رواية جمرية الصقر الفصل الثاني
كانت هناك عيون حادة تراقب جمريه من بعيد، عيون صقر التي لا تخطئ، تتابع كل ما يحدث.
صقر، الرجل الصعيدي في الثلاثين من عمره، يحمل هيبة أكبر من سنه، ووقارًا يجعل الكل يثق فيه. كان هو كبير كفر الصايغ، بعدما ورث القيادة عن والده الذي اعتزل الدنيا واكتفى بالعبادة. صقر رغم صغر سنه كان رجلًا بمعنى الكلمة، وملاذًا لكل من حوله، وكان أيضًا الصديق الوحيد والمخلص ليوسف، شقيق جمريه الوحيد .
صقر كان يتذكر جيدًا آخر لقاء بينه وبين يوسف، عندما جاءه يومًا ليحدثه عن أمر مهم.
( فلاااش بااك)
صقر: خير يا صاحبي! جلجتني من كتر كلامك إنك عايزني ضروري. في حاجة حصلت؟
يوسف: اسمعني ياصجر زين انا ياصاحبي كنت ظالم ابوي لكن عرفت متاخر
صقر: متأخر إزاي؟ فهمني يا يوسف، أنا مش فاهم حاجة.
يوسف تنهد وكأن الكلمات ثقيلة على لسانه، ثم قال:
يوسف: هاجولك اهو فاكر لما كنت بجولك امي كانت بتجولي ان ابوي مراضيش يبعتلي مصاريف ولا حاجه وكانت امي وجوزها بيعاملوني معامله زينه وكان جوز امي بيعاملني زي عمار ولده بظبط
صقر: فاكر طبعًا، وانا وقتها جولتلك انا ممطمنش لامك وجوزها ؛ الحج حمدان نجعكم كله بيشكر فيه هياجي على ولده ويعامله وحش
يوسف: ما انا للاسف ياصاحبي فهمت متاخر
صقر: فهمني طيب ايه الي حصل
يوسف بدأ يحكي ما حدث:
يوسف: امي وجوزها كانو بيكرهوني في ابويا وانا كنت بمشي ورا كلامهم لحد ما كرهت ابويا لكن عاشيه كنت نايم وصحيت كانو عيتحددتو ومش واخدين بالهم اني صحيت
زبيدة : لولا المصاريف والحاجات اللي بيبعتها حمدان، كنا شحتنا. معرفاش ليه يا أمين أنت مش مراضيش تشتغل.
أمين : بجولك ايه متعمليش فيها الطيبه انتي مجعده يوسف معاكي بس عشان الي بيبعته ابوه وعشاه عارفه ان كده كده حمدان مريض بالكلى وهيموت في اي وجت وكده كده يوسف واد وحيد انما بتك صغيره وانتي بتقربي ليوسف ومقرابه منك جوي عشان لما يموت حمدان تحطي يدك على كل حاجه ...
زبيده :هو انا بعمل كده لنفسي بس مهو ليك انت كمان
امين: يبقى متجوليش اشتغل ومتشتغلش يعني هو كان حمدان عيبعت قليل
زبيده: طب جفل على الحديت ده للواد يصحى ويسمعنا
يوسف وقف مذهولًا ، يشعر كأن قلبه قد انكسر من صدمة الحقيقة. أكمل حديثه مع صقر:
يوسف: وقتها حسيت قد إيه كنت ظالم أبويا. كل كلمة كنت بسمعها كانت زي السك ** اكين في جلبي. أنا اللي كرهت أبويا وصدقت كلامهم.
صقر: يا ساتر يا رب! إيه الشياطين دول هما خططو لكل حاچه ونسيوا ان الاعمار بيد ربنا سبحانه وتعالى طب إنت ناوي تعمل إيه دلوقتي
يوسف: انا كده كده ناوي اسافر اشتغل في اطاليا
صقر: متجعد ياصاحبي جار ابوك واختك وخد بالك منهم
يوسف: والله ياصاحبي ماجادر ابص في وش ابوي
صقر: اجعد بس راعي حالكم مع ابوك وابوك طيب وعمره ما يزعل منك
يوسف: انا كرهت البلد دي وعايز امشي بس عايز امنك امانه ياصاحبي
صقر: عيني ليك يايوسف
يوسف: عايزك تخلي بالك من ابويا واختي وتابعهم من بعيد لبعيد احنا ملناش حد بعد ربنا غيرك واي حاجه عفشه تحصل اتدخل على طول واتصل بيا اچي
صقر: عيني ياصاحبي بس هدخل بصفتي ايه انت عارف ان محدش عارف عن صحوبيتنا حاجه انت من نجع وانا من نجع
يوسف اعطى الحجاب اللي كان متعلق بيه على طول ويسلمه لصقر.
صقر: إيه ده يا يوسف؟
يوسف: جدتي فاطمه كانت عامله 3 احجبه واحد لابويا وواحد لجدي وواحد ليها ابويا خد الحجاب بتاع جدي واداني الحجاب بتاعه وادى حجاب جدتي فاطمه لجمريه
صقر: طب وبتدهولي ليه ياصاحبي
يوسف: عشان لو حصل اي حاچه تروحلهم بالحجاب هيعرفو انك انت من طرفي لان ابوي موصيني مجلعش الحجاب ده خالص .. اوعدني ياصجر انك تحافظ عليهم
صقر: اوعدك ياصاحبي اني احافظ عليهم لغاية مترجعلنا بالسلامه ..
بقولك يايوسف لاخر مره خليك هنا وسط اهلك وناسك وانا هنا جارك
يوسف: انت متعرفش انا كنت بتعارك مع ابويا وجمريه ازاي لما كانو بيقولولي مروحش لامي ..
صدقني ياصجر والله ماجادر ابص قي وشوشهم ياصاحبي... اتاري جمريه كان معاها حق لما كانت بتدافع عن ابويا .. معلش ياصاحبي سبني اعمل الي في راسي وزي ما وعدتني خلي بالك منهم
صقر: خلاص يايوسف مش هضغط عليك تاني اتوكل ع الله وانا هخلي بالي منهم
يوسف يحتضن صقر بقوة.
يوسف: ربنا يخليك ليا يا صاحبي. أول ما أوصل اطاليا هجيب خط جديد وأكلمك على طول.
وفعلًا، يوسف سافر واتصل بجمريه أول ما وصل
يوسف: سامحيني يا جمريه، أنا غلطت كتير في حقك وفي حق أبويا. طمنيني على أبويا وقولي له أنا بحبه وهعوضه عن كل حاجة.
جمريه ردت بصوت مختنق من العياط:
جمريه: ربنا يرجعك بالسلامة يا حبيبي.
بعد ذلك، تواصل يوسف مع صقر عبر الهاتف ليخبره بوصوله إلى إيطاليا، و اعطى له عنوانه للتواصل. ولكن، بعد فترة من ، انقطعت أخبار يوسف تمامًا، ولم يعد أحد يعرف عنه شيئًا.
-----------------------------------------------------
(الحاضر)
صقر: يا ترى إيه اللي حصل لك يا صاحبي؟ وفين أراضيك؟ مفيش حد من اللي يعرفوك شافك ولا سمع عنك حاجة. لازم أسافر وأشوفك، لكن طب وأخته جمريه؟ يارب دلني على الصح.
يفكر شوية ويقول:
صقر: انا احسن حاجه اني اسافر واخلي زيدان هو راجلي وبثق فيه ياخد باله منها
صقر بالفعل جهّز نفسه للسفر إلى إيطاليا، بعد أن أتمّ كافة الترتيبات اللازمة في كفر الصايغ. عهد بإدارة شؤون الكفر إلى عمه عباس، وطلب من زيدان أن يتولى مراقبة جمريه وحمايتها في حال حدوث أي شئ لها.
------------------------------------------
بعد ثلاثة أيام في منزل الصياد
عندما أفاقت جمريه من صدمة وفاة والدها، بدأت تبحث عنه في كل أرجاء المنزل دون أن تجده، وانهارت بالبكاء على رحيله.
زبيده (تتظاهر بالحزن): خلاص يا بتي، ارحمي نفسك، وادعي له بالرحمة.
أمين (ممثلًا الحزن): جلبي معاكِ يا بنتي.
جمريه (بطيبة): ربنا يبارك فيك يا عمي، ما جصّرتوش.
زبيده (بتمثيل): خلاص يا أمين، يلا بينا نرجع بيتنا. الواجب خلص وجطعنا للنرحوم، نجعد نعمل إيه هنا؟ مش معقول نفضل جاعدين في بيتهم.
أمين (بلؤم): بس يا أم يوسف، مش هنسيب جمريه لوحدها.
زبيده: معاك حق، بس لو قعدنا الناس هتتكلم وتقول إننا ما صدقنا نجعد في البيت بعد ما المرحوم مات.
أمين: طيب، الحل إننا ناخد جمريه معانا. ما يصحش نسيبها لوحدها.
زبيده: كلامك عين العقل يا أمين.
جمريه: أنا ما أقدرش أسيب بيت أبويا، كتر خيركم.
زبيده (بتمثيل القلق): زي ما يريحك يا بنتي، لكن أنا جلبي مش مطمن عليكِ وانتي لوحدك.
جمريه (بطيبة): خليكم جاعدين معايا، البيت بيتكم. محدش ليه حاجة عندنا.
زبيده وأمين تبادلا النظرات بارتياح داخلي، وقال أمين:
أمين: اللي يريحك يا بتي إحنا هنعمله، يهمنا راحتك.
في هذه الأثناء، يدخل عمار حاملًا طعامًا كثيرًا:
عمار: يا أما زبيده، أنا جبت أكل كتير. يلا ناكل سوا، يلا يا جمريه، لازم تاكلي معانا.
جمريه: معلش، مليش نفس للأكل. كلو بالهنا والشفا.
عمار: إحنا ما نقدرش ناكل لوحدنا، لازم تاكلي معانا.
جمريه: المرة دي سامحوني، المرات الجاية كتير. عن إذنكم أروح اطلع أرتاح شويّة.
------------------------------------------
بعد أن صعدت جمريه إلى غرفتها، بدأ أمين وزبيده الحديث:
أمين: اسمع يا عمار، لازم تخلي البت تحبك وتتجوزك. كده العز ده كله هيبقى بتاعنا.
زبيده: كلامك صح، لازم العز ده كله يبقى ملكنا . يوسف سافر، وما حدش عارف إذا كان هيرجع.
عمار (بثقة): ولا يهمكم، أنا هخليها تصحى وتنام تجول عمار.
أمين: بس بطّل اللف ورا الغوازي في الموالد.
عمار: ما خلاص بقى يا بوي ياتسبني براحتي يا مليش صالح بالحديت ديتي ولا البت جمريه فكر وجولي رئيك
أمين: ماشي، بس خلّص دورك بسرعة.
عمار: طب هاتوا فلوس، رايح أسهر مع أصحابي.
أمين: أجيب لك منين؟
عمار: خلي مرتك تديني.
زبيده: ما تخافش، أنا هديلك اللي تحتاجه.
أمين: ومنين جبتي فلوس؟
زبيده: خدتهم من جمريه وهي مش واخدة بالها. قلت لها إننا محتاجين فلوس للواجب، وادّتني مفتاح الدولاب دولابها في شئ وشويات
عمار (بخبث): حبيبتي أنتِ يا مرات أبويا.
أمين: وأنا كمان عايز فلوس أمشي حالي.
زبيده أخرجت عشرة آلاف جنيه، وناولتها لعمار:
زبيده: خد دول، ولما يخلصوا هديك تاني، بس توقع البنت وتتجوزها.
أمين: وأنا كمان زيّه.
زبيده: حاضر، عينا ليكم وانا ليا بركه غيركم
--------------------------------------------
في المقهى
ذهب عمار ليسهر مع أصدقائه، وبمجرد وصوله أعلن:
عمار: طلبات القهوة كلها عليّ، يا معلم.
صاحب المقهى: على راسي يا عمار بيه.
همام (أحد أصدقائه): شكل العمليه لعبت معاك ماتاجي بينا نروحو نتفرجو على البت محاسن الغازيه
عمار (بتحذير): اتحشم يافرخ انت وهو انتو عارفين اني بحبها وبغير عليها محدش فيكو يجيب سيرتها على لسانه تاني
همام: مش انت هتتجوز البت بنت مرت ابوك
عمار: لا ده بس عشان الي وراها اما محاسن هي الي في القلب يومين اخد فلوس من مرت ابوي واجبلها هديه زينه
همام ومسعد (ممازحين): ماشي يا عمدة.
عمار: استنوا بس، جريب هبجى كبير نجع الصياد بحاله.
------------------------------------------------
في منزل الصياد
كانت جمريه تجلس وحدها في غرفتها، تحيط بها ذكرياتها مع والدها. دموعها لم تتوقف منذ رحيله، ولكن فجأة توقفت عن البكاء ومسحت دموعها بيدها، قائلة لنفسها:
"أنا كده ما بفيدش أبويا بحاچة. بدل ما أجعد أبكي، أصلي وأقرأ قرآن وأدعي له. أبويا دلوقتي في الجنة بإذن الله، أكيد شايفني. لو شافني ببكي هيزعل عليا، لكن لو شافني بصلي وبقرأ قرآن هيكون فرحان بيا جوي. الله يرحمك يا بوي، كنت دايمًا تقول لي إن الدعاء والقرآن هم اللي هينفعونا في الآخر."
وقفت جمريه، وتوجهت إلى سجادة الصلاة. بدأت تصلي بخشوع، وكل ركعة كانت مليئة بالدعاء لوالدها. بعد الصلاة، فتحت المصحف وجلست تقرأ منه بصوت هادئ مليء بالسكينة، وكأنها تستمد قوتها من الكلمات التي تقرؤها.
كانت تشعر أن روح والدها تملأ المكان، وأنه بجانبها يبتسم لها بفخر.
-------------------------------------------
في إيطاليا، تحديدًا في ميلانو
وصل صقر إلى ميلانو، وهو يعرف المدينة جيدًا بحكم عمله كرجل أعمال، حيث اعتاد السفر إلى هناك بين الحين والآخر. فور وصوله، توجه إلى الحي الذي يعج بالمصريين، وذهب إلى مكان إقامة يوسف حيث كان محمد، صاحب يوسف وزميله في السكن، والذي كان صقر دائمًا يسمع عنه من يوسف.
عندما وصل صقر إلى السكن، استقبله محمد بابتسامة حارة.
صقر: "إزايك يا ميمو؟ أخبارك إيه يا صاحبي؟"
محمد: "الحمد لله يا صاحبي، أخبارك إنت إيه؟ قلتلي إنك جاي، بس ما كنتش متوقع تجي بالسرعة دي."
صقر: "أخبار يوسف إيه يا ميمو؟"
محمد تلعثم للحظة، ثم رد بصوت حزين:
محمد: "بقالنا شهرين ما نعرفش عنه حاجة يا صاحبي."
صقر: "كيف يعني؟"
محمد: "مش عارف، هو كان كل يومين يختفي ويرجع تاني، لكن الفترة دي اختفى تمامًا، وتليفوناته كلها مقفولة."
صقر: "سألت عليه عند كل معارفنا وحبايبنا؟"
محمد: "أه، حاولت مع كل حد بس ما حدش عنده أي خبر." صح .. انت كنت جي ليه
صقر بحزن:عشان اقوله ان ابوه اتوفى
محمد: لا حوله ولا قوه الا بالله يوسف كان دايما بيقول نفسي انزل مصر بس انزل وانا حاجه كبيره عشان ابويا يسامحني
صقر شعر بالحزن، ثم قال:
صقر: "طب جهز نفسك الصبح، نسأل عليه في المستشفيات والأقسام وربنا يسترها."
محمد: "من غير ما نروح، أنا أعرف ناس هناك مسؤولين. هتصل وأمليهم الاسم. أنت ناسي إنني أشهر واحد بتاع بيتزا في إيطاليا كلها."
صقر: "ربنا يوفقك يا صاحبي."
---------------------------------------------
في الصباح
بعد أن اتصل محمد بمعارفه وأصدقائه المسؤولين، لم يتوصلوا إلى أي معلومات عن يوسف. كان واضحًا أن يوسف اختفى بشكل غامض، وهو ما أثار القلق بشكل أكبر.
محمد: "للأسف، يا صقر، مفيش أي أخبار. كل الناس اللي أعرفهم ما عندهمش فكرة عن مكانه."
صقر شعر بشيء من الإحباط، لكنه حاول أن يكون متماسكًا، وقال:
صقر: " مقدمناش غير السفاره ربنا يستر ونقدر نطمن عليه
كانت الأجواء مشحونة بالقلق، وصقر كان مصممًا على متابعة كل الخيوط للوصول إلى يوسف، مهما كلفه الأمر.