رواية آصرة العزايزة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نهال مصطفي

رواية آصرة العزايزة الفصل الخامس والعشرون بقلم نهال مصطفي



‏لا علاقةَ للريحِ باشتهاءاتِ السفن
كل ما في الأمر؛ أننا نحاول لومَ أي شيء
حين نسلكُ الطرق الخاطئة.
نلومُ القمر على ظلمةُ الأيامُ - نلومُ البحر
على ابتعاد السفن ونلومُ الحب- بعد كل بكاء وبعد كُل هجر .. 

-لقائلهـا . 
••••••••

-فيه أيه يا يا چابر وايه الغاغة اللي برة دي ؟

فزع هارون مجلسه بلهفة وخلفه أبيه الذي عطلته مهلاً حركة عكازه ثم انضم لهما هلال المُقبل من أعلى .. لم يكد ينطق الخفير فسبقه هلال متسائلا :

-ياستار ؟! ايه الفوضى اللي برة دي يا جابر ..لعله خير . 

التقط جابر أنفاسه وهو يخبرهم بذعر يتقاذف من منطوق كلماته مهتاج النفس:

-البلد مقلوبة على اللي حوصل في المجِلس وأم بكر لفت على البيوت بيت بيت وقومت الرجالة والحريم عليكم .. عاوزة ولدها يرچع لحضنها ويتچوز البت .. 

أول ما جاء بفكر "هلال" هو أمر زوجته .. فطلب من اخته بعجلٍ وهو يلحق بخطى أخيه :
-هاجر أطلعي لرقية .. ولا تخبيرها بشيء .

تأهب هيثم بالرحيل خلفهم ولكنه وقف بمحاذاة زينـة قائلًا بمزاح يبطنه السخط :
-چاية وچايبة الخير في رچليكي .. ماشوفتش في فقرك يا بعيدة ..

ندبت على صدرها وهي تبث شكواها لأمها :
-شايفة ياما مِقلدته عليّ !! وأنا كُنت عملتلهم أيه !! 

ردت أمها ببلاهة :
-عيضحك معاكي يا بت ، ميبقاش مخك صِغير . 

أثر الخوف انصب على الوجوه .. فتمسكت " ليلة" بيدي " أحلام"  وهي ترتعش إثر الفوضى والصخب المتردد بالخارج .. وتمسكت الحرباء بعمتها وهي تبخ بأذنها السُم همسًا :

-ولسه ولسه ياما هنشوفوا يا عمة .. قولتلك قدمها شوم البت دي !وقعادها هيچيب جُرس وفضايـح . 

صاحت صفية بقهرة وهي تراقب الحشد من خلف المربعات الخشبية للنافذة  :
-يا مُرك اللي يتعبى فى شكاير ياصفية من تحت راس عيالك .. لا خير في واد ولا بت !!

ركضت هاجر لصديقتها بالأعلى فنظرت أحلام لليلة وأمرتها بحزم :

-هيام خدي ليلة كمان وأطلعوا فوق لمراة هلال .. ومهما حوصل لا باب ولا شِباك تفتحوه ، يالا وأچفلوا على روحكم زين ..

شدت هيام ليلة برفق وهي تنتفض من شدة الذعر وتومئ بالإيجاب :
-حاضر يا أحلام .. يلا يا ليلة تعالى .

أعقب هيثم خلف أخيه متعجبًا :
-أحنا لساتنا جايين ماشوفناش حاجة يعني ؟!ظهروا ميتى دولت !! 

خرج الهارون لمنصة بيتهم العالية ليراقب جمهرة من الناس يشعلون كشافات ضوئية ومن يستعين بالنار لتنير طريقه وعشرات من الرجال يقتحمون بوابـة منزلهم .. أمر جابر قائلا بعنفوان :

-خلى الخفر عينهم وسط رأسهم .. 

فأكمل هلال بضيق :
-هارون أنا هنزلهم !! واللي هيقول كلمه في عرض مرتي أنا هقتله .

صرخ هارون ليوقفه :
-هلال .. مش عاوز تهور ؛ أهدى ..

ثم أشار لهيثم :
-خليك چار أبوك ..وأنا نازلهم .. 

أسرع هارون لقطع درجات السلم القصير وهو يمر في دهليز بيته ويأمر خفره بفتح البوابة على مصرعيها ليزأر بوجوهم بغضب مفحم فاتحًا ذراعيـه  :

-هي القيامة هتقوم ولا أيه !! ولا البلد مبقاش ليها حاكم !! خير يا عزايزة !! 

تفرغت الأفواه بوجهه وكل واحد منهم يقول كلمته التي برئ العقل منها ذمته تمامًا  :

-أحنا مش هنرضوا بالحرام !!

-بت أبو الفضل ترجع لولد عمها ، هو أولى بيها . 

-بت أبو الفضل كسرت العرف ودخلت الحكومة بيناتنا تستاهل اللي يچرالهـا .. 

-المجلس لو اتساهل فديه لوجود الحكومة عشان الموضوع يتلم .

-هو مش حرام فضيلة الشيخ يتجوز واحدة مكتوبة لغيره !حتى مستناش عِدتها تُخلُص. 

-واتكشفت على غيره .. هو كيف قابلها على روحه .. 

-أنتوا لو ناويين تكسروا أعرافنا يبقي هملوها أحسن .

-لو هتكسروا يبقى اكسروا الكل مش هتكسروا اللي على مجازكم وكيفكم وبس ..

شد هارون البندقية من أحد الخفر وأطلق عيارين بالهواء يكي يخرس الأفواه التي يتقاذف منها النار ، ثارت ثائرته واتبع بصوته الأشبه بالرعد وانحرف عن دائرة المعقول :

-خلصتو چعچعة .. كل اللي محشورة في زوره كلمة قالها !! هو ديه الموضوع اللي قوم رجالة بشنبات !! والله عيب .. 

ليخترق صفوفهم مكملًا عتابه و سخطه على حالهم  :
-ايه خلعنا المرجلة وهنقضوها لت وعجن على المصاطب مع الحريم !! جرالكم ايه يا عزايزة ؟! 

فعارضه رجل من بينهم :
-الحق حق يا عمدة .. وأنت اللي المفروض تقولنا إكده ..يعني أيه العرف مع واحد ونشقلبوه .. 

وبخه هارون بنبرة لا تقبل النقاش :
-و أيةُ حق عيقـول نچوزوا واحدة لراجل دبحها وهي مش رايداه !! ما نموتوها أحسن !! 

فاتبعه معتز الخبيث والذي يحمل بقلبه حقائب من الحقد عليهم إثر إهانة هارون له من قبل  :
-ويعني هي كانت رايدة هلال ومطبخينها ؟! 

فأتبع الأخر على نهجـه :
-وغوت وِلد فياض لأجل تنول المراد !! والنتيجة أهو الواد راح في شُربة ميه .. 

رفع هارون كفـه ليسدد له نصيبه من اللكمات إثر تلميحاته الدنيئـة ، ولكنه تمالك أعصابه بشدة أوقدت بمعالمه وهو يضم أصابع يـده مُجبرًا ، سيل من النظرات العاتية والذي بتره هلال وهو يضرب بالهواء عياره الناري من " طبنجة " أبيه ، ليقف بوجه الريح مواصلًا حربه وحده : 

-چرالكم أيه !! هي أعراض الناس بقيت لعبة !! نسيتوا قول رسولنا الكريم :
: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ».

تحول وجهه لبقعة من الدم وهو يحدج الوجوه المتسلطة عليـه :
-بلاش دي !! بأي حق تسمح لنفسك كراجل تخوض في عرض واحدة اتچوزت على كتاب الله !! أنتَ مين أصلًا ! 

اندلع أحدهم ليعارضه :
-أحنا مش عاوزين الواد بكر يتحاكم ويتسجن .. لو اتچوز البت كان الموضوع اتلم ..والوِلد رچع داره . 

صرخ هلال بوجهه وهو يخفض فوهة سلاحه :
-اسمها الداكتورة رقية أبو الفضل مسمهاش البت وأعرف أنت عتتكلم على مين !!  .. وبعدين بكر ديه لو ظهر هقتله أنا بيدي هو واللي متستـر علـيه . 

ثم وقف بكتف أخيه وأكمـل بنفس قوة صوته المُجلجلة :
-من غير يمين ؛ لو سمعت لسان قال كلمة على مرتي ، مراة هِلال العزايـزي ، هيبقى هو الچاني على روحه ..وساعتها محدش يلومني ، وأقفلوا على السيرة دي ، ديه آخر تحذير بلساني قبل ما سلاحي يتكلم .. 

فعارضه معتز قائلًا :
-وه ، ويرضيك يا عمدة وِلد عمنا يتسجن ونسبوه للحكومة ونضيعوا مستقبله ! 

تدخل هلال قائلًا بنبرة لا تقبل الجدل:
-ماهو لو الحكومة معدمتهوش ، هقتله أنا في ميدان عام قصادكم كلكم.. والرچل يوريني نفسه ويعارض. 

فأكمل هارون بدهاء ليقف الطاولة على الكل :
-ومش أنت يا معتز اللي كُنت عاوز تتچوز واحدة مش عزايزية !! دانت ياخي غفلقتها على الآخيـر وداريت عليك قصادهم .. وكمان چاي تجعجع في بيتي ! مكنش العشم .. 

ونظر للآخر الذي يسانده :
-ومش أنت اللي عتسهر معاه كُل ليلة في خمارات الجبال !! وانا عارف وساكت وأقول بكرة يعقلوا .. 

ونظر للآخير وهو يشير له :
-ومش أنتَ اللي چيت تترچى أبوي من سنتين عشان يطلق أختك ، وإحنا معندناش طلاق ؛ لكن ابوي وقف معاك وساندكم في المچلس ونجا أختك وولدها من چوزها البلطجي .. 

ثم صعق بوجوههم :
-وأنتوا فاكرين لما تتلموا وتقيدو نار وتخشوا علينا الدخلة دي ، هنخافوا ونقولولكم خدو مراة أخوي وچوزوها على كيفكم !! غلطانين ، لانها من الساعة اللي اتكتب فيها على اسم أخوي بقت أختنا التالتة ودمنا من دمها واللي يفكر يأذيها بكلمـة هيلاقيني في وشه… 

وبحالة من الانفعال والهيجان :
-وبكرر كلام أخوي ، تقفلوا ضبة ومفتـاح على الحديت ديه !! وكلمة في عرض مراة أخوي يبقى يقرا الفاتحـة على روحه .. 

ثم صرخ بالخفر :
-مش عاوز اشوف دكر في بيتي ، واللي عنده مظلمة يروح يشتكي في المجلس يلا .

في موكب الحشـد تسللت من بينهما عربتي "آل سويلم " ،هبط خضر من سيارته العاليـة والشماتة تسطع من عينيـه ليقول ضاحكًا :
-أي مساعدة يا عمدة !! أول ما شميت خبر أنو في إنقلاب عنديكم في النچع قولت أجي أقف في ضهر أخوي وحبيبـي وكبيرنا.. 

فأتبع هيثم الذي انضم إليهم قائلًا بسخرية :
-لا ضهر أخوي متغطي .. على يمينه في هلال وعلى شماله هتلاقيني واقف ، أيه تحب تُقف في النص بيناتنا !! 

أغمض هارون جفونه للحظة متحكمًا في زمام غضبـه :
-عاوز أيه يا خضـر !! 

اخترق الصفوف بخطواته المتمهلة :
-چاي أهني وأبارك لمولانا العاشق الـ العشق غواه وخلاها يتنازل ويأخد واحدة خـ ..

اقتحمت ذراعه رصاصـة هلال الذي لم يطق كلمة إضافية بحق زوجته وبين هول من الشهقات والهمهات ، والأعين المنفرجة من شدة الصدمة حول تصرفه الجنوني ، لم يمنح أخيه الفرصة لأخذ السلاح منه بل تقدم لذلك الرجل الذي يسندون معاونوه وصرخ بوجه :

-اتقي شر الحليم إذا غضب ، وكلمة زيادة هتلاقي الرصاصة الچاية في نص راسك ..

صوت صخبه المتألم وصراخه وهو يتمسك بذراعه الدامي :
-قلبتوها دم بيناتنا يا عزايزة ، ورب البيت ما هخلي واحد منكم على وش الأرض ويا انا يا أنتو .. 

شد هارون السلاح من أخيه عنوة بعد ما تلاقت عينيـه بأبيه الواقف بعيدًا فوق المنصة بدون أي تدخل ليراقب تصرف أبنه الحاكم ، ثم عاد ليجهر بمن حوله صارخًا : 
-يلا مش عاوز اشوف مخلوق إهنه .. 

الرصاصة التي اندلعت من مسدس هلال دوى صداها برأس صفيـة وهي تلطم الخدود وتشق الثياب متجاهلة حكم ومواعظ أخيها .. صرخت بوجه الجميع :
-وربنا ما هسيبها تقعد ليلة في بيتي بت صفاء الخاطية .. 

~بغُرفة هلال ..

-يعني كُل ديه بسببي أنا !! يا فضيحتك يا رقية ..
أخذت تنوح بعجـز وبكاء مرير وهي تعاتب أقدارها بقلة حيلة :
-يارب خدني وريحني يا رب .. يارب أنا مش هقدر أكمل في الدنيا دي .. 

حاولت هاجر وهيام أن تحضنهـا كي تهدأ وتواسيها ليلة ناصحة :
-ممكن تهدي ، أنتِ مش ذنبك حاجة ، بلاش تعملي كده في نفسك .. 

ثم هبت مقترحة بشفقة :
-حالتها مطمنش ، نشـوفلها دكتور طيب ؟ 

اقتحمت صفيـة الغُرفة بعد ما بَخت الحية سُمها بآذانها وهي تعول صارخة بضجر ولو يغمض لها جفن الشفقة على حالة هذه المسكينة:

-عتبكي !! ابكي ونوحي واندبي .. ماهو كله ديه من تحت راسك يا ست العرايس .. داخلة علينا دخلة شوم وفقر .. 

وقفت هاجر بوجه أمها لتُدافع عن صديقتها :
-ياما عيب الحديت ديه !! ورقية ايه ذنبها بس..

-ذنبها أديكي قُلتيها بعضمة لسانك !! چاية تشيلهولنا ليـه !! تفضحنا ليه !! اتربربت وغلطت مع وِلد عمها ، أحنا مالنـا بعارها .. 

عارضتها هيام بذهول على قسوة أمها :
-أما !! أنتِ عتقولي أيه !! حرام عليكي ياما مش إنتِ والزمن على الغلبـانة دي .. استهدي بالله .

ثم حاولت أن تُخرجها من الغرفة :
-أقولك بينا على تحت .. أنتِ أيه چابك ؟! 

تدخلت ليلة في حوارها بصدمة من شدة جهلها وهي تجلس بجوار رقية وتربت عليها  :

-لحظة بس !! هي أيه الذنب اللي عملته عشان حضرتك تكلميها كده !! وبعدين دي مراة ابنك المفروض تكوني في مقام مامتها وتدافعي عنها مش تهينيها ..  

برقت لها صفية مغلولة :
-ماهو ديه الناقص ، واحدة زيك مطلعتش من البيضة چاية تديني حكم ومواعظ .

أوقدت الغيرة بقلب زينة إثر تدخل ليله ، فارتدت قناع الطيبة وهي تتمسك بها :

-ياعمة هدي روحك .. خلاص مفيش فايدة بقيت مراة ولدك خديها تحت چناحك وخدي ثوابها .. 

سحبت صفية ذراعها بحملة من المكر تقودها واندفعت نحو فراش رقية التي كانت تسد آذانها من جمر حديث صفية الذي تقصفه على قلبها ، أمسكت بمرفقها وهي ترجها بعنف :

-بت بصي لي !! هلال ولدي چيه چارك !! ولدي لمسك ؟

مالت هيام نحو أمها محاولة إنقاذ رقية من تجبرها وعلى الجهة الآخرى ركضت هاجر للخارج  كي تستعين بهلال أخيه ، تراجعت ليلة ببطء لتتوارى بأحد أركان الغرفة وهي ترتجف .. كررت صفية سؤالها ولكن اكتفت رقية بسكوتها الذي ينحر روحها شيئاً فشيئاً.. اقتربت زينة منها وهي تسكب على النيران بنزين حقدها لتزيده بكلماتها السامة:

-وديه سؤال يا عمة في أوضة واحدة ومقفول عليهم باب والشيطان شاطر، بس يا خسارة هنثبتوا كيف وهي مش بت بنوت!! قلبي عندك يا عمة ؛ كل ليلة في حضن راچل و 

فاض صبـر رقية منها ، خاب من قال أن كثرة الحزن تُعلم البكاء ؛ كثرة الحزن تعلم الصبـر ، تمنح القوة .. تقتـل براثين الخوف من القلب ، تخلق منك شخصًا قويًا لا يهابـه شيء .. دفعت رقية صفية بكُل ما أوتيت من أحزان ووثبت من مكانها لتفرغ طاقات غضبها بـ " زينـة " وهي تنقض على شعرها وتصرخ بها :

-تصدقي إنك ناقصة ربايـة وأنا اللي هربيكي ! 

-ألحقيني يا عمة … 

ارتفعت الصرخات النسوة حولهم ، وفرغت رقية طاقات غضبها بزينة وهي تسدد لها الضربات حتى اسقطتها أرضًا .. ارتفع صوت صراخ صفية بحرقة عن بنت أخيها محاولة التطاول على رقية ، وقعت هيام ضحية للثلاثة .. شعور غريب يملأه الخوف طاح بليلة التي توارت متشبثة بالستائر كمحاولة خفيفة للهروب من الارتباب والضجة والصرخات بان  الذعر بعيونها المترقرقة وهي تشاهدهم بقلب يختلج من الهلع..

اقتحم هلال الغرفة ثم هاجـر فلحق بهما هارون إثر توسل أحلام له لان صوت الصرخات ملأ أركان القصر .. بمعاناة حمل هلال زوجته التي افترست زينـة من الأرض بذهول عما فعلته ، فعاتبها بتنهيدة :

-رقية !! اهدي .. حصل أيه خلاكي تعملي فيها إكده .. 

صاحت زينة التي تستند على عمتها لتنهض :
-وديني لو حقي ما رچع دِلوق ياهلال من مرتك لاسففها التراب .. 

صاحت رقية المحتمية بجسد زوجها بحرقـة :
-شكلك متربتيش وعاوزة العلقة التانية..

صرخ عليها هلال كي تصمت وتحترم وجوده :
-رقيـة !!! 

-شاهدة شاهدة بت ابو الفضل عملت فيّ ايه !! وكل ديـه كمني قولت حقيقة الخلق كلهم عارفيها .. مـ

ثم قطع ثرثرته حمحمة صوت هارون ، حجب هلال الرؤية عن زوجته وهو يشد فوق رأسها الوشاح ليستر شعرها الظاهر منه ويحاورها بعينيـه معتذرًا ، فتدخل هارون متسائلًا :

-فيه أيه إهنه ، مالكم !! 

فتح زينة جرار فستانها وشد الكتف وهي تبعثر في شعرها لتدنو منه وتحضنه بدون حياء متوارية خلفة دموع التماسيح :

-تعالي شوف اللي حصل لي يا هارون !! مرتك اتهانت يا سيد الناس على يد واحدة زي دي .. 

رفع كفوفه لأعلى متحاشيًا لمسها وهو يبغض قربها :
-حصل أيه يا زينة !! اتكلمي طوالي .. 

أخذت الحية تبخ في سُمها وأكاذيبها وإهاناتها المتكررة لرقيـة مستجدية استعطافه :
-والله يا هارون لو ما جبت لي حقي دِلوق منا مكملة في الچوازة دي .. 

علقت عيني هارون بعيني ليلة المذعورة والتي خيمت على قلبها جملة من المشاعر العاتية خاصة عندما ارتمت زينة بحضنـه ولاحظت عيني هارون المُشتتة عنها والتي تعلن رفضها الصريح له .. رق قلبه لعينيه المذعورين والمتواريتين من بعيـد ، شعور ما  كان يجذبه أن يضمها أن يطمئنها أن يرفرف عليها بجناحي أمانه حتى التفت لنداء زينة :

-هارون يا حبيبي اوعاك تفرط في حق مرتك ..دانا ماليش غيرك .  

أبعدها عنه كمن يخلص غصن الشجرة من تمسح الأفعى بهـا ،وقال بضيق دون أن يطالعها :
-استري روحك .. 

تقدمت صفية لابنها وهي تخوض في معركتها التي نشبتها :
-هلال بص لي .. أنت قربت من البت دي ؟

وقف هلال كالحصن مصدرًا ظهره لأمه وهو يعاتبها بعينيه بخجل من جراءة أمه :
-ما دخلك يا صفية !! هذا لا يُعنيكِ . 

-يعني ايه ! لا ديه دخلي ونص ؟! دي متبقاش أم عيالك ولا تبقى في بيتي كفاية النصايب اللي من تحت راسها ؛ أوعاك يا هلال .. دا أنا أمك .. 

رد بهدوء :
-وهي زوجتي وحلالي .. وفي عصمتي ياما ؛ مزعلة روحك ليه ! 

صاحت زينة من الخلف :
-تتأسفلي قدامهم كلهم وإلا هردلها الضربة بعلقة يا عمة .. 

دافع هلال عن زوجته :
-مرتي مش هتعتذر من حد ، وآكيد لكل فعل رد فعل ، هي مش مچنونة عشان تضربك من الباب للطاق يا زينة .. 

ثم ألقى نظرة لرقية المحتمية بظهره وأكمل :
-وأنا مأكد عليـها اللي يزعلها تفتح راسه وأنا هاچي أكمل عليه . 

فتدخلت ليلة مدافعة عن حق رقية بوجه زينة :
-عنده حق ، هي اللي فضلت تهينها وتسمعها كلام جارح ميصحش ، أنتِ اللي بدأتي يا زينة متزعليش بقا وتشتكي زي الأطفال !!

شهقت زينة بكهن وهو تحاول مد يدها على ليلة :
-وانتِ كان مين طلب رأيك يا ام حق وحقيق .. انتِ أصلا قاعدة وسطينا بصفتك مين !! اتنين سلايف وعيقطعوا بعض ايش حشرك !! 

ثم نظرت لهارون بخزى :
-وأنتَ مش هتدافع عني كيف ما عيدافع على مرته !!

عنفها هارون قائلًا :
-زينة ولا كلمة ، انزلي خدي أبوكي وأمك وروحي وبعدين لينا حساب على اللي قُلتيـه .. 

رمقتها ليلة بسخط وتمتمت :
-واحدة قليلة ذوق ومش بتراعي مشاعر حد  ..

دارت له بنبرتها الخفيضة الثعلبيـة :
-أوامرك يا سيد الناس ، بس أنا زعلانة وليا حق وهاخده .. وزعلي منك وراعر قـوي يا هارون . 

تمسكت هيام بكف ليلة بلمسة اعتذار عما قالته زينة ، فأتبع هارون بنظرته الحادة :
-ماسمعتيش ! قلت يلا امشي وبلاها حديت ماسخ .. 

-همشي يا هارون ، بس لازمًا أبوي يشوفلنا حل ، أنت لو عتحبني وباقي عليّ كُنت مسكت اللي مدت يدها على مرتك وقليت بيها وسط الخلق ، لكن انتَ جاي على زينة الغلبانة مكسورة الچناح .. 

فجهر هلال وهو يضع كفه فوق الآخر أمام بطنه ويقول بوجه أمه التي تندب حظها أمامه :
-مرتي عاوزة ترتاح .. اتفضلو كُلكم من إهنه .. 

غادر هارون أولًا وهو يلعن تلك الخلافات جهرًا ويتشاجر مع الهواء الذي يتنفسه ، فأوقفه هيثم في منتصف السُلم متسائلًا :
-حُصل ايه فوق !!

جاءت زينة خلفـه تنوح بلحن المكر :
-مرة هلال مدت يدها عليّ يا هيثم ..

-تسلم يدها .. 
رد منفعلًا :
-قصدي أقول هو أنا نسيت أقولك !!

-لا ما قولتش ياهيثم  ؟!

وشوش لها بصوت مسموع كي يتعمد ابعادها عن زوجة أخيه  :
-قبل إكده وِلد عمها ضايقها فتحت راسه بالقُلة ، نسيت أقول لك دي قوية بعدي عنها يا زينة .. إحنا مش قدِها ..دي ليها سوابق . 

-يا مري!! وأيه اللي رماه على المُر ديه !! دي ساحراله يا هيثم !! تعالي الحقي يا عمة . 

تركهم هارون وتأهب مغادرًا وهو يسب الستات ومشاجراتهما والفتن التي ربما تنشأ بين الأخوة بسببهم ، فنادته زينة :

-هارون أنت رايح فين ! لسه متكلمناش ..استنى بس . 

وما أن رأت أبيها هرولت باكية بحضنه وتثب جمر شكواها المزيف لتشعل نار الغضب بقلب أبيها الذي وقف بوجه هارون قائلًا :

-أنت كيف مدافعش عن البت يا هارون! دي مش مرتك وشايلة اسمك دي ولا هو لعب عيال .. لو إكده نفضوها سيرة من اللول .

فأتبعت زينة برفض قاطع :

-لا يا أبوي هارون ميقصدش ، أنت بس قوله نلبسوا الدبل الخميس الچاي ويچيبلي بيت لوحدي بعيد عن الخاطية اللي فوق دي !!

صرخت صفية من أعلى رافضة جملتها :
-وه!! وكمان عاوزة تاخدي ولدي من حضني وبيته !! أنتِ اتچنيتي يا زينـة ! 

زفر هارون بضيق ، فرأسه فاضت من جُملة المشاكل المتراكمة حوله ، حتى صاح الحج صالح لصفية معلنًا :
-سامعة يا صفيـة .. تلبيس الدبل اخر الاسبوع ، ودخلة هارون وزينة آخر الشهر .. الحال المايـل ديـه ما يعچبنيش . 

هللت زينة وأمها بفرحٍ حتى أتبعت بدلالٍ :
-خلى الفرح يخش وسطينا يا عمة ، وأوعدك محدش هيچيبلك الحفيد والواد قبلي .. قولت أيه يا هارون !

تمتمت هيام من أعلى بحزن وخيـم على حالة أخيها وهي تشكو لليلـة :
-هو هارون مش متكلم وموقف الچوازة دي ليه !! أنا هنزله .

فأوقفتها ليلة معترضة :
-استنى الصبح واتكلمي معاه .. هو آكيد دلوقتي دماغه مشغولة ..
•••••••••••••

~بالقسـم .

-أنا متأكد يا أفندم زي ما بقولك ، هارون وأخواته بيحفروا فـ الجـبـل ..

أردف شريف جملتـه بعد ما جاءته الإخبارية عن تفتيش هارون عن الكنوز بالجبل ، فقطعه اللواء قائلًا :

-اسمع يا شريف المأمورية دي لو فشلت أنت هتصرف نظر عن العزايزة ومشاكلهم ، أنتَ فاهم .. وهتكون نقطة سودة في تاريخك ، الأخبارية جاية عن طريقك أنتَ . 

ضب شريف متاعه وأسلحته بحماس:
-عيوني عليهم في كل مكان يافندم ، المرة دي هنسلم رقبة هارون العزايزي للعدالة .  

غادر شريف خلف الفرقة العسكرية التي خرجت معه لمداهمة رجال هارون الذين يفتشون عن الآثار بالجـبل وأكبر مقبرة فرعونيـة واقعة بأراضيهـم .. استقل سيارته الشرطية بجوار العسكري وكلم عينه المنصوبة بالمكان :
-إحنا جايين !! 

-وانا عيني عليهـم يا فندم مش هتحرك  .. 

انطلقت القوات العسكرية في طريقها قاطعة المسافات والطرق المظلمة بين ثنايا الجبال ، لم يخلٌ طريق شريف من ذكرى هاجر الذي أرسل لها عبر " الواتساب" قائلًا بمكر :

-طالع مهمة تقيلة ادعي لي تصيب .. وأجيب راس كبيرها تحت رجلي . 

ثم شبح الضحكة الخبيثة على محياه وهو يقفل هاتفه :
-مش هرتاح غير لما أحبسهولك . 

ثم هتف بحماس للعسكري:
-دوس بنزين خلينـا نستعجل بقدره اللي مستنيه ..

التقى شريف بالرجل المجند لحسابه على مقدمة الطريق فأشار له أن يصعد .. جلس الرجل جار وهو يرشد السائق للطريق ويقول :
-بس واعرة قوي الطلعة دي ، دول مكلفين المكان ملايين متجمدة ورجالة عتكحت في الصخر .. المقبرة دي لو اتفتـحت العزايزة هيستولوا على قنا تمًا ، وإحنا مش عاوزين إكده ولا عايزين أعرافهم .

رسمت الضحكة الخبيثة والعدوانية على أصداغ شريف وهو يقول:
-على جثتي ، أنا جاي وناويها ، همحي حاجة اسمها العزايزة من على وش الأرض .

-قدها وقدود يا شريف بيـه .. 

وصلت عجلات سيارات عربات الشرطة للمكان الذي من المؤكد أن رجالة العزايزة بهِ ولكن وجدوه فارغ تمامًا ، في لمح البصر طمست الريح خطاوي الرجال من المكان ، هبط شريف على الفور من سيارته وهو يفتش بين صخور المكان حول طيف رجل منهم فلم يجد ، انتشروا رجاله بالبقعة الصحراوية كل منهم بجهـة مختلفة متفرقين فلم يجدوا إلا حفرة دائرية بالمكان الذي تزفه أصوات الذئاب والعواصف .. 

انضم الرجال على بعضهم وكل منهم يبلغ شريف ويؤكد عليـه بخلو المكان حتى فرغ بركان غضبه بالمجند وهو يصفعه :

-راحوا فين !! مش قايلك عينك متغفلش عنهم !! دي فيها مستقبلي .. 

قفز الخوف في قلب الرجل الذي يؤكد له بما قاله من قبل ولكنهم تعرضوا لخدعة وما كاد شريف ليصفعـه فأوقفه عن فعله الجنوني بعض الكشافات في عربة النقل .. هبط منها رجل ليفرغ حملته الحديدية فأوقفه شريف متسائلًا وهو يرفع السلاح بوجهه :

-أنتَ جاي هنا بتعمل ايه ! 

رد السائق:
-دي نقلة لزوم البير .. والتصاريح كلها مع الغفير هو فينه ؟!! 

هنا جاء صوت رنين هاتف شريف الذي لم يزحزح فوهة سلاحه عن وجه الرجل و رد على ذاك الرقم المجهول بتأفف:

-ايوة مين !!

-هاشم العزايزي . 
أتاه صوت هاشم  المستريح بوحدته بسيناء ليرد له صفع تسريب خبر رقية بالجرائد ؛  قائلًا :
-قلت أبارك لك بنفسي على النقلة الچديدة اللي هتغورك في ستين داهية بدل الترقية تتعوض السنة الچاية بس بعيد عنينـا وعن بلدنا .. تاني مرة متلعبش مع الأكبر منك . 

ثم مدد على فراشـه بارتخاء ونفس عميق  :
- داحنا الحكومة يالا!!!

ركل شريف إطار السيارة بقدمه مغلولًا وهو يزأر بصوت يدوي صداه بالجبل وهو يتوعد لهم :
-اااه يا ولاد الـ****** 

••••••••••

~بغُرفـة هلال . 

-هلال أنا معتش مستحملة ، أنا مش عارفـة ألاقيها من ناس البلد ولا ناسك ولا وجعي وحرقة قلبي على أمي ، ولا الزفت الهربان !! حاسة إني تايهه ومش عارفة اتصرف كيف !انا مش كِده عمري ما كُنت ضعيفة وقليلة حيلة زي ما أنا حاسة . 

كانت تجوب الغرفة بعبث والدمع يتقطر من عينيـها على حالتهـا المأساويـة ثم نظرت له :

-هلال أنت ضربت نار على الراچل بسببي ويا عالم بكرة ممـكن تعمل ايه ، ليه تِعمل كِده!! شقلبت لك حالك وأنت مالكش ذنب .. سيبني وشوف حياتك كفاية قوي لحدت إكده .. 

رد بحسم :
-وأهد الدِنيا عشانك ..مش طلق أضرب نار وبس .

قيل أن الأرواح الصادقة إن تاقَت لشيءٍ حرّكت الدنيا لأجله ووقفت بوجه التيار كي تُعارض خُطاه التي لا تروق لدواخلنا ..  المُحِبّون يسيرون على ضربات القلوب حتى تهدأ بلقاء أحبابهـم لا يقفون أمام رياح الحياة كي تُشتت أيديهم المتمسكة ببعضهـا .. 
ثم قضمت أظافرها بتوجس والدمع يتغلل بينهما وهي تقف أمامه بهيئتها المهزوزة :

-كل حاچة فيها مرارة وچع ، أنا مابقتش لاقية مكان يطبطب على قلبي .. أمي مشت وخدت الحنية كلها معاها ومن ساعتها وانا تايهة بتخبط في حيطان الدنيـا وبس ..

كان يتلذذ بالنظر إليها بفخـر وهي تجوب بعبثها أمامه ، كان فخورًا بقوتها التي عادت لها لمواجهـة الظلم الذي تعرضت لـه ، والأهم لقد عادت رقيته القوية التي لا تخشى أحد .. وهو تحت سُكر جنونها وعِبراتها المسكوبـة تبسم بوجهها قائلًا بهدوء لا يتناسب مع ثورتها :

-لأنكِ لن تحاولي أن تلجئين لحضني بعد .. 

رُج قلبـها وانفرجت عينيها من جُملته الأخيرة ، مجرد جملة بسيطة منها أشعلت حقول وحقـول من عبثها عن الأول .. بللت حلقهـا مشدوهة مما قاله وهي تتراجع للخلف قائلة بخوف يملأها :
-يعني أيه !

أدرك خوفها الشديد من مقصـده الصريح حيث جاء مبررًا بفطنة :
-لا داعي للخـوف ، ما أقصده هو رقيتك من كُل سوء ..

ثم أدخل خصلة هاربة من شعرها لتحت حجابها وأكمل : 
-يعني لو ضاق بكِ الحال قولي لي يا شيخ هلال تعالى أرقيني .. وأنا دائمًا بالأمر .. 

انتفضت قليلًا للمسـة سبابته جبهتها ، أخذت تملأ جيوب عينيها من معالم وجهه البيضاء والتي تُزينها اللحية البُنيـة ، ثم وقوفها على ضفة هذه الابتسامة الوردية التي لاتُفارق وجهـه أبدًا .. فعاد لها رُشدها وهي تقول بتنهيدة:

-ترقيني .. اه فهمت ، لا لا ملهوش لزوم .. هنام !! هي الساعة كام ؟

ما كادت أن تهرب منه بخطوة فعادت له متسائلة :
-أنتَ ليه ورطت نفسك معاي يا هلال .. ليـه ؟! 

‏كانت تتأمله بعيني يملأها الحسرة تمنيت لو كان كل ما مر بهما مجرد كابوس وسينتهي ، أن  لو يعاد العمر مرة أخرى لتُمشيه معه  خطوة تلو خطوة، عمرًا كاملا بصحبته لا أسف ولا ندم. 

-ورطـة !! يا ليت كل ورطات حياتي تكون أنتِ.  

ثم رفع حاجبـه ليبرر لها مقصده وهو يسحبها من كفهـا ويجلسان معًا على الأريكـة مستخدمًا نبرة صوته الساحرة وهو يقول متخابثًا  :

-كلام في سرك ؛ أصل الشيخ استاذي موصيني منمش لوحدي في الأوضة عشان بتخيـل حاجات مش مظبوطة ، فأوصاني بالزواج في أسرع وقت من واحدة قادرة وقوية .. عشان تخوفهم ، فدماغي فضلت تودي وتچيب من هي القادرة المفترية ! طلعتيلي أنتِ !! يعني چوازي منك مش ورطة ، كلا فهو لهدف علاجي !!

-أنا قادرة ومفترية!! 
ثم ذابت في صِدق سرده للكذبة فقالت ساخرة وهي لم تبتلع طُعمه المعسول  :
-وبعدين هو أنا المفروض أقول لك كام مرة أن الكذب حرام يا شيخ هلال !

انفجر ضاحكـا هو يمحو أثر آخر دمعة تبرق على وجنتها وهو يقول :
-يحل الكذب بين الرجل وزوجته ليُرضيها ويرضي فضولها !! 

تستكين الأوجاع برفقة الأحبـة ؛ ذابت في أعذوبـة ضحكته التي تسمعها لأول مرة ثم لاحظ هوى وهدوء نظراتها إليه ، فأتبع ليقول بجدية :

-عارف أن البلاء صعب عليكِ ، ولسـه محتاجيـن وقت طويل عشان الناس تنساه ، بس هطلب منك طلب ، عاوزك تبقي دايما قوية زي ما عرفتك .. مش عاوز حاجة تأثر فيكِ .. أنتِ متعملتش حاجة غلط تخافي منيها ، خالتي صفاء في مكان أجمل من دنيتنا ؛ كل ما توحشك ادعيلها وقوليلي تعالى وديني ليها يا هلال .. وسيبي اللي يقول يقول ، مراة هلال العزايزي تمشي رافعة راسها قصاد الكُل.. 

ما كاد أن يواصل حديثه فقطعهم صوت طرق الباب ، استأذن منها ليفتحـه فوجد هاجر معتذرة :
-هلال ، أمك عيانة واللي نازل عليها هاتولي هلال .. 

••••••••••••

يرافق هارون أبيه بالخارج يتحدثان بالأمور الجارية بالبلدة والتي حلت فوق رأسهم، فأعقب خليفة بحزن يحمل همه لأن مهمته باعترافه بقصة غفران هذه الفترة باتت مستحيلة ؛ حرك رأسه بمهل وهو يقول  :

-ولولا بس عاملين لي خاطر كانوا هيطردوا هلال ومرته من البلد .. وكله كوم وأمك دي كوم تاني عاوزة تتربى من چديد .. طب يا صفية .. 

يم تنهد بحرقة :
-والله يا ولدي ما عارف كل دي طاقات نار اتفتحت في وشنا ، طب نلموها كيف !

ربت على ساق أبيه قائلًا :
-كله هيتحـل يا أبوي متعتلش هم ..

هز رأسه متأملًا بربـه خيرًا :
-كله هيتحل ، خلاص عقدت النية شبكتك الخميس!!

رد بخزى وهو يعارض صدح قلبه:
-ان شاء الله يا بوي .. خلينا نخلصـو من زن صفية وبت أخوها . 

-طب وهاشم أخوك !! البت خسارة يا ولدي. 

-سيب هاشم لدماغه يا أبوي ، هاشم لو رايد چواز كان چيه و قالك ، ونغم متتعيبش بس مش هنجبروه .. أنا هتحدت معاه وأشوف ميتـه أيه ! 

-ربنا يخليكم لبعض يا ولدي .. ااه يا هارون عاوز أوصيك على البت الصحفية اللي چوة دي ياولدي ! أنت وأخواتك متقطعوش الوصل معاها . 

انكمشت ملامحه بذهول :
-أشمعنا يا أبوي ؟! مالها !! وبعدين أنتَ عرفت كيف أن اسمها غفران .. وبعدين وشك مخبي حاجة عن هارون يا أبو هارون ؟ 

قاطعه أبيه متعبًا :
-بأه بأه كل ديه عشان عقولك خلي بالك منِها كمنها باين عليها غلبانة وملهاش حد .. 

حدجه هارون بنظرات لم تقتنع بعد:
-على راسي يا بوي ..والبت حقيقي غلبانة وملهاش حد . 

~بغُرفة أحلام .

زفرت بضيق وهي تغلي من تصرفات صفية الحمقاء:
-أما ربيتك يا صفية ..

ثم التفتت لهيثم :
-ولاه يا هيثم طقطق ودانك معاي واسمعني زين .

شدت أحلام آذان هيثم المتكئ على وسادة تختها بجوارها يتسامران معًا ، فقالت جملتها الأخيرة وهي تراقب ليلة الواقفـة بالشرفة تتحدث بالهاتف وأتبعت :

-خف هبابة مع البت ليـلة بلاش تبقى ملازمها كيف ضلها إكده !

-الله يا أحلام !! أومال اسيبها لمين يعني وهي ملهاش غيري في البيت ديه !! 

ردت بنصحٍ وثغر يملأه الابتسامة :
-سيبها مع هارون ولدي !

-دول مقطعين بعض ، مش هسيبهاله تاني يا أحلام البت ميتى قِده .. وهو لما يتور يتور في الكُل مش عيكون واعي لحد . 

فاض صبر أحلام من مقاوحتـه الزائدة :
-هيثـم اسمع الكلام عاوزاك تصالحها هي وهارون وتخلع نفسك ..

ألقى نظرة على ليلة التي يطاير الهواء شعرها وقال بخبث:
-أنا واخد بالي أن هارون عينه هتطلع عليها ، بس أحلام متحطيش البنزين فوق النار ونفضلوا نلطموا أنا وأنتِ .. ما تقولي اللي في چوفك وأنا هرسيكي  .

لاحظت أن ليلة شرعت في إنهاء مكالمتها ، فهرولت بعجل لتقول:
-تسمع الكلام يا هيثم .. أصحى الصبح ألقاهم سمن على العسـل .. عشان أحبك چدع ولدي . 

حدث هيثم نفسه وهو يتأمل براءة ليلة :
-اسيب القطة مع الفهد كيف ! ديه يتعشى بيها !!

~بغُرفـة صفية .

لقد توارت ألاعيبها  خلف ثوب المرض المزيف وهي تصيح مستغيثة بولدها :
-كتفي بيغلي غلي .. قايد نار يا ولدي .. مش قادرة . 

ثم تشبثت بكفه :
-ولا مُخي ، حاسة إكده من العصبية حسيته طق في يدي .. 

لم تنتظر أن يجيبها لتواصـل خطتها بإبعاد هلال عن زوجته طوال الليل :
-هي عين وراشقة في حياتي يا هلال عين مراة صديق  ، بص انت خليك نايم چاري عشان عصرخ في الليـل .. واقرأ لي قرآن .. كاتير ، أوعاك تهملني انا متونسة بيك ..

عارضتها هيام بعتب:
-ومرته ياما كيف يسيبها في الحالة دي !

رفع كفه ليجبر أخته على الصمت وقال مستجديًا رضاها :
-من عيني يا أمي.. 

انفرجت عيني أمه بسعادة :
-يعني هتبات چاري الليلة ديه !! روح اللهي يسترك ياولدي -ثم غمغمت-كيف ما اتفضحنا واللي كان كان !! 

~بحديقة البيت.

انتصف الليل وتحول القمـر بالسماء لهلال يتناقص حجمه يوم بعد الأخر وتتقلص معه الأمنيات ويُعلن الفراق اقتراب أجله .. فجاءت ليلة مقترحة :
-طيب عندي فكرة ، أيه رأيك تكتب لجميلة جواب ..

غمز لها بطرف عينه وهو يترك الكتاب الذي مل منه :
-منا أحاول أجيب رقمها أسهل يا ليلة .

عارضته بإصرار :
-لالا سيبك من جو الموبايلات ؛ أنت خليك في الجو القديم الكلاسيك  ده هياكل مع واحدة زيها .. جربني بس ..

ثم زفرت بضيق وهي تتفقد الأشياء المبعثرة حولها  :
-هيثـم وبعدين إحنا فشلنا متحاولش خلاص  !

بعد كثير من المحاولات والاقتراحات العبثية حول فكرة الحلقة الجديدة التي تود أن تُسجلها ، رمت "ليلة" الحاسوب من يدها على الأرض الخضراء اللاتي يجلسان فوقها وقالت جملتها الأخيرة بعجزٍ مُعلن ؛ حك هيثم رأسه متعبًا :

-يعني ولا فكرة عچبتك من اللي قولته !! 

زفرت بسخرية :
-هيثم اسكت عشان هعيط بجد ، والمشكلة مش قدامي غير بكرة ولازم اصور آخر ڤيديو عشان هرجع بعده !! 

-وه وه!! هتعاودي قبل ما تحضري خطوبـة هارون ؟! ودي تيـچي !! 

أشاحت بنظرها بعيدًا حول ذلك المتغطرس الذي يراقبهما عن بُعد معاندًا نوم عينيه المتعبة ليراقبها فشعور غريب بداخله منعه من تركها بمفردها مع أخيه .. عادت لهيثم قائلة بضيق غير مبرر :

-هو معزمنيش ، ولا حاول حتى يصالحني .. وكمان رفض يساعدنا ويوافق يديك مفتاح أوضته وأهو مستقبلي بيدمر وهو واقف بيتفرج عليا .. يارب يكون مبسوط بس ..

ثم ثنت أقدامها جنبًا وهي تراقب الساعة وأكملت بسخرية:
-وبعدين زينة دي مش بتحبني ، آكيد مش هتحبني  أحضر خطوبتها .. بس تصدق أخوك صعبان عليا !! 

ثم رمقته فـ ولى وجهه الجهة الآخرى كي يُقلص خطوط مراقبته لها فينكشف أمره .. أغرورقت عينيها بحنيتها المعهودة :

-أكتر حاجة صعبة أن الإنسان يتجوز حد مش بيحبه .. يمكن أنا أكتر واحدة حاسـة بيه ؛ عشان الدنيا كلها فرضت شريف عليا ومكنتش عارفة أرفضه وأقول لا .. بس لما جيت هنا حسيت بالأمان والقوة ولأول مرة اتجرأ وارفضه وأنا قلبي مطمن .. مكنتش خايفة خالص ياهيثم .. 

أخرج هيثم المناديل الورقية من جيبه وهو يلومها :
-وأيه لازمتها السيرة العكرة دي .. خدي خدي بدل ما أقوم دِلوق اسمعك خبره ، عيل ملزق كنتي متحملاه كيف !! 

انفطر قلب هارون عندما لاحظ عبراتها وكاد أن ينهض ولكن غروره منعـه ، تنفس الصعداء وهو يحكم قبضته على مسندي المقعد البلاستيكي وهو يحترق ولا يعلم كيف لقطرتي ماء تشعل حرائق جمة بقلبـه كما فعلت دموعها ، ألقى هيثم نظرة على أخيه ثم عاد إليها  وشرع في بدايـة خطته مع أحلام  مقترحًا :

-ما الصُلح خير بردك وتعالي أصالحكم ..إحنا محتاچينله . 

هبت مذعورة وبقلب متراقص فرحـًا  :
-أيــه !!! مستحيـل .. مش هصالح حد أنا ياهيثم . 

وثب هيثـم متحمسًا لفكرة صُلحهم وقال:
-اصبري بس .. 

ثم اتجه صوب أخيه تحت نظرات ليلة المتأرجحـة وهو يقول لأخيه :
-هِرن ، ليلة عاوزاك تيچي تصالحها . 

انكمشت ملامح وجهه بغرور يخفى خلفه سعادته  :
-افتكرت دِلوق لما احتجتني ، قولها مش هصالح حد ، اللي اتقمص لوحده يتصالح لوحده .

عاد هيثـم مطأطأة الرأس ليجلس على الأرض بجوارها تحت أنظار عيني هارون الثاقبة ؛ زفر هيثم بملل وهو يوشوش لها  :
-هيموت ويچي يصالحك بس خايـف تكسفيه ..

فركت كفيها ببعضهما وهي ترسل له العديد من النظرات لتستفهم قائلة :
-هو قال لك كده !! 

أجابها بثقة :
-شوفي بعينك أهو مش قاعد على بعضه كيف .. 

وضعت سبابتها بفمها وبعد تفكير طويل قالت :  
-روح قوله ، إني عمري ما هسامحه على اللي عمله معايا .. ومتحاولش تصالحني عشان بجد هحرجه قدامك يا هيثم  .

نهض هيثم بكلل وهو يعود لأخيـه الذي ينتظر جوابها على نار :
-هارون عتقول لك أنت اللي زعلتها تعالى صالحها .. وخف على البت الدمعة هتفر من عينها إحنا مسكتينها بالعافيـة .

انفطر قلبه في مراقبتها وإلقاء نظرة عليها وهو يقول بندم :
-طب الصبح هابقى أصالحها تكون راسي راقت ..

عاد هيثم لعندها واخبرها قائلًا :
-جاي يصالحك دِلوق ، استعدي .. 

هبت ليلة متحمسة :
-خليـه يجي وأنا هديله درس في الأخلاق .. يالا هو وزينة دي لايقين على بعض أصلًا  .

عاد هيثم لأخيه الذي يتجلجل على موقد الانتظار ليقول :

-عتقولك مينفعش تنام لحدت بكرة وهي زعلانـة منك عشان إكده عديتوا التلات أيام وهي مش عاوز تاخد ذنب .. 

تراقصت الأنظار المترددة بيـن الاثنين حتى رق غرور هارون قليلًا وفارق مقعده ، فما رأتـه يقترب منها وثبت بسرعـة وهي لا تعرف ما عليها أن تفعله تهرب تواجه تنتظره ما ستقوله ؟ جملة أسئلة متعددة داهمتها ، اقترب هارون منها وهو يأكلها بعينيـه حتى وقف الاثنان أمام بعضهما البعض وهيثم بالمنتصف ، عقدت ليلة ذراعيهـا أمام صدرها بتمرد :

-كويس إنك عرفت غلطك وچاي تعتذر عليه !! بس يا ترى هقبله ولا لا دي بتاعتي أنا بقى وطريقة ندمك على أفعالك  !

حملق بهيثم معاتبًا لتغيـر مجرى القول ، فأنقذ هيثم نفسـه قائلًا :
-ايه يا ليلة ما الصلح خير .. غيرنا رأينا ليه ؟! 

طافت عينيها بحرية وقالت :
-تمام ، اتفضل صالحني .

زفر هارون بضيق :
-ما قولت لك خلاص مايبقاش قلبك أسود عاد! 
-بذمتك في حد يجي يصالح حد ، يقوله قلبك اسود !! 

تدخل هيثم :
-لا دي محبة ، عديها يا ليلة .

لوحت بسبابتها بوجهه وهي تتدلل قائلة :
-لو سمحت تصالحنى على مزاجي ؛ قول لي أنا أسف وأرجوكي سامحيني عشان أنا غلطت في حقك ، وقولها بقلبك كده عشان أحسها . 

زفر بضيق وهو يطالع أخيه :
-ياصبر الصبر .. 

كتم هيثم ضحكتـه إثر توعد أخيه له ، قطم شفته السفلية وهو يقول جبرًا :
-متأسف يا ستي وو !! ايه أرجوكي دي !! هارون العزايزي مش عيترجى حد !! 

راقت لها اللعبة معه فقالت :
-طيب قول لي حقك عليـا يا لي لي . 

تدخل هيثم بينهم بضحكته الواسعة :
-قوليها يا لي لي وهي هتهدى.. 

هب بوجه هيثـم بقوة ليفرغ بهِ شروخ كبريائه على حد إمراة عنيدة مثلها وكأنه العارض الوحيد للسانه :
-اخفي يا زفت من قِدامي .. 

هرب هيثم من وجهه ضاحكًا ليزف الخبر لأحلام وهو يقول:
-بالإذن يا ليلة … الله يكون في عونك .

ثم دمدم لنفسه سرًا وهو يحك رأسه متقمصًا صوت الشيخ هلال :
-يحل الكذب للصُلح بين المتخاصمين ..

زام ثغرها بضيق وهي تتأفف:
-هيثم الندل على طول كده بيهرب ويسيبني لوحدي  .. وانا ما بحرمش برجع أثق فيه تاني بردو . 

دنى منها خطوة متسائلًا :
-ليـه وأنا عخوف للدرچة دي ! 

تراجعت نفس الخطوة للوراء وهي تعانق أهداب عينيـه بتوتـر وأحمرار أصاب وجهها :
-آه بتخوف كتير ، ولما بتكون متعصب بتكون واحد تاني بيخوفني الصراحة  . 

رُسمت البسمة على شِدقه وهو يتوه في شطي عينيها الخالية من العدسات اللاصقة وبراءتها  مردفًا بنبرته الحنونـة :

-طب متزعليش وحقك عليّ يا ستي ..وعد من هارون العزايزي هتتكرر . 

جف خلقها من سحره الطاغي على قلبها وقالت ببراءة ووجه ضاحك :
-خلاص مش زعلانة منك .

-يعني صافي يا لبـن .

أومأت رأسها بالإيجاب بتوتر يغمرها حتى جعلها تعكس الجملة  :
-قشطة يا حليب .

ضحك منه ملء الفم  ثم مدت يدها لتعقد عهد الصلح بينهما ليصافحها وهي تقول :
-سلم عليـا بقا عشان نبقي خلاص كده .

أخرج يده الدافئة من تحت عباءته الصعيـدية لتحضن كفها المُثلج والأشبه بالقابض على قطعة من القطن ، تشابكت الأيدي وتقارب الوريد من الوريد وتلاقت الأعين وتناغمت الأرواح ؛ فهطل المطر فارحًا بصلحهم في تلك اللحظـة لتختم السماء عهد صُلحهم الجديد والتي جاءت لتروى بذور الحب المنثورة فوقهما فابتلت كفوفهما المتشابكة ببعضها يجرى الدم مُحمل بنكهة الحُب  لتثور ليـلة فارحة :

-واو !! آخيرًا مطرت في بلدكم ؟! أنا كنت قربت انسى شكل المطر .. 

ثم سقطت أنظارها على كفوفهم المبللة بالغيث وقالت بعدم تصديق :
-أنا مش مصدقة عارف ده معناه أيه !! 

رفع حاجبه مستنكرًا :
-يارب متكونش أسطورة ..

-تعرف عني كده  !! 

تفرقت كفوفهم المبللة  وهي تقـول بفرحة :
-بس المرة دي بجد ؛ الأسطورة بتقول أن اللي حصل معناه إننا هنبقى صُحاب العمر كله وعمرنا ما هنفترق .. 

ثم تحركت تحت المطر لترسو تحت سماء عينيه لتقول بنفس السعادة :
-السماء بنفسها ختمت صُلحنـا وباركته .. وبتحتفل بيـنا .. أنا مبسوطة بجد .  

شرعت أن تلهو تحت المطر بفـرحة تحت عينيه وهي تتحرك هنا وهناك حتى خشى عليها من البرد فنزع عباءته الصعيدية ووضعها على كتفيها قائلًا بحنو :
-عشان متبروديش . 

وضعت كفوفها فوق العباءة المرمية على كتفيها وهي تشكره بامتنان :
-بس أنا متعودة على كده ، أنا اسكندرانية على فكرة  ..

-چونا بارد وملهوش عزيز ..

رمقته بهدوء:
-زيكم كده بالظبط  ..

هب الهواء مداعبًا ملابسها ومناديًا بجمالها الذي طغى قلبـه :"‏أيتها المرأة التي تعصف في غصن الوردة‏عاصفةً من عطر ؛ كيف انطوت فيك الطبيعة ‏كلها وأنت وردة واحدة."

تقطر الطـل من فوقهم بقطراته الأشبه بالندى ورست قطرة على وجنتها وأعقب لتقول أثر اختيار المطر لخدودها الورديـة :

-أحكي لك أسطورة ومتضحكش عليـا ؟! أحنا اتصالحنا خلاص وهنبقى صحاب ، ماينفعش نتريق على بعض ! 

لمعت عينيه برغبـة عارمة لسماعها :
-احكي يا ستي .

سار الاثنان بخطواتهم المتمهلة نحو غرفته الخشبيـة الخاصـة وشرعت ليلة بروي تفاصيـل قصتهـا :

-اسمع يا سيدي .. زمان في المغرب وقبل معرفة الإسلام طبعًا ، كان في بلدة معينة بتؤمن بأن هناك إله خاص بالمطر !! تمامًا كده! 

حك ذقنه مبتسمًا :
-براعم إلحاد من أولها .. كملي .

ثم ولت بوجهه لعنده وأكملت سيرها الهادي بظهرها وهى تتأمل النجوم على ملامحه والمطر يغسلها وأتبعت حكيها :

-المهم أن الإله ده وقع في حب بنت جميـلة أوي ، جمالها ملهوش وصف .. أمم أحلى من بشوية أد كده !!

رفع حاجبه معجبًا بثقتها من نفسها :
-وليه چاية على نفسك!! مفيش أحلى منك يا أستاذة..

تفرغ فاهها بعد تصديق :
-ده بجد !! منا عارفة . 

ثم أحمرت وجنتها وأتبع :

-ممكن بلاش تقاطعني ، هكمل لك .. البنت دي كانت متعلقة بالنهر والمطر جدًا .. وفي يوم قرر أله المطـر خطبتها ، بس هي رفضته ورفضت حبـه خافت أحسن شعبها يتهموها بتهمة مش كويسة !!

ثم اعتدلت في سيرها وهي تواصل روي الأحداث باقتناع شديـد وأكملت بشفقة :
-عارف حصـل أيه !! الإله غضب غضب شديد ، ومنع نزول المطر على البلدة بأكملها ، وجف النهر ومات الزرع وجاعت الناس كلها وكلهم شيلوا الذنب "لتيسليت" .. وفي الآخر اضطرت توافق لأجل شعبها  .. 

ثم وقفت أمامه لتعوق طريقـه ويتوقف خُطاهم لتُكمل روى أسطورتها وهي تحاور عينيه التي تتشعشع ببيادر الحُب :

-واتجوزت البنت الأله وخدها للعالم بتاعه ، ومع أول لقاء بينهم من شدة فرحتــه أمر السماء إنها ما توقفش عن المطر لمدة تلات أيام متواصل حتى يمتلئ النهر كله .. وعاشوا الاتنين أجمل قصة حُب .. 

ثم تبسمت بوجهه الذي يصغي إليها باهتمام وأتبعت :
-ومن وقتهـا الحُب مرتبط بالمطر ، لما قصص بتبتدي السماء بتزفهم وبتفرح بيهم .. ولما قصص بتنتهي السماء بتعيط من حزنها عليهـم .. بيقولو الرقص تحت المطر بيقوى الحب بين أي اتنين عن أي رقص في وقت تاني.. 

ثم اتسعت ابتسامتها بوجهها وهي تتنهد بارتياح :
-اتمنى أكون فيدتك بمعلوماتي !! 
 
تمتم ساخرًا :
-معلومات تستاهل الوأد .. بس عچباني.

فـ حك ذقنـه تائهًا في دروب جمال روحها قبل شكلها ليسألها :
-المهم صحتك عاملة أيه على الأدوية ! 

هزت كتفيها بحزن :
-بدوخ كتير ، ودايما مصدعة .. وبنام كتير أوي ، بس بقاوم يعني . 

ثم تنهدت بوجع خفيف يؤلم قلبها :
-مبروك على خطوبتـك .. فرحت لك كتير على فكرة .

رد باختصار وبقلب غير مُؤممٍ عليه :
-عقبالك أنتِ كمان ..

نطقت الألسن وتمردت القلوب التي تشتهي بعضها البعض وحكت الأعين موالًا لم يقله خطيب .. ثم تهتت وهي تحت سحر عينيـه وقالت متمنية حياتها مع رجل مثله :

-أنت تعرف أن في حياة كل شخص مننا حياتين ، واحدة بنعيشها بعينين مفتوحتين ، وواحدة تانية رفضها الواقع نهائيا بنعيشها بعيون مغمضـة ..-ثم غمزت بطرف عينها- أشش حياة سرية محدش يعرفها غير الشخص نفسه وبس .

سألها :
-وأنتِ حابـة أيه أكتر !

-أنا بطلت أحب حاجة يا هارون عشان بتروح مني أول ما ابتدي أحبها ..

وكأنها ارتاحت في عينيـه للحد الذي جعلها ترفع الكلف عنه ، أحست بالخجل لتحرر لسانها من منطوق لقب اسمه فغيرت مجرى الحوار سريعًا ، قطعت سحر أعينهم المتكلمة لتقول :
-صح هنصور فين بكرة ! مش عايزة اقولك، هيثم أخوك سوحني . 

-تعالي .. 

"حين التقينـا أمطرت السماء نجومًا "

•••••••••••

~فجـرًا .. 

استيقظ " هاشم " من سُباته لبدء نبطشيته العسكرية وبعد ما ارتدى زيه الميـري كاملًا وفارق غرفته بـ الوحدة مُستقلًا سيارة الجيش الخاصة بـه ، وما تأهب أن يتحرك ففوجئ بشخص يقتحم سيارته ويصعد بجواره بدون إذن ، التفت له بدهشة وهو يخرج سلاحه من وراء ظهره ويرفعه بوجهه :
-أنت مين ؟! 

بادره الرجل بهدوء يخفي خلفه العديد من العواصف:
-نزل سلاحك يا هاشم بيـه ، ما يصحش ترفع السلاح في وشي ، داحنا أهل !!

عنفه هاشم قائلًا :
-أنت لو ماقولتش انت مين أنا هصفيك مطرحك ، مطرح ما أنت قاعد ..

أجابه الرجل بثقة :
-هدي هدي .. أحنا جايين نتفقوا ونعقدوا مصالح بينـا .. 

لقد نفذ صبر هاشم منه ، فصرخ بوجهه قائلًا :
-لو منطقتش أنا هفرغه في راسك ، أنت مين وعاوز مني أيه !

ارتسمت شبح الابتسامة الخبيثة على وجه الرجل :
-ممدوح الشيمي ، حماك …..

••••••••••

~العزايزة .

بإعجوبة تحرر هلال من سطـو صفية أمه كي تدعـه يصلي الفجر ، حيث قضى ليلته ما بين محاولات رحيله وبين صوت صراخها المزيف .. غادر الغرفة وهو يضرب كف على الأخر ويستغفر ربه متجهـًا صوب غرفـته التي فتح بابها برفق .. تسلل بهدوء حيث انجذب من قلبـه لمخدعهـا ، كانت الإضاءة الخفيفة تنعكس فوق ملامحها فيشرق وجهها كالبدر في ليلة تمامه كما وصفها من قبـل .. جثا على ركبتيه وهو يتأمل تفاصل وجهها الملائكي النائم وبعض الخصلات الخبيثة التي تسربت من حجابها لتغويـه عمدًا ودمدم :

-بسم الله ماشاء الله.. سبحان من صورك . 

ظل طويلًا جيوب قلبه من تأملها بحريته عن قربت حتى امتدت يداه لكتفها مربتًا فوقه بخفة :
-رقيـة ، رقيـة . 

نهضت كالملدوغة من مكانها صارخة باسم أمها ، فأشعل الإضاءة بسرعة وهو يمد لها كوب الماء :
-بسم الله على قلبك حتى يهدأ ، رقية اشربي ميه ..

تناول الكوب من يده بكفها المرتعش و ارتشفت رشفة خفيـفة وهي تتنفس بصوت مرتفع وتطالعه وتروي له رؤيتها :

-أمي ، صفاء كانت معاي في الحلم .. وأنت كنت واقف وراها وبتحاول تطمنها عليّ .. كان وشها منور وكيف البدر ، بس ملحقتش احضنها .

مسح على رأسها وهي يبشرها :
-هذا ملك الفجر جاء ليوقظك .. 

ثم ربت على كفها بحنان :
-هروح أصلي في الچامع واستنيـني ، هرچع وأخدك تزوري خالتي صفاء .. ونقرألها قرآن .

هزت رأسه فارحة لعرضه ، تركها ودخل الحمام ليتوضأ ويستعد للصلاة وهي أيضًا فارقت فرشتها وعادت تشغيل سورة البقرة بالغُرفـة وهي تفتح النوافذ لتطالع السماء التي تسكن بها أمها وتراقبها عن بعد وعجز :

-أنت بعيدة قوي بس قلبي حاسس إنك سمعانـي .. وحشتيني ؛ ميتى ربنا يأذن ونتلاقوا ياما .. اتمنت لي الشيخ هلال وأهي امنيتك اتحققت ، بس أنتِ اللي روحتي وسبتيني .. 

تذكرت نصًا قديمًا قرأته في أحد الكُتب يصف خندق الألم بداخلها مشبهًا :
" أنها كُتلة عالقة في الحلق‏ قد تسبب الإختناق ، و أحيانًا يسمّونها غصّه ‏أما عني ، فلست أعرف عنها الكثير‏لكنّي أتذكر بدايتها كانت كومة أحداث و أحاديث ‏لم أجد لصوتها منفذًا ، ولا مسمَع ‏فـ إبتلعتها بصمت ورضا  "

سمع صوت همهماتها وهو يرتدي ثوب الصلاة فدنى منها ومسح على كتفها فارتعدت مفزوعـة من قربه وهي تأخذ نفسها بصوت مسموع :
-اسفة بس اتخضيت .. مش قصدي والله .

ابتسم بوجهها :
-لا عليكِ .. قومي اتوضي وأنا مش هتأخر عليكِ .

يلملم أشياءه بعجل ليلحق الصلاة التي أقامها شيخـه الكبير ثم التقي بهارون أخيه الذي لم ينم بعد وقضى ليلته مع الليل نفسه بنجومه وقمره ومطره ؛ وترافق الأخوة نحو المسجـد بعد ما أمر ليلة بأداء صلاة الفجر بغرفتـه التي لم يُقفل بابها طوال الليـل  .. 

مرت دقائق صلاة الفـجر التي يملأها الراحة والسكـون والآمال المرسلة التي تُطرق أبواب السمـاء .. كان هارون يصلي بجوار أخيه كتف بكتف كما اعتاد الاثنان منذ الصغـر .. فرغ الإمام من الصلاة وتوافدوا المصليين للخارج ؛ ترافق الأخوة معًا وفي اللحظة التي انحنى فيها هلال ليرتدي حذائه وانشغل هارون الآخر بترتيب ملابسـه ، باغت بكر الشيخ هلال بحجـر كبير فوق رأسه وبكل ما أوتى من انتقام صارخًا :

-أنت فاكرني هسيبك !!!

تعليقات



×