رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد و العشرون 21 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والعشرون  بقلم سيلا وليد   

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


مِل بكتفك عليَّ سأعطيك أمانا أفتقده..

رغما عن تكدّس الأشياء السيئة داخل صدري..

رغما عن تخبطي المتكرر في اماكن عديدة

ثابت أنا لكن داخلي ينتفض ويبكي ويحترق..

أود أن أخبرك أنك تسكنني فكرا وحبا،،

أحببتك بإفراط للحد الذي شعرت أنني لا أصلح لأحد غيرك..

وبأن الحب الذي في صدري خلق لك وحدك...

لكن كم هي قاسية تلك التراكمات التي تجعلنا نقسو رغم حناننا ونبتعد عنهم رغم حاجتنا لهم...

ونصمت رغم تكدس الكلمات في صدورنا..

كم هي قاسية تلك التراكمات التي تجبرنا أن نكون على غير حقيقتنا..

ف العشق ُ إنْ ملَكَ القلوبَ أذلّها

حتى يطولَ عناق ُ مَن تهواه 


فوق الرموش ِ أراكَ طيفا ً ساكنا

لكنَّ حبَّكَ في الحشا سُكناه ُ


حبي لوجهك خالد ٌ ومخلد ٌ

أيموت ُ حبٌُّ في دمي مجراهُ...


اتَّجهَ يحاوطُ ذراعيها مع ضغطها على الزنادِ لتتَّسعَ حدقتيهِ بفزعٍ وهو يرى أنَّ الرصاصةَ استقرَّت بكتفِ إسلام.


ألقت السلاحَ وبدأت بوصلةِ صراخٍ تضعُ كفَّيها على أذنها، اتَّجهت فريدة بنظرها إلى مصطفى: 

-إسلام..نطقت بها بذعرٍ وهي ترى الدماءَ التي لوَّنت قميصه، أشارَ مصطفى بيدهِ إليها: 

-اهدي يافريدة، هوَّ كويس..قالها مع احتوائهِ لذراعِ ابنه، دنا إلياس وعينيهِ على موضعِ جرحه، جثا أمامه: 

-ورَّيني كدا اتصبت فين..قالها بلسانٍ ثقيلٍ وهو يسحبُ ذراعه، ليطبقَ على جفنيهِ محاولًا الضغطَ على أعصابهِ حتى لا يلتفتَ إليها ولا يتركها سوى قتيلة.


ضمَّتها فريدة لأحضانها محاولةً السيطرةً على بكائها قائلة:

-حبيبتي اهدي ياعمري، إسلام كويس، ميرو اهدي، جثت على الأرضيةِ تبكي بشهقاتٍ مرتفعة..توقَّفَ إلياس متَّجهًا إليها بعدما فقدَ اتزانهِ والتَّحكمَ في أعصابه: 

-عجبك كدا، بتعيطي ليه دلوقتي، هتفضلي لحدِّ إمتى متهورة، قوليلي لحدِّ ماتموِّتي حدِّ فينا..

توقَّفت فريدة أمامهِ وهدرت بهِ بعنف:

-ممكن تسكت، إنتَ مش شايف حالتها عاملة إزاي، خد أخوك وروح المستشفى بدل ماحضرتك واقف تعاتبها خدها في حضنك وهدِّيها..

كزَّ على أسنانهِ وتحوَّلت عيناهُ لنيرانٍ جحيميةٍ يشيرُ على إسلام: 

-أروح المستشفى وياترى لو سألوني أقولهم إيه، مراتي مجنونة وكانت عايزة تنتحر، كلِّ ماتغلط وتزهق تمسك المسدس وعايزة تموت، انحنى إليها ولم يكترث إلى صياحِ مصطفى عليه: 

-إنتِ جبتي أخرك معايا، أنا مش متجوِّز مجنونة ولا طفلة علشان كلِّ ماتضايق تجري تمسك المسدس وبتهدِّدنا بيه، إنتِ كبيرة يامدام والمصيبة هتكوني أم، إيه لمَّا تغضبي من ولادك هتموِّتيهم..نظراتٌ قاسيةٌ يرمقها بها كمن تلبَّسهُ شيطانٌ وليس معشوقِ قلبها..رفعت عينيها لتقابلَ عينيهِ القاسيةِ، ليستوطنَ الألمَ بداخلها ونيرانًا تأكلُ صدرها، استندت على فريدة ونهضت بتخبُّطٍ متحركةٍ للخارجِ بقلبٍ محترقٍ من قساوةِ كلماته، دلفت إلى غرفتها القديمة وأغلقت الباب خلفها، ثمَّ هوت خلفه، تبكي بشهقاتٍ مرتفعةٍ تضعُ كفَّيها على فمها تمنعُ صوتَ بكائها، ظلت لدقائقَ وعيناها خيرُ دليل على ماتشعرُ به..حتى ارتجفَ جسدها بالكامل، استمعت إلى طرقاتِ غادة على بابِ الغرفة:

-ميرو افتحي الباب ياقلبي طمِّنيني عليكي، نهضت من مكانها وأردفت بصوتٍ متقطِّعٍ باكي: 

-عايزة أقعد لوحدي ياغادة لو سمحتي، قالتها وخطت إلى غرفةِ ملابسها، تبحثُ عن شيئٍ ترتديه، جذبت أحد قمصانها وارتدتهُ ومازالت كلماتهِ تتردَّدُ بأذنها، اتَّجهت إلى فراشها تتمدَّدُ عليه، حينما شعرت بالخدرِ يتسرَّبُ إلى جسدها وكأنَّها ستفقدُ الوعي..لم يمرّ دقائقَ معدودة وغرقت بغيبوبةِ فقدانها للوعي، مرَّت فترةٌ بعد الاطمئنانِ على إسلام وإحضارِ الطبيبِ وإخراجِ الرصاصةِ من ذراعه، توجَّهت فريدة إليها، جلست بجوارها تمسِّدُ على خصلاتها، مرَّرت أناملها على وجنتيها تزيلُ آثارَ دموعها ثمَّ انحنت تقبِّلُ جبينها: 

-عارفة اللي بتمرِّي بيه صعب يابنتي، ربنا ينتقم من راجح ورانيا، ظلت تمرِّرُ كفَّها على خصلاتها إلى أن دلفَ إلياس إليها: 

-نامت؟..أومأت متوقِّفةً ثمَّ دنت منه وأخبرتهُ بعتاب:

-اللي عملته غلط وغلط كبير، إنتَ مكنتش هناك وشوفت اللي اتعرضناله..


زفرةٌ بقوةٍ وردَّ بنبرةٍ حادة:

-ومين اللي وصَّلكم لكدا، حضرتك اللي رحتي هناك وكأنِّك مقطوعة من شجرة، ولَّا المدام اللي أهمِّ حاجة عندها إنَّها تعاندني وخلاص، إيه يامدام فريدة تغلطوا الغلط وتلبسهوالي، خمس دقايق بس لو اتأخَّرت فيهم كان ممكن يكون بدفنها دلوقتي، دا واحد مجرم وحاولت أفهِّمها الوضع وبلاش شغل لحدِّ ماأشوف هعمل إيه معاه، قالت بتحرمني وبتخنقني، وأهو دي نتيجة عمايل المدام..

-إلياس حبيبي اهدى المواضيع مبتتاخدش كدا، خطا إلى نومها مستغربًا سكونها بتلك الطريقة، رفع ذقنها بأنامله: 

-ميرال!! ردَّدها عدَّةِ مرَّاتٍ ولكن لا رد، 

جذبَ عطرها وقرَّبهُ لأنفها ينظرُ لوالدته:

-مغمى عليها، هاتي لها عصير..قالها وهو يرفعُ نصفَ جسدها؛ 

-ميرو ..فوقي..ردَّدها وبدأ يلمسُ وجنتيها مع تقريبِ عطرها من أنفها، رفرفت أهدابها عدَّةِ مراتٍ تتأوَّهُ بألمٍ يضربُ رأسها، استدارَ يضعُ الزجاجةَ على الكومدينو، ثمَّ اتَّجهَ إليها يمرِّرُ أناملهِ بحنانٍ على وجهها: 

-ميرال سمعاني، فتحت عينيها لتقعَ على عينيهِ القريبة، كانت حالتها مزرية، عيونها المنتفخةِ من البكاء، مع احمرارِ شعيراتها الدموية، وأنفها المحمَّر، اعتدلت مبتعدةً عنه تحتضنُ رأسها مغلقةً عينيها بدخولِ فريدة تحملُ كوبًا من العصير، نهضَ من مكانهِ حينما بسطت فريدة كفَّها بكوبِ العصير، وتحرَّكَ للخارجِ دون حديث..جلست بجوارها تنظرُ إلى  خروجهِ بتنهيدةٍ حزينة، ثمَّ حاوطت ميرال بذراعها: 

-حبيبتي اشربي العصير، أكيد عندك هبوط.. 

وضعت رأسها على كتفِ فريدة: 

-ماليش نفس واللهِ ياماما، إسلام عامل ايه؟..رفعت رأسها وبدأت تساعدها بارتشافِ العصير قائلة:

-إسلام كويس حبيبتي، الدكتور طمِّنا، ياله اشربي عصيرك كلُّه، أنا خليتهم يعملولك الأكل اللي بتحبيه.. 


تمدَّدت مرةً أخرى بعدما شربت نصفَ كوبها قائلة:

-عايزة أنام ياماما مش عايزة آكل أو أشرب، لازم أرتاح علشان أعرف آخد قرار في حياتي الجاية.

توقَّفت فريدة تجذبُ غطاءً خفيفًا ودثَّرتها به قائلة:

-نامي ومتفكَّريش غير في ابنك وبس، تمام حبيبة ماما.. هروح أجهزلك الأكل

ترقرقت عيناها بالدموع:

-بس أنا مش بنتك، ليه مطلعتش بنتك ياماما، ليه حظِّي كدا، حتى الراجل اللي حبيته طلع قاسي أوي، ليه بيحصل معايا كدا؟..


مسَّدت على خصلاتها وردَّدت مستنكرةً ماقالته:

-ليه بتقولي كدا حبيبتي، هوَّ أنا مش ماما، محدش له حق فيكي قدِّي ياميرال، وجوزك مفيش أحنِّ منه بس الضغوط اللي عليه كتيرة يابنتي، عايزة منِّك تهدي وبلاش تسرُّعك، مينفعشِ كلِّ حاجة نهدِّد بإنهاء حياتنا فين إيمانك يابنتي، عايزة تقابلي ربنا كافرة ياميرال!..


عند إلياس خرجَ للحديقة، توقَّفَ أمام المسبح يضعُ كفوفهِ بجيبِ بنطاله، رفعَ عينيهِ لضوءِ القمر الذي يسطعُ نورهِ ويغطِّي الكرةَ الأرضيةِ بتمامِ اكتمالهِ بمنتصفِ الشهر..ظلَّ لعدَّةِ دقائقَ ينظرُ لنورهِ وذكرياتٍ تمرُّ أمامَ عينيهِ من كلماتهِا عن جمالِ الليالي القمرية للعاشقين، التوت زوايةِ فمهِ وابتسامةٍ ساخرةٍ تجلَّت على وجهه:

-القمر والبحر والحب..إيه الارتباط معرفش، ستَّات هبلة..استمعَ إلى رنينِ هاتفه، أخرجهُ ينظرُ للمتصل:

-أيوة !!

عرفت لك مكان راجح فين، في فيلا بالمريوطية، الفيلا باسمِ طارق ابنه، فيه حاجة كمان عايز أقولك عليها، 

فيه ظابط بيعمل تحرِّيات عليك وعلى مدام فريدة..ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا: 

-مين دا ؟!

ردَّدَ اسمَ الضابط إليه، فتراجعَ إلى المقعدِ قائلًا:.

-الصبح تعرف لي ليه بيدوَّر ورايا، وإيه حكايته أكيد وراه راجح، بس قبلِ الحكم هاتلي قراره..


قالها وأغلقَ الهاتفَ ينظرُ أمامهِ بشرود:

-وبعدهالك ياراجح، بتعجِّل بموتك ليه، أنا مش عايز أموِّتك دلوقتي..حكَّ ذقنهِ وتذكَّرَ أمرَ قتله: 

-ودا أبعده إزاي عن القتل، أنا لازم أعذِّبه في حياتهِ زي ماعذَّبنا، ياترى هعرف اوصل لأخويا، ياترى هو عايش ولا ..اغمض عيناه ونيران متقدة بصدره كلما تذكر له ولأخيه، استند بظهره على المقعد محاولًا التفكير بشؤنه القادمة، ماذا سيفعل، هل سيظل بكنيته ام سيغير إلى والده الحقيقي، بدأ يحدث نفسه

-إزاي بعد العمر دا كله أغير اسمي، غابت ذكرياته وبدأ الألم فريسته التي تنهش بداخله، وبدأ يردد بلسانه

-يوسف جمال الشافعي 

-إلياس مصطفى السيوفي، معقول العمر دا كله باسم غير اسمي، معقول حياتي كلها سراب، ازاي ..بدأ يفرك جبينه وألم رأسه يسيطر عليه 

-راجح، الراجل المتقلب، ياترى ياراجح هتكون السبب في موت اخوك، ولا هيكون قضاء وقدر، استمعَ إلى صوتِ مصطفى: 

-مراتك عاملة إيه؟..

-كويسة هتعمل إيه..جلسَ بجوارهِ يربتُ على كتفه: 

-اعذرها حبيبي، البنت كانت في موقف صعب..

التفتَ إليه ينظرُ بصمتٍ للحظاتٍ ثمَّ نطقَ مستنكرًا ما فعلتهُ فريدة وميرال:

-أنا مش عارف ليه حضرتك بتحسِّسني أنُّهم كانوا بيتفسحوا، مراتك كانت بين إيدين مجرم، تخيَّل لو أرسلان معرفشِ مكانها كنت هتعمل إيه..توقَّفَ وابتعدَ عن نظراتهِ واستطرد:

-بابا مش هفضل أسامح لحدِّ ما في يوم تموِّت نفسها وتموِّت حد من البيت، استدارَ يطالعه:

-ميرال اتجاوزت كلِّ الحدود، عارف إنَّها مضغوطة وحالتها متسمحش، بس لازم تعرف إنَّها مش ستِّ عادية دي مرات ظابط أمنِ قومي، يعني لا قدَّرَ الله ممكن في أيِّ وقت توقع بين أيدي الارهابين اللي بنحاربهم، وقتها لازم تدافع عن نفسها متكنشِ مطمع يابابا، مراتي ماتتهدِّدش، ومش معنى أنا مجرتشِ ورا راجح يبقى اتقبِّلت اللي عمله، لا مكنشِ ابنِ مصطفى السيوفي إن مخلِّتوش يكره اليوم اللي قابلني فيه، يبقى وقتها اعرف إنَّك معرفتش تربيني..


توقَّفَ بمقابلته، وحدقهُ بعيونٍ مستفهمة:

-ناوي على إيه يابنِ السيوفي؟..ماتضغطشِ على البنتِ ياإلياس، البنتِ مالهاش ذنب.. 

-ولا أنا ليا ذنب، ذنبي إيه أعيش طول حياتي باسمِ غير اسمي، ذنبي إيه وأنا حاسس إنِّي سارق حياة مش حياتي، ذنبي إيه ولادي يجوا على الدنيا وجدُّهم واحد حقير ممكن يكون قاتل أبو باباهم، دنا يتعمَّقُ بعينيهِ بعينِ مصطفى وتابعَ بنبرةٍ منكسرة:

-ذنبي إيه وأنا بعامل أمِّي بمنتهى القسوة علشان أثبت لقلبي إنِّي مابحبَّهاش علشان خايف أخون أمِّي الميتة، ذنبي إيه وأنا ليَّا أخ وبحاول أتذكَّر أيِّ حدِّ أكون عاقبته ويكون قريب مني أو من أمِّي بالشبه، ذنبي إيه وأنا بقوم بالليل مفزوع خايف ليخطف مراتي أو يموِّت حد من أخواتي..دا وصل لقلبِ بيتنا مرة، والمرَّة التانية سحب أمي ومراتي، منتظر مني أصقف له..

تراجعَ بجسدهِ للخلف وهو يهزُّ رأسهِ بالنفي مستنكرًا هدوءَ مصطفى:

-معرفشِ ليه لمَّا ضرب عليك نار نكرت دا قدام النيابة!..

-علشان دا اللي حصل، إحنا رجال قانون ياإلياس، أنا غيرك لازم دلائل يابني، وقتها كان هيخرج، ماهو مفيش حاجة تدينه، كنت هتقولُّهم شكِّيت فيه، زي خطفه لفريدة وميرال إيه اللي يثبت، لو قولت مراتك أو والدتك هيعمل مليون حيلة علشان يطلَّع والدتك بتتبلَّى عليه، وهيقلِّب في القديم، ومحدِّش هينضَّر غيرك إنتَ وأخواتك، عرفت ليه أنا محبِّتش أعمل شوشرة..

-بابا ..صاحَ بها بعنفٍ وأشارَ بسبباته:

-أنا مش هرحمه، وكنت مستحيل أقدِّمه للشرطة، بالعكسِ أنا ببعده عن كلِّ التهم، ومش بس هسحبه من تحتِ المنظَّمات اللي بيعمل فيها، عايزه نضيف علشان أشرَّبه المر اللي شرَّبه للكل.. 

-إلياس..رفعَ كفَّيهِ معتذرًا:

-آسف مش هسمع كلامك، ولا كلام أيِّ مخلوق، ولو ليَّا معزَّة عند حضرتك زي مابتقول، حياتي الخاصة محدش يتدَّخل فيها، علشان مزعلش..قالها واستدارَ متحرِّكًا للداخل، وصلَ إلى غرفةِ ميرال،  دلفَ للداخلِ وجدَ فريدة تطعمها، رفعت عينيها وتقابلت نظراتهما إلى أن سحبت عينيها من مرمى نظراتهِ القاسية..


-اسمعيني كويس يابنتِ مدام فريدة، وعايزك تُحطِّي تحت كلمة مدام فريدة ملايين الخطوط، علشان لو سمعتك في وقت تنسبي نفسك لراجح هموِّتك بإيدي، ومتعشيش دور المظلومة، إحنا الاتنين في الهوا سوا، يعني إحنا الاتنين اتحطِّينا تحتِ أمر واقع ولازم نتقبِّله، اقتربَ منها وعينيهِ مازالت تحاوطُ جلوسها وتابعَ حديثه:

-ابنك اللي في بطنك دا أغلى منِّي شخصيًا، ميرال السيوفي لازم تكون قدِّ الكلمة مش مجرَّد زوجة أضواء وبس، عايز ست أقدر أعتمد عليها في أقسى ظروفي، مش واحدة مجرَّد ماأيِّ حيوان يهدِّدها تجري تعيَّط وتضعف وتنتنحر، أنا الستِّ دي متلزمنيش..أنا قولت لك قبل كدا أنا مستحيل أطلَّقك إلَّا إذا إنتِ طلبتي، بس قبل ماتتنططي وتقولي طلَّقني متنسيش إنِّك حامل في ابني..


طالعتهُ بعيونٍ متلألئةٍ بالدموعِ اللؤلؤية، وارتعشَ جسدها بقلقٍ وخوفٍ من قسوةِ كلماته..سحبَ نفسًا وابتعدَ عن نظراتها حتى لا يضعفَ وتابع: 

-مفيش خروج من البيت إلَّا وأنا معاكي، الكلب دا مش هيسيبك غير لمَّا يحرق قلبي بابني، متفكريش إنِّك تهمِّيه، هوَّ عايز يدوس عليَّا أنا وأمِّي وبس، ياريت تسمعي الكلام وتعقلي، أنا عمري ماوقفت قدام مستقبلك، بالعكس كنت داعم من أوِّل ما دخلتي الكلية لحدِّ دلوقتي، بس دلوقتي خلاص مبقاش ينفع نطاطي.. 


أغمضت عينيها محاولةً الضغطَ على أعصابها حتى لا تصرخَ بوجهه، ظلت تستمعُ إلى كلماتهِ أو بمعنى أصح قسوة سجنهِ إلى أن انتهى.. 

رفعت عينيها أخيرًا إليه وأخرجت حروفها متقطِّعةً مثل حالِ قلبها الذي انشطر:

-أنا مش مسجونة قدامك ياحضرةِ الظابط، علشان تكلِّمني بالطريقة دي، وزي ما سمعت كلامك لازم تسمعني.. 

-مالكيش كلام عندي.. 

اشتعلت حدقتيه كجمرات ملتهبة، حاول تمالك اعصابه، ولكنه كان كالذي يقف فوق تل من النيران، ليقترب منها 

-الكلام دا تبليه وتشربي ميته، مالكيش رأي بعد رأيي واحمدي ربنا اني لسة هتقبلك في حياتي بعد بلاويكي


اخترقت كلماته صدرها كالرمح المشتعل، فسحبت نفسًا قويًا لتثبط نوبة بكاء أوشكت على الانفجار واردفت بهدوء رغم الضجيج الذي يحاوط دواخلها

-وأنا مش موافقة..

-مش مهم توافقي أو ترفضي، رأيك مايهمنيش


هبَّت فريدة من مكانها تطالعهُ بذهولٍ وتمتمت بعتاب:

-لا واللهِ ودا قانون مين؟.. 

قانوني..قالها وهو يضعُ سلاحهِ على الكومدينو، ثمَّ رمقَ ميرال بنظرةٍ سريعة:

-قربت لك المسافة يامدام، علشان ماتجريش عليه زيِّ الطفلة..

تنهَّدت فريدة مستديرةً إليه:

-هوَّ إنتَ يابني جايب القسوة دي منين، مش معقول تكون ابنِ جمال. 

-ومين قالِّك أنا ابنِ جمال..قالها بدخولِ مصطفى وتوقُّفهِ على بابِ الغرفة، أشارت إليه:

-مصطفى خد الواد دا من قدامي.. 

-واد وياخدني، ليه عايز الرضعة، 

إيه يامدام فريدة تغلطوا الغلط وتلبسوهالي، ولَّا بتسبقيني علشان معقبكوش على اللي عملتوه إنتِ وباربي هانم..


تعاقبني، لدرجة دي ياإلياس عايز تعاقب أمَّك؟!..

دنا منها وانفجرَ بكلماتهِ التي حاول كبتها: 

-منتظرة منِّي إيه، أنا دخلت لقيت مراتي بطنها مفتوحة يامدام وهي حامل وباعتة تقولِّي بلاش توصَّلني أذلَّك، اتَّجهَ ببصرهِ إلى ميرال وجزَّ على أسنانه: 

-عايز أعرف المدام هتذلِّني إزاي، دنا ونسي ما تشعرُ به وانحنى بجسدهِ يحرقها بنظراتهِ، وكبريائه اللعين يحرقه من كلماتها التي ذبحت رجولته، كيف يصمد أمام ذلك حتى لو كان كان عشقها موشوم بوريده، لابد أن يدعس على ذاك النبض حتى لا يفقد كبريائه ورجولته، فهدرَ بصوتٍ اهتزَّت له جدرانَ المنزل: 

-ياله يامدام عايز أعرف هتذلِّيني وتكسريني إزاي، هوَّ فيه أكتر من واحد زبالة يصوَّرك وهوَّ بيحرَّك إيده على جسمك ويقهرني، أنا اتذلِّيت بيكي يامدام وأنا عاجز ومش عارف أوصلِّك ودماغي هتنفجر من العجز.. 


وضعَ كفَّيهِ على عنقها يقرِّبها إليه يهمسُ إليها بهسيسٍ مرعبٍ، عندما اشتعلَ فتيلُ غضبهِ ليحرقَ قلبه: 

-فيه اكتر من كدا ذل ومراتي تحت إيد واحد *** 

أبعدتهُ فريدة تدفعهُ بغضبٍ بعيدًا عنها بعدما ازدادَ بكاؤها، وصرخت باسمِ زوجها:


-مصطفى ..قالتها وهي تطالعُ ميرال بعيونٍ حزينة:

-برضو هتقولي مصطفى، مصطفى دا يجي علشان ياخدك من أوضتي مش علشان ياخدني ياماما، حياتنا الخاصة محدش يدَّخل فيها، وياريت حضرتك تسبيني مع مراتي شوية.. 


توسَّعت عيناها بذهولٍ متمتمة:

-للدرجة دي ياإلياس!..التفتَ إليها: 

-لدرجة إيه يامدام فريدة، حضرتك لغيتي وجودنا وجريتي ورا تهديد واحد جبان بيستخبَّى ورا الستات، خايفة منُّه ليه؟..مش لمَّا يكون راجل نعملِّه حساب..

نيرانٌ فقط لا يشعرُ سوى بنيرانٍ تسري بجسدهِ وهو يتخيَّلُ وجودهما بين قبضته، ضغطَ بقوَّةٍ على الكوبِ الموضوعِ بقربهِ حتى تهشَّمَ بكفِّه، وصرخَ بصوتٍ جهوري:

- مش عايز أسمع صوت، متبقوش غلطانين وتيجوا توقفوا قدامي وتقولوا أعمل إيه، المدام سمعت شروطي ودا لو عايزة نكمِّل مع بعض..

-وأنا مش عايزة أكمِّل معاك يابنِ عمِّي.


اتَّسعت ابتسامته، ورغم أنَّ كلماتها أصابتهُ كسهمٍ مسموم، إلَّا أنَّهُ هزَّ رأسهِ مردفًا:

-حاضر، بس مترجعيش تعيَّطي، أنا هكون معاكي راجل لصلةِ الدم وعلشان الستِّ دي مش أكتر، إنَّما إنتِ متهمِّنيش، مببكيش على الستِّ اللي تحاول تدوس على رجولتي، قالها وتحرَّكَ يصفعُ البابَ خلفه. 


رفعت عينيها التي امتلأت بالدموعِ إلى فريدة: 

-عجبك كلامه، شوفتي بيقول إيه..

ضمَّتها لأحضانها ولم تجبها، ولكنَّها تنهَّدت بألمٍ تشعرُ بثقلٍ يطبقُ على صدرها، ظلت تربتُ على ظهرها إلى أن غفت بأحضانها.


عند يزن: 

خرجَ من الورشةِ يرتدي نظارتهِ الشمسية، وتوقَّفَ أمام صاحبِ الورشة:

-شوف حضرتك عايز تعمل إيه ياعمُّو وأنا معاك، بس فكَّر في الفكرة اللي قولت عليها، نكبَّر الورشة دي، ونشتري المخزن اللي جنبك ونعمله أجنس كبير.. 

أومأ الرجلُ برأسه، 

-هفكر يابني بس الموضوع هيكلف يايزن

-على قد مايكلف ياعمو بس هيجزي بعد كدا، فكر ورد عليا ..قالها ثمَّ اتَّجهَ إلى دراجتهِ البخاريةِ وتحرَّكَ متَّجهًا إلى الشركة، وصلَ بعد قليلٍ إلى مكتبِ رحيل، دفعَ البابَ ودلفَ وجدها تجلسُ مع أحدِ المهندسين، ألقى السلام واتَّجهَ إلى المقعدِ وجلس منتظرًا انتهاءها، توقَّفت تنهي حديثها قائلة:

-نكمِّل في وقتِ تاني ياباش مهندس، ثمَّ اتَّجهت إلى جلوسِ يزن: 

-أهلًا بحضرتك ياباشمهندس، أخرجَ جوازَ سفرها وألقاهُ أمامها: 

-جواز سفرك جدَّدته واجهزي علشان هنسافر بكرة، باباكي هيسافر النهاردة بالليل.. 

اتَّقدَ الغضبُ كالنيرانِ التي تشتعلُ تحت مرجلٍ ليغلي صدرها مثل مياههِ وهدرت:

-ومين اللي أمر بكدا؟. تراجعَ بجسدهِ للخلفِ والتقطَ غضبها وصوتها المرتفع بهدوئهِ الباردِ وهو ينقرُ فوق المكتب:

-مابحبش أعيد كلامي، بلاش تخلِّيني أوصل لمنعك من السفر، نهضَ من مكانهِ وعينيهِ تحاورها قائلًا:

-هستناكي بالليل في بيتنا، أحست بارتفاع ضغط دمها، فتوقَّفت بمقابلتهِ معقِّبةً على حديثهِ قائلة: 

-يزن أنا مش معترفة بجوازنا، ودلوقتي طلَّقني، دا لو اتجوِّزتني علشان تنقذني زي مابتقول، أنا دلوقتي متنازلة عن المساعدة..قالتها بمرارةٍ استشعرها بنبرتها، استدارَ إلى مكانها وحجزها بين ذراعهِ والجدار، وطافَ بعينيهِ على ملامحها البريئة:

-ومين قال أنا بساعدك، مش يمكن كنت بستغلِّك يارحيل؟..كتمت صرخة مهتاجة جاشت بصدرها، ورمقته بملامح مضجرة قائلة:

-يمكن!! يعني مش حقيقي.  

-رحيل ممكن تسمعيني.. 

-لأ مش عايزة أسمع حاجة، واتفضَّل أنا عندي شغل، انحنى يهمسُ لها: 

-قعدتك مع الباشمهندس دا لوحدكم مش مقبول، اتَّسعت حدقتها بالغضب، تدفعهُ بعيدًا عنها..أمسكَ كفَّها ووضعهُ على صدرهِ ليرتجفَ جسدها بالكامل، هربت الحروفُ من بين شفتيها، تطالعه بعيونًا ممزوجة بخط من الدموع، شعرَ برجفةِ جسدها فاقتربَ منها حتى اختلطت أنفاسهما: 

-رحيل لازم تسمعيني، أنا مش وحش زي ما بتقولي.. كانت نبرته لينة ورغم ذلك شعرت بها بنيران انتقامية، فدفعتهُ بقوةٍ وابتعدت عنه تلفظ الهواء المكبوت بداخل صدرها وردت: 

-ميهمنيش أعرف حاجة، اللي يهمِّني ورقة طلاقي وإنَّك تبعد عني.. 

شعر بثقل كلماته، ورغم ذلك بدا تصميمه جلي بعينيه، ليسحب نفسًا و

تنهَّدَ قليلًا، محاولًَا التماسكَ وكأنَّهُ مجبورًا على أن يصبرَ عليها، اقتربَ وعينيهِ تعلَّقت بها يخبرها:

-انا مضحكتش عليكي أنا اتجوِّزتك علشان أحميكي فعلًا، وكمان علشان فيه حاجة هتعرفيها بعدين.. 


تسمَّرت بمكانها وشيَّعتهُ بنظرةٍ أشبه بنيرانها التي تحرقُ صدرها ثمَّ تمتمت:

-لو كنت صريح معايا من الأوَّل يمكن كنت أدلتك عذر، بس دلوقتي للأسف إنتَ قدامي انتهازي واستغلالي، وانتقامي بشع ياباشمهندس، ولو سمحت حرَّرني أنا مش محتاجاك..

-تمام يارحيل، نرجع من السفر وبعدها أطلَّقك. 

-سفر!! وانتَ تسافر معايا بصفتك إيه إن شاءالله؟.. 

-جوزك..عقدت ذراعيها وردَّت بغضب:

-وأنا مش معترفة بيك زوج هترضاها على نفسك.. 

اغتاظَ من قسوةِ كلماتها ورغم ذلك رسمَ ابتسامةً باردةً وحاول الثبات هاتفًا:

-لمَّا ترجعي يارحيل، مقدرشِ أسيبك في فمِّ الديب، ارجعي وبعدين نتكلِّم.. 

استندَ بكفِّهِ على المكتبِ وغرزَ عينيهِ بمقلتيها:

-متفكريش هموت عليكي، أنا اتجوِّزتك علشان شوفتك ست ومحتاجة حماية، وعندي سببي الخاص، أكيد هتعرفيه بس في وقته إن شاءالله..قالها واستدارَ إلى البابِ قائلًا وهو يواليها ظهره:

-خلِّيهم يجهزولي مكتب علشان بقيت شريك 20٪؜من الاسهم، توقَّفَ والتفتَ برأسه: 

-مفيش اجتماع للشركة من غير علمي، روحي اطَّمني على مالك بيه وبعدين لينا كلام غير دا خالص.. 


بإحدى القاعاتِ التي تحضرُ بها إيمان دروسها، خرجت متَّجهةً لأحدِ الوسائلِ المشهورةِ بذاك المكانِ ويُعرف بالتوكتوك..أشارت إليه ليتوقَّف، ولكن وقعَ بصرها على كريم، خطا إلى وقوفها يشيرُ لصاحبِ التوكتوك:

-شكرًا يابني، الأستاذة عندها درس تاني..تهكَّمَ الولدُ وهو يوزِّعُ نظراتهِ عليهما بسخرية:

-وياترى درس أخلاقي ولَّا ثقافي ياأخينا، بقولِّك ياحلوة أنا بدِّي دروس ثقافية إنما إيه مدروسة بدقة، ماتسيبك منُّه وتعالي أنا أدِّيكي الدروس واحدة واحدة..غلت أوردتهِ فاقتربَ منهُ وجذبهُ يخرجهُ ليلطمهُ على وجهه، صرخت إيمان باسمه: 

-خلاص ياكريم، كريم ..ظلت تصرخُ ولكنَّهُ فقدَ سيطرتهِ واشتعلت عيناهُ بالغضبِ وهو يلكمهُ حتى تجمَّعَ بعض الشبابِ للخلاصِ بينهما ..حملت حقيبتها بعدما ابتعدَ عنه، وركضت بعيدًا عن الجمع، والكلّ يرمقونها بنظرةٍ اتهاميةٍ ساخطة، ركضت مسرعةً بخطواتها وانسابت عبراتها، هرولَ خلفها يصيحُ باسمها إلى أن وصلَ إليها يجذبها من ذراعها، رفعت يديها تشيرُ إليه بالابتعادِ ونطقت بنبرةٍ منزعجة:

-ابعد إيدك يادكتور، إيه شغل البلطجية دا، أومال لو مش حضرتك دكتور، كنت عملت إيه، خرَّجت مطوة وشوَّهت الولد.. 


قالتها واستدارت من أمامه، إلى أن هتفَ قائلًا:

-كنتي منتظرة منِّي إيه، إنتِ مش شوفتي كلامه..التفتت تحدقهُ بنظراتٍ جامدةٍ وردَّت بنبرةٍ حادةٍ قائلة:

-هوَّ قال إيه مش حقيقة، إنتَ مشفتش الناس بتبصِّ عليَّا إزاي، فكَّروكوا بتتخانقوا عليَّا، ليه تحطُّني في موقف زي دا..لا إنتَ ولا هوَّ تهمُّوني، أنا بفكَّر بنظراتِ الناس والمستر ليا هيفكَّرني بنت منفلتة، محدِّش يعرف إنَّك صديق أخويا، واللي هيعرف هيفكَّر فيه علاقة بينا..


اقتربَ مزمجرًا كأسدٍ يريدُ أن ينقضَّ على فريسته، وجذبَ رسغها بعنف:

-بت أنا اتحمِّلت لسانك مافيه الكفاية، غير دفعت من أعصابي علشان آخد الإذن من أخوكي البارد أقعد معاكي نصِّ ساعة، وضيَّعتي النصِّ ساعة في تفاهات، دا عيِّل زبالة ومفكَّرنا مقضينها.. 


تغضَّنَ وجهها بعبوسٍ تطالعهُ بعيونٍ مستفهمة، أنا معرفش حضرتك بتتكلِّم عن إيه، بس اللي فهمته إنَّك عايز تقعد معايا وأنا مش موافقة، مستحيل أقعد معاك برَّة بيتنا، وكمان من غير مايزن يعرف.


ثارت جيوشُ غضبه، حتى نفرت عروقهِ ليكوِّرَ قبضتهِ بعنف، يشيرُ على سيارتهِ وهو يسحبها من كتفها متَّجهًا إلى السيارة: 

-عدِّي الطريق معايا بدل ماأرميكي قدام العربية وأرتاح منِّك، توقَّفت تنظرُ لكفِّهِ المتشبثَ بذراعها ونزعتهُ بقوة:

-إنتَ صاحب أخويا أه، بس دا ميدكشِ الحق إنَّك تقرَّب منِّي كدا ولا تمسكني بالطريقة دي. 

-إيماااان..قالها من بين أسنانهِ واقتربُ يخطفُ كفَّها الصغير بين كفِّه الكبير ويسحبها إلى سيارته..

-وآدي اللي يحبِّ عيِّلة، يستاهل اللي يجرى له..لم تستمع إلى مايقوله، كلَّ ماشعرت به دفءَ كفِّهِ وكأنَّهُ يحتويها بين أحضانهِ وليس بين كفَّيه، التفتت تنظرُ إلى وجههِ القريبَ منها، كان ينظرُ إلى حركةِ السياراتِ السريعةِ ليعبروا الطريقَ للجهةِ الأخرى، لا تعلمَ ماهذا الشعورُ الذي طغى عليها حتى جعل 

جعلَ قلبها مضخَّةً عنيفة، حينما التفتَ إليها قائلًا:

-عدِّي بسرعة، قالها وعانقَ ذراعها ليتحرَّكَ بها سريعًا الى أن وصلَ الجهةَ الأخرى، كلَّ هذا ولم تشعر بما يدورُ حولها سوى من مسكةِ يديه..تركها بعدما وصلَ إلى سيارتهِ يشيرُ إليها: 

-اركبي فيه كلمتين هقولهم وهوصَّلك للبيت أنا مستأذن من يزن ياإيمان، مش معقول هجي لك هنا وأقابلك من غير ماصاحبي يعرف. 

-عايزني ليه يادكتور..فتحَ بابَ السيارةِ يشيرُ إليها: 

-ماهو لمَّا تركبي هتعرفي..نظرت إليه ثمَّ إلى السيارةِ، فهمَ ماتفكِّرُ فيه فأردف:

-خايفة منِّي ولا شاكة فيا..هزَّت رأسها رافضةً كلماته، ثمَّ تمتمت: 

-الموضوع مش كدا..لازم أكلِّم أبيه يزن أولًا، ثانيًا متعوِّدتش أركب مع حدِّ غريب.. 

اقتربَ منها وتوقَّفَ على بُعدِ مسافةٍ ليست بالقليلة، وردَّدَ وهو يستندُ على السيارة:

-أنا مش زي أيِّ حد، دا أولًا ، ثانيًا اتصلي بيزن مع إنِّي كلِّمته قبل ما آجي لك..


بفيلا إسحاق: 

ظلت أحلام تدورُ بالمنزلِ كالمجنونة، تردِّد: 

-مستحيل أخلِّي بنتِ بياع الخضار تجيب حفيدي، أنا حفيدي يكون أمه بتاعة خضار، ظلت تدورُ في الغرف، تشيرُ لرجالها: 

-تجبوها من تحتِ الأرض، البنت دي لازم تكون تحتِ رجلي حالًا قبل ماإسحاق يعرف لعبتنا، نزلت إلى الحديقة تدورُ بعينيها في المكانِ إلى أن وقعت عيناها على الملحقِ المجاورِ لحارسِ الفيلا، فهمت من نظراتهِ أنَّها تختبئُ هناك، هرولت تنادي على أحدِ الرجالِ متَّجهةً إليهما، توقَّفَ الرجل أمامها: 

-رايحة فين يا هانم، بنتي تعبانة ونايمة، لو سمحتي بلاش تخوِّفيها، نظرت للرجلِ الذي دفعهُ بقوةٍ حتى سقطَ على الارضِ ثمَّ أشارت على الباب: 

-اكسروا الباب..أطلقَ الرجلُ طلقةً واحدةً لينفتحَ البابَ بوصولِ إسحاق يقتحمُ البوابةَ بسيارتهِ المصفحة، ليخرجَ سلاحهِ من النافذةِ ويطلقَ على من يحاوطها، بلحظاتٍ وهو يدورُ بالسيارةِ إلى أن تخلَّصَ منهم جميعًا، ثمَّ ترجَّلَ من السيارةِ بخروجِ دينا تحتضنُ أحشاءها، وتردِّدُ اسمهِ ببكاءٍ لتهوى على الأرضِ مغشيًا عليه، هرولَ إليها يحملها بين ذراعيه، لتستغلَّ أحلام انشغالهِ بها، فركضت  إلى سيارتها وغادرت المكانَ سريعًا، رفعَ نظرهِ إلى سيارتها التي غادرت البوابة ، ثمَّ انحنى يضعُ زوجتهِ بالسيارةِ وهو يهاتفُ أحدهم: 

-العربية رقم (.   )تراقبها من غير ماتحس، شوفها هتوقف فين.. 


عند أرسلان: 

دلفَ للداخلِ متَّجهًا لعملِ التحاليلِ اللازمةِ لأخذِ الدماء، انتهى بعد قليل، وخرجَ بوصولِ إلياس يربتُ على كتفه:

-حمدَ الله على سلامة باباك، أومأ له دون حديثٍ وجلسَ على المقعد، جلس بجوارهِ متسائلًا:

-مش فاهم إزاي خرج ويدخل عمليات تاني، أغمضَ عينيهِ قائلًا: 

-بابا عنده لوكيميا، الدكتور لسة معرَّفني دلوقتي لمَّا سألته السؤال دا، وعملت تحاليل علشان نشوف تطابق الأنسجة، بس بيقولي هتتأجِّل أسبوع، لازم يفوق الأوَّل من الغيبوبة، وبعد كدا نشوف موضوع المرض.. 

-إن شاء الله هيفوق ويكون كويس، من رأيي تسافر بيه برَّة، هنا العناية مش قد كدا.. 

هزَّ رأسهِ بالرفضِ مردِّدًا:

-مينفعشِ إنتَ ناسي عمُّو وشغله، رفعَ عينيهِ إليهِ وهمسَ بصوتٍ خافت:

-عمِّو اتكشف دلوقتي، بعد ماخلصنا من الكلاب، وطبعًا العين كلَّها وقعت عليه، ومينفعشِ أخاطر ونسافر برة مصر، 

-أممم، علشان كدا كان مبيِّن أنُّه عقيد بالشرطة..

مسحَ على وجههِ وزفرةً حارةً أخرجها يتلفَّتُ حولهِ ينظرُ إلى أختهِ ووالدتهِ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ الى إلياس: 

-نسيت أسألك مدام ميرال عاملة إيه والبيبي؟.. 

-الحمدُ لله كويسين.

-ربنا يحفظهم لك..أومأ له قائلًا:

-متشكِّر، المهم لو احتجت حاجة يبقى كلِّمني، أنا لازم أمشي عندي شغل مهم.. 

توقَّفَ متحرِّكًا معهُ إلى خارجِ المشفى حتى وصلَ إلى سيارته: 

-هتعمل إيه مع راجح؟..فتحَ باب سيارتهِ وارتدى نظارتهِ ينظرُ إليه:

-ولا حاجة، أخلَّص قضيتي وأفضى له..

اقتربَ منه متسائلًا:

-إنتَ هتستقيل فعلًا، عرفت إنَّك مقدَّم استقالة، وكمان أنا معرفشِ إيه الموضوع كلِّ ماآجي أسألك أنسى..


أشارَ إلى المشفى وردَّ عليه:

-ادخل لوالدتك وأختك، متسبهمش لوحدهم، وإن شاءالله الدنيا تتحسَّن ونتكلِّم، لو احتاجت حاجة أكيد هتكلِّمني مش كدا؟.. 

ابتسمَ يومئُ له:

-أكيد هكلِّمك، مش علشان إنتَ جدع، لا علشان معنديش غيرك..

أفلتَ ضحكةً رجوليةً يهزُّ رأسهِ ثمَّ صعدَ إلى سيارته...

 

بشقةِ رؤى على طاولةِ الطعامِ تقلِّبُ بطعامها، رمقتها رؤى قائلة:

-بتلعبي في الأكلِ ليه يالينو؟..حبيبتي لو مش جعانة نامي شوية ولمَّا تقومي كلي..رفعت عينيها وتنهَّدت قائلة:

-مش عارفة، بس ماليش نفس للأكلِ ولا للنوم، صمتت ثمَّ هتفت: 

-إنتِ هتخرجي إمتى؟..ابتلعت طعامها مجيبة:

-نصِّ ساعة كدا، مش عايزة أروح وإلياس هناك علشان ميرال متزعلش..

مطَّت شفتيها للأمام ثمَّ ابتسمت ساخرة:

-لا كتَّر خيرك والله، تعرفي أنا لو منها كنت موِّتك من غير مايرفلي جفن.. 

رفعت رؤى حاجبها ساخرة:

-ليه إن شاءالله، ماهي عارفة ومتأكدة إن إلياس أخويا وبس، وعارفة طبيعة العلاقة بينا، غير أنَّها كانت تعرف علاقتي بسيف..

اقتربت بجسدها مستندةً على طاولةِ الطعام:

-يابت حرام عليكي، دا إنتِ كنتي هتتجوِّزي جوزها،أنا معرفشِ إزاي ليكي عين تروحي هناك. 

وضعت شوكتها ورفعت عينيها التي حجبت الدموعُ رؤيتها: 

-أنا عمري ماكنت هعامل إلياس كزوج أبدًا، وهوَّ اتفق معايا على كدا، كان عايز يكتب عليَّا بعد مالحيوان سيف ضحك عليَّا بالجوازِ العرفي، انسابت دموعها وأكملت حديثها بصوتٍ باكي:

-اليتم وحش أوي ياإيلين، أنا ماليش حدِّ غيرهم، عارفة أنها زعلانة، وعارفة اني غلطت، بس هوَّ كان عايز يداويني علشان بعد كدا لمَّا أتجوِّز. ماهو مش هفضل طول حياتي كدا، وكمان كان عايز يفوَّق مراته، إلياس بيحبِّ ميرال أوي، مستحيل يشوف غيرها حتى لو مش بيعترف بدا، بس أنا متأكدة أنُّه بيحبَّها يمكن أكتر من أيِّ حاجة في الدنيا، ولو حطونا إحنا الاتنين هيدوس عليَّا علشانها، بدليل بعد الموضوع وفكرة انتحارها وقتها مافتحشِ الموضوع تاني..

-أيوة يارؤى أيِّ حدِّ مكانه هيعمل كدا، وبعدين هوَّ جاب لك ورقة من زفت سيف عقد جواز، ووثَّقه في الشهرِ العقاري وكمان ورقة طلاق، ليه كنتي عايزة جوازك من إلياس؟.. 


تنهَّدت بقلةِ حيلة وامتلأت عيناها بدموعِ الألمِ وردَّت قائلة:

-انا لسة على علاقة بيه علشان عايزة الحماية ياإيلين، نفسي أحس إنِّ ليا عيلة وأهل، واللهِ إلياس أخويا وعمري ما فكَّرت فيه غير كدا.

-طيب ماهوَّ بيحميكي ومحدش بيقرَّب منك، بلاش تدخلي حياته يارؤى لو سمحتي، إلياس على كلامك شخص كويس، بلاش تهدِّي حياته. 

جحظت عيناها تشيرُ على نفسها بذهول:

-أنا أهدِّ حياة إلياس..لا طبعًا، أنا بس كنت عايزة لمِّة العيلة وبس. 

زفرت إيلين بغضبٍ ونهرتها بحدة:

-ولمِّة العيلة دي هتكون إزاي يارؤى، حبيبتي دا واحد بيحبِّ مراته، وفكرة جوازه منِّك كانت للسترة وبس، وخلاص شاف ورقة الجواز والطلاق حلك، يبقى ليه نخرب حياته، مفيش مشاعر يارؤى حتى لو أخوية، حطِّي مليون خط، متعرفيش كسرةِ الستِّ بتكون إزاي من مجرد أنَّها تعرف إن جوزها فكَّر في غيرها..


تجمَّدَ جسدها تهزُّ رأسها بعنف: 

-لا أبدًا أنا مستحيل أعمل كدا ياإيلين، مستحيل أهدم حياته، ولولا معرفتي بخلافه مع ميرال وكان عايز يفوَّقها، مكنتش وافقت عليه، معنى كلامي دلوقتي مش ارتباط بيه أبدًا..أنا قصدي بحبِّ أروح لهم علشان جوِّ العيلة مش علشان حاجة تانية. 

اقتربت تربتُ على كتفها: 

-حبيبتي متزعليش منِّي، خفت تكوني لسة حابَّة فكرة جوازه منِّك.

نكست رأسها بأسفٍ وتمتمت: 

-يبقى متعرفيش مين هيَّ رؤى ياإيلين..

تأمَّلت حزنها البادي على وجهها ثمَّ حمحمت متسائلة:

-قوليلي إيه سر قرابته منِّك، يعني إزاي بقى مسؤول عنَّك؟..

استندت على كفِّها وبدأت تتلاعبُ بطعامها وهي تخبرها:

-كنت في ملجأ والدته، اتربيت وكبرت فيه، عمُّو مصطفى اتولَّى تعليمي علشان كنت كويسة، رفض أكون لوحدي دايمًا كنت تحت رعايته، قالي مش هسيبك ولازم تكمِّلي تعليمك وأراعيكي ومش هسيبك للدنيا تلطَّش فيكي، في الوقتِ دا طنط فريدة عملت مشغل في الدار وبدأت تعلِّم فيه البنات الصغيَّرين واللي في سنِّي، أنا كنت هاوية أوي الحاجات دي، اعتمدت عليَّا في حاجات كتيرة، لحدِّ في مرَّة كنَّا عاملين حفلة في الدار، والكلِّ حضرها ومنهم إلياس وإسلام، كنت شوفته كذا مرة بيجيب ميرال وغادة عندنا الدار في أيامِ الإجازة، وكان بيلعب مع الأطفال الصغيرة، فغزلت له سكارف، ولمَّا جه الحفلة قدَّمتها له هدية، كان فرحان بيها، ابتسم وقتها وشكرني، 

بعدها بأسبوع لقيت عمُّو مصطفى بيقولي إلياس أخد لك بيت إنتِ وصاحبتك يارؤى..علشان تعرفوا تذاكروا كويس وتعتمدوا على نفسكم، وهوَّ هيوفرلكم الحماية لحدِّ مايطَّمن عليكم، مرِّت سنين وهوَّ الصراحة مقصرشِ معانا، لحدِّ ما صاحبتي في يوم عملت حادثة وماتت وبقيت أنا وحيدة في البيت دا، جبلي شغَّالة ودادة وكان بيجيب غادة وميرال عندي وأنا بروح في إجازتي هناك، لحدِّ ما بقيت أشاركه في كلِّ حاجة، كان عنده أمل فيا أدخل طب، بس محصلشِ نصيب، رغم كدا دعمني وفضل معايا، حتى لمَّا تعبت وعملت عملية واحتجت دم هوَّ اتبرع لي..يوميها قالي علشان نبقى إخوة في الدم، أنا كنت عارفة أنُّه يقصد إنِّي مفكرشِ في العلاقة اللي بينا غير كدا وبس.


ابتسامةٌ لاحت على وجهها متذكِّرةً ذلك اليوم، أوَّلُ يوم ليا في الجامعة وصَّلني.. كان أوَّل يوم برضو لميرال في الشغل، نزلها قدَّام الجريدة وقالَّها متخرجيش غير لمَّا أعدِّي عليكي، وقتها هي َّردِّت عليه وقالت له أنا مش لسة طفلة وهتعمل فيها الوصي، أنا هرجع بعربيتي..أفلتت رؤى ضحكةً تنظرُ إلى إيلين وتابعت حديثها:

-لو تشوفيه وقتها لو كان طالها كان خنقها، بصِّ لها بس كدا، شاور بإيده: 

-ادخلي بدل ماألغي الشغل  خالص..ارتفعت ضحكاتُ رؤى متراجعةً على المقعد: 

-كانوا عاملين زي توم وجيري، عمري مااتوقعت أنُّهم بيحبوا بعض من كترِ  خناقاتهم لما يتلمُّوا على بعض، أنا فاكرة في عيد ميلاد غادة في مرَّة، مسكها تهزيئ قدام الكل وعمُّو مصطفى حاول يوقَّفه، ودا زي مايكون كان منتظر لها على غلطة، اقتربت من إيلين وأكملت متسائلة:

-عارفة ليه..علشان دخل لاقاها بترقص وكانت لابسة جيب قصير، لو سمعتيه اليوم دا ياإيلين تقولي دا عدو مش حبيب أبدًا.. 

-غبية يارؤى..نطقت بها إيلين وهي تدورُ بالكوبِ بين يديها، ثمَّ استرسلت:

-دا حب مش عدواة، غيرة بجنون، هزَّت رؤى رأسها موافقتها الرأي: 

-فعلا مفهمتش دا غير لمَّا جيت في مرة اعترفت له بحبِّي..

توسَّعت أعين إيلين تضعُ كفَّها على فاهها:

-أكيد بتهزَّري!..هزَّت كتفها للأعلى والأسفل مجيبة:

-لا والله لقيت نفسي في مرَّة واحدة بقولُّه أنا بحبَّك أوي، أنا فاكرة نظرته ليا اليوم دا وردُّه كويس، يومها سكت وفضل بصصلي..أنا قولت بيني وبين نفسي دا هيضربني بس وقتها رد بمنتهى البرود وأنا بحبِّك، فرحت أوي وبعدين كمِّل وقالي زيك زي غادة، غير كدا هرميكي في النيل.. 

ضحكت إيلين بصوتٍ مرتفع: 

-الله يخربيتك، واللهِ تستاهلي يابنتي، ماهو قالك قبلِ كدا إخوة في الدم. 


ابتسمت رؤى وأردفت:

-كان عجبني أوي وقتها، عيِّلة بقى تقولي إيه، المشكلة أنُّه عاملني بعدها ولا كأنِّي قولت له حاجة، بالعكس قرَّب مني أكتر، وبدأ يراقب كلِّ تحرُّكاتي وخنقني في كلِّ حاجة، فكَّرته بيعاقبني بس اتضح لي حاجة تانية..صمتت للحظاتٍ وذهبت بشرودٍ لذلك اليوم.. 

فلاش: 

دلفت إلى مكتبهِ وجدتهُ جالسًا على الأريكةِ يحاوطُ غادة بين ذراعيه، أشارَ إليها بالدخول، دلفت بعدما أشارَ إليها: 

-تعالي يارؤى، قالها مع خروج غادة، رفع عيناه إليها 

- هتروحي مع غادة لطنط فريدة في الدار عايزاكي، وشوفيها عايزة منِّك إيه وتعالي قوليلي.. 


بعد فترةٍ عادت إليه: 

-طلبت أعمل تحليل وخلِّت الممرضة تاخد منِّي عينة دم، حتى ميرال كانت هناك وعملت نفس الشيئ..

ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا: 

-تحليل!..طيب وغادة عملت نفسِ التحليل، هزَّت رأسها بالنفي وأجابته: 


-لا أنا وميرال..تنهَّدت تنظرُ إلى إيلين مرةً أخرى: 

-بعد كدا عرفت التحليل دا DNA 

إيه يعني إيه؟..هكذا تسائلت بها ايلين.. 

هزَّت رأسها بعدمِ معرفة، وتابعت حديثها: 

-معرفشِ دا عرفته من فترة بسيطة، لمَّا روحت الدار وشوفت الظرف في مكتب ماما فريدة، مضحكشِ عليكي أنا روحت هناك علشان أعرف، من وقتها الدنيا انقلبت عرضِ الجواز وخطف ميرال وماما فريدة وواحد بيتكلِّموا عليه اسمه راجح الشافعي، ودلوقتي منعني من الخروج من البيت زي ماإنتِ شايفة..

-إنتِ بتقولي راجح الشافعي!..تقصدي مين عمُّو راجح جوز خالتو رانيا؟!..

-أيوة مراته اسمها رانيا إنتي تعرفيها؟.. 

-إنتِ بتقولي إيه، الستِّ اللي اسمها فريدة دي اسمها فريدة إيه؟.. 


بعد عدَّةِ أيام: 

بفيلا السيوفي والوضعُ كما هو، نهضت ذات صباحٍ واتَّجهت إلى غرفته، طرقت بابَ الغرفةِ ودلفت للداخلِ تبحثُ عنه، وجدتهُ مازال نائمًا، نظرت للساعةِ وتذكَّرت اليومَ إجازته، التفَّت للمغادرةِ من الغرفةِ إلَّا أنَّها توقَّفت على صوته:

-ميرال..التفتت إليهِ واقتربت بعدما اعتدلَ على الفراش: 

-أنا هسيب الفيلا، هروح أقعد في البيت اللي اشتريته ودا بيتك يعني يخصَّك، وعلشان مترجعشِ تقولِّي حامل في ابني، شغلي وهكمِّله، لحدِّ ماأولد وقتها يبقى نشوف حياتنا هتكون إزاي، ياأمَّا ننفصل ياأما نكمِّل بس بشروطي، دا شرطي الوحيد وإنتَ مالكشِ ترفض، ياأما ننفصل من دلوقتي.. 

مسحَ على وجههِ يستغفرُ ربهِ بسرِّهِ ثمَّ أشارَ بعينيهِ للباب:

-امشي من قدامي واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، أنا على أخري منك


اقتربت وجلست بجوارهِ على السرير، وتركتهُ حتى انتهى من حديثهِ اللاذعِ كما خُيَّلَ لها، رمقها بنظرةٍ جانبيةٍ ثمَّ أردف:

-ميرال أنا قولت اللي عندي ومتحاوليش تخرَّجي الوحش اللي جوايا، بلاش إنتِ.. 

دقيقةٌ من الصمتِ بينهما إلى أن توتَّرت من نظراتهِ إليها لتردفَ بنبرةٍ مهزوزة:

-أنا مش موافقة على اللي قولته، أنا مش تابع ليك ياإلياس حتى لو كنت مراتك، شايفة إنَّك راجل مستبِّد وقاسي وظالم في قراراتك، ممكن أكون صح وممكن أكون غلط، بس اللي متأكدة منه..صمتت ورفعت عينيها لتقابلَ عينيهِ الجامدةِ ممَّا شعرت بنصلٍ باردٍ ينخرُ عظامها من تلك النظرةِ واستأنفت: 

-مش كل حاجة بنتمنَّاها ممكن نقدر نحصل عليها، أنا مكنتش طالبة غير حنانك وحبَّك بس، لا طولت حنان ولا طولت حب.

-إيه اللي بتقوليه دا، هنرجع لكلامك التافه اللي وقت ماتغلطي تندبي بيه..، 

انفجرت بركُ عينيها حتى خرجت شهقةٌ ارتجفَ على أثرها جسدها: 

-أنا تعبانة ياإلياس عايزة أبعد عن كلِّ حاجة أوَّل حاجة لازم أبعد عنَّك، أنا مش سعيدة معاك، أو ممكن تقول قراراتك بتحسِّسني كمسجونة عندك،

أسبوع بتعاملني كأني مجرمة، حتى حملي مش شفعلي عندك

-وأنتِ مفكرة هسامحك علشان حامل، لا فوقي كدا، انتِ مش صغيرة، نهضت من مكانها وأجابته:

-انا مش صغيرة فعلًا، علشان كدا مش عايزة أكمِّل في الجوازة دي خلاص، الطلاق أحسن حل لينا، وإنتَ وعدتني قبلِ كدا وقت..قاطعَ حديثها عندما نفضَ غطائهِ قائلًا:

-إنتِ ناوية على موتك النهاردة يعني ولا ايه..بللت حلقها مستديرة إليه 

-ليه، علشان بطالب بحقي، انت مغرور اوي ياإلياس، وغرورك مبين لك مقدرش اعيش من غيرك ..دنت وحاوطت جلوسه مقتربة من وجهه حتى اختلطت انفاسهما ونظرت بعيناه تريد أن تحرق كبريائه 

-ممكن أكون حبيبتك حب متسهتلوش، أو أدتلك مكانة في قلبي اكبر ماتستحقها، ودلوقتي اكتشفت مكانتك الحقيقية 

استقرت كلماتها بمنتصف قلبه، لتشعل نبضه مما جعله يقترب من وجهها وحاوط رأسها يقربها منه يضع جبينه فوق خاصتها 

-قولي كمان ياميرال واحرقي، علشان مالقيش مية تطفي النار اللي بتشعليها بايدك

حاولت الثبات رغم أنفاسه الحارة التي ضربت وجهها لترفع عيناها تحدقه بنظرات باردة برود الثلج اكتسبتها من حديثه اللاذع

-هعيش من غيرك ياإلياس وهعمل ميرال الشافعي من غير اسمك، حاوطت بطنها ومازالت بين ذراعيه ثم استأنفت

-وهربي ابني وأخليه يفتخر بأمه اللي حضرتك كل شوية تهينها 

بتر كلماتها يضغط على خصرها بانامله بقوة ويجذب خصلاتها يقربها إليه بعنف بيده الأخرى يهمس لها بفحيح اعمي، فلقد أشعلت جسده لتجعله كتلة نارية

-ابني مش هيخرج من بيت ابوه، ولو خرجتي بيه متلزمنيش

-شعري ياإلياس، سيب شعري 

جذبها من عنقها بقوة لتقع بأحضانه ليحتضن ثغرها بقبلة عنيفة ادمت شفتيها ثم دفعها بقوة بعيدًا عنه ونهض متجهًا إلى الحمام :

-تمام ياريت مترجعيش تعيَّطي بعد كدا..التفتت إليهِ وردَّت بنبرةٍ هادئةٍ رغم ضجيجِ قلبها بعد قبلته:

-متخفشِ مش هعيَّط لك ولا حاجة، ولو جيت أعيط لك يبقى اعمل اللي إنتَ عايزه فيا، قالتها وتحرَّكت للخارج.. 

دفعت البابَ ودلفت غرفتها وسمحت لعبراتها بالانفجار، تلمس شفتيها ببكاء، كانت تتمنَّى أن يضمَّها ويطمئنَ روحها المعذَّبة، ولكن كأنَّ حياتهما سراب ولم يعد لديها بنية لتقويها..


بعد خروجها بدأ يدورُ بالغرفةِ كالأسدِ الحبيس يشعرُ وكأنَّهُ مطوَّقٌ بطوقٍ من النيران، اختناق وارتجاف لجميع جسدهِ مما جعلهُ فقدَ كلَّ حصونه، ليخرجَ متَّجهًا إليها، دفعَ بابَ غرفتها ودلفَ إليها وجدها جالسةً على الفراش،  

انحنى إلى مستوى جلوسها وأردفَ بنبرةٍ غاضبةٍ وعينيهِ ترسلُ إليها نيرانًا مشتعلةً تريدُ إحراقها: 

-مفيش خروج من البيت، عايزة انفصال مفيش غير لمَّا تولدي وآخد ابني وبعد كدا اعملي اللي إنتِ عايزاه قبل كدا لأ.


امتلأت عيناها بدموعِ الألمِ وهي تحدِّقُ بعينيهِ القريبة: 

-لا هعمل اللي أنا عايزاه ياإلياس وعارفة إنَّك مش هتمنعني مش ضعف منَّك، بس علشان نفسيتي تعبت منك ياإلياس، قربك بقى يوجعني، وكلامك بقى بيدبحني، أكيد إنتَ مش الراجل اللي هتوافق إن مراتك تقعد معاك غصب عنَّك. 

خنجرًا غرزتهُ بكبريائهِ ليعتدلَ بجسدٍ متصلِّبٍ يرمقها بنظرةٍ غامضة، ولم ينبس ببنتِ شفة، بل استدار وغادرَ الغرفةَ بالكامل.. 


بعد عدَّةِ ساعاتٍ هبطت الخادمة للأسفلِ بحملِ  حقيبتها الكبيرة، جالَ مصطفى بنظرهِ على الحقيبةِ متسائلًا: 

-هوَّ أنتوا مسافرين ولَّا إيه؟.. 


رفعَ كوبَ قهوتهِ يرتشفُ منه، ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى غادة:

-غادة هتنقلي مع المدام بيتي كام يوم ومش عايز أي مخاطرات، ومفيش دخول وخروج من غير علمي..قالها ونهضَ من مكانهِ بهبوطها من الدرج: 

-مفيش خروج لأيِّ مكان من غير حماية، شغل اشتغلي براحتك، بس لو حصل لك حاجة مش مسؤول، حتى ابني اللي في بطنك مابقتشِ عايزه، التفتَ إلى فريدة التي خرجت من المطبخِ تحملُ أكواب عصيرهم توزِّعُ نظراتها عليهما فأشارَ إليها: 

-بنتِ حضرتك لو خرجت من البيت متلزمنيش، اللي بينا دلوقتي ابني دا لو هيَّ ناوية تجيبه، حتى مبقاش يهمِّني تجيبه ولَّا لأ..


جذبَ أشيائهِ وتحرَّكَ للخارجِ باقترابِ فريدة المصدومة تحدِّقُ بميرال، وضعت الأكوابَ وتراجعت تنظرُ إليها: 

-فيه إيه..إيه اللي حصل تاني؟!.. 

-مش عايزة أكمِّل ياماما، ودا حقي.. 

قبضت على ذراعها تهزُّها بعنف:

-يعني إيه مش عايزة تكمِّلي هوَّ لعب عيال دا جواز..


ثُقلت الحروف من بين شفتيها، فهزَّت كتفها للأعلى مرةً وللأسفلِ مرةً ثمَّ انحنت تحملُ حقيبةَ يدها وتحرَّكت للخارج..أوقفها مصطفى: 

-هسيبك يومين تهدي فيهم وبعد كدا نتكلِّم..أومأت وتحرَّكت دون حديث.. 

أشارت فريدة على خروجها: 

-إنتَ هتسبها تخرج يامصطفى، يعني راضي باللي تعمله!..

-اقعدي يافريدة، البنت مرِّت بظروف صعبة، وابنك ضاغط عليها، لازم البعد علشان كلِّ واحد يعرف يفكَّر كويس،  

دارت حول نفسها بغضب، تهزُّ رأسها رافضةً مايحدث:

-لا البنت حامل، مستحيل أسيبها لوحدها، ومعرفشِ إلياس دا مش عايز يعقل خالص.. 

توقَّفَ واقتربَ منها وأردفَ بهدوء:

-أهو إنتِ قولتي إلياس ضاغط عليها، يعني نستنَّى لحدِّ ماتخسر الولد.. 


همهمت دون رضا:

-ولمَّا تبعد دا هيكون أحسن لهم؟..بالعكس البعدِ بيربي الجفا يامصطفى، وأنا مش هقدر أسيبها لوحدها. 


أجفلَ من حديثها فتراجعَ إلى مقعده: 

-اقعدي افطري يافريدة، وسيبي الولاد يبنوا حياتهم لنفسهم، ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى غادة: 

-حبيبتي يبقى روحي باتي مع مرات أخوكي، وخلِّي بالك منها، ولو أي حاجة حصلت عرَّفيني.. قاطع حديثهم وصول الخادمة 

-مدام فريدة فيه واحد برة اسمه يزن السوهاجي عايز يقابل حضرتك

-يزن السوهاجي!! مين دا كمان


وصلت بعد قليلٍ إلى المنزل، وجدت الخدمَ ينتظرونها، هرولت إحدى الخادمات: 

-أهلًا بحضرتك يامدام...قالتها وهي تحملُ حقيبتها..ابتسمت بعدما علمت أنَّهُ خلفَ وجودهم، تجوَّلت عيناها بالحديقةِ على كثرةِ الأمن بها، خطت بعض الخطواتِ وعيناها تتجوَّلُ بالمكانِ تهمسُ لنفسها:

-معقول لحق ظبَّط المكان في ساعتين، آه منك ياإلياس، نفسي اهتمامك دا يكون بقربك مش أوامرك.


وصلت إلى غرفتها دلفت إحداهن: 

-أنا هنا لخدمة حضرتك يامدام، أيِّ حاجة تحتاجيها عرَّفيني، وكمان أيِّ مشوار خارج البيت هكون مرافقة لحضرتك..

دقَّقت النظرَ إليها ثمَّ اقتربت منها: 

-أكيد شرطية، بدل مرافقة وشكلك بيقول إنِّك مش إنسانة عادية!..

-أنا برة قدَّام الباب، لو احتجتي حاجة قولي هناء بس وهكون قدَّامك خلال ثواني..بسطت كفَّها بأحدِ الأجهزة: 

-دا تواصل هيكون بينا، كلِّ الخدم والشغَّالين الموجودين تحتِ إشرافي بعد إذنِ حضرتك طبعًا، ودلوقتي هسيب حضرتك ترتاحي، وياريت متتعبيش نفسك في أيِّ حاجة، فيه بنت هتطلع تظبَّط هدوم حضرتك. 

-اطلعي برَّة..قالتها ميرال وهي تخلعُ حجابها..

-نعم! رفعت عينيها وأشارت إلى الباب 

قولت برَّة إيه مابتفهميش، مش عايزة حدِّ يدخل أوضتي،برَّة.. 


نزعت ثيابها بغضب:

-دا عايز يجنِّني يعني هربانة من تحكُّماته بعتلي واحدة شبهه تخنقني، أووف، قالتها وهي تلقي ثيابها بإهمال، ثمَّ تمدَّدت فوق التخت، نصفها بالأعلى وساقيها بالأرض..استمعت إلى رنينِ الهاتف: 

-أيوة...

-ميرال فيه مؤتمر مهمّ النهاردة هخرج أغَّطيه، وتابعيني بالأخبار، لازم نعمل لقاء صحفي يكسَّر الدنيا، انقلاب على رئيسِ الوزراء ورفضهم تشكيلِ الوزراء، والدنيا هنا آخر حلاوة مع وزير الخارجية، قولت أعرَّفك إنتِ بتحبِّي الأخبار الهادئة..

اعتدلت متَّجهةً إلى حقيبتها وتساءلت:

-فين يابوسبس المؤتمر دا؟.. 

-هقولك بس سرِّي للغاية أوعي أخواتنا البعدة يعرفوا.. 

قهقهت عليها وهي تخرجُ بنطالًا باللونِ الأبيض واسع وكنزةٍ باللونِ الأسودِ وحجابٍ يحملُ اللونين:

-قصدك إلياس، لا متخافيش مش هيعرف، ابعتي اللوكيشن وأنا شوية وخارجة.

-أوكيه ياروحي، بس وحياتي عندك ياميرو بلاش جوزك ينطّ لنا هناك، عليه تقل دم إلهي يعدمه ياشيخة.. 

-لا متخافيش مش هيبقى هناك، اترقَّى ومبقاش يطلع، بس دا مايمنعشِ تلاقي طقمه هناك، بس مش منِّي، إنتِ عارفة دول بيكونوا في كلِّ مكان. 


بعد فترةٍ كانت تجلسُ بأحدِ الأماكنِ المخصصةِ للإعلاميين وبجوارها صديقتها ينظرونَ إلى بعضِ الصور، ويراجعون بعض الحوارات..

-كمِّلي حبيبتي وجهزيه للنشر..

أومأت لها ثمَّ نظرت إلى ساعتها بإرهاقٍ تجلَّى على ملامحها: 

-تمام هعدِّي على الجريدة و أجهِّزه لرئيسِ التحرير، وإنتِ خلَّصي هنا، سلام.. 


بعد عدَّةِ ساعاتٍ من العملِ المتواصل، رفعت رأسها تنظرُ لتلك التي تجلسُ أمام مكتبها، تنهيدةٌ عميقةٌ غادرت ضلوعها، ثمَّ رفعت هاتفها:

-ممكن أعرف ليه الستِّ دي، حرام تفضل ورايا في كلِّ مكان كفاية الحرس..

-دا مش علشانك، دي علشان ابني اللي في بطنك، أما إنتِ متهمنيش..

-تمام ياأبو ابنك..قالتها وأغلقت الهاتف، تسبه 

-ياربي دون عن الرجالة كلها احب لوح التلج دا..شعرت بحركة جنينها، وضعت كفيها على بطنها مبتسمة:

-زعلان علشان، والله دا يتزعل منه مش علشانه، شكلك هتحبه اكتر مني يابن إلياس..ابتسامة هادئة وهي تنظر إلى كفيها الموضوع على بطنها لتتابع حديثها معه وكأنه يستمع إليها 

-خلاص متزعلش انت جميل زي بابي، ابتسمت على حركاته تحت كفيها مع التقاط تلك الفتاة إليها لبعض الصور دون أن تراها، ظلت لدقائق وهي تتحدث مع جنينها ثمَّ نهضت من مكانها وتوجَّهت تحملُ بعض الأوراقِ متَّجهةً إلى رئيسِ عملها،

دلفت إليه بعد السماحِ ووضعت موضوعها الذي  قضت الساعات عليه، نهضَ من مكانهِ وجلسَ بمقابلتها: 

-آسف يامدام ميرال مستحيل أنشر حاجة زي كدا، إنتِ عارفة الموضوع دا ممكن يقوِّي المعارضة على النظام.. 

هبَّت من مكانها واعترضت على حديثه:

-إيه اللي حضرتك بتقوله دا، دا حوارات وصور إزاي أعمل انقلاب، حضرتك عارف بقالي كام ساعة بشتغل عليه؟!.. 

-ميهمنيش ياأستاذة الموضوع مرفوض. 


قالها وألقى أوراقها..شعرت بتخدُّرٍ بكاملِ جسدها وهي تهزُّ رأسها رافضةً تعبها يُلقى بهذه الطريقة، انحنت تحملُ أوراقها بهدوءٍ غير معهودٍ منها، ثمَّ تحرَّكت للخارجِ واتَّجهت إلى سيارتها وعقلها يكادُ يصابُ بالجنون، وصلت إلى مكتبه، ودفعت البابَ وجدتهُ منكبًا على عمله، رفع رأسهِ ينظرُ إليها بعدما أخبره أمنهِ بالتوجُّهِ إليه...أغلقَ الجهازَ وتعلَّقت نظراتهِ بوقوفها..ألقت أوراقها على مكتبه: 

-إنتَ اللي ورا دا مش كدا، عايز تكسرني وبس، المهم أكون تابعة لإلياس ميكونشِ ليا كيان ولا حياة، اقتربت وانحنت تستندُ بكفَّيها تغرزُ عيناها بمقلتيه:

-أنا دلوقتي بعترف إنَّك أكبر قرار غلط أخدته بحياتي، لو يرجع بيا الزمن مستحيل أوافق عليك..قالتها واعتدلت مغادرةً المكان دون ردِّ فعلٍ منه. 


وقعت عيناهُ على الأوراقِ التي ألقتها أمامه، رفعَ هاتفه: 

-وصَّلني برئيس التحرير يابني..


عند أرسلان: 

وصلَ إلى إسحاق المتوقِّفَ أمام إحدى  غرف العمليات، ربتَ على ظهره:

-إيه الاخبار؟..

استندَ برأسهِ على الجدار: 

-حالتها صعبة، خايف عليها أوي ياأرسلان، واللهِ مش علشان الطفل، خايف عليها.. 

ضمَّهُ حتى انسابت عبراتُ إسحاق لأوَّلِ مرَّة قائلًا:

-لتاني مرَّة عمَّك بيخسر مبقاش فيا طاقة..

ربتَ على ظهرهِ وهتف:

-إن شاء الله هتقوم بالسلامة والبيبي هيكون كويس، ادعي إنت، ولَّا أقولك روح صلي ركعتين لله..قالها مع ارتفاعِ رنينَ هاتفه. 

-أيوة يادكتور...

-تمام أنا جاي..التفتَ إلى إسحاق: 

-طمِّني لو فيه جديد، وأنا هروح أشوف بابا..


خرج إلياس متجهًا إلى مكتب أحد الضباط، دلف إليه ..يضع صورته أمامه


-بتحفر ورايا ليه وعايز توصل لأيه 

-مش أنا اللي بحفر وراك...امسكه من تلابيبه 

-إنت تبع مين، راجح ولا مين 

انزل يديه وتراجع على مقعده:

-ليا صديق، بيدور على اخواته وسألني عن مدام فريدة بس دي كل الحكاية

-معقول يكون جمال ...قالها بهمس خافت، ليتوقف متجهـًا إليه 

-عنوانه ايه صديقك دا 


خرج بعد قليل متجهًا إلى وجهته مع ارتفاع رنين هاتفه 

-إلياس فيه موضوع مهم لازم تعرفه قبل ماارسلان يعرفه 

-مدام فريدة بعدين نتكلم فيه موضوع اهم من اللي بتقوليه..قالها واغلق الهاتف وكأنه لم يستمع إلى حديثها، استدارت إلى مصطفى 

-إنت متأكد إن فاروق هيعمل عملية زرع من ارسلان 

احتضن أكتافها 

-لسة الدكتور قايلي حالًا، قال اخدو منه عينة، انا متكلمتش في حاجة، بس اللي اعرفه اسحاق مش هناك، وطبعا ارسلان ابنه وفاروق حالته خطرة، يعني بكرة أو بعده بالكثير الدنيا هتتقلب هناك، وانا معرفش ليه فاروق مخبي عن الكل 

هوت على المقعد وارتعش جسدها تتمتم

-لازم اقابل ارسلان يامصطفى قبل مايتصدم ..

جثى أمامها واحتضن وجهها 

-فكرت في كدا، بس خايف، الولد مش صغير، وارتباطه بفاروق صعب، واللي اعرفته إن اسحاق عامل كماشة عليه، مفيش حل غير إلياس للأسف لقرابة علاقتهم ..هبت من مكانها وركضت للخارج 

-لازم اروح لابني يامصطفى، لازم اكون جنبه مستحيل اسيبه يعرف الصدمة لوحده

-فريدة اصبري ..


عند راجح 

ظل ينظر للصورة التي أمامه ثم هتف

-برافوو عليكي يارانيا، كدا عرفنا مين ابن فريدة التاني، لولا الصورة اللي بعتيها مكنتش عرفت اوصله، المهم الواد دا من أكبر عائلات البلد، يعني الغلط بفورة يارانيا 

-مش عارفة ياراجح، بس الولد شبه جمال اوي، ومراقبتنا لإلياس عرفنا أنه على علاقة 

حك ذقنه ملتفتًا إليها 

-تفتكري العيال دول يعرفوا أنهم اخوات..مطت شفتيها للأمام وأجابته

-ماأظنش، علشان علاقتهم متقولش كدا ..

دار حولها يتلاعب بذقنه وعيناه بالأرض

-طيب ازاي ميعرفوش بعض وقريبين من بعض، الموضوع دا ناقص ..

-انت دور بقى ياراجح المهم انا وعدتك اجب لك ابن فريدة التاني، فين مروة اللي وعدتني انك هتجبها لعندي 


-أخرج هاتفه وفتحه لتظهر لها صور ميرال 

-حبيبتي يابنتي، ظلت تنظر إليها مبتسمة، ثم رفعت عيناها إلى راجح 

-دي في شغلها ..اشعل سيجاره وافلت ضحكة

-الحياة بينها وبين ابن السيوفي نار، ولعبت لعبة هتخليهم يولعوا في بعض، وزي ما وعدتك بكرة ولا بعده هتكون عندك ومش بس كدا لا بورقة طلاقها بعد اللي عملته 

-ليه عملت ايه 


عند ارسلان 

دلف للطبيب متسائلًا

-حضرتك ليه أجلت العملية، قولت النهاردة روحت اسأل قالوا اتأجلت 

-الانسجة مش متطابقة ياباشمهندس، 

-يعني ايه مش فاهم دا والدي 

وضع الطبيب نتيجة التحليل أمامه 

-للأسف النتيجة مابتقولش غير حاجة واحدة بس، إن فاروق باشا مش والدك..نطق بها الطبيب بدفع اسحاق الباب متسائلًا:

-ايه اللي بيحصل في المستشفى بالظبط، ولوكيميا ايه اللي بتقول عليها


مساء الخير 

الفصل دا مكتوب تحت ضغط من التعب، دور البرد شديد جدا، بعد ماقررت أجله بس طبعا هتقولوا عليا بعتذر كتير، ضغط على نفسي وكتبته تحت كحة متواصلة والحمد لله، اتمنى يرضيكم والتفاعل عليه يرضيني، وياريت تشجيع اصدقائكم على قراءة الرواية لأنها تستاهل بعد التعب دا 


الفصل الثانى والعشرون من هنا

تعليقات



×