مستنيك من زمان.
انتفضت امنيه مجفلة نتيجة صوت الارتطام القوي، لتصعق بالمشهد امامها، زوجها الذي لا تعلم منذ متى قد اتى و……
شقهة مكتومة غص بها جوفها، وهي ترى كابوس حياتها على الارض بعد تلقيه الضربة المفاجئة، لتنكمش على نفسها بفزع شل جميع أطرافها، حتى صوتها لا تستطيع إخراجه.
اما عن ابراهيم، فقد كان يحاول استجماع شتاته، وقد اجتاح الألم الشديد أنفه ليمسح بأنامله سائل الدم الذي كان يسيل بغزارة منها، زمجر بوعيد وما هم بأن يعتدل بجذعه حتى انقض عليه الأخر، يجثو فوقه ، فيكيل له باللكمات العديدة على جميع انحاء جسده، لا يعطيه فرصة لمبادلته او حتى الصد، ينفث به غليل كل العذابات التي تسبب بها له، حتى كاد ان يزهق روحه لولا صراخ امنيه اليه حتى يتوقف:
– كفاية يا عصام، ابوس ايدك كفاية، هيروح فيها احنا مش ناقصين بلاوي، يا عصام كفاية حرام عليك
استفاق اخيرا حينما وجدها تنزل عن تختها بغرض رفعه عنه، فصرخ بها قبل ان تصل اليه:
– مكانك يا امنية، ولا حركة تاني
اذعنت لأمر تترجاه:
– خلاص هقف مكاني، بس انت سيبه قبل ما يموت في ايدك .
– ما هو حلال فيه الموت .
هدر بها يتطلع إلى وجه هذا الفاسد والذي تشوهت ملامحه نتيجة الضربات المتوالية، شيء ما يدفعه للاستمرار حتى يقضي عليه تمامًا، كلما وقعت عينيه على هذه الكاميرا، وما كان ينتوي فعله لزوجته، تلك التي تقف بصعوبة الآن، يشعر بها على وشك التهاوي، وهذا ما يجعله يعود لعقله.
– اسحبي اي حاجة واتغطي بيها الرجالة على وصول
خرجت كلماته وهو ينهض واقفًا ويتصل على هاتفه بأحد مساعديه:
– ايوة يا بني، هات الرجالة وتعالى بسرعة.
❈-❈-❈
خرجت من الغرفة تحمل صغيرها، وعيناها ذهبت تلقائيًا نحو زوجها الغافي على اريكة في وسط الصالة ، وعقلها يدور بالتساؤلات عنه.
منذ الأمس وهو ملتزم الهدوء والانطواء على نفسه بصورة تثير الريبة، فسرتها في البداية قلق على شقيقه ولكن ان يبيت خارج الغرفة رغم عودة العلاقة الزوجية بينهم ، حتى وإن كانت بصورة تبدو عادية معظم الأوقات ولكنه كان مؤشر جيد لها في ان يتبدل حاله ويصبح لها ولطفله المريض الذي غفل عنه منذ الصباح ولم يأتي اليه ليحمله ويداعبه كالعادة، فهو منذ الصباح ملتصق بتلك الاَريكة، لا قام للذهاب الى عمله او حتى تذكر شقيقه في المشفى .
اقتربت بخطواتها لتكسر الجمود بمخاطبته:
– ايه يا سمير؟ الساعة داخلة على عشرة مش ناوي تفطر بقى، دا انا حتى شايفاك صاحي يعني.
اجابها بفتور دون ان يرفع رأسه اليها، وقد كان نائمًا على جانبه متكتف الذراعين:
– لما اجوع هبقى اقوم اكل متشغليش نفسك.
قطبت بشيء من الدهشة صار يتحول لضيق:
– طب واخوك الراقد في المستشفى، مش ناوي تروح تشوفه؟
– يا ستي ميخصكيش انا حر
على صوته بها ، رافعا عينيه اليها بضجر لا يخفيه، غص حلقها تبدي اسفها بصوت خرج مبحوحًا:
– خلاص متزعلش ولا تعصب نفسك…… انت حر.
قالتها وتحركت تلتف ذاهبه من امامه، ليكتنفه غضب متعاظم من نفسه، فانتفض يعتدل بجذعه هاتفًا بإسمها :
– اسراااء
اضطرت للوقوف تجيبه دون تلتف برأسها نحوه:
– نعم .
علم انها على وشك البكاء، ليتضاعف بداخله شعور الذنب، يغمض عينيه بتعب ثم نهض اليها يجذبها من ذراعها يديرها اليه، ليصطدم بذلك الحزن الذي كسى ملامحها، لطالما كان خسيسًا معها، لطالما اهدر حقها كزوجة لديها من المميزات التي يحتاجها اي زوج، لطالما جرحها بصلفه دون حياء او تقدير ، وهي كانت صابرة على أخطائه دائما، حتى انفجارها لم يأتي إلا مرة واحدة وقد كان على وشك ان يخسرها بالفعل، لولا مجييء طفلهم المريض ليعيد ربط علاقتهم مرة اخرى، لقد صدق شقيقه حين ذكره انها لا يستحقها.
دنى بخزي يكتسحه من الداخل، ليقبل رأسها موجهًا باعتذار وذراعه تمتد لحمل الصغير منها:
– معلش انا قايم مخنوق حبتين، متزعلش مني يا إسراء.
تجمدت بدهشة لا تصدق قوله، لتجده اندمج في مداعبة الطفل وكأنه يهرب من عينيها، هل أصبح يخشى على مشاعرها وفي طريقه لأن يعشقها، او ربما صحوة الضمير بعد طول غياب
❈-❈-❈
لم يتوقع حضورها اليوم إلى مقر عملها، بعد حادث الأمس وغياب يومين قبله، فبرغم اشتياقه لتلك اللحظه في مواجهتها، إلا أنه أعطى تعلماته في الا تباشر العمل سوى بعد اخذها قسطًا كبيرًا من الراحة، وها قد حدث وأتت وهو الآن يغمره الشغف لهذا اللقاء العاصف والحاسم.
يشاهدها تلج إليه داخل الغرفة، وصوت حذائها يطرق على الرخام، بأناقة اعتادت عليها لكن بها شيء مختلف اليوم، نظرة منكسرة او حزن، نوع من هذا القبيل.
– صباح الخير يا فندم، الأوراق دي عايزة امضتك بسرعة
حتى لهجتها مختلفة مع تعمد منها لعدم رفع عينيها نحوه، هل عليه ان يؤجل الحديث العاصف مرعاة لحالتها، يبدو أن عليه فعل ذلك بحق.
تنهد بغضب يكتمه ليباشر العمل على الملفات التي طلبتها منه، مؤجلا بداخله الحسم، ولكن ما هذا؟
رفع الورقة المختلفة امام عينيه بسؤال مباشر:
– ايه ده يا لورا؟ دا بجد؟
اجابته برسمية تجيدها:
– دا طلب استقالة يا فندم، انا بحاول اللم كل اللي متأخر النهاردة ومستعدة اقوم بكل المطلوب مع السكرتير او السكرتيرة اللي هيحلو مكاني، لكن المهم انها تتمضي النهاردة
القى الورقة يعطيها كامل انتباهه قائلا بشيء من حدة، وقد تيقن داخله انها تريد التعجيل لا الانتظار:
– ممكن اعرف ايه الأسباب؟
صمت تطرق رأسها بحرج في رسالة واضحة جعلته يتنهد بشيء من الارتياح جعله يتخلى عن الرسمية، فيتحدث مباشرة بما يعتمل بصدره، ونهض عن كرسيه يقابلها وجهًا لوجه:
– واضح ان اسبابك هي نفس الأسباب اللي مخلياني ماسك نفسي بصعوبة عنك دلوقتى، لكني عايز اتأكد اكتر.
حينما لم ترفع عينيها اليه زاد التأكيد داخله، ليواصل هجومه:
– انتي اللي وقفتي سامر وجعلتيه يعمل فضيحة لبهحة هنا في المصنع؟
انتظر لفترة من الوقت حتى ارتفعت رأسها لتواجه اشتعال بندقيتيه بصعوبة تجيبه؛
– عملت كدة وعملت اكتر من كدة، في سبيل وهم في دماغي كنت عايشة عليه، بس انا دلوقتي عايزة افوق من كل اللي انا فيه، ودا مش هيحصل غير لو بعدت، اما بقى لو عايز تعاقبني، فانا مش هعترض على اي جزاء تحكم بيه، لأني عارفة كويس اوي ان أخطائي كتير، وانت في ايدك القرار، بس اهم حاجة دلوقتي تمضيلي عن استقالتي
اومأ يسحب انفاس خشنة، تغمره مشاعر مختلطة ما بين الرغبة في عقابها وما بين اشفاق يغمره لحالها، فمن كانت تقف امامه الآن لا تمت بأي صلة بلورا القوية التي يعرفها.
حسم اخيرا يجلس على كرسيه، ثم تناول القلم يخطو التوقيع على قرارها قائلا :
– وادي القرار يا لورا تم التوقيع، لأن انا كمان شايف انه أصح قرار ليا وليكي دلوقتي، تسميه عقاب، او فرصة تفوقي فيها لنفسك، المهم انه هو دا الصح .
❈-❈-❈
بعد خروج الجميع، لتبقى هي وحدها في المنزل تنعم بالمزيد من الهدوء، دب بجسدها بعض النشاط، لترتب فراش تختها، وتبدل ملابسها، ثم تنثر المعطر في الهواء قبل ان تفتح نافذتها لضوء الشمس، فتملي ابصارها من رؤية المزروعات في حديقة المنزل الصغيرة، لتدخل في قلبها بغض السكينة والاستمتاع، حتى دوى هاتفها فوق الكمود، لتقترب وترا رقمه المميز فتجيبه دون انتظار، :
– الوو…….
– الوو صباح الفل، عاملة ايه دلوقتي؟
اسعدها سماع صوته بعد حديث الصباح المحتد مع شقيقها:
– الحمد لله، يعني كدة حاسة بشوية راحة بعد ما شوفت رد فعل اخواتي، وكأن هم انزاح من على قلبي
– اممم
زام بها بشيء من ضيق ليعبر عما يعتريه:
– عرفتي اكيد باللي عمله إيهاب يا بهجة؟
صمتت لفترة من الوقت، ثم وصله ردها:
– لازم تقدر موقفه، الأمر مش بالسهولة دي عليه.
كان الصمت من نصيبه هذه المرة، وقد استشف من قولها الموافقة المبدأية على فعله، فتحدث بتحدي:
– طب انا عايز اشوفك دلوقتي يا بهجة.
– لا طبعا تيجي فين؟ محدش موجود معايا، اخواتي البنات راحو الكافيه، وايهاب خرج يجيب الناقص في حاجة البيت.
ردت بها بعفوية، ليصله الرد وكأنها توجه الدعوة لحضوره:
– تمام انا جاي اشوفك .
– تشوف مين؟
لم تجد الرد ولا حتى المكالمة وقد انهاها سريعًا دون استئذان، لتطالع الشاشة بعدم استيعاب متمتمة:
– دا ايه اصله ده؟
❈-❈-❈
قدمت شهد بصحبة مجيدة ولينا إلى داخل المشفى تهرول داخل طرقاتها والهاتف على اذنها تحادث زوجها الذي سبقها بعد اتصال شقيقه به واخباره بالأمر.
– ايوة يا حسن، انت فين بالظبط؟
– انا قدامك على طول اهو، ارفعي راسك شوية
وقبل ان تصل اليه بأبصارها، اشارت مجيدة بيدها نحو الجهة الواقف بها:
– اهو اللي واقف هناك يا شهد .
قالتلها تسرع بخطواتها نحوه ليتلقفهم في نصف المسافة يتناول طفله منها، مكنش ليع لزوم تيجوا، الموضوع مش مستاهل.
هتفت به مجيدة موبخة:
– ازاي يعني منجيش؟ دا انت قلبك بارد يا واد انت صحيح ، هي فين اوضة الست؟
رد متبسمًا لفعلها:
– اهي الحجرة اللي هناك دي يا حضرة الناظرة متزوقيش، بس خدي بالك معاها في الكلام، لا تنصب لك مناحة وتعمل مندبة دي ما بتصدق.
قطبت تستوعب النصيحة وهي تتحرك باقدامها ذاهبة نحو الغرفة، فتحدتت زوجته بقلق :
– اختي يا حسن، عاملة ايه دلوقتي؟ اوعى يكون جرالها حاجة؟
– كويسة ان شاء الله اطمني .
– طب واخوك يا حسن قاعد فين دلوقتي؟
كان هذا سؤال لينا الذي توجهت به اليه، ليجيبها مطمئنًا هي ايضا:
– جوزك هو اللي بيقوم بالإجراءات دلوقتى مع الزفت ده ، بالنيابة عن عصام اللي مفارقش المستشفى وهو قاعد دلوقتي جمب مراته.
جفلت شهد بعد سماع الكلمات لتهتف:
– يعني تعبانة اهي، امال بتقولي ازاي كويسة يا حسن.
برر ببساطة كادت ان تجلطها:
– عادي يا شهد، ما انتي عارفة ان حملها كان تاعبها من البداية، وبعد اللي حصل اتأثر اكتر .
لجمت نفسها بصعوبة حتى لا تصرخ به داخل المشفى الذي يعج بأعداد البشر، لتتراجع بقلة حيلة:
– طب قولي فين يا حسن اوضتها بدل ما اتشل وانا واقفة.
❈-❈-❈
داخل الغرفة التي وضعت بها نرجس وقد ألتفت حول رأسها الأربطة الطبية، فوق منطقة الرأس التي تأثرت نتيجة الوقعة الغاشمة من ابن اختها، ورغم ان الإصابة لم تكن بالخطيرة ، إلا أنها ومنذ ان فاقت من المخدر لم يتوقف فمها عن ابدا عن الشكوى.
– ااااه ااااه هموت يا ست مجيدة هموت، انا انكتبلي عمر جديد، ابن اختي، ابن اختي يا ست مجيدة كان عايزة يقتلني شوفتي غدر الزمن وصل لايه؟ شوفتي اللي حصلي يا ست مجيدة؟
– معلش يا حبيبتي، ربنا كتبلك عمر جديد ان شاء الله.
تمتمت بها مجيدة ، تحاول ضبط انفاعلها مع تلك المرأة التي لن تكف عن الشكوى إلى الشهر القادم، لتتجه نحو ابنتها الصغيرة رؤى، تلك المسكينة التي تشتت عقلها، ما بين القلق الشديد على شقيقتها المريضة بالغرفة الأخرى، وما بين رعاية والدتها التي تضخم الأمر وكأن اصابة الرأس لن تشفى منها ابدا.
– اقعدي يا رؤى وريحي رجليكي، عشان بعد شوية توصليني لاوضة امنيه.
– وتسيبني لوحدي
هتفت بها لتردف بدراما ومبالغة
– تسيبي امك لوحدها يا أمنية، مش كفاية الممرضة اللي خرجت ومسألتش.
زفرت رؤى تمسك بأصبعيها أعلى انفها بإجهاد قبل ان تعقب على قولها:
– وهتقعد جمبك تعمل ايه يا ماما؟ دي معاها مية حالة غيرك، يعني تأدي عملها وتروح تشوف الباقي.
– وانا مش من عملها؟ ولا انت كمان هتعملي زيها، وتشخطي فيا؟ وكأنك مش متحملاني
قالتها بنبرة على وشك البكاء لتغمض ابنتها عينيها بيأس، في انتظار وصلة اخرى من البكاء والشكوى، تطالعها مجيدة بحنق وغضب مكتوم.
❈-❈-❈
اما في غرفة أمنية والتي انتهت اخيرا من الفحوصات بخروج الطبية زفر زوجها يعبر عن حنقه بعد سماع التعليمات الجديدة الخاصة بهذا:
– استغفرالله العظيم، دا انا قولت الاسبوعين قربوا يخلصو تقوم الدكتورة كاتبة على شهر تاني؟
– شيء طبيعي يا عصام، دا انا خوفت الواد يسقط من الخضة…..
قالتها بعفوية لتجده مقاطعًا بغيظ:
– بس يا امنية كلامك ده، انا على اخري اصلا، ثم انتي اتحركتي ليه من مكانك، ما انا قولتلك ما تتحركيش، اديكي اتنليتي وزلزلتي الواد، كنا ناقصين احنا عطلة.
– طب اعمل ايه طيب؟ وانا كنت قاصدة يعني؟
– اسكتي يا أمنية، بلا قاصدة بلا مقصداش.
قالها يزفر بضيق، مشيحًا بأبصاره عنها ،
كادت ان تتبسم لعلمها بالسبب الحقيقي لثورته، فتمالكت بصعوبة كي لا تزيد من غضبه، حتى استمعت لطرق خفيف على باب الغرفة لتدلف شقيقتها مهرولة اليها يتبعها زوجها ولينا صديقتها:
– أمنية حبيبتي عاملة ايه؟ والجنين اخباره ايه دلوقتي؟
اومأت بابتسامة تطمئنها ، فجاء الرد بانفعال من زوجها، وحدة تلفت الانتباه الجميع:
– كتبتلها على شهر راحة زيادة يا شهد، شهر زيادة عند والدتها.
❈-❈-❈
بخبث يطل من عينيها، تأملت واجهة المشفى الخاص من الخارج تقدر بعقلها الأموال التي قد تم صرفها والمتوقعة في الايام القادمة للعلاج وقضاء الليلة بتكلفة عاليه.
لتغمغم بتفكير متعمق وغيظ شديد:
– قال وأما اطلب انا منه شوية تفاتيف مصاريف البيت والعيال، يعملي فيها واقع من الدور السابع، ماشي يا خميس ماشي.
قالتها واتجهت ماضية في طريقها نحو مدخل المشفى الموجود بداخلها سامر.
❈-❈-❈
وفي داخل غرفته، وقد كان يتناول الطعام بصعوبة من يد والدته، لتستمر في الإلحاح كلما توقف .
– يا بني كُل، خلي الجرح يلم شوية، مينفعش كدة يا حبيبي .
– يا ماما الله يخليكي كفاية متضغطيش بقى.
تمتم بها بضيق شديد، ليعلق والده هو الاخر بغضب:
– ما تسمع الكلام بقى يا بني عشان تخف، ولا انت عاجبك يعني اكل المستشفى اللي يسد النفس ده.
قالها بعصبية وعيناه تتبع هاتفه الذي لا يكف عن الاتصال بقلق، فهذه المجنونة لا تكف منذ الصباح عن مهاتفته، حتى خشى من انتباه زوجته والتي لفت نظرها في إحدى المرات، وحين سألته وجد الرد بكذبة اختلقها كالعادة
– صباح الخير .
اتجهت ابصار الجميع نحو مدخل الغرفة وقائلتها، تلك الجميلة التي عادت اليه بعد يوم عملها، ليتلقاها بابتسامة أشرقت بوجهه رغم مرضه:
– صباح الخير يا لورا اتفضلي .
تلقفت مجيئها درية بمكر تخاطبها:
– تعالي يا بنتي يمكن يسمع كلامك، دا مطلع عيني على معلقتين اكل، شكله مش عايز يخف .
غضب سامر يحدجها بنظرة محذرة، تجاهلتها بلؤم لتواصل استقبالها الحافل وهي تترك لها المكان على ذلك الكرسي المجاور للتخت الطبي:
– تعالي يا حبيبتي مكاني، دا انا بشوفك وروحي تتردلي، ولا اقولك، خدي الطبق ده وحاولي انتي معاه، على ما اروح اتصل انا بالبنت سامية أصلها اتأخرت اوي في المجي.
تمالك سامر غيظه بشدة لافعال والدته المكشوفة امامها ، حتى هم ان يرفض الطعام موفرا عليها الحرج، ولكنها اجفلته حينما تناولت الطبق بزوق اسعد درية:
– ولا يهمك يا طنط
– يا ختي يا روح طنت
رددت بها تبتعد عنهما، لتجفل زوجها المنشغل بالهاتف وتسحبه للخروج:
– ايه في ايه؟ بتسحبيني كدة ليه؟
– يا راجل عايزاك، ما تفهم بقى.
قالتها توميء بذقنها نحو تلك الجميلة ليفهم من نفسه ، فيستجيب للخروج معها.
جلست لورا تجلس بالطبق تحاول ملء المعلقة بالأرز وقطعة لحم صغيرة، فاعترض بحرج :
– مفيش داعي يا لورا انا اقدر اكل بإيدي .
تبسمت تقربها منه:
– معلش يا سيدي خدي مني المرة دي.
تلقبلها على الفور دون انتظار، شاعرا بشهية مفاجئة تصل الى حد الجوع ليتناول الطبق منها بكامله
– احسن دلوقتى بعد ما فضفضتي
– ايوة طبعا
❈-❈-❈
خارج الغرفة توقفت تراقب من الفتحة الصغيرة التي واربتها للباب، بسعادة ترسل الفرشات لمعدتها، غافلة عن ذلك الذي اصفر وجهه في متابعة الهاتف وقراءة تلك الرسالة المرسلة حديثًا لهاتفه:
– يا نهار ابوكي اسود
تمتم بها بدون ان يشعر حتى انتبهت عليه زوجته لتسأله باستنكار :
– هي مين اللي نهار ابوها اسود يا خميس .
انتفض ناهضًا عن مقعده ينفي ويبرر بقلق وتعجل:
– مش عليكي طبعا يا درية ، دا على حاجة كدة….. بصي انا هنزل بسرعة اشوف مسألة…… هبقى اقولك بعدين، هبقي اقولك
وغادر من امامها متجهًا نحو المصعد دون ان تفهم منه شيء لتغمغم في أثره بدهشة:
– يا ختي ماله الراجل ده؟ وشه بيجيب ويقطع في الكلام كدة لوحده؟
مصمصمت بشفتيها ثم رفعت الهاتف تتصل بابنتها التي تنتظر حضورها منذ ساعة، تريد مشاركتها الاهتمام بتلك القصة العجيبة التي تحدث معهم، فأعطاها مشغول لتردف بتأفف:
– وانت كمان متنيلة ومشغولة دلوقتي، دا وقته؟
❈-❈-❈
وفي الاسفل
كانت سامية واقفة في احد الزويا تواصل مكالمتها المحتدة مع ذاك الذي فاجأها باتصاله:
– ايوة يا سي طلال جيت المستشفى لوحدي وبتاكسي، فيها ايه دي بقى؟
– فيها ايه؟ انتي كمان بتسألي؟ خرجتي من غير اذني وركبت تاكسي مع راجل غريب، ولسة بتسألي يا سامية؟
تبسمت باستخفاف تقصد تحديه:
– اه بسأل عشان كلامك ميدخلش عقلي، ولا هعتبر نفسي سمعته اساسًا؟
لو تعلم ان بأفعالها تزيد من تمسكه بها، لما فعلت ابدا
وصلها الرد بضحكة يفيح منها التوعد:
– تمام اوي يا سامية، تمام اوي يا غالية، اعملي ما بدالك .
تبسمت تنهي المكالمة تضيف مزيد من مخزون رصيدها عنده، ثم ألتفت تتوجه بأبصارها نحو الجهة التي سوف تصعد منها إلى طابق شقيقها، لتفاجأ بخروج والدها من المصعد، مهرولا نحو احد النساء ، يبدو أنها كانت في انتظاره، ليقترب منها ويسحبها من يدها نحو الخروج بصورة تثير الاستغراب، تطلعت سامية بملامح المراَة البيضاء جيدا حتى عرفتها، لتمتم بحديث نفسها بتساؤول:
– صفاء قريبة إسراء مرات اخويا!
❈-❈-❈
بعد انهاء حديثه معها في الهاتف لم تمر ربع ساعة حتى وجدته يصل إليها، ليقف امامها الآن يطالعها بأعين مشتاقة لكل خلجة وكل تفصيلة:
– مالك واقفة كدة ليه؟ مش هتقوليلي ادخل يا بهجة؟
استدركت لوضعها، لينتابها التردد بحيرة، فاستغل هو يدفعها للداخل دون انتظار، ثم يصفق الباب بقدميه:
– انتي لسة هتفكري.
ورفعها عن الأرض بين ذراعيه متمتمًا بلوعة:
– وحشتيني وحشتيني اوي
استلسلمت لدفء حضنه الذي احتوى جسدها بتملك يدغدغ أنوثتها بعشق لم يأتي في بالها ان يحدث ابدًا، ليجمع اثنين من عالمين مختلفين، عابرًا لكل الحدود
ورغم كل ما يحدث من عوائق،
اشتاقها بشدة اشتاقها بجنون، حتى لم يعد يملك السيطرة على جموح عاطفته الجياشة بلقائها، لا يتوقف عن تقبيلها وبث اشواقه اليها
اما عنها فلم تكن اقل منه، رغم ادعائها المقاومة،
فحاولت دفعه عنها، حاولت منعه، حاولت بقوة واهية لا ترتقي للصد ابدًا، لتستلم في الاخير، تغرق في بحر امواجه المتلاطمة، تعلو بها الى السماء، وفي نفس الوقت تخشى النزول، ليقتطفا من الوقت لحظات من سعادة لم تدم سوى لحظات قليلة، ليستفيقا على صوت المفتاح بمغلق الباب ينبيء عن مجيء احد من اهل المنزل .
فجاء الصوت كمنبه يحفزها لتملك القوة هذه المرة، وتنزع نفسه عنه، هامسة بلهاث :
– يا نهار اسود، هيقول علينا ايه دلوقتي
كز على اسنانه بحنق شديد، يحجم نفسه عن تصرف لا يعجبها، يشاهد ارتباكها امامه وكأنه افتعلت خطًأ مع ابن الجيران، لتشتعل به روح التحدي لاستقباله، ولكنها أبت ان تجعله ينفذ ما برأسه، لتسحبه على الفور، تدلف بها لاقرب جهة امنة لها في المنزل
ولم تمر سوى ثواني حتى دوى صوت شقيقها مناديًا بإسمها ، وهو يضع عدد الأكياس التي اتى بها من الخارج بعد تبضعه في السوق على الطاولة:
– بهجة انتي فين؟
وصله صوتها المضطرب بعض الشي .
– انا هنا يا قلبي…. في المطبخ.
دلف متجهًا نحو مصدر الصوت، مستغربا قيامها من فراشها، وتحدث يقضم بثمرة التفاح التي اخرجها من كيس الفاكهة الذي ابتاعه:
– طب وايه اللي قومك بس يا قلبي من فرشتك؟ هي البت جنات معملتكيش فطار قبل ما تخر…ج…….
توقف الكلمات وتوقفت عن مضغ قطعة الفاكهة داخل فمه، بذهول احتل ملامحه، يطالع ذلك الجالس حول الطاولة التي تتوسط المطبخ، وكأنه من اهل المنزل، يستقبله بابتسامة متسلية:
– ازيك يا إيهاب، عامل ايه؟
– ازيك يا ايهاب عامل ايه؟
ردد بها من خلفه بشيء من الاستهجان واتجهت ابصاره نحو شقيقته التي اكتسحها الحرج تعطيه ظهرها، تدعي الانشغال في تسوية القهوة على نيران الموقد، تغمض عينيها بخجل شديد تستجدي من الله ان يمر هذا الأمر غلى خير، فخرج صوتها باهتزاز :
– رياض جه عشان يطمن عليا.
– اه !
تمتم بها يزيد من توترها فتحدث الاخر بأريحية وعدم اكتراث:
– مراتي وجيت اطمن عليها يا دكتور، اظن يعني دا شيء عادي أنه يحصل.
– لا مش عادي
قالها إيهاب بتحدي يردف موجها بحدة مقصودة:
– ما هو معلش يعني يا رياض باشا، كان لازم قبل ما تيجي تديني خبر عشان استقبلك، بدل ما تيجي وتكتشف ان مفيش حد معاها في البيت .
اغمضت عينيها بترقب شديد لما يحدث، ثم قامت بصب القهوة في الفنجان متوقعة حدوث المشاجرة لتستدير اليهما فتشاهد الحرب الباردة تدور على اشدها بينهما، وقد صدر من زوجها ابتسامة مستخفة خالية من اي مرح:
– استأذنك!….. انا جوزها يا حبيبي مش خطيبها.
جاء رد إيهاب ببساطة:
– وانا قولتلك اني مش معترف ، يعني كويس اوي ان وصلتها لخطوبة
لطمة قوية بكف يده على سطح الطاولة دوت عاليا كانت بمثابة الرد الفوري بالاعتراض لتنتفض بهجة محاولة تلطيف الأجواء :
– القهووة، انا عملت فنجان رياض وانت يا قلبي هعملك الغدا اكيد راجع جعان
– حتى لو جعان دا مش وقته طبعا.
قالها بجلافة مقصودة ليتجه نحو الأخر والذي تحفز مقابلا له بغضب يردف متابعًا:
– دا غير ان القعدة هنا في المطبخ مش من مقام الباشا ، انا شايف اننا نخرج نضايفه برا في الصالون احسن، حاجة تليق بمقامه.
– ايهااااب
صدر منه الاسم بلهجة تنذر بالخطر، لينهض مواجها له، وكأنه يظهر فرق الحجم بينهما، يستطرد:
– لحد دلوقتي انا ملتزم معاك ضبط النفس، تقديرا لموقفك ولمعزة بهجة في قلبي، بلاش تعكر الشيء الحلو اللي ما بينا، الرسايل اللي قاصد ترميها في وشي دي انا مش غافل عنها وبحاول أديك عذرك، بس مش لدرجة انك تخليني غريب عن مراتي، يا سيدي لو مش قابل حضوري انا اخدها بيتي وتيجي تزوركم براحتها.
كانت بهجة على وشك الوقوع تراقب رد فعل شقيقها وتلك الابتسامة التي ارتسمت على ثغره بشيء لا تفهمه، شيء يثير داخلها الفزع من القادم، فصارت تهتز الصنية بما عليها من فنجان ممتليء بمشروب القهوة الساخن، حتى انتبه الاثنان، هم إيهاب ان يتناولها منها ولكن زوجها كان الأسبق، ليضع الصنية على الطاولة بفنجانها، وعينيه تعلقت بها، يستشف الضعف في مواجهة هذا الصغير، والذي خرج صوته بندية، يسحبه عن التركيز مع زوجته:
– رياض باشا خليك معايا لو سمحت، عشان كل كلامك اللي قولته من شوية، انا شايف انه ملوش معنى، لأن اختي مش هتخرج من بيتنا وتروح لأي حتة تانية الا بجواز اصله الأشهار، والأمر في ايد حضرتك، ولا ايه يا بهجة؟
توجه في الأخيرة نحوها ، لتلتف معه ابصار الاخر، ترقبًا لرد فعل يؤازره ولكنها لم تقوى على مخالفة شقيقها او خسارته في شيء له كل الحق فيه، رغم سقوط قلبها داخلها خشية الخسارة، خسارة من تتوقف انفاسها بحضوره، ذلك الذي في كل مرة تلتقي به، تتأكد تمام التأكيد أنه حبيبها الاوحد ، رغم كل عيوبه
– انا مع إيهاب.
تعليقات



×