رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم شمس بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والعشرون

ضللتُ طريقي و كنتي أنتِ العنوان، بكيتُ من فرط القسوة و بيدكِ أعطيتيني الحنان
_________________________

أنا أخشاني و أخشى قسوتي، لذلك تراني مسالمًا إلى هذا الحدِ،  لطالما كنت دائمًا أشبه البحر في هدوئه أثناء سكون الليل و غضبه في تلاطم أمواجه، قد أبدو لك من الخارج ثابتًا و رأسي يعج بضجيج الأفكار و ازدحامها كما لو أنها مدينة متكدسةِ السكان، حتى و إن كانت الهيئة ثابتة، فالداخل يَغلي مثل الماء على النيران.

ابتسمت هي بخجلٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

"بِـرقـة فـراشـةٍ تَدخُـلّـينَ الـقُـلـوبِ؛ تَـتـرُكـيّـنَ بِـهـا أثَـرُكِ و تُـشـفـينَ مَـا بِـهـا مِـن نِـدوبِ، قِــيل مِــن قَــبل: أنَّ أثَــر الفَـراشـةِ لَا يُــرىٰ أثــر الفَـراشـةِ لَا يَــزول، و أنّـتِ و اللّٰهِ أثــركِ مِـثـل الخَـمّـرِ مُـسـكـرٍ يُـذهـبُ العـقـول"

طالعته هي بدهشةٍ فوجدته يغمز لها بطرف عينه وهو يقول بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"

قبل أن ترد عليه و على حديثه لها تدخل والده يقول بمرحٍ:
"طب و الله دا أنا أبوك و اتثبت، هي مش هتتثبت؟ مش قولتلك يا خديجة هيصلح الموقف؟"

حركت رأسها عدة مرات موافقةً على حديث «رياض»، بينما والدته قالت بفخرٍ:
"عسل يا ياسين، حبيب أمك بصحيح، كنت ناوية أتعشى من غيرك بس خلاص بقى"

رد عليها هو بمعاتبةٍ:
"بقى كدا برضه يا زوزو عاوزة تاكلي من غيري؟ أومال لو مش أنا حبيبك بقى؟"

ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ مرحة:
"بقول كنت يا واد، خلاص بقى حصل خير مفيش مشاكل و المهم إنك صالحت خديجة"

حرك رأسه ينظر لزوجته و هو يقول لها بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
"و أنا مقدرش أزعل خديجة مني، و لو زعلت بصالحها علطول"

ابتسمت «خديجة» بفرحٍ ظهر على ملامح وجهها و على ثُغرها من خلال البسمة التي زينته وهو يطالعها بهدوء، بينما والده تدخل يقول بنبرةٍ خبيثة:
"طب إيه طيب؟! تحب نمشي أنا و أمك و نسيبلك الشقة براحتك؟"

_"ياريت و الله، تبقى عملت خدمة العمر"
تفوه بها «ياسين» بنبرةٍ تائهة وهو يطالع وجهها وهي تبتسم له، و حينما لاحظ خجلها و تورد وجنتيها و ضحكات والديه حينها انتبه لما تفوه به، لذلك حرك رأسه للجهة الأخرى وهو يقول بنبرةٍ متوترة:
"طب...أنا بقول بقى نروح ناكل علشان أنا جعان"

رد عليه والده بنبرةٍ ساخرة:
"ياريت يا أخويا، علشان جوعنا من الصبح، و خديجة مكانتش عاوزة تاكل من غيرك"

رفعت رأسها تنظر لوالده بعينين متسعتين فوجدته يقول وهو يحاول كتم ضحكته ساخرًا منها:
"قال يعني أنا بتبلىٰ عليكي، مش أنتِ قولتي مش هاكل من غيره؟"

حركت رأسها موافقةً بخجلٍ فرد هو على أيماءتها تلك بقوله:
"أخترت صح، يمين بالله اخترت صح و رافعة راسي علطول"

تدخلت والدته تقول بنبرةٍ ظهرت بها فرحتها بهما سويًا:
"طب يلا علشان ناكل، ادخل غير هدومك لحد ما الأكل يجهز"

أومأ لها موافقًا ثم اعتدل في وقفته وهو يمسك كفها حتى تسير معه لكنه فوجئ بوالده يقول بنبرةٍ جامدة:
"سيب البت يالا، أنتَ داخل تغير عاوزها معاك ليه؟ ادخل يا حبيبي و لم نفسك يلا"

ابتسم «ياسين» باستفزاز لوالده ثم ترك كفها على مضضٍ و من بعدها رحل من أمامهم فتحدث والده يقول بفخرٍ بعد ذهابه:
"مش قولتلك ابني و أنا حافظه؟ الواد دا بيفهم"
_________________________

في بيت آلـ «الرشيد» خاصةً أمام شقة «مُشيرة» توقفا «طارق» و «جميلة» سويًا فتحدث هو يقول بنبرةٍ خافتة:
"ألف مبروك على الحاجة، تتهني بيهم يا رب"

ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"الله يبارك فيك يا طارق، شكرًا على اليوم الحلو دا بجد، أنا كدا هتلكك و أطالب بالمشوار دا كل تِرم"

رد عليها هو مؤكدًا حديثها بنبرةٍ لم تخلو من المرح:
"طبعًا دا لازم يحصل، و لو عاوزة المشوار دا كل أسبوع أنا مستعد، المهم أنتِ تكوني فرحانة بس"

أومأت له موافقةً ثم قالت بخجلٍ:
"طب عن إذنك بقى علشان أدخل أنام و علشان هصحى بدري بكرة، أشوفك على خير"

حرك رأسه موافقًا بإيماءةٍ بسيطة ثم قال بنبرةٍ مقررة:
"جميلة ؟! صحيتي بليل كلميني، و أنا لو معرفتش أنام هكلمك ماشي؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ تمتزج بضحكاتٍ طفيفة على حالته:
"يعيني ؟! هو الموضوع مأثر فيك أوي كدا؟"

تبدلت ملامح وجهه إلى الحنق وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أعمل إيه فـ خالك محمد؟ قال إيه قال لعمتو بنتك عندك أهيه و الأمانة رجعت و طارق حافظ عليها، ربنا يسامحه"

كان يتحدث وهي يحاكي طريقة والده في الحديث بينما هي ضحكت عليه بشدة وهو يتابعها بملامح غير راضية فوجدها تحاول إيقاف ضحكاتها وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
"حصل خير بقى، و أهو كنا مع بعض من شوية و أي وقت هعوزك فيه هلاقيك و أنتَ برضه"

ابتسم هو بقلة حيلة ثم اقترب منها يقبل جبينها و من بعدها نظر في وجهها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"تصبحي على خير يا جميلة، أشوفك بكرة الصبح و ياريت تنامي علشان هنصحى بكرة بدري"

حركت رأسها موافقةً فوجدته ينسحب من أمامها إلى المصعد، بينما تنهدت هي بعمقٍ ثم دلفت شقة والدتها بفرحةٍ كبرى، أما هو توجه نحو شقة والديه بملامح وجه هادئة مرتخية، دلف الشقة فوجد والديه يجلسا سويًا و هما يمازحان بعضهما، تبدلت ملامح وجهه إلى أخرى غير راضية ثم اقترب منهما و فجأة ارتمى على الاريكةِ يفصل بين جلوسهما معًا، طالعه والده بتعجبٍ وهو يقول بنبرةٍ ساخطة:
"دا إيه دا إن شاء الله؟! قوم خُش أوضتك يا حبيبي"

رد عليه هو بنبرةٍ مقررة:
"مش قايم، و هفضل زي العَزول بينكم كدا علشان تحس بينا"

تدخلت والدته تقول بنبرةٍ امتزجت بضحكاتها:
"يلهوي يا طارق أنتَ لسه زعلان؟ خلاص يا واد بقى حصل خير وهي مش بعيدة عنك يعني"

طالعها هو بملامح وجه ساخطة وهو يقول بتهكمٍ:
"يا سلام ؟! طب ما هي كانت معايا في أوضتي لازمتها إيه من الأول بقى؟"

رد عليه والده بنبرةٍ مشفقة على شقيقته:
"علشان مشيرة يا طارق، عمتك كان نفسها تنام في حضن بنتها، أنتَ بنفسك ما صدقت جميلة تبقى معاك، ما بالك هي بقى؟"

زفر بقوةٍ ثم عاد بجسده للخلف فوجد والده يقول مُقررًا:
"قوم نام يلا علشان توصل البنات المدرسة بكرة، يلا قوم"

رد عليه هو مُعاندًا:
"مش هقوم و هقعد مع أمي و هحضنها كمان، قوم أنتَ يا بابا"

رد عليه والده بتهكمٍ:
"نعم يا عين أمك؟ قوم يالا أدخل جوة، متتهبلش على كَبر يا طارق"

رد عليه هو بنبرةٍ مقررة لا تقبل النقاش:
"لأ مش داخل وهو عِند معاك و كلمة كمان هاخد ماما و نروح بيت جدي نقعد هناك يومين حلوين و نسيبك تبكي على الأطلال"

رد عليه والده بحنقٍ:
"خلاص خليك مرزوع لحد ما تنام مكانك أنا مالي، أنتَ حر"

ابتسم له باستفزازٍ ثم رفع ذراعه يحتضن والدته وهو يقول معاندًا له:
"تعالي في حضني يا سُهير، هيبقى لا أنتِ و لا مراتي؟ تيجي تنامي جنبي النهاردة؟"

قبل أن ترد عليه بوجهها المبتسم رد عليه والده بحنقٍ:
"أنتَ هتستهبل يالا؟ تنام فين؟ شكلك اتهبلت بجد يا طارق"

رد عليه بلامبالاة:
"أمي و هتنام في حضني، فيها إيه؟ و لا هو حلو ليك أنتَ بس يعني"

قبلت والدته وجنته ثم قالت تمازحه كما لو أنه في عمر الثالثة:
"طروقة حبيب ماما يا ناس، ربنا يباركلي فيه و يفرحه عيوني ليك"

احتضنها وهو يراقص حاجبيه لوالده الذي سخر منه وهو يقلد طريقته، و في تلك اللحظة خرجت «سلمى» من غرفتها وهي تقول بتهكمٍ حينما رآت وضع شقيقها و والدتها:
"دا إسمه إيه إن شاء الله؟ مش مكسوف على طولك يا طارق؟ طب حتى علشان البدلة الرصاصي اللي أنتَ لابسها دي"

ردت عليها والدتها بحنقٍ:
"أنتِ مالك يا بت، هو حاضن أمه، مزعلة نفسك ليه ياختي"

ردت عليه بلامبالاة:
"أنا مالي خليه يحضنك، ماهو يعيني من ساعة ما بابا خد منه جميلة وهو مش طايق نفسه"

رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"قولي لأبوكي بقى علشان مش مصدق، بيجامل أخته على قفا أمي"

اقتربت هي منه تجلس مقابلةً له وهي تسأله بخبثٍ:
"قولي بقى جبت إيه أنتَ و جميلة؟ و افتكرتني و لا من لقى أحبابه نسي أصحابه؟"

ابتعد عن حضن والدته وهو يقول بتهكمٍ:
"هو أنا بعرف أنساكي يا ختي؟ جبتلك حاجات علشان المذاكرة بس في العربية تحت، و جبت لخلود معاكي علشان متزعلش"

اقتربت منه بحماسٍ تُقبل وجنته ثم ثم أمسكت وجنتيه بكفيها وهي تقول بنبرةٍ مرحة و كأنها تداعب صغيرها:
"عسل يا طاروق عسل، حبيبي يا ناس"

ابتعد عنها وهو يقول منفعلًا:
"بس يا بت ادخلي ذاكري، و لا ادخلي اقعدي مع عبلة و ابعدي عني"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"عبلة مش هنا، كانت مخنوقة شوية و طلعت فوق السطح"

حرك رأسه موافقًا وهو يعلم أنها منذ يومين وهي تشعر بالحنق و الضجر من تجاهل «وليد» لها، و حينما سألها عن تدخله رفضت هي و أخبرته أن تلك مشكلتهم معًا، لذلك تنهد هو بقلة حيلة ثم ألقى برأسه على كتف والدته.
_________________________

فوق سطح البيت كانت «عبلة» جالسةً على الأرض وهي تضم ذراعيها على ركبتيها و خصلاتها تتحرك خلفها بفعل الهواء و مداعبته لها، تابعت حركة نجوم السماء الشاردة و هي تلمع في تلك السماءِ الداكنة، تنهدت هي بعمقٍ و هي تتذكر أن أخر حديث بينهما كان يوم "الأربعاء" و ها هي على مشارف قدوم يوم "الأحد" و هو يبتعد عنها تمامًا منذ أخر رسالة أرسلها لها و من بعدها لم يرد عليها و لا يُحدثها، شعرت بوخز العبرات في بداية مقلتيها لذلك رفعت اصبعيها تدلك مقدمتيهما حتى لا تَهطل دموعها، و من بعدها أخفضت رأسها تستند بها على ذراعيها المضمومين على ركبتيها، بينما «وليد» بعدما وقف لمدة ثوانٍ يراقبها وجد نفسه يندفع نحوها حينما أخفضت رأسها بتلك الطريقة، ثم جلس مقابلًا لها وهو يسألها بلهفةٍ بعدما وضع ما كان يمسكه بيده أرضًا:

"عبلة !! مالك عاملة كدا ليه؟ و إيه اللي مقعدك هنا لوحدك؟"
رفعت رأسها حينما استمعت لصوته بجوارها و هي تطالعه بذهولٍ لا تدري إن كان حقًا أمامها أم لا؟ لذلك سألها هو بنفس اللهفة الممتزجة بقلقه:
"مالك بس ؟! أنا أول مرة أشوفك كدا، فيه حاجة مزعلاكي"

تنهدت هي بقلة حيلة ثم تحدثت بنبرةٍ خافتة و كأنها مُجبرة على الحديث معه:
"مخنوقة شوية يا وليد، متشيلش همي أنتَ"

من طريقة حديثها شعر أن هو من تسبب في حزنها، لذلك اعتدل في جلسته بجوارها يأخذ نفس وضع جلوسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"شكلي أنا اللي مزعلك يا عبلة، طالما عملتي كدا و اتكلمتي بالنبرة دي معايا يبقى كدا أنا اللي مزعلك، قوليلي بقى مالك"

تنهدت هي بعمقٍ ثم ازدردت لُعابها بقوة و تبعت فعلتها تلك بقولها المضطرب:
"مرة واحدة كدا لقيت نفسي لوحدي، هدير في بيتها و جميلة مع عمتو مشيرة و خديجة في بيتها و سلمى بتذاكر و خلود في الدروس و حضرتك مش معبرني، و أنا تايهة و محتارة"

وجهت حديثها عنه له بتهكمٍ واضح جعله يزفر بقوةٍ ثم قال:
"طبيعي يا عبلة إن الناس تتشغل، كل واحد في دول وراه حاجة مشغول بيها و أنتِ مكانش المفروض تحسي بـ كدا، علشان كل واحد فيهم لو كلمتيه هيفضي نفسه ليكي"

ردت عليه بانفعالٍ طفيف:
"و أنتَ فين يا وليد؟ بقالك كام مش معبرني، و معرفش عنك حاجة، كأني لعبة عندك أوقات تحسسني أني كل دنيتك و أوقات أني ولا في دنيتك !! ليه يا وليد علطول محيرني كدا؟"

تنفس بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أنا انشغلت عنك آه، بس مكانش شاغلني غيرك أنتِ يا عبلة مين قالك إنك غبتي عني؟ وليد طول عمره هيفضل فاكر إنه شاف أحلى نسخة من نفسه معاكي، و بعدين أنتِ ظالمة أوي"

ابتسمت بسخريةٍ وهي تقول بنبرةٍ ظهر بها التهكم:
"فعلًا أنا ست ظالمة، بقالي أربع أيام بكلمك و أنتَ مش معبرني شوفت الإفترا بقى؟"

سحب هو الشيء المجاور له الذي سبق و وضعه قبل سؤاله لها عن حالها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"كنت بجهز ديه ليكي، قولت بما إن الشغف رجعلي و بقيت برسم في الشغل، يبقى أرسم الحاجة اللي بتحييني و مصبراني على الدنيا"

قطبت جبينها بحيرةٍ حينما سمعت حديثه الذي استطاع هو بمهارة الفارس أن يجذب انتباهها له تود منه التوضيح أكثر عما يتحدث، فوجدته يزيل الغلاف الورقي من فوق البرواز الخشبي الذي يحوي بداخله صورةً لها من رسمه هو بالقلم الرصاص و كانت الصورة لها وهي ترتدي حجابها باللون الأسود الذي أرخته فوق رأسها من قبل و ظهر من أسفل الحجاب خصلاتها البنية كما أنه اسطتاع بمهارته التركيز على تفاصيل لون عينيها العسليتين الصافيتين الذي دومًا يرى بهما دنياهُ، ابتلعت ريقها بتوترٍ وهي تحرك رأسها باستفهامٍ واضح، فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"دي يا ستي رسمة من إيدي ليكي، أول مرة أرجع للرسم بعد غياب سنين و محدش كان عارف أني برسم طبعًا غير خديجة و حسن و هو اللي فاضحني و عرفهم أني برسم، المهم أنا حبيت إن أول حاجة تكون ليكي أنتِ و يارب تعجبك"

مد يده لها بالرسمة أكثر حتى تستطع أخذها من يده، فمدت كفها هي بتوترٍ ثم أمسكت الصورة تطالعها بتعمنٍ أكثر، بينما هو ابتسم و هو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بعاطفته:
"قُل للمليحةِ بالخمارِ الأسودِ
ماذا فعلتي بناسكِ متعبدِ"

رفعت رأسها تطالعه بعينيها الدامعتين فوجدته يشير برأسه نحو الصورة وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"حركي عينك كدا و بصي على الجُملة المكتوبة تحت الصورة"

امتثلت لمطلبه و حركت عينيها نحو الجملة تقرأها فوجدتها بخط يده العربي الذي يعبر عن مهارته في رسوم الخطوط المُزخرفة حتى أصبح من أمهر المُصممين في مجاله، بينما هو بمجرد وقوع بصرها على الجملة تحدث هو بها حتى تقترن حاسة السمع بحاسة النظر لديها وهو يقول بنبرةٍ هامسة:
"وَحـدكِ فـقـط مَـن تُـشـبـهـيّـن الـقَـمّـرِ بِـجـمـيع أحــواله؛ إنّ كَــانَ هِــلالًا أو مُـحـاقًـا أو بَــدرًا فِـي كِــماله، بَـسـمـتكِ الـصـافـيـة وَحــدُها تَـحـتل قَــلّـبي، حَــتىٰ أضـحـىٰ القـلـب سَـعـيـدًا بإحـتلاله"

ابتسمت هي بخجلٍ من حديثه و رسمه لها و هي من ظنته تجاهل وجودها في حياته، فوجدته يضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"الناس اللي بنرتاح معاهم و نبقى على حقيقتنا مش بيتنسوا و مش بيروحوا من البال، و أنتِ ربنا يعلم أنا بفكر فيكي و في فرحتك إزاي؟ اليومين اللي فاتوا بس كنت مع خديجة و ياسين و بعدها مع الشباب و بعدها كنت في الشغل و من بعدها عند هناء و من بعدها جيت قفلت على نفسي علشان أعملك الصورة دي، و بعدين إزاي أنسى السوبيا بتاعتي يا عبلة؟"

قال جملته الأخيرةِ بمرحٍ جعلها تبتسم بعدما وضعت رأسه على كتفه، فسألها هو بنبرةٍ حنونة:
"عبلة؟! أنتِ لسه زعلانة؟ أنا ممكن أصالحك عادي جدًا"

ابتعدت عنه تنظر له وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"لأ مش زعلانة، أو كنت فاكرة إن أنا زعلانة و كنت هزعل كمان لو كنت جيت و بجحت فيا و قللت من زعلي، كنت هتقفل منك بجد"

اندفعت بحديثها في وجهه بقوةٍ جعلته يعود للخلف برأسه و جسده بالكامل وهو يقول بنبرةٍ ظهر بها الخوف لكنه زائفًا:
"يا بنت الهُبل !! ما أنتِ كنتي بنت حلال و ساكتة حصلك إيه"

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ طبيعية بعدما استعادت ثباتها من جديد:
"كل الحكاية بس أنا بستغرب إزاي معايا بتعرف تكون هادي و لسانك حلو و مع أي حد تاني بتكون بارد و مستفز و كياد و فيك كل العِبر، ساعات بحسك كذا حد في بعض يا وليد"

ابتسم هو لها بعدما وجد نبرتها حائرة في سؤالها ثم قال مُفسرًا:
"كل الحكاية يا ستي إن على حسب الناس أنا بعرف أتعامل إزاي، يعني مينفعش أعامل و أعامل خديجة زي ما بعامل مشيرة و حسان، ليه بنحب ناس معينة و بنكون معاهم نُسخ تانية غير التانيين؟"

حركت رأسها بحيرةٍ لا تستطع التوصل لإجابة سؤاله، فوجدته يجاوب على سؤاله بنفسه بقوله:
"فيه ناس بيجبرونا نطلع الحلو اللي فينا معاهم، زي الذوق و الأدب و الحنية و اللسان الحلو و الكلام الذوق فـ بنحب نفسنا معاهم لأنهم عرفوا إزاي يطلعوا الحلو اللي فينا، على العكس الناس المُتعبين المرهقين نفسيًا لينا و لمشاعرنا غصب عننا هيطلعوا أسوأ ما فينا، عِند بقى و بجاحة و طول لسان و قلة أدب و خُلق ضيق فبالتالي هنكره نفسنا في وجودهم، و سواء السِكة دي أو السِكة دي هنمشي فيهم عادي على حسب اللي أنتَ تستحقه بمعاملتك، هعاملك، و أنتِ يا عبلة بتعرفي تخليني أحب نفسي معاكي"

ردت عليه بفخرٍ:
"دا أنا أخد جايزة بقى على كدا، وليد اللي مبيهبش حد طلع معايا حد تاني، و الله ما هعرف أطلب بحقي قصادك بعد كدا"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة ممتزجة بحكمةٍ:
"لأ حقك تطلبيه و متتكسفيش، و دي قاعدة لازم تعرفيها، متتكسفش تطلب حقك علشان الناس مش هتتكسف و هي بتيجي عليه"

ردت عليه هي بلهفةٍ توافق على حديثه:
"أنتَ صح، خلاص سماح المرة دي و المرة الجاية هاخد حقي منك تالت و متلت و مش هسيبك"
قالت كلمتها الأخيرة بتحذيرٍ واضح وهي تشهر بسبابتها في وجهه، فأمسك هو كفها ثم قَبل باطنه و هي تطالعه بوجهها الأحمر نتيجة خجلها فوجدته يقول بنبرةٍ هامسة:
"و أنتِ حقك عليا و على قلبي"

اخفضت رأسها في خجلٍ منه و من فعلته تلك، بينما هو أمسك الرسمة يرفعها بجوارها وهو يقول بنبرةٍ ظهر بها المرح:
"ارفعي راسك كدا علشان أقارن بينكم انتم الاتنين"

رفعت رأسها وهي تضحك له فوجدته يقول بندمٍ طفيف:
"يا خسارة المناخير محتاجة تصغر شوية"

ردت عليه هي بنبرةٍ حائرة:
"هو أنتَ راسمها كبيرة؟"

رد عليها هو مُردفًا بثباتٍ:
"لأ، مناخيرك أنتِ اللي محتاجة تصغر، لكن الرسمة مفيهاش حاجة، علشان أنا مبغلطش"

شهقت هي بقوةٍ فوجدته يركض من أمامه بخوفٍ، فاندفعت هي تلحقه للخارج وهي تقول بتوعدٍ:
"و الله ما هسيبك يا بارد، مش ممكن لو كملت اليوم حلو يجرالك حاجة"
كانت تتحدث وهي ترتدي خمارها البيتي بسرعةٍ حتى تلحقه حينما خرج من السطح راكضًا نحو الأسفل وهي خلفه تتوعد له بشدة.
_________________________

في المركز التعليمي انتظر «عمار» حتى نهاية الدرس وهو يتابع خروج الشباب من القاعة أولًا و من خلفهم الفتيات، و مع خروج أول فتاةٍ اقترب من القاعة أكثر حتى يطمئن عليها و يرى إن كانت الفتاة قامت بمضايقتها أم لا، وقف يتابع بعينيه حتى تأسره بـ طلتها، لكنه تفاجأ بتلك المُتصنعة تقترب منه مع صديقتها وهي تقول برقةٍ زائفة:
"باي باي يا مستر عمار، عاوز حاجة؟ ربنا يوفقك بكرة إن شاء الله"

رد عليها هو متجاهلًا حديثها:
"و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته"

شعرت هي بالحرج يحتل وجهها و تفاصيله من خلال الدماء التي تدفقت بسرعةٍ كبرى، بينما هو حرك رأسه حينما وجدها تقف خلفهن تنتظر ابتعاد احداهن حتى تستطع الخروج من القاعة و حينما لاحظ هو تذمرها في وقفتها، تحدث يقول أمرًا لهما:

"ياريت تبعدوا من عند الباب علشان الناس مش عارفة تخرج"

تحركت من أمامه الفتاة و تتبعتها صديقتها و كلتاهما تشعر بالضجر منه، بينما هو قال بنبرةٍ هادئة موجهًا حديثه لها:
"ياريت يا آنسة خلود تستني هنا علشان أحمد أخوكي جاي ياخدك علشان الوقت اتأخر"

سألته هي بثبات:
"أستنى فين؟ أنا ممكن أنزل تحت"

رد عليها هو بنبرةٍ حاول صبغها بالهدوء:
"مينفعش هو قال إنه هيطلع ياخدك من هنا، ياريت تسمعي الكلام"

ردت عليه هي بمعاندة:
"أنا مبحبش أقعد هنا، هنزل أستناه تحت لحد ما يجي و خلاص، شكرًا ليك"

حسنًا لقد ساعدت في فقد تعقله و هدوءه بمعاندتها تلك، لذلك تحدث يقول بنبرةٍ جامدة حادة بعض الشيء:
"آنسة خلود !! السنتر قدامه شباب كتير و ممكن حد يضايقك، أنتِ هنا معايا أمانة لحد ما أخوكي ييجي، لو حضرتك متضايقة من المكان ممكن تطلعي تليفونك لحد ما يوصل"

زفرت هي بقوةٍ وهي ترى حديثه صحيحًا لا يقبل المناقشةِ، فحقًا في الأسفل يجتمع الشباب يقفون أمام المركز التعليمي و يقومون بالمزاح و التصوير، بينما هو حينما لاحظ تخبطها في الامور تحدث يجذب انتباهها وهو يشير خلفها بقوله:
"اتفضلي اقعدي على الكرسي اللي ورا حضرتك دا"

حركت رأسها تنظر نحو موضع إشارته ثم وجهتها نحوه وهي تحركها موافقةً على مضضٍ، ثم توجهت نحو المقعد تجلس عليه، فقال هو بخبثٍ حينما لاحظ خضوعها:
"طب الحمد لله أنا قولت هتهزق زي البنت اللي هزقتيها من شوية"

ردت عليه هي بنبرةٍ ثابتة:
"هي اللي جابته لنفسها، أنا معملتش حاجة و هي جرت شَكلي و أنا مبعرفش أسكت"

حرك رأسه موافقًا عدة مرات وهي يرى ثباتها و جرأتها حينما جلست على المقعد المقابل لمكانه، بينما هو جلس بعد رحيل الجميع و معهم و لا بقى فقط في المكتب الرئيسي أشخاصًا من الإدارة و  المُعلم على، ارتمى هو على مقعده و في يده كتابًا يُمثل أنه يقرأ به لكنه كان حجةً واهية حتى يستطع مراقبتها من خلاله، تصنعت هي التجاهل لفعلته تلك، و هي تعلم تمام المعرفة أنه يراقبها، و حينما تأخر شقيقها وقفت هي مقابلةً له وهي تسأله بنبرةٍ متريثة ثابتة:
"هو حضرتك بتراقبني؟"

رد عليها هو بنبرةٍ مندهشة:
"نعم !! هراقبك إزاي يعني؟ أنا قاعد بقرأ في الكتاب"

ردت عليه هي تفسر حديثها بثباتٍ:
"ما هي حاجة من الاتنين يا أنتَ مبتعرفش تقرأ، يا إما بتراقبني"

رفع حاجبيه بذهولٍ فوجدها تحرك رأسها موافقةً، فقال هو بنبرةٍ مهتزة:
"هراقبك ليه يعني؟ و بعدين إزاي مبعرفش اقرأ دا أنا في صيدلة و طالع من الأوائل على الإدارة"

ابتسمت هي له بتهكمٍ ثم قالت توضح أكثر:
" هشرحلك أنا، الكتاب اللي في أيدك دا بالـ English يعني الصفحات بتتقلب ناحية الشمال،  أنتَ قلبت صفحة واحدة في ١٠ دقايق و قلبتها ناحية اليمين، و دا ملوش غير تفسيرين الأول إنك مبتعرفش تقرأ أصلًا و التاني إنك بتراقبني، أنا بقول نخلينا في التاني علشان دا أرحم من إنك تكون مبتعرفش تقرأ"

ازدرد لُعابه بخوفٍ من طريقة تفكيرها، فوجدها تبتسم بسمةٍ منتصرة و هي تبتعد عنه و قبل أن تجلس على المقعد وصل شقيقها وهو يقول معتذرًا:
"أنا آسف على التأخير جدًا، بس عمار كلمني بعد الدرس ما خلص و أنا مكانش معايا العربية و روحت خدتها من بابا"

ردت عليه هي بنبرةٍ هادئة:
"مفيش مشاكل أنتَ متأخرتش أوي يعني، يلا بس علشان المدرسة بكرة"

أومأ لها موافقًا ثم توجه نحو «عمار» وهو يقول بنبرةٍ ظهر بها امتنانه:
"أنا متشكر يا عمار، معلش بقى أخرتك إنك تروح و أنتَ وراك جامعة بكرة، حقك عليا"

رد عليه بنبرةٍ ودودة حتى يرفع عنه الحَرج:
" متقولش كدا أنتَ أخويا، و أنا شرف ليا أنفذلك اللي أنتَ عاوزه"

ابتسم له بحبٍ ثم ودعه بحبورٍ و من بعدها أخذ شقيقته التي كانت تنظر بثباتٍ لـ «عمار» حتى ارتمى على المقعد بعد رحيلهما وهو يقول بنبرةٍ حائرة ممتزجة بدهشته:
"إيه يا جدعان التفكير دا !! و الله العظيم خوفت منها، دي ولا ظباط المخابرات، يمين بالله ما خدت بالي من الكتاب اللي فـ إيدي نوعه إيه"
قال جملته فوجد نفسه يضحك باتساع وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"يلا هنبقى احنا الاتنين هُبل يعني؟"

في الأسفل في سيارة «طه» جلس «أحمد» على المقعد الخاص بالقيادة و هي بجانبه، نظر بطرف عينه لها فوجدها شاردة في الفراغ أمامها و لم تتحدث معه و تشاكسه و هذه على غير عادتها، فسألها هو بنبرةٍ جامدة حتى يلفت نظرها:
"خلود سرحانة في إيه؟ مالك"

ردت عليه هي بنبرةٍ تائهة بعدما خرجت من شرودها التي لا تعرف سببه:
"ها !! أنا مش سرحانة ولا حاجة، بس ممكن أكون بفكر في بكرة علشان أول يوم و كدا و أنا واخدة على السهر" 

نظر لها بتشككٍ وهو يقول:
"على أحمد برضه يا خوخة؟ مالك بس، دا أنتِ الصندوق الأسود بتاعي بعد خديجة، من إمتى بتخبي عليا؟"

تنهدت هي بقلة حيلة ثم قالت بندمٍ:
"فيه بنت ضايقتني في السنتر النهاردة و أنا رديت عليها بطريقتي المستفزة، بس هي اللي بدأت الأول، الفكرة إن عمار دا كان واقف و معاه المشرف بتاع المستر"

سألها هو بلامبالاةٍ:
"طب و فيها إيه يعني؟ مين الغلطان أصلًا من البداية"

تنهدت هي بحيرةٍ ثم قالت بنبرةٍ متعبة:
"هحكيلك يا أحمد"
قالت جملتها ثم سردت عليه الحكاية من بدايتها، بينما هو كان ينصت لها باهتمامٍ واضح كعادته حينما تشعر بالحيرة، أنهت سردها ثم قالت بنبرةٍ حائرة:
"أنتَ رأيك إيه يا أحمد؟"

ضحك هو بقوة ثم جاوبها بنبرةٍ ضاحكة:
"بقولك إيه سيبك أنتِ، ردك عليها كان جامد و الله، تربية وليد مراحتش هَدر برضه"

ردت عليه هي بنذقٍ:
"شوف أنا بتكلم في إيه و هو بيتكلم في إيه"

أوقف هو الضحكات ثم قال بنبرةٍ جادة:
"بصي كدا كدا أسلوبها مش كويس من البداية و أنتِ رد فعل للفعل، أما بالنسبة لوجود عمار و الشاب دا، مش فاهم بصراحة يفرق معاكي في إيه؟"

ردت عليه هي بندمٍ:
"علشان هو عارفنا و عارف خديجة و وليد، مش حابة إنه ياخد فكرة وحشة عن أخلاقي"

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول:
"بصراحة شايف الموضوع عادي جدًا، مجرد رد على البنت و مش مستاهل التفكير و موقف عمار قصادها يُشكر عليه، كبري أنتِ و متشغليش بالك"

أومأت له بقلة حيلة فوجدته يقول بمرحٍ:
"تعالي أشربك حاجة قبل ما نطلع، ها تشربي إيه؟"

ابتهج وجهها وهي تقول بمرحٍ:
"اتنين شاورما فراخ و زود التومية"

طالعها هو بتعجبٍ من تبدل حالها في ثوانٍ، فوجدها تقول بنفس المرح:
"ما هو إحنا مش هينفع نشرب من غير ما ناكل"
_________________________

في شقة «ياسر» عاد من عمله متأخرًا بشدة و هي كانت تنتظره و حينما لاحظت تأخره زفرت بقوةٍ ثم جلست تتابع التلفاز بمللٍ، حتى سمعته يدلف الشقة من خلال حركة المفاتيح في الباب، تصنعت التجاهل و لكن ما أثار ريبتها حينما سمعته يقول لحارس العقار:
"أيوا حطها هنا جنب الباب يا عم عزوز، تسلم يا رب"

وضع الرجل ما كان يحمله في يده و معه ابنه يعاونه فقام «ياسر» بإعطائهم ورقة النقود وهو يقول بنبرةٍ ممتنة:
"ألف شكر يا عم عزوز، ألف شكر يا محمود، معلش تعبتكم يا رجالة" 
رد عليه الرجل حتى يرفع حرجه و يرد على شكره:
"إحنا خدامينك يا أستاذ ياسر، و ربنا يسعدكم إن شاء الله"

أومأ له «ياسر» موافقًا ثم أغلق الباب بعد انسحابهما من أمامه، و بعدها دلف حتى وصل لغرفة الجلوس التي تقبع بها دائمًا تتابع التلفاز، رغم الفضول البادي على ملامح وجهها و رغم نظرة التطرق لسؤاله عن ما حدث بالخارج، إلا أنها أثرت الثبات و تجاهلته حينما دلف الغرفة لها وهو يبتسم باتساعٍ، حركت رأسها تطالعه بطرف عينها ثم نظرت للتلفاز مرةً أُخرى، فوجدته يقترب منها ثم جلس بجانبها وهو يقول بنبرةٍ هادئة و وجهٍ مبتسم:
"يا سلام ؟! قال يعني مقموصة بجد و هي الفضول هينط من عينها علشان تعرف كان فيه إيه"

حركت كتفيها ببساطة وهي تقول بلامبالاةٍ واهية:
"مش فارق معايا أصلًا، روح شوف بقى أنتَ كنت فين و جاي متأخر ليه؟" 
أمسك كفها يسحبها للخارج وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"تعالي معايا بس يا ستي، دا أنا طلع عيني لحد ما جبتها علشانك"

كانت تسير خلفه رغمًا عنها وهي تقول بحنقٍ:
"هو أنتَ ساحب بنت أختك يا ياسر؟ بالراحة و بعدين أنا مش بكلمك أصلًا"

سار بها حتى وصل بجانب باب الشقة وهو يشير إلى ما جلبه وهو يقول بفخرٍ:
"بصي بس أنا جبتلك إيه و قرري هتفضلي زعلانة مني ولا لأ؟"

حركت رأسها تنظر إلى ما جلبه لها وسرعان من اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدتها يقول بمرحٍ:
"جبتلك مرجيحة علشان الطفلة اللي جواكي مكبوتة و مش لاقية حاجة تخرج بيها طاقتها"

نظرت له بتأثرٍ ثم حركت رأسها تنظر للأرجوحة من جديد وهي تقول بنبرةٍ مختنقة من تأثرها:
"المرجيحة دي علشاني بجد ؟! قول و الله يا ياسر، يعني أنتَ مش مأجرها؟"

ضحك رغمًا عنه على سؤالها الأبله فوجدها تقول بحنقٍ:
"هو أنتَ بتضحك على إيه؟ شكلك بتهزر أنا داخلة"
قالت جملتها وهي تعطيه ظهرها فوجدها يمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"استني بس أنا بضحك على سؤالك الاهبل اللي مش وقته ولا مكانه، طبعًا ليكي أومال لمين؟"

سألته هي بوجهٍ مبتسم:
"طب إشمعنا مرجيحة يعني؟ و ليه اللي على شكل قلب و ليه لونها وردي؟"

ابتسم هو لها ثم قال بنبرةٍ خافتة:
"ارجعي بالذاكرة كدا ورا شوية ساعة فرح نيرمين أختي لما كنا بنجيب جهازها، ساعتها عجبتك المرجيحة اللي شبه ديه، و أنا ساعتها مكانش ينفع أجبهالك لأن مكانش ليا حق، و خالد ساعتها رفض و قالك لما تتجوزي هجبهالك، الكلام دا فات عليه سنين، و يمكن أنتِ نسيتي بس أنا عمري ما أنسى حاجة كان نفسك فيها"

تأثرت هي من حديثه و من نبرته تلك التي تؤثر عليها كلما تحدث بها أمامها، فوجدته يمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة حتى تجلس على الأرجوحة:
"اقعدي عليها كدا و شوفي إحساسك إيه، لو مش مريحاكي أغيرها"

جلست على الأرجوحة بفرحة كبيرة تشبه فرحة الصغار، وهو يطالعها بنفس الفرحة حتى شرد في ملامحها و ما أخرجه من حالته تلك قولها المرح:
"تعالى يا ياسر اقعد جنبي، أنتَ برضه جواك طفل صغير مش أنا لوحدي"

ابتسم لها ثم اقترب منها يجلس مجاورًا لها على الأرجوحة فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة بعدما وضعت رأسها على كتفه:
"بصراحة كنت هروقك النهاردة يا ياسر، كنت بحضر جدول نكد محترم ليك، يا خسارة راح على الفاضي"

حرك رأسه للأسفل حتى يتسنى له رؤيتها وهو يقول بسخريةٍ:
"الكلام مش لايق مع نومتك و لا نبرتك، أنا قولت ملبوسة محدش صدقني"

ضحكت هي بخفةٍ وهي تقول:
"إيه يعني ملبوسة بس بحبك، استحمل يا ياسوري بقى"

رد عليها هو بمرحٍ:
"يا ستي براحتك، المهم إن الخساير تبقى قليلة و ياريت تبقى بسيطة"

ردت عليه هي بنبرةٍ حزينة:
"و ياريت ميكونش فيه خساير أصلًا يا ياسر، أي خسارة ليك أو ليا هتبقى صعبة و الله"

تعجب هو من حديثها و نبرتها فوجدها ترفع رأسها وهي تقول مغيرةً مجرى الحديث:
"طب قولي بقى هنحطها فين؟ فكر معايا كدا"

تنهد هو ثم نظر حوله في الشقة يتفحص المكان ثم قال مقترحًا:
"أنا بقول أسلم مكان ليها هو أوضة النوم قصاد الشاشة"

سألته هي بتعجبٍ:
"أشمعنا بقى؟ ممكن نحطها في أي حتة تانية"

رد عليها هو مُردفًا:
"علشان دا المكان اللي محدش هيدخله غيرنا، افرضي جالنا ضيوف و لا جالنا حد؟ هيطلع عينها و هتبوظ"

ردت عليه هي توافقه و هي تقول بمرحٍ:
"تصدق صح ؟! أنتَ دماغك بتفكر حلو، شغل دكاترة بصحيح"
________________________

في شقة «عامر» دلفها متأخرًا بعدما عاد من عمله ثم بدل ثيابه و من بعدها شاكس زوجته ثم نزل مرةً أخرى، دلف بعدما أنهى مشواره فوجدها ترسم تصميمًا جديدًا خاص بالفستان الذي تقوم بتفصيله، جلس بجانبها وهو يقول بنبرةٍ متعجبة:
"بتعملي إيه يا جرثومة؟ مش كبرنا على الرسم و التلوين دا"

ردت عليه هي بحنقٍ:
"هقولك إيه هتفضل سوفسطائي طول عمرك يا عامر، دا تصميم جديد علشان أغير رسمة الفستان من فوق، أنتَ كنت فين صحيح"

تنهد هو بعمقٍ ثم رفع الحقيبة التي يحملها في يده وهو يقول:
"كنت بجيب دا لعمار علشان بكرة أول يوم ليه في الجامعة"

أخذت الحقيبة من يده وهي تطالعها بتعجبٍ ثم أخرجت ما بها و بعدها شهقت بقوةٍ ثم قالت بنبرةٍ مندهشة:
"ما شاء الله يا عامر، حلو أوي الموبايل دا، بس شكله غالي أوي"

رد عليها هو مُردفًا:
"ماهو مش أنا اللي جايبه لوحدي، خالد و ياسين و ياسر دافعين معايا هما كمان"

ردت عليه هي بحبٍ بالغ:
"ربنا يخليكم لبعض، و الله انتو شِلة عسل أوي و بحبكم و أنتو مع بعض كدا"

ابتسم لها ثم رفع ذراعه بالحقيبة الأخرى وهو يقول بمرحٍ:
"طب خدي بقى و شوفي كدا"

تركت ما بيدها ثم أخذت ما بيده و حينها لمعت عينيها بشغفٍ وهي تقول بنبرةٍ غير مصدقة:
"لأ !! ترمس ؟! بتهزر و الله، جبته منين يا عامر كان نفسي فيه"

رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"أصل أنا مبعرفش آكل حاجة من غير اللي بحبهم، و أنتِ حبيبتي يا سارة، بس يعني هو الأيفون اللي جنبك دا مأثرش فيكي و برطمان الترمس دا هو اللي حرك مشاعرك؟ أنتِ كدا مراتي رسمي"

ضحكت هي بقوة ثم قالت تردف له موقفها:
"أصل الأيفون مش بتاعي، إنما الترمس دا ليا، و بعدين أنتَ جايبه علشان تصالحني"

رد عليها هو بحنقٍ:
"أصالحك !! ليه إن شاء الله؟ هو أنا غلطت فيكي و لا جيت جنبك"

ردت عليه هي بضجرٍ:
"أنا مشوفتش في بجاحتك يا عامر بجد، دا كله مش مستوعب إنك زعلتني؟"

رد عليها هو موافقًا:
"زعلتك فين هو أنا عمري زعلت حد؟ طب دا أنا بيضرب بيا المثل في الهدوء العقل"

حركت رأسها في اتجاهات مختلفة غير مُصدقة ما تفوه به و سرعان ما رفعت كفها فوق رأسها وهي تتنهد بتعبٍ، فوجدته يقترب منها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"طب و الله أمي دعوتها استجابت، كانت علطول تقولي ربنا يكرمك باللي تهنيك و طلعتي أنتِ من حظي تشيز كيك"

حركت رأسها نحوه بسرعةٍ فوجدته يغمز لها، حينها اقتربت منه وهي تسأله بنبرةٍ شبه باكية ممتزجة بالمرح:
"أعمل فيك إيه ؟! يا بني بتضحكني في عز خنقتي"

رد عليها هو بفخرٍ:
"علشان أنا عامر فهمي، و هي نسخة واحدة مفيش منها اتنين طلعت من نصيبك يا بنت المحظوظة هيصي"

ضحكت هي بقوة ثم قالت تؤيد حديثه:
"بصراحة معاك حق، بنت محظوظة فعلًا علشان أنتَ بقيت نصيبي"

رد عليها هو بمرحٍ:
"طب وريني بقى الترمس دا بيقول إيه علشان أنا دوخت لحد ما جبته"
ردت عليه هي ترفض بمعاندةٍ:
"مش أنتَ كلت في الفرح إمبارح؟ الله يسهلك بقى"
_________________________

في شقة «خالد» بعد عودته من العمل أعطته زوجته «يونس» و طلبت منه أن يجلس بجانبه حتى ينام ولو قليلًا، امتثل هو لطلبها ثم أخذ صغيره و لكنه من كثرة تعبه و إنهاكه نام هو الآخر بجانبه، دخلت هي بعدها حينما لاحظت الصمت فوجدت «خالد» يعانقه بقوة بين ذراعيه القويين و الآخر متمسك به بقوةٍ، ابتسمت هي على هيئتهما ثم خرجت حتى تقوم بترتيب البيت ، و بعد انغماسها في الترتيب و التنظيف فوجئت بزوجها يقول بنبرة متحشرجة نتيجة نومه:
"بتعملي إيه يا ريهام؟ هو فيه حرب في الشقة؟"

ردت عليه هي بأسفٍ:
"معلش أنا آسفة و الله، صحيتك بس أنا كنت بروق مكان الكركبة اللي يونس عملها، الواد من أدبه وقع العصير و جاي يقولي معلش"

ابتسم هو بفخرٍ وهو يقول:
"صحيح متربي مرتين، تربيتي"

ردت عليه هي بسخريةٍ:
"آه طبعًا متربي مرتين، حتى وشك يشهد على التربية دي"

سألها هو بنبرةٍ جامدة:
"قصدك إيه يا ريهام؟ أوعي يكون قصدك إن ابني بيهزقني و كل يوم يصحيني بكف حلو على وشي"

ردت عليه هي بنبرةٍ ساخرة ممتزجة بالمرح:
"أنا أقدر برضه؟ عيب عليك يا جدع متقولش كدا"

ضيق جفنيه وهو يقول بتوعدٍ:
"ماشي يا يونس و رب الكعبة لأربيك، جايبلي الكلام"

ردت عليه هي بنبرةٍ سريعة:
"طب ادخل نام يا خالد، و أنا هسمح الصالة دي و أفرش السجادة و أسخن الأكل"

رد عليها هو بهدوء:
"طب استني أغير التيشيرت الأبيض دا و ألبس واحد غامق و أجي أساعدك"

نظرت له ببلاهة وهي ترمش عدة مرات بقوة، فوجدته يقول بنبرةٍ ساخرة:
"إيه يا ريهام هو أنتِ اتكهربتي؟ بقولك هغير و أجيلك، مالك يا حجة فيه إيه"

ردت عليه هي بنبرةٍ مندهشة:
"خالد بجد هو أنتَ هتساعدني في الترويق بجد؟ قول و الله؟"

رد عليها هو ببساطة:
"أيوا يا ستي هغير و أجيلك، مش أنت تعبانة برضه؟ أكيد مش هسيبك تفرشي لوحدك، استني بس لحد ما أجيلك"

تركها و دخل غرفته بينما هي سألت نفسها بتعجبٍ و لكن بنبرةٍ مسموعة:
"بسم الله الرحمن الرحيم !! مين دا، خالد فين"

أنهت جملتها فوجدته أمامها يرتدي تيشيرت باللون الاسود وهو يقول بمرحٍ:
"لبست أسود أهو علشان ميبانش فيه البهدلة، ها هنبدأ بإيه بقى؟"

ردت عليه هي ببلاهة:
"هات بوسة يا خالد"

_"نعم يا ختي ؟! عاوزة إيه"
سألها هو بتعجبٍ فوجدها تقول بخجلٍ:
"معلش أنا اتلغبطت، أصل بصراحة مش مستوعبة كلامك، هتساعدني في الترويق؟! أنتَ مستوعب يا خالد"

تنهد هو بعمقٍ ثم اقترب منها أكثر وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"بصي أنا عارف أن بالنسبة ليكي دا كان في أحلامك إنه يحصل، بس أنتِ تعبانة و لسه قايمة من دور برد يهد جبل، يعني حرام أشوفك برضه تعبانة في ترويق البيت اللي أبني مبهدله و مخليه خرابة، أنا مش حجر برضه"

ابتسمت له وهي تقول بمشاكسة:
"طب ما هو أنتَ حلو أهو يا خالد، أومال كنت تور ليه قبل كدا"

رد عليها هو بحنقٍ:
"علشان كان فيه جاموسة بتحدف دبش في وشي، فيه حد يقول كدا يا ريهام؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص بقى قلبك أبيض، يلا بسرعة بس قبل ما ترجع في كلامك، أنا مش مصدقة نفسي"

قالت جملتها وهي تلتفت حتى تتركه فوجدته يقول بخبثٍ:
"أنا مش ناسي البوسة يا ريهام على فكرة"
ضحكت هي بخجلٍ ثم تحركت من أمامه وهي تتصانع التجاهل لما تفوه به.
_________________________

في شقة «رياض» جلست «خديجة» في شرفة الشقة بمفردها و هي تحرك الفراشة بين كفيها مع بسمةً بلهاء ارتسمت على ثُغرها وهي تتابع الفراشة و تتذكر حديثه لها بأن رقتها تشبه رقة الفراشة على القلوب، ظلت كما هي شاردة حتى دخل لها وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"الشاي يا خديجة، شوفتي أنا طيب إزاي؟ معملتيش ليا النسكافيه الصُبح بس أنا وجبت معاكي بليل"

طالعته هي بندمٍ وهي تقول:
"حقك عليا بقى متزعلش خلاص، و بعدين أنتَ مستفز يا ياسين"

أشار على نفسه وهو يقول بنبرةٍ مندهشة:
"أنا !! يعني بعد كل دا مش عاجبك كمان؟ يا جاحدة"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ اللي سكت و متكلمتش، كنت المفروض تبررلي، لكن يا فرحتي بسكوتك"

رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"ما هو دا من ضمن عيوبي، مبعرفش أبرر حاجة، و لا بعرف أوصف، و لما أتكلم بنفعل و أعك الدنيا"

ردت عليه هي بنبرةٍ متأثرة:
"أقولك على حاجة؟ شكلك الصبح صِعب عليا أوي يا ياسين، أنا أصلًا اتضايقت علشانك أوي و كنت هجري وراك علشان متزعلش" 

قطب جبينه بحيرةٍ وهو يسألها بتعجبٍ:
"صعبت عليكي؟! أنا طلعت مُثير للشفقة يا خديجة؟ يا مرارك يا ياسين"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة حتى تفسر له وجهة نظرها:
"أنا قصدي يعني إنك لما قومت من على الأكل زعلان و نزلت حسيت ساعتها إننا زودناها، بس جت بفايدة علشان جبتلي الفراشة اللي كان نفسي فيها"

ابتسم وهو يسألها بنبرةٍ هادئة:
"يعني الفراشة عجبتك بجد؟ و الأهم أنتِ بجد زعلتي علشاني"

ردت عليه تؤكد حديثه بقولها:
"طبعًا زعلت علشانك، هو أنا ليا غيرك يا ياسين؟ و الفراشة سكر زيك كدا"

مد لها ذراعه وهو يقول بنبرةٍ هادئة وهو مُبتسمًا لها:
"طب تعالي يا خديجة، تعالي أنتِ وحشتيني"

تركت مقعدها وتوجهت نحوه حتى تحتضنه فوجدته يمسك طرف أذنها وهو يقول بحنقٍ:
"و لما هو آه يا بنت طه و صعبت عليكي سايباني طول اليوم بحاول أوصلك ليه و بتقفلي في وشي؟ بقى أنا يتحفل عليا من أبويا و أمي بسببك يا شبر و نص أنتِ؟"

ردت عليه هي بآلمٍ:
"ودني....ودني يا أهبل، إيدك ناشفة يخربيت كدا، و الله بابا رياض هو اللي قالي أعمل كدا"

تركها هو على مضضٍ وهي تفرك أذنها و رافق حركتها تلك قولها الحانق:
"إيه دا أنتَ ملبوس يا ياسين؟ ما كنت حلو من شوية، احفظنا يا رب من الهُبل دول"

أخذها بين ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"وحشتيني و الله يا كتكوتة، قوليلي يومك كان عامل إزاي؟ و ليه عاوزة تقعدي هنا؟"

وضعت رأسها فوق صدره العريض وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"اليوم كان حلو بس كان ممل في أوله علشان كنت لوحدي، لحد ما ماما رجعت من المدرسة و بدأ اليوم يحلو أكتر لما عمو رياض رجع"

_"طبعًا علشان الحفلة كانت عليا، ماشي يا رياض"
رد عليها هو بذلك ساخرًا من والده، فردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"و الله عمو سكر خالص و بيحبك يا ياسين، حتى هو اللي قالي أقعد هنا يومين علشان يربـيـ....أوبس، أنا شكلي عكيت"

قالت جملتها الأخيرة بخجلٍ مما تفوهت به، فوجدته يقول بنبرةٍ شامتة ممتزجة بتهكمه:
"اللّٰه أكبر !! بعتيه من غير قلم حتى؟ طب أستني اضغط عليكي شوية"

ردت عليه هي بضيقٍ منه:
"يوه بقى، أنا مبعرفش أكدب أعمل إيه يعني؟ هو قالي اقعدوا معانا انتو مونسينا و قالي كمان إنه فرحان بوجودي"

ربت هو على ظهرها وهو يقول بفخرٍ:
"كلنا فرحانين بيكي و بوجودك و الله، بتعملي جو حلو كدا رغم إنك هادية مش شقية، بس روحك حلوة بتخلي المكان يحلو"
وضعت رأسها على كتفه وهي تقول بنبرةٍ ناعسة:
"و أنتو وجودكم حلو أوي يا ياسين، و أنا بحبكم أوي"

ابتسم هو على حديثها ثم حرك يده يضعها على رأسها وهي بين ذراعيه و في غضون ثوانٍ غفت هي في ثباتٍ عميق كعادتها، بينما هو بمجرد انتظام أنفاسها ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
"أنا نفسي أفهم أنتِ بتنامي كدا إزاي؟ أنتِ كأنك بتضربي حاجة"

اعتدل في جلسته حتى تأخذ وضع أكثر راحةً و في تلك اللحظة دلف «رياض» وهو يقول بخبثٍ:
"إيه دا هو أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه، شكلي قطعت اللحظة؟"

رد عليه «ياسين» بسخريةٍ:
"أوي، بوظت اللحظة أوي، تعالى يا حبيبي دي نايمة أساسًا"

جلس والده أمامه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"عامل إيه يا جحش، وحشتني و الله، البيت وحش من غيرك"

رد عليه هو بتهكمٍ:
"قال يعني فارق معاك أوي، دا أنتَ مطلع عيني حرام عليك، و بعدين اللي يسمعك يقول إنك زعلان و أنتَ ما صدقت الجو يخلالك مع زُهرة"

رد عليه والده بنبرةٍ ضاحكة:
"دا حقد بقى ولا إيه؟ و بعدين أنا لو معملتش كدا خديجة كانت هتزعل و أنا مش عاوزها تزعل"

سأله «ياسين» بنبرةٍ حائرة:
"تزعل من إيه مش فاهم؟ الموضوع مكانش مستاهل، بس أنتو كبرتوه لدرجة غريبة"

رد عليه والده مُفسرًا:
"علشان هي متزعلش يا ياسين، لو كنت وقفت معاك و قولتلها فُكك و مفيهاش حاجة، كانت بعد هتحس بحواجز بينا، و عمرها ما هتعتبرنا أهلها، علشان كدا قلبت عليك، هي آه زعلت علشانك، بس كانت فرحانة علشان لقت حد يدعمها، و بعدين أنتَ عاقل و أكيد فاهم مراتك برضه"

حرك «ياسين» رأسه حتى ينظر لها وهي غافيةً على كتفه، فقال والده بنبرةٍ مشفقة عليها:
"مراتك طيبة أوي و حنينة، بنت أصول و قلبها أبيض، متزعلهاش يا ياسين بالله عليك، شكلها لما بتزعل بتبقى زي الطير مكسور الجناح"

تنهد هو بعمقٍ ثم رد عليه بنبرةٍ متأثرة:
"تعبت أوي يا بابا في حياتها، خديجة شافت كتير و مكانش معاها غير وليد بس، و أنا و الله مش بقصد أزعلها و لا عمري هعوز زعلها مني، لما بتعاتبني و الله بتقطع قلبي و لما بعرف حاجة عنها من اللي شافتها بحس قد إيه هي لازم تشوف أيام حلوة تنسيها اللي فات" 

ابتسم له والده وهو بفخرٍ:
"جدع، أنا برضه قولت تربيتي متخيبش أبدًا، علشان كدا هتقعدوا معانا يومين بدل القعدة لوحدكم"

رد عليه هو بتهكمٍ:
"آه علشان تعرف تربيني؟ مش كدا يا ابويا؟ يا حبيبي؟"

ضيق «رياض» جفنيه بشدة وهو يقول:
"آه يا جزمة !! باعتني و قالتلك؟ ماشي يا خديجة ، كدا هربيكم أنتو الاتنين"

رد عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"و إيه من غير حتى ما أسأل قالت كل حاجة، طيبة أوي و الله، باعتك من غير أقلام حتى"

رد عليه والده بنفس النبرةِ:
"علشان قلبها أبيض زي ما أنتَ قولت، يلا بقى خدها خليها تنام علشان البرد دا، و يلا علشان شغلك أنتَ كمان"

أومأ له موافقًا ثم اعتدل وقفته وهو يحملها معه على كتفه، بينما والده سخر منه وهو يقول:
"أنا برضه قولت أبو طويلة محدش صدقني"
_________________________

انتهت تلك الأمسية على الجميع حتى أتى الصباح و هو أول يوم في العام الدراسي الجديد، كان الجميع يتجهز لذلك اليوم بحماسٍ مُفرط، ارتدت «سلمى» ثيابها و تجهزت ثم وقفت أمام غرفة أخيها تطرق بابها وهي تقول بنبرةٍ حماسية:
"يلا يا طارق أصحى لحد ما أصحي سلمى، جميلة صحيت من بدري"

رد عليها هو من الداخل:
"صحيت يا سلمى و بلبس أهوه، روحي بس استعجلي «خلود» 
وافقت هي على حديثه ثم تحركت من أمامه ركضًا حتى وصلت لشقة عمها «طه» تقرع جرسها بقوةٍ حتى فتح لها «أحمد» بملامح وجه ناعسة وهو يقول بنبرةٍ متحشرجة:
"صباح الخير يا سلمى، فيه إيه على الصبح؟"

ردت عليه هي بأسفٍ:
"معلش بقى يا أحمد صحيتك، خلود فين؟ النهاردة أول يوم مدرسة و هي نايمة؟ دا أنا ٣ ثانوي و رايحة أهوه"

رد عليها هو بنبرةٍ تائهة:
"عادي ولا يهمك، بس خلود تقريبًا نايمة مصحيتش، ادخلي شوفيها"

أومأت له موافقةً ثم دخلت الشقة فتقابلت مع عمها في الممر فسألته بنبرةٍ هادئة:
"صباح الخير يا عمو طه، متعرفش خلود صحيت ولا لأ"

رد عليها هو بمرحٍ:
"صباح الخير يا ريا، لأ مصحيتش، بقالي ساعة بحاول مفيش فايدة فيها"

تحركت نحو الغرفة ثم دلفتها بقوة بعدما فتحت الباب على مصراعيه فوجدتها نائمة على الفراش و بجانبها الحاسوب مفتوح على مسلسلها المُفضل، اقتربت منها تهزها برفقٍ وهي تقول:
"خلود أصحي، أصحي يا زفتة هنتأخر الله يخربيت دماغك، فوقي بقى"

تململت «خلود» في نومها وهي تقول بضجرٍ:
"إيه، عاوزة إيه مني، روحي شوفي حالك"

خرجت «سلمى» من الغرفة فوجدت «أحمد» أمامها فقالت له بلهفة:
"أحمد !! معلش تعالىٰ صحي خلود مش هقدر عليها"

أومأ لها موافقًا ثم دخل الغرفة وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"خلود أصحي بطلي هبل، اصحي مش هتغيبي من أول يوم كدا"

زفرت هي بقوةٍ ثم سحبت الوسادة تضعها على رأسها، فسألته «سلمى» بتعجبٍ:
"هي نايمة الساعة كام؟ اللي أعرفه إنها رجعت من الدرس متأخر"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"الهانم نايمة الساعة ٣ و نص، كانت بتتفرج على مسلسل امبارح و أنا كنت صاحي اشرب"

شهقت هي بقوةٍ فوجدته يقول بخبثٍ:
"أنا عارف الأشكال دي بنصحيها إزاي؟ حبة ورا كدا يا سلمى"

عادت للخلف فوجدته يخفض نفسه ثم حمل «خلود» على ذراعيه، فشهقت «سلمى» بقوةٍ، بينما خرج من الغرفة وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"تعالي افتحي باب الحمام يا سلمى، بسرعة قبل ما تقع مني"

فتحت «سلمى» الباب فتوجه بها نحو الداخل وهو يقول متوعدًا:
"أنا مش هحلف علشان أنا في الحمام بس من ١: ٤ لو مفوقتيش هرميكي تحت الدُش"

لم يأتيه منها ردًا لذلك قال لـ «سلمى»:
"افتحي بقى الدش دا كدا و حاسبي علشان هدومك متتبهدلش"

أومأت له موافقةً ثم شرعت في تنفيذ ما طلبه منها، بينما «خلود» حينما شعرت به يقترب من المياه صرخت بقوة وهي تقول بخوفٍ:
"خلاص خلاص يا جاحد يا ابو قلب قاسي، فوقت"

تركها هو على مضضٍ بداخل حوض الاستحمام وهو يقول بضيقٍ:
"أشكال عاوزة الضرب، فوقي بدل ما افوقك يا خلود"

ردت عليه بحنقٍ:
"دا أنتَ تِنح يا أحمد، طب متتحركش من غير ما تسيب المصروف بقى"

رد عليها هو بضجرٍ منها:
"مصروف إيه يا حقيرة أنتِ، و الشاورما و العصير بتوع امبارح دول إيه"

دخلت «زينب» وهي تقول بنبرةٍ ساخرة:
"يا ولاد المجانين على الصبح؟ عاملين اجتماع في الحمام؟ أنتو هبل يا عيال على الصبح؟"

ردت عليها «سلمى» بنبرةٍ ضاحكة:
"خلود مش عاوزة تروح المدرسة يا طنط زينب، و أحمد كان بيوجب معاها"

كانت «خلود» تقف في حوض الاستحمام وهي تضع يدها في خِصرها، فتحدثت والدتها تقول بسخريةٍ: 
"علشان تبطلي فرجة على المسلسلات طول الليل، يلا يا أحمد اطلع جهز نفسك وئام مستنيك"

أومأ له موافقًا ثم اقترب من شقيقتها يحاول صفعها وهو يقول بنبرةٍ حانقة:
"فوقي بقى بدل ما أفوقك أنا"
_________________________

بعد مرور دقائق كان «طارق» و «وليد» و «جميلة» يقفون سويًا أسفل البيت، فتحدثت «جميلة» تقول بتأففٍ:
"نفسي أفهم البرود دا جايباه منين؟ مفيش حماس خالص عندها، سلمى صاحية من بدري"

رد عليها «وليد» بسخريةٍ:
"أنتِ لسه شوفتي حاجة؟ خديجة الله يصبحها بالخير كانت بتشد في شعرها لحد ما خلود تصحى، اصبري بس"

ضحك «طارق» بقوة وهو يقول بنبرةٍ ساخرة:
"فاكر يالا لما عمك طه و أحمد شالوها و غرقوها في البانيو و هي في أولى ثانوي؟ البيت كله صحي على صوتها"

ضحك «وليد» بقوة ثم قال:
"و لما نزلت و نسيت الشنطة في العربية و دخلت المدرسة من غيرها، و روحت علشان كانت متعاقبة"

تدخلت «جميلة» تقول بتعجبٍ:
"لما هي مجبورة على التعليم مكملة ليه؟ إيه العلاقة التوكسيك دي؟"

قبل أن يرد أيًا منهما نزلت «سلمى» و «خلود» تتبعها، رمقتها «جميلة» بغيظٍ وهي تقول:
"إيه يا خلود؟ كل دا يا علشان تصحي؟ اومال لو مش أول يوم بقى؟"

ردت عليها بحنقٍ:
"يلهوي عاملة زي أمك على الصبح، لازم تتريقي يعني؟"

ردت عليها «جميلة» بنبرةٍ ضاحكة:
"منه لله السبب في تربيتك، ربنا يسامحه بقى"

رد عليها «وليد» بنبرةٍ متعجلة:
"طب سلام عليكم أنا بقى، علشان ورايا مشوار و مستعجل عليه، كل سنة و أنتو طيبين"

اقتربت منه «خلود» تقول بنبرةٍ جامدة:
"خد هنا رايح فين؟ أنتَ نسيت ولا إيه؟ المصروف يا حلو"

زفر هو بقوةٍ ثم أخرج الأموال من محفظة نقوده وهو يقول بنذقٍ:
"اتفضلي يا ست زفتة على الصبح، عادة ربنا يقطعها علشان أخلص منك"

تدخلت «سلمى» تقول بتهكم:
"خدتي مصروف من أحمد و خدتي مصروف من عمو طه، و خدتي مصروف من وليد؟ ناقص مين بقى مخدتيش منه؟"

ابتسمت «خلود» بخبثٍ وهي تقول:
"ناقص طاروق"

رفع «طارق» طرف أنفه بتشنجٍ وهو يقول:
"نعم يا ختي؟ أنا مالي بيكي، ما تشوف يا وليد على الصبح؟"

رد عليه «وليد» بنبرةٍ ضاحكة:
"انسى، دي محدش بيخلع منها، بص اعتبرها صدقة جارية"

قال جملته ثم انسحب من أمامهم وهو يضحك عليهم، بينما «خلود» نظرت في أثره وهي تقول بتعجبٍ:
"الواد دا رايح فين على الصبح"
_________________________

في شقة «حسن» استيقظ هو مُبكرًا و «هدير» معه، ارتدى حِلته ثم وقف يمشط خصلاته السوداء، فوجدها تدلف الغرفة بعدما بدلت ثيابها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا هنزل معاك توصلني بالعربية السوبر ماركت يا حسن، هجيب حاجات علشان فيه حاجات كتير ناقصة في الشقة"

رد عليها هو مُقترحًا:
"طب ما تخليكي يا هدير بدل ما تنزلي بدري كدا و أم أمل تجيب الحاجة اللي أنتِ عاوزاها"

ردت عليه هي بنبرةٍ مقررة:
"يا حسن لما بكون في السوبر ماركت بشوف أكتر أنا محتاجة إيه، إنما لما هي تجيب بنسى حاجات كتير، لو هعطلك خلاص أنزل أنا لوحدي مش مشكلة"

ترك فرشاة الشعر وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"لأ و على إيه يا ستي، يلا ننزل سوا، أنا أصلًا على أخري علشان النهاردة الحد و مش أي حد، دا أول يوم مدارس"

ردت عليه هي بنبرةٍ حائرة:
"و مالك متضايق ليه؟ أومال لو عندك عيل بقى مش عاوز يروح كنت عملت إيه؟"

رد عليها هو مُفسرًا:
"أصل أنتِ مش فاهمة، بيبقى يوم زحمة و تعب و كله بيسابق الزمن علشان يوصل، و العيال مضروبة على وشها ١٠٠ قلم، يوم مرهق جسديًا و نفسيًا"

ردت عليه هي بسخريةٍ:
"دا أنتَ قلبك شايل أوي من اليوم دا، على العموم لو خلصت يلا قبل الزحمة"

أومأ لها موافقًا ثم خرج خلفها من الغرفة، وجدها تفتح الباب فأوقفها بنبرته الجامدة:
"شعرك باين يا هدير، داريه بدل ما أقعدك هنا و أنزل أنا"

عدلت هي وضع شعرها أسفل الحجاب وهي تقول بنبرةٍ معتذرة:
"أنا آسفة و الله، المرة الجاية هاخد بالي، يلا بس علشان ننزل"

أومأ لها موافقًا فتقدمها هو ثم فتح الباب وهي خلفه تبتسم بيأسٍ، و تزامنًا مع فتحه الباب كان جاره في الشقة المجاورة يفتح بابه في نفس الوقت، و منه خرج طفلًا صغيرًا وهو يقول بنبرةٍ شبه باكية:
"أنا عاوز ماما تيجي توصلني، بلاش أنتَ يا بابا"

رد عليه والده بضيقٍ:
"يا حبيبي ماما راحت الشغل من الصبح، أنا هركبك الباص و أرجع ألبس و أنزل"

اقترب منه «حسن» وهو يقول بوجهه البشوش:
"صباح الخير يا أستاذ عادل، كل سنة و أنتَ طيب"

رد عليه الرجل التحية وهو يقول بودٍ:
"صباح النور يا أستاذ حسن، صباح النور يا مدام"

أومأت له «هدير» بخفة وهي تستغرب لقب "مدام" الذي نعتها به للتو، بينما «حسن» حينما لاحظ تذمر الطفل الصغير أخفض نفسه لمستواه وهو يقول بنبرةٍ مرحة حتى يمازحه:
"صباح الخير يا أيهم، مالك مكشر ليه على الصبح دا إحنا لسه بنقول يا هادي"

رد عليه الطفل بنبرةٍ شبه باكية:
"علشان عاوز ماما توصلني للباص، مش عاوز بابا، كل صحابي مامتهم بتوصلهم، أنا بابا بيسبني لعمو سعد هو يوصلني"

رفع «حسن» رأسه حتى يطالع الرجل فوجده يقول مبررًا:
"أعمل إيه طيب؟ مامته نزلت الشغل من الصبح علشان النهاردة أول يوم ليها، و أنا هضطر أتأخر علشان أعرف أسلمه لعم سعد يركبه و بعدها أرجع أخد حاجتي علشان ألحق البنك"

رد عليه الصغير بحزن:
"و أنا مش مشكلة صح؟ مش هروح خلاص"

حينما لاحظت «هدير» حالة الصغير لم تتمالك نفسها من إظهار تعاطفها معه، لذلك وجدت نفسها تخفض جسدها حتى وصلت لمستواه وهي تقول بنبرةٍ حنونة:
"طب ينفع أنا أوصلك للباص؟ بدل ما تعيط كدا، و عمو حسن كمان هيجي معانا، ها موافق؟"

طالعها «حسن» بدهشةٍ، فوجدها تُكمل من جديد:
"ها تيجي تنزل معايا أنا و عمو حسن و نوصلك إحنا؟ و كدا يبقى معاك اتنين مش واحد"

تدخل الرجل يقول بحرجٍ:
"أنا متأسف جدًا على الموقف دا، بس هو ليه تحكمات غريبة، أنا متأسف يا أستاذ حسن"

رد عليه «حسن» بنبرةٍ حاول صبغها بالثبات رغم الدهشة التي تلبسته:
"لأ مفيش أي حاجة، أنا هاخده معايا و أركبه الباص، أدخل أنتَ جهز نفسك علشان شغلك، و اطمن هو معايا، مش كدا يا أيهم؟"

رد عليه الصغير بمرحٍ:
"كدا و نص كمان، بس أنا فرحان علشان هي هتيجي معايا"

ابتسمت له هي ثم استقامت في وقفتها، بينما الطفل قال لها بنفس المرح:
"هو أنتِ ليه مش عندك حد توصليه المدرسة؟ هو أنتِ صغيرة، ما تجيبي نونو"

ابتسمت هي بخجلٍ، بينما «حسن» رد عليه بسخريةٍ:
" شغالين عليه أهوه يا سيدي، ادعيلنا بقى بالتيسير"

رد عليه والده بحنقٍ:
"عيب كدا يا أيهم، قولت ١٠٠ مرة فيه حاجات مينفعش نتكلم فيها"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بندمٍ:
"أنا آسف، ممكن متزعلوش مني"

رد عليه كليهما ثم نزلوا معًا هما الثلاثة، كانت هي تمسك بيد الطفل الصغير و «حسن» خلفهما يبتسم بقوة سامحًا لنفسه يتخيل ابنه منها في مثل هذا اليوم، و يذهبان معًا لتوصيله للمدرسة، ظل يتخيل هذا الموقف حتى وصل بجانبهم أمام البناية منتظرين قدوم الحافلة المدرسية، نظرت له هي فوجدته شاردًا بملامح صافية و يبدو أن خياله ينسج له أحلامًا ظنت هي أنه يراها أمام عينيه، فسألته بنبرةٍ هادئ:
"إيه يا حسن سرحت في إيه؟ أنتَ زعلت علشان اتسرعت و عرضت العرض دا؟"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة و وجهٍ بشوش:
"لأ خالص، أنا كنت هعمل كدا برضه، بس سرحت في حاجة كدا غريبة و أول مرة خيالي يوصل بيا لكدا"

سألته هي بتعجبٍ:
"حاجة إيه دي اللي تخليك تضحك كدا و شكل كنت مبسوط"

رد عليها هو بدون تفيكر و بصراحة لم تعهدها من قبل من أي إنسان:
"تخيلت نفسي و أنا نازل وراكي أنتِ و ابني و احنا رايحين نوصله المدرسة، مش عارف إزاي و ليه أصلًا، بس لقيت نفسي بتخيل كدا؟"

توردت وجنتيها بخجلٍ من حديثه و خياله، فوجدته يقول بنبرةٍ مُحبطة بعد صمتها:
"متشغليش بالك يا هدير، دا حلم من أحلام اليقظة، يعني مش حقيقة"

_"لو فيه نصيب هيبقى حقيقة و يتحقق يا حسن"
اندفعت هي ترد عليه بذلك دون أن تحسب حساب حديثها أو اندفاعها بتلك الطريقة الغبية التي جعلته ينظر لها ببلاهةٍ، أما هي فشعرت بالدماء تتدفق في وجهها بقوةٍ و لا تدري كيف تخرج من ذلك المأذق الذي وضعت نفسها به.

تعليقات



×