رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التاسع والعشرون

مرحبًا بكِ عزيزة القلب.... ها قد أتت من أنارت عتمتة الدرب.
_________________________

جئتُ إلى هذا العالم و كأني أعاقب على ذنبٍ لا أعرفه، حُسبت على ذنوب الآخرين و طالتني يد الحزن حتى بات قلبي حزين، لا الأماكن تُشبهني و لا الأشخاص تعرفني، حتى غدوت أنا أُعاني مني، أنا من سار بين الناس جابرًا للخواطر، غَدوتُ الآن أبحث عن من يجبر بخاطري و يزيح عن قلبي آلامه، قلبي الذي إذا دُقق الوصف له، لا يشعر من منهما فوق الآخر، هو أم أن الأرض بأثقالها تجثو فوقه؟.

وضعت نفسها في مأذق بالفعل، لا تدري ماذا تفعل، هل تركض من أمامه أم تتصنع عودة صمتها من جديد، هكذا كانت تفكر «هدير» فيما وضعت نفسها به، بينما هو  أدرك أن تهورها أسعده و تسبب في راحته لكنه حينما لمح خجلها و توترها بتلك الطريقة حمحم بقوة ثم قال بثباتٍ و نبرةٍ جامدة:
"إن شاء الله، محدش عارف الخير فين يا هدير، يمكن"

تنهدت هي بعمقٍ حينما وجدته ينهي الحديث بتلك الطريقة و لم يتمادى أكثر به، حتى أنها ودت لو احتضنته في تلك اللحظة و حينما وصل تفكيرها إلى تلك النقطة صرخت تعنف نفسها بصوتٍ عالٍ:
"كمان !! دا أنتِ غبية"

طالعها الاثنين بدهشةٍ حينما صرخت تعنف نفسها، فتحدث الطفل يقول بنبرةٍ مرحة أن تحمل بين طياتها السخرية:
"هي طنط عبيطة يا عمو؟ دي بتشتم بنت مش موجودة و احنا راجلين معاها"

حركت رأسها للأسفل تنظر للصغير بملامح وجه خجلة منه، فتحدث «حسن» بخبثٍ مرح:
"و الله يا حبيبي طنط ست زي كل الستات، عندهم لَطة في نفوخهم، و احنا رجالة غلابة ضايعين وسطهم، بكرة تكبر و تعرف"

ردت عليه هي بنبرةٍ حانقة:
"يا سلام !! دا إحنا برضه؟ روح نام يا حسن، شكلك لسه مفوقتش"

تدخل الصغير يقول بمرحٍ:
"على فكرة هو معاه حق، طنط أنتِ كنتي بتكلمي نفسك و بتشتمي واحدة مش موجودة"

قبل أن ترد عليه هي توضح موقفها، تدخل «حسن» يقول بخبثٍ:
"و مين قالك يا حبيبي إنها مش موجودة، هي موجودة و سامعة الشتيمة، يلا ربنا يهدي"

في تلك اللحظة اقتربت منهم الحافلة المدرسية، و بعد توقفها نزلت منها المشرفة وهي تسألهم بتعجبٍ:
"مين حضراتكم؟ و فين والده أو عم سعد؟"

رد عليها «حسن» مردفًا بثباتٍ:
"أنا حسن جاره و ساكن في الشقة اللي جنبه، والده بس وراه حاجات كتير علشان كدا نزلته أنا"

ابتسمت له بمجاملةٍ وهي تقول:
"طب الحمد لله يا فندم علشان ميفضلش طول الطريق مكشر و زعلان، طب التواصل بعد كدا هيكون مع مين؟ يعني هاخد رقم حضرتك؟"

تدخلت «هدير» مندفعة في تلك اللحظة وهي تقول بنبرةٍ جامدة ولكنها محتفظة ببسمتها المقتضبة:
"لأ التواصل مع باباه، احنا بس مجرد وسيط هينزله لحضرتك، لو عاوزة رقم ممكن تاخدي رقمي عادي"

لمعت عينيه بنظرةٍ خبيثة حينما رآى تصرفها مع الفتاة التي تقريبًا تماثلها في العمر، بينما الفتاة قالت بنبرةٍ هادئة:
"خلاص مفيش مشاكل يا فندم، أنا هتواصل مع والده، يلا يا أيهم"

حرك رأسه موافقًا ثم التفت إلى «هدير» بعدما فتح ذراعيه لها، فحركت رأسها له باستنكارٍ لا تقوى على فهم مقصده، فوجدته يقول بنبرةٍ حماسية:
"انزلي بسرعة علشان الباص"

نزلت هي لمستوى جسده الصغير فوجدته يحتضنها بقوة وهو يقول بنبرةٍ ممتنةٍ:
"شكرًا إنك جيتي معايا، أنا كدا طول الطريق مش هبقى زعلان علشان مفيش حد بيوصلني"

تأثرت هي من موقفه، لذلك شددت عناقها له وهي تقول بنبرةٍ اختلتط بالبكاء:
"من العفو، أنا هنزل معاك كل يوم لو دا هيخليك فرحان كدا"

رد عليها بعدما ابتعد عنها بحماسٍ:
"بجد !! هتنزليني كل يوم"

تدخل «حسن» يقول بنبرةٍ هادئة:
"هتنزلك كل يوم و أنا معاها، مبسوط كدا؟ يلا بقى علشان متتأخرش"

أومأ له موافقًا ثم لوح له مودعًا بذراعه، بينما هي اعتدلت في وقفتها بجانبه حتى تتحرك الحافلة، و بمجرد تحركها التفتت له وهي تقول بنبرةٍ لازالت متأثرة من موقف الطفل:
"يلا علشان توصلني السوبر ماركت و بعدها تلحق شغلك"

تنهد هو بعمقٍ و حينما وجد الحيرة على وجهها سألها بنبرةٍ هادئة:
"ماشي، بس هو أنتِ مالك؟ ليه حاسس كدا إنك عاوزة تعيطي"

ردت عليه هي بنبرةٍ جاهدت حتى تكون طبيعية:
"كل الحكاية إن موقف أيهم دا صدمني شوية، طفل صغير بس موقفه غريب أوي"

رد عليها هو بمرحٍ:
"يا شيخة هما دول أطفال برضه؟ دا أنتِ اللي أطفال، دا رمانا واحدة معندكوش طفل ليه جابت أجلنا و احنا واقفين"

ضحكت هي على طريقته فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"و بعدين المفروض كان يشكرني أنا كمان، حضنك أنتِ و أولع أنا"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"دي غيرة بقى ولا إيه؟ غيران من عيل صغير يا حسن؟"

رد عليها هو مردفًا بحنقٍ:
"أنتِ هبلة على الصبح؟ هغير من عيل صغير؟ كل الحكاية أني عاوز احتواء و عاوز حد يحضني"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص يا سيدي لما ترجع من الشغل أنا هحضنك، تمام كدا"

رد عليها هو بتهكمٍ:
"حاسس إنك بتاخديني على قد عقلي و الله، بس يلا علشان نلحق نجيب الحاجة علشان أوصلك الشقة و أطلع على الشغل"

ردت عليه هي بنبرةٍ عادية:
"وصلني بس السوبر ماركت و ملكش دعوة، روح شغلك بعدها و أنا هرجع الشقة لوحدي"

رد عليها هو بنبرةٍ قاطعة:
"قولت هنجيب الحاجة سوا و أروحك الشقة خلاص؟"

تنهدت هي بقلة حيلة ثم حركت رأسها موافقةً على مضضٍ، ثم ركبت السيارة بجانبه، حرك هو سيارته متوجهًا نحو أحد الأسواق التجارية القريبة من شقته، و بعد وصولهم و شرائهم لما أرادو عادوا من جديد إلى البيت وهو معها يحمل الأشياء في يده وهي أيضًا، دلفت الشقة هي أولًا وهو خلفها يضع الأشياء على الطاولة، فالتفتت له وهي تقول بنبرةٍ ممتنة:
"شكرًا إنك جيت معايا و رجعتني تاني، كنت هرجع إزاي بالحاجات دي؟"

رد عليها بطريقة مرحة تحمل سخريته منها:
"علشان أنتِ غبية"

نظرت له بأعين متسعة على أخرها فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتِ اللي قولتي على نفسك كدا الصبح، أنا مجبتش حاجة من عندي"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"روح على شغلك يلا يا حسن، أنا بقول أنتَ اتأخرت، اتفضل"

اقترب منها هو ثم احتضنها فجأةً وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"بقى أنا ماشي وراكي من الصبح علشان أخد الحضن دا، و أنتِ عاوزاني أروح الشغل كدا؟"

ابتسمت هي بين ذراعيه فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم ابتعد عنها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"همشي بقى علشان منتأخرش أكتر من كدا، عاوزة مني حاجة"

حركت رأسها نفيًا بخجلٍ، فوجدته يبتعد عنها حتى يترك المكان و لكن قبل ذهابه التفت لها يقول بنبرةٍ مهتزة حاول صبغها بالثبات:
"هدير !! على فكرة أنا بدأت أخاف"

قال جملته ثم فتح الباب و رحل إلى عمله، تاركها تنظر في أثره بتعجبٍ لا تدري مقصد حديثه، و لكن سرعان ما خطر ببالها قوله السابق:
"حبيت يبقى هتخاف، دا مبدأ عندي، الحب و الخوف مرتبطين ببعض"

ابتسمت هي باتساعٍ حينما وصلت لمقصده، ثم وأدت بسمتها تلك وهي تقول هامسة بحنقٍ:
"هو أهبل ؟! مش عارف يقولها على بعضها، و لا عارف يقولها بصراحة حتى؟ ماشي يا حسن"
_________________________

في شقة «ميمي» اجتمع الشباب بأكملهم ينتظرون قدوم «عمار»، حتى دلف الشقة وهو يقول بمرحٍ:
"صباح الخير يا إنسان يا عادي أنتَ وهو، طبعًا الكلام دا مش للبشمهندس ياسين و لا للدكتور ياسر"

ضحكوا على طريقته، بينما هو اقترب من «ميمي» ثم قبل قمة رأسها و كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"صباح الخير على أحلى عيون في الدنيا كلها، مستنياني بنفسك؟"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"و لو مستنتش الدكتور عمار يعني، هستنى مين؟ و بعدين أنا مستنياك علشان تاخد مني هديتك"

التفت ينظر لهم بحنقٍ وهو يقول:
"شايفين الناس؟ مش أنتو اللي محدش فيكم عبرني حتى؟"

رد عليه «عامر» بضجرٍ:
"يا جاموسة بتتكلم ليه؟ اخرس يا أهطل، دا أنتَ هتوطي هتبوس رجل كل واحد فينا دلوقتي"

ضحكوا عليه جميعًا و على طريقته، بينما «عمار» نظر له بتعجبٍ ثم حرك رأسه لها من جديد، فوجدها تعطيه ساعة يد قديمة من ساعات زوجها المتوفي و كانت لها قيمةً كبرى، حرك رأسه باستنكارٍ واضح فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
"دي ساعة من ساعة جوزي، و دي تعتبر اقيمهم، كان موصيني أديهم لأحفادي، بس أنا معرفهمش و مش هيجوا أعز منك يا عمار أنتَ و أخواتك عندي، أنتَ اللي تستحقها، خليها معاك علطول علشان لو مشيت تفتكرني بيها"

رد عليها هو بنبرةٍ متأثرة:
"دي حلوة أوي و جميلة و قيمة، دا شرف ليا أني أمسك حاجة قيمة زي دي، شكرًا يا ميمي"

ردت عليه هي بحبٍ:
"بتشكرني ليه يا اهبل أنتَ؟ يلا بقى روح هات البُوك بتاعي علشان تاخد مصروفك، أنا وعداك من بدري"

اقترب منها يقبل رأسها من جديد، فوجدها تبكي تأثرًا من الموقف بأكمله، حينها احتضنها هو بقوة، فاقترب منهما «ياسين» يقول بمرحٍ:
"يا لهوي على سنينا على الصبح؟يا ستي أنتِ غاوية نكد ليه"

اقترب «عامر» يقول ساخرًا:
"هي كدا نازلها التحديث بالعياط، دي غالبًا مولودة في مزارع البصل"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"دا أنا هديك بالبصل على دماغك يا حيوان، قليل الادب"

رد عليها هو بضجرٍ:
"و هو أنتِ لسه شوفتي قلة أدب؟ فين الفطار يا ميمي؟"

اقترب منهم البقية، فقال «وليد» بسخرية:
"أنا عاوز أفهم، مين بيفطر بدري كدا في الدنيا؟ يا جدعان أنا باخد ٣ ساعات لحد ما استوعب أنا فين أصلًا"

رد عليه «ياسر» بنبرةٍ هادئة:
"هو صحيًا إنك تنظم أكلك على ٣ وجبات و يُفضل الفطار يكون بدري يعني، أنا فضلت أحارب لحد ما عودتهم يفطروا بدري"

رد عليه «عامر» بسخريةٍ:
"طب فين بقى الفطار؟ و لا هو كلام على الفاضي؟ علشان صحتنا حتى"

تدخل «خالد» يقول بضجرٍ:
"طب خلصونا من الهبل دا علشان نشوف ورانا إيه، لسه ورانا شغل و بهدلة"

رد عليه «ياسين» بنبرةٍ هادئة:
"طب مش عمار ياخد هديته الأول؟ و لا نأجلها لبعد الجامعة"

قبل أن يرد أيًا منهم، تدخل «عمار» يسأله بلهفةٍ:
"هدية إيه دي يا ياسين؟ و فين يا عم، أنا قولت برضه محدش فيكم هينساني"

أشار «ياسين» لـ «خالد» فاومأ له موافقًا، ثم ابتعد عن مرمى بصرهم حتى يأتي بـ هدية «عمار»، حتى اقترب منهم من جديد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أمسك يا عمار، دي هديتك من أخواتك كلهم"
قال جملته وهو يمد يده له بالهاتف، أخذه «عمار» منه بذهولٍ غير مُصدقًا ما يحمله في يده، فاتسعتا عينيه بقوةٍ و فرغ فاهه، فقال «وليد» بسخريةٍ:
"يعيني دا مصدوم؟ أومال لو جبتوله عربية بقى؟"

نظروا جميعهم لـ هيئة «عمار» الغريبة، فهزه «ياسين» بقوة وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"عمار !! فوق يالا، أنتَ معانا و لا مع مين أنتَ؟"

حرك «عمار» في عدة جهات وهو يقول بنبرةٍ تائهة:
"هو.....هو البتاع دا ليا أنا؟ قولوا والله مش هتاخدوه مني تاني"

رد عليه «خالد» بضجرٍ:
"هو إحنا معفنين قدامك؟ أيوة ليك أنتَ، و اطمن مش هناخده منك تاني"

ارتمى «عمار» بين ذراعيه يحتضنه بقوةٍ وهو يقول بمرحٍ:
"و رب الكعبة انتو رجولة، و أنتَ حبيبي يا خالد، ربنا يخليك ليا"

ربت «خالد» على ظهره وهو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بعاطفته:
"و يخليك لينا، أنتَ فرحتنا و دا حقك علينا كلنا، كفاية إنك سمعت كلامنا"

أومأ له موافقًا ثم كرر الكرة مع الجميع وهو يحتضن كلًا منهم و يشكره، حتى وقف أمام «عامر» وهو يقول بنبرةٍ متأثرة حاول صبغها بالمرح:
"أنتَ بقى عامل نفسك ناسي الهدية و تقولي مش واخد بالي و أنتَ في الأخر محضرلي مفاجأة؟ ماشي يا عامر"

رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"من ساعة ما قدمت في الكلية و الفلوس بتاعته مدفوعة و بصراحة كانت فكرة ياسر و ياسين، و روحنا دفعنا فلوسه علشان أول ما ينزل يبقى معاك"

احتضنه «عمار» وهو يقول بنبرةٍ متأثرة:
"طول عمرك عارف إيه بيفرحني و تعمله، و طول عمرك أخويا في ضهري و مضلل عليا يا عامر"

وضع «عامر» كفه على رأسه وهو يقول بنبرةٍ متأثرة هو الأخر و بعاطفة أب:
"قولتلك أنتَ ابني يا عمار، مش أخويا و دي تفرق، أنا أول واحد شيلتك على إيدي و من ساعتها و أنا أبوك، عاوزك بس تفضل رافع راسي و أفضل اتباهىٰ بيك قدام الناس"

ابتعد عنه «عمار» ثم قال بنبرةٍ مقررة:
"وعد مني يا عامر، أخليك زي ما أنتَ فخور بيا"

أومأ له شقيقه موافقًا، فتركه و اقترب من «وليد» يحتضنه وهو يقول:
"ربنا يعلم أنا عارفك من وقت قليل بس بقيت في غلاوتهم و الله، زيك زيهم عندي"

رد عليه «وليد» بنبرةٍ هامسة:
"أنا مجبتش معاهم الهدية علشان مكنتش أعرف، بس هديتك في الحفظ و الصون"

رد عليه هو بنفس الهمس:
"و لو هي الهدية اللي في بالي، هبوس راسك دلوقتي"
ابتعد عنه «وليد» وهو يغمز له غمزة طفيفة جعلته يبتسم ببلاهة حينما تأكد أن هي مقصد الحديث.
_________________________

في الأسفل توقفوا جميعًا، فقال «ياسين» بنبرةٍ هادئة:
"احنا هنتجمع في عربيتي و عربية خالد، أنا و وليد و عمار مع بعض، و انتو التلاتة مع بعض"

أومأ له الجميع بموافقة، ثم شرعوا في الركوب كما أخبرهم هو، و منها شقوا طريقهم نحو وجهتهم المعلومة وهي كلية الصيدلة جامعة *****، ذلك المكان الذي سيكون بداية الطريق في حياة «عمار»، بينما «وليد» تابع الطريق بأعين تحمل العديد من الاستفسارات، و مع توقف السيارة أمام الجامعة ازدرد لُعابه بخوفٍ ثم حرك رأسه يسأل بنبرةٍ مهتزة:
"هو عمار في جامعة ****"؟"

رد عليه «ياسين» بنبرةٍ عادية:
"آه، عمار جايب مجموع طب أصلًا، بس هو حاسس ميوله صيدلة و نفسه يبقى صيدلي"

رد عليه «عمار» بفخرٍ:
"علشان بحب الكيميا بس مش أكتر، طب مش شبهي و مش زيي، لكن مجال الأدوية دا أنا بحبه"

أغمض عينيه بقلقٍ ثم قال بنبرةٍ ظن أنها هادئة لكنها خرجت جامدة:
"طب أنا عاوزك في كلمتين يا عمار على جنب، بعد إذنك يا ياسين"

أومأ له «ياسين» موافقًا رغم تعجبه، بينما «عمار» تابع نزوله من السيارة بقلقٍ وهو يقول بنبرةٍ حائرة:
"هو ماله يا ياسين؟ زعلان ليه"

رد عليه «ياسين» بتعجبٍ:
"مش عارف و الله يا عمار، شوف كدا يمكن عاوزك في حاجة تبع المكان دا"

حرك رأسه موافقًا ثم نزل من السيارة خلف «وليد» ثم وقف مجاورًا له وهو يقول بنبرةٍ ممتزجة من القلق و التعجب معًا:
"أيوا يا وليد ؟! خير علشان أعصابي باظت"

تنفس «وليد» بعمقٍ ثم قال بنفس النبرة الجامدة:
"بص أنتَ جايز تخاف من طريقتي و أسلوبي بس أنا هقولك خلي بالك من المكان دا يا عمار، الجامعة دي لازم تصحصح لكل حاجة فيها، مش أي حد هنا تصاحبه و لا أي حد تثق فيه، اسمع مني أنا شوفت الذل بسبب المكان دا"

قطب جبينه يسأله باستغرابٍ تمكن من ملامحه و نبرته:
"أنا مش فاهم يا وليد، و ليه مخوفني كدا، دي جامعة مش الحدود يعني"

تنفس بعمقٍ ثم قال بجمود:
"ما هي علشان هي الزفت بقولك كدا، ركز يا عمار و فوق هنا لكل حاجة بتحصلك علشان مترجعش تندم زي حالاتي"

أومأ له بقلة حيلة ثم قال بعدما زفر بقوةٍ:
"مع أني مش فاهم بس هحاول حاضر، تمام كدا؟ ربنا يسترها علشان أنتَ خوفتني أكتر"

تنهد «وليد» بقلة حيلة ثم سأله مقررًا:
"قولي بس هتخلص محاضراتك إمتى؟ يعني أخر محاضرة هتخرج منها على الساعة كام"

رد عليه بهدوء حاول الاتصاف به:
"هخلص الساعة ٥ إن شاء الله، خير يا وليد؟ فيه حاجة"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"لأ يلا علشان تدخل جامعتك، و علشان تسلم على أخواتك بالمرة؟"

أومأ له موافقًا ثم اقترب من الشباب الذين وقفوا يتابعون وقوفهما بتعجبٍ، فتحدث «عامر» يقول ساخرًا:
"إيه يا جدعان انتو كنتوا بتتفقوا على المهر و لا إيه؟"

ضربه «خالد» على ظهره بقوة دون أن يراه أحدًا منهم، فسعل بشدة ثم قال بتلعثمٍ:
"قصدي يعني إنكم لو بتتفقوا على مهر مش هتاخدوا الوقت دا، إيه طمنوني"

وضع «وليد» ذراعه على كتف «عمار» وهو يقول بمرحٍ:
"كنت بفهمه يتعامل ازاي في الجامعة علشان بس ميتضحكش عليه"

اقترب منه «ياسين» يقول بنبرةٍ جادة:
"بنات الجامعة لأ يا عمار، أيوا هتشوف أشكال غريبة و حاجات عجيبة، اركز و أعقل كدا، و ياريت تخرج من جروب الدفعة و ابقى ادخله ليلة الامتحان، دا علشان ضغطك مش أكتر"

تدخل «عامر» يقول بمرحٍ:
"حريم لأ ....حريم لأ يا عمار"

رد عليهم هو بحنقٍ:
"يمين بالله كلمة كمان على المخروبة دي لأروح أنام في بيتنا بكرامتي، جرى إيه يا عم أنتَ و هو"

ضحكوا على ردة فعله العنيفة ثم اقترب كلًا منهم يحتضنه بقوةٍ و هو يتمنى له يومًا دراسيًا موفقًا و قبل رحيلهم طلب «عامر» منهم التقاط الصور حتى يخلد تلك الذِكرىٰ و بعد التقاط الصور توجه كلًا منهم إلى وجهته بعدما تركهم «وليد» حتى يتوجه إلى عمله بعدما أخذ سيارة أجرة من أمام الجامعة.
_________________________

في شركة أحفاد «الرشيد» دخل «وليد» الشركة فوجد الشباب بأجمعهم، جلس هو بجانب «أحمد» وهو يقول بمرحٍ:
"صباح الخير يا رجالة، أخباركم إيه و أخبار شغلكم إيه"

رد عليه «طارق» بحنقٍ:
"ما هو شغلك أنتَ كمان، قولي خلصت الرسم اللي بعتهولك إمبارح؟"

أومأ له موافقًا ثم قال بنبرةٍ عادية:
"آه خلصتهم و بعتهم لحسن إمبارح و حسن بيظبطهم و يبعتهملك"

تدخل «وئام» يقول بضجرٍ:
"أنا بكره الناس اللي تحطني في ضغط الشغل دي، و الراجل دا فاكرنا بطاطس عمال يضغط علينا في وقت قليل أوي و عاوز شغله بسرعة و مجهود جبار و وقت قليل"

رد عليه «أحمد» بمرحٍ:
"بس مننكرش إن الفلوس حلوة ؟! يعني هو هيدفع مبلغ محترم يا وئام قصاد الضغط دا، يعني حاجة قصاد حاجة"

رد عليه «حسن» بحكمة و رزانة:
"لو على الفلوس سهل يا أحمد، أهم حاجة التقدير، كفاية إنه يقدر قيمتك و مجهودك دي اللي تفرق في العلاقات، وهو مقدرنا بس الواد اللي معاه دا مستفز"

سأله «وليد» بتعجبٍ:
"واد !! واد مين دا؟ مش هو راجل كبير"

رد عليه «طارق» بنبرةٍ هادئة:
"ابنه باين ولا مش عارف يقربله إيه؟ هو جاي على السُمعة إسمه سمير الغزولي"

رد عليه «وليد» بسخريةٍ:
"يا عم إن شاء الله يكون سمير الاسكندراني بنفسه، ليه شغل عندنا ياخده و خلاص، المهم ركز أنتَ يا طارق على الدعاية الالكترونية خلينا نخلص شغله، علشان من كلامكم عنه حاسس كدا إننا هنلبس مع بعض"

تدخل «وئام» يقول مُقررًا:
"علشان كدا أجمعنا إنك متتقابلش معاه علشان مش عاوزين قلة أدب، لو كنت سمعت الكلام اللي قاله لطارق و حسن، كان زمانه بيدور على كرامته منك"

سأله «وليد» بتعجبٍ:
"ليه هو عك ولا إيه؟ قالكم إيه أستاذ كرومبو دا؟"

رد عليه «طارق» بنبرةٍ ضاحكة:
"الأستاذ بيقولي أنا إن شركتكم صغيرة في السوق و عارف كمان إنكم في مجال الدعاية و الإعلان مش بقالكم كتير، بس عملتوا إسم و بقى ليكم عملاء مش عارف إزاي، و أنا هسلمكم جزء من ثقتي علشان نتعامل سوا، اتمنى تكونوا قد الثقة دي"

تحدث «طارق» وهو يقوم بتقليد طريقة الرجل، فضحك عليه الشباب بقوة بينما «وليد» قال بتهكمٍ:
"يمين بالله دا حظه الحلو أني مقبلتهوش، كنت هرميله كلمة تزعله و تخليه يتقهر"

رد عليه «حسن» بسخريةٍ:
"هو أنتَ يالا عمرك ما عيطت في الحمام بسبب كلمة ضايقتك؟ مجربتش الإحساس دا؟"

رد عليه «وليد» بقوة و ثبات:
"لأ يا حبيبي مش أنا، أنا عندي استعداد أخليه يقفل على نفسه في الحمام يعيط و يدور على الباقي من كرامته دا لو ليها"

تحدث «أحمد» يقول ساخرًا:
"أنا ليه حاسس إنه معاه حق، يعني بجد والله يا حماعة شركة دعاية مفيش فيها غير ٥ أشخاص منهم ٣ مديرين و ٢ موظفين، واحد منهم أنا أصلًا"

كان يسخر منهم و من نفسه وهو يتحدث، فرد عليه «وئام» مردفًا بقوة:
"خمسة بصحيح،  بس الواحد فيهم يتفك بـ خمسة من برة حتى أنتَ يا أحمد، شربت الشغل و تفاصيله"

أيده «طارق» من خلال قوله:
"وئام بيتكلم صح، و بعدين أنا قولت مش هدخل حد غريب وسطنا، إحنا هنا خايفين على مصلحة بعض"

رد عليه «حسن» بحزنٍ زائف:
"كدا يا طارق !! بتقولها في وشي مش عاوز غريب وسطكم؟ أنا قايم أروح بيتي يا عم"

قال جملته ثم اعتدل واقفًا و قبل أن يخطو خطوةً واحدة اوقفه «طارق» يقول بنبرةٍ جامدة:
"أقف عندك يا حسن و بطل شغل اليهود دا، هتخلع من الشغل يا واطي، اقعد افتح اللاب توب و خلص الحاجة اللي بعتهالك"

زفر «حسن» بقوةٍ ثم قال بحنقٍ:
"مش أنتَ قولت مش عاوز حد غريب؟ أنا غريب عنك يا سيدي، اطردني يا عم و سبني أروح"

رد عليه «وئام» بضجرٍ:
"غريب مين بس ؟! دا أنتَ شريكنا بالدم و المجهود، يا بني أحنا مع بعض من المدرسة"

تنهد هو بقلة حيلة ثم جلس من جديد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"يلا قلبي طيب أوي مش هقدر أزعلكم، انتو اخواتي برضه"

تدخل «وليد» يقول بخبثٍ:
"و نساييك، ها نساييك حط تحتها ١٠٠ خط دي يا حسن"

ابتسم «حسن» بـ هيام سيطر حتى على نبرته أثناء قوله:
"و دي أحسن حاجة حصلت"

وجهوا جميعهم بصرهم نحوه، فحمحم هو بقوة ثم قال:
"يلا نرجع لشغلنا بقى و نبطل هبل علشان كدا مينفعش"
أومأ له الجميع بموافقة ثم شرعوا في بداية عملهم.
_________________________

في شقة «مشيرة» جلست في شُرفتها تبكي بقوة حينما تذكرت حديث «وليد» لها، هي الآن تقف تائهة لا تدري ماذا تفعل، هل تُقدم على تلك الخطوة و تخضع للعلاج النفسي، أم تظل كما هي تجاهد نفسها؟ ظلت في حالة التخبط تلك حتى اقترب منها زوجها منها يقول بهدوء:
"أنا نازل يا مشيرة عاوزة حاجة؟"

طالعته هي بعينيها الدامعتين وهي تحرك رأسها نفيًا، فزفر هو بقوةٍ ثم جلس أمامها وهو يقول:
"مالك بس يا مشيرة؟ هتفضلي كدا من ساعة كلام وليد عنك"

ردت عليه هي ببكاء مرير:
"أنا حاسة إن الدنيا كلها رفضاني و مفيش مكان قابلني، حتى نفسي كرهتها أكثر من قبل كدا"

رد عليها هو بهدوء:
"بس أنا معاه في كلامه يا مشيرة، وليد بيتكلم بالحق، اللي حصل منك كان كتير أوي في حقهم، و خلينا نتكلم بالجد، شوفي مع أول موقف حصل اتعصبتي فيه عملتي في راشد إيه؟ أنتِ في ثواني فيه مشيرة تانية سيطرت عليكي"

مسحت دموعها وهي تقول بنبرةٍ باكية ترد عليه:
"بس دا علشان اللي حصل فيهم، علشان اللي كان هيعملوه في وليد"

رد عليها هو مردفًا:
"طب و أي حاجة تعصبك بعد كدا هتبقى بمبرر؟ مش صح يا مشيرة، أنا من رأيي تروحي للدكتورة دي و أكيد هي هتساعدك"

تنهدت هي بعمقٍ تنهيدة حائرة لا تدري ماذا تفعل، فوجدته يقول مشجعًا لها:
"روحي و أنا كمان هاجي معاكي، و مش هسيبك تاخدي الخطوة دي لوحدك، اللي جاي كله هساعدك فيه"
حركت رأسها موافقةً دون أن تُعقب على حديثه، بينما هو ابتسم لها و كأنه يحثها على ذلك القرار.
_________________________

في شقة «رياض» جلست «خديجة» حائرة لا تدري ماذا تفعل بمفردها، حتى أتى لها إتصالًا من «زهرة» تقول بلهفةٍ:
"الحقيني يا خديجة، أنا في كارثة، سواد جاي على دماغي"

سألتها «خديجة» بخوفٍ:
"فيه إيه بس يا ماما، حصل إيه"

ردت عليها بنبرةٍ شبه باكية:
"بنت عمة رياض هتيجي عندنا النهاردة لما عرفت إنكم عندنا، و دي صعب أوي و بتكرهني ، أعمل إيه لو جت"

ردت عليها «خديجة» بهدوء تحاول ان تبثه لها عبر الهاتف:
"طب إهدي طيب و بالراحة، هي هتيجي إمتى؟ إحنا لسه الصبح"

ردت عليها بعدما زفرت بقوة:
"هي هتيجي بعد المغرب، و أنا هرجع العصر و رياض و ياسين بعدي"

ردت عليها بنبرةٍ قوية حتى تُطمئنها:
"و أنا هنا متخافيش، و لما تيجي هتشوفي بنفسك، قوليلي بس لو احتجت حاجة أجبها منين؟"

ردت عليها «زهرة» بخجلٍ:
"البيت عندك فيه كل حاجة أنا عرفتك مكانها، بس أنا مش عاوزاكي تعملي لوحدك هتتعبي"

ردت عليها ببساطة:
"عادي متخافيش، أنا عملتها قبل كدا لوحدي كتير مش أول مرة يعني، شوفي شغل حضرتك و اطمني"

أغلقت الهاتف معها بعدما طمئنتها «خديجة» بالحديث ثم توجهت نحو المطبخ حتى تقوم ببداية الاستقبال الذي ستتولاه هي، و حينما أخذها تفكيرها إلى تلك النقطة اتسعتا حدقتيها بقوةٍ ثم قالت بخوفٍ:
"أنا المسئولة عن العزومة !! يا غبائك يا خديجة، أعمل إيه بس"

حينما تمكن منها الخوف و القلق و شعرت برجفة بسيطة تسير في جسدها، حينها أخرجت هاتفها تطلب رقمه وهي تشعر في تلك اللحظة أن «خديجة» القديمة عادت بقوة و ظلت هكذا حتى وصلها رده بعد عدة مرات، فقالت هي بلهفةٍ:
"إيه يا ياسين مش بترد عليا ليه؟ هي ناقصة يعني توتر؟"

رد عليها هو بحيرةٍ:
"و الله العظيم كنت في اجتماع مع ٥ مهندسين و مش عارف أرد، بس أنتِ مالك خايفة كدا ليه، مال صوتك؟"

ردت عليه هي بنفس اللهفة:
"لأ أنا مرعوبة،  بنت عمة باباك دي هتيجي المغرب النهاردة، و أنا قولت لطنط متقلقش و متشيلش هم، و في نفس الوقت مرعوبة و خايفة، أعمل إيه يا ياسين؟"

رد عليها هو بضجرٍ:
"نعم !! عمتي بدور هتيجي تعمل إيه عندنا؟ هي ناقصاها يعني؟ الواحد بقاله كتير محترم"

ردت عليه هي بخوفٍ:
"هو أنا بتصل بيك علشان تخوفني أكتر؟ أنتَ أهبل يا ياسين؟"

زفر هو بقوةٍ ثم قال:
"متعمليش حاجة أنتِ يا خديجة، أنا هتصرف، و ليا كلام تاني مع بابا علشان هو عارف اللي فيها"

سألته هي بترقبٍ:
"وهو إيه اللي فيها يعني؟ ياسين أعمل إيه بجد، طنط اعتمدت عليا بس أنا حاسة أني متوترة و مش فاهمة حاجة، حتى الاكل قصادي حساه غريب عليا"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
"طب بالراحة كدا قدامك إيه يا خديجة؟"

ردت عليه هي بتوترٍ:
"قدامي طبقين لحمة و فرختين كبار بس متقطعين، دول أنا طلعتهم من الفريزر أعمل إيه قولي"

تنفس هو بعمقٍ ثم قال بهدوء:
"ركزي معايا يا ستي، حطي حلة شوربة على النار أكيد طبعًا بتعرفي، و دي خليها للحمة علشان هما بيحبوها كدا مسلوقة بالشوربة بتاعتها"

ردت عليه هي بحماسٍ:
"طب تمام، و إيه تاني؟ الفراخ أعملها إزاي؟"

رد عليها هو بهدوء:
"الفراخ تغسليها كويس بالدقيق زي ما أنتِ بتعملي علطول كأنك بتطبخي في شقتنا، و بعدها تقطعي عليها فلفل أخضر و بصل و طماطم و تحطي التوابل زي ما بتعملي و تسيبيها في التلاجة كام ساعة كدا و قبل المغرب بساعة و نص تطلعيها و ترصيها في الفرن"

تنهدت هي بعمقٍ و هي تقول:
"صح !! أنتَ صح و الله كدا هتبقى أحسن"

رد عليها هو مؤكدًا:
"و أسهل ليكي كمان، نيجي بقى للأكل الأساسي أعملي رز بسمتي بالكاري و الكركم و سلطة و أنا لما أجي هظبطه بطريقتي، أعملي بس الرز و ملكيش دعوة، و أنا هحاول أجيلك بدري"

ردت عليه هي بامتنانٍ:
"مش عارفة أقولك إيه بجد، شكرًا على موقفك أنتَ انقذتني يا ياسين، حد غيرك كان زعقلي"

رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"حد غيري متخلف و ميعرفش الأدب يا خديجة، روحي بس و أنا هسيب التليفون جنبي لو احتاجتي حاجة مني قوليلي، و بعدين أنا واثق فيكي و في مجهودك، و عارف إنك شاطرة و علطول رافعة راسي"

أغلقت الهاتف معه وهي تشعر بثقة غريبة بعدما ردت على حديثه ثم شرعت في طهي الطعام كما طلب هو، بينما «ياسين» زفر بقوةٍ وهو يقول:
"يا رب متجبش ابنها و لا بنتها علشان متبقاش ليلة سودا على دماغ الكل، كفاية أمي"
________________________

اندمجت «خديجة» في الطعام حتى نسيْت خوفها و توترها من القادم حتى وصلت لمنتصف اليوم و تفاجأت به يدلف الشقة حتى وصل للمطبخ فوجدها تجلس به و أمامها قطع الدجاج الغير مطهية، اقترب منها يقول بهدوء:
"ها محتاجة حاجة مني؟ و لا عارفة تسدي؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ مندهشة:
"أنتَ إيه اللي جابك دلوقتي؟ و إيه اللي معاك دا، سبت شغلك ليه"

رد عليها هو ببساطة:
"علشانك أنتِ، أنا جيت علشان عارف إنك لوحدك، ماما عندها اجتماع في إدارة المدرسة و هيخلص الساعة ٤ أنا خلصت اللي ورايا و جيت علشانك"

ابتسمت له هي بحبٍ بالغ فوجدته يقول وهو يشير برأسه نحو ما يحمله:
"أنا جبت حلويات و جاتوه أهو علشان متتعبيش نفسك و تعملي، و جبت كبدة علشان أعملها على الرز"

سألته بتعجبٍ:
"كبدة على الرز !! إزاي دي؟"

رد عليها هو مردفًا:
"بدور بتحب الرز دا بالكبدة و علشان متزعلكيش بكلمة واحدة أنا هعمل كل حاجة هي بتحبها"

سألته هي بخوفٍ:
"ياسين متخوفنيش أكتر، هو أنا عملت إيه؟ ليه محسسني إننا داخلين حرب"

ترك هو ما بيده ثم أمسك كتفيها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عمتي بدور دي أخت أبويا في الرضاعة و أمها بقى كانت عاوزة تجوزه أخت جوزها بس هو رفض علشان بيحب أمي و من ساعتها وهي بتكره أمي ، وفي نفس الوقت  ملهاش حد غيرنا و عيالها علشان أهلها في الصعيد، و عندها بنتين الكبيرة متجوزة و كانت والدة ساعة فرحنا، و التانية كانت هتبقى خطيبتي، بس الحمد لله محصلش نصيب"

طالعته هي بدهشةٍ فوجدته يحرك رأسه موافقًا وهو يقول:
"أنا مش هكدب عليكي فضلت تلعب في دماغ ابويا علشان اتجوز بنتها، بس أمي رفضت و قالت مستحيل تناسبها"

ابتسمت له هي بهدوء ثم قالت بنبرةٍ حاولت صبغها بالثبات رغم نيرانها المُشتعلة:
"مفيش مشاكل يا حبيبي، روح بقى شوف كنت رايح فين علشان النار متضربش في وشك"

ابتسم هو لها ثم احتضنها وهو يقول بمرحٍ:
"دا أنتِ اللي في القلب برضه يا خديجة، مفيش غيرك يا ست الكل، يا أم عيون قتالة أنتِ"

ابتسمت رغمًا عنها فوجدته يقبل رأسها ثم قال:
"أنا هروح أغير هدومي و أجيلك تاني نكمل اللي بتعمليه سوا، أنا معاكي متخافيش و عاوزك تسدي كدا، و أنا مأمنك كمان"

أومأت له موافقةً فقال لها بمرحٍ:
"روحي بقى حطي الفراخ في الفرن، قبل ما بدور تيجي تحطنا احنا الاتنين فيه"

طالعته بخوفٍ فوجدته يضحك بقوة على خوفها ثم تركها و غادر المطبخ.
_________________________

قبل انتهاء محاضرات «عمار» توقف «وليد» بسيارته أمام الجامعة و لا يدري لماذا توقف هنا في ذلك الوقت، حتى أنه لا يدري سبب قدومه من الأساس، لكنه فسر ذلك أن اليوم هو أول أيام الدراسة و بالطبع لن يستطع العودة بمفرده، و لكن السبب الأخر كان غير ذلك وهو أنه رآى نفسه من جديد في «عمار»، نزل من سيارته ثم اقترب من الأمن حتى يدخل بسيارته فأوقفته الفتاة وهي تسأله بنبرةٍ جامدة:
"رايح فين يا أفندي و طايح كدا؟! هي وكالة من غير بواب"

أشار عليها برأسه وهو يقول ساخرًا:
"ما البواب بيكلمني أهوه و لا أنتِ أدرى بقى بشغلك"

ردت عليه هي بوقاحةٍ:
"دا أنتَ يومك مش فايت، اتكلم عِدل يا جدع أنتَ؟ عاوز إيه"

تنفس هو بعمقٍ و هو يحاول التحلي بالصبر حتى لا يفعل ما لا يحمد عقباه، ففي النهاية هذه فتاة، لذلك رد عليها مُردفًا بعدما أخرج بطاقته الشخصية:
"معاكي وليد الرشيد، مهندس كمبيوتر و متخرج من الجامعة دي و أخويا جوة و داخله علشان اقابل الدكتور زميلي"

ردت عليه هي بتهكمٍ:
"وهو أخوك بسلامته قاعد لحد دلوقتي جوة ليه؟ الدنيا قربت تليل"

رد عليها هو بوقاحته المعتادة:
"كتب الكتاب العميد و داخلين نحيي ليلته عقبال ما نحيي ليلتك إن شاء الله"

شهقت بقوة ثم تبعت شهقتها بقولها الحانق:
"أنتَ بتتريق عليا يا جدع أنتَ ؟! يمين بالله هبيتك في الحجز النهاردة و اقولهم حاول يتعدى عليا و يخطف انثى"

_"و هي فين الأنثى اللي حاولت أعمل معاها كل دا؟ مش شايفها يعني"
رد عليها هو بذلك بثباتٍ يُحسد عليه في تلك المواقف، فطالعته هي بخيبة أمل وهي تقول بحنقٍ:
"رجالة معندهاش نظر بصحيح، هو يعني علشان أنتَ حلو و ابن ناس تشوف نفسك عليا؟"

طالعها هو بتعجبٍ فوجدها تقول بنبرةٍ متعجلة:
"خلاص خلاص يا أستاذ اتفضل، منهم لله بتوع المسلسلات و الروايات، متعملش شكوى جوة بس مش ناقصة هي"

ضحك هو بيأسٍ عليها ثم سألها بنبرةٍ ضاحكة:
"طب أدخل طيب و لا إيه؟"

صرخت في وجهه وهي تقول منفعلة:
"يوه !! ما قولتلك خلاص ادخل إيه الغباء دا، يلا يا أستاذ خلصنا"

رد عليها هو بغموضٍ:
"يمين بالله لو ما كنتي بنت لـ كنت طلعت عليكي جنان وليد الرشيد، بس حظك"
قال جملته ثم طالعها بوجهٍ ممتعض وهو يتوجه نحو الداخل بينما هي نظرت في أثره وهي تقول بحالمية:
"روح يخربيت حلاوتك، بس الحلو ميكملش لابس دبلة، يلا نشوف العميد نفسه و خلاص"

دلف «وليد» بسيارته للداخل ثم أوقفها بجانب كلية الصيدلة، ثم نزل منها يقف مجاورًا لها و حينما لاحظ الانظار الموجهة نحوه ابتسم بخفة ثم تذكر أثناء دراسته حينما كانت الفتيات تطالع المعيد بتلك النظرة، نظر في ساعته فوجدها تشير إلى الخامسة تنهد بعمقٍ ثم حرك رأسه للأمام ينتظر خروج «عمار» بعدما استعلم من أحد الشباب عن مكان تواجد الفرقة الأولىٰ، انتظر دقائق حتى وجده يخرج من أمامه بمفرده، حينها اقترب منه وهو يقول بنبرةٍ عالية:
"عــمــار !! أنا هنا أهوه"

قطب «عمار» جبينه حينما رآهُ تزامنًا مع حركة قدمه حتى يقترب منه، فوجده يقول بمرحٍ:
"قولي أخبار أول يوم جامعة إيه؟ مبسوط هنا؟"

رد عليه «عمار» بتعجبٍ:
"قولي أنتَ بتعمل إيه هنا؟"

رد عليه مُردفًا بثباتٍ:
"كل الحكاية بس أني جيت أخدك علشان متروحش لوحدك، و علشان متحسش إنك لوحدك"

سأله بنبرةٍ قوية:
"بص يا وليد، أنا شكلي طيب و ممكن أبان مبفهمش حاجة، بس من الصبح و أنتَ ملغبطني، عاوز تقنعني إنك جاي دا كله علشاني؟ متزعلش مني بس أخواتي اللي مربييني مفكروش كدا، إيه الحكاية"

زفر «وليد» بقوةٍ ثم قال:
"طب اركب العربية معايا و أنا هفهمك كل حاجة، اركب يلا"

أومأ له «عمار» بقلة حيلة ثم ركب بجانبه، و من بعدها قاد «وليد» السيارة ثم توجه به نحو أحد الكافيهات العامة القريبة من موقع الجامعة، و بعد جلوسهما سويًا تحدث «عمار» يسأله بقلقٍ:
"ياريت بقى تفهمني في إيه علشان أنا خايف، مش معقول يا وليد كلامك دا"

رد عليه هو بعدما تنفس بعمقٍ:
"أنا كنت في الجامعة دي كلية حاسبات ومعلومات، و كنت مبسوط فيها أوي يا عمار، بس اللي حصل بعد كدا خلاني مش مبسوط و قلب حياتي على دماغ أهلي"

سأله بترقبٍ:
"هو إيه اللي ممكن يحصلك في الجامعة يا وليد يقلب حياتك؟ حبيت حد فيها مثلًا"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ جامدة وهو يجاهد للتحدث:
"كنت مصاحب شِلة فيها، و للأسف خلوني مدمن يا عمار، و قبل ما تسأل أنا مكنتش أعرف حاجة زي دي، لأنهم كانوا بيحطوه في العصير لحد ما بقيت مدمن و بقيت مصلحة ليهم، بس لما عرفت روحت قولت لأخواتي و لحقوني و اتعالجت في مصحة"

نظر له «عمار» بذهول فوجده يتابع من جديد بنفس النبرة:
"ساعتها أنا الدنيا كانت بتلف بيا، خوف و تعب و إحساس أني هموت بحاجة زي دي كان مسيطر عليا، لو رجعنا لنقطة الأصل هنلاقي إن السبب هو أنا"

سأله «عمار» بترقبٍ:
"هو أنتَ إزاي يا وليد؟ و أنتَ مالك، مش أنتَ بتقول إنك ملكش دعوة"

أومأ له موافقًا ثم قال:
"السبب إني كنت عاوز أي صحاب معايا، كان عندي مشاعر جعانة للصحوبية و الشلة و حظي أني اتعرفت عليهم، لو دخلت السوبر ماركت و أنتَ جعان يا عمار أول حاجة هتقابلك في سكتك هتاخدها من غير ما تعرف هي مفيدة و لا لأ، نفس الفكرة المشاعر كدا، لو خدتها في وقت احتياجك بعد كدا هتتقلب بنتيجة عكسية عليك أنتَ، أنا معرفش بقولك ليه؟ بس أنا شايف وليد فيك، وليد اللي ملقاش حد ينصحه و اتدعس في الدنيا دي"

ابتسم له «عمار» وهو يقول بنبرةٍ ممتنة لحديثه:
"و أنا بشكرك على كلامك و موقفك و ثقتك فيا إنك تحكيلي حاجة مهمة زي دي عن حياتك، أتمنى أكون عند حسن ظنك"

رد عليه «وليد» بنبرةٍ جامدة:
"صدقني الحل الوحيد إنك تطلع قد الثقة دي، علشان أنا معنديش اختيار تالت غير أني أروقك، و أحرمك من اللي أنتَ عاوزه"

ابتسم له «عمار» بسمةٍ متسعة وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"و أنا مش خاين للثقة و لا للأمانة، و هفضل فرحان أني كسبت صاحب زيك"
_________________________

في شقة «رياض» قام «ياسين» و «خديجة» معًا بتجهيز الطعام حتى أتت والدته وهي تقول بنبرةٍ معتذرة:
"أنا أسفة بجد بس اللي حصل كان أكبر مني، و رياض مش عاوز يجي علشان عارف إنها هتبقى خناقة للصبح، حقك عليا يا خديجة"

ردت عليها «خديجة» ببساطة و طريقةً مهذبة:
"متقوليش كدا لا حق ولا حاجة، أنا معملتش حاجة و ياسين كانـ..."

قطعت حديثها حينما تدخل هو يقول بنبرةٍ مرحة:
"ياسين كان كل شوية يكلمها يطمن عليها لحد ما جيت قبلك يدوبك غيرت هدومي و لقتيتها بنت اللذين عملت كل حاجة، طلعت شاطرة أوي"

ابتسمت لها والدته وهي تقول بفخرٍ:
"هي سبحان الله جميلة من كله، أدب و ذوق و أخلاق و جمال و رقة، دا أنا هقعد اقهر بدور بيكي، يمين بالله يا أنا يا هي كليوباترا الصعيد دي"

ضحكا عليه الأثنين، فقالت هي بنبرةٍ متوعدة:
"أنا هدخل أغير هدومي علشان افوق ليها، و هرجعلكم تاني"

انسحبت من المطبخ، فاقتربت منه «خديجة» تقول بنبرةٍ خافتة :
"أنا كنت هقولها إنك ساعدتني ليه قطعت كلامي؟ كدا هبقى كدابة"

رد عليها هو مردفًا:
"لأ دا حقك، أنتِ مش كدابة، أنا بس ساعدتك و خلاص و هي عارفة إنك أنتِ المسئولة، معنى إنك تقوليلها ياسين ساعدني يبقى كدا أنتِ بتقللي من دورك، و أنا عاوزهم يفضلوا فخورين بيكي علشان كل كلمة تتقال عنك تبقى صح"

ابتسمت هي بفخرٍ من طريقة تفكيره فوجدته يغمز لها حينها اتسعت بسمتها وهي تتذكر مشاكسته لها قبل قليل، و في تلك اللحظة دلفت والدته وهي تقول بنبرةٍ حانقة:
"ست كليوباترا جت، أبوك طالع بيها هي و عيالها الاتنين"

سألها «ياسين» بحنقٍ:
"هو ابنها جه معاها ؟! الله !!"

ردت عليه والدته بقلة حيلة:
"جه هو و أمه و أخته، قولي لو حطيت رياض مكان الأكل هتزعلوا في حاجة؟"

رد عليها هو بنبرةٍ غامضة:
"بقولك إيه أنا بقالي كتير مقلتش أدبي، و الجانب السيء اللي فيا قرب يحمض، تحبي أطلعه؟"

ردت عليه والدته بفخرٍ:
"عاوزاك توريهم تربية الشوارع اللي جواك، كل كلمة هنا هتلف في الصعيد هناك"

طالعتهما «خديجة» بخوفٍ من طريقة حديثها، بل من الحديث نفسه، و بعد مرور ثوانٍ كان الثلاثة أمام البيت يرحبون بالضيوف، دلفت أولًا فتاةٍ تقربها في السن ترمقها بنظراتٍ ساخطة لم تعرف «خديجة» سببها، بينما «ياسين» ابتسم باستفزازٍ لها وهو يقول:
"مبسلمش على ستات"

سحبت كفها بتوترٍ بعدما مدت يدها له، بعدها دلف توأمها وهو يمد يده لـ «ياسين» بالسلام و لكنه قال بنبرةٍ ساخرة:
"لا مؤاخذة مبسلمش على ستات،... آه معلش أنتَ مهند افتكرتك أختك أصلكم شبه بعض"

قال حديثه بتهكمٍ حينما لاحظ نظره الموجه نحو «خديجة» التي حاولت كتم ضحكتها حتى نجحت أخيرًا في ذلك، بينما الشاب مد يده لها، فتفاجأ بـ «ياسين» يمسك كفه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"ما هي ستات مبتسلمش على رجالة يا مهند، إلا إذا كان فيه شك في النوع بقى"
كان يرمي بحديثه عليه، حتى ابتعد عنه ثم توجه نحو «زهرة» يُرحب بها، فردت عليه تحيته بوجهٍ مقتضب، و بعد لحظة انتظار على الجميع حتى توقفت تلك السيدة على أعتاب الشقة و من كثرة هيبتها شعرت «خديجة» بالخوف و دون أن تعي لنفسها، وجدت نفسها تتمسك في ذراعه بقوةٍ فرفع كفه يربت على يدها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
"أنا معاكي هي شكلها يخوف، بس متظهريش خوفك منها"

سألته هي بتعجبٍ:
"هو مش الكلام دا بيتقال على الكلاب؟ أنا كدا خوفت أكتر بقى"

أبان حديثهما كانت والدته ترحب بها، حتى ابتعدت عنها فتحدثت تلك السيدة تقول بنبرةٍ جامدة:
"إيه يا ياسين؟!  مش هتيجي تسلم على عمتك بدور؟ خلاص علشان اتجوزت هتشوف نفسك علينا؟"

اقترب منها يقول بطريقةٍ مهذبة:
"لأ طبعًا إزاي؟ حضرتك مقامك كبير و كلنا نيجي لحد عندك"

قال جملته ثم مد يده لها بالتحية فعانقت هي كفه بهدوء وهي تبتسم له باقتضابٍ و لكن عينيها كانت تتابع تلك الواقفة خلفه، فتحدثت تقول بسخريةٍ:
"دا جوزك و جالي، أنتِ مستنياني أجيلك ولا إيه يا عروسة؟"

رفعت «خديجة» رأسها وهي تزدرد لُعابها بخوفٍ ثم اقتربت منها بخطة متمهلة وهي تمد يدها بالسلام وهي تقول بتوترٍ:
"ازي حضرتك يا طنط، عاملة إيه"

ردت عليها السيدة بنبرةٍ جامدة:
"اسمها يا عمتي، حضرتك عاملة إيه يا عمتي؟ أنا مش خواجاية قدامك"

ابتسمت ابنتها بشماتة بينما «ياسين» رد عليها بنفس النبرة الجامدة:
"و هي متعرفش حضرتك أصلًا علشان تقول يا عمتو، و طنط دي يعني عمتو بالانجليزي، أظن الكلمة مش غريبة عليكي"

حركت «خديجة» رأسها نحوه بتعجبٍ من طريقة حديثه فوجدته ينظر للمرأة بتحدي و هي تبادله نفس النظرة، فتدخل «رياض» يقول بتوترٍ من سهام زوجته الموجهة نحوه:
"طب ندخل نقعد بدل وقفتنا دي؟ يلا يا زهرة يلا يا خديجة رحبوا بالضيوف"

أومأت له زوجته بتوعدٍ ثم امسكت كف زوجة ابنها تسحبها خلفها نحو الداخل، بينما «رياض» اصطحب «بدور» نحو الداخل و معها أبنائها، و بعد جلوسهم على الصالون تحدث «رياض» يقول مُرحبًا:
"منورة يا بدور، طولتي الغيبة المرة دي يا ستي"

ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة:
"ما أنتَ مبتسألش على أختك، لو كنت بتسأل كنت عرفت، بس هنقول إيه، من ساعة ما عزمتني على فرح البيه و قولتلك أني عند مها علشان ولدت و أنتَ معبرتنيش، حتى هو مأجلش الفرح علشان خاطري"

رد عليها «ياسين» بطريقةٍ مهذبة:
"دا حجز قاعة حضرتك و فلوس مدفوعة و عروسة عاوزة تفرح، أكيد مينفعش آجل حاجة"

ردت عليه هي بصوتها القوي:
"بس الفرح كان ناقصنا و أكيد فرحتك كانت ناقصة كمان"

رد عليها هو بنبرةٍ متريثة:
"مركزتش و الله، فرحتي بمراتي نستني كل حاجة في الدنيا"

طالعته ابنتها بضجرٍ وهي تهز قدميها بقوةٍ حتى انها لم تسيطر على نفسها وهي تقول:
"هو أنتَ متجوزها عن حب؟ ولا صالونات برضه؟"

قبل أن يرد هو اقتربت «زهرة» و خلفها «خديجة» و كلًا منهما تحمل صينية التقديم في يدها و رافق اقترابهما حديث والدته وهي تقول بفخرٍ:
"دا دي اللي قلبه شاور عليها من بين كل بنات الدنيا، من أول مرة شافها و هو صم عليها دي يعني هي دي"

ردت عليها «بدور» بجمود:
"مش مهم الشكل، المهم الأخلاق و الأدب، هو دا اللي يميز البنت، و احنا بناتنا مفيش منهم لا من جوة و لا من برة"

تدخل «رياض» يقول بفخرٍ:
"يبقى أنتِ لسه مشوفتيش خديجة بقى يا بدور، علشان أنا من ساعة ما شوفتها و أنا مستغرب إزاي دي ينفع تتقارن بحد أصلًا"

اتسعت بسمة «ياسين» بفخرٍ هو الأخر، بينما والدته جلست بجانب زوجها ثم أجلست «خديجة» بجانب «ياسين» فتحدث «مهند» يسألها بنبرةٍ هادئة و وجهٍ مبتسم:
"و أنتِ يا خديجة بقى عرفتي ياسين إزاي؟"

قبل أن ترد عليه تدخل هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"إسمها مدام خديجة، و لو عاوز تسأل عن حاجة اسألني أنا أحسن، علشان هي مبتتكلمش مع حد غريب عنها"

حمحم «مهند» بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ متريثة:
"أنا قولت بما إنها بقت بنت خالي رياض يببقى أكيد زي أختي، و أنتَ أخويا برضه و لا إيه"

رد عليه «ياسين» بنبرةٍ جامدة:
"أنا و أنتَ أخوات ماشي، لكن هي عندها أخواتها كتير الحمد لله، مش واقفة عليك تبقى أخوها"

تدخل «رياض» يقول مغيرًا لمجرى الحديث و للتوتر السائد:
"طب اشربوا العصير يا جماعة، ولا نقوم نحضر الغدا؟ أنا بقول نحضر الغدا أفضل.
_________________________

في شقة «حسن» وصلها هو بهدوء فوجدها على الأريكةِ تتابع التلفاز، دخل هو ثم جلس بجانبها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أخبارك إيه يا هدير؟ إن شاء الله تكوني بخير"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"الحمد لله، تمام جدًا، أنتَ إيه أخبارك؟ خلصت الشغل اللي قولتلي عليه صعب؟"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ مُنهكة:
"خلصناه و خلصت روحنا، بس تمام يعني فاضل حاجات بسيطة و بعدها نخلص خالص منه"

أومأت له موافقةً فوجدته يلقي برأسه على فخذها كعادته فمدت كفها في خصلاته تدلك فروة رأسه وهي تتذكر حديثه لها صباحًا، هي تعلم أنه يخشى الفراق و الحب و التعلق، لذلك لن تضغط عليه حتى يعترف لها بحبه كاملًا، شردت هي في تفكيرها به فوصله صوته وهو يقول:
"روحتي فين يا هدير؟! بكلمك يا ستي"

ردت عليه هي بنبرةٍ تائهة بعدما خرجت من شرودها:
"مروحتش يا سيدي أنا هنا أهوه، سرحت شوية بس"

اعتدل في جلسته حتى يصبح مقابلًا لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أكيد سرحانة في اللي أنا قولته الصبح، صح؟"

حركت رأسها موافقة ثم أضافت مؤكدة:
"هبقى كدابة لو قولت لأ يا حسن، أنا بفكر في كدا فعلًا، ليه محسسني أني التوحيد و النور و أنتَ بتقسط يا حسن؟"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ مختلطة المشاعر:
"أنا خوفي بقى بيحركني، كل ما افتكر اللي حبيتهم و سابوني اتقهر، تلقائيًا عقلي بيبعت انذارات تخوف قلبي من إنه يتعلق بحد، بس أنا علشان صريح حسيت بخوف غريب ناحيتك، أنتِ الوحيدة اللي التعلق بيها بيزيد، في نفس الوقت خايف أكون بفسر مشاعري غلط، و يبقى مجرد تعود على وجودك، هدير أنا عاوزك معايا بس لحد ما أتأكد من خوفي دا؟ ممكن؟"

ابتسمت له هي تقول بنبرةٍ خافتة:
"ممكن يا حسن، و أنا معاك لحد ما تيجي بنفسك و تقولي حاسس بإيه، قولتلك قبل كدا مش هسيبك"

أومأ لها موافقًا ثم احتضنها فجأةً، فسألته هي بحنق:
"دا إسمه إيه بقى إن شاء الله؟"

رد عليها هو بخبثٍ:
"أنتِ مش قولتي معاك لحد ما تتأكد؟ أنا بتأكد أهوه يا هدير"

ابتسمت بيأسٍ ثم وضعت رأسها على كتفه وهي تبتسم بهدوء بينما هو في تلك اللحظة ود لو نطق و أخبرها بمشاعره تجاهها لكن لسانه أعلن عليه العصيان و توقف عن الحركة و داخله ينذره بخوفٍ قادم لا يدري سببه.
_________________________

في بيت آلـ «الرشيد» جلس «محمد» في المنتصف و على يمينه «طارق» و «جميلة» و على يساره «وليد» و «عبلة»، فتحدث هو يقول بحنقٍ:
"ركز يا زفت منك ليه علشان نختار الحاجة قبل ما اروح اتفق على العفش، كل واحد فيكم يختار من الورقة اللي قدامه ديه أوضة نوم و أوضة الاطفال و السُفرة"

أمسك كلًا منهم ورقة ثم اقترب من زوجته يختار معها، فقال «وليد» بخبثٍ:
"ركزوا في أوضة النوم يا جماعة ، سيبكم من أوضة الأطفال دلوقتي كدا كدا دي ارزاق"

رد عليه عمه بضجرٍ:
"يمين بالله لو ملمتش نفسك يا حيوان لأكون طردك عند ابوك تحت و ابقى اختار أوضة النوم براحتك بقى"

راقص حاجبيه لعمه باستفزازٍ أثار حنقه، فزفر «محمد» بقوةٍ ثم أطاح له برأسه، بينما «عبلة» وكزته في ذراعه وهي تقول:
"ركز معايا دلوقتي بقى، بطل غلاسة شوية، اختار"

رد عليها هو بهدوء:
"دي شقتك أنتِ و بيتك أنتِ، أنا هبقى مجرد ضيف في البيت دا و هاجي علشانك أنتِ، وريني زوقك بقى"

ابتسمت له هي بخجلٍ ثم نظرت للأسفل تتابع الأوراق في يدها، بينما «طارق» سألها بنبرةٍ خافتة:
"دي من عجايب الدنيا و الله، أنا و أنتِ بنختار عفشنا سوا ؟! سبحان الله"

ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"مفيش حاجة اسمها مستحيل لقلب متعلق برحمة ربنا يا طارق، أنتَ قولت إنك كنت بتدعي بيقين و ربنا كرمك و فرح قلبك بمرادك"

أومأ لها موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"طب اختاري يلا علشان كل حاجة تبقى على ذوقك"

بعد مرور دقائق استقر كلًا منهم على ما يريد و أخبروا «محمد» به، فقام هو بكتابة الأسماء فوق الغرف و تمييزها حتى يستطع اخبار الرجل بها، ثم قال بنبرةٍ مقررة:
"واحد فيكم بقى يكلم الصنايعي اللي دهن الشقة علشان التشطيبات الأخيرة، أنا فضيت نفسي لبيت الشباب علشان وئام كمان هينقل هناك معاكم و شقته هتتوضب"

رد عليه «وليد» بنبرةٍ هادئة:
"مفيش مشاكل، طارق ممكن يكلمه علشان هو اللي جايبه من الأول، و أنا هبقى معاك يا حمايا"

رد عليه «محمد» بتهكمٍ:
"يا فرحتي بيك يا أخويا، لأ خليك هنا أحسن و أنا هتصرف"

وقف «وليد» وهو يقول بمرحٍ:
"بشوقك أنتَ مش حمل الصنايعية و طريقتهم و أنا كنت هساعدك، براحتك بقى"

رد عليه عمه بضجرٍ:
"مناهدة الصنايعية أرحم من مناقرتك يا وليد، اتفضل بقى على أمك و أبوك يلا"

أومأ له موافقًا ثم خطى خطوةً واحدة ثم عادها من جديد وهو يقول بخبثٍ:
"عمي !! ابقى اتوصالي بأوضة النوم، أنتَ فاهم مش هوصيك"

امسك «محمد» الوسادة الصغيرة المجاورة له ثم قذفه بها وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:
"برة بيتي يا حيوان، شكلك مش هتشوف جواز يا واطي من بنتي"

ركض «وليد» من أمامه وهو يضحك بقوةٍ و الجالسون يضحكون عليه حتى حماته التي أتت من الداخل على الصوت، بينما «محمد» سأل ابنته بتعجبٍ:
"بتحبي فيه إيه السافل ابن مرتضى دا"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ قولت السافل ابن مرتضى، دي الإجابة خلاص"

أمسك الوسادة الأخرى يقذفها بها فركضت هي نحو الداخل بخوفٍ من والدها وهي تضحك عليه، فالتفت هو لـ «طارق» وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما زفر بقوةٍ:
"طبعًا أنتَ ملكش دعوة بالسفالة دي، أنتَ حبيبي و تربيتي يا طارق، متعملش زي عديم الأدب دا"

ابتسم له «طارق» وهو يقول:
"سيبك من كل دا يا بابا، أهم حاجة هنجيب مراتب أوضة النوم منين؟"

حينها اخفض «محمد» جسده ثم خلع حذاءه و حينما لمحه «طارق» صرخ في وجهه ثم دفع زوجته عليه و ركض نحو الداخل، فأمسكها «محمد» وهو يقول بنبرةٍ متوعدة:
"ها يا جميلة ؟! تحبي تتعاقبي مكانهم أنتِ؟"

ردت عليه هي بخوفٍ:
"دي عيال قليلة الأدب يا خالو، شوفت أنا مؤدبة إزاي"
_________________________

في شقة «رياض» جلس الجميع يتناولون الطعام الذي أعجب الجميع و قاموا بتناوله بنهمٍ، حتى تحدث «مهند» يقول باستفزازٍ لـ «ياسين»:
"تسلم إيدك يا خديجة...قصدي يا مدام خديجة، كدا اتطمنا على ياسين"

ابتسمت له هي باقتضاب ثم أخفضت رأسها، بينما «ياسين» رد عليه بتهكمٍ:
"و تطمن عليا ليه يا سيدي؟ هو أنتَ أمي؟ عقبال ما نتطمن عليك إن شاء الله"

تدخلت «سمر» شقيقته وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"الأكل حلو بس حساه فيه حاجة مش مظبوطة، يمكن علشان أنا واخدة على أكلي أنا"

شعرت «خديجة» بالخجل و قبل أن ترد عليها توضح وجهة نظرها، أمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ متريثة خبيثة:
"أظن اجابتك واضحة، علشان أنتِ واخدة على أكلك أنتِ، إنما أكل مراتي جديد على معدتك، زي الفلاح اللي واخد على مياة الترومبة كدا"

ردت عليه «بدور» بضجرٍ:
"و مالها مياة الترومبة يا بشمهندس؟ أبوك اتربى عليها لحد ما بقى محامي ليه اسمه، و خلاك أنتَ مهندس ملو هدومك"

رد عليها هو بثقةً يجابه حديثها:
"بس كملنا و كبرنا هنا، و مراتي من هنا مش من الصعيد، يعني أكلها زي الفل، لو فيه حاجة غريبة هنا يبقي اللي مش واخد على حاجة زي دي"

ردت عليه «خديجة» بنبرةٍ هادئة حينما وجدت نبرته محتدة بهذا الشكل:
"خلاص يا جماعة حصل خير، مفيش أي مشاكل هي علشان بتاكل من إيدي و دي أول مرة"

تدخل «رياض» يقول بتوترٍ:
"بالظبط يا خديجة، كلامك صح، بس دا ميمنعش إن أكلك برضه حاجة تانية"

ابتسمت له بمجاملةٍ، فقالت «بدور» بنبرةٍ جامدة:
"إيه يا زهرة مش سامعة صوتك يعني؟ طول عمرك ساكتة قصادي و مبتتكلميش"

ردت عليه «زهرة» بنبرةٍ هادئة:
"لا كلام على الطعام يا بدور، كلي بألف هنا و شفا مطرح ما يسري ما يمري"

بعد مرور دقائق انتهي الطعام و قام الجميع من على الطاولة عدا «ياسين» و «خديجة» التي وقفت حتى تقوم بتنظيف الطاولة بينما هو وقف بملامح وجه جامدة يعاونها فيما تفعله، فسألته هي بقلقٍ:
"مالك يا ياسين؟ شكلك متضايق ليه كدا؟"

رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"علشان مبحبش حد يزعلك حتى بكلمة و دول عاوزين جنازة و يشبعوا فيها لطم، و لولا عارف إن كل كلمة هتحصل هنا هتوصل لأخواتها و قرايب بابا في الصعيد كنت خربت الدنيا، بس ملحوقة مش أنا اللي هعمل"

حركت رأسها باستنكارٍ واضح و حينها صدح صوت الباب بقوةٍ تزامنًا مع خروج «بدور» و خلفها أبنائها و «رياض» و زوجته، ابتسم «ياسين» بخبثٍ ثم اقترب من الباب يفتحه، فوجد اخوته الثلاثة أمامه و كلًا منهم يطالعه بخبثٍ، فغمز هو لهم ثم أشار برأسه نحو الداخل.

بمجرد جلوس الجميع في غرفة الصالون، تفاجئوا بدخول الشباب  و أولهم كان «عامر» حينما قال مهللًا:
"يا دي النور يا دي النور، احنا عندنا عمتو بدور، نورتي يا عمتو"

طالعته هي بحنقٍ وهي تقول:
"أهلًا يا عامر، لسه فاكرني و الله فيك الخير"

رد عليها هو بفخرٍ:
"و هو أنا اقدر انساكي برضه؟ دا أنتِ الغالية أخت الغالي"

حركت رأسها باقتضابٍ له وهي تبتسم له بضيقٍ منه، فاقترب هو من ابنها ثم قال بمرحٍ:
"مهند اخبارك إيه؟ و نور عاملة إيه؟ لامؤاخذة دا التاني تركي، أنتَ مهند الصعيدي"

رد عليه «مهند» بحنقٍ:
"أنا كويس الحمد لله، أنتَ كويس؟ خير إيه اللي جابك"

في تلك اللحظة دلف البقية و أول من تحدث كان «خالد» وهو يقول:
"لأ هو دا بيتنا يا مهند، إحنا هنا علطول، أنا اللي مستغرب زيارتكم"

قال جملته ثم اقترب من المرأة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"إزيك يا عمتو عاملة إيه؟ و اخبار الصعيد كلها إيه؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة:
"كويسة يا خالد، و الله فرحانة أوي اني شوفتكم"

رد عليها «عامر» بمرحٍ:
"متحلفيش بقى احنا عارفين اللي فيها، بس القلوب عند بعضها"

دلف «ياسين» و «ياسر» معًا في يدهم العصير للجميع، فنظرت الفتاة لـ «ياسر» بحبٍ لم تستطع إخفاءه حتى تحدث «خالد» يقول له بخبثٍ:
"تعالى جنبي يا جوز أختي، باركوا لياسر و عامر يا جماعة فرحهم كان قبل فرح ياسين"

طالعته الفتاة بإحباطٍ واضح وهي ترى الأربع شباب يتراصون بجانب بعضهم و بجانبهم «خديجة» مجاورةً لزوجها، فقال «رياض» مرحبًا بالجميع:
"البيت نور و الله، الحبايب كلهم متجمعين، نورتي يا بدور بيت أخوكي"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"بيت أخويا منور بناسه و أصله يا رياض، و احنا أصلنا منور و ليه أساسه" 

رد عليها «عامر» ساخرًا:
"طبعًا يا عمتو و أي حد يقول غير كدا ياخد على دماغه، دا الكهربا ضربت في المنطقة من فرحتها بيكم"

ردت عليه هي بنبرةٍ ساخرة:
"طول عمرك بكاش و بتاع كلام، عارفاك من صغرك"

تدخل «ياسين» يقول بنبرةٍ هادئة:
"و طول عمره راجل و صاحب صاحبه، مش بتاع شغل تلقيح و لا ليه في شغل اللك"

طالعه «مهند» بترقبٍ وهو يعلم أن الحديث موجهًا له لأنه دائمًا ينقل أخباره لوالدته و جميع أقاربهم و كل  تحركات «ياسين» و كل ما يدونه عبر صفحات التواصل الاجتماعي يصل لهم، فتحدث «خالد» يقول بنبرةٍ جامدة:
"و أنتَ بقى يا مهند بتشتغل ولا لسه؟ أصل أنا فاكر عمتو شتمتنا قبل كدا علشان نشتغل"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"مهند و سمر ولادي ماسكين شغل ابوهم مع أعمامهم، بنتي متعلمة و متنورة، هي البنت اللي كملت علامها في الصعيد"

رد عليها «عامر» بمرحٍ ساخر:
"أكيد اللي ماسك الشغل طبعًا عدنان بيك؟"

قطبت جبينها بحيرةٍ فقال هو مُردفًا بنفس المرح:
"آه لامؤاخذة، التاني العشق الممنوع، أصل هما سمر و مهند برضه، أمي بتحبهم أوي"

طالعه الثلاثة بحنقٍ و أعين ترسل له شرارات لو كانت حقيقة لوأدته صريعًا بمكانه، و لكن إذا كان شخصًا أخر غيره، أما «عامر» فرفع حاجبه لهم وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"اشربوا العصير يا جماعة انتو مش غرب عننا، دا بيتكم برضه"

قال جملته ثم حرك رأسه ينظر لـ «زهرة» وهو يغمز لها فوجدها تبتسم له بحبٍ ثم أشارت له بابهامها.
________________________

بعد عودة «عمار» من الجامعة و بعد أخذه قسطًا من الراحة، قرر النزول إلى عمله بعدما طلبه صاحب العمل حتى يعاونه في المساء، و أثناء سيره نحو المركز وجد شابًا يشبه عليه من بين شباب المركز يقف بجوار تلك الفتاة المصطنعة التي دائمًا تحاول التحدث معه، لكن وضعهما كان غريبًا حتى أثار ريبته خصيصًا أن مكانهما منزويًا عن الأنظار، فوقف هو يراقبهما بخوفٍ حتى وجد الشاب يحاول التطاول أكثر و الفتاة تحاول الابتعاد عنه لكنه أطبق على كفها يمنعها من  الحركة وهي تحاول أخذ هاتفه منه، حينها تقدم «عمار» منهما يسأل بنبرةٍ جامدة:
"ممكن أعرف إيه اللي بيحصل هنا بالظبط؟ بتعملوا إيه؟"

طالعته الفتاة بخوفٍ بينما الشاب دفعها نحوه و قبل أن يفر هاربًا أمسكه «عمار» من ثيابه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"انطقوا إيه اللي بيحصل هنا؟ أنا معايا أرقام أهاليكم و هكلمهم و هعرف السنتر كله، انطق يالا"

ضربه الشاب بذراعه في وجهه حتى اختل توازنه ثم فر هاربًا، و حينما لاحظت الفتاة ترنح جسد «عمار» حينها ركضت هي الأخرى بخوفٍ منه و مما قاله هو ، فتح «عمار» عينيه على مضضٍ من قوة الضربة التي أتت بجانب رأسه حينما وكزه الشاب بمرفقه، ثم توجه نحو المركز بما أنه اقرب من بيته، دلف المركز ثم ارتمى على مقعده وهو يشعر بالدوران يداهمه، حينها جلس ثم رفع كفيه يدلك رأسه ثم طلب كوبًا من القهوة حتى يبدأ بتسجيل الأسماء حينما بدأ الشباب يتوافدون إلى المركز، وبعد تسجيله للأسماء و بداية الدرس ألقى بجسده للخلف وهو يشعر بالتخبط مما رآه، لا يدري سبب وقوفهما بتلك الطريقة التي اثارت ريبته ولا لماذا كانت الفتاة تحاول أخذ هاتفه، لكن ما حدث جعله يشعر بالخوف حتى نهاية الدرس و بعد خروج الجميع من القاعة حتى ظل المشرفين و لحسن الحظ أن «خلود» لم تأتي اليوم، حتى انقلب كل شيءٍ رأسًا على عقب، ففجأةً دخل المركز مجموعة شباب تظهر على هيئتهم أعمال الشغب و العنف حتى شعر الجميع بالخوف، فتحدث أحدهم وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"فين اللي إسمه عمار فهمي ؟!"

نظر الجميع لـ «عمار» الذي قطب جبينه بحيرةٍ وهو يقول:
"أنا عمار فهمي خير؟"

اقترب منه ذلك الرجل وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنتَ اللي عاكست أختي و حاولت تمد إيدك عليها؟"

طالعه «عمار» باستنكارٍ وهو يقول بضجرٍ:
"نــعــم !! بتقول إيه أنتَ؟"

حينها صفعه الشاب بقوةٍ على صفحة وجهه، صفعةً مدوية هزت المكان من قوتها، و جعلت الأعين تتسع بخوف و ترقب مما هو قادم، بينما «عمار» تحركت رأسه للجهةِ الأخرى لا يدري إن كان هذا حقًا ما صار، أم أن عقلها هو ما يرسم له ذلك، و لكن مهلًا هذا دم يسيل من أنفه ؟! إذن الصفعة كانت حقيقة و للحق كانت صفعةً مدويةً

تعليقات



×