رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والعشرون  بقلم سيلا وليد

 "اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


حبيبتي أود أن أخبرك أنك تسكنيني فكرا وحبا، أحببتك بطريقة لم تتركي لي ولو مساحة بسيطة لرؤية غيرك، أحببتك وأنا على يقينٍ تام من شعوري وإحساسي وبرضا كامل بعشقك، نعم أنا أحببتك للحد الذي شعرت به أن  الحب الذي في صدري خلق لك وحدك، وأنني سأبقى مقيد بك حتى أفنى..

..........


و حين سألوها لمن تهدى قلبِك قالت :

لمن يحتضن خوفى كأنه سرٌّ لا يُفشى .

لمن يرمم كسرى دون أن يُذكرنى به ..

لمن يُضفى على عيوبى جمالًا لا أراه إلا من خلال عينيه .

لمن يجعلنى أحب نفسى كما لم أفعل من قبل .

فهذا له منى ما لم يكن لغيره : روحى و قلبى بكل تفاصيلهما


#الياس_السيوفي

#ميرال_جمال_الدين


بالجريدة عند ميرال 

رفعت رأسها من فوقِ جهازها، وكأنَّ صوتهِ كابوسًا، لم تقوَ على ترجمةِ ما إذا كان حقيقةٌ واقعيةٌ أم أنَّهُ كابوسٌ يروادُ عقلها الباطن، كرَّرَ كلماتهِ مرَّةً أخرى، لتسقطَ فوق مسامعها كصوتِ رعدٍ يصمُّ الأذن..طالعتهُ بأعينٍ جامدة، ورغم جمودها إلَّا أنَّها تحجَّرت بالدموع، وقفت بجسدٍ مهتزّ، وابتعلت غصَّتها ذات الأشواكِ المدبَّبة، وغرزت عيناها التي أبت أن تفصحَ عن ضعفها أمامهِ وأردفت بلسانٍ ثقيل: 

-إنتَ مين ياراجل إنت..وإزاي تتجرَّأ وتوقف تهدِّدني بالطريقةِ دي، هوَّ إنتَ متعرفشِ أنا مرات مين؟!.. 


أفلتَ ضحكةً صاخبة، وحدجها بنظراتٍ مشمئزِّة، ودنا منها كالذئبِ بعيونٍ دنيئةٍ ينطقُ بنبرةٍ متهكِّمة:

-أنا أعرف إنِّك بنت حرام، رانيا ال..دي  وحياة عزة جلالةِ الله لأبكيها بدل الدموع دم، وأولها هبدأ بيك يابنتِ رانيا..

اقتربَ خطوةً أخرى وأشارَ بسببابتهِ هادرًا بفحيحٍ أعمى:

-اسمعيني يابنتِ الحرام إنتِ، أنا أدوس على الكلِّ علشان نفسي، والحيوانة اللي اسمها فريدة متفكرشِ إنَّها هتعدِّي بعملتها، وحياة الحبِّ اللي حبتهولها، لأقهرها على ولادها واحد واحد، وهجبها زاحفة لعندي برضو، ودلوقتي أنا مش جاي أقدم لك ناوي أعمل إيه، هتتِّصلي بالحيوان جوزك وتقوليله إنِّك مش عايزة تعيشي معاه، شوفي حجة بقى أكيد شاطرة زي أمِّك، ياأما طلقة واحدة في النونو اللي جوا بطنك دا، ومش بس كدا..


-أيوة عايز أعرف ياراجح هتعمل إيه كمان...قالها إلياس الذي دفعَ البابَ ودلفَ للداخل.. 


رفعت عينيها بأسى لدخوله، اقتربَ منها، يشعرُ بقبضةِ قلبهِ الذي يتلاطمُ كالموجِ بين عشقها، ثمَّ التفتَ مستديرًا إلى راجح يرمقهُ بنظراتٍ كالسهمِ المغموسِ بالسم، يتمتمُ بنبرةٍ حادة؛ 

-جاي لمراتي ليه؟..ولَّا إنتَ مالكشِ غير النسوان اللي يشبهوك، تراجعَ بجسدهِ يحاوطُ زوجتهِ ثمَّ ابتسمَ ينظرُ لبريقِ عينيها الحزين، ليتراجعَ لراجح الذي توقَّفَ وكأنَّ أحدهم سكبَ عليهِ دلوًا من الماءِ المثلج، ضمَّها يقرِّبها إليه قائلًا وكأنه هوا:

-حتى النسوان اللي بتجري وراهم أقوى منَّك، ومش بس كدا، عندهم كرامة اللي إنتَ ماتعرفهاش، ابتعدَ عن ميرال واقتربَ من وقوفهِ والغضبُ يتزايدُ ليسبِّبَ ضجيجًا داخله يريدُ أن ينقضَّ على عنقهِ قائلًا:

-إزاي تتجرَّأ وتوقف قدَّام مراتي وماسك مسدس، قالها وجذبَ سلاحهِ بلحظةِ تيهٍ من راجح، لم يفكِّر كثيرًا ليديرهُ ويطلقَ رصاصةَ الرحمةِ لتستقرَّ  بساقهِ مرَّةً وبذراعهِ مرَّة، دون أن يرفَّ له جفنًا..

صرخت ميرال ببكاءٍ بعدما وجدت جنونَ إلياس، وحدثَ هرجٌ ومرجٌ بالخارجِ ووصولِ الأمنِ لاقتحامِ مكتب ميرال، توقَّفَ كالجبلِ لم يتحرَّك إنشًا واحدًا، ورغم اقتحامِ الغرفةِ ووصولِ رئيسِ التحرير، إلَّا أنَّهُ رفعَ كفِّهِ ولطمهُ بقوةٍ حتى تساقطت أسنانه:

-دي علشان مدِّيت إيدك على مراتي..اقتربَ الأمنُ لفصلهم، حينما أطلقت ميرال صرخاتٍ تضعُ كفَّيها على أذنها وهي ترى إلياس لأوَّلِ مرَّةٍ بتلك القسوة، وهو يلقيهِ على الأرضِ ويدفعهُ بقوَّةٍ مع شهقاتِ الموجودين.. 

تدخًَّلَ الأمنُ للفصلِ بينهما، إلا أنَّهُ كان كالأسدِ الجريحِ لم يقوَ أحدٌ الوصولَ إليه، وهو يجرُّهُ من ذراعيه التي أطلقَ عليهما رصاصةً ثانيةً لترتفعَ صرخاتِ راجح من الألم، ظل يجرُّهُ على الأرضِ إلى أن وصلَ الدرج ولم يرَ سوى بكاءِ والدتهِ وكلماتها التي تتردَّدُ بأذنيهِ عمَّا فعلهُ بها، ركلهُ بقدمهِ ليتدحرجَ على الدرجِ مع التقاطِ الكثيرَ من الصور، قائلًا

-الى الجحيم إن شاءالله، لكن للأسف الوقعة هتكسرك بس، أهو تتلم افضى لك..استدار ثم رفعَ كفَّيهِ باعتذارٍ عمَّا صار، وصاحَ بقوَّةٍ أمامَ كمٍّ من الصحفيين: 

-دا كلب لقيته داخل يهدِّد مراتي بالسلاح، بيهدِّدها علشان تبطَّل تهاجم القذارة اللي زيه..آسف على اللي حصل ياأستاذ رفعت..آسف ياأساتذة..


قالها وتحرَّكَ للداخل، ليجدها جالسةً بجسدٍ متجمِّدٍ وعيونٍ شاردةٍ باكية، حاوطَ وجهها بين راحتيه: 

-ميرال..طالعتهُ بنظرةِ ترجمها عقلها بالجهلَ ، استوطنَ القلقُ داخله، ليساعدها على الوقوف: 

-ميرال ياله حبيبتي علشان نروح..خطت بجوارهِ كالجثةِ التي خرجت روحها..وقعت عيناها على جسدِ راجح الذي حملهُ المسعفون إلى السيارة..احتضنت ذراعَ إلياس بخوفٍ حينما تلاقت عيناها أعين راجح المتوعِّدة،

ضمَّها لتخفي رأسها بأحضانه، محاولًا إيقافِ ارتجافةِ جسدها، لقد نزفت روحها وأصبحت شظايا متناثرة، فتحَ بابَ السيارةِ يساعدها بالصعود، أغمضت عينيها تضعُ كفَّيها على أذنها من صدى صوتهِ القبيح "إنتِ بنتِ حرام..جلسَ بجوارها وأنزلَ يديها محاولًا طمأنتها، ولكن أصابتها حالةً جنونيةً تصرخُ وتدفعهُ بقوة، تضربُ على أذنها: 

-كذاب، كذاب..حاولَ السيطرة َعلى حركاتها، ولكنَّها كانت كالطائرِ الذي ذُبح على غدر، بكت بقوَّةٍ تدفعه، لا يعلم ماذا فعلَ لها ذاك المختل، حاولَ بكلِّ طرقهِ أن يسيطرَ على جنونها فجذبَ رأسها وقامَ بتقبيلها علَّها تهدأ ولكن خابَ ظنِّهِ وهي تدفعهُ بكاملِ قوَّتها وتزيلُ آثارَ قبلته وكأنَّهُ شيطان، لم يسمع منها سوى شهقاتِ صوتها التي زادت من غضبه، تحرَّكَ بالسيارة متَّجهًا بها إلى المشفى، ينظرُ إليها من الحينِ للآخر، مازالت تضعُ كفَّيها على أذنيها تبكي بشهقاتٍ مرتفعةٍ وحالُ لسانها يردِّدُ كلمةً واحدةً فقط "كذاب"


وصلَ إلى المشفى ترجَّلَ من السيارةِ سريعًا واستدارَ إليها، فتحَ الباب، رفعت عينيها التي ماتت بها الحياة، وحربًا عنيفةً داخلها من قسوةِ كلماتِ راجح فهمست بتقطُّع: 

-عايزة أموت..قالتها وهي تشعرُ بخضمِّ المشاعرِ التي تدلُّ على القهرِ والألم..

تجمَّدَ بوقوفهِ يحاولُ ترجمةَ كلماتها التي احرقته، هنا نزع كبريائه، حينما شعر بنصل حاد يغرز بصدره، وانحنى يحملها ويضمها بقوة إلى صدره

-حبيبي طمنيني عليكي، بلاش تعملي فيا كدا ياميرو

حاوطت عنقهِ تدفنُ نفسها بأحضانهِ تبكي بشهقاتٍ مرتفعة، تكرِّرُ كلماتها:

-عايزة أموت، عايزة أموت، كرَّرتها لتذهبَ فاقدةً الوعي، لااا لنقول هنا المعنى الحقيقي الذي شعرته، أنَّها فقدت الحياة..هنا شعرَ بثقلِ تنفُّسهِ ولم يعد لديهِ القدرةَ على الحركة، هرولَ إليهِ المسعفين، ليضعها بهدوءٍ على الفراشِ المتحرِّك، يحتضنُ كفَّها..


دقائق مرَّت عليهِ كسنينِ حياتهِ المريرة، حتى نطقَ الطبيب:

-انهيار عصبي، أخدت مهدِّئ، وإن شاءالله تكون بخير..قالها الطبيبُ بعمليَّةٍ وتحرَّكَ للخارج،

جلسَ بجوارها واقتربَ يطبعُ قبلةً حنونةً فوق جبينها:

-آسف حبيبتي كنت عارف أنُّه رايح لعندك ورغم كدا سبتك لوحدك..قالها وشعورُ القهرِ يتملَّكُ منه..ذهبَ بذاكرتهِ قبل ساعات..

فلاش باك: 

استمعَ إلى حديثِ راجح مع ذلك الرجل، تراجعَ بجسدهِ للمقعد، وظلَّت نظراتهِ جامدةً باردةً يردِّدُ بينهِ وبين نفسه:

-عايز تقتل مراتي ياحيوان، طيِّب قرَّب منها، رفعَ هاتفهِ وتحدَّثَ مع صديقه:

-شريف اسمعني كويس، فيه راجل خرج من فيلا راجح، عايز يوم ولادته، وبعد كدا أقولَّك تعمل إيه.

-اعتبره حصل يابوص، فيه حاجة لازم تعرفها، صمتَ يستمعُ إليه:

-طارق، المحامي طعن في الحكم، يعني عايز يفتح القضية تاني.. 

-يفتح ياشريف، المهم ركِّز مع راجح بيرتِّبوا لحاجة ياشريف، مش عايزين نقوم على كارثة، مش عايز غلط مع راجح لازم نوصل للمموِّل الكبير..

-أوكيه، متخافش..

ربنا يوفِّقنا يارب..

-يارب ويحمي بلدنا من تلك الشرزمة..

-آمين ياشريف..قالها وأغلقَ الهاتف، ليدلفَ مصطفى: 

-مرحتش لأرسلان ليه..نهضَ يجمعُ أشيائه:

-كنت بعمل تليفون مهم، بعد إذنك محتاج حاجة..أمسكهُ مصطفى من ذراعه:

-أه..توقَّفَ يطالعهُ بنظراتٍ مستفهمة، فأجاب: 

-ترجع إنتَ ومراتك البيت، مش عجبني قعدتكم لوحدكم..ابتسمَ قائلًا:

-ماتسبني أصالح مراتي براحتي ياسيادةِ اللواء..

عقدَ مصطفى حاجبيه، ونظرةُ غموضٍ انبثقت من عينيهِ باستفهام:

-هيَّ لسة زعلانة، أومال بقالك أسبوع بتعمل إيه؟..إيه مش عارف تسيطر ولَّا إيه يابنِ مصطفى.. 

تحرَّكَ يهزُّ رأسهِ ضاحكًا:

-أنا عندي شغل ياسيادةِ اللواء..صعدَ سيارتهِ وتحرَّكَ بعضَ الكيلومترات، نظرَ بمرآةِ السيارة، وابتسمَ ساخرًا:

-تعالَ ياروح أمَّك، رفعَ هاتفهِ يهاتفُ زوجته، إلى أن وصلَ إلى شقَّةِ أرسلان.. 


جلسَ أمامَ أرسلان: 

-اسمعني من غير ماتقاطعني..بيتك دا فيه باب خلفي؟.. 

-أومأ له بالإيجابِ واستفهم: 

-ليه؟!..نهضَ من مكانه، يشيرُ إلى النافذة:

-كلِّم الأمن يفتِّشوا العربية اللي واقفة قدَّام باب بيتك دي، واتولَّى الموضوع عندي مشوار نصِّ ساعة وراجع وبعدين نتكلم 


تحرَّكَ إلى سيارةِ أرسلان وقادها متحرِّكًا من البابِ الخلفي، مع رنينِ هاتفه:

-حصل زي مااتوقعت ياباشا، إبعادهِ هناء وخمول للأمنِ بالكامل..

-تمام أنا في الطريق، اطلع عند ميرال، دقايق وأكون عندك، لو حاول يعمل حاجة موِّته لو أنا اتأخَّرت. 


خرج من شرودهِ على رنينِ هاتفه..

-آسف ياارسلان، مراتي تعبت واضطريت اخدها المستشفى، هأجل موضوعنا لوقت تاني

-فيها حاجة، يعني محتاجة حاجة..تسائل بها ارسلان 

هز رأسه بالنفي قائلًا:

-لا مفيش شوية إرهاق واجهاد مش أكتر 

بعد فترة بجوارها استمع إلى رنينِ هاتفه، تنهَّدَ بمرارةٍ ثمَّ رفعَ هاتفه:

-أيوة يابابا..

-إلياس إيه اللي بيحصل، إيه الخبر اللي قرأته دا؟!.. 

-راجح كان عند ميرال، معرفشِ كان عايز إيه، يادوب لحقتها..تنفَّسَ بهدوءٍ وعينيهِ عليها يمسِّدُ على خصلاتها مستطردًا:

-إحنا في المستشفى يابابا، نهضَ مصطفى من مكانه، وعقدَ العزمَ على الذهابِ إليه، ليهتفَ قائلًا:

-أنا جايلك ياحبيبي...قاطعهُ يخبره:

-لا مفيش داعي يابابا، هيَّ كويسة، بس حبيت أطَّمن عليها..

-يعني مش أذاها ياإلياس؟..

-لا يابابا، هيَّ كويسة، والدكتورة هتيجي تطمنَّا على البيبي..

أغلقَ الهاتفَ واقتربَ منها يهمسُ بجوارِ أذنها علَّها تستمعُ إلى كلماته: 

-وحياتك لأكرَّهه حياته، اصبري عليَّا، متعرفيش إنتِ عندي إيه.. 


مرَّت عدَّةُ ساعاتٍ أخرى حتى عادَ بها إلى منزله، ترجَّلَ متَّجهًا إليها، انحنى ليحملها ولكنَّها رفضت، ونزلت متحرِّكةً بخطواتٍ بطيئة، كأنَّها تجرُّ قدميها بصعوبة، اقتربَ يحاوطُ جسدها لتصبحَ بالكاملِ تحت حنانِ ذراعيه، طبعَ قبلةً فوق رأسها: 

-كدا تخوِّفيني عليكي يابايرة..

دفنت رأسها بعنقهِ تتمسَّحُ به كقطةٍ أليفة:

-إلياس أنا بنتِ مين؟! 

استفهامٌ مؤلمٌ شقَّ ثغرها بدمعةٍ تحرَّرت من طرفِ عينها حينما رفعت رأسها تناظرهُ بقلبٍ ممزَّق، ثمَّ تابعت حديثها الذي كادَ أن يزهقَ روحه:

-أنا بنت حرام، ماليش نسب ياإلياس.. 

-ياريت..قالها بنبرةٍ جيليديةٍ لتصفعَ روحها من كلماتها التي جعلتها كلوحٍ من الثلج، لتتراجعَ بعيدًا عن أحضانه، تائهةً حائرةً تخطو بتمهُّلٍ وكأنَّها تخطو فوق زجاجٍ متناثر..تحرَّكَ خلفها حتى دلفَ إلى الداخل.. 

-ميرال ..

توقَّفت دون أن تلتفتَ إليه، اقتربَ منها، يشيرُ للخادمة:

-اطلعي جهِّزي للمدام الحمَّام، ثمَّ التفتَ لهناء: 

-خلِّيكي مع المدام لحدِّ ماتجهز، عايزها تكون جاهزة بعد ساعة بالظبط.. 


تجمَّعت دموعُ الألمِ بمقلتيها قائلة:

-أنا تعبانة ياإلياس وعايزة أرتاح، ممكن تسبني على راحتي.. 

قاطعها يضعُ أناملهِ على شفتيها:

-الليلة دي مش عايز أيِّ عذر، ولا عايز اعتراض سمعتيني ولَّا لأ.

أجابتهُ بضعف: 

-الضرب في الميِّت حرام ياإلياس، وأنا ميِّتة، بلاش تموِّت فيا أكتر ماأنا ميِّتة.


تفاجأ من حالةِ الوهنِ والضعفِ التي انتابتها، ليضغطَ على ذراعيها بقوَّةٍ آلمتها  مع دموعها التي لم تتوقَّف:

-اسمعيني علشان أنا زهقت منِّك، قولت مليون مرَّة إنتِ بنتِ مدام فريدة، وياستي زعلانة عليه ليه، دا حيوان، فيه حدِّ يزعل إنِّ الراجل دا مش أبوه.


ثقلُت أنفاسها ورجفةً أصابتها بالكامل، حتى فقدت النطقَ للحظاتٍ تشيرُ إلى نفسها:

-يعني أنا بنتِ حرام؟..

لوَّنَ الغضبُ وجهه، مستنكرًا حديثها ليهتفَ ما شقَّ قلبها:

-ياريتك واللهِ أهو أهون ما يكون الراجل الحيوان دا أبوكي. 


أجهشت بالبكاءِ متراجعةً للخلف، تتقهقرُ  بانهيارِ جسدها: 

-للدرجة دي أنا نصيبي من الدنيا وحش ياإلياس؟..


-نعم ياختي، ليه هوَّ أنا وحش علشان تقولي كدا، إيه نسيتي إنتِ متجوِّزة مين، ولَّا نسيتي إنِّك حامل في ابني، لا فوقي يابنتِ مدام فريدة واحمدي ربنا إنِّك عايشة حياة غيرك يتمنَّى بس نظرة منِّي،  

هزَّت رأسها بألمٍ انبثقَ من عينيها: 

-عندك حق، لازم أحمد ربِّنا إنِّ فيه واحدة زيي اتجوِّزت عظيم وابنِ ناس زيك.. 

تجمدَّت الدماءُ بعروقهِ من حديثها اللاذع، ليثورَ غاضبًا:

-فوقي ياميرال، أوعي تفكَّري أنا بطبطب، لا يابنتِ فريدة، أنا عايز ستِّ قوية، الستِّ الضعيفة دي، هشاورلها على الباب وأقولَّها برَّة حياتي، حتى لو حامل في ابني.. 

تهدَّلت أكتافها بانهزامٍ من قسوةِ حديثهِ اللاذع، فيكفي ماتمرُّ به، يكفي حياتها التي تدهورت وأصبحت نحو الهاوية، تراجعت للخلفِ حينما لم تقوَ على تجاوزِ ذلك الألمِ الرهيبِ الذي عصفَ بجميعِ خلاياها، ثمَّ استدارت متجهةً للباب: 

-يبقى أمشي قبلِ ماتطردني..

-استني عندك يابت..كان صوتهِ كالرعدِ الذي اهتزَّت له الجدران، ليرفعَ يديهِ نحو الدرج: 

-اطلعي فوق، نظرَ بساعتهِ وتابعَ حديثه:

-ساعة واحدة وألاقيكي جاهزة، فتحت فاهها إلَّا أنَّهُ أشارَ باعتراضٍ تجلَّى بمقلتيهِ وهو يرمقها بنظراتٍ جحيمية:

-ولا نفس، سمعتيني ولا نفس..هناااء، صاحَ بها لتفزعَ متراجعةً وهي تراهُ يقتربُ منها، جذبها بقوَّةٍ حتى اصطدمت بصدرهِ يهمسُ إليها بنبرةٍ هادئةٍ رغم ضجيجَ قلبهِ من الوجع: 

-اطلعي اجهزي حبيبتي، الليلة دي مهمَّة وأوي ياميرو..قالها وهو يطبعُ قبلةً مطوَّلةً على جبينها، ثمَّ تحرَّكَ سريعًا إلى غرفةِ مكتبه.. تلوت شفتيها من تغيره بلحظات، هل من الممكن أن يلفظها من حياته


صعدت إلى الأعلى لتتفاجأ برداءٍ من الحريرِ الناعم، باللونِ الذهبي، رفعتهُ بين يديها تطالعهُ بذهولٍ وتحدِّثُ نفسها:

-معقولة هيرضى يخرَّجني بالفستان دا، طب إزاي، ياترى ناوي على إيه ياإلياس، ولَّا بتعمل كدا علشان تخرَّجنى من اللي أنا فيه؟..تأفَّفت بضجر، وشعرت بأنينٍ يمزِّقُ قلبها..

-مدام ياله علشان منتأخرشِ على الباشا..

-الباشا..ردَّدتها بينها وبين نفسها، أهو الباشا معرفشِ بيخطَّط لإيه، بس مهما كان اللي بيخطَّط له، أنا معاه، حتى لو رماني بالنار، أهي ناره أهون من جنة الحقير راجح، وضعت الفستان ثمَّ  ولجت لداخلِ الحمَّام، وأغلقت البابَ خلفها تجولُ بنظرها على تحضيرهم لها، قطبت جبينها ورفعت إحدى زجاجاتِ العطور، ابتسامةٌ متهكِّمة، تهمسُ لنفسها:

-جنِّنتي ياإلياس، أصلي ناقصة جنان، نزعت ثيابها ودلفت للمياهِ الدافئة، علَّها تزيحُ إرهاقَ طيلةِ اليوم، ظلَّت لبعضِ الوقت إلى أن انتهت من استحمامها، وخطت للخارجِ لتنهي زينتها، مرَّت الساعةُ سريعًا لتضعَ أحمرَ شفاهٍ بعدما أفلتت ضحكةً جنونية، ورغم أنَّها ضحكة إلَّا أنَّها ممزوجةٌ بكمِّ الآهاتٍ والآلامِ التي تعانيها

-محتاجة حاجة تانية يامدام..تساءلت بها هناء وهي تجمعُ أشياءها الخاصة..

-هزَّت رأسها بالنفي ثمَّ أشارت على الفستانِ الذي ترتديه:

-هوَّ الفستان مش جاي معاه أيِّ حاجة تانية؟.،

-نفت هناء قائلة:

-مفيش غير الميكب والمجوهرات بس..

أومأت لها تشيرُ إليها بالخروج، لتتحرَّكَ للخارج، نهضت من مكانها تنظرُ لنفسها بسخرية، فحقًا كانت كقطعةِ ألماسٍ نفيسةٍ تُذهبُ العقولَ من روعتها، خطت  إلى أن وقعت عيناها على شهادةِ تقديرٍ لتفوُّقها بإحدى المقالاتِ الإخبارية، تُوضعُ بأحدِ أركانِ الغرفة، وصلت إليها، بسطت كفَّيها وتناولتها، ظلت تنظرُ بها لبعضِ الوقت، تحرِّكُ أناملها على الاسمِ وتكرره بلسان ثقيل:

"ميرال جمال الشافعي" يعني حتى الاسم المسروق مش صح، ألقتها على الأرضيةِ تطالعها بعيونٍ متحجِّرةٍ بالدموع، دلفَ إليها وجدها تنظرُ إلى الصورةِ بضياع..

لاحت صواعقُ الحزنِ المرسومةِ بالألمِ بمقلتيه، لأوَّلِ مرَّةٍ يرى ضعفها بتلك الطريقة، التفتت إليهِ بعدما شعرت بوجوده، تشابكت الأعينُ للحظات، نظرت لحلَّتهِ الكلاسيكية، لمعت عيناها رغمًا عنها فمن يراهُ يقسمُ أنَّهُ عريسًا ليلةَ زفافه، وصلَ إلى وقوفها، ثمَّ حاوطَ خصرها يلفُّ ذراعيهِ الاثنينِ حولها:

-إيه الجمال دا ..ابتعدت تشيحُ بصرها عنه، بسببِ دقَّاتها العنيفة..

رفع يديهِ ليزيلَ الوشاح الذي فوق أكتافها بالكاملِ ، ينظر ل خصلاتها الحالكةِ كظلامِ الليل، ثم قام بفك رباطها: 

-كدا أحسن..توقَّفت أمامهِ بكاملِ هيئتها: 

-هوَّ إنتَ إيه حكايتك الليلة، لو بتعمل كدا علشان تنسِّيني..أوقفها حينما سرق قبلتهِ الأولى لتلك الليلة، قبلةً سريعةً حتى أنَّها لم تشعر بها..تراجعت عن ذراعيه: 

-عايز تفهِّمني هنخرج كدا الليلة؟ ..

بسطَ كفَّيهِ لتحتضنً راحتيها، ثمَّ ضغطَ عليها وتحرَّكَ للخارج، حتى وصل إلى المسبح ب الحديقة، طافت بعينيها على الأنوارِ الهادئةِ والموسيقى الغربيةِ التي تصدحُ بالمكان:

-إيه دا، مش هنخرج؟!،،

هزَّ رأسهِ بالنفي قائلًا:

-لأ، الليلة دي بالذات مش هنخرج..

سحبت بصرها إلى الطاولةِ المعدَّةِ بأصنافِ الطعام، ثمَّ وقعت عيناها على مجموعةِ الورودِ الحمراء، وبجوارِها قلبًا باللونِ الأحمر..رفعت عيناها إليهِ وهمست: 

-بتحبِّني؟..تساءلت بها بعيونٍ جامدة.. 

علمَ بما يستوطنُ داخلها، ليقرِّبها إليهِ حتى اختلطت أنفاسهما، يضعُ جبينهِ فوق جبينها،فلمست شفتاهُ ثغرها متمتمًا بنبرةٍ عاشقة:

-لا..مين قالِّك كدا؟!..ملَّسَ على وجنتيها براحتيه، ثمَّ جذبَ كفَّيها فوق نبضه، وتعمَّقَ بعينيها: 

-إنتِ شايفة إيه؟!

انبثقت دموعها كزخاتِ المطر، وهي تحرِّكُ أناملها على صدرهِ وكأنَّها ترسمُ شيئا وهميًا: 

-مابقتشِ بشوف ولا أحس، قرَّبَ رأسها إلى صدرهِ يضمُّها بقوَّة، وآآه أخرجها من ثنايا روحهِ مستشعرًا بنبضِ قلبهِ الذي ثارَ بدقاته هامسًا:

-كذابة ياميرو، حاسة وسامعة، رفعَ ذقنها بأنامله، واحتضنها بعينيه، ثمَّ دنا يهمسُ بأذنها :

- مش مسموح لك تشوفي حدِّ غيري، ولا تسمعي غير لنبضِ قلبي وبس.. 

قشعريرةٌ لذيذةٌ سارت بعمودها الفقري، من تصريحهِ المثيرِ لأوَّلِ مرَّة، داعبَ عنقها بأنفهِ وأكملَ بصوتٍ مثيرٍ وأنفاسٍ ملتهبة:

-ميرال أنا بحبِّك أوي، حبِّي قدَّام نظرة عيونك تعجز الكلمات عن وصفه، لدرجة مش قادر أشرح لك شعوري وإنتِ جوا حضني، خلِّيكي دايمًا واثقة مفيش حد هيخاف عليكي ولا يحبِّك قدي.. 

قرَّبها مرَّةً أخرى لتلتصقَ به أكثر، يرفعُ يديها تحاوطُ عنقه، ومازال يداعبها بأنفه، ليرتعشَ جسدها وتتلاشى ساقيها حتى كادت أن تسقطَ لولا ذراعيهِ الذي رفعها بهما، وابتسامةٍ عاشقةٍ تخصُّها وحدها، بعينانٍ تتألقانِ بحبٍّ وحنانٍ يتحرَّكُ بها على النغمات ، ليصدحَ صوتُ أمِّ كلثوم بالمكان، بأغنيتها المحبَّبة"إنتَ عمري"

رفعت كفَّيها على وجههِ تلامسه، وبنظراتٍ ملتمعةٍ بالعشق، تطالعهُ بها:

-ليه جاي تقولِّي الكلام دا دلوقتي ، صعبانة عليك؟.  

أمالَ برأسهِ يستنشقُ أكبرَ قدرٍ من رائحتها، وعيونًا راغبة، يجاهدُ الكثيرَ والكثير يمنعُ نفسهِ من الانزلاقِ خلف مشاعرهِ الجيَّاشةِ خوفًا عليها وهي بتلك الحالة..

-شايفة أنا ممكن أخدع مشاعري؟.،

-ليه دلوقتي ياإلياس، ياما اتحيلت عليك أسمع حتى كلمة بحبِّك،،

أفلتَ تنهيدةً حارةً أحرقت ضلوعهِ من نيرانِ العشق، فلقد ألقى كلَّ غرورهِ وكبريائهِ ودلفَ إلى حضنِ عشقها تائهًا بمحرابها وأقسمَ لنفسهِ أنَّهُ يتلذَّذُ به ولا يريدُ الخروجَ منه:

"كلِّ سنة وأنتِ في حضني ياحبيبي النهاردة عيد جوازنا"

جحظت عيناها تؤنبُ نفسها، ثمَّ دفنت رأسها بصدرهِ مبتعدةً عن نظراته.. استمعت إلى حديثهِ وهو يخبرها:

-عارف اتأخرت، سامحيني، مكنتش عارف أعبَّر إزاي، أو يمكن أكون خايف لتكون مشاعرك مؤقتة، متنسيش علاقتنا الأوِّل كانت إزاي.. 

-بس أنا كنت بحبَّك، وبحبَّك من زمان وإنتَ عارف ومتأكد من دا.. 

-تؤ..رفعت حاجبها متهكِّمة:

-إيه هوَّ اللي تؤ ..رفعها يدورُ بها مع اللحنِ الموسيقي، ثمَّ أنزلها بهدوءٍ وتابع حديثهِ بنبرتهِ الرجولية: 

-معرفشِ غير إنِّي كنت مغرور ومتكبر، وكمان كان اسمي يأس ومعرفشِ أقول كلمة حب، مش دا كلامك..

قالها وهو يرفعُ ذراعها يدورُ بها.. 

ضحكةً بصوتٍ مسموعٍ إثرَ حديثه، فأخذت تحاورهُ بعينيها قائلة:

-وإنتَ كنت غير كدا، وبعدين ليه جاي تقول الكلام دا دلوقتي بردو، يوم عيد جوازنا؟..

انحنت للخلفِ مرَّةً أخرى على اللحنِ وهو يميلُ بجسدهِ عليها، وذراعهِ يحاوطُ خصرها قائلًا:

-مش يمكن اطَّمنت، رفعَ جسدهِ وهو يجذبها، ليستأنفَ الرقصة: 

-كنت قلقان منِّي ياإلياس، خايف أكون بضحك عليك، ولَّا خايف أكون زي الستِّ اللي مفكَّرها خطفت باباك، والسبب في موت والدتك؟.. 


قرَّبَ رأسها وهمسَ بأنفاسهِ الحارة: 

-لا ياحبيبي، خايف لأكون بحبِّ سراب، كنت عايز أطَّمن من قلبك،

-تطمِّن من قلبي وإنتَ متأكِّد أنا مستنية منَّك بس نظرة.. 

تنهَّدَ بصوتٍ عالٍ حتى شعرت بهبوطِ وارتفاع صدره، حرَّكت كفَّها على صدره: 

-ياااه للدرجة دي كنت تعباك أوي كدا.. 

-أوي..نطقَ بها سريعًا، ثمَّ طالعها بعتابٍ ليخبرها:

-عملتي إيه يدل إنِّك بتحبِّيني؟.. 

-وإنتَ عملت إيه يدل على حبَّك ليَّا؟..

-شايف سؤال بسؤال، أنا عايز إجابة ياميرال..

-وأنا كمان عايزة إجابة ياإلياس، مش إنتَ بتقول كنت بطمِّن قلبك، طيب أنا من حقِّي قلبي يطَّمن.. 

-بحبِّك اكتر من أي حاجة ومتجوزتش بسببك، كنت منتظر قدرنا، بس عايزك تثقي حروفي اضرَّجت باللهيبِ حينما

أُسمّيتُك "حبيبي"فما ذنبي إن كانت النفس أمارة بالشوق إليها 


كدا الإجابة واضحة.. 


ارتجفت شفتيها بعدما فقدت النطقَ من نظراتهِ وهمسهِ المثير، لتتجرَّأ وترفعُ نفسها تطبعُ قبلةً على خاصَّته، أذابت  جوارحَ كلٍّ منهما، رفعها يضمُّها بقوةٍ لتذوبًَ بحضنهِ مع همساتهِ بالعشقِ الدفينِ لأوَّلِ مرَّة.. 

انحنى عليها بثورةٍ من قبلاتهِ العاشقةِ 

ليشعرها وكأنَّهُ لأوَّلِ مرَّةٍ يقبِّلها، بل لأوَّلِ مرَّةٍ يكونُ قربهِ مهلكًا بتلك الطريقة، ليثبتَ لها أنَّ عشقها نوعًا خاصًّا نادرَ الوجود، به تتدفَّقُ معاني الحبِّ بكلِّ أنواعِ اللغات، لتفوقَ قوَّتهِ قوةَ الجاذبية أضعافًا مضاعفة، وهي تشعرُ بأنَّها كالفراشةٍ التي تتنقَّلُ بين الأزهار،

ذابت كلَّ آلامها وتناست مامرَّت به بيومها من مجرَّدِ عاشقٍ يترنَّمُ بعشقها 

كآلةِ البيانو، لتتحوَّلَ حياتها ورديةً بأجملِ باقاتِ الورود، ويتجمَّلُ نسيمها بنسيمِ البحرِ ورائحةِ العطور..


توقَّفَ ليحملها بين ذراعيه، وقلبهِ كالمضخةِ يريدُ أن تكونَ تلك الليلة ماهي سوى ليلةِ حياتهِ الأولى معها، عوضًا عمَّا مرَّا به، خطا وهي بحنانِ حضنه، متَّجهًا إلى فراشهما، وكأنَّهُ يحملُ سعادته..وضعها بهدوءٍ ومازالت متعلِّقةً برقبته، ونظراتها التي توحي له الكثيرَ والكثير، لا يريدُ ترجمةً سوى عشقها له فقط، لا يريدُ سوى أنَّها تراهُ الرجلَ الأعظم والأوحد بالكون، همست من بين شفتيها المطليةِ بحروفِ عشقه، وكأنَّها فهمت ما يشعرُ به:

-مش عايزة غيرك وبس، أقسم لك حبيبي إنِّي أذوبُ بك عشقًا حتى الممات..هنا توقَّفَ الكونُ بعقاربِ الساعةِ وهو لا يريدُ سوى عينيها، حرَّكَ أناملهِ على نبضها المجنونِ الذي ظهرَ بوضوحٍ من صعودِ وهبوطِ صدرها، ليحرِّكهُ بعشوائيةٍ وكأنَّهُ يكتبُ لها بحبِّك فوق ماتتخيَّلي..همست تردِّدُ حروفَ اسمه كعصفورٍ كناري، ليميلَ عليها بملحمةِ العشقِ بدقاتها المثيرةِ بكلِّ ترحابٍ وجنون..


عند آدم 

استمع الى طرقات على باب مكتبه، دلفت إليه ايلين تضع أمامه بعض الأوراق 

-امضي ياآدم لو سمحت..رفع عيناه إليها بعدما علم ماتحتويه الاوراق 

-مش ينفع ياايلين، بعد ماتخلصي كلية وتشتغلي 

جلست بمقابلته 

-ماتصعبهاش عليا يابن خالي لو سمحت 

سحب نفسًا وزفره ثم نهض إلى أن جلس على المقعد الذي يقابلها

-طلباتك ايه ياإيلين 

-ماليش طلبات يابن خالي غير الحرية

دنى بجسده وتعمق برماديتها

-وحياة آدم ياايلين تديي لحياتنا فرصة

توقفت وحاورته بعيناها 

-مفيش فرص يابن خالي، خلينا نطلق 

-دا اخر كلام ياايلين ...

ومفيش غيره ...دفعت حنين الباب توزع نظراتها بينهما ثم اردفت:

-أنا مش موافقة على الطلاق، يعني ايه تطلقني بعد اللي عملته علشانك، وعلشان ايه، علشان دي ..اقتربت من إيلين 

-أنا يطلقني وبلا رجعة علشانك، وعد مني لأندمه، التفتت إليه ورمقته باحتقار

-هعرفك ازاي تطلق حنين الشهاوي علشان الجربوعة بتاعتك دي ..قالتها وخرجت كالكرة النارية 


بمنزلِ أرسلان قبلَ ساعات: 

خرجَ إلى الحديقةِ بعد اتصالِ إلياس به:

-شوف العربية اللي واقفة قدَّام بيتك، خلِّي الأمنِ يفحصوها كويس..

انكمشت ملامحهِ متسائلًا:

فيه حاجة ولَّا إيه؟..

-لا بس تأكيد اطمئنان، فيه واحد منهم كان مراقبني لمَّا دخلت بيتك، وبعدين ينزلوا ويسيبوها، دا تخوُّف أكتر..


ركضَ أحدهم إليه:

-فيها قنبلة ياباشا، أشارَ إليهِ بالتحرُّكِ مع رفعِ هاتفهِ والاتصالِ بأحدهم.. 


بعد عدَّةِ ساعاتٍ كان يجلسُ بمنزلهِ يعملُ على جهازهِ بصمت، دلفت إليه: 

-جهَّزت الغدا، عمُّو إسحاق مشي ولَّا إيه؟.. 

رفعَ نظرهِ إليها، ثمَّ أغلقَ الجهازَ ونصب عودهِ متوِّقفًا، وهو يتحاملُ على آلامِ رأسه، دنت منه تسحبهُ من ذراعهِ إلى أن وصلت إلى الأريكة: 

-ارتاح شوية وبطَّل شغل، إنتَ لسة تعبان..

مرَّرَ أناملهِ على ملامحها الجميلة، بأعينٍ مشوَّشة، وصداعٍ يفتكُ برأسه، تراجعَ بجسدهِ يستندُ برأسهِ للخلفِ على المقعد ..جلست بجواره، تمسِّدُ على خصلاتهِ ونطقت بنبرةٍ متألِّمة:

-أرسلان تعبان؟....أغمضَ عينيهِ محاولًا أن ينتشي نبضَ قلبهِ من لحنِ صوتها..

لا تشعر سوى أنَّها أصبحت بلا حماية، كأنَّ قلعتها أصبحت على رمالٍ شاطئية، لتبعثرها الرياحُ دون رحمة، انسالت دموعها تدفنُ رأسها بكتفه، ونطقت بنبرةٍ متألمةٍ بمزيجٍ من الحزنِ القابعِ بصدرها: 

-قولِّي مخبِّي عليَّا إيه، وليه عايز تكسرني بالشكل دا؟،.اعتدلَ يلفُّ ذراعيهِ حول جسدها، وطالعها بأعينٍ هالكةٍ من فرطِ الألم، مرَّرَ أناملهِ يزيحُ دموعها التي سقطت على قلبهِ كهزّّةٍ أرضيةٍ تشقُّها، ثمَّ قرَّبها إليه يطبعُ قبلةً بجوارِ ثغرها الكرزي، رفعت عينيها الباكيةِ تتوسَّلُ صمتَ عينيه، رفعت كفِّهِ تقبِّله، ابتسمَ يضمُّ وجهها بين راحتيه، وأمالَ يحتضنُ ثغرها ينثرُ عليهِ عشقه، لحظاتٍ ربما دقائق وهو يعزفُ لحنهِ الأثيرِ من القبلاتِ على كرزيتها، ابتعدَ بعدما شعرَ بانسحابِ أنفاسها..تمدَّدَ يجذبها لأحضانهِ يخلِّلُ أناملهِ بخصلاتها البنية اللامعة، رفعت رأسها تنظرُ لعينيهِ القريبةِ وتساءلت.

-مش عايز تقولِّي مالك؟.،ومتحاولشِ تقولِّي الحادثة، لأنِّي عارفة فيه موضوع أكبر من الحادثة..استندت على مرفقها ورفعت كفَّيها على وجنتيهِ تهمسُ بنبرةٍ عاشقة: 

-مهما كان اللي عايز تقولو، بس تأكَّد أنا هفضل جنبك لأخر يوم من عمري، مستحيل أتخلَّى عنَّك، دنت وتابعت همسها المثير أمام شفتيه:

-مستحيل أتنازل عنَّك ياأرسلان، أوَّل حب وآخر حب ومفيش بعدك ولا قبلك بديل.. 

لفَّ ذراعيهِ حول عنقها ينظرُ لعينيها التي سحرتهُ من أوَّلِ مرة، شعرَ وكأنَّها سلبت فؤاده، ليهيمَ النبضُ باسمها وحدها، ولما لا وهي التي تربَّعت على عرشه، عجز عن صياغةِ حروفٍ تصفُ عشقها، عندما لم يجد مايعبِّرُ بما يشعرُ به من قربها،  

شعرت به لتنحني تطبعُ قبلةً مطوَّلةً ممزوجةً بالحنانِ بجوارِ شفتيه، ثمَّ رفعت عينيها لتقابلَ عينيهِ التي ترسلُ آلافَ الأعذارِ تتمتم:

-"بحبَّك ياحظِّي الحلو"

تعثَّرَ نبضهِ من قوَّةِ ماشعر به، ماذا فعل ليجازيهِ الله بتلك الملاك، رفعَ خصلاتها العشوائيةِ التي حجبت عيناها، يضعها خلفَ أذنها، ثمَّ أفلتَ ابتسامةً خلابةً تضجُّ بالكثيرِ من المشاعر، قائلًا:

-أعتبر دا اعتراف رسمي إنِّي أحسن حظ؟..داعبت وجههِ بأناملها تهزُّ رأسها بالإيجابِ مبتسمة، ثمَّ اعتدلت تسحبُ نفسًا متسائلة: 

-إيه اللي حصل خلاك تطلب منِّي الموت ياأرسلان؟..أومأت عندما لمحت نظرةَ تساؤل، ثم ردَّدت تخبره:

-سمعت بعض الكلمات، بس أكيد عايزة أسمع منَّك كلِّ حاجة، بس قبل أيِّ حاجة تأكَّد ياأرسلان إنِّ ربنا مسيَّر الكون بحكمة محدش يعلمها، يعني وجودك في حياة عمُّو فاروق حكمة، افتكر كدا لو ماوصلتش لعمُّو، كنت مش هتدخل مخابرات ومكناش اتقابلنا، ولا كنا اتجوِّزنا، شوفت تدابير ربِّنا..

احتوى كفَّيها معتدلًا ثمَّ أردف:

-أنا معرفشِ أهلي الحقيقين ياغرام.. 

رفعت ذقنها وتعمَّقت بعينيه:

-بس انا أعرف أرسلان الجارحي، أي إن كان اسمك اللي مش مهم، بس المهم إنتَ إيه، أخلاقك ودينك إيه، رجولتك إيه، افرض عرفت اسمك وكنت بشع، الاسم هيعملَّك إيه؟..ولا حاجة..اقتربت منه وملَّست على وجنتيهِ وتابعت حديثها: 

-حبيبي مش مهم إنتَ تبع مين، المهم إنَّك عملت إيه ليكونوا تبعك، وأنا متأكدة إنِّ جوزي أحسن راجل في الدنيا، أنا مش عايزة غير أرسلان وبس.. 


تنهَّدَ بألمٍ يحتوي رأسها بين راحتيه، ثمَّ رفعَ رأسهِ وهو يمسحُ على وجهها:

-هتقولي كدا حتى لو لقيط؟..

-بس إنتَ مش لقيط ياأرسلان..

سلَّطَ بصرهِ يهزُّ رأسهِ قائلًا:

-ليه متأكدة كدا؟.، 

-أنا مؤمنة، إنِّ شخصية بالطريقة دي متطلعشِ إلَّا من ناس عارفين خلق ودين، وإنتَ أكيد عارف كلمة لقيط يعني إيه..

اعتدلَ واقفًا ثم نزلَ بنظرهِ إليها: 

-هعرف ياغرام، وأتمنى أسمع الكلمتين اللي قولتيهم من شوية.. 


ناظرتهُ بأعينٍ مشتتة جاهلةً حديثه، لترفعَ كتفها بجهلِ حديثه..

جاهدَ بإخفاء اعتصارِ قلبه، واستدارَ قائلًا:

-قصدي هتفضلي متمسكة بيا حتى لو كنت لقيط؟.،

-ومش هبعد عنَّك ياأرسلان، حتى لو قولتلي إنِّ أهلك قتلوا أهلِ قارون، أنا متجوزة أرسلان مش متجوزة أهله.. 

توقَّفَ مستديرًا يشيرُ إليها؛ 

-تعالي في حضنِ حبيبك بقى بعد شوية التلج بالكلامِ الحلو دا..


مرَّت عدَّةِ ساعات، حاولَ الوصولَ فيهم إلى إلياس ولكن هاتفهِ مغلق، مسحَ على وجههِ بألم، ثمَّ نظرَ بساعةِ يده:

-أنا هخرج علشان أطَّمن على بابا، الدكتور أجِّل العملية أسبوع، وعمُّو بيقولِّي بابا رافض أيِّ علاج غير لمَّا يشوفني.. 

-تمام ياحبيبي، هجهز وآجي معاك.. 


بعد فترةٍ دلفَ إلى غرفة فاروق، وهو يحملُ باقةً من الزهور، كانت تجاورهُ صفية وإسحاق، نهضت من مكانها مبتسمة:

-حبيب قلبي، ليه جيت وإنتَ تعبان يابني 

فتحَ فاروق عينيهِ يردِّدُ اسمه، اقتربَ منه وانحنى يطبعُ قبلةً فوق جبينه: 

-حبيبي عامل إيه؟.. 

اغروقت عيناهُ بالدموعِ قائلًا بنبرةٍ متقطعة:

-كدا ياأرسو نسيت أبوك ومش عايز تشوفني؟..

قاطعهم إسحاق الذي توقَّفَ يرمقُ أرسلان بابتسامةٍ ساخرة، قائلًا بنظرةٍ متهكِّمة:

-لا وشوف الباشا جايب لك إيه، ورد، اقتربَ يسحبُ إحدى الورود يستنشقها، ثمَّ رفع عينيهِ إلى أرسلان:

-طيب استنضف يا متخلف، ايه رأيك في زيارة ابنِ الجارحي يافاروق..

لمعت أعينُ فاروق بالسعادةِ من نطقِ إسحاق بتلك الكلمة فاستطرد:

-ابنِ الجارحي يجيب اللي يعجبه ياإسحاق، ملكشِ دعوة بيه، بسطَ كفِّه إليه: 

-تعالَ ياحبيبي أقعد جنبي عايز أتكلِّم معاك في موضوع مهم..أومأ أرسلان بهدوء، تطلَّعَ إسحاق إلى صفية: 

-تعالي ياصفية نشوف دينا، لحدِّ ماأرسو يعرَّفنا أخلاق عيلة الجارحي وقيمها..قالها بمغذى وتحركَّ للخارج.. 


جلسَ يحتضنُ كفَّ فاروق ثمَّ انحنى يطبعُ قبلةً على راحته:

-ألف سلامة عليك ياحبيبي..ابتسمَ بعيونٍ دامعة:

-من قلبك ياارسلان..توسَّعت عيناه مذهولًا، لينطقَ معترضًا:

-إيه اللي بتقوله دا حبيبي، أفديك بعمري لو احتجتني.. 

داعبَ وجههِ ونطق: 

-كنت متأكد ياحبيبي واللهِ كنت متأكد إنَّك مش هضيع تربيتي وأخلاقي اللي زرعتها فيك..

قابلَ كلماتهِ بالصمتِ لثواني حتى أردفَ فاروق: 

-أنا ربِّيتك وعمري في يوم ماحسِّيتك إنَّك مش ابني، حتى بعد ماربِّنا رزقني بملك.. واللهِ يابني أنا كنت مكتفي بيك بس جدِّتك الله يسامحها بقى خيَّرتني بينك وبين والدة ملك، واضَّطريت أوافق بس معملتش كدا برضو غير بعدِ إصرار والدتك على الجوازة دي، كنَّا عايزين نعيش بهدوء، المهم اسمعني كويس، ملك أختك أوعى في يوم من الأيام تتخلَّى عنها، هي مالهاش ذنب، انا كتبت وصية لو حصلِّي حاجة هتوصلك، وتأكَّد إنَّك أجمل هدية ربنا رزقني بيها..

-وحضرتك كمان يابابا، أجمل أب عمري ماشكِّيت في يوم من الأيام مكنشِ ابنك، لكن سامحني، انا مابقتشِ أنتمي لعيلةِ الجارحي مش حقِّي.، 

ضغطَ فاروق على كفِّ أرسلان وتابعَ حديثهِ بإرهاق: 

-متقولشِ كدا ياحبيبي، إنتَ ابني وهتفصل ابني لحدِّ ماتقابل وجهِ كريم، وأنا اتَّفقت مع أخوك وعمَّك إسحاق على كدا.  

-أخويا !!..أنا ليا أخ، يعني ليَّا عيلة ونسب، حضرتك بتقول إيه؟!.. 

ابتسمَ يشيرُ إليه، ليهبطَ برأسهِ إلى مستواه:

-ليك اخ وعيلة تتشرَّف بيها، وهو هيوصلَّك قريب، لولا وعدي له كنت قولت لك، بس اللي أقدر أقوله لك، هو قريب منَّك أوي، وبتحبُّه كمان..قالها بهذيانِ ثنايا العقلِ والتشوُّشِ لديه حينما قلَّ نبضه، وتنفُّسه، ليتوقَّفَ أرسلان:

-بابا اهدى، خلاص ماتتكلمش، دلفَ الطبيبُ سريعًا على صوتِ الأجهزة، قبضَ على كفِّ أرسلان يهمسُ بتقطُّع: 

"ملك وصيِّتك يابنِ فاروق..وصلَ إليهما إسحاق يزمجرُ بالطبيب:

-إيه اللي بيحصل هنا؟..ولكنه تشبث بكف ارسلان وحاول الحديث

-اخوك...أبعده الطبيب يفحصه، ثم رفع عيناه إلى اسحاق 

-لازم يدخل عمليات فورا 


بمنزل إلياس 

استيقظ من نومه، وجد مكانها فارغًا، نهض متجهًا إلى الحمام يبحث عنها ولكنها غير موجودة، فتح الكاميرات يبحث عن مكانها..توقف لبعض اللحظات حتى شعر بانسحاب الدماء من عروقه، مع ارتفاع رنين هاتفه، رفعه ومازالت نظراته على الشاشة 

-إلياس ..اسف بس لازم تيجي حالًا، مدام ميرال...بتر حديثه

-جاي وممنوع حد يقرب منها ...قالها وأغلق هاتفه ....

الفصل الخامس والعشرون من هنا

تعليقات



×