رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم شمس بكري


رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والعشرون 

هذا الكتف لك حينَ تَميل و حين تَشعر بأن حملك ثقيل.

________________________


لقد تعاهدنا على سير الدرب معًا، و هذا عهدي لكَ ، أنا معكَ في كل حين....حتى قساوة الزمان معك تلين....لقد كررتها عليك في السابق بأنك أحن ما جلبت لي السنين، بدا لي الكون مُشرقًا و الزمان مُزهرًا حتى أضحى القلب سعيدًا بعدما أعوامًا قضاها حزين...يا حنية زماني، كُن لي و لقلبي خير المُعين.


من كان يصدق أن هذا البيت يصبح كجنةٍ بوجودها معه، ذلك المكان الذي يبغضه بشدةٍ يذكره بذكرياته المريرة به معها هي، تلك التي أذقته العذاب، و أجرمت في حق قلبه، بعدما عاش عمره يهرب من ذلك البيت، الآن أضحى أكثر قبولًا عليه، حتى إنه يهرب من زحام العالم، ليحظى بقربها هي، هكذا كان يفكر «حسن» وهو يتصفح هاتفه في يده وهي في الداخل، كان الهاتف مفتوحًا على حسابها الشخصي على موقع "إنستجرام"  و مع كل صورةٍ يتصفحها يغرق في تفاصيلها أكثر، و في ذلك الحين أتت هي من الداخل وهي تقول بنبرةٍ منهكة:

"آه....مش قادرة بجد، أنا عمري ما كنت بتاعة مسئولية، إيه اللي بعمله في نفسي دا؟"


قالت حديثها ثم جلست بجانبه على الأريكة وهي ترتمي بجسدها، بينما هو أغلق هاتفه مسرعًا حتى لا تراه هي، ثم حرك رأسه يطالعها وهو يسألها بتعجبٍ من حالها:

"وهو أنتِ مالك إيه اللي تاعبك كدا؟ لو عاوزة ننزل و نروح للدكتور أنا مش عندي أي مانع خالص"


ردت عليه هي ترفض اقتراحه بنبرةٍ قاطعة:

"لأ متتعبش نفسك، كل الحكاية أني غسلت و نشرت و روقت الشقة، و أنا بصراحة مش بتاعة الحاجات دي، بس بتعلم أهو"


ابتسم هو لها وهو يقول بنبرةٍ يشوبها مرحٍ طفيف:

"لو مش عاوزة تعملي حاجة متعمليش، ممكن أجيب أم أمل تعمل هي، المهم علشان متحسيش إنك مخنوقة"


ردت عليه هي بنبرةٍ مرحة:

"لأ طبعًا، و بعدين يعني ما كل الستات بتشتغل في بيوتها، أكيد يعني مش بيجيبوا حد علشان يعمل مكانهم"


ابتسم وهو يحرك رأسه موافقًا لها، بينما هي ابتسمت بخجلٍ وهي تقول بنبرةٍ خافتة:

"عارف يا حسن؟ أنا فرحانة علشان بعمل كدا، حاسة أني بعمل حاجة حلوة ليك، يمكن علشان أنا حبيت المكان هنا، و يمكن علشان أنا حابة نفسي و أنا كدا، مش عارفة بس أنا فرحانة يا حسن"


رد عليها هو بنبرةٍ هادئة و وجهٍ مبتسم:

"طب الحمد لله، المهم إنك تكوني مرتاحة و أنتِ بتعملي الحاجة يا هدير، طول ما أنتِ بتشتغلي غصبٍ عنك عمرك ما هننجحي في حاجة، الحاجة اللي بتتعمل بحب بتوصل بحب"


حركت رأسها موافقةً ثم تحدثت بتوترٍ طفيف بعدما وجدته يمعن النظر بها:

"عارف....الوقت لو كان بدري شوية كنت قولتلك تعالى ننزل و نتمشى سوا، بس الوقت اتأخر"


رفع رأسه يطالع الساعة الموضوعة على الحائط فوجدها الواحدةِ صباحًا، حينها وقف هو ثم قال بنبرةٍ مرحة ممتزجة بالحماس:

"طب و فيها إيه؟ دي يدوبك الساعة ١ يلا يا ستي"


وقفت هي مقابلةً له وهي تقول بنبرةٍ مستنكرةٍ حديثه:

"هننزل دلوقتي؟ طب هنعمل إيه المحلات أكيد قفلت يا حسن، خليها مرة تانية"


أمسك هو كفها وهو يقول بنبرةٍ مقررةٍ:

"مفيش مرة تانية، هو دلوقتي هننزل سوا و نروح نتمشى، خلاص ضربت في دماغي، و أنا ابن مجانين أصلًا"


كان يتحدث وهو يسير بها نحو الداخل فوجدها تسأله بنبرةٍ يشوبها انفعالٍ طفيف:

"استنى بس أنتَ واخدني ورايح فين كدا؟ يارتني ما نطقت قصادك و قولت الفكرة دي"


توقف هو أمام الغرفة حينما وصلا أمامها، ثم التفت لها يقول بنبرةٍ هادئة بوجهه المبتسم:

"ادخلي غيري هدومك دلوقتي علشان ننزل سوا، و أنا هلبس هدومي أنا كمان، بس تقلي علشان فيه هو تحت"


ردت عليه هي بنبرةٍ حائرة:

"أنا مش فاهمة حاجة، بس ماشي يا حسن، عن أذنك هغير هدومي و أجي"


أومأ لها موافقًا وهو يتابع انسحابها من أمامه، بينما هو ابتسم براحةٍ احتلت ملامح وجهه الصافية و عينيه البنيتين الممتزجة بخيوطٍ عسلية، بعدما أغلقت الباب هي تنهد هو بعمقٍ، ثم توجه نحو الغرفة الأخرى، ارتدى ثيابه وهي عبارةٍ عن بنطال رياضي باللون الاسود و تيشيرت باللون الأبيض، و فوقه قميصًا من خامة الجينز، وقف ينظر لنفسه باستحسانٍ ثم ارتدى حذاءً رياضيًا باللون الأبيض، خرج من الغرفة ينتظرها أمام غرفتها، فخرجت له هي بعد مرور دقائق، و حينما رآت ما يرتديه ابتسمت باتساع وهي تحرك رأسها هبوطًا و صعودًا تتفحص هيئته الشبابية، بينما هو سألها بنبرةٍ مُحبطة:

"إيه هو الطقم مش عاجبك؟ أنا كنت شاكك و الله، طب إيه؟"


ردت عليه هي بنبرةٍ قاطعة تنفي حديثه بقولها:

"لأ لأ خالص، الطقم حلو عليك أوي، أنا مستغربة بس علشان بشوفك ببدل علطول و هدوم البيت العادية، تقريبًا دي أول مرة أشوفك لابس شبابي"


ابتسم لها وهو يقول بمرحٍ:

"يا شيخة خضتيني، قولت الطقم مش عاجبك، و كنت هتعكنن و منزلش"


سألته هي بنبرةٍ متعجبة بعدما انكمشت المسافة الواقعة بين حاجبيها:

"هو لما الطقم مش بيعجبك بتزهق من المشوار و متنزلش"


رد عليها هو بمرحٍ كعادته:

"مش للدرجة يعني، و بعدين أنا بقالي مثلًا سنتين بلبس بدل بس من ساعة ما اشتغلت مع ولاد عمك، بقيت أنا و طارق و وئام بنلبس بدل، لحد ما نسينا اللبس الشبابي"


أومأت له موافقةٍ فوجدته يحرك رأسه يتطلع ثيابها و هو يتفحصها، فوجدها ترتدي بنطالًا رياضيًا (شروال) باللون الأسود و فوقه سترةٍ رياضية باللون الأبيض، و حجابٌ باللون الأسود، تصفح هيئتها برضا تام حينما وجد الملابس تناسب جسدها كما أنها لم تبرز تفاصيله، و حينما رفع رأسه يطالعها و يطالع رأسها، وجد بعض الخصلات الشاردة فوق جبينها من أسفل الحجاب، اقترب منها هو ثم سحب حجابها للأمام، بعدها مد أنامله ثم قام بإدخال تلك الخصلات أسفله، طالعته هي بتعجبٍ، فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

"شعرك كان باين، كدا أحلى على فكرة و هو كله تحت الحجاب"


ردت عليه هي بنبرةٍ ظهرت فيها السرعة و التلهف وهي تقول:

"علشان شعري ناعم والله، بيبان كل شوية، لكن بطلت والله أبينه من بدري، تحديدًا من ساعة ما بقيت أصلي و الله"


ابتسم لها وهو يقول بوجهٍ مبتسم و حديثٌ ظهر به التفهم:

"أنا عارف و مصدقك يا ستي، يلا علشان الساعة قربت على اتنين و إحنا لسه منزلناش"


أومأ له موافقةً وهي تتبعه نحو الخارج حتى خرجا من الشقة سويًا، حينها أمسك هو كفها ثم دخل بها المِصعد، ابتسمت هي له باتساعٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

"إحنا هننزل دلوقتي و مطرح ما رجلينا تاخدنا نروح، تمام؟ تمام إن شاء الله"


حركت رأسها موافقةٍ بإيماءةٍ بسيطة، ثم حركت رأسها للأسفل تتابع كفها بين كفيه و هي تبتسم بحبٍ، بينما هو حرك رأسه يتابع موضع بصرها، وحينما رآى بصرها يقع على كفيهما معًا، شدد قبضته وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"إيدك متلجة و احنا يدوبك في دخلة الشتا، خليها في إيدي كدا علشان ادفيها"

ابتسمت له بخجلٍ من حديثه فوجدته يغمز لها وهو يقول:

"شكلك حلو أوي لما تتكسفي، و للحق هو حلو علطول يا هدير"


طالعته بدهشةٍ فوجدته يبتسم لها، و حينها فتح باب المصعد حينما وصل بهما للأسفل، فأشار لها برأسه وهو يقول بنبرةٍ خافتة:

"الباب فتح يلا قبل ما يقفل تاني علينا، ساعتها مش هنزل تاني و هطلع أنام"

خرجت من دهشتها و شرودها في ملامحه، ثم حركت رأسها موافقةٍ وهي تتبعه نحو الخارج و لازال كفها قابعًا بين كفه بأريحيةٍ، سارا معًا بدون السيارة سيرًا على الأقدام، و بعد مرور دقائق من السير، شهقت هي بقوة حينما رآت ذلك المكان التي توقفا به، فوجدته يقف مقابلًا لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"المكان دا يا ستي زي باريس كدا، متصمم تقريبًا بنفس الطراز بتاعها، إيه رأيك فيه؟"


التمعت عينيها بحماسٍ غريب وهي تقول له بنبرةٍ مختنقة من تأثرها بالمكان و جماله:

"حلو أوي يا حسن، أنا مكنتش أعرف إن المكان دا هنا جنب بيتك"


أمسك كفها ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"تعالي معايا طيب، و لسه هبهرك"

قال جملته ثم سار بها في الممر المؤدي إلى باقي المكان من الداخل كانت هي تسير بجانبه وهي تتابع الأضواء التي تشبه ضوء الشموع و لكنها أكبر حجمًا ذات لونًا برتقاليًا و في المنتصف نافورة المياه الراقصة، صُممت على أحدث الأشكال، ثم حركت رأسها للجهةِ الأخرى تتابع المكان حولها، حينها وقع بصرها على الزرع المجاور للممر الذي يسيران به، ابتسمت هي باتساعٍ، فوجدته يقف بها أمام مقعدًا خشبيًا وهو يقول بمرحٍ:

"اتفضلي يا أستاذة هدير، علشان تتفرجي بنفس مفتوحة"


جلس هو أولًا و هي بجانبه، و بعد جلوسها استنشقت الهواء بنفسًا عميقًا زفرته على مهلٍ، بينما هو كان يطالعها بأعين فَرِحة وهو يرى الراحةِ باديةً على وجهها، حركت رأسها هي تنظر له وهي تقول بنبرةٍ ممتنة:

"شكرًا يا حسن بجد، من كل قلبي شكرًا علشان جبتني هنا، بجد دي حاجة فرحتني أوي"


رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:

"لا شكر ولا حاجة أنا اللي بشكرك علشان شاركتيني المكان دا، حقيقي كان نفسي أجي هنا مع حد بس مكانش عندي اللي يشاركني حاجة زي دي، و بصراحة أنتِ الوحيدة اللي حسيت أني ممكن أشاركها"


كان يتحدث و عدستيه تلمع بـ وميضًا غريبًا لم يخفى عليها، بينما هي حركت رأسها للأمام تطالع المكان بشغفٍ جديد عليها، فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة بعدما نظر أمامه هو الآخر:

"عارفة طلبت منها مرة نيجي نقعد سوا هنا مع بعض، قالتلي هو أنتَ فاضي؟ بعدها قالتلي أني مستخسر أخدها مكان بفلوس، أنا ساعتها كنت عاوزها تشاركني لحظات حياتي، بس للأسف هي مكانتش فاهماني"


حركت رأسها تطالعه بدهشةٍ، فوجدته يقول بنبرةٍ موجوعة:

"تعبت معاها كتير، كنت عاوزها بس تمد إيدها ليا و أنا همسك فيها بدراعي كله، بس محصلش، أنا عيشت معاها أصعب فترة في حياتي، كرهت الحب و الجواز و للحق صنف الستات كله"


وضعت كفها على كفه الموضوع بجانبه، و كأنها تواسيه بفعلتها تلك حينما ظهر الوجع في نبرته، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال:

"أنا طول عمري لوحدي حتى و أنا مع الناس، صحيح عيلتك مسابتنيش بس برضه فيه مشاعر غصبٍ عن الدنيا كلها محدش يقدر يعوضك عنها، لما وليد قالي اقول أني خطيبك ساعتها أنا فرحت، مش عارف ليه؟ بس لقيت نفسي باخد القرار أني أكتب الكتاب و أني أطالب بيكي في بيتي، بيتي اللي كنت بكرهه و حبيته علشان أنتِ فيه بس يا هدير، دلوقتي أنا فرحان إنك هنا معايا"


ابتسمت له هي بخجلٍ ثم تحدثت بتوترٍ طفيف:

"أنا قولتلك أنتَ تستاهل إنك تفرح يا حسن، و شكرًا علشان كل حاجة عملتها علشاني، من أول الانتحار لحد دلوقتي و أنا بشاركك المكان دا، صدقني أنا لو بقيت كويسة الحمد لله، فهو أكيد بسببك و بسبب كلامك ليا، كلهم بقوا بيحبوني أوي، حتى وليد كمان بقى بيخاف عليا و بقى أخويا بجد، أنا كنت مش شبههم و علطول شايفة نفسي عليهم، بس دلوقتي عيلتي أهم حاجة عندي، و أنتَ معاهم كمان"


حمحم هو بقوةٍ ثم سألها بنبرةٍ ثابتة يشوبها مرحٍ طفيف:

"طب بمناسبة الأجواء الليلية دي كلميني عن نفسك كدا و قولي أنتِ مين و دارسة إيه؟ حبيتي ولا لأ؟ مش معقول نكون صحاب و مش عارفين حاجة عن بعض، و مشيها صحاب دلوقتي علشان متجوزين دي معقداني بصراحة، الله يسامح اللي كان السبب"


ابتسمت هي بيأسٍ منه بسبب طريقته التي تحدث بها وهو يُلمح عن زوجته المتوفيةِ، بعدها ردت عليه بنبرةٍ ثابتة و وجهٍ مبتسم:

"أنا يا سيدي هدير محمود فايز الرشيد، عندي ٢٧ سنة قربت أتمهم، خريجة كلية ألسن قسم إيطالي، اتخطبت مرة واحدة قبل كدا و محصلش نصيب، معقدة نفسيًا و تربية عمتو مشيرة"


_"كله كوم و تربية عمتو مشيرة دي كوم تاني، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليها، دي مسكت الواد راشد خليته قطع الخَلف"


رد علي حديثها الثابت بطريقته الساخرة تلك التي جعلتها تبتسم بيأسٍ وهي تحرك رأسها نفيًا منه، فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

"طب كملي طيب، طلعتي دحيحة و خريجة ألسن، شكلك كنتي سوسة و بتذاكري"


ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:

"والله كنت أدبي، بس أنا من ناحية المذاكرة بحب أذاكر دماغي حلوة و مش باخد وقت في المذاكرة كتير، علشان كدا دخلت ألسن بس ساعتها دخلتها منظرة و خلاص، يعني علشان تليق بشكلي و أسمي، كنت غبية بصراحة"


انكمش ما بين حاجبيه وهو يسألها بتعجبٍ:

"إزاي يعني؟ و الله شكلك دحيحة و بتشتغليني يا هدير"


ردت عليه هي بنبرةٍ ساخرة:

"يا حسن ما تفوق بقى، أنتَ خريج فنون تطبيقيه يعني مهندس و كنت علمي، أكيد كنت دحيح أنتَ كمان، هكدب عليك ليه"


ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:

"آه صحيح، معلش بسقط حوار أني مهندس دا، معلش بقى"


فتحت فمها ببلاهةٍ تطالعه بأعين متسعة من دهشتها بسبب حديثه، فوجدته يقول بنفس النبرة الضاحكة:

"طب كملي، اتخطبتي مرة و محصلش نصيب ليه طلع خاين؟"


حركت رأسها نفيًا ثم قالت بنبرةٍ مهتزة من خجلها:

"أنا مكنتش بحبه، بس فيه واحدة كانت بتحبه وهو كان مهندس بترول و شكل و مركز، ساعتها حسيت أني عاوزاه هو، معرفش ليه و حسبتها ازاي، بس مكنتش حاسة إن ينفع حد غيري ياخده، المهم يا سيدي حصل بيننا خلاف بسيط قولتله أني مش عاوزاه و أني غلطت أني ارتبط بيه، ساعتها هو راح للي بتحبه، يمكن دا كله حصل علشان مظلموش أكتر من كدا، و علشان أنا أفوق لنفسي بقى، الحمد لله سافر مع مراته و شكلها فرحانة، أنا بقى لو كنت كملت معاه كنت هاخد على دماغي في الأخر، علشان هو مش من حقي، و علشان كنت هدير تانية غير اللي قدامك دلوقتي، في النهاية الحمد لله إن ربنا كرمني بفرصة تانية علشان ألحق نفسي قبل ما القطر يعدي، الحمد لله إن خطوبتي مكملتش، دلوقتي بس عرفت إن الفرحة لما الحاجة متكملش أحسن بكتير من إنها تكمل و تضيع حياتك"


أمسك هو كفها حينما لاحظ ارتجافة يدها و تهدج صوتها، فرفعت رأسها تطالعه بأعين دامعة، فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة ظهرت بها عاطفته حينما قال:

"و الحمد لله إنك بقيتي معايا، علشان اتونس بوجودك يا هدير، الحمد لله إني لحقتك قبل كدا، و الحمد لله إن النصيب خلاني ألاقيكي علشان تكوني صاحبتي و تهوني عليا، بس أنا عندي سؤال مهم"


ردت عليه هي بنبرةٍ خافتة إثر خجلها من حديثه:

"أسأل براحتك يا حسن، نعم؟"


زفر بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة:

"هو أنتِ محبتيش خطيبك دا خالص؟ يعني مش ندمانة إنك ضيعتيه من إيدك؟"


تفهمت هي المقصد من حديثه لذلك ابتسمت له باقتضابٍ وهي تقول:

"متخافش، أنا عمري ما حبيت أصلًا، علشان عمري ما عرفت يعني إيه حب، صدقني أنا فرحانة أوي إن موضوعي معاه مكملش، أنتَ بقى عمرك ما حبيت ليه مع إنك كنت متجوز؟"


تنهد هو بعمقٍ ثم قال:

"القلوب مش بتكدب و بيأكد صدقها العين، كل ما القلب داب و حب كل ما العين بقت صافية أكتر، مرتبط بيهم بقى الخوف، تلاقي العين بقت صافية و القلب بيدق و معاهم خوف، و أنا مخوفتش يبقى محبتش، دا مبدأ عندي طالما خوفت يبقى حبيت"


سألته هي بنبرةٍ تائهة:

"ازاي بس؟ أنا أعرف إن اللي بيحب مش بيخاف خالص، يبقى ازاي الخوف عندك مرتبط بالحب"


رد عليها هو يوضح لها ببساطةٍ:

"طالما حبيت يبقى هتخاف، هتخاف عليه من الهوا الطاير من لمحة حزن في عنيه، هتخاف على تعبه وتخاف يسيبك، هتخاف يجي يوم و ونسه يضيع منك، الحب يعني خوف يا هدير، و أجمد الجامدين كلهم مخافش غير لما حَب"


حركت رأسها موافقة على حديثه ثم أضافت مؤكدة:

"منطق برضه، كلامك مقنع يا حسن، و بالنسبة ليا أنا مبخافش خالص، هتبقى فضيحة لو خوفت و هيبان عليا"


ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ تائهة:

"مش دي المشكلة، المشكلة ساعتها إنك تعرفي سبب الخوف"


حركت رأسها تسأله بنبرةٍ متستفسرة:

"طب وهو سبب الخوف وقتها مش بيبقى معروف؟ هحتار يعني فيه؟"


حرك رأسه ينظر لها ثم قال بنفس النبرةِ التائهة وهو ينظر داخل عينيها التي تأسره كلما نظر بها:

"ساعتها قلبك هيدق و عينك هتبقى صافية و هتعرفي إنك بتحبي، خوف الحب هو أحلى خوف في الدنيا كلها"


حركت رأسها تنظر حولها بخجلٍ من نظرته، بينما هو وقف ثم أمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ حاول صبغها بالمرح:

"يلا يا ستي جبنا سيرة الأموات و الأحياء ناقصك كتاب فيزيا و تبقي قفلتي الفصل الدراسي"


وقفت هي بوجهٍ مبتسم وهي تسأله بنبرةٍ حائرة:

"طب هنروح فين طيب؟ المكان فاضي و فيه كام حد هناك شكلهم بيحبوا في بعض"


رد عليها هو بمرحٍ:

"ما هما بيحبوا في بعض فعلًا، بس تعالي علشان أصورك، بما أني قولت إنك الوحيدة اللي هتخليني أرجع للتصوير تاني، يلا بقالك كتير منزلتيش صور على انستجرام، دي عيبة في حقي"


ابتسمت بقوة وهي تسأله بنبرةٍ متحمسة:

"قول والله !! بجد هتصورني يا حسن؟ بتليفونك بقى علشان هو أحدث من بتاعي أنا مش بقر يعني"


رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:

"قُري عادي، هيبوظ و أجيب غيره، فيه واحد أخوه مرمي في البيت مش عارف أتصرف فيه، و وليد مكسل يصلحه"


ردت عليه هي بنبرةٍ ظهرت بها اللهفة وهي تتمسك بذراعه و تقول:

"هو بتاعك أنتَ ؟! حرام والله دا غالي أوي، يدوبك مكملش سنة يا حسن"


رد عليها هو بحنقٍ:

"لو سي زفت كان صلحه مكنتش هجيب واحد جديد، و قالي هصلحه و أخده أنا، عاندت معاه بقى و أهو مرمي في البيت"


حركت رأسها نفيًا بيأس وهي تقول:

"والله العظيم رجالة متسرعة و كسولة، أنتَ كسلت تهتم بيه و وليد كسل يصلحه، ربنا يكرمكم"


أمسك كفها وهو يقول بمرحٍ:

"يا ستي يخربيت شركة أيفون كلها متزعليش نفسك، يلا بقى علشان أصورك جنب النافورة"


أومأت له بحماسٍ ثم فردت ذراعيها و كأنها المياه تنزل عليها، بينما هو ابتسم لها ثم التقط الصورة بعدما قام بضبط وضعها، بعدها أشار لها بابهامه يخبرها أن كل شيءٍ على ما يرام، بينما هي وضعت يدها في خصرها و اليد الأخرى وجهتها نحو المياه، التقط لها الصورة، ثم أشار لها من جديد، بينما هي مالت بجسدها للخلف قليلًا فوجدته يقول بحنقٍ:

"اظبطي يا هدير، النافورة هي اللي راقصة مش أنتِ ياما، اقفي عدل"


اعتدلت هي في وقفتها بخوفٍ منه، فوجدته يقترب منها ثم أمسك ذراعها يرفعه من جديد نحو المياه ثم حرك رأسها لليسار قليلًا و كأنها صورة ألتقطت بعفوية، بينما هي كانت تطالعه بخوفٍ بعدها وجدته يقول بصوته الرخيم:

"اقفي زي ما أنتِ كدا، لما أقولك تضحكي، اضحكي تمام؟"


أومأت له بأهدابها فوجدته يعود للخلف و حينها قال بنبرةٍ هادئة:

"اضحكي يا هدير"


ضحكت هي بقوةٍ رغمًا عنها، فالتقط هو الصورة لها، ثم اقترب منها من جديد، ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ ممتنة:

"بجد الصور فرحتني أوي يا حسن، و تصويرك حلو أوي ما شاء الله، موهوب فعلًا"


نظر حوله هو ثم رفع ذراعه يقربها منه، باغتها هو بفعلته تلك و قبل أن تبدي دهشتها، وجدته يقول بنبرةٍ هامسة:

"هنتصور سوا صورتين حلوين كدا و كل واحد يروح لحاله، اعتبريهم للذكري ما بيننا"


أومأت له موافقةٍ فوجدته يلتقط الصور معها بعدما ضبط وضع الهاتف حتى يتم التقاط الصور لهما و كأن هناك من التقطها لهما، بعدها وجدته يضع الهاتف بجانب النافورة بعد ضبط المؤقت، بعدها اقترب منها وهي تتابعه بتعجبٍ، فوجدته يقف خلفها ثم حرك رأسه للأمام وهو يقول:

"اضحكي و بصي قدامك علشان كلها ثواني و ياخد الصورة"


حركت رأسها تطالعه هو بدلًا من النظر أمامها، بينما هو وجه بصره يطالعها هو الآخر و حينها تم التقاط الصورة لهما و بدلًا من أن تكون وهما ينظران للأمام، أُلتقطت لهما وهما يطالعا بعضهما.

________________________


في شقة «ياسين» قص عليه «وليد» ما حدث له منذ بداية حياته حتى علاجه عند الطبيبة النفسية، قام بسرد الحكاية منذ البداية، بينما «ياسين» كان يستمع له باهتمامٍ واضح، و تارةٍ يشفق عليه و تارةٍ أخرى يشعر بالفخر به و بما عايشه في حياته، بينما «وليد» أنهى حديثه ثم أضاف:

"أنا مش عارف ليه بحكيلك أنتَ، و مش عارف واثق فيك ليه؟ و مش عارف ليه متأكد إن حياتي هتتصلح لما أكون معاك، ياسين أنتَ هتطلع قد الثقة دي؟"


سأله «وليد» سؤاله الأخير بنبرةٍ حائرة، جعلته يرفع حاجبه بشرٍ و قبل أن ينتبه الأخر له وجده يهجم عليه حتى أسقطه أرضًا وهو فوقه يقول من بين أسنانه بنبرةٍ بلهجةٍ حادة:

"و حياة أمك ؟! كل دا و مش قد الثقة؟ عاوزني أعمل لأهلك إيه تاني علشان تثق فيا؟ أغز نفسي بمطوة علشان ترتاح؟ تحب أرمل أختك بدري بدري طيب؟ بجري ورا أهلك في أي مصيبة و مش عاجب كمان؟ طلعة السويس دي محسستكش إنك واثق فيا؟"


رد عليه هو بخوفٍ:

"إهدا يا ياسين، دا أنتَ متربي مرتين عيب يا جدع، و بعدين أنا بتأكد بس، راعي مشاعري، و بعدين ابعد عني عيب كدا الإزاز مفتوح و دي وحشة في سمعة الشقة"


انتبه «ياسين» لوضعهما، فتركه على مضضٍ ثم اعتدل في جلسته، بينما الآخر قال بنبرةٍ يشوبها مرحٍ طفيف:

"ياعم وحد الله بقى، أنا حكيتلك عني كل حاجة أهو و بقيت كتاب مفتوح قصادك، و بعدين يعني لو أنا مش واثق فيك تقدر تقولي بحكيلك ليه؟ أنا بهزر معاك مش أكتر والله"


تنفس «ياسين» بعمقٍ ثم رد عليه بنبرةٍ أكثر تفهمًا رغم أنها جامدة:

"عارف يا وليد، و أنا قولتلك أني عاوزك معايا، احنا مش عيال في حضانة علشان نكون مش عاوزين حد معانا، أنتَ بقيت أخونا خلاص و هما مرحبين بيك، أنتَ مكسب لينا كلنا على فكرة"


رد عليه هو بنبرةٍ ممتنة:

"و أنا عارف حاجة زي دي، و ربنا يعلم أني حبتكم أوي و عاوز أبقى من عيلتكم دي بس بخاف والله"


ربت على كتفه وهو يقول بنبرةٍ حكيمة تماثل التي يتحدث بها معها:

"أحنا ربنا خلقنا بشر، مختلفين عن بعض يا وليد، أنا مش أنتَ و اللي أنا أحس بيه غيري ممكن ميكونش مدركه، و اللي أنا أقدر اتجاوزه في أيام غيري بياخده في سنين و العكس، و اللي أنا أشوفه موقف عادي غيري ممكن يسهر طول الليل يتوجع منه، لو احنا كبشر مش مدركين حاجة زي دا يبقى نسكت أحسن، و طول ما الحاجة وجعاك يبقى من حقك تشتكي منها مرة و اتنين و تلاتة، لحد ما تحس نفسك مرتاح، متخافش أنا مقدر موقفك و مش زعلان منك، بالعكس أنا فخور بيك و حاسس أني فرحان بأخويا الصغير، اللي عرفته عنك كبرك في نظري أكتر و شكرًا على كل حاجة عملتها مع خديجة، شكرًا علشان كنت سبب يجمعني بيها، لأن على حسب كلامك خديجة مكانتش هتطول معايا"


ابتسم له بامتنانًا حقيقيًا وهو يحرك رأسه موافقًا، فوجده يقول بنبرةٍ هادئة:

"أدخل نام يلا علشان بكرة اليوم كله هنقضيه سوا، و أعمل حسابك أخواتك كلهم هيكونوا معانا، ها أخواتك... ركز"


أومأ له موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"صدقني أنا مش عاوز أكتر من كدا و الله، كفاية إنكم معايا دي عندي بالدنيا"


وقف «ياسين» ثم قال:

"طب تعالى معايا علشان اجبلك حاجة تنام فيها، و أوريك أوضة العيال اللي هتنام فيها"


رمقه بحنقٍ عند كلمته الأخيرة مما جعل الأخر يرد عليه بوقاحته المعهودة:

"ما خلاص يا نجم، محسسني إن العيل كان هيبات الليلة دي في الأوضة، دا أنتَ غريب جدًا"


ابتسم له بسمةٍ يائسة ثم وضع ذراعه على كتفه وهو يقول بنبرةٍ مُحبة ظهرت بها عاطفته نحوه:

"تعالى يا ابن الحلال الله يرضى عليك، كان كفاية علينا عامر بقوا نسختين كتير عليا والله كدا"


ابتسم له «وليد» ثم سار معه نحو الغرفة، فتحها «ياسين» له ثم قال بفخرٍ:

"الأوضة دي ذوق خديجة خليتها تختار كل حاجة فيها علشان عيالها إن شاء الله، لسه فاكر شكل فرحتها و هي بتتكلم عن نفسها و هي أم، عينها كانت بتلمع و ساعتها اتأكدت إن خديجة هتبقى أعظم أم في الدنيا، و الأوضة دي ليها معزة خاصة عندي، علشان كل حاجة فيها مختاراها هي بحب و كأنها أم فعلًا"


رد عليه «وليد» بحبٍ:

"خديجة بتحب الأطفال أوي، بتحب تلعب معاهم و تديهم وقتها، كانت في العيد بتجيب اللعب و البلالين و توزعها عليهم بس من بعيد كدا علشان كانت بتخاف من الزحمة، بس أنا كنت بصلي و أقف معها كانت هي تديهم البلالين و أنا أفرقعها"


قال كلمته الأخيرة بمرحٍ جعل «ياسين» يضحك عليهما وهو يتخيل الموقف، بينما «وليد» تنهد بعمقٍ ثم قال:

"وحشني العيد والله، أيام بتكون حلوة، بس كل عيد بيكون فيه حاجة ناقصة، العيد اللي جاي دا هيكون حلو علشان حاجات كتير اتصلحت، و أهمهم إن جميلة رجعت البيت و هدير اتغيرت و خديجة اتعالجت و عبلة بقت معايا.....تصدق متشوق أوي للعيد دا"


قالها بشوقٍ ظهر في نبرته و ملامح وجهه و نظرة عينيه، بينما «ياسين» قال بنبرةٍ هادئة:

"و أنا كمان وحشني العيد، علشان أشوف عامر هيعمل فينا إيه السنة دي"

ضحك عليه «وليد» بعدما جملته الأخيرة بغموضٍ واضح، بينما «ياسين» قال بنبرةٍ هادئة:

"مسيرك يوم تتجمع معانا و تشوف بنفسك".

________________________


في شقة «خالد» في الليل، استيقظ ابنه ليلًا يبكي لأنه بمفرده، حينها خرج هو له ثم قام باعداد الطعام له و بعدها أخذه نحو المرحاض، بعدها أخذه على ذراعه يدور به حتى نام من جديد على ذراعه، بعدها تنهد هو براحةٍ ثم ذهب به نحو فراشه مرةً أخرى، وضعه بالفراش ثم وقف يتابعه و رغمًا عنه وجد نفسه يبتسم بحبٍ وهو يرى نسخةً مصغرةً منه، هو من أغلق قلبه لعدة سنوات يهرب من الحب و مسئولية تولي بيتًا أخرًا، ها هو يقف أمام صغيره الذي يشبهه إلى حدٍ كبير، تنهد هو بعمقٍ حينما تأكد من نومه، ثم ترك الغرفة حتى يطمئن على زوجته، أخفض نفسه لمستوى نومها ثم وضع يده يتحسس حرارتها، فوجدها انخفضت بدرجةٍ ملحوظة بعدما قام هو بعمل الكمادات الطبيةِ لها، جلس بجانبها بعدما قرب المقعد بقرب الفراش، ثم أمعن نظره في وجهها وهو يتذكر قصتهما معًا، و قصة حبهما التي ولدت رغمًا عنه و عن قلبه، الذي خشى قربها منه، حينها رفع يده ثم وضعها على رأسها، و كأنه يتأكد من وجودها بجانبه.


(منذ عدة أعوام قليلة) 


كان حينها «خالد» يشعر بالتخبط في مشاعره، و طلب من والدته أن تبحث له عن عروسًا حتى يتزوجها، لا يدري لماذا طلب مثل هذا الطلب، لكنه شعر بأنه يريد لمن يقاسمه العمر القادم، حينها كانت «ريهام» في زيارةً عند خالتها التي تسكن في نفس بيت «خالد»، و ذات يوم دخلت والدته غرفته بعدما عاد من عمله وهي تقول بنبرةٍ متحمسة:

"واد يا خالد، ابسط لقيت طلبك خلاص اللي أنتَ عاوزه"


انتبه لها وهو يقول بتعجبٍ:

"في إيه يا ماما؟ لما بتتحمسي كدا أنا بخاف، استر يا رب"


ردت عليه هي بنبرةٍ متريثة بعدما جلست أمامه:

"يا واد أسمعني، أنتَ مش طلبت مني عروسة؟"


رد عليها هو بحنقٍ:

"طلبت منك عروسة يوم الحد اللي فات جبتيها الخميس إزاي؟ هو أنتِ مخاوية جن؟"


ردت عليه هي بضجرٍ:

"ما تلم نفسك بقى يا زفت، دي عروسة إسمها ريهام، بنت أخت فاتن جارتنا اللي فوق و جاية علشان أبوها عاوز يجوزها معلم من الصعيد بالعافية، أصله صعيدي و دماغه قفل"


رد عليها هو بسخريةٍ:

"يعني هو صعيدي و دماغه قفل و بنته مسدتش قصاده، العبد لله هو اللي هيسد يعني؟"


ردت عليه تؤكد حديثه:

"أيوا هتسد لما يعرف إنك عاوزها وبعدين هو أنتَ ناقصك إيه؟ شقتك و موجودة و العمارة دي كلها بتاعتنا و شغل و ربنا كرمك و شغال بشهادتك، يبقى ليه لأ؟ دي بنت حلال يا خالد و شكلها مكسورة الجناح يا بني، وافق و اكسب فيها ثواب من اللي هيتجوزها دا"


زفر هو بقوةٍ ثم حرك رأسه موافقًا على مضضٍ، و بعدها تم تحديد المقابلةِ الخاصة بهما حتى يتم التعارف، جلسا سويًا و حينها لم يستطع رفضها أو التهرب منها، كانت فتاةٍ صغيرة تخرجت من جامعتها هذا العام، رغم أن حديثهما سويًا كان مقتضبًا إلا أنه شعر براحةٍ غريبة تسكنه، حتى عينيها كانت تطالعه بنظرةٍ جعلته يجزم أن تلك العيون لم يرى مثيلتها في حياته، و على الرغم من ذلك تصنع الثبات و الجمود و كانت حجته أن تلك الزيجة فقط حتى لا تقع ضحية ذلك الملقب بأبيها، خصيصًا بعدما رآه و علم أنه رجلًا غليظ القلب سليط اللسان، و بعد مرور شهرٍ فقط تمت الزيجة بينهما، كان هو يخشى التقرب منها حتى لا يقع بحبها، كان حينها مسئولًا عن أسرته و أسرة صديقه، و خشى أن يقصر في حقهم، و الخوف الأكبر خشى أن تتركه بعدما يحبها كما تركه والده، فأصبح مصابًا بخوف الفقد، كما أنه اضطر لتصنع الجمود طوال عمره حتى يستطع تحمل مسئولية من هم على عاتقه، خوفه من الحب، جعله يصدمها ليلة زفافهما بقوله الصادم الذي اوقع أحلامها أرضًا:

"بصي أنا مش عارف إزاي إحنا وصلنا لغاية هنا، خصوصًا أني بخاف من العلاقات و المسئولية، أنا كملت لحد هنا علشان والدك و علشان مرضاش إنك تتجوزي جوازة زي اللي كان هيجوزهالك دي، أنا أسف بس أنا مبحبش أكدب على حد، خصوصًا في المشاعر، عن إذنك، أنا هنام في الأوضة التانية علشان تكوني براحتك"


قال حديثه لها بثباتٍ يُحسد عليه، بينما هي كانت تطالعه بدهشةٍ من خلال عينيها الدامعة، و زادت لمعة الدموع أكثر حينما رآته ينسحب من أمامها تاركها في الغرفةِ بمفردها بفستان زفافها و يرافقها خيبة الأمل، فها هو من أحبته حقًا و تمنت قربه طوال حياتها منذ أول مرةٍ أتت بها عند خالتها منذ كانت في المرحلة الثانوية، ها هو يخبرها أنها لن تصبح زوجته، حينها بكت بقوةٍ ثم رفعت كفيها تضعهما على فمها حتى تكتم شهقتها، بينما هو كان في الغرفةِ المجاورة لغرفتها، ارتمى على الفراش وهو يشعر بالذنب نحوها، لكنه يرى أن ذلك هو الأفضل لهما، من المؤكد سيأتي يومٍ و تتركه، إذن فلتتركه كما هي، استمر الوضع هكذا بينهما لمدة شهرين، كانت طوال تلك الفترة تبتعد عنه، حتى أنه كان دائم العبوس في وجهها،  و في ليلةٍ من الليالي قرر مصارحتها أن مشاعره بدأت تنجذب نحوها، حتى فاجئته في نفس اليوم بقولها الصادم قبل اعترافه هو لها:

"أنا عارفة إنك عملت كدا علشان تلحقني منهم و كتر خيرك لحد كدا، بس شهرين حلوين أهو يخلوني أسيبك من غير ما الناس تتكلم، علشان كدا عاوزاك تطلقني"


طالعها هو بدهشةٍ فوجدها تقول بنبرةٍ شبه باكية:

"كفاية لحد كدا، شهرين عايشين زي الغرب و أنا كأني تُحفة موجودة في الديكور هنا، أنا عشمت نفسي من الأول و استاهل العقاب، علشان كدا هريحك من الحِمل دا و عاوزاك تطلقني و أنا هقول أني مقدرتش قيمتك و أنا اللي غلطانة"


اقترب منها يقف مقابلًا لها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:

"يعني إيه عاوزة تسيبيني؟ دلوقتي في نفس اليوم اللي أنا جاي فيه أقولك أني...."


صمت هو أمام نظرتها الجامدة التي تطالعه بها، فمهما قيل في تلك اللحظة سيضع في اعتبار المجاملة، حينها ابتعد عنها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:

"أنا مش هطلق، على الأقل دلوقتي، و البيت دا هيفضل بيتك"


قال جملته ثم تركها و خرج من الشقة تاركها خلفه تبكي بقوةٍ، بينما هو خرج من الشقة وهو يشعر بالاختناق، لماذا يخالفه الوقت كل مرةٍ، ها هو الآن أصبح مشغولًا بها، بينما هي ارتمت على الأريكة و من كثرة البكاء غفيت مكانها، عاد هو لها قبل الفجر، فوجدها تغمغم بعدة كلمات غير مفهومة و درجة حرارتها مرتفعة بشدة، حينها اقترب منها وهو يشعر بالخوف عليها، ثم وضعها على الفراش وهو يقوم بعمل الكمادات الطبيةِ لها، حتى الصباح وهو جالسٌ بجوارها، حينها أتت شقيقتها لها حينما حاولت التواصل معها لكن دون جدوى، اضطر هو في ذلك الوقت لمغادرة الشقة حتى تسطتع شقيقتها الجلوس معها، و لكنه رحل و ترك قلبه عندها، حينها ذهب عند «ميمي» ثم جلس بجانبها يبكي بقوة وهو يخبرها بما صار منه لها، حينها وبخته هي و طلبت منه العودة لزوجته و يجلس بجوارها حتى تفيق من أزمتها، عاد هو راكضًا لها، وجد شقيقتها معها، حينها قال لها معتذرًا:

"معلش يا آنسة روان حضرتك كدا تمشي و أنا هاي بالي من مراتي، كفاية تعبك لحد كدا"


ردت عليه هي بنبرةٍ جامدة:

"وهو حضرتك هتعرف تخلي بالك منها؟ أكيد مش هتقدر و إلا مكانتش تعبت من الأول"


رد عليها هو بهدوءٍ ممتزج بضيقٍ طفيف منها:

"طيب أنا بشكرك أهو و بقولك شكرًا لحد كدا و لو أنا احتجت وجودك هكلمك، أظن دي مراتي يعني مش هأذيها"


تركته هي على مضضٍ ثم غادرت الشقة، بينما هو دلف لزوجته الغرفة، فوجدها تجلس على الفراش و عينيها مصطبغة باللون الأحمر من كثرة البكاء، جلس هو مقابلًا لها على الفراش فوجدها تحرك رأسها للجهة الأخرى حتى لا تلتقي بعينيه، حينها حرك هو رأسها للأمام وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"طب بصيلي طيب، هو صحيح أنا حيوان و زبالة و واطي، بس بصيلي"


طالعته بعينيها التي نظرت له بلومٍ و عتابٍ و اضح، فقال هو بعدما زفر بقوةٍ:

"أنا يا ستي خالد اللي أبوه سابه وهو عيل صغير و في رقبته أمه و أخته و صاحبه و أهل صاحبه، لحد دلوقتي لسه موته مأثر فيا، بخاف أحب حاجة أو حد يسيبني، مش عارف ليه طلبت من أمي أتجوز و طلعتي أنتِ أول بختي، و اللي خوفت منه حصل، حبيتك و اتعلقت بيكي، افتكرت نفسي معنديش مشاعر أديهالك و خوفت بعدما أحبك تسيبيني، دلوقتي أنا جربت دا مرتين، مرة لما طلبتي مني أسيبك و مرة لما تعبتي و أنا سهران جنبك أعملك الكمادات، ريهام أنا بحبك، و يمكن أكون حبيتك من أول مرة شوفتك فيها بس والله بحبك و عاوزك معايا متسيبينيش، ينفع تديني فرصة تانية؟"


وهو يتحدث رغمًا عنه نزلت دموعه، بينما هي مسحت دموعها ثم قالت له بنبرةٍ جامدة:

"اللي أنتَ عملته فيا دا مكانش غلط لوحدك، دا كان غلطي أنا، انا اللي استاهل علشان وصلت معاك لهنا"


أمسك هو كفها وهو يقول متوسلًا لها بنبرةٍ شبه باكية:

"والله العظيم دا غلطي أنا، أنا بحبك و عاوزك معايا علشان خاطري متعمليش فيا أكتر حاجة خوفت منها و هي إنك تسيبيني، والله العظيم ما هقدر على فراقك و لا هستوعب إنك مش معايا أصلًا، سامحيني و أديني فرصة"


بكت هي رغمًا عنها فوجدته يأخذها بين ذراعيه ثم قال بنبرةٍ باكية:

"علشان خاطري متمشيش... متخليش خالد الصغير اللي لقى نفسه معاكي هنا يضيع مني تاني، ريهام أنا بحبك والله بحبك"


(عودة إلى الوقت الحالي)


تنهد هو بعمقٍ حينما عاد من رحلة ذكرياته، و هو يتذكر بعدها شهر العسل و كيف أستطاع أن يمحو تلك الذكريات التي مرت عليهما، و لولا أنها تتمتع بقلبًا طيبًا لما كان معها الآن، وهي أمامه و صغيره في الغرفة المجاورة لهما، حينها مد ذراعه ثم ربت على رأسها بعدها اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال و كأنه يحدثها بنبرةٍ هائمة:

"سبحان الله، اللي تخاف منه ميجيش أحسن منه، أخاف من حبك و يطلع هو أأمن حاجة في الدنيا كلها، حبك اللي حياني و خلاني أحس، حبك اللي خلاني أب، كنت ليا العنوان و أنا تايه في الدنيا، و هتفضلي أنتِ كل حاجة حلوة، علشان بوجودك رجع معاكي الحلو كله، يا أحلى ما جِه في العمر كله"


ابتسمت رغمًا عنها وهي نائمة، حيث كانت تتنصت على حديثه وهو يحدثها بتلك النبرة، بينما هو ابتسم لها ثم قال بنبرةٍ مرحة:

"عارف إنك صاحية، عينك عمالة تتحرك و تبربشي، قومي و طمنيني عليكِ يا نور البيت"


فتحت عينيها تطالعه بوهنٍ وهي تقول بنبرةٍ هادئة ظهر بها تعبها:

"يعني بعد كلامك دا بصراحة اطمن أنا تمام و زي الفل، بس إيه دا يا خالد بجد، طلعت بتحبني مش بتاخدني على قد عقلي"


رد عليها هو بنبرةٍ ساخرة يشوبها مرحٍ طفيف:

"باخدك على قد عقلك إزاي يا عبيطة أنتِ، أنا مليش غيرك في الدنيا دي، خالد ملقاش نفسه غير معاكي و دنيته كلها عيونك أنتِ، دي البصة فيهم تحيي الميت و ترد الروح، و أنا الروح بترد فيا ببصة منهم يا ريهام"


فرت دموعها رغمًا عنها تأثرًا بحديثه، فوجدته يمد يده ثم مسح دموعها وهو يقول بنبرةٍ هادئة و لكنه يلوم نفسه بها:

"متعيطيش تاني بسببي، كفاية اللي حصل أول جوازنا أنا مش ناسيه و مش مسامح نفسي عليه، بس أنا بحبك و عارف إنك بتحبيني"


اعتدلت هي في وضعها، حتى جلست على الفراش وهو يتابعها باهتمامٍ بعدما انكمشت المسافةِ الواقعةِ ما بين حاجبيه، بينما هي فتحت له ذراعيها وهي تبتسم له، ابتسم لها هو الأخر ثم ارتمى بين ذراعيها، فوجدها تربت على ظهره و كأنها تهدهد صغيرها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

"أنا بحبك يا خالد، و اللي حصل أنا مقدراه، علشان أنا قعدت معاك شهرين مشوفتش فيهم حاجة وحشة منك، كنت بتعاملني بكل أدب و احترام، رغم إن دا اللي المفروض يحصل، بس الناس من كتر قلة الأدب و قلة الاحترام، بقت بتستغرب، غيرك كان ممكن يستغلني، لكن أنتَ حافظت عليا لحد ما بقيت مراتك و حبيبتك، اطمن مسامحاك و بحبك يا سيدي"


شدد هو مسكته لها وهو يقول بنبرةٍ متألمة:

"لما تعبتي تاني فكرني بأول مرة تعبتي فيها، اتأكدت أنا ليه مسميكي نور البيت، البيت ضلمة من غيرك أوي، و ملوش لازمة كمان"


أبتسمت هي بشدة، فوجدته يضيف:

"يونس كان عمال يعيط عليكي برة و يقول عاوز ماما، أقولك على حاجة؟ كنت هعيط أنا كمان و أقوله أنا عاوز ريهام، أنا و الواد ملناش غيرك، فوقي بقى يا ستي"

ربتت على ظهره وهي تقول بنبرةٍ مرحة:

"فوقت والله خلاص، الحمد لله بقيت أحسن كتير، البركة فيك"

________________________


في صباح اليوم التالي بعد انتهاء تلك الليلة على الجميع، تحديدًا في شقة «ياسين» استيفظ «وليد» بضجرٍ صباحًا ثم خرج من الغرفة وتوجه نحو المرحاض وهو يسعل بشدة من رائحة البخور، بعدها خرج من المرحاض فوصله صوت «ياسين» من المطبخ وهو يقول بنبرةٍ عالية:

"تعالى يا وليد افطر معانا، احنا في المطبخ"


دلف هو لهما فوجدهما يجلسان معًا على الطاولة في المطبخ، بينما وقفت هي تقول بنبرةٍ فرحة:

"صباح الخير يا روح قلبي، طمني عرفت تنام كويس؟"


طالعها «ياسين» بتعجبٍ، بينما هو ابتسم لها ثم حرك رأسه موافقًا، فقالت هي بنفس الحماس:

"اقعد بقى علشان اصبلك الشاي باللبن اللي بتحبه و افطر معانا"


سحب هو المقعد المجاور لمقعد «ياسين» ثم جلس عليه، بينما هي عادت لهما من جديد تجلس مقابلةً لهما بعدما أحضرت له المشروب، فقالت وهي تجلس:

"بس أنتَ صاحي بدري مش عادتك يعني؟ خير"


رد عليها هو بحنقٍ:

"عاملة اللي عملاه دا كله و مش عاوزاني أصحى بدري؟ مشغلة القرآن على أخره، و مولعة بخور و عمالة تجري في كراسي، في إيه هو أنا نايم في الحسين؟"


رد عليه «ياسين» بسخريةٍ:

"دي أقل حاجة عندنا، فيه بقى تنفيض ساعات بس دا مدخلش في المنيو النهاردة علشان حضرتك منورنا، منور بيت أخوك يا وليد"


تدخلت هي تقول بنبرةٍ متعجلة:

"طب يلا أفطروا علشان تنزلوا تصلوا علشان نشوف هنقضي اليوم إزاي"


رد عليها «ياسين» بثباتٍ:

"لأ ما هو أنا و وليد و الرجالة هنقضي اليوم عند ميمي، مع نفسك أنتِ بقى يا كتكوتة"


ردت عليه هي بلامبالاةٍ:

"أحسن برضه، أهو أقعد أخلص الحلقات اللي اتراكمت عليا بسببك، و أشغلها على الشاشة كمان"


رد عليها هو بحنقٍ:

"أنا مظبط الشاشة مش عاوز عبط، والله لو بوظتي حاجة فيها هتبقى وقعتك طين"


تحدثت هي منفعلة في وجهه:

"قولتلك دي شاشتي جايباها بفلوسي، أنتَ بتتحكم بأمارة إيه"


قبل أن يرد عليها هو تدخل «وليد» يقول بطريقةٍ تمثيلية:

"لأ لأ لأ.....مش أسلوب دا يا جماعة، أنا بقول نجيب القايمة و نشوف لينا إيه و عليكم إيه"


رد عليه هو بسخريةٍ:

"ماهو أنا موكوس مضيت على القايمة من غير ما أبص حتى، واخد سمك في مياه يعني"


شهقت هي بقوةٍ بينما «وليد» رد عليه بتهكمٍ:

"مش مشكلتنا إنك عبيط بقى، حد قالك تمضي من غير ما تراجع، استفدت إيه حضرتك؟"


نظر لها فوجدها تطالعه بحنقٍ حينها اقترب على الطاولة حتى ينظر لها ثم استند عليها بمرفقيه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

"دا أنا أمضي على عمري كله قصاد بصة من عيونها، دا أنا أبيع الدنيا كلها و مشتريش غير خاطرها، إحنا عاوزين ننول الرضا، و لا إيه يا كتكوتة؟"


أبتسمت له بخجلٍ وهي تقول بنبرةٍ خافتة:

"نعم؟"


رد عليها هو بمشاكسةٍ:

"أنعم الله عليكي، عرفيه أني ممكن أبيع الدنيا علشانك، عرفيه إنك الفراشة بتاعتي اللي ربنا كرمني بيها"


طالعهما «وليد» بتعجبٍ و كأنه يسأل نفسه على ما يراه حقيقيًا؟،و قبل أن يغوص في تفكيره أكثر من ذلك وجدها تقول بخجلٍ:

"عارفة، و عارفة كمان أني مليش غيرك يا سيدي، فداك الشاشة و صاحبة الشاشة كمان، المهم إنك تكون بخير"


اقترب منها هو حتى يقبلها بعدما ابتسم لها بعد حديثها فوجد «وليد» يقول منفعلًا:

"فيه إيه يا جدعان؟ هو أنا مش مالي عينكم؟ و أنتَ يا زفت احنا رايحين نصلي الجمعة لم نفسك على الصبح"


عاد هو للخلف وهو يقول بخجلٍ:

"لا مؤاخذة نسيت إنك هنا، و بعدين فيه أيه؟ هو اللي عم محمد بيعملوا فيك هتيجي تطلعه عليا هنا ولا إيه؟"


اخفضت رأسها هي بخجلٍ منهما، فوجدت «ياسين» يقول بنبرةٍ عادية:

"بصي علشان احتمال نتأخر عند ميمي، هوديكي عند الحبايب علشان متقعديش لوحدك تاني"


طالعاه بتعجبٍ، بينما هو قال بمرحٍ:

"هتروحي عند بابا رياض و ماما زُهرة، و أنا بليل هاجي أخدك بعدما نقضي اليوم مع ميمي"


أومأت له موافقةٍ بإيماءةٍ بسيطة، و بعد مرور دقائق، خرجا من الغرفة و كليهما يرتدي جلبابًا باللون الأبيض يتطابق مع الأخر، كانت هي جالسةً في غرفة الصالون حتى خرجا سويًا، حينها اقتربت منهما وهي تقول بنبرةٍ مختنقة من فرحتها بـ هيئتهما:

"شكلكم حلو أوي، إيه العسل دا؟ ياسين و وليد لابسين زي بعض و رايحين يصلوا، بجد شكلكم حلو أوي"


رد عليها «ياسين» يمازحها:

"أي خدمة ليكي و ليه، لابس جلبيتي أهوه، ها يا حبايبي تحبوا حاجة تانية؟ المهم أنكم تكونوا فرحانين"


اقتربت منه هي ثم احتضنته وهي تقول بنبرةٍ ممتنةٍ له:

"ربنا يخليك لينا و تفضل علطول معانا يا ياسين، أنا مش عاوزة غير كدا، و مش هيفرحني غير كدا"


احتضنها هو بقوة ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"و أنا عيوني ليكي طول ما أنتِ فرحانة، و مش عاوز غير كدا منك، كفاية إن عينك تفرح"


ابتعدت عنه وهي تبتسم بخجلٍ، فوصلها صوت «وليد» يقول بمرحٍ ساخر:

"يا حبايبي !! فتحتوا نفسي على الجواز والله، هتخلوني أروح أحدد معاد الفرح"


أخذها «ياسين» أسفل ذراعه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

"دا لازم يحصل أصلًا، أسمع مني مفيش أحسن من إن ربنا يكرمك بنصك التاني في بيت واحد، فكرة مريحة أوي للأعصاب"


رفعت رأسها تطالعه وهي تقول بنبرةٍ ساخرة:

"أوي يا وليد، مفيش قمص و لازعل، و لا مناقرة، أسألني أنا"


رد عليها «ياسين» بمرحٍ:

"ماهو دي أحلى حاجة علشان منملش، و بعدين أنا بنكد بالأغاني، هتلاقي زيي فين"


ابتسم «وليد» عليهما، بينما هو فتح ذراعه الأخر وهو يقول:

"تعالى في حضن أخوك ياض يا وليد، عارف أنتو محتاجين احتواء"


اقترب منه «وليد» فوجده يحتضنه هو الأخر وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"اعتبروني كل حاجة ليكم، افتكروا دايمًا إن ياسين في ضهركم و أني معاكم انتم الاتنين، مش عاوزكم تخافوا ولا تزعلوا من حاجة طول ما أنا معاكم"

ابتسم كليهما وهما ينظران لبعضهما، بينما هو شدد ضمته لهما وكأنه يؤكد صدق وجوده معهما بذلك.

_________________________


في الأسفل اجتمع الشباب معًا و معهم «يونس» و كعادتهم يرتدون نفس الشيء حتى «وليد» كان يرتدي مثلهم، و فجأة نظر للصغير وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"ابنك شبهك يا خالد، ما شاء الله ربنا يبارك فيه و يحفظهولك"


رد عليه «خالد» بنبرةٍ هادئة:

"حبيبي، ربنا يكرمك و تشوف عيالك أنتَ كمان"


تدخل «عامر» يقول بمرحٍ:

"و يكرمني و أشوف عيال ياسر يا رب، يا رب يطلعوا زيه و عينهم زرقا، هعمل بيهم مصالح على السياح"


ضحكوا عليه جميعًا بينما «ياسر» تحدث يقول بحنقٍ:

"يمين بالله كرهتهم من قبل ما يجوا، جرى إيه يالا، مش وراك غير عيالي؟"


تدخل «ياسين» يقول بمرحٍ:

"الحمد لله عيوني مش زرقا، كان زمان عامر ماسك فيا و في عيالي"


تدخل «خالد» يقول بنبرةٍ هادئة:

"طب يلا علشان نحلق نصلي علشان ميمي مفطرتش، و مستنية نفطر معاها، يلا بينا"


رد عليه «ياسين» مردفًا:

"احنا بعد الصلاة هنروح نوصل خديجة عند أمي علشان عاوزة تشوفها، و بدل ما تقعد لوحدها"


أومأ له الجميع بموافقةٍ، ثم ساروا نحو المسجد، حتى يلحقوا صلاة الجمعة، و بعد الصلاة خرجوا من المسجد و حينها بكى الصغير حتى يذهب لـ «ياسين»، لكن ما حمله كان «وليد» وهو يقول بمرحٍ:

"تعالى ليا أنا بحب الأطفال، ياسين بياكلهم"


ضحكوا عليه بينما الصغير وضع رأسه على كتفه، حينها شعر «وليد» بشيئًا غريبًا كما أن ضرباته تسارعت، حينها رفع ذراعه ثم وضعه على ظهر «يونس» ثم ابتسم بحبٍ لم يستطع السيطرةِ عليه، بينما هم طالعوه بحبٍ، فتدخل «ياسر» يقول بمرحٍ يمازحه:

"مبروك عليك يا وليد، لبست في يونس خلاص، كدا مش هيسيبك تاني"


تدخل «خالد» يقول بنبرةٍ مسرعة:

"طب يلا علشان ميمي اللي مستنية دي، عاوزين نحلق نروح ليها"


رد عليه «ياسين» مردفًا:

"خلاص زي ما قولتلك روحوا أنتم و أنا هوصل مراتي و أجي وراكم مع وليد"


اقترب «خالد» يأخذ ابنه من على كتف «وليد» لكنه عارض و تمسك به أكثر، حينها قال «وليد»:

"خلاص خليه معايا أدينا بنتعرف على بعض يا خالد"


أومأ له موافقًا ثم قال بهدوء:

"طب يا عم طالما مسك فيك كدا يبقى حبك، الواد دا بيفهم في الناس شكله كدا، علشان كدا مسك فيك"


ضحكوا عليه جميعًا، بينما «ياسر» قال:

"يلا هنروح إحنا متتأخروش علينا، هنستناكم علشان نفطر"


تدخل «عامر» يقول بضيقٍ:

"يوه بقى، كان نفسي ندخل سوا بالفطار، متتأخرش يا زفت أنتَ وهو هنستناكم"


كان يتحدث وهو يتحرك من أمامهما مع صديقيه، بينما «وليد» رفع صوته وهو يقول بمرحٍ:

"حبيبي يا عامر اسبقني على السُفرة و أنا هجيلك"


ضحك الجميع على تلك الكلمة حتى «عامر» نفسه، ثم توجهوا نحو سيارة «خالد»، بينما «ياسين» أخرج هاتفه يطلب زوجته حتى تنزل له لكي تذهب عند والديه، و بعد مرور بعض الوقت، أوقف السيارة أسفل بناية أسرته، فقالت هي بنبرةٍ حائرة:

"طب أنا هطلع أعمل إيه طيب من غيرك؟ أكيد عمو عاوز يرتاح هو و طنط يا ياسين"


رد عليها هو ينفي حديثها:

"يا ستي والله هما اللي طالبينك أصلًا، و بعدين فيها إيه من غيري يعني، أحنا هنقضي اليوم مع ميمي و هرجعلك تاني"


أومأت له موافقةٍ ثم نزلت معه من السيارة، و خلفهما «وليد» بعدما رفض عدة مرات الصعود، لكن «ياسين» كان الأقوى حينما فرض عليه الصعود معه و على كتفه «يونس»، بعدها توجهوا نحو الشقة، ففتح «رياض» الباب و حينما شاهدهم قال بنبرةٍ جامدة:

"بقى دي أخرتها يا أستاذ ياسين؟ تاخد بنتي لحم و ترمهالي عضم و كمان جايبهالي لحد باب بيتي؟ طب اتكسف على دمك، بس على مين دا أنا محامي و حياة أمك لأبهدلك في المحاكم"


طالعته هي بفاهٍ مفتوح، بينما «وليد» اقترب منه يقول بنبرةٍ هامسة:

"هو الحج ماله يا ياسين؟ هو ملبوس ولا إيه؟ أنا خايف"


رد عليه هو بنفس الهمس:

"الحج غاوي أفلام عربي، بس اصبر هينزل بمشهد الأرض دلوقتي و الستاير تنزل و خلاص"


قطب جبينه فوجد «رياض» يضيف:

"أومال لو مش قبولك الوحيد كنت عملت فيها إيه؟ دا أنتَ حاطط جنب أسمها كوكب و قلب أبيض، دا أنتَ....."


_"متربتش...أنا متربتش يا حج، خلاص بقى الناس واقفة مش عاوزين فضايح"

رد عليه هو بذلك حتى يقاطع حديثه، بينما «رياض» زفر بقوةٍ ثم قال بمرحٍ:

"نورتوا البيت يا حبايبي، اتفضلوا معلش كنت بهزر مع الجحش ابني، أنتو كويسين"


ضحكوا عليه جميعًا، بينما هو حرك رأسه ينظر لـ «وليد» وهو يقول مرحبًا به:

"إزيك يا وليد واقف بعيد ليه يا حبيبي، تعالى سلم على عمو رياض"


أعطى «وليد» الصغير لـ «ياسين» ثم اقترب منه يعانقه وهو يقول بنبرةٍ مرحبة هو الأخر:

"حبيبي يا عمو رياض و حشتني والله، اخبارك إيه"


رد عليه هو بنبرةٍ مرحة:

"أنا كويس أوي الحمد لله، طول ما ياسين بعيد عني عني أنا مرتاح، و طالما شوفت قبول ابني الوحيد و أنا مبسوط"


أبتعد عنه «وليد» يطالعه بتعجبٍ  فوجده يقول مفسرًا:

"خديجة أختك، ابني مسميها على التليفون قبولي الوحيد، قولي بقى أنتَ عندك قبول وحيد؟"


_"لأ يا عمو، أنا استثناء وحيد، و في بعض الأحيان سوبيا"

رد عليه «وليد» بذلك بنبرةٍ ثابتة و كأنهما يتحدثان عن موضوعًا في غاية الأهمية، و هما خلفهما يضحكا بتعجبٍ، بينما «رياض» قال بمرحٍ:

"في نفس المنطقة يعني؟ متخافش هفضحك قريب إن شاء الله، زي ما فضحت ابني"


رد عليه هو بنبرةٍ ممتنة:

"حبيبي يا عمو رياض، دا العشم برضه، تسلم"


تدخل «ياسين» يقول بضجرٍ:

"المهم أمي أنا فين؟ خلونا نخلص"


رد عليه والده بنبرةٍ عادية:

"بتصلي جوة، بس هي بتصلي السنة و الفرض علشان كدا بتطول، قولي بقى خير"


رد عليه مُفسرًا:

"هنقول تاني، رايحين عند ميمي نقضي اليوم هناك، و بعدها هاجي أخد مراتي، مش أنتو عمالين تقولوا وحشتنا، جبتهالكم أهيه"


أمسك «رياض» ذراعها يسحبها نحوه وهو يقول بمرحٍ:

"أيوا هي أحسن منك، بتكلمني كل يوم تطمن عليا قبل حلقة المسلسل، مش زيك يا واطي"


ابتسمت له هي، بينما «وليد» حاول كتم ضحكته، أبان ذلك قال «ياسين» بحنقٍ:

"هو أنتَ مخلفني علشان تهزق فيا؟ إيه دا؟ أنا ماشي يا سيدي"


رد عليه هو بنبرةٍ هادئة:

"أمشي أنتَ مع السلامة و هات يونس يقضي اليوم معانا"


رد عليه هو بقلقٍ:

"بلاش علشان خالد ميزعلش، خليها مرة تانية"


رد عليه هو بضجرٍ:

"هيزعل من إيه يعني؟ علشان قاعد مع جده، هاتوا يا ياسين هو وحشني أوي، و أنا هقول لخالد"


أعطاه له وهو يقول بنفس القلق:

"أنتَ حر، أنا همشي بقى، بابا حطهم في عينك، و ابقى خلي خديجة تاكل علشان هتتكسف أنا عرفتك أهوه"

قال جملته ثم أغلق باب الشقة بعدما كان واقفًا على أعتابه برفقة «وليد» بينما هي نظرت في أثره بتعجبٍ ثم حركت رأسها بيأسٍ منه، فوجدت «زهرة» تقترب منها وهي تقول بلهفةٍ و شوق:

"حبيبة قلب ماما، و حشتيني أوي يا خديجة"


احتضنتها «خديجة» بحبٍ وهي تقول بنبرةٍ مشتاقة:

"و حضرتك وحشتيني أوي يا ماما زُهرة، عاملة إيه طمنيني"


ردت عليه هي بحبٍ بعدما ابتعدت عنها:

"أنا كويسة و فرحانة علشان شوفتك، قوليلي ياسين مزعلك؟ أوعي يكون بيضايقك؟"


ردت عليها هي بنبرةٍ هادئة:

"خالص يا ماما، ياسين مبيزعلنيش الحمد لله و يارب أنا كمان مزعلهوش"


ربتت على وجنتها بحبٍ وهي تقول بنبرةٍ مُحبة:

"ربنا يخليكم ليا، و يفرحني بولادكم إن شاء الله، تعالي بقى علشان نحضر الغدا طالما ياسين مش هنا"

أومأت لها موافقةً، ثم لحقتها نحو الداخل، بينما «رياض» جلس على الأريكةِ و في يده الصغير يقوم بهدهدته و الأخر يضحك له بقوةٍ.

_______________________


في شقة «ميمي» دلفا معًا و كالمعتاد توسعت حدقتيهما، بينما «وليد» قال بحنقٍ:

"يمين بالله تعبت للسفرة دي، لو بتنطق كانت قالت كل الشتايم اللي وردت في القواميس و المجاميع و الأراطيس كمان، خشبها منين السُفرة دي؟"


رد عليه «ياسين» بنبرةٍ ضاحكة:

"معمولة عمولة في دمياط، تعالى بس نشوف أخرتها إيه"


اقتربا من الطاولة فتحدث «ياسين» يقول بحنقٍ:

"ها يا خالد عمل فيك إيه؟" 


رد عليه بنبرةٍ متريثة:

"عمل فينا كلنا، البيه كان هيموتنا"


تدخل «وليد» يقول بتعجبٍ:

"أنا مستغرب أصلًا، إزاي ربنا مطول في عمرنا و عامر معانا، علشان لو مروحناش بسبب مصايبه هنروح فيها بسبب بجلطة"


رد عليه هو بخوفٍ:

"إيه يا وليد، هو ناقص تسخنه عليا؟ ما تقول كلام عِدل يا عم"


تدخل «ياسر» يقول بحنقٍ:

"ما هو أبدأ أنتَ بالعدل و إحنا هنبدأ معاك، لكن أنتَ مصمم تشلنا كلنا"


تدخل «ياسين» يقول بضيقٍ:

"ما تنطق يا زفت منك ليه، هبب إيه هباب الطين دا"

رد عليه «خالد» بحنقٍ:

"أنا هقولك يا سيدي هبب إيه"


(قبل ذلك الوقت)


كان «خالد» في المطبخ يقوم بتحمير البطاطس حتى يتناولوها على الفطار، و بعدما انتهت أخرجها من المقلاة و قبل أن يضع الأخرى صدح هاتفه برقم شقيقته، انتاب القلق قلبه خصيصًا أنها تجلس برفقة زوجته، رفع صوته يُنادي صديقه وهو يقول:

"تعالى يا عامر لحد ما أرد على التليفون، تعالى بسرعة"

أبان حديثه أطفأ النيران أسفل المقلاة، و حينها دلف «عامر» وهو يقول بنبرةٍ عادية:

"نعم يا خالد، عاوز إيه يا سيدي"


رد عليه هو بنبرةٍ متعجلة:

"بص هكلم إيمان علشان أتطمن على ريهام طالما هما رنوا عليا، أنا قفلت البوتجاز، شغله أنتَ و لما الزيت يسخن حط البطاطس دي، أنا مصفيها، بس بسرعة ياسر تحت بيجيب الفطار"


أومأ له موافقًا ثم اقترب من البوتجاز يقوم باشعال النيران، ثم التفت ينظر خلفه و حينها حك فروة رأسه بيده وهو يقول بنبرةٍ تائهة:

"هو قالي أحط المياه على البطاطس إمتى؟ وهي في الزيت؟ يوه بقى"


بعدها انتظر حتى سخن الزيت على النيران و لكنه وصل لدرجةً كبرى، حينها وضع المياه على البطاطس ثم ألقاها في الزيت، و مع قوة المياه و ارتفاع درجة حرارة الزيت، ارتفعت النيران فوق المقلاة حتى وصلت لسقف المطبخ، حينها صرخ بقوة و بملء صوته:

"يــــا خـــالــــد، إلـــــحقني"


(عودة إلى الوقت الحالي)


وجههوا جميعهم بصرهم نحوه وهو يزدرد لُعابه بخوفٍ، فأضاف «خالد» من جديد:

"قولولي يا رجالة أنا أعمل إيه؟ تحبوا أخلص عليه دلوقتي؟ و لا استنى في الليل و الدنيا ضلمة و نخلص كلنا؟"


رد عليه هو بنبرةٍ مهتزة:

"نسامحه يا خالد، صدقني نسامحه و تبقى صدقة جارية طول حياتك، علشان هعيش عمري كله أدعيلك، إلهي ربنا يفرحك بيونس يا رب"


عند ذكر إسم صغيره انتبه لعدم وجوده بينهم، حينها سأل بنبرةٍ جامدة:

"يونس !! هو فين يونس يا جدعان؟ ولا أنتَ وهو الواد راح فين نهاركم أبيض"


رد عليه «ياسين» بحنقٍ:

"يا عم الواد عند جده رياض، هيكون فين يعني، شبطوا في بعض هما الاتنين، سبتهم بقى"


رد عليه بضيقٍ من فعلته:

"ليه يا ياسين كدا، هيتعبهم و يعيط كمان شوية دا يونس ابني و أنا عارفه، مين هيتصرف لو عيط"


رد عليه مردفًا:

"يا عم خديجة معاهم هناك، و متخافش أبويا رايح عند عم فهمي و هياخده معاه و قبل ما يروح هيوصله لحد مامته، متخافش مش أول مرة تحصل"


تدخل «عامر» يقول بلامبالاةٍ:

"طب يلا يا جماعة نفطر أنا جعان أوي، علشان وليد و ميمي حتى"


سأله «وليد» بتعجبٍ:

"صح ميمي فين؟ أنا مش شايفها"


رد عليه «ياسر» بنبرةٍ مفسرة:

"اتخضت من موقف سي زفت علشان كدا عملتلها مياه بسكر و دخلتها تنام جوة"


تدخل «ياسين» يقول بهدوء حتى ينهي ذلك التوتر:

"انزل يا عامر يالا، خلاص يا جماعة حصل خير، ناكل بقى و كأن محصلش حاجة"

_______________________


في شقة «رياض» كان جالسًا في الشرفة مع «يونس» يداعبه و الأخر يضحك له وهو ينظر للهاتف أمامه و الكارتون المفضل لديه، حينها دلفت «خديجة» له و في يدها القهوة وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

"اتفضل القهوة يا بابا، عملتها زي ما حضرتك قولت على نار هادية"


أومأ لها موافقًا ثم أخذها منها وهو يقول بمرحٍ:

"تعالي يا حبيبة بابا اقعدي معايا، طالما الجحش دا مش هنا، خليني أشبع من وجودك"


ابتسمت له هي بحبٍ ثم جلست أمامه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

"شكلك بتحب الأطفال أوي، يونس اندمج معاك جامد"


طالعها هو بحبٍ وهو يقول:

"بحب الأطفال أوي و بحب البنات كمان، كان نفسي ربنا يرزقني ببنوتة علشان تكون صاحبتي، بس الحمد لله كرمني بصاحب جدع إسمه ياسين، يمكن حنيته عليا أعظم من حِنية مليون بنت، لعلمك أنا كنت بهزر معاه، هو كل يوم بيسأل عليا صبح و ليل و قبل ما ينام كمان، ياسين عمره ما ينسانا"


ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ يشوبها مرحٍ طفيف:

"عارفة، علشان هو علطول يقولي أكلم ماما و أخواتي و بابا، صدقني، يا بختنا كلنا إنه معانا"


حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:

"و يا بختنا بيكي يا خديجة، على فكرة الراجل بيبان إنه مبسوط من عينه و كلامه، و أنا ابني عينه مش بتنزل من عليكي خالص، ياسين لقى اللي كان نفسه فيها خلاص"


ردت عليه هي بخجلٍ:

"هو بصراحة ياسين مفيش منه، ممكن أبقى أنا اللي محظوظة بيه، و بيكم برضه، و بالذات أنتَ علشان حبيبي"


رد عليها هو بنبرةٍ هامسة:

"بلاش الكلام دا علشان زهرة بتغير عليا، خلي بالك بقى"


ابتسمت له هي ثم حركت رأسها تنظر للصغير وهو يشاهد فيلمه المفضل باندماجٍ واضح، فسمعته يقول:

"تعرفي؟ كان نفسي أكون جد أوي، بس ياسين كان لسه شايف الوقت مش مناسب، ربنا كرمنا كلنا بيونس، بقى حفيدي و حفيد فهمي و ميمي، و أم خالد و أم ياسر، يونس دا حبيب الكل، مكنتش عارف لما أجيب حفيد هحس ناحيته بإيه، بس يونس خلاني عرفت"


ردت عليه تسأله بنبرةٍ متعجبة:

"ياه للدرجة دي؟ متعلق بيه كدا"


أومأ لها موافقًا ثم أضاف مؤكدًا:

"ياسين و أخواته مع بعض من وهما في أولى إعدادي يا خديجة، دلوقتي هما عندهم ٢٩ سنة، يعني ١٦ سنة مع بعض، عمر كامل و هما سوا، من يوم ما اتعرفوا على بعض مسابوش بعض، فرح و حزن و موت و نجاح و سقوط و سفر كل حاجة مع بعض، أنا كنت مخلف ولد واحد، بس أجبرني يكون عندي ٣ غيره، بحبهم أوي يا خديجة"

أومأت له موافقةٍ ثم قالت بنبرةٍ متأثرة:

"و أنا كمان بحب وجودهم مع بعض، حقيقي وجودهم مع بعض جميل، ربنا يديم وجودهم لبعض و ميفرقش بينهم"

_______________________


في بيت آلـ «الرشيد» وصل «طارق» برفقة «وئام» و «هدى» من عند المتابعةِ الطبية، دلفوا معًا البيت فوجدوا العائلةِ بأكملها تنتظرهم، جلست هي بتعبٍ واضح، بينما «محمود» سألها بقلقٍ واضح:

"ها يا هدى، التعب اللي بيجيلك دا من إيه؟"


رد عليه «وئام» مفسرًا:

"دا بس علشان الجنين كان بيتحرك يا عمي، لكن هي و هو الحمد لله صحتهم كويسة"


ردت عليه «عبلة» بمرحٍ:

"طب الحمد لله، بنت ولا ولد طيب؟"


أجابتها «هدى» بنبرةٍ حالمة:

"مرضتش أعرف، بصراحة عاوزاها تبقى مفاجأة ليا، بيكون احساس تاني، و بعدين مش هتفرق، كدا كدا أنا هفرح بأي حاجة، دا رزق"


ردت عليها «جميلة» باستحسانٍ:

"برافو عليكي، كدا أحسن علشان، بس أكيد أنتِ حاسة بحاجة، حاسة بإيه"


ردت عليه ببمسةٍ هادئة:

"حاسة كدا إنه ولد، قلبي بيقولي إن دقة قلبة دي دقة ولد، مش مهم، المهم إنه يجي بالسلامة"


سأل «طارق» بتعجبٍ:

"هو وليد فين يا جدعان؟ البيت ملوش حس من غيره، راح فين من إمبارح"


ردت عليه «خلود» بنبرةٍ حائرة:

"مش عارفة والله، من إمبارح هو مش ظاهر، و كنت بكلم خديجة و جت سيرته قالتلي متخافيش عليه، هو زي الفل"


رد عليها «طارق» بنبرةٍ مقررة:

"كدا يبقى وليد عند خديجة، أكيد طالما هي قالتلك متخافيش و طالما هو قافل تليفونه كدا".


نظرت له «عبلة» بحيرةٍ لا تدري إن كان مُحقًا أم لا، لكنها تثق أنه لا يفعل شيئًا يؤذيه.

_________________________


في شقة «ميمي» بعد تناول الطعام، جلسوا جميعهم يتحدثون سويًا، و تارةٍ يضحكون بقوة و تارةٍ أخرى يندهشون، حتى تحدث «وليد» يقول بمرحٍ:

"بقولكم إيه يا رجالة أنتم شوقتوني للعيد مع عامر، أنا عاوز أشوف بعيني بصراحة"


ردت عليه «ميمي» تقول بنبرةٍ ضاحكة:

"كل عيد مصيبة أكبر من اللي قبلها، و كل مرة تتلم على أخر لحظة، بس أكبرهم اللي رياض كان فيها، دي فضلت لحد قبل صلاة العيد"


سألها «وليد» بنبرةٍ متعجبة:

"عم رياض أبو ياسين؟ نهار مش فايت !! عملوا إيه إحكيلي؟"


نظروا لبعضهم البعض ثم انفجروا في الضحك بينما «ياسين» أوقف الضحكات وهو يقول بمرحٍ:

"عيوني، أنا هحكيلك"


(منذ ما يقرب الخمس أعوام)

خاصةً في ليلة العيد، قام «عامر» بتأجير دراجةً نارية حتى يمرح بها في العيد، كان أخوته أمامه و الأطفال حوله في الشارع وهو يجول في الشارع ذهابًا و إيابًا بالدراجة، حتى اوقفها أمام أصدقائه وهو يقول بمرحٍ:

"ها يا عيال؟ إيه رأيكم في أخوكم؟ حلو ولا إيه"


رد عليه «ياسين» مؤكدًا بفخرٍ:

"جامد يا قلب أخوك، ابقى علمني علشان لما تجيب موتوسيكل أبقى أخده منك"


أشار على عينيه وهو يقول:

"بس كدا؟ من العين دي قبل العين دي، أنتَ تؤمر يا حبيبي، بكرة بعد صلاة العيد هعلمك و أعلم ياسر، خالد بقى خليه زي الكلب كدا"


رد عليه «خالد» بحنقٍ:

"ابعد عني يا عامر مش ناقصاك، متخلنيش أنكد على أهلك و العيد بكرة، مشي ليلتك معايا"


تدخل «ياسر» يقول بمرحٍ:

"أنا هروح عند ميمي علشان أدوق الكحك بتاعها، حد فيكم يجي معايا؟"


رد عليه «ياسين» رافضًا:

"استنى علشان هتلاقي أمي و أمك و أمة لا إله إلا الله هناك عندها علشان يسوا الكحك، خلينا أخر الليل خالص نروح إحنا"


أومأ له موافقًا و في تلك اللحظة أقترب منهما «رياض» وهو يلقي التحية عليهم جميعًا، فنزل «عامر» من على الدراجة وهو يقول بمرحٍ:

"هتسلم على الناشف كدا؟ فين العيدية و لا هتاكلها عليا بقى؟"


رد عليه بحنقٍ:

"بعد الصلاة يا قليل الأدب تعالى خدها مني، و بعدين أنتَ عندك ٢٤ سنة يا حيوان، عاوز عيدية"


أومأ له موافقًا ثم قال بوقاحةٍ:

"هي العيدية للصغار فقط ولا إيه؟ عم رياض والله لو ماخدتش منك عيدية، هزعلك على ابنك، هموتهولك في حادثة موتوسيكل"

تدخل «ياسر» يقول ساخرًا:

"اديله العيدية دي موتة بَشعة، يا ستار يا رب"


ضحك هو عليهم ثم قال بنبرةٍ مقررةٍ:

"دا بعينكم كلكم، العيدية بكرة بعد الصلاة، مات الكلام، سلام بقى"


سأله «ياسين» بتعجبٍ:

"استنى بس رايح فين دلوقتي؟ أوعى تقولي رايح الجامع من دلوقتي؟"


رد عليه ينفي حديثه:

"لأ فهمي سهران في المحل هروح أسهر معاه لحد الفجر كدا و بعدها نروح الجامع، يلا كل سنة و أنتم طيبين"


ردوا عليه جميعًا، بينما «عامر» ركب الدراجة وهو يقول بنبرةٍ مقررة:

"أركب يلا علشان أوصلك لحد هناك، يلا علشان تتوصى بيا في العيدية بكرة و بدل ٢٠٠ خليهم ٢٥٠"


رد عليه «رياض» بحنقٍ:

"و حياة أبوك يا أخويا؟ مش عاوز منك حاجة، أنا همشي على رجلي أحسن و أوزع نصيبك على العيال في الشارع"


رد عليه مسرعًا:

"خلاص خلاص... اركب و هوصلك ببلاش، يلا بس خليني أوجب معاك"


زفر هو بقلة حيلة ثم ركب خلفه، بينما الثلاثةِ نظروا لبعضهم بقلقٍ واضح مما هو قادم.

تحرك «عامر» بالدراجة النارية بسرعةٍ كبرى، و كلما مر على مكانًا رفع ذراعيه يرحب بأصحابه، حتى أتى عند محل الحلاقةِ ثم رفع ذراعيه تاركًا قيادة الدراجة وهو يقول بمرحٍ:

"عــم أنــور !! المقص الدهبي بتاع المنطقة، كل سنة و أنتَ طيب"


رد عليه الرجل بنفس الحماس و الترحيب، بينما «رياض» تمسك به وهو يقول بخوفٍ:

"يا بني أبوس إيدك بقى مش عاوزين مصايب على المِسا، ركز في سواقة الزفت دا خليني أوصل لأبوك، قبل ما أوصل لأخرتي"


حرك رأسه للخلف وهو يقول بثقةٍ:

"جرى إيه يا عم رياض، هو أنا عيل صغير؟ الموتوسيكلات دي لعبتي أصلًا، حتى بص الحركة دي؟"

قال جملته ثم حرك رأسه للخلف تزامنًا مع رفعه لكفيه من على المقود و ينظر لـ «رياض» بثقةٍ بينما الأخر اتسعت حدقتيه بقوة وهو يقول بخوفٍ:

"إلـــحق يـــا عــــامر"

و قبل أن يدرك الأخر ما يحدث

الفصل السادس والعشرون من هنا 

تعليقات



×