رواية جمر الجليد الفصل الثاني 2 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل الثاني بقلم شروق مصطفي

تراجعت مي بخوف وقلبها مضطرب، ثم ركضت وهي تناجي ربها: "ربنا يستر يا رب" حتى وصلت إلى أول الشارع.


اقتربت سيلا بحذر من السيارة ووقفت خلف عمود إنارة، لتفاجأ بمشهد مروع لم يخطر ببالها. حاولت إنقاذ الفتاة الواقعة بين أيدي ذئاب بشرية، لكن الوقت كان قد فات.


التقطت حجرًا من الطريق وألقته بقوة على السيارة محطمًا زجاجها. انتبه المعتدون وتركوا الفتاة، ثم وجهوا أنظارهم إليها. أحدهم نظر إليها بوحشية، وأمر رفيقه: "انزل هاتها بسرعة !"


هرع الآخر نحم لاً بغلظة: "تعالي يا حلوة، نحلي ! حاولت الهرب، لكنها شلت من الصدمة، وسقطت في قبضتهم…! 


… 

نظرت نرمين لمحسن بقلق وقالت:

"أنا خايفة على البنات يا محسن."


أجابها مطمئنًا:

"اطمني، أنا مش سايبهم. كلمت واحد صاحبي في الداخلية وكلف حد يأمنها. وكمان أحمد الأسيوطي بعتها لمهمة بعيد عن القضية."


لكنها ردت بانزعاج:

"بنتك عنادية، أكيد هتفضل وراهم، والعصابة دي مش سهلة."


تنهد محسن وقال:

"ارمي حملك على ربنا، وبكرة أطمن عليهم."


هزت رأسها محاولة طمأنة نفسها، لكنها عادت بذاكرتها لمكالمة الأمس، حينما هددها صوت غليظ عبر الهاتف:

"لو عاوزة بنتك تعيش، خليها تبعد عن طريقنا."


صرخت نرمين بفزع، مما دفع محسن للحضور. أخبرته بالتهديد وهي منهارة، فحاول تهدئتها:

"هكلم أحمد وأتصرف، بس إوعي تقولي لها حاجة."


وافقت بتردد، ثم دخلت مع زوجها للغرفة تحاول النوم، لكن القلق كان سيد الموقف.

… 


وصلت مي إلى أول الطريق وهي تركض والدموع تغمر وجهها. رأت شابين، فاستنجدت بهما بسرعة:

"الحقوني بسرعة، صاحبتي هتضيع! أرجوكم تعالوا معايا!"


هرعا معها إلى مكان الحادثة، ليُصدموا بالمشهد أمامهم.


في الوقت ذاته، كانت همسة تحاول إيقاظ سيلا من شرودها:

"سيلا، فوقي! خلاص وصلنا!"


استفاقت سيلا من ذكرياتها، تنهدت بعمق وأجابت:

"أنا صاحية، يلا بينا."

وصلت الفتيات إلى الفندق الذي تم حجزه مسبقًا بالقرب من الشركة الجديدة. عند وصولهن، لم تصدق همسة جمال المكان وقالت بحماس:

"واو! المكان خيالي جدًا، أكيد هبدع وأكسب المسابقة!"


ردت مي بسخرية:

"بدعي يا أختي، أما نشوف آخرتك أنتِ وأختك!"


لاحظت مي أن سيلا متضايقة، فقد كانت الأخيرة غير مهتمة بجمال المكان أو الرحلة. كل ما يشغل بالها هو إنهاء المهمّة والعودة سريعًا، ولم تفهم حتى الآن سبب مجيئها.


شعرت مي بضيقتها وقالت:

"يا بنتي فكي شوية! سيبيلي اللقاء، أنا أكتب أي كلام عن الافتتاح والكلمتين اللي هيقولهم صاحب الشركة. خلينا نستمتع بالمكان ده، ده حتى كأننا في جنة! بصي، حجزوا لنا يومين، نخلص ونمد يومين كمان على حسابنا!"


ضحكت همسة وقالت بحماس:

"وأنا معاكم!"


أما سيلا، فاكتفت بقولها بفتور:

"أجري من هنا أنتي وهي! أنا تعبانة وعاوزة أرتاح قبل ما نروح نشوف الشركة."


أمسكت هاتفها، طمأنت والدها على وصولهم، ثم اتجهوا إلى غرفهم في الفندق للاستراحة.

… 

وصل عاصم إلى الغردقة صباحًا، واستقر في فندقه لأخذ قسط من الراحة. بعدها قرر زيارة الشركة الجديدة، حيث اطمأن على استعداداتهم للافتتاح غدًا، وترك الوكيل يشرف على التفاصيل.


خرج للتنزه قليلاً، مستمتعًا بجمال البحر الذي بدا وكأنه يعكس حياته بموجاته المتلاطمة. وقف متأملًا، مسترجعًا ذكريات مؤلمة تركت أثرًا عميقًا في نفسه. قبض على يديه بشدة حتى ابيضت عروقه، ثم تنهد بحرارة وقرر العودة إلى غرفته للراحة.


التفت للرحيل، لكنه اصطدم فجأة بشخص! توقف للحظة وهو يتساءل أين رأى هذا الوجه من قبل.


توجهت الفتيات إلى الفندق للاستراحة قبل بدء تحرياتهُن عن الشركة الجديدة، وحجز موعد مع المدير، وحضور الافتتاح.


عند وصولهن إلى غرفتهن، قالت سيلا بإرهاق:

"أنا هنام شويه، بعدين ننزل."


ردت مي:

"وأنا كمان تعبانة، هنام جنبك شويه."


أما همسة، فقالت بحماس:

"لا، أنا هقعد في الفراندة وأرسم شويه لحد ما يغلبني النوم."


نامت سيلا مباشرة، بينما استلقت مي بجانبها. بعد ساعتين، استيقظت سيلا وحاولت إيقاظ مي وهمسة اللتين كانتا غارقتين في النوم. شعرت بالملل، فقررت تركهما، وبدلت ثيابها وأخذت كاميرتها، ونزلت للتنزه والتصوير على البحر.


بينما كانت تركز في التصوير، اصطدمت فجأة بشخص، مما جعل الكاميرا تسقط من يدها. نظرت إليها بدهشة وهمست:

"هو ده اللي كان ناقص!"


ابتسم عاصم ابتسامة غامضة دون أن ينطق، وهو يحاول تذكر مكان رؤيته لها من قبل.


تضايقت سيلا من نظراته وأسلوب ابتسامته، فصرخت بغضب:

"تصدق إنك معندكش دم وبتضحك؟"


دفعتْه بعيدًا عنها، ثم انحنت لالتقاط قطع الكاميرا المبعثرة دون أن تعتذر له.


عاصم، بهدوء، ابتسم بتكهن وتراجع بعض الخطوات إلى الخلف. لم ينطق، بل ترك المكان وهو يبتسم بخبث، ثم عاد إلى غرفته.


… 

عادت سيلا إلى غرفتها غاضبة بعد أن جمعت بقايا الكاميرا المكسورة. وجدت مي مستيقظة تتثاءب وتقول:

"أنا جعانة جدًا، تعالي ننزل ناكل."


لكنها لاحظت ملامح الحزن على وجه سيلا وسألتها:

"مالك؟ والكاميرا دي مالها؟"


ألقت سيلا الكاميرا على السرير وقالت بضيق:

"خرجت أتمشى شويه، خبطت في واحد مستفز جدًا، والكاميرا وقعت واتكسرت. مش عارفة فين شفته قبل كده."


ردت مي بمحاولة لتهدئتها:

"سيبيها عليّ، معايا كاميرا تانية خديها، ودي تتصلح أو تشتري غيرها بعدين. ما تزعلش نفسك."


ابتسمت سيلا وقالت:

"ميرسي يا مي، دايمًا عندك الحلول."


مي بابتسامة ساخرة:

"أكيد، أنا مش أي حد."


ضحكت سيلا وأمسكت وسادة لتضرب بها مي، ليبدأ بينهما شجار صغير بالوسائد. استيقظت همسة فجأة وسألت بارتباك:

"إيه اللي بيحصل؟"


ضحكت مي وسيلا وأكملا المزاح معها حتى شاركتهما اللعب والضحك.


بعد فترة، قالت مي:

"كفاية هزار، يلا قوموا ناكل، أنا جعانة جدًا!"


أجابتها سيلا وهي تضحك:

"ماشي، يلا نجهز وننزل."

..


عاد إلى غرفته، يتذكر وجهها. تلمعت عيناه بمكر عندما استعاد الموقف. لكنه لم ينسَ. والآن، القدر يعيدها إلى طريقه. "أهلاً بكِ في جحيمي مرة أخرى."


قبل خمس سنوات، يوم تخرج أخته، عاد عاصم من السفر ليحتفل معها. أثناء دخولهم بسيارتهم شارعًا ضيقًا قرب الجامعة، لاحظ حركة غريبة: سيارة متوقفة بشكل مريب، وفتاة تقف خلف عمود إنارة، تمسك بحجر، مستعدة لرميه.


أوقف عاصم أخاه بسرعة وهتف: "وقف العربية على جنب بسرعة."


سأله معتز باندهاش: "في إيه؟" فأشار عاصم نحو المشهد أمامهم.


نزل كلاهما من السيارة بحذر، يدرسان الموقف، مستعدين لأي تصعيد قد يحدث.


عاصم أشار لمعتز بالتوقف مكانه وتقدم نحو الفتاة بحذر، محاولاً منعها من الإقدام على أي فعل تندم عليه. لكنه لم يكن سريعًا بما يكفي؛ ألقت الحجارة في اللحظة ذاتها.


أسرع عاصم نحوها قبل أن تسقط في قبضة ذلك الشاب غريب الأطوار. أمسك بها وألقى نظرة خاطفة داخل السيارة ليفاجأ بشخص آخر يجلس بجوار فتاة شبه عارية بلا حراك.


تقدم معتز غاضبًا، ووجه للشاب ضربة قـ.وية أسقطته أرضًا، ثم انهـ.ال عليه بلكـ.مات متتالية حتى نزف أنفه وتراجع مذعورًا. لكن معتز لم ينتبه للشخص الآخر الذي خرج .. السيارة ممسكا بعصا كبيرة وضـر.بة على رأسه لإجباره على ترك زميله.


بينما كان المشهد يزداد توترًا، وصلت فتاة مع شابين آخرين. صُدمت بما رأت من اشتباك محتدم، وحاولت التدخل، لكن الأمر تحول إلى معركة شاملة بين الجميع. وسط هذا الفوضى، ركضت الفتاة نحو صديقتها المرتجفة، واحتضنتها بحنان بينما أجهشت الأخرى بالبكاء، مرعوبة من هول ما يحدث.


عاصم، ببرود وحسم، أمسك بالشخص الذي كان يحمل العصا، وأحبط محاولاته للتصعيد. بمساعدة أخيه، تمكنوا من تقييد المعتدين، وفرض السيطرة حتى وصلت الشرطة والإسعاف إلى الموقع.


أمر الضابط بجمع الجميع إلى قسم الشرطة لأخذ إفاداتهم. تم اقتياد الشخصين المعتدين والشابين الآخرين، فيما حرص الضابط على تسجيل التفاصيل اللازمة.


على جانب، تحدث عاصم مع الضابط بهدوء، وأوضح بعض النقاط قبل أن يتجه مع أخيه إلى سيارتهما. قبل أن يغادر، ألقى نظرة أخيرة نحو الفتاة التي كانت تحتضن صديقتها المذعورة، ثم شاهدها تُنقل إلى سيارة الإسعاف التي أخذتها بعيدًا. بدون كلمة أخرى، استقل السيارة وانطلق، تاركًا خلفه المشهد بما يحمله من أسئلة عالقة في الأذهان.


بينما كان عاصم ومعتز في طريقهما إلى قسم الشرطة، زفر معتز بضيق: "آخرها ندخل القسم علشان شوية بنات شمال، واحدة مع شابين في العربية، واحدة جايه مع شابين، والتالتة واقفة تتفرج، ولما لاقت إنهم هيتكشفوا نبهتهم برمي الحجارة. ده مسلسل حمضان، دي تاخد جائزة أحسن ممثلة! أنت مش بترد عليا ليه؟"


عاصم استمع بهدوء ولم يرد. أكمل معتز: "عجبك اللي حصلنا فيه ده؟"


رد عاصم بهدوء و برود: "هنعرف لما نوصل، أهدى شوية، واتصل بأختك، شوفها روحت ولا لأ."


معتز زفر مجددًا وأمسك بهاتفه ليبلغها بضرورة العودة للمنزل فورًا.


وصلوا إلى قسم الشرطة، ودخلوا مباشرة عند وكيل النيابة حيث شرحوا له ما حدث. بعد الإدلاء بأقوالهم، عادوا إلى المنزل. صعد معتز إلى غرفته ليرتاح قليلاً، بينما صعد عاصم إلى غرفة أخته ليطمئن عليها.


طرق الباب ودخل، ليجدها تنهي مكالمتها مع شخص ما. فسألها برفق: "عاوزة تروحي لمين يا حبيبتي؟"


: "ممكن توصلني للمستشفى؟ صاحبتي عملت حادثة وأنا عاوزة أطمن عليها."

بقلم شروق مصطفى قصص الحياة 

رد عاصم بهدوء: "حاضر يا قلبي، هغير هدومي وأجي أطلعك."


فرحت رودي وقالت: "ما تحرمش مني يا رب."


وصلوا إلى المستشفى، وهناك اكتشف أن شقيقته صديقة لإحدى الفتيات اللواتي كن في الحادثة.


بينما كان عاصم يفكر في الموقف، اهتز هاتفه فجأة، وكان معتز على الطرف الآخر: "أيوه يا عم، بتتفسح وسايبني لوحدي في الشغل؟ هقر عليك ."

حاول عاصم أن يبتسم بقدر الإمكان، وقال لمعتز: "قر براحتك يا عم، خلاص خلص الشغل اللي عندك بسرعة وتعالالي. نقضي يومين مع بعض، هستناك على الافتتاح."


أجاب معتز: "تمام يا ريس، هشوف الشغل الناقص هنا وأخلصه وأجي. يلا هسيبك بقى عشان أكمل شغلي، أنا بطمن عليك بس. يلا سلام."


"سلام." أغلق عاصم الهاتف، وأخذ نفسًا عميقًا. قرر أن ينزل إلى المطعم ليأخذ قسطًا من الراحة.


نزل من الغرفة في اتجاه المطعم، وقبل أن يدخل، لمحها هي واثنان آخرين. لمع في ذهنه فكرة ما لبداية لعبته. ابتسم ابتسامة خبيثة واقترب منهم بحذر حتى وصل إلى مسافة قريبة، ثم فجأة...

الفصل الثالث من هنا


تعليقات



×