رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثاني والعشرون
رقيقةٌ أنتِ تُشبهين كل ما هو جميل ...
_______________________
سيظل أكثر الأشياء مهابةً هو الشعور بالتوقف و كأن الزمان و المكان غير ملائمين لكَ، كطيرٍ مُجبر على الطَيرٍ بجناحٍ مكسور، أو كـ يدٌ حُرة أُجبرت على التصفيق، أو كـ نجمٌ شاردٌ في السماء المعتمة...كلها مشاعر أحرقتك و لذاتك أفقدتك...
لكن تذكر دائمًا أنك تملكُ قلبًا عظيمًا مصدر إلهامك...و من يملكُ مثل ذلك القلب...من المؤكد سيصبح عظيمًا.
خرجوا الشباب من غرفة «مشيرة» بعدما تحدثوا مع «وليد»، بينما بقىْ هو بجانبها حتى دلفت أبنتها الغرفة من جديد وهي تقول بفرحةٍ كبرى:
"ماما ...أنا كلمت الدكتور و قالي لو عاوزة تخرجي هنخرجك النهاردة بليل"
طالعتها والدتها بدهشةٍ بينما «وليد» سألها بنبرةٍ هادئة:
"إزاي يا جميلة؟ هتروح ازاي بس"
ردت عليه هي بنبرةٍ متحمسة:
"أنا سألته والله يا وليد، وهو قالي إن المهم الرعاية الصحية و النفسية، دا غير إن خالو طه قال إنها مبتحبش المستشفيات"
تدخلت «مشيرة» تقول بنبرةٍ منهكة:
"بصراحة يا وليد أنا مبحبش المستشفيات....بحس نفسي فيها مخنوقة، لو روحت هيبقى أحسن ليا بالله عليك"
قبل أن يرد عليها فُتح الباب بواسطة «عبلة» و خلفها «خديجة»، نظروا لهن بتعجبٍ بينما هو طالعها بشوقٍ فاضح سرعان ظهر في مقلتيه بمجرد مرور طيفها أمام حدقتيه، و لأول مرّة تفعل هي العكس و تتجاهله بدخولها الغرفة ثم توجهت نحو عمتها و «خديجة» تمسك كفها مثل الطفل الصغير، اقتربت منها تقول بنبرةٍ متأثرة:
"عاملة إيه يا عمتو؟ طمنيني عليكِ أنتِ كويسة دلوقتي؟"
أومأت له موافقة و لكن تركيزها كان مع الأخرى التي أطرقت برأسها للأسفل لا تقوى على تلك المواجهة، خصيصًا بعدما تركها «ياسين» تواجه بمفردها، طالعت «جميلة» الوضع حولها فوجد التوتر يسود المكان من خلال النظرات المتبادلة بين الجميع، لذلك تحدثت هي تقول بنبرةٍ متوترة:
"طب واقفين ليه؟ اقعدي يا عبلة اقعدي يا خديجة"
أومأت لها كلتاهما ثم امتثلا لمطلبها، حينذاك رفعت «خديجة» رأسها حينما وكزتها «عبلة» حتى تتحدث، و بمجرد رفعها لرأسها التقت عينيها بعيني عمتها، و كأن الزمن خانها حتى أتى أمامها منظرها وهي تدافع عن ذويها، تابع «وليد» النظرات المتبادلة بينهن لذلك قال بنبرةٍ هادئة:
"تعالوا برة و سيبوهم مع بعض"
أومأت له كلتاهما، بينما الأثنتين كانتا تائهتين بين النظرات المتبادلة، لذلك «وليد» قرر ترك الغرفةِ لهن حتى تتم تلك المواجهة المنتظرة منذُ فترة طويلة، لذلك أخلى الغرفة و تركها لهن و الآخرتين خلفه، جلست «عبلة» في الخارج بجانب الغرفة، و «جميلة» بجانبها، بينما هو مقابلًا لها يطالعها وهي تُخفي نظرها عنه، انسحبت «جميلة» من بين بينهما حتى تترك لهما مجالًا حتى يتحدثا سويًا، تابع هو اختفاء «جميلة» ثم حرك رأسه يطالع تلك التي تتجاهله و تتصفح هاتفها، و حينها قال بنبرةٍ جامدة:
"طب سلمي عليا و قوليلي أي حاجة طيب، هو أنا من المعبد اليهودي ؟"
تجاهلته و كأنه لا يتحدث معها، بينما هو تعجب أكثر حينما رأى زيادة تجاهله له، لذلك اقترب منها يجلس منها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"مالك يا عبلة أنتِ زعلانة مني ولا إيه؟"
ابتسمت هي بسخريةٍ وهي تحرك رأسها بغير تصديق، فوجدته يمسكها من مرفقها وهو يقول بنبرةٍ مهتزة:
"عبلة !! طب بصيلي طيب و بلاش تخبي عيونك عني...هو بجد أنتِ زعلانة مني؟"
التفتت له تقول منفعلة في وجهه:
"هو بجد أنتَ مش مصدق أني زعلانة منك؟ مش مُدرك إنك وجعتني و شتمتني قصاد الكل؟ مش مستوعب إنك قدام ياسين صرخت في وشي علشان أبعد عنك و كأني جَربة، مش مستوعب إنك قدام الكل و أنا بقولك تعالى ريح و غير هدومك و أرجع تاني صرخت في وشي و قولتلي ملكيش دعوة بيا أمشي من هنا، مش مدرك إنك مزعل طارق و بابا منك علشان بيقولولك كلمها عِدل؟ لو أنتَ مش مدرك أنا مدركة و موجوعة يا وليد، أنا مش معدومة الكرامة علشان أتحمل كل دا منك، لو قلبي اللي حبك هيرخصني هدوس عليه علشان كرامتي"
استمع هو لما تفوهت به بأعين متسعة غير مدرك حقًا لما تفوهت به، هو يعلم أنه انفعل على الجميع عدة مرات، لكن ذلك كله نتج عن حيرته و تخبطه و ندمه و آلم روحه، لذلك وجد العبرات تلمع داخل عدستيه وهو يقول بنبرةٍ متألمة:
"والله العظيم دا كان غصب عني، والله اللي كنت فيه كان صعب، إحساس الذنب خنقني و كتفني يا عبلة، علشان خاطري متزوديش وجعي أنتِ كمان"
ردت عليه هي بنفس النبرة المتألمة من بين عبراتها:
"أنا كمان يابن الناس تعبت، و أنتَ اللي بتوجع نفسك بنفسك، أنتَ مشوفتهمش بصولي ازاي و أنتَ مهزقني و مهزق أبويا و أخويا، لولا باباك كان زمان الدنيا كبرت و ولعت، فوق يا وليد لنفسك، علشان مش كل مرة الباب هيبقى مفتوح مستنيك تدخله، هيجي يوم و يتقفل بالمفتاح و ساعتها الندم مش هينفع"
نظر لها هو بخوفٍ حقيقي وهو يتابعها تنسحب من أمامه بسرعةٍ تتركه حتى توجهت نحو مكان وقوف «جميلة» عند الشرفة الواسعة في نهاية الرواق حينها أرجع رأسه للخلف يتنهد بألمٍ وها هي هزيمةٍ أخرى تضاف لقائمة هزائمه، حتى الحديث لم يقوى عليه، فقط صمت أمام نظراتها المُعاتبة و لومها الملقى من سهامها نحوه.
_______________________
بداخل الغرفة أول من تحدثت كانت «مشيرة» حينما قالت بنبرةٍ مترددة من هيئة الواقفة الجالسة أمامها:
"إزيك يا خديجة؟ أنتِ كويسة؟"
أومأت لها موافقة وهي تفكرك كفيها معًا بتوترٍ كعادتها القديمة، لكنها تحدت نفسها وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
"كويسة الحمد لله...أنتِ...أنتِ كويسة؟"
أومأت لها «مشيرة» موافقةٍ بإيماءةٍ بسيطة ثم رفعت كفها الحر تمسح تلك الدمعة العالقة بين أهدابها، و فجأة فوجئت بها تقول بنبرةٍ قوية صارعت حتى تستطتع التحدث بها:
"ليه؟ عملتي كدا ليه و ضحيتي بنفسك علشانهم هما الاتنين؟"
رفعت «مشيرة» رأسها تطالعها بأعين خاوية، فوجدتها تضيف بنبرةٍ أقرب للبكاء:
"ليه تعملي كدا في نفسك و تشيلينا ذنبك؟ ليه مصممة تحسسيني أني وحشة حتى لو برضه بتعملي حاجة علشاني"
تنفست بعمقٍ حتى تستطع الرد على إجابتها وهي تقول بنبرةٍ مقررة ممتزجة بلهجةٍ باكية:
"علشانك أنتِ...والله عملت كدا علشانك أنتِ يا خديجة، أنا في اللحظة اللي شوفت ابراهيم فيها بيقرب منهم بالسكينة محستش بنفسي غير و جسمي بيقف قصادهم يحميهم هما الاتنين، خصوصًا إن جوزك كان أقرب للسكينة"
بنبرةٍ باكية من بين شهقاتها حينما تذكرت ما حدث:
"و دلوقتي جيتي تعملي علشاني؟ بعد عمر كامل قساوة و جفا منك جاية دلوقتي تفتكري إن فيه خديجة محتاجة حاجة تتعمل علشانها !! جاية بعد ما حرمتيني من كل حاجة و طلعت بسببك مريضة نفسيًا !! أنا بسببك لسه لحد دلوقتي بخاف، بخاف من كل حاجة حواليا و مش بإيدي، حتى الإنسان الوحيد اللي قبلني زي ما أنا بخاف يزهق مني و يسيبني، أنا ساكتة قصادكم بس دوشة دماغي مش سيباني، أنا بموت كل يوم و أنا بفتكر نظرة تقليلك ليا، فاكرة كلامك كان عامل إزاي؟ أقولك أنا كان عامل ازاي؟"
توقفت تتنفس الصعداء ثم استطردت حديثها قائلة بوجعٍ ظهر جليًا فـي نبرتها و ملامحها:
"أنتِ بتغيري منهم يا خديجة علشان هما عيونهم ملونة و أنتِ عيونك عادية، أنتِ بتكرهيهم علشان هما صحاب و أنتِ معندكيش صحاب، هدير و عبلة و سلمى بناتي، لكن أنتِ بنت أخويا و أنا عمتك، فــيـه طــفـلـة يــتـعــمل فــيـهـا كـدا !!"
صرخت بجملتها الأخيرة في وجهها، بينما «مشيرة» حاولت كتم شهقاتها الباكية وهي تقول بنبرةٍ مختنقة:
"قولي كل اللي في قلبك من ناحيتي، طلعيه يا خديجة علشان ترتاحي، و أنا والله هسمعك"
ردت عليها بنبرةٍ موجوعة ممتزجة بقهرٍ:
"المصيبة اني كنت كل مرة أشوف إن حقك تعملي كدا، حقك تغضبي عليا، كنت بحطلك أعذار علشان مكرهكيش و برضه قلبي المهزق معرفش يكرهك، كل مرة كنت أقول لو جت حضنتني هحضنها و لو ضحكت في وشي هضحكلها أنا كمان، فضلت عمر كامل مزعلش من حد لحد ما اتقهرت على نفسي، و دلوقتي شايلة ذنبك و ذنب إنك اتوجعتي بسببي، رغم إن البداية كانت من عندك أنتِ، أنتِ اللي زرعتي قسوة و حصدتيها بُعد عنك"
بعد حديثها ذلك بكت من جديد و كأن دموعها تواسيها بتلك الطريقة، بينما هي ألقت بجزعها العلوي على الفراش حتى تكتم شهقتها فوجدت يد «مشيرة» تربت عليها وهي تقول بنبرةٍ متألمة:
"و أنا خدت عقابي أضعاف على اللي عملته فيكي و في وليد، اتحرمت من الكلمة اللي كل ست بتتمنى تسمعها، اتحرمت من بيتي و بنتي و جوزي، الوحيدة اللي أمنت ليها بينهم طلعت أكترهم أذى ليا، أنا عيشت عمر كامل في باب مقفول عليا لوحدي يا خديجة،
كل واحد فيهم حياته كملت مع مراته و عياله و فرح بيهم و أنا مقهورة على حياتي اللي صحيت و لقيتها ضايعة مني، ولو الزمن رجع بيا تاني كنت أمنت بقدره و صدقت حكمته صدقيني يا بنتي أنا كرهي مكانش ليكي، كرهي كان للأيام اللي عيشتها من غير روح، جسم بس و القلب ميت مقهور، أنتِ دلوقتي متجوزة و بكرة تبقي أم و تعرفي يعني إيه حرقة القلب على الضنا، و أنا قلبي اتفحم من الوجع...والله تعبت في حياتي، شوفتوا مشيرة الوحشة القاسية بس والله أنا جوايا حلو والله حلو بس ماخدش فرصته يظهر، لو مش عاوزة تسامحي يبقى حقك و لو هتقدري ياريت علشان أعرف أنام يوم واحد حتى من غير ما أحس إن روحي هتفارقني و أنتِ زعلانة مني"
رفعت «خديجة» نفسها تطالعها بعدستيها الدامعتين بعدما استمعت لوجعها و آلمها، و حينها تذكرت قوله حينما أخبرها أن الجميع عاشوا في معاناة و لم تكن هي بمفردها، لذلك زفرت بقوة ثم وقفت من مجلسها، بعدها اقتربت من عمتها ثم رفعت كفها و بأناملٍ مرتعشة مسحت دموعها، وهي تطالعها بدهشةٍ غير مصدقة فعلتها، فوجدتها تقول بنبرةٍ قوية:
"علشان كلنا شوفنا المعاناة و علشان كلنا شوفنا الوجع، أنا عمري ما هقدر أكرهك علشان أنا مبعرفش أكره، لو أنا مسامحتكيش هبقى وحشة و دي حاجة أنا عمري ما أقبلها، في النهاية أنتِ هنا بسببي و بسبب إنك كنتي بتدافعي عن روحي اللي موجودة فيهم هما الاتنين"
بعد حديثها خطفتها «مشيرة» بين ذراعيها في عناقٍ ساحق حتى أوشكت على تكسير عظامها وهي تبكي بصرخاتٍ قوية، و الأخرى تبادلها الوضع بمثله في البكاء و الشهقات، حتى دلف «وليد» و رآى ذلك الوضع، اقترب من الفراش يجلس على الجهة الأخرى، حتى ابتعدت كلتاهما عن الاخرى، بينما هو قال بنبرةٍ هادئة:
"كلمت الدكتور و قالي إنك لو عاوزة تمشي ممكن يخرجك بس على مسئوليتنا علشان الرعاية الصحية"
قبل أن ترد عليه هي ردت عليه «خديجة» بنبرةٍ متحشرجة:
"ماشي خرجها يا وليد و احنا معاها في البيت هنخلي بالنا منها، مش هنسيبها كلنا"
طالعها كلاهما بتعجبٍ فقالت هي بنبرةٍ متوترة:
"أكيد أحنا أحسن من المستشفى، دا غير إن المستشفى جوها يخنق أصلًا"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف:
"أنا قولت كدا برضه، علشان كدا هستنى عمو رياض يجي و معاه النيابة علشان تحقق معاها في اللي حصل"
ردت عليه عمته بخوفٍ:
"ملوش لازمة أنا بخاف من الحاجات دي، خليه يمشي وخلاص"
رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"دا حقك، و بعدين دا إجراء روتيني لازم يتعمل قانونيًا، الدليل اللي معاهم كفاية أوي، السكينة و الكاميرات اللي قدام الشقة صورت اللي حصل، يعني كان متعمد يعمل كدا بدليل إنه خد السكينة و خباها في إيده، متخافيش، الظابط محترم و مقدر الموقف"
أومأت له بقلة الحيلة، و في تلك اللحظة دلفت الممرضة و معها «جميلة» وهي تقول بنبرةٍ هادئة من وجهها البشوش:
"دلوقتي معاد العلاج و الغدا، ياريت تتفضلوا علشان هي ترتاح شوية، قبل ما النيابة تيجي تحقق، المجهود دا كله غلط علشانها"
أومأ لها الجميع بموافقة، ثم خرجا الأثنين معًا، عدا «جميلة» التي بقيت بجانب والدتها حتى تعاون الممرضة في أمرها، و بخارج الغرفة، وقف هو ثم زفر بقوةٍ حينما رآى «عبلة» تقترب منها وهي تقول بنبرةٍ هامسة:
"أنا هستنى برة لحد ما ياسين يجي ياخدنا يا خديجة، و لما يجي هرن عليكي"
أومأت لها موافقة ثم تابعت انسحابها بهدوء، بينما هو نظر في أثرها بخيبة أمل كبيرة، غير قادر على تحمل تجاهلها له، فوجد «خديجة» تضع كفها على كتفه وهي تقول مستفسرةٍ:
"مالك يا وليد ؟ أنتَ شكلك عامل كدا ليه و عينك حمرا، أنتَ أكيد مش كويس"
زفر هو بقوة ثم قال بنبرةٍ متعبة:
"أخوكي تعب و جاب أخره خلاص، أخوكي من التعب بقى مش عارف مين فينا فوق التاني أنا ولا الأرض، حاسس بهم الدنيا كله فوق صدري يا خديجة"
تهدج صوته عند جملته الأخيرة مما جعلها تحتضنه بقوة وهي تقول بنبرةٍ باكية:
"يبقى عيط في حضني يا وليد زي ما أنتَ طول عمرك تعيط في حضني لما تحس بالتعب، و أنا معاك لحد ما ترجع تاني أحسن من الأول، بكى هو بين ذراعيها وهو يشعر بخيبة الأمل و الانكسار تعرقل طريقه من جديد، حينها صدح صوت هاتفها برقم «ياسين» حتى تخرج له، فابتعد هو عنها ثم مسح وجهه بكفيه و رافق فعلته تلك قوله:
"أخرجي علشان جوزك المستني برة دا، يلا علشان متتأخروش"
أومأت له موافقةٍ ثم قالت بنبرةٍ خافتة وهي تضغط على زر غلق المكالمة:
"افتح تليفونك و بطل شغل الهبل بتاعك دا، مش كل يوم هنصحي جميلة علشان نطمن عليك"
أومأ لها بلامبالاة غير مكترث لما تتفوه به، هو الآن يفكر فيما عليه فعله، و يجب عليه أن يبيب الليلة في بيته حتى لا تزداد الأمور سوءًا بين عمه و «طارق» تحديدًا أن عقله لازال يستحضر له تلك المواقف و كأنه بذلك يعلن عليه التمرد أمام عودته الجديدة، لكن على مَن فهو «وليد الرشيد» هو من حول كل هزائمه لـ مكسبًا عظيمًا، بالطبع سيحاول من جديد.
________________________
خرجت «خديجة» لهما فوجدت «عبلة» تفف بجانب «ياسين» أمام السيارة، اقتربت منهما بملامح وجهٍ متعبة لأجل ما حدث بالداخل من اضطرابات في المشاعر مع عمتها و أخيها، بينما هو اقترب منها يسألها باهتمامٍ واضح:
"خديجة أنتِ كويسة؟ شكلك ماله كدا؟"
تنفست بعمقٍ ثم جاوبته بنبرةٍ خافتة وكأنها تجاهدها حتى تخرج منها:
"أنا كويسة يا ياسين، بس مصدعة شوية، يلا بس علشان نتحرك"
أومأ لها موافقًا ثم رفع رأسه ينظر لـ «عبلة» فوجد ملامحها متعبة و الدموع تلمع في مقلتيها، لذلك قال بنبرةٍ هامسة بعدما أخفض نفسه لزوجته:
"خديجة عبلة شكلها مش متظبط، اقعدي معاها ورا، و اتكلموا سوا"
حركت بؤبؤ عدستيها وهي تطالع ابنة عمها وهي تحرك رأسها موافقةٍ بإيماءةٍ بسيطة، فركب هو السيارة و هن خلفه على الأريكة، و حينما شرع هو في قيادة السيارة أمسكت كفها وهي تسألها بنبرةٍ هادئة:
"مالك يا عبلة أنتِ كمان، فيكي إيه؟ مش اطمنتي على عمتو و عليه؟"
ردت عليها «عبلة» بحنقٍ:
"أنا اطمنت على عمتو آه، لكن هو زي ما هو بارد يا خديجة، بابا مقفولة معاه ضبة و مفتاح و طارق كمان، هما مش عيال علشان يهزقهم و يهزقني كدا"
ردت عليها «خديجة» بقلة حيلة:
"يا عبلة وليد كان تعبان و موجوع علشان عمتو، فكرة إنها تروح بسببه دي صعبة أوي إنه يتحملها، حرام عليكي تكوني واقفة ضده و المفروض أنتِ اللي تقفي في ضهره"
ردت عليها هي ببكاء:
"وأنا مين يقف في ضهري؟ و أنا بحارب علشانه و هو مش مقدر، عمالة أضغط على بابا علشانه و عمالة أدوس و استحمل و هو ولا هو هنا، و أخرتها يقولي متقرفنيش و أمشي من وشي؟ بقيت قرف يا خديجة على أخر الزمن"
ازداد بكاءها أكثر بعدما توقفت عن الحديث فوجدتها تحتضنها وهي تربت على ظهرها، بينما هو طالعها بحزنٍ في المرآة لأجلها و لأجله معها، و بعد الصمت الدائر في السيارة قطعها هو بقوله حينما أوقف السيارة أمام البيت:
"يلا يا جماعة احنا وصلنا"
ابتعدت «عبلة» عنها حتى تخرج من السيارة و بالفعل نزلت منها، و قبل أن تلحقها هي الأخرى وجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
"خليكي يا خديجة أنا عاوزك متنزليش، هنروح مشوار مع بعض"
قطبت جبينها بحيرةٍ فوجدت «عبلة» تميل على نافذة السيارة وهي تقول بتعجبٍ:
"إيه يا خديجة مش هتنزلي؟"
جاوبها هو بنبرةٍ هادئة:
"عاوزها بس هنجيب حاجات و نرجع تاني، أنا عامل حسابي اننا هنبات هنا متخافيش"
أومأت لهما ثم دخلت البناية، بينما «خديجة» نزلت من السيارة ثم جلست على المقعد المجاور لمقعد القيادة وهي تسأله بتعجبٍ:
"هنروح فين؟ و ليه معرفتنيش إنك عاوزني نروح نجيب حاجات سوا"
ابتسم هو لها وهو يقول بمرحٍ:
"علشان مفيش حاجات أصلًا، أنا عاوزك بس في مشوار على السريع و هنرجع"
ردت عليه هي بنبرةٍ حائرة و هي قاطبة الجبين بتعجبٍ:
"مشوار !! مشوار إيه دا متخوفنيش"
اتسعت بسمته وهو يحرك السيارة قائلًا بمرحٍ:
"خاطفك يا ست الكل، ارتاحتي"
ابتسمت له هي الأخرى وهي تقول بفرحةٍ تشبه فرحة الصغار:
"الله !! براحتك يا ياسين، اخطفني زي ما أنتَ عاوز"
ابتسم هو بيأس وهو يحرك رأسه في عدة جهات تزامنًا مع قوله بنبرةٍ ضاحكة:
"مفيش فايدة برضه"
أومأت له عدة مرات بموافقة ثم تنهدت بعمقٍ و هي تحرك رأسها تلقيها على النافذة حتى تتابع الطريق، بينما هو اندمج في القيادة حتى أوقف السيارة عند تلك العربة التي جمعت بينهما أول مرةٍ سويًا، نظرت هي حولها و حينما تعارفت على المكان شهقت بفرحة وهي تقول بنبرةٍ مختنقة:
"لأ، متقولش عصير قصب باللبن؟ الله كان نفسي فيه والله، و كنت هقولك أول ما تكون فاضي نيجي سوا هنا"
رد عليها هو بمرحٍ:
"وحشني بصراحة، و قولت لازم أشربه معاكي، بما اننا واحد بقى"
نزلت من السيارة بحماسٍ لم يخفى عليه، فوجدته يلحقها هو الآخر، حتى وقفا أمام العربة، بينما هو ابتسم لها وهو يقول بمرحٍ:
"قدامك فرصة تختاري أي طعم حاجة تحبيها، مش لازم زيي يعني"
ابتسمت هي باتساعٍ وهي تقول:
"لأ طالما قولت احنا واحد يبقى نشرب زي بعض، و بعدين احنا جايين هنا علشان القصب باللبن"
أومأ لها موافقًا ثم جلس على المقاعد الصغيرة و هي أمامه حتى يأتي لهما المشروب، بينما هو سألها بملامح وجه جادة و لكن نبرته كما هي هادئة و حنونة:
"ها كان مالك بقى لما خرجتي ليا من عند عمتك؟ و متقوليش أنا كويسة علشان شكلك مكانش كويس خالص"
تنهدت هي بعمقٍ ثم جاوبته بنبرةٍ مهتزة:
"أنا...أنا مكنتش عارفة أعمل إيه يا ياسين، بس هي صعبت عليا أوي و دي أول مرة آخد بالي من معاناتها، عمتو عانت زينا يا ياسين بالظبط، و اتحرمت من حاجات كتير، آه أنا كنت ضحيتها دي، بس هي رجعتلي روحي تاني بعد اللي عملته، و دي لوحدها تخليني أسامح، ولو معملتش كدا أبقى جاحدة و قلبي قاسي و أنا مش عاوزة أبقى قاسية يا ياسين"
ابتسم لها وهو يقول مُفسرًا بنبرةٍ هادئة:
"علشان التخبيط اللي أنتِ فيه دا أنا جبتك هنا، علشان التوتر يقل شوية و أقولك إنك عملتي الصح يا خديجة، مسامحتك ليها هتخليكي تحسي بالقوة و إنك شخص قلبه كبير، و هي دي الميزة اللي تخليكي تختلفي عن البشر كلهم، هي آه غلطت بس كفرت عن غلطها دا و روحها كانت التمن، أنا عاوز أقولك إنك صح و إنك مظلمتيش نفسك و لا كنتي ظلماها، اللي حصل حصل و مش هينفع نغيره، بس ينفع نستفاد منه"
في تلك اللحظة اقترب منهم شابًا كبيرًا يضع أمامهم العصير، فسأله هو مبتسمًا:
"أومال حمادة فين يا حودة؟"
رد عليه هو بنبرةٍ مرحة:
"حمادة خلاص بقى راح السكن علشان الدراسة الاسبوع الجاي و أنا جيت مكانه بقى"
رد عليه هو بنبرةٍ هادئة:
"ربنا يبارك فيكم و يحرصكم، سلملي عليه لما يكلمك"
أومأ له موافقًا ثم تركه بينما هي ردت عليه بنبرةٍ متأثرة:
"كلامك ريحني و جه في وقته والله، حقيقي أنا كنت متلخبطة يا ياسين و مش عارفة كنت صح ولا غلط، بس الإجابة كانت عندك و دي أريح حاجة حصلتلي إنك الجواب لكل سؤال"
ابتسم هو لها ثم قال بهدوء:
"أريح حاجة إننا مع بعض يا خديجة، مش مهم بقى مين صح ومين غلط، أنا واجبي أشاورلك على اللي مش واخدة بالك منه، زي ما واجبي أني أخليكي تحسي بالأمان معايا و إنك متخافيش، علشان كدا هتلاقيني كل ما تحسي إنك تايهة في طريقك بلحقك"
ردت عليه هي بسرعةٍ متحمسة تؤيد صدق قوله:
"أنا أصلًا عرفت كل حاجة لما أنتَ بقيت توضحلي و تفهمني، صدقني يا ياسين، أنتَ أحن ما جه في العمر و الله"
اقترب هو منها بجسده يميل نحوها وهو يقول بنبرةٍ هامسة:
"و أنتِ يا خديجة ألطف ما هادتني بيها الأيام، عمري ما كنت أتخيل أني ممكن ألاقي اللي أنا عاوزها و بحلم بيها بس ربنا كريم و جمعني بيكي"
حركت رأسها حتى يتسنى لها رؤيته وهي تطالعه بدهشةٍ فوجدته يضيف بحبٍ:
"رَقـيـقــةٌ أنّــتِ تُــشـبِــهـينَ كُــل مَـا هـو جَــمْـيـل...أنّــتِ فَــقـط مَــن جَــعـلّـتـي الــقَـلّـب الـثـابــتُ؛ نَـحــوكِ يَــمـيـل"
ابتسمت له باتساعٍ فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"
اتسعت بسمتها أكثر ثم ردت عليه بنبرةٍ هامسة:
"مش هعرف أرد عليك علشان احنا في الشارع، بس أنا بحبك"
________________________
بعد التحقيق مع «مشيرة» من قبل النيابة بعدما علمت بتحسن حالتها، و مع الأدلة و التقرير الطبي المقدم بحالتها و الفحص الطبي الجنائي حتى يتم التأكد من الدم الموجود على السكين، أشار لهم المحقق بصعوبة العقوبة التي سينالها «ابراهيم» خاصةً أن موقفه صعبًا للغاية بعد شهادة ابنه ضده، بعدها أخذها «وليد» ثم توجه بها نحو بيت آلـ «الرشيد» حينما رآى تدهور وضعها بعدما أدلت بما حدث أمام النيابة، دلف بها شقتها مع زوجها و ابنتها، و سرعان ما تجمعت العائلة بأكملها عندها، حتى يطمئنوا عليها، حينها قال هو بنبرةٍ جامدة:
"معلش يا جماعة علشان هي لسه مغيرة على الجرح و تعبت، نمشي احنا و نسيبها مع جميلة و وماما علشان ترتاح"
وافق الجميع على حديثه، بينما عمه طالعه بوجهٍ ممتعض، ثم تركه و رحل، و قبل أن يخرج «طارق» من الشقة لحقه هو حتى مقدمة الدرجات، و قبل أن يخطو الآخر خطوةً واحدة أوقفه بنبرةٍ مهتزة وهو يقول بخجلٍ:
"استنى يا طارق هو أنتَ ليه مش عاوز تبصلي، طب استنى أنا وليد صاحبك"
عاد إليه يطالعه بجمودٍ وهو يقول:
"دلوقتي بقيت وليد صاحبي؟ و لما هزقتني قدامهم كنت إيه؟ ولما طولت لسانك على أختى كان إيه يا وليد؟ و صوتك اللي عِلي على أبويا دا كان إيه؟ أنا مش هعمل زي كل مرة و أقولك أنا مش زعلان، علشان أنا موجوع منك على اللي يخصوني".
رد عليه هو بنبرةٍ شبه باكية:
"كان غصب عني والله، اللي حصلي ساعتها كان صعب يا طارق، علشان خاطري متزعلش مني، طول عمرك في ضهري"
ابتسم له بسخريةٍ وهو يقول:
"قول لنفسك الكلام دا يا وليد، عن إذنك طالع ارتاح شوية"
نظر في أثره بنفس الخيبة التي نظر بها في أثرها، هو مخطئ حقًا طريقته كانت قبيحة و انفعاله غير مبرر لهم، حتى «طارق» خسره وهو من ظنه سيعالج الموقف، جلس على الدرجات بجانب المصعد، فوجد «خلود» تأتي بجانبه تربت على كتفه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
"احكيلي إيه اللي مزعلك و أنا أحللك الدنيا كلها، ثق فيا"
ابتسم لها بسخريةٍ وهو يقول:
"خلاص ضاقت بيا علشان أنتِ اللي تحلي مشاكلي يعني؟ دنيا عجيبة والله"
ردت عليه هي بنبرةٍ مؤكدة:
"عيب عليك و أنتَ عارف أني نسخة منك، قولي مالك علشان أقولك إيه اللي مزعلني، ثق فـ خوخة يا ليدو"
تنهد هو بعمقٍ ثم جاوبها بإيجازٍ عن وضعه مع حبيبته و صديقه، و عن نظرة عمه له، بينما هي استمعت له بتمعن، ثم وقفت منتفضة وهي تقول مقررةً باصرارٍ:
"قوم معايا و سيب كل حاجة عليا، تعالى يلا بقى"
قالت جملتها الأخيرة بتعبٍ وهي توقفه من ذراعه، و قبل أن يتحدث وجدها تدفعه نحو المصعد، و قبل أن يتحدث قالت هي بنبرةٍ جامدة داخل المصعد:
"مش عاوزة كلام، عاوزاك بس تتفرج على تربيتك وهي بتجيب حقك من العالم قليلة الأصل دي"
طالعها بدهشةً فوجدها تنظر أمامها بشرٍ يتطاير من حدقتيها، توعدًا لشقة عمها بالكامل، وبعد ثوانٍ خرجا من المصعد، فضربت هي الجرس بيدٍ جامدة، فتحت لها «عبلة» و لكنها تفاجأت حينما وجدته معها، بينما هي قالت بنبرةٍ جامدة:
"أبوكي فين يا عبلة و طارق"
أشارت لها على الداخل وهي تقول بنبرةٍ تائهة نتيجة تعجبها:
"بابا جوة يا خلود، فيه إيه متعصبة كدا ليه علينا"
دفعتها من وجهها ثم سحبته من كفه حتى وقفت أمام عمها و ابنه و بمجرد التقاءها بهما، قالت لهما بنبرةٍ جامدة:
"أنا عاوزة أعرف مالكم جايبن على الواد ليه؟ كلكم ما صدقتوا غلطة و مسكتوا فيها علشان تزعلوه؟ فيه إيه يا طارق ؟"
رد عليها «طارق» مندهشًا من طريقتها:
"بالراحة يا خلود مالك؟ محدش جه جنبه أصلًا، و بعدين بتدخلي ليه أنتِ أصلًا"
تركت كفه ثم وقفت أمامه بتحدٍ وهي تقول بنبرةٍ جامدة:
"وليد أبويا مش بس أخويا و اللي يزعله يزعلني يا طارق، كلكم شوفتوا إنه وحش و إنه اتعصب عليكم، محدش فيكم شافه و هو بيحارب علشانكم؟ محدش شاف السكينة اللي كانت هتاخد روحه في لحظة؟ محدش فيكم شاف وشه المضروب لما وقف قصاد ابراهيم لوحده علشان يحافظ علينا؟ إيه يا طارق نسيت وليد؟ و حضرتك يا عمو خلاص نسيت إن وليد دا بيعمل كل حاجة علشاننا، نسيت إنه كان تعبان بسبب أختك؟"
نظر كلاهما لبعضهما بخجلٍ، بينما هو طالعها بدهشةٍ غير مصدقًا أن صغيرته الآن تدافع عنه بقوة جيشًا بأكمله، فالتفتت هي تطالع «عبلة» وهي تقول بنبرةٍ ساخرة:
"و أنتِ يا ست عبلة؟ جرى إيه خلاص كلمتين جوزك قالهم و هو تعبان و مخنوق هنعلق عليهم المشنقة؟
أومال لو أنتِ عارفة طبعه و عارفة إن عمره ما اتعصب على حد قبل كدا غير لما يجيب أخره؟ بجد حرام عليكم والله، اللي بيحصل في أخويا دا كتير عليه، كلكم شايفين عمل فيكم إيه، محدش فيكم شاف عمل علشانكم إيه؟"
اقترب منه «طارق» يقول معتذرًا:
"حقك عليا يا وليد، أنا عارف أني زعلتك، بس كلنا كنا تعبانين من الخضة، بس أنتَ مش صاحبي برضه"
طالعه الجميع بدهشةٍ فخطفه هو بين ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ متأثرة:
"أنتَ ابني و أخويا و صاحبي، هتفضل طول عمرك غصب عن الدنيا حبيبي، و أنا غصب عنك ضهرك، متزعلش من أخوك ياض"
احتضنه «وليد» بقوة وهو يقول بنبرةٍ معتذرة نتيجة خجله:
"حقك عليا يا طارق متزعلش مني، والله العظيم كنت مش شايف قصادي، بس أنا معاك في أي حاجة"
وقف «محمد» يقول بنبرةٍ جامدة:
"شوف يالا علشان شغل الهبل بتاعك دا، تفوق كدا لنفسك و تركز في حياتك، و بنتي أنا عمري ما هتدخل في علاقتك بيها، بس لما توجعها يبقى أنا دوري أمنع عنها الوجع دا، حتى لو هقسى عليك، لو أنتَ بتحبها فأنا بحبها من قبلك، لو أنتَ شايف إنك حبيبها الأول تبقى غلطان، علشان أنا حبيبها الأول يا وليد"
ابتعد عن صديقه ثم اقترب من عمه وهو يقول بنبرة مترددة:
"حقك عليا و على راسي كمان، و معاك حق في كلامك، بس والله الخضة اللي كنت فيها شدت أعصابي، الموت كان قريب مني أوي مرتين في نفس الومين، صدقني والله أنا مقدرش أزعلك، أنا عمري ما اتأسفت و عمري ما رضيت حد، بس أنتو علشانكم أنا أعمل كل حاجة"
احتضنه عمه وهو يقول بحكمةٍ على عكس عادته:
"و أنا عارف يا وليد، ولو أنا مش عارف كان زماني مخلص بنتي منك و من العلاقة دي، بس أنتَ بتحبها و أنا مش هنكر دا، أوعدني إنك متجيش عليها يا بني و طمني"
ابتعد عنه يطالعه بندمٍ وهو يقول:
"حقك عليا أنتَ و طارق و هي حقها على قلبي، بس متزعلش مني يا عمي"
ابتسم له عمه، ثم ربت على ظهره وهو يشير له برأسه نحوها، فأومأ له موافقًا ثم توجه لها يقف مقابلًا لها فوجدها تُخفض رأسها حتى لا تطالعه فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"طب هما سامحوني، أنتِ هتزعلي مني؟ دا عم محمد قلبه لان ليا، هتقسي أنتِ عليا؟"
طالعته بعتابٍ وهي تقول مؤنبةً:
"زي ما أنتِ قسيت عليا ٣ مرات قدام الناس، زي ما اعتبرتني غريبة عنك و مش عاوز ترد عليا"
أمسك كفها بين كفيه وهو يقول بنبرةٍ غلبت عليها عاطفته:
"و أنا علشان مليش غيرك رجعتلك تاني بعد لفة كاملة من التعب، عاوز أقولك إن حبيبك تعب يا عبلة، و إنك الوحيدة اللي مكنتش عاوزها تشوف ضعفي، رغم إنك الوحيدة اللي شاهدة عليه، والله العظيم أنا بعافر علشان أتعافى علشانك، عاوز أبقى حد يستاهلك و يستاهل وجودك، والله العظيم ما فيه غيرك أقدر أشاركها همومي، لو مش هتقدري عرفيني علشان ماجيش ليكي مهزوم تاني"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية و عبراتها تسيل على وجنتيها:
"أنا قولتلك حِمل الليالي خفيف لما يقسموه اتنين، و قولتلك أني معاك و في ضهرك بس شاركني و ملكش دعوة لو قصرت معاك يبقى ليك الحق، إنما أنتَ مهمشني و تيجي ليا بعد ما تتهزم، أنا فين في تعبك دا"
احتضنها هو بقوة وهو يتنفس بعمقٍ، فوجدها تحتضنه هي الأخرى و هي تبكي بقوة، بادلها البكاء هو الآخر وهو يقول بـ ندمًا معتذرًا لها:
" علشان خاطري متعيطيش بسببي، دموعك لوحدها سبب في تعبي يا عبلة، أنا أسف و حقك عليا و على قلبي من الدنيا كلها لو زعلتك في يوم، سامحيني يا عبلة"
ألقت رأسها على كتفه وهي تشعر براحةٍ كبرى و كأن كتفه هو كل ما تحتاج له، بينما هو ابتسم باتساعٍ وهو يرى خضوعها على كتفه بتلك الطريقة حتى تحدث «محمد» يقول بنبرةٍ جامدة:
"خلاص يا زفت منك ليها، خلاص يا حبيبي، هو أنا شجرة و البهوات اتنين لمون ولا إيه؟"
كان تشبيهه على «خلود» و «طارق» مما جعل الضحكات تنتشر عليهما، بينما هو ابتعد عنها ثم قال متأسفًا:
"متزعليش من واحد أنتِ كل دنيته يا عبلة، علشان وليد من غيرك مش مرتاح"
أومأت له ببكاء فوجدته يقترب منها ثم قبل قمة رأسها و تبع فعلته تلك بقوله المرح:
"بحبك يا سوبيا...يا أحلى وأجمل سوبيا في الدنيا"
تحدثت «خلود» تقول بمرحٍ:
"طب الحمد لله، تصبحوا على خير يا جماعة، ربنا يجعلنا سبب في الخير دايمًا"
رد عليه عمها بحنقٍ:
"استني يا بت خدي الواد دا معاكي، يلا يا ختي، طالعة تردحيلي علشانه؟ دا أنتِ يومك أسود على دماغك"
ردت عليه هي بوقاحةٍ تماثل وقاحة مُعلمها:
"فيه إيه يا عمو محمد، ما أنتو اللي جايين على الواد أنتَ و عيالك و لا هو علشان غلبان و مكسور يعني؟ خدوا بالكم وليد في حمايتي هنا"
اقترب منها «وليد» يقول بنبرةٍ هامسة بعدما أخفض نفسه حتى يصل لها:
"اتلمي يخربيتك، مش للدرجة دي"
ردت عليه هي بنفس الهمس:
"بس أنتَ، أنا عارفة العيلة دي بتمشي إزاي، يلا بس علشان عمو محمد شكله يخوف"
قالت جملتها الأخيرة بعدما طالعت وجه عمها فوجدته ينظر لها بشررٍ يتطاير و كأنه يتربص لها.
______________________
فوق سطح البيت كانت «سلمى» جالسةً تذاكر مادة الغد في درسها، و كانت مندمجة بشدة، و فجأة تفاجئت به أمامها و في يده حاسوبه الخاص، و حينما رآها قال بخجلٍ:
"أنا آسف والله معرفش إنك، افتكرتك نزلتي من بدري"
وقفت هي أمامه وهي تقول بنبرةٍ مهتزة:
"لأ أنا بس كنت براجع على الواجب علشان بكرة فيه امتحان و حاسة إنه هيجي من الواجب"
أومأ لها موافقًا ثم ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"كويس إنك بتعملي كدا على فكرة، عارفة لما تيجي تحلي بكرة هتلاقي عقلك تلقائيًا بيفكرك بالحل الشبيه، أنا واثق إنك هترفعي راسنا كلنا"
سألته هي بتلهفٍ واضح:
"بجد يا أحمد؟ شايف أني هحقق حلمي و أدخل صيدلة؟"
أومأ لها موافقًا ثم قال مؤكدًا:
"أنا متأكد من كدا أصلًا، أنا شايف إنك بتعملي اللي عليكي و زيادة، حتى خلود كمان بقت تذاكر زيك و ودي مش عادتها أصلًا، أعملوا اللي عليكم بس و متخافوش"
ردت عليه هي بقلقٍ واضح في نظرتها و صوتها:
"أنا خايفة أوي اتصدم في النهاية، خايفة أكون بذاكر غلط أو تكون طريقتي مش صح"
رد عليه حديثها بنبرةٍ هادئة و لكن بحديثٍ مؤثر:
"أوعي تسيبي الشيطان يلعب بدماغك، أنتِ الحمد لله بتصلي و عارفة ربنا، افتكري إن ربنا مش بيضيع تعب حد يا سلمى، و إن حتى لو مدخلتيش الكلية اللي بتحلمي بيها، هتدخلي كلية من اختيار ربنا ليكي و دي أعظم من اختيارك أنتِ، ربنا سبحانه و تعالى أعلم بعباده و مصيرهم، علشان كدا أعملي اللي عليكي، و افتكري إن ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
قال تعال:
"و أعدوا لهم ما استطعتم"
_"صدق الله العظيم"
ردت عليه هي بذلك بنبرةٍ خافتة، فوجدته يتابع حديثه قائلًا:
"اعملي اللي عليكي و اللي تقدري عليه و افتكري إنك عليكي السعي مش النتيجة، الثانوية العامة مش نهاية الدنيا و مش هي الدنيا، هي وسيلة في الدنيا علشان تعيشي، و في النهاية الكليات دي رزق برضه"
ابتسمت باتساعٍ بعدما استمعت لحديثه الأكثر من مشجع فوجدته يحمحم بقوة بعدما أوشك على الهيام في نظرتها، ثم قال:
"طب أنا هنزل أشتغل تحت و أسيبك تذاكري براحتك بقى"
ردت عليه هي توقفه بلهفةٍ:
"لأ خليك أنا خلصت والله، و يدوبك هنام، اشتغل أنتَ ربنا معاك"
أومأ لها وهو يتابعها وهي تجمع حاجتها حتى تنزل من أمامه، وقبل أن تخرج من سطح البيت وجدته يتابع بنبرةٍ خافتة:
"سلمىٰ، سواء حصل و دخلتي صيدلة أو لأ، أنا دايمًا هفضل فخور بيكي و بأخلاقك، و شرف ليا إنك تكوني شريكة عمري"
التفت تطالعه بأعين دامعة ولكنها متسعة من دهشتها فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
"يلا على تحت علشان أنا مرضاش بكدا، و عرفي عمي إننا اتكلمنا سوا علشان أنا مش خاين للأمانة"
ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ مرحة:
"والله دا الشرف لينا إحنا، تصبح على خير يا أحمد"
نظر في أثرها بفرحةٍ كبرى وهو يكرر كلمتها بتلذذٍ على لسانه:
"تصبح على خير يا أحمد، دي أحلى تصبح خير والله سمعتها"
قال جملته ثم جلس بموضع جلوسها حتى يتابع عمله الذي طلبه منه «حسن»، و فجأة سمع صوت ضحكات «خلود» و «وليد» معها يخرجا من المصعد، قطب جبينه بحيرةٍ، فوجدهما أمامه ولا زالت ضحكاتهما مستمرة، لذلك سألهما بتعجبٍ:
"فيه إيه أنتَ وهي؟ أنتو داخلين كباريه؟ إيه الضحك دا"
اقتربت منه «خلود» تجلس بجانبه وهي تقول بمرحٍ:
"يا عم متتعبناش، بنفك عن نفسنا، بس عمك محمد طلع يجري ورايا أنا و وليد و طردنا من البيت"
جلس «وليد» مقابلًا لهما، فقال موجهًا حديثه له:
"ليه يا أستاذ وليد؟ عملت إيه في عمك أنتَ وهي علشان يجري وراكم"
رد عليه هو بمرحٍ:
"هو اللي عصبي فيها إيه يعني لما أحضن عبلة و أبوسها قصاده؟ ماهي مراتي و بصالحها"
رد عليه هو بنبرةٍ هادئة:
"طب كويس إنكم دخلتوا أصلًا، علشان هو اشتكى لبابا منك يا وليد، بس السوسة دي عملت إيه"
ابتسمت هي بخبثٍ وهي تقول:
"كنت بجيب حق أخويا، ولا هو فاكر الواد ملوش حد هنا؟ هيجي عليه هو و عياله؟"
قبل أن يرد عليها مُعقبًا وجد هاتفه يصدح برقم «حسن» لذلك قال بنبرةٍ متلهفة و كأنه تذكر لتوه:
"يا مراري دا حسن مستني الصور بتاعة اللوح علشان يظبطها على الإعلان، طب أنا هنزل أصورهم و أطلع تاني، هجيلكم"
أومأ له كليهما، بينما «وليد» تابع انسحابه ثم اقترب من الطاولة يستند عليها برمفقه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"قوليلي بقى، دافعتي عني كدا ليه و عملتي اللي عملتيه ليه؟"
ردت عليه هي ببساطة:
"علشانك، مش محتاجة سؤال يعني"
رد هو مُعقبًا:
"وهو علشاني تزعقي لعمك و ابنه كدا؟ و لا تقولي اللي قولتيه من غير خوف؟"
أومأت له موافقة ثم أضافت:
"آه، و أعمل أكتر من كدا، أنا مبحبش الظلم يا وليد، و أنتَ ممكن تظلم نفسك علشان تخرج من الضغط اللي عليك، و أنا مرضاش إنك تظلم نفسك كدا، علشان كدا دافعت عنك و شرحت موقفك، شكلك أصلًا كان باين إنك مش واعي لنفسك ساعتها، يعني ليك عذرك"
ابتسم لها بحبٍ وهو يقول:
"تعرفي إنك الوحيدة اللي اتصرفت عكس توقعاتي؟ بس شكرًا إنك معايا، دي حاجة هفضل فاكرها العمر كله ليكي"
ردت عليه بخبثٍ:
"سيبك من العواطف دي و ركز معايا كويس علشان عاوزاك في حاجة مهمة"
أمعن نظره لها باهتمامٍ واضح بعد حديثها، فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
"رامي ابن ابراهيم مش عاوز يحل عني، أنا بقول تبعدوه أنتو بدل ما أبعده أنا من الدنيا كلها يا وليد"
سألها هو بتريثٍ:
"احكيلي بقى عملك إيه؟ ولا جه جنبك إزاي؟"
ردت عليه هي مفسرةً:
"كل ما أكون لوحدي ألاقيه جاي يستظرف، و يتكلم معايا، بجد مستفز أوي، و أنا ماسكة نفسي بالعافية علشان دا مريض، بس لو فكر يتكلم معايا تاني ساعتها أنا اللي هخليه يندم و يلم كرامته من على البلاط"
باغتها هو بسؤاله المفاجئ الغير متوقع:
"خلود لو هيجي يوم و تختاري بين رامي و عمار تختاري مين فيهم؟"
ذُهلت هي من سؤاله مما أدى إلى اتساع حدقتيها، فأضاف هو يُردف لها:
"أنا قصدي يعني لو الزمن جمع بينكم على أساس إنك تختاري بينهم، أو بين شخصيات زيهم، تختاري مين؟"
زفرت هي بقوة ثم جاوبته بثباتٍ:
"مع أني مش مقتنعة بسؤالك ولا فاهمة لازمته يا وليد، بس لو هختار يبقى اختار عمار، لو على كلامك إنه بيحبني بجد و أنا قدامه كل يوم و محاولش حتى يكلمني يبقى هو أحق أني أفكر فيه، إنما رامي دا مش محترم أصول بيتنا"
أومأ لها موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"طب يا خلود، أنتِ عملتي اللي عليكي و عرفتيني، انزلي بقى و أنا بكرة هتصرف"
طالعته بريبةٍ و قلقٍ فوجدته يومأ لها حتى يطمئنها، و لا تحمل همًا.
_______________________
في شقة «حسن» أخرج هاتفه من جيبه يلقيه على الطاولة بضجرٍ وهو يقول:
"يلهوي دا أنتِ رغاية بجد، يخربيتك زن أمك"
أتت «هدير» من الداخل وهي تقول بتعجبٍ:
"بوادر جنان دي ولا إيه؟ بتكلم نفسك يا حسن خلاص"
جلست بجانبه فوجدته يقول بضيقٍ:
"دي شخصية رغاية بتزن من الصبح عليا، و أنا خلقي ضيق"
أنهى حديثه فوجد الهاتف يصدح بمكالمةٍ من نفس الرقم، طالعها بقلة حيلة، فوجدها تخطف الهاتف وهي تقول بتعجبٍ بعدما قدمته له:
"طب رد حتى على اللي بيكلمك، كدا غلط هيفتكر إنك مش عاوز ترد"
رد عليها هو بسخرية:
"لأ و أنتِ الصادقة دي واحدة بصي على إسمها كدا"
نظرت هي للإسم بعدما حاربت نفسها حتى تتجاهله، و حينما لمحت إسم الفتاة قالت بهدوء:
"طب رد عليها، شكلها ماشاء الله عندها إصرار أوي إنها تكلمك"
أخذ منها الهاتف ثم أغلقه بالكامل، بعدها اعتدل في جلسته حتى يحدثها وهو يقول بنبرةٍ مفسرة:
"دي مي النويري عارفاها؟"
شهقت بقوة وهي تقول بنبرةٍ غير مصدقة:
"شهد النويري البلوجر المعروفة؟ بتهزر يا حسن؟ معاك رقمها"
رد عليها هو بثقة:
"معايا رقمها و بتقل عليها كمان و مش عاوز أكلمها، و مش هكلمها"
سألته هي باحباطٍ واضح:
"ليه يا حسن، أنا بحبها أوي و بحب صورها و استايلها جدًا، حرام عليك تحبطني كدا"
رد عليها هو مفسرًا بنبرةٍ جامدة:
"علشان أنا مش عاوز أتعامل معاها، أنا سبت المجال دا كله أصلًا من قبل جوازي الأولاني، بصراحة أنا معنديش طاقة أرجعه تاني"
قطبت جبينها بحيرةٍ وهي تسأله بنبرةٍ تائهة:
"أنا مش فاهمة منك حاجة، مجال إيه و طاقة إيه؟ فهمني ينوبك ثواب في غبائي"
ابتسم هو ثم قال مردفًا لها:
"مجال التصوير و البلوجر و الموديل و كل الحاجات دي، بدأت فيها شوية و بعدين عرفت إنها حرام علشان كدا سبتها"
سألته هي بدهشةً:
"إزاي، إيه الحرام علشان أنا مش مستوعبة منك حاجة"
زفر بقوة ثم قال:
"كل الحكاية أني كنت بصور بنات عريانين و بمكياج، دا غير دلعهم و طريقتهم المايعة، لما عرفت بعد موت ريم إن الحاجات دي حرام قولت طالما عرفت مكابرش أكتر و سِبت المجال دا و روحت مع ولاد عمك شغلهم، مي دي بقى عاوزاني أرجع أصورها علشان داخلة مسابقة و أنا اللي هعرف أظبط الصور ليها"
أومأت له بتفهمٍ فوجدته يضيف مردفًا:
"أنا مش عاوز أكلمها خصوصًا إن فيه كام موقف وحشين طلعوا منها و خلوني شكلي زفت، علشان كدا ببعد عنها على قد ما أقدر"
سألته هي بترددٍ:
"طب ينفع تقولي عليهم؟ يعني من باب الفضفضة"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف مؤكدًا:
"آه طبعًا، كل الحكاية يا ستي إنها حبتني و أنا قافل السكة دي و لما قولتلها أني مش مستعد دلوقتي أدخل علاقة فضلت تزن عليا، أنا مش في دماغي لحد ما لقيتها بتعمل اشاعات كتير أني بصور علشانها هي بس و أني مش هصور حد غيرها، لقيت كلام كتير و رغي، سبت الصور و كل حاجة، دلوقتي هتلاقيها عرفت إن ريم ماتت و عاوزة تجر معايا تاني، بس أنا سبت التصوير. و ركنت الكاميرا و لا أي حد يخليني أرجع للصور تاني"
شعرت هي بنيران الغيرة تأكلها لا تدري لماذا و لكنها فسرت ذلك أنه جرح كرامتها كأنثى، لذلك أخذت الهاتف الخاص به تقوم بفتحه من جديد، كان هو يتابعها بخبثٍ ، و بعد مرور ثوانٍ من فتح الهاتف وهي تمسكه في يدها و تهز قدميها بتوترٍ ملحوظ، وجدته يصدح من جديد بنفس الرقم، حينها ضغطت على زر الإيجاب ثم قامت بفتح المكالمة و رفعت الصوت حتى يسمعه هو، فقالت هي بنبرةٍ جامدة بمجرد ما استمعت لصوت الفتاة:
"لأ أنا مش حسن، أنا مراته هدير، معلش بقى حسن بياخد شاور و قالي أرد عليكي، خير عاوزة حاجة؟"
ردت عليها الفتاة بتعجبٍ:
"مراته؟ أنا متأسفة جدًا شكلي غلطت في الرقم، Sorry"
ردت عليها هي بضجرٍ:
"لأ الرقم صح جدًا، دا رقم حسن المهدي فعلًا، بس هو خلاص بقى مدير شركة و ساب الهبل دا و مش فاضي ليه، تحبي أقوله حاجة يا سكر؟"
أغلقت الفتاة الهاتف في وجهها وهو يحاول كتم ضحكته، فوجدها تشهق بقوةٍ ثم هبت منتفضة وهي تقول بنبرةٍ متوعدة:
"قوم دلوقتي وصلني الشيخ زايد، أنا عارفة هي ساكنة فين هروح أجبها من شعرها، قوم يلا"
وقف هو مقابلًا لها يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"وحدي الله في قلبك يا غالية، دي عيال مش متربية مراهقين يعني، أنتِ عملتي الواجب و زيادة، وهي مستحيل تتصل تاني هنا إلا و ....."
قبل أن يكمل جملته صدح صوت هاتفه برقمها من جديد، فوجد «هدير» ترفع له حاجبها، بينما هو ازدرد لُعابه بخوفٍ لكنه بدله للثبات وهو يأخذ هاتفه حتى يقوم بالرد على المكالمة، تابعت «هدير» فعلته باحباطٍ واضح خوفًا من خضوعه لمطلبها، فوجدته يقول بنبرةٍ جامدة بعدما استمع للمتحدثة على الجهة الأخرى:
"لأ دي مراتي مش واحدة غريبة و أنا كنت قاعد وهي بتكلمك، أظن حقها لما تلاقي واحدة بترن على رقم جوزها بليل كدا"
ردت عليه الفتاة بنبرةٍ أهدأ تحاول تصليح الموقف:
"طب أنا آسفة ليك و ليها، فكر بس يا حسن أنا محدش هيعرف يظبط الصور دي زيك، لو أنتَ صورتني أكيد هكسب"
أصدرت «هدير» صوتًا من حنجرتها ينم عن أستياءها، فوجدته يقول بنبرةٍ قاطعة:
"أنا فكرت و قررت يا آنسة مي، مستحيل أرجع أصور تاني، و دا قراري مش هرجع فيه، لو فيه واحدة ممكن تخليني أرجع للتصوير هتبقى مراتي و مش هصور حد غيرها، عن إذنك"
أغلق الهاتف دون انتظار جوابها على ما تفوه به، ثم نظر للواقفة أمامه، فوجدها تنظر له بأعين متسعة من دهشتها، فحرك كفه أمام وجهها وهو يقول بنبرةٍ عالية:
"يــا هـــديـــر، روحتي فين ياما، وصلتي للبراميل؟"
ردت عليه هي ببلاهة:
"ها...آه...لأ، قصدي يعني، أنتَ عملت كدا ليه؟ كدا هتزعل منك يا حسن؟"
تبدلت نبرتها من البلاهة و التيه إلى الخجل من طريقته مع الفتاة، فوجدته يمسك كفها يجلسها معه على الأريكة وهو يقول بنبرةٍ هادئة بوجهٍ مبتسم:
"أنا مبحبش اللوع يا هدير، يا آه يا لأ، هي المفروض تفهم حاجة زي دي، إنما هي مصممة تتغابى، و بعدين أنا قولت الحقيقة الوحيدة اللي ممكن أصورها تاني هتبقى أنتِ، و ساعتها أنا هعمل كدا و أنا فرحان كمان، دا غير إنها طولت لسانها في الكلام عنك و دي أنا مقبلهاش أبدًا، اللي متحترمش مراتي يبقى مستحيل تحترمني أنا كمان"
ابتسمت له وهي تحاول وأد تلك البسمة لكن دون جدوى، فوجدته يقربها نحوه يضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"بدل ما تضحكي أحتضنيني أنا يتيم و محروم من حضن الأم و الأب و الجيران"
ضحكت هي على طريقته وهي تقول بطريقةٍ ساخرة:
"على فكرة يا حسن أنتَ اللي حاضني، و بعدين أنا ملاحظة إنك بقيت بتستهبل كل شوية"
رد عليها هو بسخريةٍ مماثلة:
"مش هتفرق ياختي مين حاضن التاني، و بعدين هو فيه أحلى من فترة الاستهبال دي؟ ربنا يكرمنا و تخلص على خير"
تصنعت التجاهل لما استمعت له منه وهي تغلق جفونها، فوجدته هو يشدد عناقه لها ثم زفر بقوة لا يدري ماذا يفعل، لكن من المؤكد أنه يشعر تجاهها بشيئًا مختلفًا، فإذا استطاع تشبيه حاله، سيجد الوصف الأدق لحالته بأنه مثل الطفل الصغير الذي تُركَ بوسط القبيلة في حالة حربٍ حتى أتت هي تنتشله قبل يد العدو، ف غدا معها آمنًا...
_______________________
انتهى ذلك اليوم على تلك الأحداث و كانت ختامها، بجلوس «جميلة» و معها «طارق» بجانبها، حتى غفى على الأريكة أمام عمته، بينما هي كانت جالسةً بجانب والدتها، حتى غفيت في ثباتٍ عميق، حينها رفعت الغطاء تدثرها به، ثم اقتربت من زوجها تطالعه، فوجدته يرتعش من برودة الجو خاصة مع نسمات الهواء الباردة المتسللة من خلال الستار المعلق، حينها نظرت حولها تبحث عن شيئًا أخر تدثره به لكنها لم تجد، و قبل أن تفكر، وجدت الباب يطرق، خرجت هي من الغرفة بهدوء حتى توجهت نحو باب الشقة، فتحته فوجدت «أحمد» أمامها، و هو يبتسم لها، و في يده عدة أشياء، تعجبت هي من مظهره، فوجدته يدلف الشقة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا قولت أكيد هتحتاجي الحاجات دي علشان كدا جبتها"
اندهشت حينما وجدته يحمل في يده غطائين كبار الحجم، و في يده حقيبة صَغيرة، لذلك سألته بنبرةٍ مندهشة:
"هو أنتَ عرفت منين إن الشقة هنا مش فيها غطا؟ و عرفت منين أني كنت لسه هدور"
ابتسم لها وهو يقول بمرحٍ:
"مش أختي ولازم أحس بيكي؟ على العموم الشقة هنا مش فيها بطاطين و لا غطا علشان عمتو نزلتهم الشقة اللي تحت لما الناس دي جت، و أنا عرفت من ماما إن الشقة مش فيها حاجة علشان كانت مقفولة"
ابتسمت له باتساعٍ وهي تقول:
"طب البطاطين و عرفنا قصتها، الأكل دا جايبه ليه بقى؟ شكلك طلبته مخصوص علشاني"
أومأ لها موافقًا ثم قال:
"عرفت برضه إن أنتِ و خلود معرفتي تاكلي علشان عمتو و كنتي معاها، قولت أجبلك السندوتشات دي، تتسلي فيهم و أنتِ سهرانة"
ردت عليه هي بنبرةٍ متأثرة:
"شكرًا يا أحمد، بجد جيت في وقتك والله، أنتَ طيب أوي على فكرة، ربنا يسامحني كنت فكراك متكبر قبل ما أعرفك"
ابتسم هو لها وهو يقول بمرحٍ:
"واخد على كدا عادي، مش أول حد يقولي كدا، مصر كلها فكراني متكبر قبل ما تعرفني، بس والله أنا مش كدا خالص، أنا اغلب من الغلب يا جميلة"
أومأت له موافقة ثم أضافت مؤكدة:
"أوي و جدع أوي بجد، صدقني أنتَ من أكبر المكاسب اللي حصلتلي هنا و أني عندي أخ زيك كدا، أنتَ جميل أوي"
رد عليها هو بمرحٍ:
"بعد طارق طبعًا علشان ميضربنيش يا ستي، المهم أنا سهران لحد الفجر مع ياسين فوق، لو عوزتي حاجة كلميني، و هنزلك علطول"
_"متحرمش منك يا رب، ربنا يخليك ليا و يبارك فيك يا حبيب أختك"
ردت عليه هي بذلك بحبٍ بالغ وهي تراقب انسحابه من أمامها، بعدها أغلقت الباب ثم تنهدت بقوة، وهي تشعر بفرحةٍ كبرى من كل ما أمتلكته بعدما حُرمت منه.
________________________
في اليوم التالي، قام «وليد» و «ياسين» بتجهيز كل شيء حتى يتم على مايرام، حتى ذهب الآخر إلى عمله، و ترك الأول يتمم على ما هو قادم، و بعد مرور الوقت المنتظر، صعد «وليد» إلى سطح البيت و خلفه «رامي» الذي قال بلهفةٍ:
"خير يا وليد عاوزني ليه؟ قلقتني"
رد عليه هو بنبرةٍ جامدة:
"بص يا رامي أنا طول عمري راجل دوغري، عمري ما عرفت أكون ملاوع و لا عرفت أكون بوشين، و معروف عني في كل حتة من شرقها لغربها أني بجح و عيني مكشوفة، و دي حقيقة لعلمك"
رد عليه الأخر بخوفٍ حقيقي:
"أنا مش فاهم كلامك دا ليه يا وليد؟ و بعدين هو أنا عملت حاجة؟"
أومأ له موافقًا ثم قال بنبرةٍ جامدة:
"آه عملت، عمال تحوم على خلود أختي و دا أنا مرضاش بيه، قدامك حلين ملهمش تالت يا تضرب و تنزل فُرجة زي أبوك يا تسمع كلامي في اللي هقوله ليك علشان نرتاح كلنا، بدل ما أريحك لوحدك و أظن أنتَ فاهم قصدي"
اقترب منه «رامي» يقول مقررًا:
"أنتَ فاهمني غلط، أنا كنت بحاول أفتح معاها كلام علشان أفاتحك في موضوع جوازي منها"
رد عليه هو بنبرةٍ جامدة:
"مينفعش أصلًا تفكر فيها يا رامي، مش من حقك تفكر في حاجة مش ملكك"
طالعه بدهشةٍ و حينها دلف السطح شخصًا غير متوقع وجوده في ذلك المكان، اقترب منهما، وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"السلام عليكم، ازيك يا وليد، ازيك يا أستاذ؟"
قال جملته بنبرةٍ هادئة لـ «رامي» الذي يقف مقابلًا لـ «وليد»، فرد عليه «وليد» مُرحبًا:
"أنا كويس، أنتَ إيه اخبارك يا ريس، أتمنى تكون كويس"
أومأ له موافقًا، بينما «رامي» سأله بتعجبٍ:
"هو مين دا يا وليد؟ أنا أول مرة أشوفه هنا، دا تبعكم؟"
طالعه هو بحنقٍ، بينما «وليد» ابتسم بخبثٍ وهو يقول بنبرةٍ ثابتة:
"آه تبعنا، دا يا سيدي عمار فهمي خطيب خلود أختي، اللي حضرتك عاوز تتقدم ليها"
وقف الآخر بثباتٍ بينما «رامي» اتسعت حدقتيه بقوة وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:
"إيه ؟! خطيب خلود إزاي يعني؟ أنا مشوفتش في إيدها دبلة ولا شوفته هنا قبل كدا"
رد عليه «عمار» بنبرةٍ ثابتة:
"علشان أنا يدوبك فاتحت أخواتها في الموضوع، و خدت منهم الموافقة، و دا مش كفاية علشان أدخل و أخرج من هنا، دا غير إني براعي ربنا في علاقتي بيها علشان يكرمني بيها على خير، لكن لما أعرف إن فيه حد بيبص ليها بس، يبقى لازم أجي أوقفه عند حده، و أنا مش هعرفها باللي حصل لأني مش بتكلم معاها، دا أولًا و حفاظًا على منظرك كراجل ثانيًا، دا غير إنك في بيتهم يعني مينفعش عينك تترفع في الستات اللي هنا ودي الأصول اللي أي راجل جدع متربي عليها"
ابتسم «وليد» بفخرٍ وهو يقول:
"فرحان بيك فرحة الفرخة بكتكوتها، جدع يا عموري"
طالعه «رامي» بدهشةٍ فوجده يقول بنبرةٍ خبيثة:
"تحب نزيع يا رامي و ننزل نقول للعيلة ولا نخلي الطابق مستور"
رد عليه منفعلًا بغيظٍ:
"طابق إيه هو فيه حاجة تخليك تتكلم؟ دا مجرد كلام عادي؟"
رد عليه هو بخبثٍ:
"يا جدع وهو تليفونك اللي مليان صور للبنات دا عادي؟ النسوان اللي كنت ماشي معاهم دول عادي؟ اومال لو مش عندك القلب كنت عملت إيه؟"
نظر له «عمار» بضيقٍ، بينما «رامي» طالعه بدهشةٍ فوجده يضيف بنفس النبرة:
"لأ و ذوقك الله أكبر، حاجة تعر يا جدع، حتى بنت عمك مرحمتهاش و لما لقيتها متربية كرفت ليها، علشان كدا أنا همشي معاك بمبدأ ما لم يترك...كله يأخذ كله، مبروك يا رامي كتب كتابك على شذى النهاردة".
اتسعت حدقتيه فوجده يضيف:
"الحقيقة إن وقتي غالي و مش هضيعه في تعليم البهايم اللي زيك، هسيب زينة الشباب دا يعلمك و يسمعك كلامه اللي زي الجواهر دا"
فور انتهاء جملته أشار لـ «عمار» حتى يتحدث، فقال هو مُردفًا بنبرةٍ هادئة:
"بص يا أستاذ رامي أنا مش شيخ، و مش أهِل للنصيحة دي، بس هقولك إن بنات الناس مش لعبة، و إن ربنا سبحانه و تعالى كرمها و عززها، و مينفعش عبد من عباده يهينها و يعاملها على إنها شيء مُباح، علشان كدا لازم الراجل يراعي ربنا في بنات الناس اللي معاه، و أنا عن نفسي لما حسيت بمشاعر ناحية الآنسة خلود، روحت سألت شيخ و لما عرفت معنى الجواز و إن حبي ممكن يأذيها لو بالحرام، كلمت أخوها و عرفته علشان عينه تبقى عليا لو لقاني بستسلم لشيطاني يبقى هو حاجز بيننا، الراجل بجد يا استاذ رامي هو اللي يحافظ على بنت الناس اللي حبها، علشان كدا ربنا كرمنا و خلانا مسئولين عنهم"
تدخل «وليد» يقول بمرحٍ خبيث:
"شوفت التربية ؟! تربية ياسين و أخواته، عمار دا أنا اشيله فوق راسي العمر كله، و مش بس كدا، أنا ممكن أجوزه خلود و أسلمهاله من دلوقتي و هبقى عارف إنها مع راجل، لكن أنتَ أنا هجوزك بنت عمك عارف ليه؟ علشان انتو الاتنين غلطانين، و علشان هي بتحبك و دا واضح من كلامها معاك و أنا أسف أني فتشت فيه، بس كان لازم أمسك عليك حاجة"
سأله بخوفٍ:
"طب أنتَ هتعمل إيه؟ أكيد مش هتقول لعمي صح؟"
أومأ له موافقًا ثم أضاف:
"إزاي بس اروح اقوله، إبن أخوك كان بيحاول يضحك على بنتك والحمد لله إنها واعية و مغلطتش، علشان كدا الجواز أسلم حل لأشكالكم دي".
______________________
في سيارة «ياسين» كان معه أصدقائه حتى يتوجهوا نحو بيت آلـ الرشيد كما طلب منهم صديقهم، و فجأة صدح صوت هاتف «ياسر» برقم زوجته، فأخرجه يجاوب على مكالمتها وهو يقول بضجرٍ:
"نعم يا إيمان؟ و الله العظيم رايح مع ياسين عند بيت مراته و معايا كلهم أهم"
ردت عليه هي ببراءة كاذبة:
"يا ياسوري هو أنا اتكلمت أنا بطمن عليك يا حبيبي، قولي بقى هترجع إمتى؟"
حرك رأسه بيأس منها ثم قال بنذقٍ:
"لما أخلص هكلمك ماشي، و اطمني أنا مشوفتش الدكتورة دي ولا كلمتها و هقولها متتصلش تاني في المعاد دا، علشان ميتنكدش عليا منك حلو كدا"
ردت عليه هي بمرحٍ:
"شاطر يا دكتور و الله بحبك يا ياسوري، ربنا يكرمني بعيل شبهك كدا علشان يكون عيونه زرقا"
حرك رأسه نفيًا ثم قال بضيقٍ منها:
"خلاص طيب اقفلي يا إيمان، و لما أرجع هكلمك، سلام"
أغلق معها الهاتف وهو يزفر بقوة ثم وضع الهاتف في سترته، فوجد «عامر» يقول بسخريةٍ:
"إيه متنكد عليك ولا إيه يا دكتور؟ إخس"
رد عليه بضجرٍ:
"سبني في حالي مش ناقصاك هي يا عم عامر، قال يعني الواد مسيطر أوي"
صدح صوت هاتف «خالد» برقم زوجته، فأخرج الهاتف، استمع لها ثم قال بحنقٍ:
"يوه يا ستي أيوا فتحت التكييف بليل، الجو كان حر أعملكم إيه يعني؟ و بعدين يونس علشان يتدفى ألبس أنا في حيطة؟ فيها إيه لما أفتح التكييف هو أنا فتحت عليكم الحمام؟ حصل خير"
ردت عليه هي بضجرٍ:
"ماهو أنا وهو خدنا برد يا خالد، قولتلك لما تعوز تفتح التكييف نام في الصالة علشان يونس"
رد عليها هو منفعلًا:
"هو أنا شحات في الشقة دي؟ نام في الصالة، لأ خلاص اصحى نام مكانه علشان بيعيط، إيه يا جدعان، لو وجودي خنقكم أروح عند أمي"
أغلق الهاتف في وجهها فوجد «عامر» يقول بنبرةٍ ساخرة:
"إيه يا خالد متنكد عليك يا حبيبي، يعيني على الرجالة"
رد عليه «خالد» بحنقٍ:
"ابعد عني علشان مجبش اللي فيا فيك يا عم عامر، مش ناقصة هي، هتبقى أنتَ و يونس ابني عليا؟"
صدح صوت هاتف «ياسين» تلك المرة، فقام بفتح الهاتف وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"نعم يا خديجة؟ خير يا رب"
ردت عليه هي بضيقٍ منه:
"أنتَ و وليد كنتوا فين امبارح بليل؟ و ببتفقوا على إيه يا ياسين؟ هو مفيش فايدة خالص"
رد عليها هو منفعلًا:
"أنتِ بتزعقي ليه دلوقتي؟ موضوع بنخلصه سوا، و بعدين هو مقالش لحد، يبقى أنا مش هقول أنا كمان"
ردت عليه هي بسخرية:
"آه و ترجعولي مضروبين و وشكم شوارع، براحتكم بقى علشان كدا كتير عليا"
رد عليها هو بضجرٍ:
"سلام يا ست الكل، و لينا بيت نتكلم فيه، أمشي دلوقتي بقى"
اغلق الهاتف وهو يلقيه بقوة أمامه، بينما «عامر» اتسعت ضحكته وهو يقول متشفيًا بهم:
"دنيا غريبة، عاملين نفسهم رومانسيين و هما بهايم، حتى الحنين اللي فيهم بقى بقرة هو كمان"
طالعوه بضجرٍ و فجأة صدح صوت هاتفه برقم زوجته فقال هو بمرحٍ حتى يثير غيظهم:
"شوفوا بقى الرومانسية و شوفوا كلام الناس اللي متجوزة مع بعض"
رد على الهاتف وهو يقول بمرحٍ:
"أيوا يا عيون عامر، أؤمري"
استمع هو لها و لما طلبته منه، فرد عليها منفعلًا بحنقٍ:
"نـــعــم يــا خــتي؟ أنتِ عاوزاني أروح أجيب ٢ متر تول أبيض علشان سيادتك تكملي الفستان؟ دا في المشمش ياختي"
حاولوا الثلاثة كتم ضحكتم عليه
بينما ردت عليه هي بتوسلٍ:
"يا عامر البنت هتيجي تاخد الفستان بكرة مني، علشان خاطري بقى"
رد عليها هو متهكمًا:
"أنتِ عاوزة الناس تاكل وشي، أروح بهيبتي دي فلفترض إنها موجودة و أقول للراجل عاوز تول فساتين؟ عيب يا شيخة، الكلام دا على جثتي يحصل طبعًا"
_"الحساب يا فندم ** جنيه"
هكذا تحدث العامل بعدما دلف له الأربعة شباب حتى يقوموا بشراء ما أرادت زوجة «عامر» و بعد دفع الحساب خرجوا من المكان و الضحكات على وجوههم يحاولون إيقافها و لكن دون جدوى، ركبوا السيارة ثم انفجروا في الضحكات عليه، بينما طالعهم هو بحنقٍ وهو يقول:
"إيه يا خويا منك ليه؟ محسسني إنكم متجوزتوش يعني، فيها إيه لما أجيب لمراتي قماش لشغلها، بتحصل.
رد عليه «ياسين» بسخريةٍ:
"آه طبعًا معاك حق، أنتَ خلتنا نشوف كلام المتجوزين عملي يا أستاذ يا عامر، ربنا يكسفك زي ما أنتَ كاسفنا كدا"
تدخل «خالد» يقول بمرحٍ:
"أكتر من كدا تبقى فضيحة مش كسفة، بس بصراحة يستاهل"
رد عليه «ياسر» بسخريةٍ:
"لأ عيب دا أخونا برضه ميصحش كدا، قولي يا عامر هما الرجالة المتجوزين بقوا يمشوا بالغصب دلوقتي؟"
زفر هو بقوة ثم قال منفعلًا:
"كتروا في الكلام علشان أروح أعملكم فيديو حلو و أنتو كلكم قالعين فيه و تبقى فضيحة بحلاجل و شخاليل"
كان يتحدث وهو يراقص جزعه العلوي لهم بسخريةٍ جعلتهم يضحكون على طريقته، بينما «ياسين» استأنف سيره من جديد نحو وجهتم المحددة.
________________________
في بيت آلـ «الرشيد» قام «وليد» بجمع أفراد العائلة بأكملها في الطابق الأرضي الخاص بالمناسبات، و كان أبان ذلك «عمار» معه جلس بعيدًا عن الأنظار منتظرًا أخوته بعدما لاحظ تعجب الجميع من وجوده في البيت على الرغم من معاملتهم الحسنة لهم، حتى دلفوا سويًا، حينها وقف هو مقابلًا لهم، فسأله شقيقه بتعجبٍ:
"عمار !! بتعمل إيه هنا في بيت الرشيد؟ ولا أنا جيت غلط ولا فيه إيه؟"
اقترب منه «وليد» ثم وضع ذراعه على كتف «عمار» وهو يقول بمرحٍ:
"جرى إيه يا عامر هو جاي عند حد غريب؟ دا جاي بيت أخوه، أنا اتعرفت عليه في السنتر و لما عرفت انه تبعك جبته علشان يحضر معانا المناسبة دي، الواد حقه يفك، مش كدا يا عمار؟"
أومأ له موافقًا ثم نظر لشقيقه حتى يطمئنه، بينما «وليد» قال بخبثٍ:
" يلا بقى علشان نبدأ ليلتنا؟"
أومأ له الجميع بموافقةٍ، ثم تبعوه نحو الداخل، فوقف هو في المنتصف يقول بنبرةٍ هادئة و لكنها مرتفعة حتى تصل للجميع:
"دلوقتي بعد اللي حصل مع عمتي، دي فيها حق و حق كبير كمان عند ابراهيم، و أنا مبعرفش اسيب حقي، علشان كدا هتسمعوا كلامي دلوقتي"
أبان ذلك طالعها «ياسين» ببمسةٍ هادئة فوجدها تطالعه بتعالٍ ثم جلست بجانب والدتها، بينما «طه» قال بتعجبٍ:
"ناوي على إيه يا وليد؟ أنا بقيت بخاف لما نتجمع هنا يا بني"
ابتسم هو له ثم اقترب من «إيهاب» وهو يقول بهدوء:
"أنا طالب إيد بناتك لولاد إبراهيم، شهد لراشد و شدى لرامي"
اتسعت حدقتي الجميع، فأضاف هو يُردف لهم:
"دا اللي المفروض يحصل، شهد و راشد بيحبوا بعض و رامي عاوز شذى يبقى أنتَ تضلل على ولاد أخواتك بدل أبوهم العرة اللي هيموت في السجن، قولوا إن شاء الله"
نظر «إيهاب» في وجه بناته فوجد الراحة تسكن ملامحن ثم نظر في وجه أولاد أخيه، فوجد الوضع لم يختلف عن وضع بناته كثيرًا، فتحدثت والدتهما في تلك اللحظة تقول:
"وافق يا أبو شهد و خليك أنتَ أبوهم بدل ابراهيم، و أنا أوعدك بناتك في عيني و عينهم، بس خلينا نجمع اللي ابراهيم منه لله فرقه"
ربتت زوجته على يده وهي تقول بهدوء:
"وافق و ريحهم كلهم يا إيهاب، صدقني اللي هتعمله دا الصح"
أومأ لها موافقًا بقلة حيلة، ثم قال:
"أنا موافق على بركة الله"
ابتهج وجه «وليد» بشدة لكنه بدل ملامحه إلى الجمود وهو يقول:
"طب عاوز أسمع موافقة كل واحد فيهم هما الأربعة كدا"
أستمع إلى إجابة الثلاثة بثباتٍ عدا «رامي» الذي صمت، فقال هو له بخبثٍ:
"معلش يا جماعة أصل رامي خجول شوية، ولا إيه يا رامي، تحب تبعتلها ردك في رسالة على موبايلها من موبايلك؟"
كان حديثه تلميحًا مُبطنًا التقطه الأخر على الفور فهز رأسه موافقًا بقوة و رافق حركته تلك قوله:
"لأ أنا موافق و عاوز شذى تبقى مراتي و تكمل حياتها معايا"
ابتسم هو بخبثٍ ثم قال بهدوء:
"وزعي الساقع يا خلود بالمناسبة دي، خلينا نفرح قبل ما نتنكد"
أومأت له موافقةٍ ثم أخرجت المشروبات من الثلاجة الصغيرة الموضوعة بجانب الباب و هي تمر على الجميع تعطيهم المشروبات وسط الدهشة و التعجب منهم، و حينما اقتربت نحو «عمار» وجد شقيقه يبتسم له وهو يغمز بخبثٍ، بينما «عمار» أخذها منها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"متشكر جدًا، من يد ما نعدمها"
ابتسمت له هي ثم قالت بنبرةٍ خافتة:
"تسلم، نورت بيتنا يا أستاذ عمار، عن اذنك"
رحلت من امامهم فمال «عامر» على أذنه وهو يقول مؤنبًا:
"إيه من يد ما نعدمها دي أنتَ بتكلم خالتك؟ قولها عقبال ألبسك الدبلة، عقبال ما تطبخيلي، عقبال ما أجبلك فينو و جبنة و أنا طالع، دا أنتَ لوح"
مال «خالد» على أذنه وهو يقول هامسًا بضيق:
"هو متربي يا سافل، أنتَ مشوفتش ريحة التربية ولا طمرت فيك، أخرس خالص متفقدش الواد اللي تعبنا في تربيته"
ابتسم «عمار» لهما هو بسخرية:
"أنا نفسي تبطلوا خناق و مناقرة، دا أنتم ولا اللي جايين فوق روس بعض"
تدخل «ياسر» يقول ساخرًا بمرحٍ:
"دول زي السلايف بالظبط لا بحبك و لا بقدر على بُعدك دا مبدأهم"
اقترب منهم «ياسين» يقول بحنقٍ:
"أنا سمعت كل كلمة اتقالت و حسن سمع هو كمان و بيقولكم بطلوا تلقيح النسوان دا"
لوح له «عامر» وهو يقول بمرحٍ:
"حبيبي يا أبو علي، ما تيجي يا لقح معانا...قصدي اتكلم معانا"
نظر الجميع بدهشةٍ له فقال هو بنفس المرح:
"معلش يا جماعة أصل حسن وحشني أوي، لامؤاخذة انفعلت"
اقترب منه «حسن» يقول بسخرية:
"أنتَ فضحت اللي خلفونا كلهم، ربنا يسامحك يا شيخ"
في تلك اللحظة تحدث «وليد» وهو يقول بمرحٍ:
"أنا لحد كدا دوري انتهى، ننزل بالبطولة اللي متخصص فيها ياسين رياض الشيخ"
نظر له الجميع بتعجبٍ، فأتى «ياسين» يقف مجاورًا له وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
"معلش يا جماعة، بس علشان أنا مش ضامن الدنيا دي ممكن يحصل فيها إيه، و بما إننا بنجوز ناس لبعض، يبقى بنات الناس حقهم لازم يتضمن و أظن دي أصول محدش يعديها"
رد عليه «مرتضى» بمرحٍ:
"جدع و متربي"
رد عليه «ياسين» بمرحٍ هو الأخر:
"حبيبي يا عم مرتضى، دا العشم برضه، علشان كدا بقى أنا عاوز اسأل راشد سؤال مهم"
اقترب منه «راشد» يقول بنبرةٍ هادئة:
"أؤمر يا ياسين، اسأل"
_"الآنسة شهد أهم عندك ولا الفلوس؟ تختار مين في الاتنين"
باغته «ياسين» بذلك السؤال الغير متوقع، و لكن الآخر قال بثباتٍ:
"الفلوس مش مهمة عندي أصلًا، دلوقتي أنا عاوز شهد و بس، هي أهم من كل حاجة أصلًا"
أومأ له موافقًا ثم سأل شقيقه نفس السؤال، فنظر لـ «وليد