رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثاني والثلاثون

أكتبي بـ حُبكي عهدًا جديدًا للفؤاد...فـ يكفي ما مَر به من قسوةٍ يكفيه مذاق البعاد. _________________________ ليتنا سمعنا من قال أن السلام ينبع من كثرة الآلام، و ها أنا عدت مُحملًا بالخيبات بعدما حاربت الأيام، تلك المرة لم أخطئ و لم أتمادى و لكنه قدري كالعادة، وقفت الآن و رآسي تمتليءُ بالحكايات حتى أوشك القلب على الممات، الآن كل ما أرجو؛ بنفسي و ذاتي أنجو. وقف «عمار» بخوفٍ يحاول التفكير في حل معضلته و تلك الخُدعة التي وقع بها، فوجد «زيكا» يقترب منه وهو يقول بتشفٍ: "أنا هريحك و أريح الدنيا كلها، علشان أخواتك ميجروش وراك بعد كدا" تلبسته الشجاعة و القوة التي تربى عليها لذلك رفع رأسه بشموخٍ وهو يقول: "اضرب، كفاية إنك جاي تضربني في ضهري و لفيت زي الحريم، و كفاية أني هروح و أنا راسي مرفوعة، بس كان نفسي أموت على إيد نضيفة بصراحة" ابتسم له بشراسةٍ وهو يراه مُكبلًا بين ذراعي رجاله و قبل أن يمد يده بالسكين حتى يطعنه أغلق «عمار» جفنيه بشدة ينطق الشهادة و قلبه يرتجف بقوةٍ و كأنه تأكد من نهاية مصيره، و حينما استسلم لتلك الفكرة لم يشعر بأي شيئٍ بعدها، يريد الموت بشهامةٍ على الرغم من سؤاله لنفسه بأي ذنبٍ تُأخذ روحه؟ هكذا كان يفكر وهو ينتظر ضربة السكين و لكنه تفاجأ حينما سمع صوت السكين على الأرض ففتح عينيه بخوفٍ، حينها وجد «وليد» يكبل «زيكا» وهو يقول بنبرةٍ جامدة: "حظك يا زيكا إنك وقعت مع واحد مبيثقش في صوابع إيده، عاوزني أثق فيك أنتَ يا شمام !!" كان يتحدث وهو يشدد مسكته على عنقه حتى اختنق في يده وهو يرفع ذراعه يلوح به، بينما رَجليه قبل أن يتخذ أيًا منهما رد فعل، كان «حسن» خلفهما و في لمح البصر أمسك رقبة أحدهما و لواها للخلف، ثم هجم على الأخر ضربه على رأسه حتى وقع كليهما و ما ساعد «حسن» في التعامل معهما هو ترنح جسدهما نتيجة المخدرات، بينما «عمار» اندفع بِـ غله نحو «زيكا» ثم صفعه على وجهه بعدما أرخى «وليد» قبضته عليه، حينها لم يشعر «عمار» بنفسه إلا وهو ينهال عليه بالضربات نتيجة ما عايشه من قليل، حتى اقترب منه «حسن» بعدما تأكد من خمول الأثنين و عدم قدرتهم على الحِراك، ثم أبعده عن «زيكا» و «وليد» و بعدها أمسك فروة رأسه يشدد مسكته عليها وهو يقول بنبرةٍ جامدة ممتزجة بغلظته: "بقى أنتَ يا روح أمك عاوز تغفلنا ؟! فاكر إننا هنأمن ليك يا تربية الزرايب أنتَ؟ بس ملحوقة" قال جملته ثم مال بجسده نحو الأرض يحمل قالب طوب من عليها ثم اقترب منه من جديد وهو يقول بنبرةٍ متريثة: "هسيبلك تذكار حلو مني علشان كل ما تصحى تفتكر وش حسن المهدي" قال جملته ثم ضربه على رأسه بقالب الطوب حتى نزف بشدةٍ، بينما «وليد» تحدث يقول مُتشفيًا بعدما امسكه من جديد: "تيجي تصيده يصيدك، عارف يالا، هاين عليا ألِف بيك المنطقة و أفرجهم عليك بعدما أقلعك هدومك دي، بس أنا مش هعمل كدا" كان «زيكا» يلهث بقوةٍ من فرط انفعاله، بين ذراعيه فوجد «حسن» يضيف هامسًا بنبرةٍ متوعدة: " مش أنا اللي يسيب حقه، عاملناك على إنك راجل بس طلعت متستاهلش، و أخرتها عاوز تغفل أخويا" في تلك اللحظة اقترب «ديشا» من الرجال وهو يقول بقلقٍ واضح: "خير يا أستاذ كلمتني ليه؟! و زيكا عامل كدا ليه" رد عليه «وليد» بنبرةٍ جامدة: "كلمتك علشان تيجي تلحق صاحبك عِرة الرجالة، اللي كان عاوز يغدر بعمار و كدا لينا حق تاني عندكم" اقترب «ديشا» من صديقه يمسكه من تلابيبه وهو يقول بصراخٍ في وجهه: "ليه يا غبي ؟! دول دافعوا عن أختي و حماها بسمعته، و مسح صورها مع الزفت، لـــيـــه !!" رد عليه بـ غلٍ دفين يصرخ في وجهه: "فوق يا ديشا !! أحنا فضلنا نعمل هيبة لينا وسط الناس و في الأخر حتة العيل دا خلانا نبوس راسه و علم علينا و المنطقة كلها ملهاش سيرة غير إن عيل علم على كبارها برجولته" هزه «زيكا» في يده وهو يقول بوجعٍ: "علشان دي الحقيقة، سكت في حق سمعته و أختي كانت بتبوظ سمعته، فضل راجل لحد أخر لحظة و شال شيلة مش بتاعته، جزمته هشيلها فوق راسي العمر كله، فوق أنتَ يا زيكا" تدخل «حسن» يقول بنبرةٍ جامدة: "تاخد صاحبك و تروح دلوقتي، يمين بالله يا زيكا لو طرقنا اتقابلت تاني لأكون مموتك في إيدي، و أنا هحترم كلام ديشا، و كفاية الرسالة اللي سبتها في وشك" وقف «عمار» بجانب «حسن» وهو يقول بنبرةٍ متألمة: "أبوس راسك حِل عني أنتَ و أختك و صحابك و عيلتك كلها، أنا مش بتاع مشاكل و مليش فيها، ابعد عني و أنساني و أنا ربنا يقويني و أنسى اللي عيشته بسببكم دا، و الله العظيم مسامح كمان في حقي" أخفض «ديشا» رأسه بخزيٍ منه وهو يقول بنبرةٍ مهتزة لم يقوى على التحدث أمامه: "حقك عليا يا أستاذ عمار و كلمة شرف و رجولة مني محدش هيتعرضلك تاني، و ألف شكر على رجولتك معايا" زفر «عمار» بقوةٍ فوجد «ديشا» يكرر الاعتذار ثم أخذ صديقه الذي أخفض رأسه هو الآخر و رجليه بعدما أوقفهم و كلًا منهما يترنح بين يديه و لكن نظرًا لوجود كبيرهم صمتوا احترامًا له، رحل من أمامهم مع الآخرين، بينما «حسن» اقترب من «عمار» يسأله بقلقٍ و لهفةٍ: "أنتَ كويس ؟! حد فيهم عمل فيك حاجة أو جِه جنبك؟" حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة: "لأ متخافش عليا يا حسن، أنا كويس الحمد لله، بس هو أنتو عرفتوا إنه كان هيعمل كدا إزاي؟" ابتسم «حسن» وهو يشير برأسه نحو «وليد» ورافق إشارته تلك قوله الساخر بمرحٍ: "الشكاك إبن عيلة الرشيد اللي مش بيثق في حد خالص، من امبارح واكل دماغي إنه خايف من زيكا لحد ما خوفني أنا كمان و اتفقنا نأمنك، بس حضرتك غيرت طريقك و لخفتنا" فتح فمه و هو يرمش عدة مرات فوجد «وليد» يضيف بسخريةٍ: "دا أنا مش عارف أأمن لنفسي و اللي حواليا ، تفتكر شمام زي دا ممكن يخليني أثق فيه، نظرته و هو بيعتذرلك كانت بتقول إن الواد دا مش هيسكت، حظه إنه وقع معايا يا عمار" اقترب منه «عمار» أكثر وهو يقول بنبرةٍ ظهر بها امتنانه: "ربنا يكرمك يا وليد، و الله موقفك دا في رقبتي العمر كله، أنا خلاص اتشاهدت على نفسي و كنت فاكر إنها خلصت كدا" ربت «وليد» على كتفه وهو يقول بنبرةٍ متأثرة: "متقولش كدا، أخوك معاك و في ضهرك، و بعدين عاوزك تقل أدبك شوية علشان تربية أخواتك دي مش نافعة الدنيا دي عاوزة اللي يدوس فيها يا عمار" رد عليه «عمار» بسخريةٍ من ذاته: "صعب أغير مبادىء و أصول متربي عليها يا وليد، بس أنا متطمن إنك معايا و في ضهري" رد عليه «حسن» بحنقٍ زائف: "إيه يا عم دا ؟! أنا ماشي خلاص، طالما وليد هو اللي أخوك و أنا أتحرق و أولع بقى، و العقد بتاع الأخوة دا قطعوا خلاص" التفت له «عمار» و على حين غرة احتضنه وهو يقول بنفس الامتنان: "صدقني نفس المعزة و الغلاوة بالظبط والله، شوفتك مرتين و لقيتك بتدافع عني كأنك أخويا و أعز كمان، أنا قولتلك أسمحلي ابقى أخوك" ربت «حسن» على ظهره وهو يقول بنبرةٍ متأثرة بعدة مشاعر: "و أنا قولتلك يشرفني دا ، و لو مش معتبرك أخويا مش هشغل بالي بيك و أفضل افكر ازاي أأمنك، صدقني أنا محظوظ بيك" تدخل «وليد» يقول بنبرةٍ مرحة: "طب يلا الوقت اتأخر، عاوزين نروحه علشان أهله ميقلقوش عليه" رد عليه «عمار» بسرعةٍ يقاطع حديثه: "أنا كنت هروح عند ميمي علشان فيه حقنة هتاخدها و البنت اللي في بتديها ليها مش موجودة، أنا ياسر معرفني ازاي اديها الحقنة" رد عليه «حسن» بلهفة لا يدري سببها لرؤيتها: "طب ينفع نروح معاك ؟! يعني نشوفها و نسلم عليها و نتأكد إنها كويسة" رد عليه يوافق حديثه: "طبعًا ينفع، هي هتفرح أوي لما تشوفكم و هتطمن كمان أكتر" سأله «وليد» بحنقٍ طفيف: "ثانية بس أنتَ و هو، هنروح معاك إزاي؟ نقولها كنا فين، إحنا مش هينفع نعرف حد باللي حصل دا أصلًا" رد عليه «حسن» ببساطةٍ: "عادي نقولها قابلنا عمار و جينا معاه، بس تعالى نشوفها مش هنخسر حاجة" أومأ له بقلة حيلة خاصةً أنه يعلم مشاعره كيف تتحرك تجاهها، لذلك وافق على مضضٍ ثم توجه معه و مع «عمار» نحو السيارة و منها يتوجهون نحو شقة «ميمي»، بينما «حسن» جلس على مقعد القيادةِ بفرحةٍ لا يدري سببها، فرحة تشبه تلك الفرحة التي يشعر بها التائه عند وصوله. _________________________ في شقة «رياض» تجهز «ياسين» و «خديجة» حتى تتم عودتهما إلى سكنهما معًا، فاقتربت منه «زهرة» تقول بمعاتبةٍ: "طب هو إحنا زعلناك علشان تمشي؟ أنا زعلتك يا خديجة مني" اقتربت منها تقول بنبرةٍ ممتزجة باللهفة القاطعة و الحزن: "خالص يا ماما و الله، ليه بتقولي كدا بس؟ ربنا يعلم و الله غلاوتك في قلبي و حبي ليكي" سألتها بتأثرٍ: "طب هتمشي ليه؟ مش اتفقنا نقعد سوا كام يوم و قولتلك عاوزاكي معايا علشان هجيب حاجات؟" تدخل «ياسين» يقول بنبرةٍ هادئة و بوجهٍ مبتسم: "يا ماما إحنا هنا من يوم الجمعة، و بكرة الأربع يعني داخلين في اسبوع هنا، خليني أروح شقتي بقى، أنا ما صدقت خديجة توافق" خرج والده من الداخل وهو يقول بحنقٍ: "يا بجاحتك يا أخويا، كمان بتزن على مراتك علشان تمشي؟ طب هي كلمة بقى، انتو مكملين معانا لحد يوم الجمعة و بعدها أمشوا براحتكم" ابتهج وجه «زهرة» و «خديجة» أيضًا بينما «ياسين» رفع طرف شفته وهو يقول بتعجبٍ: "دا إيه دا ؟! هو إيه دا يا بابا؟!" رد عليه والده مُقررًا: "دلوقتي أنتَ بتروح شغلك و ترجع اخر النهار، و أنا و أمك بنروح و نرجع قبلك ، مراتك بقى بدل ما تفضل لوحدها هناك لحد ما ترجع أنتَ، تفضل هنا و زهرة تيجي و يقعدوا سوا، كمل الأسبوع هنا بقى" تنهد «ياسين» بقلة حيلة ثم رفع رأسه يطالع وجه «زهرة» و أمام نظرتها و تلك الراحة المرسومة عليه لم يستطع الرفض، لذلك حرك رأسه ينظر لزوجته ففي النهاية لن يجبرها على البقاء فوجدها لم تختلف عن نظرات والدته لذلك حرك رأسه موافقًا على مضضٍ ثم قال: "ادخلي غيري هدومك يا خديجة، مش هزعل رياض و زُهرة مني و لا هزعلك أنتِ كمان" حركت رأسها موافقةً على حديثه، بينما والدته اقتربت منه تحتضنه وهي تقول بفرحةٍ: "حبيب قلبي والله، أنا كنت عارفة إنك مش هتزعلني، و كنت عارفة إنك أنتَ اللي عاوز تروح مش خديجة" رد عليها هو مُردفًا: "أيوة كنت عاوز أروح، بس خلاص مش هزعل ٣ علشان راحة ١، عن أذنكم بقى هاخد مراتي نغير و نخرج ليكم علشان نتعشى سوا" قال جملته ثم أمسك كفها و دخل بها الغرفة الخاصة به، بينما والديه نظرا في أثره بتعجبٍ منه و من طريقته، دلف هو الغرفة وهي معه ثم أغلق الباب خلفه طالعته هي بريبةٍ فوجدته يسألها بنبرةٍ هادئة: "عاوزة تمشي ولا تقعدي؟ اللي أنتِ عاوزاه أنا هعمله، المهم إنك تكوني مرتاحة" ردت عليه هي بنبرةٍ متعجبة ممتزجة بحيرةٍ طفيفة: "لأ عاوزة أقعد معاهم، هو أنتَ بتسأل ليه يا ياسين؟ و ليه مصمم إننا نروح أصلًا" اقترب منها يقول بهدوء: "علشان فاكر قبل كدا إنك قولتيلي بحب بيتي و عاوزة أفضل فيه و أخليه هادي و أستناك لما ترجع، و كنت فاكر إن ماما و بابا مأثرين عليكي علشان تفضلي" ردت عليه هي بسرعةٍ تنفي حديثه: "خالص و الله، أنا أصلًا مبسوطة معاهم و مش حاسة أني غريبة وسطهم، و طنط كمان شكلها كان نفسها في بنوتة علشان كدا كل يوم بتفضل معايا سهرانة و بقت تتفرج معايا كمان على المسلسل" ابتسم لها رغمًا عنه من طريقتها البريئة التي يتعجبها لذلك سألها هو بتعجبٍ: "خديجة هو أنتِ لسه مكبرتيش؟ يعني حياة الكبار دي معدتش عليكي؟ مش ممكن طريقتك دي والله" سألته هي بقلقٍ من حديثه على الرغم من وجهه المبتسم: "يعني إيه يا ياسين ؟! هو أنا عملت حاجة غلط؟ متخوفنيش بقى" حرك رأسه نفيًا وهو يجاوب سؤالها: "خالص، مش بتعملي حاجة غلط خالص يا خديجة، بس لو حد مكانك كان هيقولي نروح و أقعد في بيتي، أو تطلب مني تروح بيت أهلها زي ما جت لأهلي، يعني زي المشاكل اللي بسمع عنها في الشغل من زمايلي و الناس" حركت كتفيها ببساطةٍ ثم اقتربت منه تقول بنبرةٍ هادئة: "مش عارفة بصراحة المفروض يكون موقفي إيه، بس أنا بحبك و بحب هنا أوي و بحب مامتك و باباك، بحس معاهم بأمان و مشاعر غريبة عليا، و في النهاية هما أهلك يعني برضه هحبهم علشان حبي ليك، لكن الناس اللي بتحكي عنهم دول، أكيد فاهمين الدنيا غلط، هي مش منافسة بين أهلي و أهلك، و بعدين أنا بكلم ماما و بابا كل يوم و خلود و عبلة، أكيد مش هروح أقعد معاهم يعني و أسيب جوزي" سحبها هو من يدها يقربها منه وهو يقول بنبرةٍ هامسة: "قولي جوزي كدا تاني، أصل الواحد كان قرب ينسى و الله" تلوت هي بين ذراعيه وهي تقول بحنقٍ طفيف: "قربت !! أنتَ الجمعة اللي فاتت كنت ناسي أصلًا أنا في حياتك ولا لأ، فوق يا بابا" باغتها هو بسؤاله المفاجئ التي لم تتوقعه هي: "خديجة هو أنتِ بتحبي أبويا و أمي؟! و لا بتشتغليني؟" توقفت عن الحركة وهي تقول بتعجبٍ: "طبعًا بحبهم و بحبهم أوي كمان إيه بتشتغليني دي؟ شكلك اتهبلت بجد و الله؟" اقترب منها هو يقول بخبثٍ بنبرةٍ هامسة: "طب مش عاوزة تخليهم تيتة زهرة و جدو رياض؟ فرحيهم" طالعته بتشككٍ و فجأة شهقت بقوةٍ فوجدته يبتعد عنها للخلف وهي تقول بنبرةٍ متوعدة ممتزجة بالخجل: "يا سافل يا قليل الأدب، عيب كدا، أنا هطلع أقول لباباك و مامتك علشان يجوا يشوفوا تربية ابنهم" رد عليها هو بحنقٍ: "هو إحنا في حضانة ؟! مالك يا ست الكل؟ و بعدين لو جدعة و عندك بـ ٢ جنيه شجاعة اطلعي و قوليلهم على كلامي" دفعته بعيدًا عنها وهي تقول بضجرٍ منه: "كفاية قعدة مع وليد بقى، بقيت وقح زيه، كانت نسخة واحدة مش عارفين نسد قصادها، خليك متربي بقى" رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة: "مش أنتِ مراتي يا خديجة؟! عاوز أبقى أب يا ستي، وليد نفسه يمسع كلمة خالو، يرضيكي أزعل وليد؟" حركت رأسها موافقةً وهي تقول بنبرةٍ مقررة: "زعله يا ياسين، عادي مش أخويا بقولك زعله و اضربه كمان لو فتح بوقه، و بعدين أنا هخاف من مسئولية زي دي" حينها طالعها «ياسين» بتمعنٍ لأنه يعلم بخوفها من الأمومة و تلك المسئولية، حتى أنه تعمد فتح الكلام معها بتلك الطريقة حتى يعلم طريقة تفكيرها، لذلك سألها بنبرةٍ مهتمة: "إزاي يا خديجة ؟! خايفة ليه؟" حركت كتفيها وهي تقول ببساطةٍ: "دا إحساس طبيعي يا ياسين، و بعدين ماما زهرة قالتلي أعيش حياتي معاك شوية قبل ما أجيب بيبي و يشقلب حياتنا، قالتلي كمان إن ديه أحلى فترة نعيشها سوا، قبل ما يجي عيل يغير حياتنا كلها " ابتسم هو لها و لكن بسمته تلاشت شيئًا في شيء وهو يسألها بتشككٍ: "و هي أمي قصدها إيه بعيل شقلب حياتهم ؟! يا وقعة سودا أنا جيت بوظت حياة أمي ؟!" ضحكت عليه هي بقوةٍ فوجدته يطالعها بوجهٍ ممتعض: "ماشي يا زُهرة، طب عندًا فيكي أنا هخلف عيل و أخليكي تربيه علشان يشقلب حياتك كويس" اقتربت منه تقول له بقلقٍ: "طب ينفع متقولهاش أني قولتلك كدا ؟! علشان متزعلش مني و تفتكر أني بزعلك منها؟" رد عليها هو بنبرةٍ هادئة: "أنا فاهم كويس إيه يتقال و إيه ميتقالش متخافيش، و بعدين بلاش الحساسية دي في التعامل يا خديجة، أمي و أبويا دماغهم كبيرة مش عيال صغيرة" ردت عليه هي تنفي حديثه: "مش قصدي و الله، بس مش كل الناس بتستوعب الكلام صح، و ممكن أقوله بنية يوصل بنية تانية خالص، و مش قصدي على باباك و مامتك، أنا بتكلم في العموم علشان كنت علطول بتكلم بعفوية و كانت بتتاخد عليا لقطات كدا و يتعمل بيها موضوع كبير و أنا نيتي بتكون غير كدا و الله، علشان كدا بخاف اتكلم بعفوية" رد عليها هو بنبرةٍ جامدة يرفض تفكيرها: "غلط يا خديجة، تفكيرك غلط، اتكلمي براحتك و قولي كل اللي عاوزاه و اعملي اللي نفسك فيه، اليوم بيعدي و غيره بيجي بعده، مينفعش تعيشي النهاردة و تحكمي فيه بغلطات و عقل امبارح، و بعدين عفويتك دي أنا بحبها أوي و الله، بتخرج خديجة جديدة عليا، بلاش تخافي من نفسك، علشان أنا بحبها و شاريكي زي ما أنتِ كدا" أخفضت رأسها بخجلٍ منه فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ: "خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ" حركت رأسها موافقةً عدة مرات فوجدته يقول هامسًا: "برضه مش عاوزة تخليهم تيتة و جدو؟" رفعت رأسها بحدةٍ فوجدته يراقص حاجبيه وهو يشاكسها، بينما ابتسمت هي بيأسٍ منه وهي تحرك رأسها. _________________________ في شقة «عامر» هاتف شقيقه يطمئن عليه و علم منه أنه مع «ميمي» برفقة «حسن» و «وليد» و على الرغم من تعجبه إلا أنه أثر الصمت عن وجودهما معه ثم أغلق الهاتف، بعدها اقترب من زوجته يسألها بتشككٍ: "فكري معايا كدا إيه اللي يخلي حسن و وليد مع عمار عند ميمي؟ و ليه النهاردة بالذات؟" ردت عليه بتعجبٍ من حديثه: "مش عارفة يا عامر، بس طالما اتطمنت على أخوك يبقى بلاش تفكير كتير، الحمد لله إنه بخير" ضيق جفنيه بشدةٍ وهو يفكر في الموضوع، ثم قال بنبرةٍ حائرة يلقي بها اقتراحاته أمام زوجته: "يا هما رايحين لميمي علشان حسن يشوفها و يقعد معاها، يا إما كانوا بيأمنوا عمار علشان محدش يُغدر بيه" قطبت جبينها بحيرةٍ وهي تحرك رأسها تسأله بصمتٍ عن ماذا يتحدث فوجدته يضيف مردفًا: "الحل الأكيد إنهم كانوا بيأمنوا عمار، و لو عملوا كدا فعلًا يبقى دا جميل في رقبتي مش هنساه" سألته هي بخوفٍ: "عامر هما كانوا ممكن يغدروا بعمار ؟! مش دا كلام رجالة و المفروض إن الموضوع خلص خلاص؟ بيفتحوه ليه بقى؟" رد عليها هو بسخرية: "دا لما نكون بنخلص حوار مع مدير بنك، إنما دول كُبار منطقة و ليهم وضعهم يا سارة، و عمار باللي عمله دا علم عليهم صح" سألته هي بنبرةٍ تحمل القلق و الخوف معًا: "متخوفنيش على عمار بقى، أنا ما صدقت اتطمن عليه و بقى عندي أخ زيه، بلاش تدخل الأفكار دي في دماغي و تخليني أخاف عليه" سألها هو بتعجبٍ: "هو أنتِ أصلًا بتحبي عمار !! ساعات بحس إنك مش طايقاه و مش عارف ليه" ردت عليه هي بحزنٍ من حديثه: "ليه كدا يا عامر ؟! عمار دا أخويا زي ما هو أخوك، و ربنا يعلم أنا نفسي أفرح بيه هو و خلود أوي، كلامه عنها جميل و قلبه جميل أوي يا عامر، الغريب هو إزاي أخوك أصلًا" قالت جملتها الأخيرة بتعجبٍ فوجدته يقول بفخرٍ: "هو يطول يبقى أخويا ؟! أصلًا عمار دا طول عمره بيغير مني و منفسن" ردت عليه هي بتهكمٍ ممتزج بضحكاتٍ طفيفة: "هو برضه !! هو اللي طالع من الأوائل في إعدادي و لما روحت معاه اتريقوا عليه؟ بقى يا مؤمن خلال ٣ سنين واخد فيهم ٦٣ استدعاء ولي أمر ؟! ليه يا عامر عملت إيه" رد عليها هو بحنقٍ: "هي أمي حاكتلك ؟! أنا منبه عليها محدش يعرف غير هي و خالاتي و عماتي و أم ياسر و ام خالد و أم ياسين و كل ستات الشارع، تيجي تحكيلك أنتِ؟" ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة: "فعلًا ملهاش حق خالص، بس قولي يا عامر بجد واخد ٦٣ استدعاء ليه يا عامر؟" ابتسم لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة: "مكانوش بيحبوا يصاحبوني يا سارة، الاستدعاءات دي كانت و أنا في ٤ ابتدائي لحد سنة ٦ و ساعتها مكنتش لسه عرفت العيال، و كلهم كانوا بيبعدوا عني، كنت بخرج الطاقة اللي عندي في الشقاوة و خفة الدم على المدرسين، كنت بعمل كدا علشان أعرفهم إني موجود، بس برضه مكانوش بيحبوني، لحد ما زودت فيها، و حصل اللي حصل بقى في إعدادي و عرفتهم، من ساعتها و أنا مليش غيرهم ماسك فيهم بايدي و سناني، و مش هسيبهم أصلًا" تأثرت هي من حديثه لذلك سألته بنبرةٍ مختنقة: "طب و هو أنتَ عرفتهم إزاي؟ يعني دخلوا حياتك إزاي يا عامر؟" ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة حينما تذكر: "ياسين و أنا كنا مع بعض في ابتدائي، بس هو مكانش ليه علاقة بيا علشان مامته كانت حريصة عليه، لما دخلت إعدادي بقى كنت لوحدي و ياسين اتعرف على ياسر في الفصل علشان كان محترم زيه و الاتنين نُضاف زي بعض، المهم أخر يوم في الاسبوع اتخانقت مع شلة كدا الصبح و استنوني بعد المدرسة، ياسين من يومه شهم راح ساعتها جاب ياسر علشان يلحقني، و ياسر طبعًا راح يجيب أخوه الكبير وهو خالد بما إنه كان ساقط سنة و عارف عيال أكبر مننا، و في ثانية بقينا أربعة ومعانا ناس أكبر مننا قصاد الأربعة و من بعدها بقينا مع بعض، بسبب ياسين و ياسر" تنهد هو بعمقٍ مع لمعة غريبة لمعت في مقلتيه وهو يتذكر كيف بدأ ذلك الرابط المتين، فوجدها تقول بمرحٍ: "سكر خالص و الله، متخيلة شكلكم في إعدادي كدا و أنتو بتتخانقوا، و أنتَ السبب و كمان بتضرب" رد عليها هو بنبرةٍ هادئة: "الغريب إن من ساعتها و أنا معاهم، من ساعتها و أنا بخاف يسيبوني يا سارة، عيشت من غير صحاب و كانوا كلهم بيبعدوا عني و دول حبوني بعيوبي، لما كنت بضحكهم و يقولولي دمك خفيف كنت بفرح أوي" ردت عليه هي بنبرةٍ متأثرة: "عامر أنتَ صعبت عليا و الله، يخربيت كدا، دموعي قريبة أوي طلعت مراكم كتير زينا كلنا" حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ جادة: "كلنا عانينا و شوفنا حاجات صعبة يا سارة، بس هي بتفرق على حسب تعامل كل واحد فينا مع مشاكله دي، أنا عن نفسي بهرب في الضحك و الهزار، ياسين بيهرب من الكل لو غلطان، ياسر بيروح يتفرج على الحمام وهو بيطير و خالد بيكسر و يزعق، بس فيه حاجة مشتركة و هي إننا بنتوجع كلنا" حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ حائرة: "عامر أنا آسفة ، أرجع تاني هزر و أضحك أنا راضية بيك تبقى زي الأطفال، علشان كدا هتقلبها نكد علينا كلنا" رفع ذراعه يضعه عليها يقربها منه وهو يقول بمرحٍ: "على فكرة بقى أنا بحبك علشان قبلاني بعيوبي، خالتي قبل كدا قالت لأمي وريني مين هتقبل إبنك بعيوبه ديه، و جيتي أنتِ يا أحلى ما في يومي يا مقطقطة زي الجبنة رومي، فرحت معاكي و نسيت همومي و في سمايا بقيتي كل نجومي" أبتسمت باتساعٍ حتى تحولت بسمتها إلى ضحكاتٍ فوجدته يربت على ذراعها ثم قال معتذرًا: "ادعيلي و أدعي لعمار و لأخواتي كلهم يفضلوا كويسين علشان افضل كويس أنا كمان، اليومين اللي فاتوا دول كانت أعصابي مشدودة علشان عمار، بس وعد أني مخرجش عامر دا تاني علشان متزعلوش كلكم" حركت رأسها موافقةً على حديثه و هي ترى اعتذاره و نظرته التي تصرخ بأسفه و كأنه طفلًا صغيرًا يود الاعتذار من عائلته على مشاكسته، حينها ابتسمت وهي تقارنه بالأطفال بقلبه النقي. _________________________ في شقة «ميمي» أنهى «عمار» دوره و تمم على دوائها و طعامها ثم قال بنبرةٍ معتذرة: "طب أنا كدا مضطر أمشي علشان ورايا جامعة بكرة، عاوزين مني حاجة؟ همشي علشان أمي قلقانة و زمانها بتاخد العزا دلوقتي" ضحكوا عليه جميعًا، بينما «وليد» بنظرةٍ واحدة في وجه «حسن» علم أنه يريد التحدث مع «ميمي» لذلك وقف يقول بنبرةٍ مقررة: "تمام أنا هنزل أوصلك بعربية حسن و أرجع تاني، علشان متمشيش لوحدك" رد عليه يرفض حديثه بنبرةٍ عادية: "متتعبش نفسك يا وليد، أنا بيتي في الشارع اللي ورا يعني دقيقتين بالكتير، هروح البيت و أنتَ خليك معاهم" رد عليه هو بإصرارٍ أكثر: "قولت هوصلك أنا و كلامي مش برجع فيه، يلا" نظر له نظرة ذات مغذى يذكره بما حدث من قليل معه و محاولة الغدر به، بينما الأخر حرك رأسه موافقًا على مضضٍ ثم سبقه للخارج بعدما لوح لهما يودعهما و تبعه «وليد» نحو الخارج، في داخل الشقة نظرت له «ميمي» تتفحص هيئته و خجله، لذلك قالت بنبرةٍ ضاحكة: "طب هو أنتَ جاي علشان تشوفني و لا علشان تسكت قصادي؟ جيت ليه طيب" رفع رأسه لها وهو يقول بنبرةٍ مهتزة: "جيت علشان فكرتيني بأمي الله يرحمها و يديكي الصحة، كانت جميلة و طيبة زيك كدا، من ساعة ما شوفتك و أنا حاسس أنها وحشتني، أو يمكن حاسس إنك هتقومي بدورها اللي هي مكملتوش، اللي أعرفه أني فرحت لما جيتلك هنا" أمسكت كفه بين كفيها وهي تقول بعاطفة أم حنونة: "و أنا عاوزاك تعتبرني والدتك يا حسن، قولتلك إمبارح إنهم كلهم بيجولي لما الدنيا تضيق بيهم، و أنتَ زيهم، قولي بقى مالك مهموم ليه و عينك شايلة كتير" تبدلت نظرته من التأثر إلىٰ التعجب و الدهشةِ فوجدها تقول: "هو أنا عيلة صغيرة ؟! أنا من بَصة في وش اللي قدامي بعرف طريقة تفكيره إيه، قولي مالك يمكن تلاقي علاجك هنا" زفر هو بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ متألمة: "مفتكرش إن اللي زيي وجعه ممكن يتعالج أصلًا، أنا واحد طول عمره كل ما يحب حاجة تروح منه، أبويا و أمي و مراتي و ابني، مش عارف أصالح دنيتي، فيه واحدة معايا عمال أغرق فيها و بقيت عاوزها معايا بس، في نفس الوقت خايف تسبني، رغم إنها أكدتلي إنها مش هتعمل كدا، بس أنا خايف" ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ مقررة: "هدير بنت عم خديجة مش كدا ؟! ساعة اللي حصل دا وليد كان هنا مع الشباب بيتفق معاهم على اللي هيحصل، و هو سألني قبل ما يمشي قراره دا صح و لا غلط ساعتها أنا أيدته في قراره إنه يجمعكم سوا" اتسعتا حدقتيه بقوةٍ بعدما استماعه لحديثها فوجدها تسأله بنبرةٍ هادئة ممتزجة بإصرارٍ طفيف: "قولي بقى نتيجة القرار دا كان إيه؟ ارتحت معاها و لا وليد غلط لما جمعكم سوا؟" تنهد هو بعمقٍ ثم قال بشرود و كأنه يراها أمامه: "أنا مفيش حاجة حصلتلي حلوة في حياتي غير أني بقيت مع هدير، من ساعة ما شوفتها أول مرة خالص و حسيت إن فيه حاجة هتربطني بيها، و لما حصل و قالولي أقول أني خطيبها أنا ساعتها استغليت الموقف و طلبت إنها تكون مراتي بجد و خدت حِجة بعدها أني أساعدها تتعالج علشان أكون جنبها، كنت فاكر أني بساعدها بس أنا كنت بساعد نفسي، و دلوقتي بقيت بحس بتأنيب ضمير" سألته هي بنبرةٍ متعجبةٍ من جملته الأخيرة: "تأنيب ضمير ؟! ليه" رد عليها هو بقلقٍ: "بخاف يكون نصيبها حد غيري و أنا وقفت في طريقها، و حاليًا أنا بقيت مش عاوز غيرها معايا، و حاسس إنها بتحبني، بس خايف اتصدم و يكون بيتهيألي و تطلع وخداني فترة بس في حياتها" ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة: "لأ يا حسن متهربش من مشاعرك بإنك تنكر مشاعرها ناحيتك، بلاش تخلي دماغك توهمك بحاجات غلط علشان الماضي واخد أكبر من حجمه في حياتك، متبقاش زي خالد كدا" سألها هو بحيرةٍ: "ماله خالد ؟! ما هو متجوز و مخلف كمان ما شاء الله" ابتسمت هي بسخريةٍ: "خالد كان زيك كدا مش عاوز يعترف بمشاعره، و كان عمال يهرب و يقول هتمشي و هتسبني، كل دا علشان أبوه مات و هو عيل صغير و بقى مسئول عن بيتين لحد ما نسي يعني إيه مشاعر، خالد كان هيتأخر و يندم أوي و كان هيعيش عمره كله يعض إيده اللي ضيعت نعمة حبه من إيده" سألها هو بقلقٍ واضح على هيئته و نبرته المهتزة: "ياه للدرجة دي؟ يعني ممكن هدير تضيع مني؟" ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة: "آه طبعًا، الست ميفرقش معاها أي حاجة غير الكلام و المشاعر، لو جايبلها الدنيا كلها و مفيش كلمة حلوة عمرها ما هتحس بيها، الست بتحب بودنها، و لو زهقت من السكوت و قلة المشاعر هتمشي و مش هتعرف ترجعها تاني، و هتتأكد إنك مش بتحبها" رد عليها هو بلهفة يقطع استرسال حديثها: "لأ بحبها، هي مينفعش تحس أني مش بحبها علشان لو حست بكدا هتسبني، و أنا مش عاوزها تسبني" ردت عليه هي بخبثٍ: "و بتحبها بجد و لا كلام علشان تفضل معاك تملى الفراغ اللي عندك؟ فكر كدا في كلامك" شرد أمامه من جديد وهو يقول بنبرةٍ هائمة في تفاصيلها: "بحبها بجد، هدير مينفعش متتحبش أصلًا، خفة دمها و شقاوتها و هزارها و عنادها و الحنية اللي فيها و بتحاول تداريها، حتى ضعفها اللي بتداريه في قوتها المزيفة، هدير هي النور اللي نور ضلمة حياتي، حبيت كل حاجة كنت بكرهها بسبب وجودها هي، حبيت بيتي و حبيت النوم بدري و حبيت أكل البيت و حبيت النور اللي بقى منور في الشقة كلها، حبيت أفلام الكارتون اللي عمري ما اتفرجت عليها و حبيت أماكن الخروج اللي هي بتحبها، الوحيدة اللي خدتها مكاني المُفضل و حبه في قلبي زاد علشان هي معايا فيه، كل ما افتكر أني كنت بقول لطارق يتجوزها علشان ينسى بيها جميلة ببقى عاوز أضرب نفسي، أنا بقيت بحب أي حاجة ليها علاقة بهدير، حتى العياط معاها بحبه رغم أني بكره دموعي و ضعفي اللي بيظهر و أنا لوحدي، بس لما هي حبت ضعفي دا أنا كمان حبيته، فكرة إنها تسبني بقت اتقل من نفس الغريق" ربتت على يده وهي تقول بتأثرٍ: "روح قولها هي الكلام دا، هدير أحق واحدة تسمع كلامك دا مش أنا، روح عرفها أنك عاوزها معاك مراتك و حبيبتك و صاحبتك، روح قولها حبيت الحياة بوجودها، لو ركزت على أخواتك كلهم هتلاقيهم مبسوطين علشان مع اللي بيحبوهم، كلهم بيتعافوا من الدنيا في علاقاتهم، خليك زيهم و خلي علاقتك بهدير هي اللي تعافيك من الدنيا كلها يا حسن" سألها هو بحيرةٍ و تخبطٍ: "يعني أعرفها أني بحبها؟ تفتكري هتقبل حبي دا و لا هتهرب منه زيي؟" ردت عليه هي بنبرةٍ مقررة: "مستحيل بعد دا كله تهرب منك يا حسن، هدير أكيد حبتك و خدت على وجودك دا لو مكانتش مستنية منك كلمة تبرد نار مشاعرها، ممكن لو أنتَ اعترفت ليها هي تصارحك بمشاعرها، خلي أملك في ربنا كبير" ابتسم هو لها ثم حرك رأسه موافقًا فوجدها تبادله النظرة بمثيلتها و هي تحثه على إتخاذ خطوةً في علاقته بزوجته. _________________________ أسفل شقة «عمار» توقفت السيارة و قبل أن ينزل منها هو سأل «وليد» بحيرةٍ: "هو أنتَ ليه جيت هنا متأخر كدا؟ و إيه اللي خلاك تيجي تلحقني و ليه حسن بس؟" تنفس «وليد» بعمقٍ ثم قال: "علشان أنا مبعرفش أثق في حد يا عمار، خوفت عليك منه، و الوحيد اللي حس زيي كان حسن، لما قالي إن نظرة الواد خوفته عليك، و قبل ما نكبر الموضوع و نعرف الباقيين قولنا نتعامل إحنا معاهم، بس أنتَ غيرت طريقك و ساعتها العربية خدت مننا وقت علشان نعرف نلف بيها، و لما اتأخرنا أكتر كل واحد فينا دخل من شارع، و قبل ما هو يقرب عليك بالسكينة كنت أنا موجود بضربه" حرك رأسه بتفهمٍ ثم قال بنبرةٍ موجوعة ممتزجة بحيرةٍ: "أنا تعبت بجد و أعصابي باظت، أنا مش بحب المشاكل و مش بحب الصراعات، أنا لو عليا أفضل مسالم طول حياتي مأذيش حد و لا حد يأذيني، و الله يا وليد أنا مش بتاع مشاكل و لا بتاع حوارات، أنا في حالي" ابتسم له «وليد» وهو يقول بوجعٍ هو الآخر: "كلنا كنا في حالنا يا عمار، محدش فينا اتولد و هو بيجر شكل للبيع، الدنيا دي دورها تعلمك اللي لا مدرسة و لا جامعة هتعملوا ليك، متفتكرش إنك هتفضل في حالك و هي هتسيبك، هي هتنكشك لحد ما تطلع أوحش ما فيك و ساعتها تسبلك الندم، الخلاصة يا عمار إنك تاخد اللي الدنيا تعملوا فيك بصدر رحب و تتعلم منه، علشان اللي جاي ميعلمش عليك" حرك رأسه موافقًا وهو يكرر خلفه بتريثٍ: "اتعلم من اللي الدنيا هتعملوا فيك علشان اللي جاي ميعلمش عليك" رد عليه «وليد» بثقةٍ: "بالظبط !! احفظها كويس علشان هتحتاجها كتير الأيام الجاية، عاوزك من هنا لحد خطوبتك على خلود تفضل تتعلم" طالعه بدهشةٍ فوجده يقول بنبرةٍ ساخرة: "هو أنتَ رجعت في كلامك ولا إيه؟ أنا قولت أنتَ عيل أصلًا و مـ.." أوقف حديثه حينما رد عليه «عمار» بضجرٍ منه: "يا بني بقى ثق فيا شوية، مستحيل طبعًا أرجع في كلامي، خلود هتفضل هي السبب اللي يخليني أتحرك و أسعى في حياتي، أسأل ياسر كدا هيقولك أني قبل الشغل قابلته علشان اسأله أصبر إزاي على غيابها زي ما هو صبر، صدقني خلود مينفعش تتنسي يا وليد" تنفس «وليد» بعمقٍ ثم تبعه بقوله: "لو أنا مش شاهد على تربيتك كنت عرفتك إنك مينفعش تتكلم كدا على أختي خصوصًا إن مفيش حاجة بينكم، بس أنا واثق فيك و علشان مخبيش عليك أنا كنت زيك كدا بتمنى نظرة بس من اللي حبيتها، كنت بتغنى بالشِعر في جمالها" سأله «عمار» بنبرةٍ حائرة: "طب و بعدين ؟! بقت معاك و لا؟" ابتسم «وليد» بشدة و هو يقول: "كنا بنختار الأوض من يومين ربنا يكتبهالك يا سيدي، إحساس طلع حلو على فكرة" ضحك «عمار» بقوةٍ فوجده يربت على كتفه ثم قال بهدوء: "بلاش تخلي اللي حصل النهاردة دا يأثر عليك، أنساه و أحمد ربنا إنه كتبلك عمر جديد علشان تعيش حياتك صح، الحمد لله إنك كويس و الحمد لله أني مبثقش في حد، أنا كدا شكلي هرجع في كلامي" قطب جبينه يسأله بتعجبٍ: "ترجع في كلامك !! اللي هو إيه بالظبط؟ أوعى يكون أنا و خلود" رد عليه هو بحنقٍ: "يعني و حياة أمك دا بس اللي لفت نظرك في كلامي؟ سبت كل اللي قولته و مسكت في دي؟ اطمن يا سيدي مش موضوعك أنتَ و خلود، الموضوع خاص بيا أنا" أومأ له موافقًا ثم تنفس بعمقٍ، بعدها فتح باب السيارة و قبل أن يخرج منها طالعه بنظرة إمتنان وهو يقول بنبرةٍ هادئة: "شكرًا يا وليد، أنا عارف أن مفيش شكر بين الأخوات بس أنا لازم أشكرك على كل حاجة بتعملها معايا، و اشكرلي حسن تاني، حسن ابن حلال و طيب" أومأ له موافقًا وهو يبتسم له ثم تابع انسحابه من أمامه حتى دلف البيت و أغلق الباب خلفه، بينما هو أخرج هاتفه يراسل «حسن» حتى يتجهز و يتجهز للرحيل. _________________________ في شقة «ياسر» جلس يتابع عمله في هدوء و زوجته أمامه تلتقط له صورًا عديدة و هي جالسة على الأرجوحة أمامه، فتحدث هو دون أن يرفع رأسه من على الحاسوب الخاص به: "بطلي هبل يا متخلفة أنتِ، بتصوري إيه يا إيمان؟ هو أنا أخلص من عامر تطلعيلي أنتِ؟" ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة: "بصورك علشان لما توحشني يا ياسوري، و بعدين أنتَ تطول أني أصورك؟" رفع رأسه يطالعها بتقززٍ ثم أنزلها من جديد، بينما هي اقتربت منه تجلس بقربه و هي تسأله بلهفةٍ: "هو أنتَ بتعمل إيه؟ مركز أوي كدا حساك بتذاكر" ابتسم هو على طريقتها وهو يقول: "بذاكر فعلًا و الله، بصي يا ستي دي حالات عندي أنا مسئول عنها، الحالات دي عندها نوع أنيميا اسمها انيميا منجلية و دي عبارة عن إن كرات الدم البيضا أكتر من كرات الدم الحمرا، فيه ٣ حالات فيهم حالتهم متأخرة و لازم ياخدوا دم بسرعة خلال الفترة دي، أنا بقى بشوف الحالات دي هقدر أساعدهم و لا أخلي دكتور تاني مسئول معايا؟ بس هما أطفال و مش مستوعبين حاجة، الوضع كبير على عقلهم يفهموه" قطبت جبينها بحيرةٍ وهي تسأله: "أنا أول مرة أسمع عن النوع دا من الانيميا، أول مرة أعرف إن فيه حاجة كدا أصلًا" رد عليها هو مُفسرًا: "فيه أنواع كتير من الأنيميا يا إيمان، و كلهم علميًا أغرب من بعض، بس دي أكبرهم في الأعراض علشان الهيموجلوبين بيقل في الجسم بدرجة محلوظة و بناءً على كدا لازم يتاخد دم للجسم باستمرار، حاليًا أنا بحاول أشوف إيه أحدث الأجهزة اللي تخليني اعتمد عليها مع الحقن قبل موضوع الدم دا، يعني علشان الأطفال و أهاليهم، خصوصًا إن الموضوع مش هَيْن" ابتسمت له هي بهدوء وهي تقول بنبرةٍ هادئة: "طلعت دكتور شاطر أوي، كنت فاكرة خلقك ضيق و ملكش في التعامل مع الأطفال، بس رافع راسنا أهوه" ابتسم هو بيأسٍ منها فوجدها تقول بفخرٍ: "ليها حق مامتك تتباهى بيك و الله، ميرفت دي طيبة زيك يا ياسر و هادية أوي" رد عليها هو بأسى: "ميرفت لو مش طيبة مكانتش وقعت في إيد واحد زي سمير، كانت سابته و مشيت من قبل ما تتورط في ٣ عيال، ميرفت لو مش طيبة مكانوش أهلها رموها لقريبها رمية زي دي، كانت نتيجتها ست مقهورة طول العمر و ٣ عيال مكسورين الضهر منهم عيل ميعرفش يعني إيه طفولة، أنا نفسي الدنيا تجمعني بيه مرة واحدة" سألته هي بترقبٍ و خوفٍ: "ليه ؟! عاوز الدنيا تجمعك بيه ليه؟ إحمد ربنا إنه اختفى من حياتكم بقى" رد عليها هو بأعين تطلق شرارها: "علشان أرد اللي عمله فينا، علشان أقوله إني مش ملزم بيه و أني مش عاوزه يكون أب ليا، علشان أقوله إن حياتي نضفت لما أب زي دا اتخلى عني، علشان أقوله إنه ساب أم قامت بالدورين و أحسن منه، أنا عاوز القدر يخليني اقابله قبل ما أضعف، نفسي اسأله ليه؟! طب هو محسش كل دا أني وحشته؟ محسش في مرة أني ممكن أكون محتاجله؟ محسش في مرة أني ممكن أكون بكدب على نفسي و بيني و بينها محتاج أقول كلمة بابا !! حكم عليا باليُتم و هو عايش و سابني أشحت الحنان و السند من عم رياض و عم فهمي، عاوز أشوفه علشان أقوله إن الغريب ليا كان أحن عليا منه" بكى وهو يتحدث رغمًا عنه حينما تذكر ما مر و جرحه الغائر الذي تركه له والده، لازال حتى الآن الجرح ينزف دون توقف، كلما اختلى بنفسه و تذكر تلك الليلة وجد نفسه يبكي بقوة و كأنه يود الصراخ، أما هي فأخذته بين ذراعيها و كأنها تحمي صغيرها من شرور العالم، بينما في داخلها كان يبكي قهرًا و خوفًا من تلك المقابلة التي تتمنى لا تحدث يومًا من الأيام فهي ترى فقط البداية. _________________________ في شقة «خالد» هاتفته شقيقته بعدما تأكدت من نوم زوجها و كانت تبكي بقوةٍ على حاله، فوجدته يقول لها برزانةٍ: "بطلي عياط أنتِ يا إيمان و بالراحة علشان أفهم منك، و بعدين أنتِ بتجيبي سيرة الزفت دا ليه أصلًا؟" ردت عليه هي ببكاءٍ: "هو اللي اتكلم و جاب سيرته، أنا كنت بتكلم عن مامته يا خالد هو اللي افتكر و اتلكم و أنا مش بقاطعه علشان يرتاح، علشان خاطري أتصرف، ريحني و قولي إنهم مش هيتقابلوا" رد عليها هو بنبرةٍ جامدة: "دا كلب يا إيمان، ناسي حياته القديمة و ناسي كل حاجة، متخافيش مش هيتقابلوا و لا هيجمتعوا سوا، خليكي مع جوزك أنتِ بس و بلاش يعرف حاجة، إيمان !! ياسر لو زعل بسببك أنا هزعلك، صحيح أنتِ أختي بس هو في حياتي من قبلك، أوعي تجرحيه و لا تزعليه، أنا عاوزك تفضلي معاه علشان هو ملوش غيرك أنتِ" حركت رأسها موافقةً عدة مرات و كأنه يراها ثم قالت بنبرةٍ هادئة: "متخافش، و الله مش عاوزة غير إنه يفرح من قلبه و ينساه، أنا و الله ما هقدر أزعله و لا هقدر على زعله أصلًا" أغلق معها الهاتف بعدما أوصاها عليه ثم ألقى الهاتف بجانبه بعدها رفع كفيه يمسك رأسه فوجد زوجته تمد يدها له بالدواء و هي تقول بنبرةٍ خافتة: "الدوا يا خالد، دماغك مصدعة بقالك كتير، و إيمان أكيد زعلتك بعياطها دا" حرك رأسه موافقًا على مضضٍ وهو يأخذ منها الدواء و بعدما تناوله عاد بجسده للخلف على الفراش وهو يقول بحيرةٍ: "مش عارف أعمل إيه ؟! دماغي تعبتني يا ريهام، خايف نقوله علشان ميزعلش مننا يروح يتغابى و يضيع نفسه، و خايف نسكت يعرف بالصدفة و يزعل مننا، في الحالتين ياسر هيضيع مننا، و أنا هبقى مجبر أتحمل أي رد فعل منه إلا إنه يبعد عني" سألته هي بتأثرٍ من حديثه: " و هو أنتَ إيه اللي يفرق معاك؟ مش إن صاحبك يكون مرتاح؟ شوف إيه يريحه و أعمله" رد عليها هو بنبرةٍ تائهة: "مفيش حاجة ممكن تريح ياسر غير إنه يشفي غليله من أبوه، و دا أحنا مش هنسمح بيه يحصل، لو على رقبتنا، ياسين و عامر قالوا إنهم هيعملوا المستحيل، ياسين أصلًا قالي إنه خلى عم رياض يكلم ممتاز دا و يفهمه الوضع و إن ياسر مش هينفع يكون في حفلة الشراكة اللي هتبقى بينهم و كلنا مش هنروح" ربتت هي على كتفه وهي تقول بحزن: "ربنا يديم ستره عليكم إن شاء الله، المهم إن إيمان و ياسر يفضلوا مع بعض علشان حاجة زي دي هتقلب الدنيا" تنهد هو بعمقٍ شرد أمامه يفكر فيما هو قادم عليهم جميعًا. _________________________ في شقة «حسن» بعدها تأخر هو في عودته على غير عادته دخلت «هدير» غرفتها ثم أخرجت أحد الفساتين الخاصة بها ترتديها و هي تتذكر حياتها المرفهة التي كانت تعيشها دون أن تعلم أنها كانت تخطئ في حق نفسها قبل الآخرين حتى استيقظت على واقعًا مريرًا و هو أنها تخلت عن كل من أحبوها و ركضت خلف أشياءًا واهية لم تنفعها، لكن رحمة الله عليها جعلتها تلتقي بـه ذلك الذي تعلمت معه الكثير و الكثير و أهمها قيمة تلك الحياة، ابتسمت هي بسخريةٍ حينما وجدت التفكير يقودها إليه، لذلك قررت ترك تفكيرها و تذكر نفسها القديمة، و بدأت في ارتداء الفستان الذي كان عبارةٍ عن قماش حريري باللون الأسود عاري الكتفين و منطقة العنق و كان منسابًا على جسدها بشدةٍ حتى لأسفل ركبتيها بقليل، بعدها قامت بـ فرد شعرها خلف ظهرها ثم وقفت تطالع نفسها في المرآة وهي تتذكر حيويتها و حركتها حينما حضرت به ليلة الحِنة الخاصة بشقيقتها و كانت هي صاحبة الطلة المميزة وسط الفتيات، حيث كان الاحتفال بسيطًا يجمع الفتيات فقط حتى تكونن على راحتهن، حينها دارت حول نفسها و هي تشعر بفرحةٍ غريبة لا تدري سببها، فسرتها هي عدم تواجده هنا لذلك شعرت ببعض الراحة في تجربة اشياءها المُفضلة لكنها تفاجئت بطرقاتٍ على باب الغرفة وهو يقول مستفسرًا: "هدير أنتِ صاحية ؟! أدخل؟" ابتلعت ريقها هي بتوترٍ ثم أخفضت رأسها تطالع هيئتها و جسدها العاري من الأعلى حينها اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدته يكرر الكرة من جديد و هو يقول بنبرةٍ أعلى من السابق: "طب أنا مش غريب بقى، أنا داخل يا هدير" شهقت بقوةٍ و قبل أن تبدي أعتراضها وجدته أمامها بعدما فتح باب الغرفة، لكنه تجمد مكانه حينما وجدها تقف أمامه بهيئتها تلك، بينما هي تورد وجهها بالكامل بحمرة الخجل من نفسها و من موقفها الغريب الذي وضعت نفسها به، بينما هو حرك جسده رغمًا عنه حتى يصل لها فوجدها تغلق جفنيها بشدةٍ، بينما هو مد يده ثم حرك شعرها للخلف بعدها عاد للخلف يطالعها بعينيه، و حينما لاحظت هي ابتعاده عنها فتحت عينيها بخوفٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة: "خليكي زي ما أنتِ متتحركيش، اقفي يا هدير كدا" حركت رأسها موافقةً بخوفٍ، بينما هو خرج من الغرفة يدخل الغرفة المقابلة لها، تعجبت هي منه فوجدته يركض لها من جديد بعد مرور دقائق و في يده كاميرا حديثة التصنيع، طالعته بدهشةٍ فوجدته يغمز لها ثم قال بنبرةٍ مرحة: "اللوحة اللي قدامي حرام عليا لو مصورتهاش، محدش يشوف الجمال دا كله و يسكت عليه" قال جملته ثم التقط صورًا لها و هي كما هي على وضع سكونها، بينما هو اقترب منها يقول هامسًا بهدوء: "أنا طول عمري بحب الصور الطبيعية اللي الناس بتبقى فيها واقفة بتلقائية، و أنا بصورك شوفتك زي عروسة البحر" رفعت عينيها تطالعه بأعين شبه باكية نتيجة خجلها، فوجدته يترك الآلة ثم سحبها خلفه للخارج حيث صالة الشقة، كانت تسير خلفه على استحياءٍ غير قادرة على مواجهته بسبب خجلها، بينما هو توقف في المنتصف ثم تركها و من بعدها توجه نحو الإضاءة المُضاءة يقوم بتقليلها، و من بعدها توجه نحو السماعات الموضوعة في الشقة يقوم بتشغيلها على إحدى الاغنيات الرومانسية، بينما هي كانت تطالعه بتعجبٍ من حركاته و ما يفعله، حتى كادت تجزم أنه أصيب بالجنون، لكنها تفاجأت به حينما وقف أمامها يقول بنبرةٍ هادئة من وجهه المُبتسم: "تسمحيلي بالرقصة دي يا هدير؟ و لو سمحتي حاجات كتير هتبدأ من الليلة دي، ممكن ؟!" حركت رأسها موافقةً على طلبه ثم عانقت كفه بكفها فوجدته يبتسم لها باتساعٍ ثم شرع معها في الرقص على كلمات الأغنية التي تمنى هو عدة مرات أن يرقص عليها مع شريكة عمره، و لكنه حتى الآن لم يقتنع أن من فاتت في عمره تعتبر زوجته، إنما تلك التي تقف أمامه هي حبيبته و شريكته و الليلة ستصبح زوجته إذا وافقت على حبه، انتظر حتى بدأت الكلمات وهي: "لمستك نسيت الحياة....و أنتَ اللي بحلم أعيش يوم معاه...و الليلة هي البداية و خليك معايا...دا عمري الليلة دي ابتدا.... لمستك نسيت الحياة....و أنتَ اللي بحلم أعيش يوم معاه....و الليلة هي البداية و خليك معايا.... دا عمري الليلة دي ابتدا" بعدها أدارها في يده عند تكملة الكلمات و ارتفاع اللحن وهي: "و لازم نعيش يلا قرب كمان... تعالى حبيبي لأبعد مكان....ننسى اللي ضاع من إيدينا نعيش بس لينا....خلاص اللي جوانا بان....و لازم نعيش يلا قرب كمان....تعالى حبيبي لأبعد مكان....ننسى اللي ضاع من إيدينا نعيش بس لينا....خلاص اللي جوانا بان" التفتت له من جديد تطالعه بعدة مشاعر مختلطة و هي تنظر في عمق عينيه فوجدته يطالعها بنظرةٍ تعبر عن صدق مشاعره تنافي تلك التي اعتادت عليها خائفة دومًا، كانا يتحركا على اللحن بانسيابية حتى عادت تكملة الكلمات: "سرحت بعيونك لفين؟!....أيوا أنتَ جنبي و هعيشلك سنين.....و حياتي قرب عليا....يا عمري و عنيا نعيش الحياة لو يومين.....سرحت بعيونك لفين؟!....أيوا أنتَ جنبي و هعيشلك سنين.....و حياتي قرب عليا....يا عمري و عنيا نعيش الحياة لو يومين.....و لازم نعيش يلا قرب كمان....تعالى حبيبي لأبعد مكان....ننسى اللي ضاع من إيدينا نعيش بس لينا....خلاص اللي جوانا بان.....و لازم نعيش يلا قرب كمان....تعالى حبيبي لأبعد مكان.... ننسى اللي ضاع من إيدينا نعيش بس لينا خلاص اللي جوانا بـــان" عند الكلمة الأخيرة لفها من جديد بذراعيه و هي تتنفس بصعوبةٍ تود البكاء الآن، فمن المستحيل أمام نظرته تلك و مشاعره يكون غير مُحبًا لها، إذا توهمت بذلك ستبكي قهرًا، فهي الآن تحلق فوق السماء تشبه الطير الذي حُرر لتوه من القفص، بينما هو استطاع رؤية خوفها و تخبطها لذلك سحبها نحوه حتى التصقت به و هي تطالعه بقلقٍ فوجدته يميل برأسه نحو أذنها وهو يقول هامسًا بانتشاء: "هدير أنا بحبك..." صعقت هي من جملته التي تمنتها مرارًا و تكرارًا لذلك ابتعدت عنه تطالعه بدهشةٍ من عينيها الدامعتين، فوجدته يستطرد حديثه بنفس النبرة وهو يتابع عمق عينيها الصافية: "بحبك و مش عاوز غيرك معايا في الدنيا دي، أنا جايلك مهزوم من كل الحروب، خليكي أنتِ السلام ليا و لقلبي، زي ما كنتي النور وسط الضلمة" رغمًا عنها وجدت دموعها على وجنتيها تأثرًا من حديثه، فوجدته يضيف من جديد: "العمر اللي هيبدأ النهاردة أنا هعتبره عيد ميلادي يا هدير، هتبقي الانتصار الوحيد اللي قلبي حس بيه وسط الهزايم، متسكتيش كدا و ردي عليا ، موافقة ؟!" سألها بترقبٍ و خوفٍ من رفضها ذلك الحب، فوجدها تحرك رأسها عدة مرات بموافقةٍ، حينها طالعها بدهشةٍ فوجدها تقول بنبرةٍ باكية: "موافقة يا حسن، و دا من حظي حبك دا، صدقني أنا كنت مستنية حبك علشان يحييني من تاني، زي ما كنت سبب في كل حاجة حلوة حصلت ليا" سألها هو بلهفةٍ: "يعني أنتِ بتحبيني؟" اقتربت منه وهي تحرك رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ تغلب عليها العاطفة: "لو مش واخد بالك تبقى أهبل يا حسن، لو مش واخد بالك من عيني اللي بتطمن لما تشوفك و لا من قلبي اللي بيدق لما تقرب مني، و لا من حالي اللي اتشقلب بسببك، حُبك مش بإرادتي، زي البحر و غرقت فيك" احتضنها هو فجأةً وهو يقول بنبرةٍ مندهشة غير مُصدقًا حديثها الذي أحياهُ من جديد: "و أنا دلوقتي هاين عليا أخطفك و أهرب بيكي من الدنيا كلها، هدير أنا عاوزك معايا علطول مراتي و صاحبتي و بنتي و كل الدنيا و عاوزك تكوني أم عيالي موافقة؟" حركت رأسها موافقةً بخجلٍ بعدما ابتعد عنها هو يطالعها بأعين تتوق للإجابةٍ تثلج نيران الروح و تُشفي ندوب القلب، فسألها هو بحذرٍ: "ساعتها مش هتمشي من هنا و لا مسموحلك تسيبيني، هنبقى زي أي اتنين في الدنيا زوج و زوجة أنتِ فهماني؟" حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ هادئة: "يا بختي يا حسن لو أنتَ هتبقى أب لعيالي، و عاوزة أطلب منك طلب، عاوزاك تفضل زي ما أنتَ معايا كدا، خليك أنتَ الحاجة الصح اللي أفضل اتباهى طول عمري" اقترب منها يقبل جبينها قبلةً طويلة ثم قال بنبرةٍ مرحة: "طب يلا نصلي بقى علشان نبدأ صح بكرم ربنا علينا، اعتبريها ليلة فرحنا يا ستي" حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ هادئة: "من بدري و أنا نفسي أصلي وراك أوي يا حسن، بس بتكسف أطلب منك" رد عليها هو مُعقبًا: "كل دا هيتغير من الليلة دي، كل حاجة هتبقى من غير كسوف يا هدير، أنا حبيبك مش عدوك، أطلبي نجوم السما أجبهالك، مع أني معايا واحدة منهم قصادي" ردت عليه هي بحنقٍ طفيف: "بقولك إيه بقى مش علشان اعترفت هتستحلاها، أنا مبعرفش أقول كلام حلو، بس مسموحلك عادي علشان تعود فترة الاستهبال اللي فاتت" ابتسم هو لها ثم قال: "طب يلا ادخلي غيري هدومك و اتوضي علشان أصلي بيكي يا هدير" حركت رأسها موافقةً بحماسٍ ثم ركضت من أمامه نحو الداخل، بينما هو تنفس بعمقٍ ثم أغلق عينيه وهو يتذكر هيئتها و هي ترقص بين يديه و نظرتها التي اعترفت له بحبها مما شجعه على ذلك الاعتراف و هو ينوي بداية حياته من الليلة عازمًا على ترك الماضي و الخطى نحو المستقبل معها هي فقط. ________________________ في بيت آلـ «الرشيد» كان «وليد» جالسًا مع «أحمد» يقص عليه ما حدث الليلة و طلب منه بخجلٍ طفيف: "مش عاوزك تفهمني غلط، بس عاوزك تركز مع عمار يا أحمد، الواد دا خام أوي، ميغركش شياكته و شكله دا أبيض أوي" سأله «أحمد» بتعجبٍ: "دا أعمله إيه بقى ؟! هاته يشتغل معايا أنا و حسن و هو هينطق بعد كدا، بس هو متربي زيادة عن المطلوب، في زمن عاوز شمامين" حرك «وليد» رأسه موافقًا وهو يقول بسخريةٍ: "هو و عامر مش راكبة يكونوا أخوات، تحس إن العلاقات عندهم فيها حاجة غلط، عامر المفروض يكون ابن عم رياض، و عمار أخو ياسين و ياسر يبقى عصبي و خالد المفروض يكون توأم ياسين في الشكل، شلة غريبة" رد عليه «أحمد» بنبرةٍ ضاحكة: "بس رجالة و الله، بحب وقفتهم في ضهر بعض رغم إنهم غرب عن بعض، يعني إحنا ولاد عم و حسن متربي وسطنا، لكن هما صحاب، بس حلوة فكرة إنهم يضمونا سوا دي" ضحك «وليد» بقوة وهو يقول: "أنتَ لسه شوفت حاجة؟! احضر معاهم حنة شعبي كدا و لا روح معاهم ملعب الكورة هتلاقي حياة تانية خالص" ابتسم «أحمد» بشدةٍ ثم تنهد بعمقٍ، لاحظ «وليد» حالته فسأله بتعجبٍ: "مالك يا عم أحمد ؟! شايل الهم مرة واحدة ليه؟" رد عليه بنبرةٍ خافتة: "خايف أكون مستني و بعافر على الفاضي، خايف أزهق من الانتظار، خايف الحاجات اللي سبتها أرجع ليها تاني" سأله «وليد» بترقبٍ: "حاجات إيه ؟! قصدك حياتك القديمة؟" حرك رأسه موافقًا ثم قال: "صحابي و الكافيهات و البنات اللي كنت عارفهم في الجامعة، بس أنا سِبت كل دا لما حسيت أني بحب، و طلعت أعمى و مختار غلط، بس لما اتأكدت من اللي بحبها، بقيت بحب اللي بعمله، حابب اتغير علشانها، حابب أكون واحد يستاهلها، كل ما افتكر أني كنت بجيب سيرة منة قصادها من غير ما أراعي شعورها بحس أني عاوز أروح أعتذر ليها" سأله «وليد» بتعجبٍ قاصدًا استفزازه: "دا أنتَ بتحبها بجد بقى، كنت فاكرك بتتسلى شوية" رد عليه هو بنبرةٍ جامدة ممتزجة بحنانه: "لأ طبعًا إيه الهبل دا ؟! بحبها بجد و بحب نفسي الجديدة علشان هي حبتها، حابب إنها فخورة بيا و حابب إني اتغيرت علشانها هي، الحب بيغير يا وليد، أنا كنت مش لاقي حاجة أعملها و علطول قاعد في الكافيه و مقضيها، بس لما حسيت أني عاوز آخد خطوة جد لقيت نفسي بتغير واحدة واحدة، أنا عاوز بس حاجة تأكدلي إنها هتبقى ليا، عاوز حاجة تقولي كمل زي ما أنتَ، لو ركزت هتلاقيني أكتر واحد هنا تايه" احتضنه «وليد» وهو يقول بعاطفةٍ أخوية: "لأ أنتَ مش تايه، أنتَ بس مستعجل يا أحمد، بس صدقني ربك كريم و كرمه و جبره عظيم، كل ما تتعب كل ما تدوق هنا و فرح، أنا أهو قدامك، عمري ما اتخيلت أني أعرف افرح من قلبي، بس ربنا كرمني و رزقني باللي أنا عاوزه و الشهادة لله أكتر من اللي أستحقه كمان، متخافش أنتَ صح، كمل بس زي ما أنتَ" ابتعد عنه «وليد» ثم قال بنبرةٍ هادئة: "ربنا يباركلي فيك و تفضل علطول معايا، رغم إنك منفضلي بقالك شوية حلوين، بس أنا مكبر بمزاجي خلي بالك" رد عليه «وليد» بمرحٍ: "عيب عليك و أنا عمري نسيتك؟ دا أنتَ الغالي و أقرب حد ليا يعرف كل المصايب بتاعتي، كل الحكاية بس أني بدور على وليد تاني ضاع مني، و مستنيه يرجع" ابتسم له «أحمد» وهو يقول: "ربنا يجمعك بيه على خير، أنا هنزل بقى أنام علشان الشغل بكرة، هتنزل و لا قاعد شوية؟" رد عليه بهدوء: "أنا قولت لخلود تجبلي أكل و تطلع علشان عبلة نايمة، اقعد كل معايا و ننزل بعدها" رد عليه و هو يتثأب: "لأ بألف هنا....و شفا، أنا هنزل أنام علشان طارق قالي أوصل جميلة و خلود بكرة، تصبح على خير" أومأ له موافقًا وهو يتابع تحركه من أمامه ثم سحب الكتاب الموضوع بجواره يقرأ به كعادته يغرق بين صفحات الكتب يجد بها ما يسع ذهنه و يشرح قلبه و يقوم فكره، لطالما كانت الكتب له حياةٍ أخرى يعيش بها، و أبان انغماسه في القراءة وجدها تضع الصينية أمامه وهي تقول بمرحٍ: "شوية محشي عمايل إيد أمي و أمك يستاهل بوقك و الله يا ليدو، و حطيتلك الفراخ في الفرن تتشوي و جبتلك زيتون و طلعتلك مانجا مخصوص علشان عيونك" رد عليها هو بضجرٍ من طريقتها: "أنتِ هتذليني يا خلود ؟! خلصي جعان، و بعدين دا مش علشان خاطر عيوني أكيد" ردت عليه هي مقررةٍ تحولت للتوسل: "طبعًا، دا علشان تقولي حصل إيه مع عمار، ارضي فضولي أبوس راس أمك مروة" حرك رأسه نفيًا حتى يثير حنقها فوجدها تقول بترجي: "علشان خاطري قولي، البت دي عملت إيه فيكم؟ ريحني بقى" تنهد هو بعمقٍ ثم سرد عليها ما حدث بإيجازٍ دون التطرق للتفاصيل الغير هامة، كما أنه أخفى عليها ما حدث الليلة، بينما هي بعدما استمعت له سألته بتعجبٍ ممتزجًا بحنقها: "و هو عمار دا أهبل ؟! ساكت عن حقه و سُمعته علشانها؟ ليه إن شاء، تخصه في إيه علشان يعمل كدا؟" طالعها «وليد» بخبثٍ وهو يقول: "و أنتِ مالك زعلانة كدا ليه؟ أصلًا كان احتمال يكون فيها مشروع خطوبة" ردت عليه هي بضجرٍ: "إيه !! مشروع إيه يا بابا؟ خطوبة من مين إن شاء الله؟" رد عليها هو ببساطة: "مشروع خطوبة من سمية دي، أخوها قال إن الحق يرجع بأنه يخطبها علشان يتأدب، بس عدت على خير" شعرت هي بغيرةٍ لا تدري سببها من الأساس، و لكنها منذ علمها بما حدث له وهي تفكر به و بحالته خصيصًا أن مواعيد دروسها لا تناسب مواعيده المسائية غير يومي الأربعاء و الخميس، بينما «وليد» أمعن النظر بها و بشرودها فقال بنبرةٍ جامدة: "روحتي فين ؟! يا خلود ياما !!" ردت عليه هي بتعجبٍ: "ها !! أنا أهو معاك هروح فين يعني، المهم الموضوع خلص على خير و أنتو كويسين؟" حرك رأسه موافقًا ثم أضاف: "هو كويس الحمد لله، و اطمنت عليه و روحته بيته، عمار راجل ميتخافش عليه، متربي على أصول تمشي بلد كاملة، اللي زي دا يتضربله تمثال، لو عندي اخت مش هعزها عليه و الله" سألته هي بنذقٍ: "و الله ؟! أنتَ هتستهبل؟" رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة: "بصراحة آه، الواد كله شهدله بأخلاقه و رجولته و كلهم بيحلفوا بيه، عمار رفع راس أخواته كلهم يا خلود" ردت عليه هي بلامبالاةٍ زائفة: "طب و أنا مالي ؟! ربنا يكرمه إن شاء الله" _"بيكي، عمار مش عاوز غيرك يا خلود، بطلي طريقتك دي كأنك مش فارق معاكي" رد عليها هو بنبرةٍ جامدة بحديثه ذاك، بينما هي اندهشت من صراحته فوجدته يقول مفسرًا: "عارف إنك صغيرة و عارف إنك هتكابري مع نفسك، و عارف إنك مش مراهقة و كل الكلام اللي في بالك دا، بس بلاش تتصنعي الجمود" ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة: "و أنا مش بسأل علشان عمار بعينه، أنا بتكلم في العموم على موقف أي حد شهم عمل زيه" سألها هو بسخريةٍ: "بجد !! و الله حلو دا؟ معنى كدا لو عمار دا جه اتقدملك مش هتوافقي؟" ردت عليه بمنتهى الثبات: "لما يجي وقتها إن شاء الله يحلها ربنا، دا لو أنا وافقت يجي يتقدم يعني؟" ابتسم هو لها ثم قال بنبرةٍ هادئة: "لو وافقتي ؟! الواد دا شكله هيتعب معاكي أوي يا خلود" حركت رأسها موافقةً على مضضٍ ثم أضافت بنبرةٍ مرحة: " دا بيشوفني بيتلخم يا وليد ؟! مين اللي المفروض فينا يتلغبط؟" رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة: "ما علشان أنتِ جاحدة يا خلود، هو من إمتى فيه حاجة بتأثر فيكي؟ طول عمرك مشاعرك جامدة" ردت عليه هي تفسر وضعها: "لأ، أنا عملية مش أكتر، كل حاجة عندي في وقتها الصح، و أنتَ اللي معلمني كدا يا وليد" ابتسم لها بسخريةٍ وهو يقول: "علمناهم الشحاتة، أهو دلوقتي أنا اللي محتاج افتكر كلامي دا علشان شكلي نسيته". _________________________ في شقة «عمار» استيقظ قبل الفجر و هو يشعر بنيران تخيم على صدره، كلما تذكر ما مر به اليومين الماضيين شعر بالضيق من نفسه و من طريقته، فحتى بعد انقاذ سمعة تلك الفتاة، حاول أحدهم الغدر به، لذلك ارتدى ثيابه ثم خرج من الشقة بأكملها يتوجه إلى ذلك المكان الذي كلما تاه بين دروب الحياة لجأ إليه، وقف أمام المسجد يتنفس الصعداء و هو يشعر براحةٍ تجتاحه، ثم دلف بهدوء فوجد الشيخ «أيوب» يجلس بجانب المنبر يقرأ القرآن بصوته العَذب و كأن تلك الرسالة القُرآنية أتت له تجاوب على أسئلته حينما قرآها الشيخ أيوب، قال تعالى: ﷽ ﴿ ۞ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ۝ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ۝ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ ﴾ | سورة: آل عمران ، الآيات من ﴿١٨٦ إلى ١٩١﴾ بكى رغمًا عنه و هو يستمع للآيات القرآنية التي زلزلت ثباته و كيانه، بينما الشيخ «أيوب» التفت ينظر خلفه حينما شعر بصوت أحدهم خلفه، فوجد «عمار» يجلس و دموعه تنهمر على وجنتيه، اقترب منه وهو يقول بوجهه البشوش: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا عمار، مالك بس" مسح «عمار» دموعه ثم قال بصوت متحشرج نتيجة دموعه: "و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ أيوب، الحمد لله أنا كويس" ابتسم له و هو يقول بنبرةٍ هادئة: "يا رب دايمًا بخير يا عمار، بس وجودك هنا دلوقتي بيأكد إنك تعبان و شكلك باين كمان" حرك رأسه موافقًا ثم تنفس بعمقٍ و بعدها سرد ما حدث له دون أن يمس سمعة الفتاة، هو فقط قص عليه مركز الحوار و ما صار معه بعد ذلك، أنهى حديثه ثم تابع من جديد: "كل الحكاية أني توهت و احتارت و خوفت، طول عمري ماشي جنب الحيط و أنتَ عارفني، ليه الضرر يصيبني و أنا مغلطتش؟" رد عليه هو ببسمةٍ هادئة: "علشان دا اختبار من ربنا سبحانه و تعالى يا عمار، أنتَ صبرت و تحملت و لحد أخر لحظة كنت مؤمن بقضاء ربنا و رحمته عليك إنه مش هيخذلك، وثقت فيه و في كرمه عليك، و الحمد لله براءتك ظهرت و رفعت راسك تاني، يبقى ليه تتعب نفسك؟ و أنتَ ليك رب رحيم و كريم أحن منك على قلبك" رد عليه بنبرةٍ تائهة: "و دا كان ليه من البداية؟ أنا في حالي مليش علاقة بيهم، اتفاجئت بنفسي متهم و متحرش و عيلة كاملة عاوزة تاخد حقها مني، أنا اللي شوفته كان صعب عليا أتحمله" حرك رأسه موافقًا ثم أضاف: ربنا سبحانه و تعالى إذا أحب عبدًا ابتلاه، حتى تؤجر على بلاءك دا يا عمار، المؤمن الصادق بيؤجر على كل حاجة بتتعبه، حتى الشوكة لو غزتك بتاخد أجر عليها، المؤمن بياخد أجر على كل حاجة يا عمار بتحصله، حزنه و زعله و ثقل همه و كل آهٍ يأنِ بها، إحمد ربك إنك مبتلى، غيرك عايشين في نعم كتير و ناسيين ربنا، حتى الشيطان زين أعمالهم و هما، الحمد لله يا عمار إنك خدت أجر و ثواب على حاجة كانت إشارة ليك إنك في طريق الحق" ابتسم له «عمار» رغمًا عنه فوجده يقول بنبرةٍ هادئة: "السكينة مدبحتش سيدنا إسماعيل، و النار محرقتش سيدنا إبراهيم، و البحر مغرقش سيدنا موسى و الحوت مأكلش سيدنا يونس، إنما هي إرادة ربنا فوق كل شيء يا عمار، تذكر قوله تعالى: ‏﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ربنا سبحانه و تعالى هو من يملك الحكمة و القرار، سلم نفسك لكرم ربنا و رحمته عليك و أنتَ هتعرف إنك في طريق النعم و اصبر على الابتلاء و ارضى بقضاء ربنا، و أحمد ربك في السراء و الضراء يا عمار، و افتكر كل ما يجي من عند ربنا سبحانه وتعالى هو رحمة و خير لقلبك"

تعليقات



×