رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والعشرون
غَريقٌ أنا في بحور عينيكِ...حتى كل المسارات أصبحت تقودني إليكِ
_________________________
خلقتُ بسيطًا لا أبالي، أصنع من علاقاتي بُساطًا للنجاة، أؤمن بأن العلاقات خُلقت للتعافى و الليّن، لطالما كان صاحب القلب الليْن أقرب للناسِ، يُشبهون الناس بريق قلبه ببريق الماس، أنا هنا سندًا للجميع، أنا هنا وقت الحاجة لي...سأكون في المقدمةِ بقدرٍ كافي حتى يصل من احتاجني للتعافي.
حركت «مشيرة» رأسها باستنكارٍ واضح تحاول إدارك مقصد «وليد» من حديثه فوجدته يضيف مؤكدًا حديثه:
"زي ما سمعتي كدا، تروحي تتعالجي نفسيًا زينا، و كدا يبقى فعلًا أصفالك، على الأقل هصدق إنك كنتي بتعملي كدا غصب عنك"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"أنا فعلًا كنت بعمل كدا غصب عني، أنا مكنتش ببقى واعية، أنا كنت كل يوم بليل أبص في المراية على نفسي علشان أعرف مين اللي قصادي دي، مين الجاحدة اللي قدامي"
حرك رأسه موافقًا وهو يقول بنبرةٍ متريثة و لكنها حادة لا تقبل النقاش:
"و هو دا سبب إنك تتعالجي، مشيرة أنتِ اللي عندك دا زي انفصام الشخصية، و ممكن يرجع و أثره يبقى أقوى، علشان كدا العلاج هو الحل"
طالعته هي بدهشةٍ بعينيها الدامعتين، فوجدته يقول:
"شوفتي بقى إنها مفاجأة؟ فاكرة عايرتي خديجة قدامنا بإيه؟ قولتيلها أنتِ مريضة نفسيًا و مجنونة، ساعتها خديجة كانت زي العصفور اللي جناحه اتقطم، الزمن دار و طلعتي مريضة نفسيًا برضه، معلش أصل كاس و داير"
مسحت دموعها بقوة ثم ردت عليه بنبرةٍ جامدة:
"أنتَ كداب، أنتَ بتقول كدا علشان تحسسني بالندم، لكن أنا معنديش حاجة أصلًا، آه غلطت بس دا علشان أنا اتغدر بيا"
حرك رأسه للأعلى يطالع السماء، ثم أعادها من جديد وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"نهاية الكلام، عيادة هناء مش بعيدة عليكي، لو عاوزة تثبتي إنك بجد بتحاولي تتغيري يبقى تروحي تتعالجي، على الأقل علشان جميلة تنسى الحاجز النفسي اللي بينكم"
عند ذِكر اسم ابنتها استطاع إثارة اهتمامها، لذلك ازدردت لُعابها بقلقٍ، فوجدته يبتسم بتهكمٍ و كأنه يسخر من حالتها بذلك، بينما هي زفرت بقوةٍ فوجدته يقول متكئًا على حروف كلماته:
"افتكري جـمـيلة يا مُشيرة، افتكري إن بنتك طول عمرها هتعيش بذنب أمها المؤذية"
هَبتّ مُنتفضة من جلستها وهي تقول بنبرةٍ منفعلة تصرخ في وجهه:
"و هو أنتَ مش مستوعب إن السبب في كل دا هو إن بنتي دي مكانتش معايا؟ مش واخد بالك إن أنا أم و قلبي أتوجع سنين؟ مش واخد بالك أني اتعذبت و عيشت زي خيال المآتة لوحدي؟"
وقف مقابلًا لـها وهو يقول بنبرةٍ منفعلة هو الآخر يصرخ في وجهها:
"و أنتِ مش واخدة بالك إن فيه واحدة بسببك حياتها باظت؟ مش واخدة بالك إن فيه بنت لحد دلوقتي بتخاف من الضلمة و الصوت العالي؟ مش واخدة بالك من مسكتها في إيد جوزها طول ما هي هنا و كأنها بتتحامىٰ فيه؟ مش واخدة بالك إنك بتبرري عملتك في البت الصُغيرة؟"
طالعته بعينيها و هي تحاول استيعاب ما تفوه به أمامها فوجد العبرات تعرف طريقها على وجنتيها لذلك، اقترب منها بخطواتٍ متمهلة حتى أصبح مواجهًا لها و هو يقول:
"صدمة مش كدا ؟! فاكرة إن العمر هينسيني؟ عاوزاني أنسى وجع أختي؟ أنسى لما كنت بنطلها زي الحرامي من المنور علشان الليل لما يدخل تلاقيني جنبها؟ افتكري الكلام دا كويس،
المجروح من أهله جرحه مبيلمش و أنا مصيبتي السودا إنك من أهلي يا مشيرة، جايز الوقت ينسي الألم، لكن الجرح مفتوح و أنتِ جرحك غويط أوي"
ضغطت على جفنيها بشدة حتى تحاول التحكم في عبراتها التي تُذرف بقوة و كأنها في مسابقة العِدو، بينما هو جلس من جديد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"لو هتاخدي الخَطوة أنا موافق و هاجي معاك، لو لسه هتفكري يبقى من هنا لحد ما وقتك يخلص وشوشنا متتقابلش، و افتكري إنك بعلاجك هتثبتي إن كان فيه مُشيرة تانية غيرك هي اللي بتحركك، تصبحي على خير"
راقبت هي جلوسه بتمعنٍ، ثم تنفست الصعداء و من بعدها تركته و خرجت من أمامه وهي تفكر في صدق قوله، فمهما كان جرحها و آلمها و مهما ذاقت من الظلم ففي النهاية أخرجت ظلمها على فتاةٍ صغيرة لا حول لها و لا قوة.
جلس هو على الأريكة، و من بعد تفكيره و استشعاره بالضيق يُخيم عليه حينما شعر بالذكريات المريرة تهجم عليه عندها وقف هو ثم ترك السطح بأكمله ثم توجه نحو شقتهم و بمجرد دلوفه وجد والدته في صالة الشقة تقرأ في المصحف الشريف بين كفيها، حينها اقترب منها، يجثو على ركبتيه أمامها فوجدها تغلق المصحف ثم رفعت ذراعها تضعه خلفها وهي تطالعه بلومٍ و رافق نظرتها تلك قولها المُعاتب:
"كدا !! يومين كاملين معرفش حاجة عنك و قلبي واكلني عليك؟ و دماغي تعبتني من كتر الخوف ومش عارفة أنام"
ابتسم لها ثم رفع نفسه حتى يصل لمقدمة رأسها يقبلها و من بعدها عاد لموضعه وهو يقول بنبرةٍ مُعتذرة:
"طب لو قولتلك حقك عليا و على قلبي؟ أنا و الله كنت مع ياسين متخافيش"
رفعت كفها تمسح على رأسه وهي تقول بتأثرٍ واضح و نبرة اختلطت بالبكاء وهي تقول:
"إزاي مخافش عليك؟ إزاي و أنا عارفاك و حفظاك و عارفة قلبك بيشوف إيه؟ إزاي يا وليد و أنتَ نور عيني؟"
ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بمرحه:
"نور عيني !! من زمان مقولتيهاش ليا خلي بالك"
سحبته نحوها حتى يجلس مجاورًا لها و بعدها ضللت عليه بين ذراعيها و كأنه طفلًا صغيرًا يحتمي بين ذراعي والدته، بينما هي قبلت قمة رأسه ثم استندت بذقنها على رأسه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"هتفضل نور عيني و حبيبي، قلبي دا اتقسم تلاتة، مرتضى تِلت و وئام تِلت و أنتَ تِلت، التِلت بتاعك بقى شاف خوف و زعل علشانك كتير، و على قد كدا لسه بيرفرف لما يشوفك بتضحك، ضحكتك حلوة أوي يا وليد"
تأثر هو من حديثها لذلك رفع كفه يمسح دموعه، فوجدها تقول بنبرةٍ مرحة حتى تغير تلك الأجواء:
"قولي بقى كنت فين؟ و اليومين دول عملت فيهم إيه يا سيدي"
ابتسم هو حينما تذكر اليومين برفقة أخته و زوجها و خاصةً الفرح الشعبي، لذلك جاوبها بنبرةٍ ظهرت بها فرحته وهو يقول:
"كنت بتأهل نفسيًا يا ماما، قضيت يومين في حياتي كنت محتاجهم، و على فكرة أنا فعلًا كنت محتاج اليومين دول، بس بجد هموت و أنام"
ربت على ظهره بقوة ثم سحبت المفرش المجاور لها تضعه على ظهره وهي تقول بنبرةٍ مرحة:
"يبقى سيبك من مرتضى و نام في حضني كدا، لحد الفجر و أنا هصحيك تصليه و تنام بعدها"
رد عليها هو بسخريةٍ:
"يعني هي بقت كدا؟! هو أنا عيل صغير يا ماما؟ هنام في حضنك"
ردت عليه هي بنبرةٍ معاتبة:
"اخس عليك يا وليد !! موحشكش حضن أمك؟ و أنا اللي قولت ما هيصدق"
ابتسم هو باتساع ثم شدد مسكته لها وهو يقول بنبرةٍ مُحبة:
"حضنك وحشني فعلًا، و كنت تايه من غيرك طب إيه رأيك بقى إنك هتلعبي في راسي و تحكيلي حدوتة كمان"
ضحكت هي بقوةٍ ثم ردت عليه بمرحٍ:
"بس كدا عيني الاتنين، هحكيلك حدوتة الشاطر وليد، وليد روح قلب أمه و نور عينها كمان"
حرك رأسه موافقًا بين ذراعيها وهو يقول بنبرةٍ ناعسة:
"عارفه الواد دا، طيب و الله و غلبان بس سافل"
ربتت على رأسه بخفةٍ ثم شرعت في قص الحكاية التي اعتاد على سماعها منه في صغره، بينما هي شعرت معه بإحساس الأمومة يتجدد بها و كأن الزمان عاد بهما إلى الوراء حينما كان يشعر بالغضب مِن مَن حوله و كانت هي تحتضنه بين ذراعيها و تقص عليه تلك الحكاية التي تشبهه فيها بالبطل الذي انقذ بلدته من الدمار المُهلك، و كلما تعمق هو في الحكاية كلما شعر بتواجد الشبه بينه و بين بطل الحكاية.
_________________________
انتهت تلك الليلة بأمسيتها السعيدة على البعض و على الأخرين بخوفٍ خاصة حينما عاد الشباب إلى زوجاتهم و كانت كلًا منهن في ثباتٍ عميق، حتى اتى الصباح و أول الرحلات تبدأ من شقة «رياض» الذي وقف أمام باب غرفة ابنه وهو يطرقه و رافق طرقته تلك قوله الهاديء:
"خديجة يا حبيبتي، اصحي علشان تفطري معانا قبل ما ننزل أنا و زُهرة"
كانت هي في الداخل تقوم بتأدية صلاة الصُبح و لحسن الحظ أنها أنهت الصلاة مع طرق الباب، بينما «ياسين» كان في المرحاض الخاص بغرفته يتجهز حتى يذهب إلى عمله، فتحت هي الباب فنظر لها حماها بفخرٍ وهو يقول:
"ما شاء الله قمر في الإسدال، ربنا يتقبل منك يا رب"
ردت عليه هي بنبرةٍ ممتنة:
"متشكرة لحضرتك جدًا، و ربنا يتقبل مننا جميعًا، أنا هاجي أحضر الفطار حالًا"
رد عليها هو بمرحٍ:
"لأ يا ستي متتعبيش نفسك، أنا و زهرة حضرناه مع بعض، أصل دي عادتنا لازم نناقر بعض كل يوم على الفطار، و كمان الجحش دا أكيد نايم في شقته زي الكلب بعد ما جه هنا و محدش فتحله"
سعلت هي بقوةٍ من توترها، فوجدته يطالعها بخوفٍ وهو يقول:
"بتكحي ليه يا حبيبتي؟ أنتِ خدتي برد؟ شكلك نمتي من غير غطا، و كله بسبب الجحش ابنـ...."
قبل أن يكمل جملته وجده أمامه بعدما خرج من المرحاض بثيابه العملية وهي عبارة عن حِلةٍ باللون الاسود و اسفلها قميص بنفس اللون، طالعه والده بتعجبٍ من وجوده في المكان فوجده يقول بنبرةٍ متريثة:
"ها كمل يا حج رياض، ماله الجحش بقى؟ عملك إيه؟"
رد عليه والده بحنقٍ:
"أنتَ دخلت هنا إزاي يا صايع؟ أنا بنفسي قفلت الباب بالمفتاح و حطيته جوة الباب من غير ما هما يعرفوا علشان محدش فيهم يفتحلك"
رفع «ياسين» ذراعه يضعه عليه وهو يقربها منه يضمها أسفل ذراعه وهو يقول بمرحٍ:
"مراتي حبيبتي و نور عيني فتحتلي الباب، مهنتش عليها؟"
شهقت هي بقوةٍ بينما «رياض» طالعها باستفسارٍ ممتزج بالدهشة، فوجده يضيف بخبثٍ:
"أنتَ بتبصلها كدا ليه؟ هي هتكدبني يعني؟ و بعدين دي طول الليل نايمة في حضني يبقى خدت برد إزاي؟"
اقترب منها «رياض» ثم أخذها منه وهو يقول متوعدًا له:
"ماشي يا ياسين، مراتك و طلعت بنت اصول و مهانش عليها بعد ما تيجي هنا ترجع تاني بيتك، بس أنا هربيك من تاني"
قال جملته ثم سحبها من يدها خلفه، بينما «ياسين» زفر بقوةٍ ثم توجه نحو المرآة يقوم بتمشيط شعره، بينما والده خرج بها نحو الطاولة وهو يقول بنبرةٍ معاتبة لها:
"كدا برضه تفتحيله؟ أنا كنت ناوي أخليه يتربى، كدا تشمتيه فيا أبو طويلة الاهبل دا؟"
ردت عليه هي بخجلٍ من فعلتها ثم أضافت تبرر موقفها:
"أنا متأسفة لحضرتك والله يا بابا، بس أنا قولت حرام يجي هنا و ميدخلش و يرجع تاني يسوق وهو أكيد هيبقى نايم و الطريق مش أمان"
ابتسم «رياض» بفخرٍ ثم رفع كفه يربت على رأسها وهو يقول:
"أنتِ بنت أصول يا خديجة و الست اللي تخاف على جوزها يبقى تستاهل تتشال في العين، بس يمين بالله هربيه برضه"
قال جملته الأخيرة بتوعدٍ، بينما «زهرة» خرجت بباقي الطعام وهي تقول بنبرةٍ مرحة:
"صباح الخير يا خديجة، عرفتي تنامي كويس لوحدك يا حبيبتي؟"
_"و تنام لوحدها ليه إن شاء الله؟ هو أنا دكر بط مش مالي عينكم؟"
تفوه «ياسين» بذلك ساخرًا من حديث والدته التي التفتت له وهي تقول مذعورة من وجوده:
"بسم الله الرحمن الرحيم، بيطلعوا إمتى دول؟ هو مش أنتَ من شوية يا رياض قولتلي إنك قفلت الباب و زمانه في بيته؟"
سألت زوجها عن كيفية وجوده، فرد عليها هو مُفسرًا:
"مراته يا ستي فتحتله الباب مهانش عليها، بس لسه إحنا ثابتين على موقفنا برضه، و هبهدله في المحاكم"
ابتسمت «خديجة» بسمة طفيفة رُسمت على ثُغرها، بينما «ياسين» رفع حاجبه حانقًا على الوضع برمته و هو يتابع جلوس الأسرةِ بأكملها، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم سحب المقعد المجاور لمقعد زوجته و قبل أن يجلس عليه وصله صوت والده وهو يقول بضجرٍ منه:
"ابعد عنها يالا أنتَ، تعالى اترزع جنبي هنا، مش علشان فتحتلك الباب يبقى خلاص يا روح أمك"
أخفضت رأسها تحاول وأد ضحكتها، بينما والدته تصنعت التجاهل له، أما هو فدفع المقعد للأمام من جديد ثم توجه يجلس مجاورًا لوالده الذي تبع فعلته برضا تام وهو يقول بنبرةٍ غير مبالية:
"كدا أحسن برضه، اتفضل افطر علشان تمشي على شغلك"
ابتسم له باستفزازٍ ثم حرك رأسه يتابع الطاولة و من بعدها تحدث يقول بحنقٍ:
"هو إيه دا بقى إن شاء الله؟ فين النسكافيه بتاعي و لا هو أنا مليش لازمة في البيت دا؟"
رد عليه والده بنبرةٍ خبيثة:
"أصل مكناش عاملين حسابك، بصراحة نسينا يا ياسين"
رد عليه هو بتهكمٍ:
"لأ و الله !! نسيت ابنك؟ طب ما أنتَ شوفتني جوة مقولتش لماما تعمله ليه؟ و أنتِ يا ست الكل معملتيش ليه النسكافيه"
وجه حديثه لها يسألها بنبرةٍ جامدة، فتدخلت والدته تقول بضيقٍ منه:
"أنا مخلتهاش تعمل حاجة علشان إحنا اللي محضرين الفطار، و بعدين هو أنتَ ليك عين كمان"
زفر بقوةٍ ثم قال مفسرًا بنبرةٍ امتزجت بالتوسل:
"يا جدعان والله أنتو ظلمتوني، كنا في حنة أيمن المكوجي اللي في حارة شحاتة، و انتو عارفين جوايا واحد شعبي ما بيصدق يخرج أصلًا"
طالعته والدته بتقززٍ وهي تقول:
"بس جتك القرف في ذوقك، غاوي أفراح شعبية و رقص شعبي، هو دا المهندس ياسين"
رد عليه هو بسخرية:
"هو أنتِ مخلفة رقاصة؟ ما أنا لسه مهندس برضه زي ما أنا"
تدخل «رياض» يقول بنبرةٍ ظهرت بها السرعة وهو يقول:
"طب بس خلاص بقى، يلا يا زهرة أفطري علشان أوصلك المدرسة قبل ما الأتوبيس بتاع الشغل يوصل، و أنتِ يا خديجة افطري يا حبيبتي كويس"
وجه حديثه لزوجته و زوجة ابنه وهو يتجاهل ابنه الذي تحدث يقول بتعجبٍ:
"طب و أنا مش هتقولي أفطر يا ياسين؟ خلاص نسيت اللي كان بيننا"
رد عليه والده بضجرٍ:
"قوم يالا اعمل لنفسك النسكافيه اللي أنتَ عاوزه علشان تنزل معانا توصلني على الطريق"
أومأ له موافقًا ثم وقف حتى يتوجه نحو المطبخ ليقوم بعمل مشروبه الخاص و قبل أن يتحرك من جوار الطاولة، سألها بمرحٍ يحاول به تخفيف حدة نظراتها:
"بقولك إيه يا كتكوتة مش عاوزة تيجي تساعديني خالص؟"
حركت رأسها تنظر له وهي تقول بنبرةٍ جامدة بعدما رسمت الثبات على وجهها:
"لأ مش عاوزة، اتفضل حضرتك أنتَ يا أستاذ ياسين"
اتكأت على حروف كلماتها عند ذكر اسمه، بينما هو عض على شفته السفلى ثم تحرك من أمامهم، بينما هي زفرت بقوةٍ ثم سألت والده بقلقٍ بنبرة هامسة:
"أنا بقول خلاص كدا بقى، هو أكيد كان في الفرح و إنشغل و روحت عن باله، عادي"
رد عليها مُعقبًا:
"بس أنتِ خالص علشان هتضيعي تعبي، يا أنا يا أبو طويلة الاتنين متر دا"
ردت عليه هي ببلاهة:
"إيه دا هو ياسين طوله اتنين متر بجد؟ أنا بقول برضه فرق الطول دا مش طبيعي"
ردت عليها «زُهرة» بنبرةٍ ضاحكة:
"كنايةً يعني يا خديجة، و بعدين هو مجابش الاتنين متر هو ١٨٠ سم، أطول من باباه بشوية"
أومأ لها موافقةً ثم أضافت بنبرةٍ هادئة:
"تقريبًا طول أحمد و وليد مقارب ليهم برضه، إنما طارق و وئام أطول منه بشوية"
رد عليها حماها بحنقٍ:
"شوفي برضه بتفكري فيه، عاوزك تنسيه خالص، لحد ما يتعلم الأدب"
أومأت له موافقةً ثم بدأت في تناول فطورها حينما بدأت «زُهرة» و في تلك اللحظة خرج هو من المطبخ ثم جلس على مقعده السابق، بينما والدته سألته بحنقٍ:
"ها يا أستاذ ياسين، قولي بقى معبرتش حد فينا إمبارح ليه إن شاء الله؟ إزاي يا أستاذ أكلمك أنا و مراتك و باباك و متردش على حد فينا؟"
تنحنح هو يُجلي حنجرته وهو يقول بنبرةٍ ثابتة بعض الشيء:
"هو أنا بصراحة خوفت على التليفونات تتقلب علشان كدا سبناها في العربيات، و مع الجو الشعبي دا بقى نسيت كل حاجة"
طالعته «خديجة» بغير تصديق من خلال حركة رأسها لليسار قليلًا، بينما هو أضاف مؤكدًا:
"أنا مش فاهم الموضوع كِبر كدا ليه؟ عادي يا جماعة فرح و خلص و ربنا يفرح الكل"
رد عليه والده بنبرةٍ جامدة:
"علشان يا أستاذ فيه ناس لازم حضرتك تقدرهم، يبقى فيه تليفون أفهم الناس الوضع إيه، مراتك عاملة حسابها ترجع بيتها و فضلت دماغها تلف و تدور و لولا أنا عرفت بالصدفة من فهمي كان زمانها لسه قلقانة، أنتَ مشوفتش شكلها لما عرفت إنك في فرح و كويس كان عامل إزاي؟ كانت هتعيط من فرحتها"
حينما حدثه والده و قام بتفسير الموقف له أدرك هو خطأه، لذلك وقف وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"طب أنا اتأخرت و لازم أمشي علشان الساعة قربت على ٧"
قال حديثه ثم تحرك من أمام الجميع تاركهم خلفه ينظرون في أثره بتعجبٍ قبل أن يرد أيًا منهم عليه، بينما هي شعرت بالغيظ منه و قبل أن تزداد سهامها الموجهة نحو خروجه وصلها صوت والده وهو يقول مُردفًا لها:
"هو كدا لما يعرف إنه غلطان، بيمشي علشان محدش يفضل يلومه أكتر، و هيعصر دماغه لحد ما يصلح الموقف إن شاء الله"
حركت رأسها موافقةً له ثم أخرجت تنهيدةً قويةً من فعلته تلك و من لامبالاته التي استشعرتها هي، بينما والده ابتسم بخبثٍ وهو يدري ما سوف يحدث من ابنه لحل الموقف قبل أن يتفاقم الوضع بينهما.
_________________________
في شقة «ياسر» ارتدى ثيابه و قام بتجهيز حاجاته الخاصة بمفرده خوفًا من معاتبة زوجته لكنه تفاجأ بها تدلف الغرفةِ له وهي كعادتها تمد يدها له بالطعام وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"الفطار يا ياسر علشان متصدعش و هتلاقي معاه الدوا بتاع البرد علشان تلحق نفسك قبل ما يمسك فيك"
اندهش هو من طريقتها خاصةً وهي تمد يدها له بالطعام، فأخذه منها وهو ينظر به بتشككٍ ثم رفع رأسه يطالعها فوجدها تبتسم له، حينها سألها بقلقٍ:
"بصي عارف أني غلطت و عارف أني اتأخرت كتير، و حقك تزعلي مني بس هو دا يخليكي تسممي الأكل يعني يا إيمان؟"
نظرت له ببلاهةٍ غير مُدركة لما يتفوه عنه، فوجدته يضيف مردفًا لها:
"قصدي على الأكل دا، مش أنتِ سممتيه علشان تنتقمي على حركة امبارح؟"
ردت عليه هي بتعجبٍ ممتزج بحنقها منه:
"أنتَ عبيط يا ياسر؟ هو أنتَ فاكرني إيه؟ هسمك ليه أنا هو أنتَ فار؟ دا إيه التخلف دا؟"
ابتسم هو على طريقتها المنفعلة، لذلك قال مفسرًا لها:
"أنا قولت يمكن تكون زعلانة خصوصًا إنك صحيتي قبلي و دي مش عادتك يا إيمان، بس والله اتأخرت غصبٍ عني"
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"عارفة يا ياسر و خصوصًا إنك مبتحبش تسبني لوحدي، أنا مش زعلانة أهم حاجة عندي إنك تكون مبسوط و دا اللي يهمني"
حرك رأسه للخلف بتعجبٍ غير مصدقًا لما تفوهت به، فوجدها تحرك رأسها موافقة تؤكد صدق حديثها، ثم اقتربت منه تمسك كفه وهي تقول بنبرةٍ حاولت صبغها بالثبات:
"صدقني والله ميهمنيش غير إنك تكون مبسوط، أنا مش عاوزاك تفضل زعلان يا ياسر، مش عاوزاك كل يوم تفضل تضغط على نفسك كدا، كفاية إنك كنت فرحان و راجع فرحان، يبقى بصراحة حرام أبوظ فرحتك دي، على الأقل لحد ما ترجع"
قالت جملتها الأخيرة بتوعد جعله يطالعها بريبةٍ فوجدها تضحك بقوة ثم قالت:
"خلاص مفيش لحد ما تجيلي، مش هزعلك يا ياسر، يلا علشان اتأخرت على شغلك، ياسين مش موجود علشان يوصلك"
اقترب هو منها ثم قال بفخرٍ لم يستطع السيطرةِ عليه:
"أنا فخور بيكي والله أوي، بس برضه بحبك و أنتِ بتعاندي معايا مش علشان حاجة، بس بحبك و أنتِ متعصبة أوي"
ابتسمت له بخفةٍ ثم قالت تحثه على التحرك:
"طب يلا بقى هتفضل تِسَبلي كتير بعيونك الزرقا اللي شبه البحر دي؟ يلا يا دكتور هتتأخر"
اقترب منها ثم قبل رأسها بعدها طالعها بوجهٍ مبتسم وهو يقول:
"أقولك على حاجة؟ هجبلك حاجة حلوة و أنا جاي"
سألته هي بنبرةٍ متلهفة:
"بجد !! إيه قولي بالله عليك يا ياسر، علشان خاطري"
اتسعت بسمته أكثر وهو يقول أثناء تحركه من أمامها:
"خليها بليل مفاجأة بقى لما أجيلك، خلي بالك من نفسك"
أومأت له موافقةً وهي تراه يترك الغرفة و منها سيغادر إلى عمله، فتنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ خافتة تحدث نفسها:
"منك لله يا سمير"
_________________________
في شقة «عامر» وقف مُتذمرًا مثل الطفل الصغير وهو يقول:
"يا سارة بقى علشان خاطري حمري بطاطس، مش بعرف أبدأ يومي من غيرها"
ردت عليه هي تعانده:
"لأ يعني لأ، مستحيل يا عامر علشان مفيش وقت و بعدين أنتَ ليك عين تطلب حاجة مني؟"
حرك كتفيه ببساطةٍ وهو يقول بمرحٍ:
"آه عادي مش مراتي ولا إيه؟ و بعدين أصلًا أنا قولت إني متجوزك علشان أبهدلك و كنت صريح معاكي من الأول، مكدبتش يعني"
طالعته بحنقٍ وهي تقول بغير تصديق:
"أنتَ إيه يا بني؟ يا عامر بقولك رجعت متأخر و معبرتنيش و كمان صاحي تتخانق على بطاطس محمرة؟ أشد شعري منك يا عامر؟ هتموتني !!"
صرخت في وجهه بكلمتها الأخيرة، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ جادة:
"كان لازم أعرف إنك هتزهقي مني و إنك مش هتكملي الطريق معايا، شكرًا يا سارة، شكرًا يا مراتي"
تعجبت هي من طريقته الدرامية التي يتحدث بها لذلك اقتربت منه تقول بنبرةٍ معتذرة:
"أنا مش قصدي حاجة و الله، بس الفكرة كلها إنك رجعت متأخر و حتى مطمنتش قلبي عليك، و بعدين صاحي كأن مفيش حاجة يا عامر، بس لو زعلت أنا مش قصدي"
رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"زعلان يا سارة، علشان أنتِ مشوفتيش حصل إيه امبارح؟ إحنا شوفنا ليلة صعبة جدًا"
سألته هي بقلقٍ واضح:
"حصل إيه متخوفنيش يا عامر"
رد عليها مُردفًا بحزنٍ مصطنع:
"كنا في فرح يا بنتي، و أهل العروسة عند كتب الكتاب طلبوا تغير في القايمة و العريس رفض و كسروا فرحتنا و كنا طول الليل زي العزا، الفرح اتحول ميتم"
سألته هي بنبرةٍ حزينة:
"طب و العروسة عملت إيه؟ حرام يسكروا فرحتها كدا"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف:
"و العريس يعيني، بس احنا فضلنا معاهم لحد ما الليلة خلصت على خير، صحيح خلصت سُكيتي، بس مش مشكلة المهم إنهم بقوا مع بعض"
أومأت له موافقةً ثم قالت:
"أيوا دي أهم حاجة أصلًا، علشان العريس و العروسة أكتر ناس بيكونوا نفسهم يفرحوا"
فور انتهاء جملتها وصله رسالة عبر هاتفه فأخرجه من سترته دون أن ينظر به حتى ضغطت على الإشعار و منه فُتح المقطع الخاص بالترحيب به في الفرح، شهق هو بخوفٍ، بينما هي رفعت حاجبها تطالعه شرزًا بعدستيها، فوجدته يقول مُرتبكًا:
"التحية دي علشان حلينا الموقف، أوعي تفهميني صح"
خطفت منه الهاتف فوجدت رسالة صوتية مرسلة من العريس و كان محتواها:
"نورت الدنيا يا أستاذ عامر، شرفتوني بأمانة يعني، أنا وصيت إن الدَخلة بتاعتكم تتصور لوحدها و تتبعتلي، عقبال فرح عيالك يا رب"
ابتسمت هي بتهكمٍ فوجدته يقول بنبرةٍ مرتبكة و متوترة:
"دا العريس بس هو بيحب يبالغ شوية"
وضعت الهاتف في يده ثم أمسكت رقبته بكفيها وهي تقول بحنقٍ وهي تهزه في يدها:
"أعمل فيك إيه يا أخي تعبت أمي، جننتني يا عامر خلاص"
ضحك هو بقوةٍ وهو يقول متوسلًا لها حتى تتركه:
"خلاص خلاص هموت، سيبيني يا جرثومة، بدل ما أرشك بالرش"
تركته هي على مضضٍ، فوجدته يدلك عنقه ثم قال وهو يلهث بقوةٍ:
"الله يسامحك...بنت مجانين، أقولك على حاجة؟ كنت في فرح لحد الصبح و رقصت و هيصت و كلت ترمس، خدي الكبيرة بقى، اتعاكست كمان"
شهقت هي بقوةٍ وهي تقول بغير تصديق لما تفوه به:
"يا وقعتك السودا !! كلت ترمس ؟ ترمس يا عامر"
أرجع رأسه للخلف و هو يقول بنبرةٍ ساخرة:
"أنتِ هتستهبلي يا بت ؟! كل اللي همك الترمس؟ مش فارق معاكي كل اللي رزعته دا !!"
حركت كتفيها ببساطة وهي تقول:
"عادي يعني هعملك إيه؟ و بعدين أنا اللي شغلني الترمس علشان أنا بحبه و مش بلاقيه كتير، لكن أنتَ بقى هعملك إيه"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ متوعدة:
"ماشي يا بنت عصام، يا أنا يا أنتِ يا جرثومة، أخرك معايا إزازة بيرسول و من الصغيرة مش هكلف نفسي و أجيب الكبيرة"
قال جملته ثم سحب الحقيبة البلاستيكية من أمامها حتى يقوم بصنع الشطائر له، بينما هي ابتسمت بتوعدٍ بعد رحيله من أمامها للخارج.
_________________________
في شقة «خالد» جلس مقابلًا لـ زوجته على الفراش بعدما ارتدى ثياب عمله، و بجانبه صغيره، أعطاه الدواء أولًا، ثم أخرج أحد الحبوب الطبية يدخلها في فمها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنتِ الحمد لله خفيتي، بس دي احتياطي يا ريهام، و معلش بقى اتأخرت إمبارح عليكم"
ردت عليه هي بنبرةٍ عادية:
"متشيلش هم، إيمان كانت معانا لحد بليل، و أنا كنت فوقت خلاص، المهم قولي كنت فين يا خالد"
تنحنح هو يُجلي حنجرته ثم تحدث بثباتٍ واهن:
"كنت يا ستي في فرح أيمن المكوجي اللي في المنطقة عندنا، مسك فينا و أحرجنا و احنا فضلنا معاه لحد أخر الليلة"
ابتسمت له ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"ربنا يحبب فيكم خلقه كلهم، عقبال ما تفرح بيونس يا رب"
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
" هو بس يحترمني شوية و مش عاوز حاجة تانية، أنا هفرح يوم ما يقدرني"
ضحكت هي بقوةٍ ثم حركت رأسها تنظر لصغيرها على الفراش فوجدته يلعب في الهاتف و لا يكترث لوجودهما، حينها حمله «خالد» على ذراعه وهو يقول بطريقةٍ مرحة:
"تعالى ألعب مع بابا قبل ما يمشي على الشغل، و لا تيجي معايا الشغل؟ تيجي؟"
ردت عليه هي بسخريةٍ:
"علشان الشركة كلها تتفرج عليكم سوا و أنتو بتعاندوا في بعض؟ لأ شكرًا أنا موافقة يفضل تاعبني هنا"
رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"أنا قولت أوجب معاكي، مش هيبقى الواد و أبوه قرفينك في عيشتك"
ردت عليه هي بنبرةٍ مرحة:
"يا سيدي هو أنا اشتكيت ليك؟ على قلبي زي العسل الواد و أبوه يا خالد"
ابتسم هو لها بشدة ثم اقترب منها حتى يقبل وجنتها و لكنه تفاجأ بـ «يونس» يضربه بالهاتف في وجهه بقوةٍ، حينها صرخ بملء صوته وهو يقول:
"آه يا ابن الهبلة يا واطي"
ضحكت هي رغمًا عنها فوجدته يلقيه بجانبها وهو يقول بحنقٍ:
"أخرتك هتبقى قصاد باب جامع يا يونس الكلب أنتَ، و هخلف عيل غيرك يحترمني"
حملت الصغير على ذراعيها وهي تقول بحنقٍ:
"أمشي، دا بعينك، دا هيفضل طول عمره في حضني و في قلبي، دا أول فرحتي يا خالد"
ابتسم هو لها ثم اقترب من صغيره يداعب وجنته وهو يقول بنبرةٍ ظهرت بها عاطفة أبوته:
"و أول فرحتي أنا كمان و الله، لما ببص في وشه بعرف أنا ليه اتغيرت عن الأول، يونس لما جه يا ريهام طلع النور من جوايا، طلع خالد الصغير اللي اتركن على جنب، الأغنية اللي عامر عملي بيها صورنا أنا وهو سوا كل كلمة فيها كانت صح، بس فيه جملة ركزت فيها و مش قادر أكذبها من كتر صدقها، ساعتها أحمد مكي قال
{فتحت بإيدك كل أبواب الرحمة جوايا... قلبي كان اتحول حجر دي مش كناية}
يونس هو اللي رجعلي قلبي تاني و أنا كأب بصراحة فرحان أني عندي ابن زيه"
طالعه الصغير بملامح وجه ضاحكة و كأنه فهم أن الحديث عليه، و حينها غمز له والده، فقفز عليه يحتضنه وهو يذكر إسمه، بينما هي ابتسمت بيأسٍ وهي تقول:
"أنا تعبت من العلاقة دي، الواد و أبوه ملبوسين !! حرام يا ناس و الله، بس بحبكم برضه"
وقف «خالد» بعدما ترك ابنه بجانبها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"طب أنا هنزل بقى علشان عامر لسه هيأخرني، عاوزين حاجة مني؟"
حركت رأسها نفيًا وهي تقول:
"عاوزين سلامتك يا خالد ترجع بالسلامة إن شاء الله، و أنا فوقت متقلقش نفسك عليا"
أومأ لها موافقًا ثم خرج من الغرفة، تاركها خلفه تحمل صغيرها على يدها وهي تقول بسخريةٍ:
"و أنتَ يا عم المنفصم ما تنام شوية كدا علشان أشوف ورايا إيه؟"
حرك رأسه نفيًا وهو يقول:
"No"
ردت عليه هي بسخريةٍ أكثر:
"نو !! عسل يا ابن خالد"
_________________________
في سيارة «خالد» انتظر «عامر» و لكن ما أثار تعجبه هو نزول صديقه مُبكرًا عن كل مرة، و ما حول تعجبه إلى دهشةً هو نزول صديقه بملامح وجه جامدة و على غير عادته هاتفه في يده و لم يستمع إلى الموسيقى، دخل بجانب صديقه يجلس بجانبه، بينما «خالد» سأله بتعجبٍ:
"مالك يا عامر على الصبح؟! مضروب على بوزك ليه؟ هو أنتَ يا كدا كدا معندكش وسط خالص؟"
رد عليه «عامر» بضجرٍ:
"مش عارف حاسس زي ما أكون مخنوق، عمال أفكر يا خالد و أنا لما بفكر يبقى واحد تاني بصراحة"
رد عليه هو بقلقٍ:
"لأ كدا أنا خوفت أكتر و الله يا عامر، بس قولي مالك و نتكلم سوا لحد ما نوصل"
أومأ له موافقًا بينما «خالد» قام بتشغيل محرك السيارة حتى يذهب إلى عمله، فتحدث «عامر» يقول بنبرةٍ هادئة:
"عمار رايح الجامعة بكرة و أنا قلقان عليه، عمار راجل و يعتمد عليه بس الجامعات دي مش شبهنا، عالم تاني خالص، و أنا بصراحة خايف يورط نفسه"
حرك «خالد» رأسه ينظر له أثناء القيادةِ وهو يقول:
"يورط نفسه !! مش فاهم إزاي"
رد عليه «عامر» مردفًا:
"عمار عرف وليد إنه بيحب خلود أخته، و طالما وليد عرف يبقى أكيد خلود عرفت، و طالما خلود عرفت يبقى أكيد هتعشم نفسها و دا سن مراهقة يا خالد، خايف لما يدخل الجامعة يلاقي واحدة تانية تعجبه و ساعتها هيبقى الوضع صعب أوي"
رد عليه «خالد» يعارض طريقة تفكيره:
"غلط يا عامر، خوفك زيادة و غلط كمان، عمار مش عيل صغير علشان يشبط في حاجة، عمار حب خلود بجد، و قالي على كل حاجة كمان، و قالي إنه قابل الشيخ أيوب علشان يقوله يعمل إيه، واحد زي دا مرجعه كان بيت ربنا تفتكر يتخاف عليه؟ أنسى"
رد عليه هو بتمني:
"يا رب يا خالد، يا رب اطمن علشان أنا قلقان عليه أوي، عمار مش زيي، عمار مع أول حاجة بتزعله بيقفل على نفسه، و أنا خايف أول حاجة تزعله تبقى في مشاعره، ساعتها أنا هزعل أنا كمان"
رد عليه «خالد» بنبرةٍ ضاحكة:
"إيه يا عامر المشاعر دي كلها؟! دا أنتَ محسسني إن عمار دا ابنك يا جدع، شايل همه حتى وهو رايح الجامعة؟"
رد عليه بحنقٍ:
"أنتَ غبي ليه يا خالد !! ماهو ابني يا سيدي، أنا قولتلكم عمار ابني و أنتم أخواتي، و خوفي عليه مش عاوز خاطره يتكسر، بيبقى إحساس صعب أوي زي بالظبط كأنك مروح البيت على أساس إنك تاكل مكرونة بالبشاميل و في الأخر تطلع مكرونة محمرة، نفس الخيبة بالظبط"
رد عليه «خالد» بوجهٍ ممتعض:
"يخربيت أم أحاسيسك يا شيخ، كلها أكل و طبيخ و الكلام كله ريحته زيت درة"
ضحك «عامر» بقوة ثم قام بفتح الحقيبة البلاستيكية التي سبق و وضعها أمامه وهو يقول بنبرةٍ لازالت ضاحكة:
"طب يلا سمي الله معايا علشان نفطر، معلش بقى جبنة رومي مفيش بطاطس"
غمز له «خالد» وهو يقول متشفيًا به:
"أوبا !! اتغدر بيك يا حلو و شكلك اتنكد عليك، فرحان فيك"
ضيق «عامر» جفنيه وهو يقول بشرٍ:
"بس أنا مش هسكت، هاخد حقي تالت و متلت كمان، صبرك عليا"
طالعه «خالد» باستنكارٍ واضح على وجهه من حديث صديقه الغريب.
_________________________
في شركة أحفاد آلـ «الرشيد» قبل صلاة العصر كان «حسن» جالسًا برفقة «وليد» يقوما بضبط التصميمات حتى يتم الانتهاء منها كُليًا، و بعد إنغماسهما في العمل تحدث «حسن» يقول بنبرةٍ متعبة:
"لأ خلاص أنا تعبت، هات طارق بقى يراجع كدا علشان أنا جبت أخري يا وليد"
رد عليه «وليد» بنبرةٍ متعبة هو الآخر بعدما عاد بظهره للخلف:
"أنا تعبت أنا كمان، الراجل مدقق في تفاصيل غريبة أوي و عمال أرسم من الصبح و أنا مش بحب أرسم غير لما شغفي يكون موجود، منه لله اللي عرفهم أني برسم"
رد عليه «حسن» بوقاحةٍ:
"فعلًا منه لله حسن دا، علشان فَتن عليك ابن الفتانة، كنت عاوزنا نجيب منين حد بيرسم و أنتَ موجود يا وليد؟"
رد عليه بلامبالاةٍ:
"و أنا مالي، أنا بحب أرسم لما أحس أني محتاج أخرج طاقتي دي في حاجة جديدة، بس يلا كله بثوابه بقى"
رد عليه بحنقٍ:
"كله بثوابه !! ولا؟ مين اللي بيقبض معانا أول الشهر، أمي ؟!"
نظر «وليد» في ساعة يده ثم وقف مقابلًا له وهو يسأله:
"بقولك صح هو فين وئام و أحمد؟ من ساعة ما دخلنا هنا مشوفتهمش"
رد عليه مفسرًا بنبرةٍ هادئة:
"وئام و أحمد راحوا المطبعة علشان يستلموا ورق الدعاية بتاع شركة الملابس، و طارق في الأوضة بتاعته بيظبط تصميمات الدعاية الالكترونية، و أنا و أنتَ هنا بنصمم علشان الزفت بتاع الفندق"
أومأ له موافقًا ثم قال بعدما زفر بقوةٍ:
"بقولك إيه أنا كدا خلصت اللي ورايا، هروح مشوار على السريع كدا و أرجعلكم تاني، و ممكن أطلع على البيت، مش ضامن المشوار هياخد قد إيه مني"
أومأ له «حسن» موافقًا ثم قال:
"طب مفيش مشاكل، احنا من الصبح قاعدين كدا، أنا هراجعهم و أعملهم نسختين و هبعتهم لطارق قبل ما أخلصهم، شوف طريقك أنتَ و أنا هبقى أكلمك"
أومأ له موافقًا ثم انسحب من أمامه تاركه خلفه يقوم بالعمل، بينما «حسن» عاد لمتابعة الحاسوب وهو يقوم بنسخ التصميمات، و أبان عمله وصلته رسالةً عبر تطبيق تبادل الصور "الانستجرام" و كان محتوى تلك الرسالة أن هناك من أشار له في صورًا عبر ذلك التطبيق، فتح هو الإشعار فوجده من «هدير» حينما أشارت له في الصور، خرج من المحادثة الخاصةِ بها ثم توجه نحو صفحتها الشخصية فوجد صورهما سويًا و لكن ما أثار تعجبه هو الشرح التوضيحي الذي أضافته هي أسفل الصور و حينها وجد نفسه يبتسم باتساعٍ وهو يقرأ ما دونته أسفل الصورة الأولى وهي عبارة من أحد أفلام الكارتون وهي جملة:
"لما الدنيا تكشرلك عارف تعمل إيه؟
_عوم و اتمختر، عوم و اتمختر"
ضحك هو بقوة حينما تذكر مشاهدتهما لذلك الفيلم، و قبل أن يغلق الهاتف وجدها تشير له في صورةً أخرى و هي التي ألتقطت لهما و هما ينظران لبعضهما البعض و أضافت أسفلها شرحًا توضيحيًا من نفس الفيلم وهو:
"ودع الأحزان يا ذوق"
حينها لم يتمالك نفسه من الضحكات لذلك قام بفتح المحادثة الخاصةِ بهما عبر تطبيق "الواتساب" و منه أرسل لها رسالةً صوتية وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"طب أنا راضي ذمتك !! دي جُمل تتكتب تحت صور ناس في سننا؟ إيه يا هدير ليه محسساني إنك متصور مع ابن أختك؟"
انتظر حتى قامت بفتح المحادثة و منها رآى الإشارة تتحول إلى اللون الازرق مما يدل على استماعها لها، فأرسلت له هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أومال أكتب جمل عميقة و نبان مكلكعين يا حسن؟ و بعدين أنا لسه هنزل الصور بتاعة إمبارح بس مستنية أدور على Captain حلو"
أستمع هو لرسالتها و من بعدها أرسل هو ساخرًا منها:
"اكتبي فوقها أنا و الشاطر حسن، علشان نبقى هُبل بجد"
استمعت هي إلى رسالته فشهقت بفرحةٍ بعدها ارسلت هي له بصوتها المرح:
"تصدق صح !! أنتَ الشاطر حسن، بس للأسف أنا هدير"
قالت جملتها الأخيرة بنبرةٍ مُحبطة وهي ترسل له الرسالة الصوتية التي استمع هو لها و حينما لاحظ الاحباط في نبرتها، أرسل لها بنبرةٍ مقررة لا تقبل النقاش:
"أنا ممكن أكون الشاطر حسن صحيح، بس أنتِ هدير، و هدير مفيش زيها في كل الدنيا"
استمعت هي لحديثه فاتسعت حدقتيها بقوةٍ، حتى أنها لم تقوى على الإرسال له بعدما هرب منها صوتها، فوجدته يرسل لها من جديد، انتظرت حتى وصلتها الرسالة فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنتِ زعلتي ولا إيه؟ طب قولي أي حاجة طيب يا ستي"
حمحمت هي بقوةٍ ثم أرسلت له بنبرةٍ خافتة:
"لأ أبدًا مزعلتش يا حسن خالص، أنا استغربت الجملة مش أكتر، بس استغراب غريب، أو يمكن علشان الجملة غريبة عليا"
انتظر هو حتى وصلته الرسالة و من بعدها أرسل هو مؤكدًا:
"علشان دي الحقيقة، هدير مفيش منها اتنين و افتكري إنك كدا كويس، المهم عاوزة حاجة مني و أنا جاي؟"
ابتسمت هي بشدة حينما استمعت إلى رسالته، و من بعدها أرسلت له كتابةً:
"عاوزة سلامتك يا حسن، ترجع بالسلامة و أنا مستنياك"
قرأ هو رسالتها وهو يبتسم هو الأخر، ثم خرج من المحادثة و بعدها يتوجه نحو التطبيق الأخر يطالع صورهما معًا، و أثناء تصفحه وجد تعليقًا من إحدى صديقاتها القُدامى و كان محتواه:
"مش تعرفينا يا هدير ؟! مين القمر دا؟"
فتح هو التعليقات حتى يستطع رؤية ردها على الفتاة فوجدها سبق و ردت عليها بتعليقها:
"لأ دا مش قمر، دا حسن جوزي، أقولهالك بالانجلش يمكن توصل أسرع ؟!"
ضحك هو بقوةٍ وهو يتخيل مظهرها أثناء كتابة الرد على الفتاة وهي تتغزل به، و قبل مغادرة التطبيق وجدها تضيف أسفل الصور عبارةً توضيحية وهي:
"الشاطر حسن و مدامته هدير، اللي هي أنا يعني"
و بجانب تلك الجملة أرسلت رمزًا تعبيريًا يدل على الضحك و كأنها تمزح، لكنه أدرك الهدف الأساسي من إضافة تلك الجملة و التي لم يكن سببها إلا تلك الفتاة التي سبقت و أرسلت التعليق، حينها اتسعت بسمته رويدًا رويدًا، لكنه قبل أن يتعمق وجد نفسه يزدرد لُعابه بخوفٍ وهو يفكر ماذا إذا لم تشعر بما يشعر هو به تجاهها؟ ماذا إذا لم تتحمله و يأتي يومٍ و تتركه، تتركه !! كيف تتركه تلك التي أضاءت حياته و أعطتها معنًا جديدًا جعله يحيا من جديد؟ هكذا كان يفكر بها و رأى أن أسلم حل هو المجاهرة بما يشعر به"
_________________________
خرج «وليد» من عمله ثم توجه نحو العيادة النفسية حتى يقابل طبيبته النفسية، و بالفعل انتظر حتى خرجت الحالة التي كانت تسبقه و من بعدها دلف لها وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"أنا فرحت لما كلمتيني علشان أجيلك، تفتكري هي دي فرحة الأهبل اللي بيقولوا عليها؟"
ضحكت هي على جميع لذلك ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"و هو أنتَ برضه أهبل؟ طب حد غيرك يقول كدا يا وليد"
ابتسم هو لها فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
"النهاردة هبدأ معاك الجلسات الخاصة بيك أنتَ، روح بقى مدد على الشيزلونج دا و أنا هجيلك"
أشارت له بيدها وهي تتحدث نحو المقعد الكبير المخصص لفرد الجسد، بينما هو حرك رأسه نحو موضع إشارتها ثم وجهها نحوها من جديد وهو يقول بنبرةٍ ساخرة:
"أمدد !! طب ما تجيبي معزتين بالمرة أخد بالي منهم و أنا ممدد"
ردت عليه هي بحنقٍ من طريقته:
"يا بني إيه معزتين دي؟ و إيه الكلام اللي ريحته فلاحي دا؟"
رد عليها هو بنفس السخرية:
"كلام فلاحي إيه ؟! ليه محسساني إن الكلام ريحته سمنة روابي، فيه إيه يا دكتور؟ وبعدين مالهم الفلاحين إن شاء الله؟"
ضحكت هي بقوة على طريقته ثم ردت عليه بنبرةٍ لازالت ضاحكة:
"أنتَ مش ممكن عندك رد لكل حاجة، و يا سيدي أنا فلاحة أبًا عن جد كمان، و كنت بروح الغيط كمان مع جدي"
رد عليها هو بوقاحةٍ:
"غيط !! و زعلانة مني علشان بقول معزتين؟ المهم أنا هروح أمدد و الحقيني قبل ما أنام"
حركت رأسها نفيًا بيأسٍ منه و كأنها تقول لا فائدةً منك يا «وليد» بينما هو تحرك نحو المقعد الكبير ثم فرد جسده عليه باسترخاءٍ، بينما هي جذبت المقعد ثم جلست عليه مجاورةً له و في يدها ورقة و قلم، وهي تسأله بنبرةٍ عملية:
"ها يا سيدي، عرفني على نفسك كدا و قولي أنتَ مين أو تحب نفسك تكون مين؟ أو إيه البداية اللي خليتك تيجي هما تتعالج؟"
رفع رأسه ينظر للأعلىٰ وهو يقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بالحيرة:
"أنا وليد مرتضى الرشيد، عندي ٢٦ سنة، و اتعالجت قبل كدا من إدمان المخدرات، و يمكن السبب في وجودي هنا من ساعة ما عمتو مشيرة فرقت بيني أنا و خديجة و بين كل عيال العيلة كلها و دا علشان أنا كنت الحامي بتاع خديجة من صغري، و يمكن لما عمي طه عمل كدا فـ بنته قدامي و يمكن لما وثقت في عمرو و دخلني سكة الإدمان لما كان بيحطلي الحبوب في العصير، و يمكن لما عبلة قالتلي إنها مش عاوزاني و أني لو أخر واحد في الدنيا كلها مستحيل توافق عليا، أو يمكن أنا طبعي كدا، مش عارف بس وسط كل دا أنا مكنتش مرتاح و علطول خايف، الكلمة اللي خرجت من كل واحد فيهم زي السم يرشق في القلب يقضي عليه و بين كل سلمة و التانية واحد ضاع مني إسمه وليد، أنا سِبت الدنيا كلها في حالها بس دماغي مسابتنيش"
أومأت له موافقةً بعدما استحسنت جوابه عليها ثم أضافت مؤكدة حديثه:
"بالظبط يا وليد، كل العوامل دي هي اللي خليتك تيجي هنا علشان تحل مشكلتك، اللي عندك دا يا وليد إسمه اضطراب الثقة، يعني اللي حصل فيك و كل دا خلاك شخص صعب يثق في اللي حواليك، قولي كدا يا وليد الثقة بالنسبة ليك إيه؟ يعني مفهومها إزاي عندك؟"
تنفس بعمقٍ ثم جاوبها بنبرةٍ حائرة:
"مش عارف بصراحة، بس اللي زيي كان صعب يجرب يثق في حد، بس الثقة بالنسبة ليا زي أني أحط سكينة على رقبتي و أنا و أأمن حد على رقبتي و أنا عارف إن السكينة مش هتطولني، أو أني أرمي نفسي في النار و أبقى متأكد إن فيه إيد هتلحقني، مش عارف بس هي دي الثقة بالنسبة ليا"
حركت رأسها موافقة برضا تام عن حديثه ثم أضافت:
"بالظبط كدا يا وليد، الثقة هي إنك تسلم نفسك للي حواليك و أنتَ متأكد إن الدار أمان، بمعنى إنك تبقى متأكد إن فيه ناس هتلحقك، تعالى بقى نرجع لنقطة الأصل و أقولك حُط نفسك مكان عبلة بما إنها أكتر واحدة عانت بسبب أعراض المرض اللي عندك فكر كدا بطريقتها"
حرك رأسه باستنكارٍ واضح لم يستطع الوصول إلى مقصد حديثها فوجدها تقول بنبرةٍ مفسرة:
"يعني فكر مثلًا إن عبلة مش واثقة فيك و إنها خايفة مثلًا تسيبها علشان حد تاني أفضل منها، أو مثلًا إنك ممكن تسيبها علشان قابلت واحدة زي خديجة بما إنك متعلق بيها، افتكر إنها علطول حطاك موضع شك إنك مش قد ثقتها دي"
استطاعت بحديثها إثارة استفزازه حتى رد عليها هو بحنقٍ:
"لأ طبعًا، أنا مستحيل أكون بفكر بالطريقة دي، أكيد دي حاجة مستحيلة إن عبلة تشك فيا كدا، أنا آه بحب خديجة بس علشان هي أختي و علشان اللي شوفناه مع بعض كان كتير، خديجة هتفضل أول محطة أمان ليا و لقلبي، آه بحب عبلة بس الاتنين مينفعش يتقارنوا ببعض، خديجة كانت البراءة وسط خبث العالم كله على رأي ياسين"
ردت عليه هي بنبرةٍ مؤكدة:
"بالظبط كدا !! هو دا الإحساس اللي كنت عاوزاك تحسه، إن قلة الثقة بتوجع شوفت مجرد كلام مقدرتش تتحمله إنما غيرك يعمل إيه لما يعاني من قلة ثقتك فيه؟ حط نفسك كدا بقى مكان ياسين و صحابه إنك مش قادر تثق فيهم بعد كل حاجة عملوها علشانك؟ إحساس لا يُطاق"
أومأ لها موافقًا بعدما أدرك سبب حديثها فوجدها تضيف بنبرةٍ هادئة:
"دلوقتي بقى هشرحلك علميًا حالتك النفسية و الأسباب بتاعتها، اللي عندك دا إسمه إضطرابات الثقة أو ما يطلق عليها مؤخرًا trust issues اسباب انعدام الثقة لو بصينا ليها من الأول هنلاقي إن سببها هو تفكيرك في الحاجة اللي بتخليك تفشل في الثقة باللي حواليك، رغم إن دا ممكن يكون صعب للناس إن غيرهم مش مأمن ليهم و مش واثق فيهم، و دا بيكون سبب تجارب سابقة أو احباطات في بداية سن الشباب أو تربية غلط، و على العكس الشخص اللي مواجهش كل دا بيكون ناجح و واثق في نفسه و في اللي بيقدمه"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف:
"الموضوع زيادته بدأت معايا من بعد خروجي من المَصحة، ساعتها أنا كنت بشك في نفسي ساعات إني أكيد كنت صيدة حلوة ليهم علشان ابقى مدمن كدا"
ردت عليه هي بنفس النبرة العملية:
"لأن دي كانت أكبر مشكلة حصلتلك بسبب قلة الثقة، و نتيجتها كانت أكبر في الهزايم، و دلوقتي بقى هشرحلك علميًا الأعراض اللي عندك و اللي هي ما شاء الله واضحة زي الشمس منورة في وشنا كلنا"
رد عليها هو بوقاحته المعتادة:
"بقولكم إيه مش غلطتي من الأول باين أني عندي ريد فيلاجز مش ذنبي إنكم افتكرتوها علم تركيا، و بعدين أنا عمري ما كدبت على حد"
أومأت له موافقةً ثم أضافت تشرح له أعراض حالته بقولها الهاديء:
"أول حاجة في الأعراض اللي عندك إنك علطول حاسس إن محدش قد الثقة دي و إن حصل و وثقت في حد بيكون فيه خوف إنه يخذلك، دا غير إن الفكرة كلها بتشمل العموم، يعني كل الناس عندك ملهمش ثقة مهما كانت ضمانتهم أو حبك ليهم"
حمحم هو بقوةٍ حينما لمحت له بحديثها فأشارت له هي بالهدوء ثم قالت بنبرةٍ مؤكدة:
"أنتَ علطول بتحس إنك بالحاجة لحماية نفسك من أي جرح أو خذلان جديد، علشان كدا بتاخد وضع الهجوم في علاقاتك، دا غير إنك مبتحبش مساعدة حد أو تطلب من حد حاجة و دا علشان حضرتك مش واثق إن فيه حد هيعمل اللي أنتَ طلبته زي ما أنتَ عاوزه"
حرك رأسه موافقًا وهو يتحدث ساخرًا:
"أنتَ ساعات بتبالغ في حكمك على الأشخاص يعني مبتقدرش تعرف مين الشخص الحلو من الوحش و دا لإنك مبالغ في انطباعك السلبي عنهم، أحيانًا قلة الثقة دي بتخليك عُرضة للاستغلال زي ما حصل ليك من عمرو دا و خلاك مُدمن، و دا لإنه لعب على أوتار الثقة لحد ما وثقت فيه و ساعتها حقق هدفه"
أومأ لها موافقًا بقوة فأضافت هي من جديد:
"هي دي الأعراض الظاهرة اللي عندك يا وليد، قلة الثقة داء صعب و لازم تتغلب عليه و دا لإن اللي حواليك بيعانوا منك، و خاصةً في العلاقات العاطفية زي علاقتك بعبلة، كدا النهاردة أنا خلصت و هكلمك نحدد الجلسة التانية"
زفر بقوةٍ ثم اعتدل في جلسته حتى أنزل قدميه على الأرض، بينما هي ابتسمت له قالت:
"أنا فخورة بيك على فكرة، أنتَ شجاع أوي كونك هنا و عاوز تحل مشكلتك بنفسك"
رد عليها هو بمرحٍ:
"أنا الحمد لله فخور بنفسي برضه، بصراحة أنا هبقى فخور بيكي لما أجبلك مشيرة و تعالجيها، ساعتها هدبحلك عجل على باب العيادة، علشان لو أنا عندي ريد فيلاجز يبقى مشيرة عندها ستاير حمرا"
ضحكت هي عليه فوجدته يقف مقابلًا لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا هستأذن بقى و شكرًا على مجهودك معايا"
ابتسمت له وهي تراه يترك الغرفة و يتركها خلفه تنظر في أثره بفخرٍ.
________________________
في المركز التعليمي ذهبت «خلود» قبل موعد الدرس كعادتها بعدما أوصلها شقيقها، فجلست هي على المقعد المقابل لمقعد «عمار» الذي كان يطالعها بين الحين و الآخر ، و هي مندمجة في قراءة المذكرة بين كفيها، و فجأة اقترب منه أحد المساعدين للمُعلم وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"جرى إيه يا عم عمار فين الساقع بقى؟ مش بكرة هتبقى دكتور برضه، المفروض تفرحنا كلنا"
تحدثت الفتاة التي تحاول دائمًا الحديث مع «عمار» تقول بطريقةٍ مائعة مصطنعة:
"يا ريت يا مستر يا عمار، أنتَ هتبقى دكتور يعني حاجة تشرف السنتر دا كله"
زفر بقوةٍ هو بينما «خلود» رفعت رأسها تطالعها بتقززٍ من طريقتها و هيئتها، فتدخلت صديقة الفتاة تقول لها حينما لاحظت نظرتها:
"مالك يا عروسة بتبصي كدا ليه؟ هي زعلتك ولا حاجة؟"
رفعت «خلود» حاجبها لها وهي تقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا اسمي خلود، مش عروسة و بعدين أنا مجتش جنبك علشان تكلميني كدا، يعني لو عندك سؤال يكون بطريقة محترمة"
ردت عليه الفتاة الأساسية:
"لأ هو بصراحة أنتِ مناخيرك في السما من ساعة ما قفلتي الامتحان و علطول قاعدة لوحدك و شايفة نفسك على الكل"
وضعت «خلود» قدمًا فوق الأخرى وهي تقول بثقةٍ:
"والله أنا بتعامل بالعادي بتاعي لا بتكبر و لا بشوف نفسي مش ذنبي إنك شايفة نفسك قليلة"
شهقت صديقة الفتاة بقوة بينما الأخرى وقفت وهي تقول بنبرةٍ منفعلة:
"أنا شكلي كدا هعلمك الأدب علشان أنتِ عاوزة تتـر....."
توقفت عن الحديث حينما رفع «عمار» صوته وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"اقــعـدي مـكــانـك يـا آنـسـة، السنتر دا مكان محترم، و ياريت تعرفي قيمة المكان اللي أنتِ فيه"
التفتت الفتاة وهي تقول بنبرةٍ صارخة:
"يعني هو أنتَ مش شايف طريقتها و أسلوبها !! هي اللي غلطانة"
رد عليها هو مردفًا بثباتٍ:
"لأ هي مش غلطانة، حضرتك و الآنسة صاحبتك اللي بدأتوا معاها بالكلام و الاسلوب مكانش كويس، و هي ردت بطريقتها المناسبة لبداية الكلام، أنا هنا واخد بالي من كل حاجة"
ابتسمت «خلود» بسمةٍ طفيفة رُسمت على ثغرها و سرعان ما وأدتها حينما وجدته ينظر لها، بينما هو حرك رأسه ينظر للفتاة وهو يقول:
"اتفضلي اقعدي يا آنسة، و حصل خير، و على فكرة الآنسة قريبتي و أخوها عارف صاحب السنتر، يعني قيمتها من قيمتي في المكان دا"
رفعت «خلود» رأسها ترمقه بشررٍ بينما هو تجاهل نظرتها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"اتفضلي يا آنسة اقعدي علشان الشباب قربت تطلع ولو عاوزين تدخلوا القاعة مفيش مشاكل"
ردت عليه الفتاة بنفس التصنع:
"ندخل القاعة أحسن علشان الجو هنا خَنقة أوي بصراحة"
رمقت الفتاة «خلود» بسهامها وهي تلقي كلمتها الأخيرة، ثم دخلت القاعة و خلفها صديقتها، بينما «خلود» حينما لاحظت دلوف الشباب للمكان أجمعت حاجتها و قبل أن تدخل القاعة، أوقفها «عمار» بلهفةٍ وهو يقول:
"استني يا آنسة خلود، ثانية قبل ما تدخلي معلش"
التفتت له تطالعه بتعجبٍ وهي ترتدي ذراع الحقيبة فوجدته يقول لها بنبرةٍ هادئة بعدما اقترب منها:
"ممكن مدخليش القاعة؟ مش علشان حاجة، البنت دي بتاعة مشاكل و هتستفز فيكي علشان يحصل بينكم مشكلة و دي حاجة أنا مسمحش بيها، ياريت بس تفضلي هنا أضمن و أنا هاخد موقف مع إدار السنتر"
تفهمت هي مقصده من الحديث و للحق لم تنكر حقيقته لذلك هزت رأسها توافق على حديثه ثم جلست على المقعد المجاور لمكتب الاستقبال، بينما هو ابتسم باتساعٍ حينما رآى رضوخها لمطلبه و منه عاد إلى عمله وهي على المقعد المجاور له الذي يبعد نسبيًا عن مكانه.
_________________________
أمام أحد المكتبات الشهيرة وقفت «جميلة» بفرحةٍ كبرى وهي تقول بنبرةٍ متحمسة:
"أنا فرحانة أوي يا طارق، بحب أوي حاجة المكتبات و بحب أجيب الحاجات دي أوي"
ابتسم هو لها باتساعٍ وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
"أنا عرفت علشان كدا جبتك هنا تجيبي اللي نفسك فيه كله، بس ملحوظة صغيرة يا جميلة، أنتِ المُدرسة مش طالبة"
تبدلت ملامح وجهها إلى الإحباط وهي تقول:
"ليه كدا يا طارق تفكرني؟ أنا عاملة نفسي مش واخدة بالي من حاجة زي دي، و جاية علشان أجيب أقلام و دفتر تحضير"
ابتسم هو لها ثم أمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"طب يلا خلينا ندخل علشان ننقي الحاجة اللي عاوزاها، وراكي مدرسة بكرة يا جميلة"
أومأت له موافقةً ثم دلفت معه إلى الداخل، و بمجرد دلوفهما المكان شهقت هي بقوةٍ ثم حركت رأسها تطالعه، فقال هو مفسرًا لها:
"دي من أكبر المكتبات في مصر كلها، فيها كل اللي نفسك فيه، شوفي عاوزة إيه و أنا معاكي، عيني ليكي يا جميلة"
ردت عليه هي بنبرةٍ ممتنة:
"تسلم عينك يا طارق، بجد كفاية إنك فكرت فيا وإنك تفرحني، دي بالدنيا كلها و الله عندي"
رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"أنا عمري كله ضاع و أنا بفكر فيكي يا جميلة، و وجودك قصادي أكبر دليل إن العمر دا مضاعش على الفاضي، يلا بقى خلينا نجيب حاجتك"
أومأت له موافقةً ثم تحركت معه تنتقي ما تريد، و كانت تارةً تختار هي و تارةً أخرى تأخذ برأيه و حينها كانت تشعر بسعادةٍ بالغة، أما هو فكان يبتسم تلقائيًا لرؤية بسمتها، و بعدها خرجا من المكان يقفا أمام السيارة سويًا فقالت هي بفرحةٍ شببها هو بفرحة الطفل الصغير:
"أكتر يوم بحبه في حياتي بجد هو أول يوم دراسة، صحيح بيكون صعب عليا بس كنت بحبه علشان تيتة نوال كانت معايا"
رد عليها هو مبتسمًا:
"تيتة نوال دي اللي خلتيني أكلمها قبل كدا و فضلت تشكر فيكي لحد ما قولتلها أني جوزك ساعتها قالتلي وفرت عليا المجهود؟"
أومأت له بخجلٍ وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"هي اللي علطول فضحاني كدا، هي كانت عايشة حياتها علشاني و علشان تفرح بيا و تشوفني عروسة"
ابتسم هو باتساع ثم قال بنبرةٍ ظهر بها المرح:
"زي بعض يعني، أصل كان نفسهم يشوفوني عريس برضه، و أنا علشان راجل قد كلمتي قولتلهم أني مستني جميلة ترجع زي ما وعدتها اتجوزها، شوفتي بقى أني راجل قد وعدي؟ صحيح كنت في أولى إعدادي بس كنت جامد برضه"
ضحكت هي على طريقته فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم قال وهو يطالع وجهها:
"صحيح مكنتش معاكي أول يوم مدرسة و مكنتش معاكي في خطوات كتيرة، بس بكرة هوصلك على إنك المدرسة و أنا جوزك، و بصراحة كدا أحسن"
ردت عليه هي بنبرةٍ مرحة:
"أنتَ هتيجي توصلني بكرة المدرسة بجد؟ قول والله"
حرك رأسه موافقًا وهو يضيف مؤكدًا:
"آه طبعًا هوصلك بكرة مع سلمى و خلود، و بعد كدا أحمد هو اللي هيوصلكم علشان المدرستين جنب بعض علطول"
أومأت له موافقةً فوجدته يقول بخبثٍ:
"طب إيه مفيش حاجة حلوة علينا؟ يعني كفاية إن أبويا خدك من أوضتي و حطك في اوضة عبلة؟ إيه الدنيا؟"
ردت عليه بنبرةٍ جامدة:
"نعم !! عاوز إيه مش فهماك؟"
فسر هو لها بقوله:
"مفيش بحبك يا طارق؟ وحشتني يا طارق، مش عارفة أنام من غيرك يا طارق؟ أي حاجة يعني؟"
ردت عليه هي بتعالٍ:
"لأ مفيش و خالو محمد قالي أوقف كلام معاك و انزل شقة ماما كمان لحد فرحنا"
عض على شفته السفلى وهو يقول بنبرةٍ حانقة:
"دا خالك محمد دا صبره عليا، لما أرفع عليه قضية حَجر ميبقاش يزعل، علشان بِعد عن «وليد» و «عبلة» و مسك فيا أنا، يمين بالله بوليس الأداب خِسره"
ضحكت هي بقوة ثم فتحت باب السيارة تدلفها وهي تعانده، بينما هو فتح الباب منفعلًا حتى جلس على المقعد ثم أغلق الباب بعدها، بينما هي فاجئته بفعلتها حينما اقتربت منه تقبل وجنته ثم بعدها قالت بنبرةٍ هادئة:
"متزعلش يا طارق، أنا بحبك و الله، بس خالو محمد كلامه صح"
تنهد هو بعمقٍ ثم حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها، بينما هي استشفت الخبث في نظرته و حينها حركت رأسها للأمام وهي تقول بنبرةٍ حانقة:
"سوق يا طارق و لِم نفسك، هقول لخالو و الله عليك"
نظر أمامه هو الآخر وهو يقول ساخرًا:
"تصدقي هروح أخلي أمي تروح بيت أبوها علشان خالك محمد يحس بأهالينا؟!"
ضحكت هي بقوة فوجدته يضحك معها هو الآخر بيأسٍ.
_________________________
بعد انتهاء عمل «ياسين» دلف سيارته ثم أخرج هاتفه يرسل لها رسالةً صوتية وهو يسألها بنبرةٍ هادئة:
"طب ممكن أعرف ليه مش معبراني؟ يعني معقول زعلك مني جمد قلبك كدا عليا؟"
استمعت هي لرسالته و هي تلوم نفسها حينما استشعرت الندم في صوته لذلك ردت عليه هي تكتب بثباتٍ:
"أنتَ نسيت إنك متجوز يا ياسين، نسيت أني في حياتك و مش عاوزني أزعل؟"
قرأ هو رسالتها و فرح بشدة حينما ردت عليه هي بعدما تجاهلته طوال اليوم، لكنه رد عليها بشيئًا غير متوقع وهي أغنية أرسلها لها هو، بينما هي قطبت جبينها بحيرةٍ حينما رآت ما أرسله ففتحت الأغنية و كانت كلماتها كالآتي:
"أنساك دا كلام ؟!.... أنساك يا سلام؟ أهو دا اللي مش ممكن أبدًا و لا هفكر فيه أبدًا....دا مستحيل ....قلبي يميل.... و يحب غيرك أبدًا .... أبدًا، و لا ليلة ولا يوم دوقت النوم في ليل بعدك"
استمعت هي لصوت "أم كلثوم" بحالة من الشجن بعدما أرسلها هو لها، بينما «رياض» اقترب منها يقول بخبثٍ:
"شكلك هتكسفيني يا خديجة، إيه هيضحك عليكي بأغنية؟ ينسى"
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"يا بابا هو بيحاول من الصبح و أنا و الله مش برد و صعب عليا، أنا مش بحب أزعل من حد"
رد عليها هو بنبرةٍ متريثة:
"مش هو بعتلك أم كلثوم !! شوفي أنا بقى هخليكي تبعتي إيه، و حاجة على ذوقي"
حركت رأسها له تطالعه باستنكارٍ، فوجدته يرفع حاجبه بشرٍ ثم ضيق جفنيه وهو يخرج هاتفه، تابعته هي بتعجبٍ فوجدته يرسل لها مقطعًا موسيقيًا، و قبل أن تسأله وجدته يقول يقول بنبرةٍ صارمة:
"هبتعتيله ديه يا خديجة، و يوريني ابن زُهرة بقى هيعمل إيه"
على الجهة الأخرى انتظر «ياسين» ردها على الأغنية و حينما طال صمتها زفر بقوةٍ ثم حرك السيارة من أمام مقر عمله وفجأة وصلته رسالةً منها عبارة عن مقطعًا موسيقيًا، ابتسم هو بفرحةٍ كبرى ثم ضغط على زر التشغيل بحالةٍ من الشجن المُسبق لكنه تفاجأ و اتسعتا حدقتيه حينما وصلته كلمات الأغنية وهي عبارةٍ عن:
"راجع تاني تقول ....أنا بهواك؟ مش انتهينا خلاص؟ مش انتهينا؟ ياما ورتني سنين....سنين أيامك.....في هواك.....مشوفتش يوم....إخلاص....خلاااااص....و جاي بيشكي....عيني يا عينى.... راجع يبكي....كان على عيني.... جاي بيشكي.... راجع يبكي .... جاي بيشكي.... راجع يبكي...عيني يا عيني.... راجع يبكي كان على عيني، ما لقيت غيرك، كتر خيرك على اللي أسيته سنين في هواك، راجع تاني"
حرك رأسه في عدة جهات لا يصدق ما سمعه هو لكنه أدرك مسرعًا أن والده هو السبب، حينها قال متوعدًا:
"ماشي يا خديجة، بقى أنا ابعتلك أم كلثوم و أنتِ تبعتيلي شفيقة؟ حلو كدا طالما رياض دخل بينا و رب الكعبة لأخد حقي"
على الجهة الأخرى في شقة والده، سألته هي بنبرةٍ ضاحكة:
"و الله العظيم حاسة إنه هيزعل بجد، تفتكر هيتضايق يا عمو؟"
رد عليها مؤكدًا حديثها:
"هو هيزعل، بس ياسين فيه حتة عِند، هو أكيد هيعرف غلطته و هيجي يصلح الموقف، و هتقولي رياض قال، ابني و أنا حافظه"
سألته هي بتعجبٍ:
"أنا بصراحة بحب علاقتكم أوي، يعني بغض النظر عن المناقرة بس بحب إنكم علطول صحاب و إنكم مرجع لبعض، حضرتك ربيته صح أوي"
تنفس بعمقٍ ثم قال لها:
"البركة في شغلي يا خديجة، السبب الأساسي اللي خلاني أربي ياسين كدا هو إن أنا محامي، دا كان دافع كبير ليا"
سألته هي بنبرةٍ ظهر بها الاهتمام:
"إزاي ؟! إيه علاقة شغل حضرتك بتربية ياسين؟"
رد عليها هو مردفًا:
"لما بدأت في أول حياتي كنت محامي صغير، اتعاملت مع مجرمين كتير أوي، و كلهم كانوا ضحايا التربية يا خديجة، بيت الإنسان هو حجر الأساس في حياته، تفتكري المجرمين بيزيدوا ليه؟ علشان الدوافع النفسية، و أنا كنت كل ما اتعامل مع شاب مجرم كنت بشوف ابني فيه، علشان كدا حاربت علشان أغير نفسي و ابقى أب يستاهل المسئولية دي، مكنتش عاوز اليوم اللي يجي و ألاقي ابني بيدعي عليا زي ما كنت بشوف في المحاكم و النيابات، الحمد لله برضه بكرم ربنا كرمني بذرية صالحة"
حركت رأسها بتفهمٍ و في تلك اللحظة اقتربت «زهرة» وهي تسأل بنبرةٍ حائرة:
"أنت كنت جوة بشوف الأكل و طلعته يسخن، ناكل إحنا و نسيبه لما يجي ياكل لوحده؟"
ردت عليها «خديجة» ترفض بلهفةٍ:
"لأ طبعًا مش هقدر أعمل كدا، لو حضراتكم جعانين مفيش مشاكل ، بس أنا هستناه علشان حتى ميزعلش"
طالعتها «زهرة» بفخرٍ، بينما «رياض» قال ساخرًا منها:
"البت دي قلبها أبيض و مش هتعمر معايا، أنا عاوز واحدة تخلي ياسين يشوف النجوم في عز الضُهر"
في تلك اللحظة دلف هو الشقة وهو يقول بنبرةٍ ساخرة:
"ريحني و قولي اسم الجامع اللي أنتَ لاقيني قصاده، مستحيل تكون دي علاقة أب و ابنه"
سخر «رياض» منه وهو يقلد طريقته في الحديث، بينما هي تعلقت عينيها به و كأنها تعتذر له بذلك، فوجدته يقترب منها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"إزيك يا ست خديجة؟ خير دخلتي الحزب ضدي؟ هتنزلي بـ يُفط في الشارع إمتى؟"
طالعته هي بتعجبٍ فوجدته يتحرك حتى وصل خلف مقعدها، فحركت رأسها تنظر لوالديه بخوفٍ فوجدتهما يحركا كتفيهما بجهلٍ، حينها أخرج هو شيئًا من جيب سترته السوداء ثم وضعه على عنقها، فأخفضت رأسها للأسفل حتى تطالع ما احتك ببشرتها، بينما هو أخفض جسده ثم أغلق القفل الصغير، بعدها اعتدل في وقفته و هو يغمز لوالديه، أما هي فلمعت عينيها بحبٍ وهي ترى تلك السلسلة التي جلبها لها وهي عبارة عن فراشةٍ صغيرة من خامة الفِضة تلمع بشدة تتشابه مع الخاتم الذي أهداها إياه في فترة عقد القران، و حينما شعرت به يجلس أمامها على ركبتيه رفعت رأسها تطالعه بعينيها الدامعتين، حينها ابتسم هو ثم مد أنامله يكفكف دموعها وهو يقول بنبرةٍ معتذرة:
"بلاش بقى تعيطي أبويا بيتلكك ليا، هيقولي خليتها تعيط و أنا مش ناقص"
ابتمست هي من بين دموعها ثم حركت رأسها تنظر لوالديه فوجدتهما يطالعهما بحبٍ، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أنا منستكيش علشان أنتِ مينفعش تتنسي، أنتِ حبيبتي يا خديجة، و الفراشة اللي فـ رقبتك دي أنتِ عاملة زيها كدا، بتلمعي"
ابتسمت هي بخجلٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
"بِـرقـة فـراشـةٍ تَدخُـلّـينَ الـقُـلـوبِ؛ تَـتـرُكـيّـنَ بِـهـا أثَـرُكِ و تُـشـفـينَ مَـا بِـهـا مِـن نِـدوبِ، قِــيل مِــن قَــبل: أنَّ أثَــر الفَـراشـةِ لَا يُــرىٰ أثــر الفَـراشـةِ لَا يَــزول، و أنّـتِ و اللّٰهِ أثــركِ مِـثـل الخَـمّـرِ مُـسـكـرٍ يُـذهـبُ العـقـول"
طالعته هي بدهشةٍ فوجدته يغمز لها بطرف عينه وهو يقول بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"