رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والثلاثون



ألقيتي بسحر عينيك على قلبي السلام... فـ هامَ بهما  القلب و نسيت الروح الألام 
_________________________

كانت حياتي على المَحك و كتب عليَّ خوض حروبًا لا تنتهي، كنت أظن نفسي الرابح الوحيد في السباق و حينما فتحتُ عيني وجدت نفسي خارج المسابقةِ من الأساس، لا الكلماتُ تؤنسني و لا المواساة تُسعفني، ها أنا آثرت الصمت و كل ما يخرج مني فقط تنهيدةً، تنهيدةٌ قالت مالم تستطع الثمانية و عشرون حرفًا قوله، أنا من حسبت نفسي مركز الصورة و في الحقيقة أني خارج الإطار.

_"فارس وئام مرتضى فايز أحمد الرشيد"
تفوه بها كلًا من «وليد» و «خديجة» في آنٍ واحد بمرحٍ يشبه مرح طفلين في تلك اللحظة يُدليا بإسم شقيقهم الصغير، و من بعدها انتشرت التصفيقات وسط التصفير من عامر و من بعدها قام يتشغيل الأغنية مرةً أخرى و سادت الفرحة تلك الأجواء، أبان ذلك كانت «عبلة» تراقبه و هو يضحك بقوةٍ مع الشباب و «فارس» على ذراعيه، و رغمًا عنها ابتسمت حينما رآت مداعبته للصغير و من بعدها اقترابه من «خديجة» يمازحها و هي الأخرى تداعب الصغير و بجانبها زوجها، و حينما تعمقت بشرودها به، تفاجئت بـ «خديجة» تقف أمامها وهي تبتسم بسمتها الصافية و حينما انتبهت لها هي وجدتها تمسك كفها ثم سحبتها نحو موضع تواجده، رفع هو عينيه يطالعها باهتمامٍ، بينما هي ابتسمت بتوترٍ فوجدته يمد يده لها بالصغير وهو يحرك رأسه موافقًا، أخذت الصغير من يده وهي تبتسم رغمًا عنها، فوجدته هو يحتضنهما سويًا و كأنهما طوق النجاة للغريق في منتصف البحر، بكت «خديجة» تأثرًا من ذلك الموقف، فوجدت «ياسين» يميل على أذنها وهو يقول بنبرةٍ خافتة بالكاد وصلت إلى مسامعها:

"هما زعلانين من بعض؟"
حركت رأسها موافقةً وهي تتابعهما، بينما «ياسين» حرك رأسه موافقًا وهو يطالعهما من جديد و داخله ينتوي فعل شيئًا لإنقاذ تلك العلاقة، أما هما حينما لاحظ الجميع وضعهما تحدث «مرتضى» يقول متعجبًا:

"هي عبلة بتعيط ليه؟! مالها يا وليد؟ فيه حاجة مزعلاكي؟"
طالع والده بخجلٍ من نفسه فحتى الآن لم يقوى على التحدث، فوجدها هي تتنفس بعمقٍ ثم أخفضت رأسها تهرب من نظرات الجميع المصوبة نحوها، فتحدث «محمد» بنبرةٍ جامدة:

"أنا عاوز أفهم في إيه ؟! مالها عبلة يا وليد؟ و أنتَ ساكت ليه؟"
أخيرًا وجد صوته الهارب فتحدث يقول بنبرةٍ خافتة:

"أنا اللي مزعلها...."

بكت هي من جديد فوجدت «هدى» تأخذ الصغير من على ذراعها بينما «هدير» اقتربت منها تحتضنها، فسأله عمه بنبرةٍ جامدة:
"و هي دي حاجة جديدة ؟! ما طول عمرك مزعلها، عينها دبلت من العياط بسببك"

نظر هو حوله يتابع نظرات الجميع، فوجدها جميعها حزينة لأجله و لأجلها معه، فزفر هو بقوةٍ، فسألها «طارق» بإصرارٍ:

"و هو إيه اللي حصل ؟! عملك إيه يا عبلة علشان تعيطي كدا"
مسحت هي دموعها ثم قالت بنبرةٍ جامدة:
"معملش حاجة، و أصلًا مفيش حاجة علشان نتكلم فيها قدام الناس، أنا علشان شيلت فارس على إيدي حسيت بإحساس غريب، مش فاهمة انتو كبرتوا الموضوع ليه؟ و هو مش مزعلني"

حرك رأسه نحوها بسرعةٍ كُبرىٰ، فها هي للمرةِ التي لا يعلم عددها هي من تنصفه و تدافع عنه، بينما هي أجبرت شفتيها على التبسم وهي تقول بمرحٍ زائف:
"انتو غاويين نكد ليه ؟! فيه إيه يا جماعة، إحنا حلوين أهو و فرحانين بفارس، اللي خلاني أعيط دا، فكوا كدا و شغلوا الأغاني"

رغم أن الموقف برمته أثار ريبتهم و خصيصًا أمام صمته، فهو «وليد الرشيد» كيف له أن يصمت بتلك الطريقة، لو كان تحدث بفظاظته و وقاحته المعتادة لكانوا صدقوا جميعًا، لكن صمته خير الدليل على أن هناك مشكلةٍ بينهما و لكنهم فضلوا الصمت أمام أصدقاء «ياسين»، حتى تحدث «مرتضى» يقول بفرحةٍ بحفيده:
"وئام أنا كلمت الراجل زي ما قولتلي، و العقيقة هتبقى يوم الجمعة الجاية، زي النهاردة يعني، يوم الأربع تروحوا علشان تشوفوها أنتَ و طارق"

رد عليه «طارق» بموافقةٍ:
"تمام يا عمي مفيش مشاكل، المهم كلم الجزار و أكد عليه علشان منتوهش ساعتها"

تدخل «عامر» يقول بمرحٍ:
"و جزار ليه ؟! ياسين و خالد موجودين، ولا إيه يا رجالة؟"

وجه الجميع بصرهم نحوهما فتحدث «عامر» مفسرًا بنفس المرح:
"مش بهزر و الله، إحنا مش بنجيب جزار في العيد الكبير، الأضحية بتاعتنا هما اللي بيدبحوها خالد بيمسكها و ياسين بيدبحها و ياسر بيقطعها"

انتشرت الضحكات عليهم، فسأله «حسن» ساخرًا منه:
"و أنتَ بقى يا عامر بتعمل إيه؟"

تدخل «ياسر» يقول بتهكمٍ:
"صاحب أهم حاجة في الليلة دي كلها..... بياكلها"

ضحكوا عليه جميعًا فأضاف «عامر» بفخرٍ:
"لأ و الأهم أني بصورها....دي أهم حاجة هي أني أوثق اللحظة دي" 

تحدث «وئام» غير مُصدقًا ذلك الحديث لذلك قال:
"بجد من غير هزار، بتعرفوا تدبحوا؟! و لا دا كلام و خلاص؟"

رد عليه «خالد» مؤكدًا:
"بندبح و الله، بطلنا نجيب جزار من بدري، من ساعة ما ياسين اتعلم و بقينا كلنا بندبح سوا"

أخيرًا خرج «وليد» من قوقعة صمته و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"طب حلو و الله، كدا انتو اللي هتدبحوا بقى، علشان الجزار بتاعنا بارد"

أومأ له الجميع بموافقةٍ، فتحدث «ياسين» مؤكدًا:
"من غير ما تطلب، إحنا موجودين بس هي العقيقة هتبقى إزاي؟"

سأله «محمود» بتعجبٍ:
"هتبقى زي الناس، هندبح و نعمل أكل و نأكل الناس و نوزعه"

رد عليه «خالد» مفسرًا:
"أنا عملت عقيقة إبني بس بطريقة حلوة أحسن من الصواني و البهدلة"

سأله «وئام» بإهتمامٍ:
"عملت إيه طيب؟ علشان لو هتفيدنا تبقى أحسن"

رد عليه هو بنبرةٍ متريثة يفسر لهم ما قام بفعله:
"جبت أطباق فويل و حطيت فيها الرز و اللحمة و جبت علب صغيرة حطينا فيها السلطة و معاهم رغيفين عيش و حطيتهم في شنطة و بقت زي الوجبات"

اعتلى الاستحسان ملامح الجميع فأضاف «ياسين» هو الأخر:
" كدا أحسن و بتبقى الحاجة مقفولة و مضمونة، و التوزيع بيكون جزء للقرايب و الجيران و جزء في المساجد و جزء في محطة مترو أو قطر علشان العمال و ناس كتير بتكون موجودة"

تحدثت «مشيرة» تقول بفرحةٍ:
"طب والله حلو أوي، إحنا مرة عملنا أكل بس كان صواني و الدنيا اتبهدلت"

رد عليها «خالد» مؤكدًا حديثها و مفسرًا حديثه:
"ماهو علشان كدا أنا بقول نعمل كدا، و الأكل يروح لناس تستحقه، و ساعتها يبقى هو دا الخير يعني مش مجرد عقيقة و خلاص"

سألهم «وئام» بحيرةٍ:
"طب و دي نعملها ازاي ؟!"

رد عليه «ياسر» مُقترحًا:
"لو انتو عاوزينا معاكم هنا يومها، احنا ممكن نظبطلك الدنيا متقلقش"

تدخل «طارق» يقول بضجرٍ منه:
"عاوزينكم معانا ؟! انتو شكلكم هبل، دا ابن اخوكم يعني تيجوا من غير ما إحنا نطلب منكم"

رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"بص لو الموضوع فيه فَتة يبقى أنا هبات هنا و الرجالة كمان، أصل دي فتة يعني بصراحة"

ضحكوا عليه جميعهم، فقال «طارق» بمرحٍ:
"عنينا ليك يا عامر، هندوقك فتة عيلة الرشيد، حاجة مُعتبرة عمايل إيد الستات هنا"

تدخلت «مروة» تقول بفخرٍ:
"الفتة بتاعتي كله بيشهد بيها هنا، لو مشيرة بقى تشد حيلها و تعمل رز بلبن نوزعه كمان يبقى حلو أوي كدا"

ردت عليها «مشيرة» تؤكد حديثها:
"من غير ما تقولي يا مروة أنا كنت هعمل كدا فعلًا، و قولت لأحمد يجيب الحاجة علشان أجهزه يوم الخميس بليل و يتوزع الجمعة الصبح"

ابتسم الجميع بحماسٍ و هم  يخططون لتلك الليلة، و من بعدها قام «حسن» بتوزيع الحلويات في جوٍ يسوده المرح و كلًا منهم يشعر بالفرح بذلك الصغير الذي بدأ في البكاء بصوته الضعيف
_________________________

انتهت الأمسية و بدأوا الجميع في التجهز للرحيل، و لكن قبل المغادرة استأذن «ياسين» من زوجته ثم طلب التحدث مع «عبلة» بمفردهما في مدخل البيت، توجهت هي له بخوفٍ و توتر نظرًا لقلة تعاملهما سويًا، فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

"متقلقيش كدا، أنا طلبت اتكلم معاكي علشان عاوزك بخصوص وليد"

نظرت له هي بتعجبٍ ممتزج بحيرتها، فوجدته يفسر قوله:
"واضح إن فيه مشكلة بينكم، أنا مش بتدخل بس هقولك إن وليد راجل يستاهل إنك تحاربي علشانه، و هقولك كمان إنه بيحبك بجد، بس هو محتاجك جنبه مش أكتر"

ردت عليه هي بنبرةٍ شبه باكية:
"أكتر من كدا ؟! أعمل إيه طيب علشان أريحه و أرتاح أنا كمان، أنا خايفة غصب عني إيدي تفلت منه"

تحدث هو بإصرارٍ:
"غلط، هو مش عاوز غير إنك تمسكي فيه، زي علاقتي مع خديجة كانت محتاجة تطمن ليا علشان تسلمني قلبها، وليد زيها بالظبط، عاوزك تطمنيه"

ردت عليه هي ببكاءٍ من حرقتها:
"و أنا بحاول بس هو مش مديني فرصة، لو تعرف إزاي أعمل كدا قولي و دلني عليها، حرام قلبي و قلبه يضيعوا من بعض"

ابتسم هو لها ثم قال بنفس الهدوء:
"الحل إنك تحاربي علشان حُبك، علشان الهدف نفسه مش علشان صاحب الهدف، وليد راح لهناء علشانك يا عبلة، يبقى نقدر مجهوده دا، و أنا هديكي رقم دكتورة هناء و تكلميها هي الوحيدة اللي هتقدر تساعدك، و الله حرام حبكم لبعض يضيع في الدنيا دي، الحب اتخلق علشان نهرب فيه من الدنيا مش علشان يكون حِمل علينا في الدنيا؟ أنا واثق فيكي إنك هتساعدي نفسك و تساعدي وليد"

حركت رأسها بموافقةٍ من بين دموعها، بينما هو أخرج من جيب سترته الكارت الخاص بالطبيبة، فأخذته هي من يده و هي تقرأ ما كُتب عليه، بينما هو أضاف مؤكدًا:
"افتكري إن وليد يستاهل إنك تحاربي علشانه زي ما هو حارب كل حاجة علشانك، الإدمان و المرض النفسي، و الخوف، اللي وليد شافه كان كتير أوي"

قال حديثه ثم انسحب من أمامها و في خاطره يتأكد أنها ستفعل المستحيل لإنقاذ علاقتها بحبيب عمرها، ثم توجه إلى سيارته يقف مقابلًا لزوجته التي كانت تنتظره بقلقٍ، و أصدقائه في سيارة «خالد» عدا «عمار» الذي وقف ينظر للأعلى يراقب تلك التي وقفت في الشرفة تتحدث في الهاتف بمرحٍ، و للحق لم ينكر شوقه لها بعدما ترك العمل في المركز التعليمي، كانت تتحدث هي بمرحٍ و ظهر ذلك من خلال انفعالات جسدها و حركة يدها، ابتسم هو رغمًا عنه حتى وجد «عامر» يخرج رأسه من النافذة وهو يقول بسخريةٍ:

"يلا يا عم روميو....مفيش شجرة تطلع عليها يا حلو، خلينا نمشي يلا"
زفر «عمار» بقوةٍ ثم استغفر في سره و من بعدها فتح الباب يدخل بجوار شقيقه، فوجد «ياسر» يقول ساخرًا منه:

"جرى إيه يا عمار....متفكرنيش بنفسي و أنا واقف في البلكونة علشان أشوفها"

رد عليه «خالد» بحنقٍ:
"يا نهار أهلك مش فايت !! أنتَ كنت بتستغفلني يا ياسر ؟! كنت بتقف في البلكونة تشوف أختي"

ابتسم له باستفزازٍ وهو يقول مؤكدًا:
"أقولك على الكبيرة بقى ؟! أمك كانت عارفة، و كله كان عارف إلا أنتَ يا خالود"

ضحك «خالد» رغمًا عنه وهو يقول:
"كنت خايف عليك، كنت خايف أخسر واحد فيكم بسبب العلاقة دي، بس هي نصيبك و أنتَ حُر، المهم إنكم تكونوا مبسوطين"

رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"فكرة إنك تتجوز اللي بتحبها دي احتياج مش رفاهية ليك، حاجة كدا زي احتياج المكرونة للفراخ البانيه أو احتياج الجاتوه للباتون ساليه"

ضحكوا بيأسٍ من حديثه، فأضاف هو بطريقةٍ جادة:
"خلاص و الله مش بهزر، بس أنا كعامر شايف إن لولا الطرفين بيحبوا بعض كان زمان كل العلاقات انهارت، الموضوع أكبر من جواز و خلاص"

رد عليه «خالد» مؤكدًا:
"ربنا سبحانه و تعالى كرمنا بالقلب علشان يحس بالمشاعر و العقل علشان يقوم طريق المشاعر دي، و من رحمة ربنا سبحانه وتعالى علينا إن القلب يحس باللي العين تشوفه، لو العين مشافتش صح القلب مش هيقتنع"

رد عليه «عمار» بنبرةٍ هائمة:
"و سبحان الله مكتوبلك تتشغل و تسهر و أنتَ حتى مش عارف تتكلم، تحس إنك عينك شافت إكتشاف، حاجة زي الفَلتة، مفيهاش غلطة غير حاجة واحدة البُعد"

حركوا ثلاثتهم رأسهم له، فقال هو بخجلٍ عند رؤيته لتلك النظرات:
"أنا بقول نشوف ياسين خلونا نتحرك بقى، اتأخرنا هو فين؟"

على الجهة الأخرى طمأن هو زوجته بحديثه فوجدها تسأله بلهفة:
"يعني هي مش عندها اعتراض تكلمه ؟! أنا عارفة إننا بنيجي عليها، بس هي الطرف الأقوى مش هو، هو مش هيسمع لحد"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بهدوء:
"متخافيش و الله، هي هتتصرف صح، لو حبها بجد ليه.... اطمني أنا هساعدهم"

أبتسمت هي له و لكن الحزن سيطر على تلك البسمة، و حينها استمع لصوت سيارة صديقه و كأنه يلفت نظره للوضع، فزفر هو بقوةٍ ثم طلب منها دخول السيارة، فامتثلت لمطلبه و من بعدها تحركت السيارة و الأخرى تتبعها.
_________________________

في غرفة «عبلة» جلست على فراشها بعدما انسحبت من أمام الجميع و في يدها الكارت الخاص بالطبيبة و هي تصارع نفسها حتى تأخذ تلك الخطوة و بالفعل استطاعت أخذ تلك الخطوة و قامت بمهاتفة الطبيبة، و حينما وصلها الرد تحدثت بتوترٍ:
"مساء الخير....أنا آسفة على الوقت اللي بكلم حضرتك فيه و من غير ميعاد...بس أنا محتاجة اتكلم مع حضرتك ضروري، أنا عبلة مرات وليد الرشيد"

ردت عليها «هناء» بتفهمٍ و قالت بنبرةٍ ودودة:
"تحت أمرك طبعًا في أي وقت، و على فكرة أنا متوقعة المكالمة دي من بدري، ممكن تكون اتأخرت شوية بس أنا كنت متأكدة إنها هتحصل"

تنفست هي الصعداء تحاول التحكم في حديثها و نفسها حتى استطاعت أخيرًا فقالت بتوترٍ:
"أنا عاوزة أعرف إزاي أساعد وليد....إزاي أخليه ينسى كل حاجة و يفرح......أنا عاوزة أساعده"

على الجهة الأخرى ابتسمت الطبيبة وهي تقول لها مُستحسنةً حديثها:
"كلامك محترم و يخليني أعرف هو حبك ليه.....طالما عاوزة المساعدة علشانه هو يبقى كدا أنتِ تستاهلي حبه"

ردت عليها ببكاءٍ بعدما أعلنت عبراتها العصيان عليها:
"و الله علشانه هو، مش عاوزة أحسه مكسور علشان هيجي يوم و حد فينا طاقته هتخلص و هيبقى صعب عليه يكمل في علاقة بتاخد طاقته على الفاضي"

ردت عليها «هناء» تؤكد حديثها:
"مفيش إنسان مُجبر إنه يكمل في علاقة بتستنزف طاقته يا عبلة، و لو كملت هتبقى تمثال خالي من الروح مهما كان الحب و مهما كانت قوة الرابط، لازم يكون فيه طرف متمكن أكتر من التاني علشان هيجي يوم و العلاقة تبقى زي الغزال الشارد على الجبل؛ لا هتقدر تكمل طريقها و لا هتقدر ترجع زي الأول و لا هتقدر تقف مكانها عند نقطة مُعينة، نفس الفكرة في العلاقات مهما كانت العلاقة سواء حب أو صداقة أو أخوة"

سألتها هي بتيهٍ و ضياعٍ:
"طب أعمل إيه ؟! غير أني اطمنه؟ وليد بقى بيعاملني أني شيء مضمون و بقى بيجيلي بس وقت إحتياجه"

ردت عليها هي بنبرةٍ ظهرت بها الشفقة:
"أنا مقدرش أظلمه يا عبلة، الإنسان في الدنيا عبارة عن طاقة محدودة، و للأسف وليد طاقته خلصت بدري و ضاع منه كتير، عاش في بيت يحارب فيه علاقاته بعمته و بهدير و اضطر يكون أب لخديجة، و لما خرج للعالم برة لقى نفسه في كلية غير اللي هو حبها علشان درجات بسيطة ضيعت حلمه و صاحب ناس افتكرهم هيهونوا الرحلة عليه و من بعدها بقى مدمن و دخل مصحة و بقى مع ناس مش شبهه، و لما حارب علشانك و راح لشركة أحلامه اترفض علشان موضوع إدمانه، اضطر إنه يكمل حياته و نزل شغل مع أخواته في شغل مش بتاعه و مش شبه طموحه لكنه قرر إنه يكمل و لما قرر يعترف بحبه اترفض من اللي قلبه اختارها و ساعتها كانت خسارة كبيرة لروحه، وليد زي الجسم اللي مليان جروح و كل حرج فيهم بينزف و لسه محدش عرف يداويه"

شعرت هي بسخونة الدموع على وجنتيها و هي تسمتع لمعاناته من الغريب، فكيف يشعر هو إذًا؟ و قبل أن تتحدث وجدت الطبيبة تضيف مفسرةً و كأنها استطاعت قراءة أفكارها:
"وليد لما أنتِ رجعتي في حياته ظهرت مشكلة اضطراب الثقة عنده و دا بان أكتر في خوفه إنك تسيبيه و دا علشان هو شايف إنه بقربه مش كفاية و هيأذيكي، وليد مقتنع إن قربه منك أذى علشان هو واخد إنه يكون شخص غير مرحب بيه في العالم دا، العلاقة الوحيدة اللي وليد لقى نفسه فيها هي علاقته بخديجة، الرابط بينهم قوي لأن في فترة من الفترات كانوا هما طوق النجاة لبعض، كلام الاتنين عن بعض يحسسك قد إيه هما اتظلموا و شافوا كتير، وليد كل كلامه إن لولا وجود خديجة و عياطه في حضنها و هي بتهون عليه كان زمانه يا ميت يا ساب البلد كلها، أعذريه يا عبلة علشان الناس اللي زي وليد شافوا كتير من غير ما يعملوا حاجة تأذي حد، هما بس ضحايا لعالم مؤذية"

سألتها بنفس البكاء بنبرةٍ متوسلة:
"طب و أنا بإيدي أعمله إيه؟ إزاي أنسيه الجروح و إزاي أخليه يأمنلي؟"

ردت عليها هي بنبرةٍ عملية:
"المهم إنه يأمن لنفسه مش يأمنلك أنتِ، يثق في نفسه علشان يعرف إنه ممكن يضيع الحاجة اللي هو خايف أصلًا تضيع منه، وليد لازم يحب وليد"

تنفست هي بعمقٍ، فوجدت الطبية تقول بنبرةٍ مقررةٍ:
"اسمعي كلامي يا عبلة و نفذي اللي هقولك عليه علشان ترتاحوا انتو الاتنين"
_________________________

في شقة «مرتضى» خرج «وئام» من غرفته و «فارس» على ذراعه حتى جلس على الأريكة في الخارج يهدهد صغيره و هو يبتسم بخفةٍ على حركته البسيطة بين ذراعيه و على صوت بكاءه، حتى وجد «وليد» يخرج من غرفته و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"الواد ابنك زنان زي عمته مشيرة و فاطمة الله يرحمها، إيه العياط دا كله مش عارف أنام؟"

ابتسم له «وئام» وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
"بس علشان هدى نامت شوية، ما صدقت أخيرًا اقنعها تنام و تسيبه ليا، تعالى بص شكله حلو إزاي؟"

كان يتحدث عن صغيره بفرحة طفلًا صغيرًا بلعبته الجديدة، فجلس بجانبه «وليد» وهو يبتسم بحبٍ لهما فوجد «وئام» يقول بتأثرٍ:
"عارف ؟! غصب عني لما شيلته على إيدي قلب دق دقة غريبة أوي يا وليد، حسيت بكهربا في جسمي و كأن قلبي بيدق لأول مرة، مش دقة حب زي اللي بيدقها لهدى و مش دقة خوف زي لما بقلق من حاجة، دقة ضربت في جسمي كله و أنا شايل حتة مني على إيدي و بتتحرك، مكانش فارق معايا هو لحد ما اطمنت عليها و دا علشان أنا مكنتش شوفته، بس لما شيلته على إيدي فيه وئام تاني اتولد معاه، أنا بحبه أوي يا وليد"

ربت «وليد» على كتفه وهو يقول بنبرةٍ هادئة و هو يجاهد حتى لا يبكي:
"علشان دول ٣ قلوب ارتبطوا ببعض، قلبك و قلبه و قلب هدى، و كانت النتيجة وجوده على إيدك، أنتَ هتبقى أشطر أب في الدنيا كلها"

أومأ له موافقًا بحركةٍ خافتة ثم سأله بنبرةٍ صارمة:
"مالك و مال عبلة يا وليد ؟! مزعلها ليه؟ الفيلم اللي حصل تحت دا كان ليه؟"

رفع رأسه له يطالعه بخزيٍ من نفسه، فوجده يتابع حديثه:
"ليه يا وليد ظالم نفسك كدا؟! ليه مش عاوز تأمن لطوق النجاة اللي ربنا كرمك بيه؟ فاكر لما و أنا صغير شربت سجاير ؟! ساعتها هدى عرفت و قالت لعمك محمود إنها لا يمكن توافق عليا علشان بشرب سجاير و أنا ساعتها قولتلها إنها حاجة صغيرة مش مستاهلة و إحنا كنا في الجامعة، بس هي قالتلي إن اللي يتهاون بالصغير هييجي عليه يوم و يعمل الحاجة الكبيرة من غير خوف، هدى ساعتها كانت زي بوصلة عرفت تصلح طريقي، هي برضه عبلة كدا، يبقى حرام عليك تضيع قلب حبك"

تنفس هو بعمقٍ ثم هرب منه بقوله المضطرب:
"خلي بالك من فارس.... أنا طالع فوق السطح علشان هدى تاخد راحتها هنا، تصبح على خير يا وئام"

طالعه أخيه بعتابٍ لم يتحدث به لكن الأخر التقطه من نظرته فهرب من أمامه و من نظراته، و بمجرد خروجه من الشقة وجد نفسه يتنفس بحدةٍ كأنه يصارع للبقاء على قيد الحياة، سار على قدميه حتى وصل إلى سطح البيت و بمجرد دلوفه وجدها في انتظاره، حينها تنهد بعمقٍ و هو يأمل في الحديث معها، لكنها كانت الأسرع حينما التفتت له تطالعه بجمودٍ، بينما هو اقترب منها يقول بلهفةٍ حزينة:

"كويس إنك هنا.....عاوز أتكلم معاكي يا عبلة، كنت عــا......"

أوقفته هي بقولها الحاد:
"لأ.....دا دوري أنا المرة دي يا وليد، مش كل مرة الكلمتين يترموا قصادي و أسمعهم و خلاص و أسامح، أنا طاقتي بتروح مني علشان أقدر أحافظ على علاقتي بيك.....تعبت و مش قادرة أكمل خلاص"

انتاب القلق ملامحه و نظرته التي غزاها الدمع، فوجدها تقول بنبرةٍ باكية:
"غلطت مرة زمان و كان غصب عني و لحد دلوقتي بكفر عن ذنبي دا، لحد إمتى يا ابن الناس هفضل كدا ؟! كلهم فرحانين و مبسوطين و أنا زي اللي مادد إيده لواحد بيغرق و كل ما يمسكها يسيبها بمزاجه، قولي إيه يريحك و أنا أعمله؟ قولي إزاي أطمن قلبك و أنا هطمنك، ليه بتبعد عن القلب اللي أنتَ اختارته؟ ليه مش راضي تريح قلبين من التعب؟"

أجهشت في البكاء و هي تتحدث و ظهر ذلك من خلال تهدج صوتها، فتوقفت هي تتنفس بعمقٍ ثم قالت بنفس البكاء:
"حاولت أعوض قلبي و قلبك لكن مفيش فايدة، الاتنين اتكتب عليهم التعب، و شوفت منك كتير و مش بلومك على دا، بس على الأقل شوية الطاقة اللي عندي هعيش حياتي بيهم"

طالعها هو بدهشةٍ من عينيه الدامعتين فوجدها تقترب منه وهي تقول بنبرةٍ جامدة و بإصرارٍ لم يعهده منها من قبل:
"لحد كدا الطاقة راحت و الفرص ضاعت و وقتك معايا خلص، و الحكاية خلصت يا وليد"

أمسك هو مرفقها وهو يسألها بلهفةٍ و بنبرةٍ مبحوحة:
"حكاية إيه اللي خلصت ؟! حكايتنا !! قبل ما تبدأ أصلًا؟"

ردت عليه هي ببكاءٍ:
"علشان البداية واضحة يا وليد، علاقة زي دي حصل كل دا في بدايتها أومال أخرتها إيه؟! وليد أنا بحارب نفسي و بحارب الدنيا بس خلاص كدا كفاية"

استسلم للبكاء وهو يقول بخوفٍ:
"بس و الله أنا ببعد من خوفي عليكي، لو قربت منك هأذيكي، أنا كل مرة بتكلم معاكي فيها بزعلك مني، علشان كدا بختار البعد، بخاف من الدنيا علينا إحنا الاتنين.....لو مش بحبك مش هخاف عليكي"

ردت عليه هي بصراخٍ في وجهه:
"و هو الحل إنك تجرحني كدا ؟! أنا فين في حياتك ؟! جرب مرة واحدة تيجي ليا مش أنا اللي أجيلك، جرب مرة تعتبرني كل حاجة ليك، اللي بيحب حد مبيضمنش وجوده، و أنتَ ضمنت وجودي و جيت عليا...علشان كدا بقولك إن اللي أنتَ ضمنته ضاع منك يا وليد... أنا هستنى منك ورقتي"

أبعد ذراعيه عنها و هو يطالعها بأعين خاوية و كأنه يرى أسوأ كوابيسه تتحقق أمام ناظريه، أما هي ركضت بعد جملتها تلك حتى تهرب منه، أما هو حينما أدرك واقعه و حقيقة ما استمع إليه وجد نفسه يلحقها للأسفل راكضًا نحو شقتهم بعدما دلفت هي غرفتها و أغلقت الباب خلفها بعدما وصلت شقتها و فتح لها «طارق» الباب لكنه وقف مذعورًا حينما رآها تركض باكيةً نحو الداخل و قبل أن يغلق الباب وجد «وليد» يدفع الباب وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"افتح الباب يا طـــارق....."

فتح الآخر له الباب فوجده يركض نحو الداخل حتى وصل إلى غرفتها يطرق الباب وهو يقول بنبرةٍ منفعلة
"افتحي يا عبلة !! بقولك أفتحي... سمعيني كلامك تاني، أنتِ كنتي بتهزري صح ؟!"

لحقه «طارق» نحو الداخل و «جميلة» خلفهما، فأكمل هو فعله مع قوله الصارخ:
"افتحي بقولك.....متعمليش فيا الحاجة اللي قلبي خاف منها، عبلة قولي إنك بتهزي و إنك مش هتسيبيني، طب اطلعي ليا"

صرخت هي من الداخل بوجعٍ بعدما جلست القرفصاء خلف الباب:
"لأ مش هطلع....أنا تعبت منك و أنتَ مش مأمنلي، سيبني بقى و أمشي، الله ياخده قلبي اللي حبك، جاب لنفسه التعب"

قبل أن يتدخل «طارق» أمسكت «جميلة» يده و هي تحرك رأسها نفيًا حتى تمنعه و تردع دخوله، فوجدت «وليد» يتحدث بنفس الوجع و هو يقول:
"و أنا قلبي تعب و الله.....أنا تعبت مني و زهقت، كل الكلام أني لازم أسيب الحاجة اللي بتأذيني طب أسيب نفسي إزاي؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ متألمة:
"أديك قولت سيب اللي بيأذيك، و أنتِ بتأذيني زي ما بتأذي نفسك، حرام عليك بقى"

ارتمى هو أمام الغرفة يجلس بنفس الوضع التي تجلس به هي في الداخل و هو يقول بنبرةٍ متألمة و بوجعٍ ظهر عليه و على صوته:
"مجنون مين اللي يسيب ونيسه في الدنيا دي عبلة؟! عاوزاني أسيب السبب اللي مخليني أحارب دنيتي؟ عاوزاني أخرج روحي من جسمي؟"

ردت عليه هي ببكاءٍ و ألمٍ:
"مفيش حد بيهمل روحه يا وليد، و أنا مش حاسة بأمان معاك....عاوزني إزاي أتطمن معاك"

رد عليها هو بصراخٍ:
"و أنا مين يطمني ؟! أنا واحد اتخدع من طوب الارض، أنا ببعد عنك علشان قُربي بيأذيكي، أنا عارف أني بظلمك و عارف أني تعبتك و عارف أني بقيت لا أطاق، بس غصب عني و الله....غصب عني"

تهدج صوته من جديد فوجدها تقول بنبرةٍ صارخة:
" و أنا عملت إيه لكل دا ؟! حاولت أطمنك و اهتميت و مفيش فايدة....ليه مشيلني ذنب دنيتك؟"

رد عليها بنفس الصراخ و هو يضرب الباب بيده:

"علشان أنا تعبت و خوفت....بتلوموني على إيه؟ على جروح الدنيا فيا؟ مشوفتنيش و أنا بعيط علشان مبقيتش مهندس زي ما كنت بتمنى علشان تنسيق حقير ضيع حلمي، مشوفتنيش و أنا بحاول أرضي نفسي و بعمل صحاب زي أي شاب في سني و كانت النتيجة أترمي في مصحة إدمان و جسمي مكسر و مش عارف أنا في صيف و لا شتا من كتير ما جسمي بايظ

مشوفتنيش و أنا متكتف من الممرضين علشان حقنة أخدها تهديني و بعدها بساعة أحس بروحي تتسحب مني، مشوفتنيش و أنا بقدم في شركة أحلامي و يتقالي بعد التدوير لقينا إنك كنت مدمن و اترفض... مشوفتنيش و أنا بحلم ببيت معاكي و اشتغلت مع طارق علشان أقدر اتقدم ليكي و انسى معاكي اللي فات و اتفاجأ بيكي بتكسريني قدام أخويا و أخوكي، مشوفتنيش و أنا بوطي عيني المكسورة بعدما عمتك فضحتني أني خريج مَصحة، بـــتـلومـوني ليه ؟! علشان مش عارف آمن ليكم ؟! طب و آمن لنفسي إزاي؟ أنام إزاي من غير كوابيس؟ ليه بتعملي الحاجة اللي قلبي خايف منها دايمًا؟"

ردت عليه هي ببكاءٍ:
"علشان خوفك اتنقل ليا...بقيت بحارب الكل علشانك، بابا و طارق و حياتي، بقيت حطاك قصاد الكل في كفة، و أنا و هما في كفة تانية، قصاد كل دا أنتَ مش حاططني في ميزان حياتك أصلًا... شوف خديجة عندك إيه و أنا عندك إيه؟"

رد عليها هو بسخريةٍ رغم بكاءه:
"علشان هي الوحيدة اللي مكسرتنيش، هي الوحيدة اللي عرفت إزاي تداوي جروحي، الوحيدة اللي من غير كلام كانت عارفة وجعي، يوم ما عيطت علشان أنتِ رفضتيتي خديجة ساعتها عيطت قبلي، يومها لقيتها بتقولي إنها هتنزل تبوس راسك علشان توافقي، و كانت نازلة فعلًا.....الوحيدة اللي وليد الصغير لسه موجود في عنيها....كلهم شايفين وليد و هي لسه عندها وليد اللي ضاع مني....متلومينيش على حُبي ليها علشان هو اللي بيروحلها مش أنا....هو اللي عارف إن دواه عندها مش أنا...."

مسحت دموعها وهي تقول بنبرةٍ حاولت صبغها بالثبات و الجمود:
" و الحل ؟! هفضل كدا كتير ؟! يبقى خلاص خليك مع وليد التاني و هاتلي ورقتي"

حرك رأسه يبكي بقوةٍ وهو يقول من بين شهقاته:
"ياريت أقدر على كدا....لو بإيدي كنت ريحتك من الوجع و ريحت نفسي معاكي....أنا الغُربة عايشة فيا يا عبلة.....متلومنيش على خوفي و أنا واحد جروحه كلها مفتوحة و بتنزف....افتحي الباب بقى"

بكت هي في الداخل على بكائه فوجدته يقول بنفس البكاء:
"على عيني تكوني قصادي و أخفي عيوني عنك.....على عيني أوجع قلبك بالطريقة دي....افتحي يا عبلة متخبيش عيونك عني"

كانت «جميلة» تتابع ما يحدث أمامها ببكاءٍ و ألم لأجلهما سويًا، بينما «طارق» لا يدري ماذا يفعل فكليهما على حقٍ، و كليهما من ذويه هو رفيقه و هي شقيقته، لذلك مسح وجهه بكفيه، ثم اقترب منه يجلس على ركبتيه أمامه و هو يقول مُجاهدًا دموعه:
"قوم يا وليد.....قوم و سيبها النهاردة تريح شوية.....انتو الاتنين تعبتوا"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ باكية حاول صبغها بالثبات:
"لأ....أنا مبعرفش أتعب.... خليها تفتح يا طارق و أنا مش هزعلها تاني، و الله مش هضايقها بعد كدا، بس خليها تفتح الباب.... أنا جروحي كلها مفتوحة و مستنيها علشان أداوي الجروح دي....بلاش تخليها تسيبني"

حرك «طارق» رأسه نحو الغرفة فوجدها أغلقت الأضواء، حينها زفر بقلة حيلة ثم قال بنبرةٍ خافتة:
"الباب اتقفل يا وليد خلاص و النور كمان....صعب"

أرجع رأسه للخلف يضرب بها الحائط خلفه و هو يشعر بالهزيمة حقًا، فها هي أكبر مخاوفه تتحقق أمام عينيه، من عاش يُمني قلبه بالفوز بها ها هي تتركه و تنفذ طاقتها رغمًا عنها، بينما في الداخل وضعت كفها على فمها و هي تبكي، و على الرغم من صعوبة الموقف إلا أنها كانت مُجبرةً عليه، تركه من أصعب ما واجهته في حياتها، و الآن تواجه ذلك الصعب مباشرةً، في الخارج ربت «طارق» على كتفه فوجده يعلن عن هزيمته بالصراخ الممتزج بالبكاء، تلك الصرخة التي تركها لوقتٍ آخر و الآن أصبحت أصعب من خروج الروح من الجسد، و حينما احتضنه «طارق» تحدث من بين دموعه بوجعٍ:
"أنــا بـحـبـهـا و الـلّٰـه بحبها..."

رد عليه «طارق» متشدقًا بحزنٍ:
"بس وجعتها و وجعت نفسك معاها يا صاحبي...."

حرك رأسه موافقًا ثم تنفس بعمقٍ و من بعدها اعتدل في وقفته، و قبل المُغادرة تحدث يقول بنبرةٍ خافتة و هو يعلم إن حديثه سيصل لها:
"أنا معرفتش أخرج النفس الأخير فيا و لا مرة.....كل مرة اتهزمت فيها حاربت بنفس جديد....بس اللي أنتِ عاوزاه هيحصل...."

اتسعت أعين الثلاثة؛ هي في الداخل بعدما رفعت رأسها من على ركبتيها، و أخيها و زوجته في الخارج، أما هو تحرك بكتفين متهدلين من الهزيمة و لكن تلك المرة لم يكن مجرد قسطًا من الراحة لمحاربٍ بالمعركة إنما هزيمةٍ ساحقة نزلت على رأسه و كان هو الخاسر الوحيد بها.
_________________________

في شقة «ياسين» وصل هو و زوجته و هي تشعر بالحزن و الخوف على أخيها، بينما هو حينما رأى شرودها و حزنها جلس على الأريكة ثم قال بنبرةٍ هادئة حتى يلفت نظرها:
"هيبقوا كويسين متخافيش، وليد هيتمسك بـ عبلة و عبلة هتعرف إزاي تحارب علشان حُبها، أنتِ إيه اللي مزعلك؟"

حركت رأسها تنظر له بحزنٍ و هؤ تقول بقلقٍ واضح في نبرتها:
"وليد ضعيف أوي يا ياسين، أضعف مما تتخيل، و عبلة متعرفش غير حاجات بسيطة عن اللي هو مَر بيه، خايفة يتوهوا من بعض، هما ليه مش زينا؟"

سألها هو بكامل إهتمامه:
"يعني إيه مش زينا ؟! اللي هو إزاي يعني؟"

ردت عليه هي تفسر حديثها:
"يعني ليه مش عارفين يعدوا مع بعض الحواجز ؟! ليه كل واحد فيهم بيبص للتاني و مستني منه يمد إيده رغم إنهم مع بعض هيعدوا من غير ما حاجة تزعلهم"

أومأ له بتفهمٍ لحديثها ثم قال هو يُردف وَضعهما:
"الفرق بين علاقتنا و علاقتهم إن وليد هو اللي مكانك مش عبلة، علشان كدا العلاقة مش مستقرة"

حركت رأسها باستنكارٍ لم تستطع التوصل لفهم مقصده فوجدته يقول شارحًا وجهة نظره:
"يعني لما أنتِ اللي كنت خايفة ساعتها كنت أنا اللي بطمنك و دا علشان أنا الراجل و طبيعي إن أمانك يكون مسئوليتي، إنما عبلة و وليد العكس، هو الراجل يعني أمان العلاقة مسئوليته هو، علشان كدا هو و عبلة مش مستقرين سوا، وليد محتاج يقتنع إن علاقته بيها أكبر من أي حاجة في الدنيا"

سألته هي بنبرةٍ تائهة:
"إزاي يعني ؟! اقصد إن وليد بيحب عبلة أوي، أنتَ مشوفتوش طول عمره و هو بيتكلم عنها"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"ماشي أنا معاكي يا خديجة، بس العلاقة اللي ربنا خلقها بين الراجل و الست غير باقي العلاقات، ركزي كدا في الفكرة نفسها هتلاقي إن ربنا سبحانه و تعالى خلى اتنين غُرب عن بعض مفيش طريق يجمعهم يجي يوم و يكونوا روح واحدة، تدوري أكتر تلاقيها إن الست مخلوقة من ضلع الراجل، إحنا بنبقى محتاجين علاقة أقوى من كل العلاقات اللي في الدنيا، علاقة أكبر من علاقة الأب و الأم و الأخوات و دي في الإسلام إسمها السكن و إحنا مش بتكون محتاجين مجرد علاقات و خلاص إحنا محتاجين ناس زي البيوت نسكنها، وليد بقى محتاج يفهم الكلام دا، محتاج يفهم إن كل العلاقات اللي مر بيها شيء و علاقته بيها هي تحديدًا شيء تاني، و لحد ما يقتنع يا رب عبلة تفضل مستنية"

ردت عليه هي بلهفةٍ:
"طب ما تقوله أنتَ، كلامك حلو و أسلوبك حلو أوي يا ياسين، هو لو سمع كلامك هيقتنع أوي و الله، أعمل كدا علشان خاطري"

حرك رأسه موافقًا و هو يقول بنبرةٍ خافتة:
"هحاول و الله علشان أنا نفسي أشوفه فرحان زي ما شوفتك فرحانة كدا، نفسي ينسى و يعيش حياته زي ما أنتِ قدرتي"

أبتسمت له و هي تقول بمرحٍ طفيف تحاول به تغير تلك الأجواء:
"بس أنا كان معايا ياسين، و أظن يعني دي حاجة كفاية أوي علشان أي حد حياته تتصلح"

وضع ذراعه عليها وهو يقول بفخرٍ:
"يعني أخرتها طلعت مادة خام للصُلح ؟! بتضربوا بيا المثل في التعافي؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"و في كل حاجة حلوة و الله، روح ربنا يبارك في أهلك على جودة الإنتاج دا"

حرك رأسه للخلف باستنكارٍ وهو يقول بنذقٍ:
"لأ يا شيخة ؟! طب و الإنتاج نفسه مش هياخد دعوة حلوة؟"

ردت عليه بمشاكسةٍ:
"إزاي بقى ؟! دا أنتَ الخير و البركة برضه؟"

ابتعد عنها هو و على حين غرة وجدته يحملها على يده و هو يقول متوعدًا لها:
"دا أنا هخلي الخير و البركة دول يطلعوا عينك يا كتكوتة، أنتِ بتكلمك جدك يا بت ؟!"

ردت عليه هي بدلالٍ لم تقصده هي لكنه خرج منها بعفويةٍ:
"بتدلع عليك....أظن دا حقي يعني"

ابتسم لها وهو يسير بها نحو الداخل تزامنًا مع قوله المرح:
"اقسملك بالله أنا نفسي تدلعي، و رب الكعبة نفسي أشوف دلعك عليا"

ضحكت هي رغمًا عنها بنبرةٍ عالية فوجدته يطيل النظر في وجهها و حينما نظرت له هي وجدته يسألها بنبرةٍ هائمة:

"مِــن أَيْ أنّــوَاعِ الــسِـحّـر خُــلّـقَـتْ عَــيْـنَـيْـكِ؟ ...... تِــلّـكَ الــتي كُــلّـمّــا خَــطَـوتُ فِــي حَــيْـاتِــي قَــادتــنّـي بِــ سِــحّـرَهــا إلــيْــكِ"

حركت رأسها و هي تشهق بقوةٍ تطالعه بدهشةٍ فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"

حركت رأسها مؤكدةً ثم قالت بنبرةٍ خافتة:
"طب ممكن تنزلني؟ علشان عاوزة آخد رأيك في حاجة؟"

أومأ لها موافقًا ثم أنزلها على الأرض، فوجدها تفتح باب الغرفة بعدما توقفا أمامها، و بعدما دخلت هي دلف هو خلفها فوجدها تفتح الدرج الخاص بها ثم أخرجت منه قطة قماش مطويةً، كان هو يطالعها بتعجبٍ فوجدها تبتسم له ثم قامت بفرد تلك القطعة و هي تقول برقتها المعتادة:
"كنت بفكر أعمل إيه لوئام و ابنه علشان تكون هدية حلوة و كلها حب، بس لقيت إن الطارة دي هتبقى حلوة، أنا عملتها بإيدي، تفتكر هتعجبهم؟"
سألته بحذرٍ و هي تمد يدها له بالقطعة القماشية حتى يراها، أما هو فأخذها منها و هو يرفرف بأهدابه عدة مرات بعدما آسرته تلك القطعة، حيث كانت تحتوي على إسم «فارس» في المنتصف و بجوار إسمه قلبين و داخل كلًا منهما إسمًا؛ و هما «وئام» و «هدى»، و أسفلهما دونت عبارةٍ باللغة العربية الفصحىٰ:

"خُلقتي أَنتِ مِن ضِلّعّي لِـتكوني شَريكة عُمّري....و أَتّىٰ هُـو مِنّ قَلّبِي لِيَغدو رَفِيقًا لِـدَرّبي.... و هَا أنّا أَصّبَحتُ سعيدًا و أَنّا أَشّهَدُ وُجّودهُ؛ و هُوَ يُؤَكِدُ نَتِيّجَةُ حُبّي"

حينما قرأ هو تلك العبارة رفع رأسه من على الطارة ليطالعها هي فوجدها تقول بخجلٍ:
"بصراحة مكسوفة أوي أقدمها ليهم و في نفس الوقت حساها حلوة أوي و خسارة تتركن هنا"

رد عليها هو بلهفةٍ يُقاطع حديثها و يرفض تفكيرها:
"أوعي !! حرام عليكي الجمال دا كله يضيع علشان شوية كسوف يا خديجة، دي تُحفة فنية و الجملة المكتوبة دي لخصت العلاقة في كلام يأسر العين زي صاحبته، دي إزاي لسه هنا لحد دلوقتي؟"

قضمت أظافرها بتوترٍ و هي تقول حانقةً على نفسها و خجلها:
"يوه !! مكسوفة بجد و الله، خايفة تطلع حاجة هبلة، هي الحاجات دي رجعت تاني و بقت موضة في الهدايا بس بجد أنا مرعوبة و الله"

رد عليها هو بنبرةٍ لا تقبل النقاش:
"دا هطل يا ست الكل ؟! دي تحفة، أنتِ عارفة بيعملوها بكام دي؟ حرام عليكي و الله خوفك يظلم شغلك كدا، دي لازم توصلهم"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت بقلة حيلة:
"خلاص و الله، وعد مني ليك هديها ليهم، أنا أصلًا عملتها من ساعة ما هي ولدت، بس يا رب تعجبهم"

رد عليها هو مؤكدًا:
"مش أنتِ بتثقي في ذوقي ؟! و الله حلوة أوي و تحفة فنية كمان، ثقي فيا علشان هي هتعجبهم أوي زي ما عجبتني هي و صاحبتها كدا"

لفت ذراعيها حول عنقه و هي تقول بخجلٍ:
"و أنا بعملها كنت بفكر لو عملتها لينا هيبقى شكلها عامل إزاي؟ و بعدين رجعت فكرت هعملها قبل و لا بعد الولادة"

ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
"المهم إن أنتِ اللي تعمليها يا خديجة، مش مهم قبل و لا بعد"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له بينما هو حرك رأسه مرةً أخرى يطالع تلك القطعة القماشية و هو يفكر في تلك الموهبة التي لم ينصفها العالم
_________________________

في شقة «محمود» و تحديدًا في غرفة «هدير» جلست هي على الفراش و هي تفكر في شقيقتها، حتى وجدته يدخل الغرفة و هو يقول بمرحٍ:
"عم  محمود و عم مرتضى مبهدلين بعض فوق علشان فارس، لو الواد بينطق كان قال كلمة أبيحة و وئام يعيني قرب يعيط"

ابتسمت هي رغمًا عنها ثم قالت بسخريةٍ:
"الواد دا هيشوف الويل هنا يا حسن، كلهم مستنينه، دا كفاية عمو مرتضى بس"

جلس هو بجانبها و هو يقول بنفس السخرية المرحة:
"ابوكي فوق عمال يتحايل عليه يشيله بس عمك مرتضى طرده و قاله انزل نام و حاليًا بيتخانقوا مين فيهم هيروح بيه الجامع"

ضحكت هي بقوةٍ فوجدته هو يتنهد بعمقٍ ثم نظر أمامه بشرودٍ و على الرغم من قلة الأيام التي عاشت بها معه لكنها فهمت سبب صمته، فتفاجأ هو بها حينما وجدها تحرك رأسها نحوها و هي تقول بنبرةٍ خافتة:

"هما أهلك برضه على فكرة و أنتَ مش غريب عليهم، و بكرة بنفسك تشوف لما ابنك يجي هنا هيتخانقوا عليه إزاي؟ و هما هما نفس الاتنين، مش أنتَ بتعتبر عمو مرتضى باباك؟"

حرك رأسه موافقًا بوجعٍ ظهر في عينيه فوجدها تقترب منه هي ثم طبعت قبلةً على وجنته ثم قالت بمرحٍ بعدها:
"طب ما أنتَ شاطر و بتسمع الكلام أهوه، بطل نكد بقى علينا إحنا فرحانين يا نكدو"

رفع حاجبه لها و هو يسألها مُستنكرًا:
"نكدو !! دا أنتِ طلعتي حكاية و الله يا هدير"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"بس بذمتك مش حكاية مُسلية؟ قولي مبسوط معايا و لا لأ؟"

رد عليها هو بهدوء ينافي عفويته:
"اللي مريحني هو إني مبسوط معاكي، فاكرة لما قولتيلي في العربية يوم ولادة هدى هخليك تقول ارتاحت معاكي ؟! أنا ساعتها مردتش عليكي، بس أنا فعلًا ارتاحت معاكي يا هدير، لقيت فيكي البيت اللي كنت بدور عليه، على ما أظن كدا إن إحساس البُعد عنك زي اللي اتفرض عليه اليُتم، و أنا دوقت إحساس اليُتم و مش عاوز اجربه تاني فيكي"

وضعت رأسها على كتفه وهي تقول بنبرةٍ هامسة:
"و أنا مش هخليك تجربه يا حسن، و بعدين هو أنا يعني كنت بخليك تعترف ليا بحبك علشان أخليك تجرب إحساس اليُتم؟"

ابتسم هو حينما تذكر تلك الليلة و هيئتها فوجدته يسألها بخبثٍ:
"بقولك إيه هو مفيش فستان حلو كدا زي بتاع الاعتراف، يعني بقولك يتيم و خارجين من فترة استهبال، اعطفي على الأيتام اللي زيي"

ضحكت هي رغمًا عنها ثم تحدثت أخيرًا تقول مقترحة:
"بص هطلب منك طلب، أنتَ تتعامل معانا عادي هنا كلنا أهلك و أخواتك و أصحابك، و أنا مراتك و حبيبتك و صاحبتك، لو وافقت أنا هعطف عليك عادي، إيه رأيك؟"

رد عليها هو بتهكمٍ:
"دي مساومة ياما !! بتساومي جوزك يا هدير؟"

حركت رأسها نفيًا ثم تحدثت تتكأ على حروفها و هي تقول:
"بصلح حياة حبيبي، تفرق لو سمحت"

اندهش هو من تلك الكلمة الغريبة التي سمعها منها، فوجدها تسأله بحنقٍ:
"فيه إيه بقى ؟! هو أنتَ متجوزني علشان تستغرب يا حسن؟ فيه إيه؟"

رد عليها هو بنبرةٍ تائهة:
"مندهش....أنا كحسن مندهش و الله يا هدير، من كام يوم كنت بقولك إحنا صحاب، و بعدين يعني الكلام الحلو دا أنا بخاف منه، ممكن أرزعك واحدة ربنا يجبر بخاطرك تجيب أجلك"

شهقت بقوةٍ بعد كلمته الأخيرة فوجدته يقول مؤكدًا:
"شوفتي !! أديكي هتروحي مني أهوه، بس استني أنا مش حيطة أوي كدا، أنا برضه بفهم"

طالعته باستنكارٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
"مرة زمان سمعت عبد الرحمن الابنودي و هو بيقول في جوابات الأسطى حراجي لفاطمة:
 "أنا ربنا جبني الدنيا دي من غير ورث و اداني منابي فيكي و مش طالب بس غير إنه يبارك فيكي"

 ساعتها الكلام علق معايا أوي، و افتكرت إن أنا اللي في الدنيا من غير ورث، بس فين اللي هشوف فيها منابي من الدنيا؟ بس لما ظهرتي في حياتي عرفت أني صحيح من غير ورث بس ربنا كرمني باللي لقيت فيها منابي من الدنيا كلها، و أنا و الله قلبي راضي بيكي منابه و شايفك ورثه من كل الدنيا، أنتِ كنتي ملجأ لواحد يتيم عاش حياته كلها يجري في المطر و ما صدق لقى مأوى لروحه"

سألته هي ببكاءٍ بعدما تأثرت من حديثه:
"حسن هو...هو الكلام دا ليا أنا؟"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف مؤكدًا بنبرةٍ مختنقة:
"الكلام دا ليكي أنتِ و الله العظيم خارج من كل قلبي يا هدير"

ابتسمت هي بفرحةٍ كبرى لم تستطع السيطرة عليها فوجدته يحتضنها ثم قبل قمة رأسها و من بعدها أخرج زفيرًا قويًا و هو يشعر بسعادةٍ غريبة بحديثه عنها و داخله يتمنى دوام تلك النعمة في حياته و هي نعمة وجودها.
_________________________

انتهت تلك الليلة بين الوجع و الفرح و السرور، و كان الوجع الأكبر من نصيب «وليد» الذي عاش أسوأ ليالي عمره مرةً أخرى و هو يرى انتهاء علاقته بتلك التي حارب حتى يصل لها، و لكن هل تلك القصة كُتِبَت نهايتها قبل أن تبدأ؟ هل حقًا سيستسلم لمطلبها و يخضع لسطوة الفراق؟ حينما سيطرت عليه الفكرة وجد نفسه يبكي بقوةٍ و ألمٍ عاش به طوال السنوات الماضية و هو من ظن نفسه بدأ في عيش حياته، لم يشعر بنفسه سوى و هو يضرب الكوب التي أمامه في الطاولة الرخامية حتى نزفت يده و لولا الدماء التي أغرقت الطاولة لكان كما هو دون أن ينتبه لجرحه، ابتسم هو بسخريةٍ فحتى جرحه لم يشعر به، و كأن جراحه الداخلية أعلنت عليه انتصارها و حينها قام بربط الجرح بقطعة قماش مجاورةً له ثم ألقى بجسده على الأريكة و دموعه تنهمر رغمًا عنه، أما هي فلم يختلف وضعها كثيرًا عنه، بل قضت ليلتها في البكاء المكتوم في وسادتها، كلما تذكرت وجعه و حديثه شعرت بالنيران تشتعل في جوفها، و لكن ما باليد حيلةً، هذه هي نهاية المطاف الذي أنهك روحهما سويًا.
_________________________

في صباح اليوم التالي تحديدًا في كلية الصيدلة وصل «عمار» مبكرًا قبل صديقه الذي تعمقت علاقته به كثيرًا عن الأيام السابقة، فوجده يركض إليه و هو يقول بمرحٍ:
"حقك عليا بس لو عرفت أنا اتأخرت ليه هتقدرني و الله يا عمار، أوعى تقفش عليا !!"

رد عليه «عمار» بحنقٍ طفيف:
"هو أنتَ فُرقع لوز يا عبد الرحمن؟ كنت فين يا سيدي؟"

ابتسم له ثم أخرج من ظهره مذكرتين خاصتين بالدراسة، و حينها طالعه «عمار» بتعجبٍ فوجده يقول بفخرٍ:
"جبت الكبسولة اللي مدوخة كلية الصيدلة كلها، علشان تعرف إنك من غيري هتتسوح و تشيل"

شهق «عمار» وهو يقول بنبرةٍ مندهشة غير مُصدقًا:
" الكبسولة اللي مدوخة جروب الدفعة كله ؟! جبتها إزاي دي زي المخدرات هنا"

رد عليه بنبرةٍ متعالية:
"دا علشان كلكم هُبل، دي اللي فيها خلاصة الخلاصة، ملزمة أصيلة تسد معاك شفوي و سكاشن و محاضرات و ميد تيرم، جبت واحدة ليا و واحدة ليك معايا، أكيد محتاجها"

رد عليه مؤكدًا:
"أكيد طبعًا محتاجها، أنا لقيتهم مرة واحدة بيقولوا الكبسولة نزلت و فيه ناس قالوا خلصت و ناس قالوا لسه منزلتش أصلًا"

رد عليه هو مُفسرًا:
"علشان الدكاترة بتوع الجامعة متعملش ليهم مشاكل هما بينزلوا منها عدد معين، و اللي يلحق بقى، أنا بقى اتصاحبت على ابن صاحب المكتبة علشان لما تنزل تاني يقولي و ساعتها بقى نظبطه"

ابتسم له «عمار» وهو يقول بامتنانًا حقيقيًا:
"أنتَ طيب أوي يا عبد الرحمن، ربنا يسامحني علشان شكيت فيك و قلقت منك، بس لحد دلوقتي مشوفتش منك حاجة وحشة و الله"

رد عليه الأخر بمرحٍ:
"يا عم طبيعي تشك فيا، أنا دخلت عليك دَخلة تقلق، بس و الله ربنا طمني من ناحيتك و حسيت أني هلاقي فيك الأخ و الصاحب، و بعدين سنين الجامعة لازم حد يهونها عليك، دول ٦ سنين يا عمار !!"

ابتسم له «عمار» وهو يقول ساخرًا:
"مخي كان فين و أنا بعمل في نفسي كدا ؟! حوار ٦ سنين دا إزاي ملفتش نظري أني بتدبس؟"

رد عليه الأخر بسخريةٍ:
"عادي كان ممكن تدخل كلية ٤ سنين و تشيل سنتين و برضه تقضي ٦ سنين"
ابتسم هو بسخرية وهو يوافقه في الحديث، بينما الأخر أخفض رأسه ينظر للمذكرات بين يديه.
_________________________

في عيادة «هناء» دلفها هو بغضبه و كامل حزنه و ضجره دون حتى أن يأخذ السماح من المساعدة الخاصة بالطبيبة و نظرًا لأن الموعد كان في الصباح الباكر و هذا من حظه أن العيادة كانت تخلو من المرضى، و لكن ما أثار ريبته هو ثباتها أمام هيئته تلك و كأنها تنتظر تلك المقابلة، فوجدته يصرخ بها منفعلًا:
"أنتِ كدبتي عليا !! قولتيلي أثق في الناس علشان أعرف أعيش و لما وثقت اتجرحت للمرة اللي مش عارف عددها....أنا دلوقتي بنزف من كل حتى فيا.....الوحيدة اللي عيشت بتمنى قُربها اختارت البُعد عني....شوفتي أني كنت صح من الأول و قولتلك إنهم مش قد الثقة دي؟ شوفتي بقى أني بيتغدر بيا كل مرة ؟!"

تنفست هي بعمقٍ فوجدته يتحدث بنفس الوجع:
"ليه مش عارف أرتاح و أريحها هي كمان ؟! ليه مش قارد أنسى الوحش و افرح بالحلو ؟! ليه كل يوم أسأل نفسي أنا وحش و لا لأ ؟ هو أنا وحش طيب؟"

رافقت دموعه قوله و هو يتحدث بتلك الطريقة و النبرةِ الموجوعة، أما هي ما لفت نظرها هو نزيف الدم من يده و هو يضغط على كفه، حينها تركت مقعدها ثم ركضت نحوه تمسك كفه و هي تقول منفعلة في وجهه:
"أنتَ مجنون ؟! إيدك بتنزف يا وليد و كدا غلط الجرح دا كبير"

ابتسم بوجعٍ وهو يقول:
"و الجروح اللي هنا أكبر منه، لأول مرة أتأكد أني مؤذي، لما سمعت كلامها عرفت أني طلعت اللي الدنيا عملته فيا....فيها هي، عرفت إن ضحكتها اختفت بسببي أنا، يمكن الجرح دا بينزف بس اللي جوة دا جرحه اتفتح من تاني"

سحبته هي خلفها ثم أخرجت صندوق الإسعافات الخاص بها و بعدها جلست على الأريكة و هو أمامها على المقعد الصغير المقابل لها، فوجدها تبدأ بتمضيض الجرح، حينها صمت هو و استسلم لها و حينما ضغطت على الجرح استشعر هو الألم و حينها أجفل جسده أسفل لمستها و ضغطها، فوجدها تقول بتريثٍ:
"الجرح لما بيتساب و نركنه علشان نهرب من وجعه، نهاية آلمه بتبقى صعبة يا وليد، أنتَ ركنت جروحك علشان تكمل و لما جه الوقت المناسب علشان تعالجها اتفاجأت بكمية الجروح اللي جواك، و دا علشان أنتَ زي المُحارب اللي كل ما يخلص جولة يدخل على اللي بعدها، من غير ما يقف ياخد نفسه و لا حتى يشوف مكان جرحه، أنتَ عملت في نفسك كدا بالظبط"

تنفس بعمقٍ فوجدها تسأله بنبرةٍ هادئة تحاول ابعاد تفكيره عن الجرح:
"حصل إيه خلاك تيجي مهزوم كدا؟ ليه المرة دي وجعك صعب"

رد عليها هو بعدما جاهد للتحدث:
"عبلة امبارح قالتلي إنها جابت أخرها و طاقتها خلصت، و إنها مش هتقدر تكون في علاقة بتاخد طاقتها و روحها بالبطيء و قالتلي إن دي البداية أومال النهاية عاملة إزاي؟.... الحاجة اللي جيت هنا علشانها ضاعت مني.... عبلة اللي كانت كل مرة سبب استمراري بقت هي سبب كسرتي و وجعي، و أنا مش هقدر ألومها، علشان أنا السبب من البداية...أنا اللي وثقت فيها"

زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بنبرةٍ جامدة:
"لأ....أنتَ ضمنت يا وليد مش وثقت و فيه فرق بين الثقة و الضمان، أنتَ لما لقيت الأدوار بتتعكس و عبلة بقت هي الطرف المتمسك بقيت أنتَ مبسوط، ضمنت إن عبلة بقت ليك و بقت بتحارب علشانك، الثقة بعيدة كل البعد عن الضمان، الضمان دا ممكن يكون تحت التهديد عادي، ممكن تكون هي مكملة علشان منظرها و متبقاش مطلقة و يمكن علشان العيلة و علاقة الأخوات ببعض، إنما الثقة دي حاجة تانية، الثقة يعني الطرفين عارفين إن اللي بينهم أقوى من كل حاجة، الفرق بين الضمان و الثقة هو إن اللي بيضمن بيهمل، لكن الواثق بيمسك بإيده و سنينه"

رد عليها هو بوجعٍ:
"طب بعد إيه بقى ؟! امبارح طلبت مني أسلمها ورقتها، و اخرجها من ذمتي"

سألته هي بتعجبٍ:
"و هو وليد الرشيد برضه بيسمع كلام حد ؟!"

طالعها هو بريبةٍ وهو يقول:
"أومال أجبرها عليا ؟! أنا قولتلها قبل كدا أني لا يمكن أجبرها عليا طلبت منها فرصة لكن لما هي قالت إنها تعبت، أنا عرفت إنها خلصت"

ردت عليه هي بنبرةٍ حادة:
"إسمع !! قدامك فرصة تصلح كل العك دا، عبلة ممكن ترجع لو لقت الطرف التاني متمسك بيها، لكن أنتَ كدا بتعلن هزيمتك و تخليك عنها، عبلة لو مش بتحبك مش هتعمل كدا دا"

تنفس هو بعمقٍ ثم سألها بقلقٍ و ترقب من الجواب:
"تفتكري فيه أمل ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"فيه أمل طول ما عبلة موجودة في حياتك....عبلة هي الدينامو اللي كل الاحداث بدأت منه، إلا لو أنتَ بطلت تحبها"

رد عليها هو بنبرةٍ قاطعة و كأنه يصرخ في وجهها:
"إزاي بـــس ؟! أبطل أحب السبب اللي شوفت فيه دنيتي كلها ؟! إزاي أسيب ونيس العمر اللي مستني نفسي أتغير علشانها؟"

ردت عليه هي مفسرةً:
"يبقى تروح تدي علاقتك بيها فرصة، اثبت إنك متمسك بيها و إنها لسه ليك الأمل في الدنيا، وليد أنتَ لما جيت بعد موقف زيكا كنت فرحان و حاسس بانتصار عظيم علشان زيكا طلع مش قد الثقة، كلامك عن قلة الثقة ساعتها كان غريب و إنك مش هتقدر تعمم الفكرة على الكل، و بما إن أكتر طرف في حياتك محتاج للثقة دي هي عبلة ، كانت هي أكتر شخص قابله الضرر، أنتَ ما صدقت حاجة تثبت ليك إن محدش آهل للثقة دي و من ساعتها و أنتَ فرحان إنك طلعت صح؟"

ازدرد لُعابه بقلة حيلة حينما شعر بجفاف حلقه ثم تحدث يقول بنبرةٍ متهكمة:
"أنا طول حياتي معنديش وسط، يا أبيض يا أسود، خوفت كتر قربي منها يكرهها فيا، خوفت كتر وجودي معاها يخليها تزهق من المُجاهدة، خوفت أشوف نفسي وحش في عيونها هي كمان، أنا غصب عني حولتها لنسخة باهتة من واحدة كانت زي الطفلة الصغيرة، بس أنا لازم أرجعها ليا....وليد مينفعش من غير عبلة، لو هو خايف منها أنا مش خايف، لو هو مش راضي يسامح دنيته أنا هسامح علشانها، حرام عليا أكسر قلبين مش قلب واحد"

لمحت هي الإصرار في حديثه فوجدته يقف وهو يقول مُقررًا:
"أنا مبخسرش....عبلة حقي من الدنيا و أنا متعودتش أسيب حقي، لو هي هتسيب همسك أنا، حتى لو نفسي هيتقطع، كفاية عليا أموت و أنا عارف إني بحاول علشانها"

ابتسمت هي له فوجدته يتنفس بعمقٍ ثم قال معتذرًا:
"أنا أسف على الطريقة اللي دخلت بيها هنا، بس أنا مخبوط على راسي و مش عارف أعمل إيه"

ردت عليه هي بمعاندةٍ:
"لأ أنا زعلانة منك بصراحة، و ليا عتاب جامد عندك"

رد عليها هو بوقاحته المعتادة:
"لأ مع نفسك بقى، أنا مش نانسي عجرم هطبطب و أدلع، سكتك خضرا"

أُصيبت بجحوظٍ في العينين من دهشتها حينما رآت تغيره في أقل من ثوانٍ وهي تقول بيأسٍ:
"أنتَ إيه ؟! أول حالة أقف عاجزة عن تفسيرها كدا، أنتَ عندك انفصام؟"

ابتسم بثقةٍ وهو يقول:
"أنا وليد الرشيد....اللي كل ما الدنيا تحاول تجيب أخره يجيب هو أخرها، أنا واحد لما فاق لقى نفسه مش جوة السباق، بس ساعتها عملت سباق مع نفسي علشان مخسرش قصاد حد، و أنتِ بنفسك هتشوفي أني مبخسرش"

قال حديثه ثم خرج من أمامها تاركها خلفه تبتسم بخبثٍ حينما استطاعت إيقاظه من خلال الضغط على ذلك الجرح الغائر، فهي حتى الآن أصبحت تملك كل مفاتيح شخصيته و تعلم تمامًا ما يجب عليها فعله معه.
_________________________

في بيت آلـ «الرشيد» اجتمعوا سكان البيت في الطابق الأول حول «هدى» و «وئام» و معهم «عبلة» و هي تحاول الثبات أمام الجميع و الانخراط معهم حتى تستطع نسيان ما حدث بالأمس، و كانت الجلسة للحق ممتعة وسط مشاكسات الجميع على الصغير، حتى تحدث «محمود» يقول بحنقٍ:
"مرتضى دا بارد، طردني الساعة ٣ الفجر معندوش ذوق"

ضحكوا عليه جميعًا فتحدث «مرتضى» بضجرٍ منه:
"أنا برضه اللي بارد ؟! وئام نام و هدى نامت و الواد نام و أنتَ ماسكه على دراعك جرى إيه يا محمود ؟! هو حفيدك لوحدك؟"

ابتسمت «هدى» وهي تقول بيأسٍ:
"خلاص بقى يا جماعة، يارتني كنت جبت توأم بدل المرار دا"

ردت عليها «هدير» بسخريةٍ:
"دا واحد و روحنا اتسحبت عليكم، أومال لو كانوا توأم بقى؟"

رد عليها «وئام» مؤيدًا:
"طب و الله معاكي حق، دا أنا كنت زي الشحات و أنا قاعد قصاد باب الأوضة و مستنيهم بس يطمنوني، الحمد لله إنهم خرجولي بالسلامة"

ردت عليه «خلود» بمرحٍ:
"بس عسل خالص و الله، أنا كنت هنزل أقعد معاه الساعة ٦ الصبح"

رد عليها «طه» بسخريةٍ:
"دي هبلة، دخلت أوضتها لقيتها فاتحة الشباك علشان تسمع صوته و هو بيعيط"

رد عليه «أحمد» ساخرًا:
"و مشوفتهاش و هي بتدور على أغاني علشان تغنيهاله ؟! جماعة الواد دا ميقعدش مع خلود مش ناقصة هبل"

وكزته في ذراعه وهي تقول بتوعدٍ:
"صبرك عليا أقسملك بربي هدومك كلها هتتحول أوضتي و ابقى وريني هتمشي بإيه؟"

تحدثت «زينب» تقول بضجرٍ:
"اكبروا بقى أنا تعبت !! يلهوي عليكم، جوز بهايم"

ردت عليها «سلمى» بمرحٍ:
"هما مبيكبروش ليه يا طنط ؟! الاتنين ما شاء الله عاوزين تعديل مسار لعقلهم"

ردت عليها «جميلة» بسخريةٍ:
"يا عاقلة يا راسية أنتِ ؟! ما شاء الله عبارة رزانة متحركة"

ابتسم لها «أحمد» وهو يقول ساخرًا:
"قوليلها يا جميلة، دي عمة الهُطل كلهم دي، بس في المتداري كدا"

تدخل «محمد» يقول بحنقٍ:
"ملكش دعوة يا بارد، خليك في حالك كفاية أنتَ و خلود و جريكم ورا بعض اللي مسمع"

ضحكوا جميعًا عليهم و أبان ذلك دلف «وليد» وهو يقول بهدوء:
"السلام عليكم"

ردوا عليه جميعًا عدا هي التي أخفضت رأسها تنظر للأسفل و هي ترد التحية بنبرةٍ خافتة، أما هو فجلس بجانب شقيقه و دون أن يتحدث سحب الصغير من على ذراعه، و لكن هيئته الغريبة و شعره المشعث و ثيابه الغير منمقة و هي عبارةٍ عن قميص باللون الاسود و بنطال جينز بنفس اللون لكنه واسعًا، و على الرغم من ذلك لازال كما هو أنيقًا، هكذا كانت تفكر وهي تطالعه بينها و بين ذاتها و هم يتحدثون، و لكن ما لفت نظرها هو حديث والدته القلِق:

"إيدك مالها يا وليد ؟! شكل جرحك كبير، أنتَ طالع كويس"
ابتسم لها حتى يُطمئنها وهو يقول:
"متخافيش يا ماما، كنت بعمل كوباية شاي فوق السطح و طرقعت في إيدي، بس لحقتها"

شهقت «زينب» و هي تقول بخوفٍ:
"طب قوم نروح نطمن عند الدكتور، يلا كدا كتير"

رد عليها هو رافضًا:
"أنا روحت عند دكتور و الحمد لله طمني، أنتو إيه الأخبار هنا طمنوني؟"

ردت عليه «مشيرة» بفرحةٍ:
"فرحانين طبعًا مش فارس نور البيت ؟! الحمد لله كلنا مبسوطين"

حرك رأسه موافقًا وهو ينظر لذلك الذي يحرك كفه على يده، فابتسم رغمًا حتى قال «حسان» بنبرةٍ هادئة:
"عارف يا وليد ؟! أنا متأكد إن فارس هيطلع نسخة منك، و متأكد أنك هتحافظ عليه بإيدك و سنانك"

رد عليه بنبرةٍ هادئة على غير عادته معه:
"يا رب يا عم حسان، و يا رب بس نصيبه ميكونش زي نصيبي، ربنا يكتبله الفرح و الهنا"

طالعته «عبلة» بشفقةٍ و هي تتذكر حديثه بالأمس عن جرحه و وجعه، أما «حسن» فقال بسخريةٍ:
"جماعة حفاظًا على حياة أبو الفوارس، ياريت أنا و وليد تبعدوه عننا، دا علشانه هو و الله"

رد عليه «وئام» مؤيدًا:
"أنا فكرت في كدا إمبارح و لقيت أسلم حل أني ابعده عنك و عن وليد و عن خلود و هدير، دا علشان ميطلعش مُشتت نفسيًا"

ردت عليه «هدير» بسخريةٍ:
"هو احنا مضطربين قصادك ؟! و بعدين مش بمزاجك بقى دا ابن أختي أنا"

ردت عليها «سهير» تقول بمرحٍ:
"بت يا هدير هاتي بت علشان نجوزها لفارس و كدا تبقي حجزتي العريس أول بأول، أصل فيه أزمة عرسان في البلد"

أبتسمت هي بخجلٍ فوجدت «حسن» يقول بتهكمٍ:
"يعني أجيب أنا بنت علشان آمن مستقبل ابن وئام ؟! ما ترد يا وليد"

حمحم «وليد» ثم حرك رأسه نحوها فوجدها تتجاهل وجوده من خلال تصفحها لهاتفها، حينها أعطى الصغير لشقيقه ثم وقف وهو يقول بنبرةٍ جامدة بعض الشيء:
"جماعة معلش أنا عاوز اقولكم حاجة مهمة و خصوصًا عبلة"

نظر إليه الجميع بخوفٍ و تحديدًا «طارق»، بينما هو اقترب منها ثم عليها حتى يصبح في نفس مستوى جلوسها وهو يقول:
"أنتِ استحملتي و تعبتي و دا حقك....و أنا ظلمت و اتظلمت و دا عقابي....علشان كدا اللي أنتِ عاوزاه كله هيحصل يا عبلة"

حركت رأسها تطالعه بترقبٍ فوجدته يقول بنبرةٍ يجاهد للتحدث بها:
"طلبك أنا هنفذه علشان اللي داق الظلم ميرضاش بيه للناس و أنا ظالم معاكي أوي، و حرام عليا أعمل فيكي اللي أنا خايف منه يحصلي"

تنفست هي بخوفٍ من القادم فوجدته يقول بصوتٍ مبحوح:
"مهما فات العمر و عدت السنين هيفضل حلو العُمر في وجودك و المُر في غيابك، و أنا قلبي اتكتب عليه يدوق المُر"

قال جملته ثم ربت بيده على رأسها و من بعدها سحب نفسًا عميقًا ثم اعتدل في وقفته و من بعدها حرك رأسه ينظر في أوجه الجميع فوجد الاستنكار و القلق يكسو تلك الملامح، حينها زفر بقوةٍ ثم تحرك من أمامهم هاربًا من تلك النظرات، أما هي فلم تستطع التماسك أكثر من ذلك فسحبت نفسها بهدوء هي الأخرى، و قبل أن يتحدث أيًا من الموجودين و خصوصًا «محمد»، تحدث «طارق» يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا مش عاوز حد يتدخل بينهم !! هما مع بعض أحرار و هيوصلوا لحل سوا، أظن أنا فهمتكم الوضع، محدش فينا ليه دعوة و مش هكررها تاني"

أومأ له الجميع بقلة حيلة بينما هو ارتمى على المقعد المجاور لزوجته فوجدها تمسك يده بامتنانٍ لفعلته تلك التي من المؤكد ستنقذهما.
_________________________

في شقة «ميمي» و تحديدًا بعد عودة الشباب من عملهم اجتمعوا سويًا و معهم زوجاتهم، فتحدث «ياسر» ساخرًا:
"سبحان الله يا عامر، مش المفروض تكون فوق السفرة ؟! إيه اللي مقعدك وسطنا كدا"

ضحكوا عليه جميعًا بينما هو قال بتعالٍ زائف:
"قولت أنزل اقعد مع عامة الشعب، خلينا متواضعين"

رد عليه «خالد» بحنقٍ:
"يا ولا !! شكرًا لكرم أخلاق اللي خلفوك"

ردت عليهم «ميمي» بمرحٍ:
"ملكوش دعوة بعامر أنتَ و هو !! عامر دا حبيبي و يعمل اللي هو عاوزه"

رد عليها هو بفرحةٍ:
"روحي ربنا يكرمك بثري عربي يهيصك و يهيصنا معاكي"

رد عليه «ياسين» ساخرًا:
"ثري عربي يهيصنا !! إحنا محتاجين معونة بعددنا دا، ولا دولة الكويت كلها تقدر تكفينا"

في تلك اللحظة خرجت الفتيات من الداخل و في أيديهم الكعك و الشاي، و خلفهم «يونس» يحمل قطعة كعك في يده لكنه ركض أمامهم ثم أعطى كلًا من الشباب قطعة صغيرة بيده من تلك القطعة الكبيرة التي يمسكها، و حينما وصل أمام «عامر» حمله وهو يقول بفخرٍ:
"حبيب عامر و قلب عامر كله، أكلك أنتَ بدل الحلويات دي يالا؟ بحبك يا ابن الكلب"

كان «يونس» يضحك معه بقوةٍ، بينما «خالد» تحدث يقول بضجرٍ:
"ماهو ابن كلب فعلًا علشان اداني أنا أصغر حتة و أنتو كلكم خدتوا حتة كبيرة"

تحدث الصغير بعدة كلمات غير مفهومة، فتحدث «خالد» يسأل بتعجبٍ:
"فين المترجمة ؟! بيقول إيه دا"

ردت عليه «ريهام» بنبرةٍ ضاحكة:
"بيقولك أنا اديت ماما و رص أسامي البنات كلهم، و جه هنا يعمل كدا و يدي تيتة و عمو"

ابتسم «ياسر» وهو يقول:
"سبحان الله فضلنا في كلية الطب نتعلم و في الأخر الأم هي اللي تفهم النعكشة دي"

رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"ولادة فارس ابن وئام فكرتني بولادة يونس لما كنا في المستشفى"

رد عليه «ياسين» بضجرٍ:
"و يارب عقيقة فارس متبقاش زي عقيقة يونس علشان مموتكش في إيدي"

سألته «خديجة» بتعجبٍ:
"ليه هو عمل إيه ؟! مع أني أتوقع أي حاجة بصراحة"

ردت عليها «إيمان» بحنقٍ:
"دا كان هيودينا كلنا في داهية، الحمد لله ربنا سترها و الخساير جت قليلة"

سألتهم «سارة» بترقبٍ:
"عمل إيه يا جماعة ؟! ريحوني"
طالعوه جميعهم بخبثٍ ثم شردوا فيما حدث منذ ما يقرب الثلاثة سنوات.
(منذ ما يقرب الثلاثة سنوات)

وقفوا الشباب في الشارع أسفل شقة «ميمي» و في المخزن الخاص بالبيت قاموا بوضع «الماشية» الخاصة بعقيقة «يونس» و هم ينتظرون بعد صلاة الجمعة حتى يقومون بذبحها، و قبل بداية الصلاة تحدث «ياسين» يقول مفسرًا:

"هنروح نصلي بس الاول نقفل باب المخزن كويس، المشكلة إن عم لطفي معاه القفل و هو مش هنا، نروح بسرعة و نرجع"

سأله «ياسر» بقلقٍ:
"طب كدا مش ممكن تتسرق يا ياسين؟ الناس هتبقى في الصلاة و الشارع فاضي"

رد عليه «خالد» بحنقٍ:
"مين الحيوان اللي هيسرق بهيمة يوم الجمعة و وقت الصلاة؟ خلاص بقوا كفار؟"

رد عليه «ياسين» ينفي حديثهما:
"يا عم متقلقش إن شاء الله مفيش الكلام دا، المهم يلا بس هاتوا عامر من جوة علشان نروح نصلي، خلونا نيجي نشوف دنيتنا"

خرج «عامر» من الداخل وهو يقول بمرحٍ:
"كنت بلبس الجلبية، وبعدين هنروح نصلي كلنا ؟ و نسيب الباب مفتوح هنا؟"

رد عليه «خالد» بقلة حيلة:
"الحل الوحيد هنعمل إيه يعني، بس املنا في ربنا كبير؟"

رد عليه هو بلهفةٍ:
"طب روحوا بسرعة يلا و أنا هاجي وراكم هعمل حاجة بس"

سأله «ياسين» بحذرٍ:
"هتعمل إيه إن شاء الله ؟!"

رد عليه هو متشدقًا بنذقٍ:
"ملكش دعوة بس، هأمن الدنيا، روحوا و أحجزولي جنبكم يالا"

انسحبوا من أمامه بقلة حيلة بينما هو دلف للداخل قام بفعل ما أراد و بعدها أنزل الباب الجرار عليها، و من بعدها توجه نحو المسجد حتى يقوم بتأدية الفرض، و بعدها عادوا جميعًا و خلفهم الأطفال و الجيران و هم يشعرون بالفرحة لرؤية تلك الأضحية، وقفوا جميعًا أمام باب المخزن و هم يروم الحماس في وجه الأطفال و الشباب، فتحدث «عامر» بفخرٍ:
"الحمد لله محدش جه جنبها، مفيش خساير الحمد لله"

سأله «ياسر» بتعجبٍ:
"ليه هو أنتَ عملت إيه بالظبط؟"

رد عليه بتعالٍ:
"اتصرفت صح، عاوزني اتغابى زيكم؟ هتشوف بنفسك"

قال جملته ثم أخفض جسده يقوم برفع الباب الجرار وهو يبتسم بفخرٍ و سرعان ما تلاشت بسمته و هو يمسع الصرخات حوله، بعدما ركضت الماشية «البقرة» و انطلق في الشارع و هو يركض خلف الجميع و خصيصًا «ياسين» و «خالد» و «ياسر» و هم يرتدون الجلباب الابيض الخاص بصلاة الجمعة، و الأطفال أمامهم و جميع السكان و الصرخات تنتشر بالمنطقة، أما «عامر» فركض خلف الماشية وهو يصرخ بأسماء أخوته حتى استطاع الوصول إليها و أمسكها من ذيلها، فوجدها تلتفت له و حينها تبدل

تعليقات



×