رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التاسع عشر 19 بقلم شمس بكري

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التاسع عشر 


أتساءل دومًا كيف لها أن تبصر كل الأشياء عدا قلبي الذي يجتمع في عيوني بمجرد رؤيتها.

___________________


كل الطرقات التي سِرتُ بها يومًا لم تُشبهني، مجرد مسافاتٍ طويلة كُتبت علىَّ

لا أملك قوة الرفض على قطعها، و لا القدرة على سيرها، حتى وجدتكِ...أتيتُ لكِ مهرولًا و لعناقكِ متشوقًا....جودي على روحي بكرمك...احفظيني من شرور العالم بكنفكِ.


_"متخافش يا حسن، زي ما دخلت معاك هخرج تاني معاك، أنا ممكن أكون كنت وحشة بس أنا مش قليلة الأصل، مينفعش أنت تأمنلي و أكون أنا السكينة اللي تضربك في مقتل"

خرج ذلك الحديث من «هدير» ردًا على سؤاله حتى تبثه طمأنينةٌ تروي عطش روحه الخائفة، بينما هو انفرجت شفيته ببسمةٍ واسعة وهو يرد عليها:

"الله !! والله لو سكينة أنا راضي مش مشكلة"


ضحكت هي على طريقته تزامنًا مع تحريك رأسها في عدة جهات غير مُصدقةٍ لما تفوه به، بينما هو زفر بأريحية وهو يشعر بالراحة بعد جوابها على سؤاله، فوجدها تتنحنح تُنقي حنجرتها ثم سألته:

"بس قولي إيه اللي مخليك مركز أوي كدا أني مأمشيش؟"


نظر لها مبتسمًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة مختلطة بعدة مشاعر:

"بصراحة خدت على وجودك معايا، يمكن أكون غلط و يمكن أكون باجي عليكي، و يمكن تكوني عاوزة تمشي بس أنا في كل دا عاوز وجودك معايا يا هدير"


طالعته بدهشةٍ و حيرةٍ معًا فوجدته يضيف:

"أنتِ عارفة؟ أنا عمري ما كنت اختيار لحد و عمري ما كنت أولويات لحد، يعني عايش كدا زاهد و كان نفسي حد يونسني لحد ما جيتي معايا، حتى البيت حبيته بوجودك و أنا طول الوقت أصلًا كارهه، البيت بوجودك فيه بقى حاجة تانية يا هدير"


شعرت بالخجل من حديثه و طريقته الهادئة تلك، و ما ضاعف خجلها أكثر هو صوته الهائم و كأنه يتغنى بحديثه لها طربًا، نظرت بجانبها تطل بعدستيها على الطريق بجانبها لعلها تهرب من خجلها و من سهامه الموجهة نحوها، بينما هو نظر أمامه يطالع الطريق وهو يشعر بأنه أفصح أكثر ما يلزم عن مشاعره و تفكيره بها خاصةً حينما هربت منه هي بنظراتها.

______________________


في شقة «ياسين» تحمم هو سريعًا ثم قام بتبديل ثيابه، بينما هي في الغرفة الأخرى تجهزت و بدلت ثيابها حتى تذهب لمنزل أبيها وهي تفكر في الأمر، كيف حدث كل هذا خلال بضع ساعات؟ كيف له يتركها و ينزل يلقي بنفسه في وجه المخاطر، و كيف لـ «وليد» أن يفعل ذلك بنفسه دون أن يفكر بها و بـ ذويه؟ حينها شعرت بالاختناق حينما تمكنت منها الفكرة أنها و للأسف كانت على وشك فقدان أحدهما !! حينها خرجت من الغرفة وجدتهما في انتظارها، حينها اشهرت بسبابتها في وجهيهما و هي تتحدث بنبرةٍ حانقة:

"اسمع أنتَ وهو علشان عبط أنا مش عاوزة، مفيش واحد فيكم يتكلم معايا، لما تبقوا تعرفوا قيمة حياتكم و قيمة الناس اللي بتموت من خوفها عليكم يبقى فيه كلام بينا، و خصوصًا أنتَ يا اللي اسمك وليد"


طالعها «ياسين» بدهشةٍ وهو يراها و لأول مرةٍ تتحدث بتلك الطريقة، بينما الآخر طالعها ببروده المعتاد وهو يقول غير مُباليًا لها:

"اتكلمي بطريقة أحسن من دي معايا، بدل ما أعلمك تتكلمي ازاي"


صرخت في وجهه بنبرةٍ منفعلة:

"أنتَ مستفز ليه و إيه برودك دا ؟ ليه محسسني إنك راجع من عُمرة؟ أنا كنت هخسرك يا غبي"


_"و مخسرتنيش و رجعت تاني و الفضل بعد ربنا لجوزك، و أهو قاعد مستني حضرتك تخلصي علشان أمي حضرت الفطار و قرب يبرد يا بنت الباردة"

رد عليها هو بذلك بنفس البرود المعتاد الذي جعلها تحرك رأسها في عدة جهات تحاول استيعاب الحديث، و حينها وقف «ياسين» الذي كان يطالع ما يحدث بلامبالاة و تشدق بهدوء:

"يلا علشان اللي مستنيين تحت دول، مش هنفضل نهبل كتير"


نظرت له هي نظرة جامدة وهي تقول بنبرةٍ قوية:

"استنوا لما أصلح وشكم دا اللي بقى شواع دا، كدا الجروح هتلتهب"


قالت جملتها وهي تقترب من «وليد» الجالس بأريحيةٍ على الأريكة كما هو حتى تقوم بتمضيض جروحه، فوجدته يرفع رأسه يسألها متلهفًا برفض:

"أنتِ هتعملي إيه؟ نــعم"


نفخت وجنتيها بضيقٍ منه وهي تجاوبه بنذقٍ:

"هداوي الجروح اللي في خلقتك 

دي فوق حاجبك عمال ينزف"


رد عليها هو متهكمًا بسخرية:

"لأ يا ختي ملكيش دعوة بجروحي، جروحي عبلة هتداويها بمعرفتها، روحي داوي جروح جوزك"


ابتعدت عنه وهي تقول بحنقٍ منه:

"جتك القرف عيل قليل الأدب، إلهي يارب عمو محمد يربيك"


كانت تتحدث وهي تقترب من زوجها الواقف أمامها و قبل أن ترفع يدها بالقطنة على وجهه و تقوم بتطهير الجرح الموجود أسفل عينيه وجدته يسألها بنبرةٍ جامدة:

"أنتِ هتعملي إيه؟"


ردت عليه بنبرةٍ منفعلة:

"أنتَ مجنون ولا إيه، قولت هتنيل أداوي الجروح اللي في وشكم علشان متلتهبش، مش بتكلم هندي أنا"


خطف القطن الطبي من كفها ثم قام هو بتطهير الجرح لنفسه بعنفٍ وهي تطالعه بغرابةٍ، بعدها ألقى القطن في سلة المهملات و هو يقول بنفس الجمود:

"يلا علشان ننزل كدا كتير و هما تحت مستنيين"


وقف «وليد» ثم أمسك كفها حتى تخرج من دهشتها و شرودها خاصةً أن دموعها أنذرت بالهطول من خلال تلك اللمعة الظاهرة بحدقتيها، ثم سحبها خلفه وهو يخرج من الشقة، بينما «ياسين» انتظر خروجهما ثم قام بإغلاق الباب ثم اتبعهما للمصعد في جوٍ مشحون بالتوتر، حتى خرجوا من مدخل البناية فتحدث «وليد» بهدوء:

"أنا هركب معاهم في عربيتي، و أنتو في عربيتكم"


سألته هي بخوفٍ عليه:

"طب أنتَ هتركب معاهم ازاي، مش خايف على نفسك"


ابتسم هو بسخريةٍ وهو يجاوبها:

"يا شيخة اتنيلي، دي السويس كلها شاهدة على العلقة اللي خدوها"


قبل أن ترد عليه خرج «راشد» من سيارة «وليد» ثم اقترب منهم وهو يسألها بلهفةٍ:

"إزيك يا خديجة عاملة إيه"


رفع «ياسين» حاجبه بحنقٍ، بينما هي أطلقت بسهامها نحوه تطالعه بشررٍ و لم ترد على سؤاله، فوجدته يضيف باحراجٍ:

"أنا جاي اعتذرلك والله و كفاية إنهم عملوا كل دا علشاني، و لحقوني و لحقوا رامي، حقك عليا أنا"


قبل أن تتفوه هي حتى ترد على حديثه الغير مفهوم، وجدته يخفيها خلف ظهره وهو يحدثه بجمودٍ:

"كلامك معايا أنا، و أنا مش عاوز اعتذار ولا عاوز منك حاجة، و اسمها مدام خديجة دا أولًا، ثانيًا متوجهلهاش كلام تاني علشان أنا مش دكر بط واقف"


_"حـــصـل"

أضافها «وليد» بنبرةٍ مرحة كعادته في تلك المواقف، مما جعل «راشد» يشعر بالاحراج أكثر فتدخل «وليد» يقول بضجرٍ:

"يلا يا جدعان خلونا نمشي فيه ناس عاوزة تطمن علينا، و لسه هدادي و أحايل و احتمال اطلق كمان"


أومأ له «ياسين» ثم التفت لها يمسكها من يدها حتى اقترب من سيارته، فتح الباب المجاور لمقعد القيادة ثم ادخلها به يجلسها عليه، بعدها توجه نحو مقعده ثم جلس عليه بنفس الجمود، بينما هي ابتسمت باتساع حينما رآت غيرته عليها من ذلك الراشد، و دون أن تنتبه له صفقت بكفيها معًا وهي تهمس بمرحٍ:

"الله...عسل وهو غيران"

 

حرك رأسه هو يطالعها باستغرابٍ حقيقي من طريقتها، بينما هي انتبهت له و لسهامه الموجهة نحوها فحركت كتفيها بتعالٍ وهي تقول له بغير مبالاة:

"هنفضل واقفين كدا كتير؟ اتحرك يلا، وليد اتحرك"


حرك كفه بجانب رأسه وهو يشير لها كعلامةٍ على الجنون تزامنًا مع قوله الحانق:

"أنتِ مجنونة يا بت ولا إيه؟ ملبوسة يعني؟"


_"بت !! بقيت بيئة والله، عمومًا أنتَ ملكش كلام عليا، اتحرك يلا"

ردت عليه بذلك ساخرةً منه فوجدته يحرك رأسه للجهة الأخرى وهو يقوم بتشغيل السيارة حتى يلحق بسيارة الآخر وهو يغمغم بعدة كلمات غير مفهمومة.

______________________


في بيت آلـ «الرشيد» وصلت «هدير» برفقته لشقة والدها، كانت شقيقتها في انتظارها مع والدها، دلفت «هدير» اولًا بمشاعر عِدة جميعها تتطلب البكاء لعلها تُزيح عنها، و بمجرد رؤيتها لـ «محمود» ركضت له تحضتنه بقوة وهي تجهش في بكاءٍ مرير، فرفع هو ذراعه يربت عليها وهو يقول بحنانٍ بالغ:

"وحشتيني يا هدير، وحشني صوتك و كلامك، طمنيني عليكي"


في تلك اللحظة دلف هو بترددٍ فوجد «هدى» ترحب به من بين دموعها و تأثرها بالموقف قائلة:

"أهلًا يا حسن، نورت البيت اتفضل، أخبارك إيه؟"


ابتسم هو لها وهو يرد عليها تحيتها:

"البيت منور بصحابه و ناسه، أنا كويس الحمد لله"


ابتعدت «هدير» عن والدها ثم رفعت كفها تمسح دموعه وهي تقول بنبرةٍ باكية:

"علشان خاطري متعيطش يا بابا، أنا كويسة أوي الحمد لله، و بقيت كويسة أكتر علشان شوفتكم و علشان بكلمكم"


تدخلت «هدى» تقول بمعاتبةٍ:

"بقى كدا يا ست هدير؟ مش هتسلمي عليا، هو بابا وخلاص"


ابتعدت عن والدها حتى وقفت أمامها ثم احتضنتها وهي تقول ببكاء:

"ازاي بس و أنتِ كل حاجة حلوة عندي، أنا مليش غيرك يا هدى، و أنتِ اللي بقيالي"


بكت «هدى» من جديد وهي تحتضنها ثم ردت عليها بنفس النبرة الباكية:

"وحشتيني يا هدير و كان نفسي أشوفك كدا أوي، هدير القديمة خالص، مش هدير اللي كانت هنا مع مشيرة"


ابتعدت عنها وهي تقول بخزيٌ واضح:

"هدير التانية دي الله يرحمها ماتت و ملهاش رجعة تاني يا هدى، فيه هدير جديدة اتولدت زيها زي اللي في بطنك دا، ويلا بقى علشان نفسي أسمع كلمة خالتو"


قالت كلمتها الأخيرة بمرحٍ جعل البسمة تشق وجوههم، حتى ردت عليها «هدى» بمشاكسة:

"هانت كلها كام شهر خلاص، أنا مش مخوفني غير علاقتك بيه أنتِ و وليد، هيبقى خناق للصبح"

تدخل «حسن» يقول بمزاحٍ:

"الصراحة أنا لو منك هبعده عن الاتنين، واحدة عيوطة و التاني لسانه بينقط شربات"


اقترب منه «محمود» في تلك اللحظة يحتضنه وهو يقول بودٍ:

"نورت البيت يا حبيبي، جميلك دا فوق راسي و شكرًا إنك حافظت على الأمانة"


بادله العناق وهو يقول بحبٍ:

"متقولش كدا يا عم محمود، هدير مراتي و أنا عيني ليها، أنا اللي عاوز أشكرك إنك أمنت ليا"


دلف «وئام» في تلك اللحظة من الخارج و حينما رآى وضعهما قال بسخريةٍ:

"إيه جو السلايف دا؟ خلاص ركنتني يا عم محمود و بقى حسن هو اللي في حضنك دلوقتي؟ طب لعلمك بقى حسن دا سوسة و هيعمل مشاكل بينا"


ضحكوا عليه و على طريقته، بينما هو اقترب منهما ثم عانق صديقه بعدما ابتعد عنه حماه، فربت «وئام» على ظهره وهو يقول بمرحٍ:

"وحشتني ياض يا حسن، إيه يا عم خلاص مش هنشوفك تاني"


رد عليه «حسن» بهدوء:

"لأ خلاص نازل الشغل معاكم من بكرة علشان نفوق لشغلنا اللي متبهدل دا، قولي صحيح وليد أخوك فين؟"


تنهد «وئام» بقلة حيلة وهو يجاوبه:

"وليد، وليد ربنا يحميه كان في السويس بيلحق راشد و زمانه راجع دلوقتي و معاه ياسين و خديجة"


نظر له الجميع بحيرةٍ واضحة، فأضاف هو يُردف لهم:

"هتفهموا كل حاجة دلوقتي تعالوا بس ننزل الشقة اللي تحت علشان لما يجوا، و عاوز جهاز القلب اللي هنا علشان رامي"

_____________________


في الطابق الأول ببيت العائلة كان المعظم بها يقومون بتجهيز الشقة لأبناء «ابراهيم» كما طلب منهم «وليد» فتحدثت «جميلة» تقول مستفسرة:

"طب هما هيفضلوا هنا قد إيه؟ يعني علشان نكون عاملين حسابنا"


تحدث «طارق» وهو يقوم بوضع الطاولة بجانب المقاعد:

"مش عارف يا جميلة، بس وليد قالي إنهم مش هيتطولوا هنا، لما نشوف أخرتها معاه"


ركضت «عبلة» من الشرفة نحو الخارج وهي تقول بفرحةٍ كبرى:

"وليد جه يا طارق، أنا هنزله"


قبل أن يرد عليها وجدها تخرج من الشقة راكضةً نحو الخارج، ضرب كفيه ببعضهما وهو يقول غير مُصدقًا:

"يا بنت المجانين أنتِ و هو !! إيه العلاقة الزفت دي"


ابتسمت له جميلة وهي تقول بمرحٍ:

"بحبهم مع بعض أوي بصراحة، علاقتهم جميلة يا طارق و بيبحبوا بعض بجد"


اقترب منها هو يقول بخبثٍ:

"طب ما أنا بحبهم أنا كمان و بحبك أنتِ وبحب علاقتنا"


أخفضت رأسها في خجلٍ منه فوجدته يتابع حديثه بخبثٍ:

"بقولك إيه ما تجيبي بوسة يا جميلة و أنتِ جميلة كدا"


شهقت بقوة و قبل أن يقترب منها وجد والده يخرج من الغرفة المجاورة لمكان وقوفهما وهو يسأله بتشككٍ:

"بتعمل إيه يا طارق؟ هو أنا أخلص من وليد تطلعلي أنتَ؟"


رد عليه هو بحنقٍ:

"أنتِ مشتغلتش في بوليس الأداب ليه؟ كان زمانك عامل شغل عالي و ماسك كل واحد قليل الأدب"


رد عليه والده ساخرًا:

"كفاية عليا قلة الأدب اللي هنا يا أخويا، هو أنا ملاحق عليكم"

أخفضت رأسها أكثر لعلها تخفي خجلها و حمرة وجهها، بينما هو ابتسم لوالده وهو يحرك رأسه بيأسٍ منه.


في الأسفل بمجرد دلوفه البيت في المقدمة، ركضت نحوه تتعلق بعنقه وهي تقول بنبرةٍ شبه باكية:

"الحمد لله على رجوعك ليا، وحشتني و وجعت قلبي عليك، حرام عليك والله"


ابتسم هو باتساع ثم حملها من على الأرض وهو يقول بحنينٍ واضح في نبرته يعبر عن مشاعره المضطربة من الأمس:

"و الله ما كنت عاوز غير أني أشوفك بس، حقك عليا يا سوبيا"


ابتعدت عنه تقول بمرحٍ من بين 

دموعها المنسابة:

"سوبيا...سوبيا أنا راضية، المهم إنك معايا و جنبي"


كان البقية في الخلف يتابعون ما يحدث، فمال «ياسين» على أذنها يقول هامسًا بلومٍ:

"شايفة بيستقبلوا المضروبين إزاي؟ مش بيبوزوا في وشهم"


ردت عليه هي بنفس الهمس الخافت:

"و شايف أخرة الخوف مخلياها عاملة إزاي، أنتَ لو عرفت الليلة دي عدت عليا إزاي مكنتش هتعمل كدا أبدًا"


طالعا بعضهما و كلًا منهما يعاتب الآخر بنظراته و حينها تحدث «وليد» يقول بانهاكٍ واضح:

"يلا يا جماعة علشان راشد و رامي يرتاحوا و علشان ياسين كمان يريح الراجل الله يعينه"


و بعد مرور ثوانٍ اجتمعوا في الطابق الأول جميعًا و حينها ارتمت «مروة» بين ذراعيه تحتضنه وهي تبكي بقوة جعلته يبتسم بيأسٍ وهو يقول بمرحٍ:

"بتعيطي ليه يا ماما؟ أومال لو كنتي شوفتيني و أنا مع ابراهيم لوحدنا الفجر، دا أنا شعر راسي شاب"


ردت عليه هي ببكاء:

"و هفضل أعيط لحد ما تبطل عمايلك السودا دي، أنا عيوني و قلبي تعبوا من وجعهم عليك، علشان خاطري كفاية بقى كدا"


تدخل «مرتضى» يقول منهيًا الموضوع:

"خلاص يا مروة أهو رجعلك أهو الحمد لله، سيبيه يقعد يرتاح خلينا نفهم إيه اللي حصل و ياسين بقى معاه إزاي"


جلسوا جميعًا في الطابق الأول المخصص للتجمعات و بدأ «راشد» بسرد ما حدث له مع والده حينما قام بخطفه و إلقائه بالمخزن حينما علم بوجود «وليد» بمحافظة السويس، و حينها قام «وليد» بمتابعة الحديث يقوم بتكملة سرد ما حدث معه و قدوم «ياسين» و أخوته له حتى ينقذوه من بين براثن «ابراهيم»، حينها وقفت «مروة» أمام «ياسين» تحدثه بنبرةٍ باكية ممتنة له:

"ألف شكر يا بني، ربنا يحميك و يبعد عنك كل شر، و تفرح بعوضك من خديجة يا رب"


رد عليها هو بثباتٍ يُوضح موقفه حتى يرفع عنها الحرج و الامتنان:

"متقوليش كدا وليد أخويا، و أنا مبسبش أخواتي ابدًا، ربنا يبارك فيه و يفرحك بيه إن شاء الله و الحمد لله إنه قصاد عيونك"


اقتربت منه «زينب» تقول ببكاء هي الأخرى:

"أنتَ رجعتلنا روحنا مش وليد بس، غلاوته عندنا كبيرة أوي و غلاوتك متقلش عنه أبدًا، أنتَ رزق لينا والله"


ابتسم هو لها بهدوء وهو يقول:

"أنا شرف ليا أكون في غلاوته، بس والله وليد أخويا و أنا علطول في ضهره، و أتمنى هو يصدق حاجة زي دي"


تدخل «حسن» يقول ممازحًا له:

"صدق بس؟ دا بصم بالعشرة إنه ملوش غيرك يا عم ياسين، أنا لو منك كنت دخلت بعدما اتربى شوية علشان يتعلم الأدب و ميتصرفش من دماغه"


ضحكوا جميعًا عليه بينما «وليد» تحدث بتهكمٍ:

"سبحان الله نفس اللي هعمله دلوقتي و أنا مخليك تروح من غير هدير، علشان تتعلم الأدب و متحبش سيرتي تاني"


أخفضت «هدير» رأسها في خجلٍ فوجدت «حسن» يقول بمشاكسة:

"أنا مش هتكلم علشان فيه ناس كبيرة قاعدة، خلينا مع بعض كمان شوية هرد عليك"


تدخل «طارق» يقول بحنقٍ:

"أنا عاوز أسألك سؤال واحد إيه اللي يخليك تروح برجلك عند ابراهيم و أنتَ عارف إنه مستنيك؟ خلاص مفيش مخ"


رد عليه «وليد» بضجرٍ:

"واحد رامي طُعم و مستنيني أروحله و عمال يحوم علشان يوصلي، أخليه يدخل بيت خالك اللي فيه بنات و ستات، ولا أمشي على الطريق و يخلص مني و لا أرجع هنا تاني و يجي ورايا و يدخل البيت؟ رد عليا يا عم طارق"


تدخل «وئام» يقول بحنقٍ:

"أديك كنت هتروح فيها أهوه، لولا ياسين لحقك و راحلك، تقدر تقولي من غيره و غير صحابه كنت هتعمل إيه؟ مكانش هيقتلك بس كان هيأذيك لدرجة تموتك كل يوم، حرام عليك بقى نفسك"


اقترب منه يقول معتذرًا:

"أنا دماغي لأول مرة تتشل عن التفكير و محستش بنفسي غير و أنا بوصي ياسين عليكم، ساعتها أنا اتأكدت إن دي نهايتي فعلًا يا وئام، بس والله أول ما هو اتكلم قصادي ساعتها عرفت إني غلطت و أني لأول مرة اتهور من غير ما أكون عامل حسابي"


احتضنه «وئام» بقوة وهو يقول بنبرةٍ متعبة:

"ارحم أخوك يا وليد من اللي أنتَ عامله فيه، أنا مش عاوز ضهري يتكسر فيك، أنا عاوزك في ضهري علطول زي ما أنتَ"


ألقى برأسه على كتفه وهو يقول بحبٍ:

"و أخوك بيتدلع عليك يا وئام، و بعدين خلاص بقى ياسين في ضهري ربنا يكرمه هو و أخواته عملوا نمرة جامدة"


اقترب «طارق» في تلك اللحظة من «ياسين» وهو يقول بامتنانٍ:

"والله لو شلناك طول العمر فوق راسنا مش هيكفيك حقك يا ياسين، كفاية إنك فكرت فيه بس، ربنا يكرمك"


ابتسم له «ياسين» بيأسٍ وهو يقول:

"واضح كدا إن مفيش فايدة فـي العيلة كلها، على العموم يا سيدي شكرًا، عن اذنكم بقى هروح شقتنا"


نظرت هي له بإحباطٍ واضح بينما هو تجاهل نظرتها ثم أضاف:

"للأسف والدتي عرفت باللي حصل و عمالة تبعت في رسايل و مش هتطمن غير لما تشوفني قصادها، هروح أطمنها و أرجع تاني إن شاء الله"


أومأ له الجميع بموافقةٍ فتحرك هو بهدوء بعدما ألقى نظرةٍ عليها، بينما هي تبعته نحو الخارج فوجدته ينزل درجات السلم بهدوء، ركضت هي خلفه حتى لحقت به، ثم أمسكته من ذراعه وهي تسأله بلهفةٍ ممتزجة بالحزن:

"استنى أنتَ رايح فين؟ خليك هنا متمشيش"


التفت هو يحدثها بثباتٍ:

"قولت رايح أطمن أمي و راجع، مش ههرب يعني"


سألته هي بلهفةٍ واضحة:

"طب هترجع إمتى، بلاش أنا هاجي معاك أحسن"


طالعها هو بحيرةٍ لكنه زفر بقوة ثم أجابها مُطمئنًا لها:

"خليكي مع وليد اطمني عليه، و أنا مش هتأخر، وهعدي على ميمي علشان نطمنها"


بكت هي رغمًا عنه من طريقته الجافة تلك التي و لأول مرةً تعهدها منه، بينما هو طالعها باستغرابٍ وهو يسألها بجمودٍ:

"مالك يا خديجة بتعيطي ليه؟ هو أنا جيت جنبك أصلًا"


ردت عليه هي ببكاء من بين شهقاتها:

"بعيط علشان ....أنا زعلتك مني من غير ما أقصد ... مكنتش أعرف و الله إنك عملت كدا علشان وليد، والله من خوفي عليك زعلت منك بس متزعلش مني"

زفر هو بقوة ثم رد عليها مُردفًا بهدوء:

"أنا مش زعلان منك على فكرة، أنا بس تعبان شوية و قلق أمي عليا مخليني متضايق، هروح و مش هتأخر"


مسحت دموعها بظهر كفها وهي تسأله بتوسلٍ تتلمس منه التأكيد:

"بجد؟ هترجع تاني مش هتمشي علشان زعلان مني ؟"


ابتسم هو بخفة وهو يرد عليها ساخرًا منها:

"دا على أساس إنك مغضباني مثلًا و أنا هروح عند أمي لحد ما القايمة ترجعلي؟ ولا مستني ترديني لعصمتك؟ هرجع متخافيش"


أومأت له موافقة فوجدته يبعد ذراعها عن ذراعه بهدوء وهو يقول:

"أنا همشي علشان متأخرش عليها، هي برضه من حقها تطمن عليا، زي ما أنتِ اطمنتي كدا"


كان حديثه يحمل تلميحًا مُبطنًا التقتطه هي على الفور فتحولت نظرتها من التوسل إلى الخجل الممتزج بالحزن، أما هو تركها و سار حتى خرج من البيت وهي تنظر في أثره بحزنٍ دفين نتيجة تسرعها و حكمها الخاطئ في الظروف.

____________________


عادت إلى التجمع من جديد فوجدت والدتها تجلس بجانب «رامي» تطعمه وهي تقول بهدوء:

"معلش بقى الأكل من غير ملح علشان الدكتور هو اللي قايل كدا"


رد عليها هو بامتنانٍ:

"متتعبيش نفسك أنا مش قادر آكل و الله، أنا بس محتاج أرتاح شوية مش أكتر"


تدخل «طه» يقول نافيًا:

"مش هينفع الكلام دا يا رامي لازم تاكل يا حبيبي علشان العلاج و علشان الجلسة اللي هتاخدها دي"


في تلك اللحظة دلفت «خلود» و الدواء في يدها وهي تقول بانهاكٍ واضح:

"الدوا أهوه يا بابا، بس الدكتور بيقول لازم بالميعاد بالظبط علشان دا دوا قلب يعني حد يكون مركز في المواعيد"


تعلقت عينيه بها بمجرد دخولها الشقة وهي تتحدث، بينما «وليد» تابع نظراته لها بضيقٍ فتحدث يقول بلهجةٍ حادة لها:

"يلا فوق يا خلود علشان وراكي درس كمان شوية، و خدي أختك معاكي ترتاح شوية يلا يا خديجة"


أومأت له موافقة ثم سارت مع شقيقتها بينما هو زفر بضيقٍ وهو يطلق سهامه نحو «رامي» الذي لاحظ نظرته و أخفض بصره يأكل من الطعام أمامه، بينما «راشد» وقع بصره على «هدير» فرآى خوفها منه و كرهها باديًا على وجهها و «حسن» بجوارها يجلس بجانب صديقيه، فوقف يقول بخزيٌ واضح:

"أنا آسف يا جماعة على اللي حصل و اللي بيحصل بسببي دا، و أسف على موقفي مع هدير بس أنا كنت بتصرف بغباء زي ما هو عودني، بس والله حقكم عليا، و حق هدير على راسي"


زفرت «هدير» بقوة و قبل أن تتحدث تدخل زوجها يقول متهكمًا:

"والله هو كلام يُحترم، بس أنا معنديش ثقة في اعتذارك بصراحة، و بعدين أنتَ كنت هتخطفها و تستغل موت أمها يا عم راشد، مش دايس على جزمتها البيضا"


رد عليه «راشد» بإحراج:

"ماهو علشان كدا أنا بعتذر علشان اللي عاشته بسببي، هي و خديجة، و أهو كله بيخلص مني"


رد عليه «حسن» بوقاحة زائدة لا تقل عن وقاحة صديقه:

"بصراحة أنا فرحان فيك، اللهم لا شماتة يا راشد بس أنا شمتان فيك، بس عاوز أشكرك علشان هدير بقت معايا و نورت بيتي بعد حركتك دي، صح يا هدير"


مالت على أذنه تحدثه بهمسٍ طفيف بعدما ضحك الجميع على الموقف فقالت هي:

"أنا كنت فاكرة إن وليد بس اللي عنده ليفل الكيد دا، طلعت متتخيرش عنه يا حسن"


غمز لها بطرف عينه وهو يقول بمرحٍ:

"لأ دا أنا نسخة من وليد، بس في المتداري علشان الحسد"


طالعته هي بدهشةٍ من صراحته فوجدته يسألها بنبرةٍ تائهة:

"برضه مش عاوزة تقوليلي هما لونهم إيه؟"


تحولت نظرتها للاستفسار تطلب منه التفسير، فوجدته يشير برأسه نحوهما وهو يقول:

"عينيكِ"


أخفضت رأسها تنظر للأسفل بخجلٍ، بينما «راشد» تنهد بعمقٍ وهو يرى علاقتهما سويًا و في تلك اللحظة يود فقط لو كانت التي أحبها بصدق معه في حياته، كانت «عبلة» تجلس في صمت بعدما استمعت للقصة بأكملها و بما حدث بينما هو أمعن النظر لها فرآى تخبطها و تهجم ملامحها، حينها وقف هو يقول للجميع:

"طب أنا هطلع أغير هدومي حد عاوز حاجة مني؟"


ردت عليه «زينب» بنبرةٍ هادئة:

"لأ يا حبيبي روح أنتَ غير هدومك و ريح شوية، بس هو أحمد فين علشان من الصبح مش موجود"

 

ابتسم هو لها باقتضابٍ وهو يجاوبها:

"متخافيش أحمد راح مشوار مهم تبعي و راجع تاني متخافيش عليه، وأنا هطلع أريح"


نظرت له «عبلة» تتابع انسحابه بأعين دامعة ثم هبت منتفضة تلحقه نحو الخارج، بينما هو بمجرد خروجه من الشقة وقف منزويًا يتابعها حتى خرجت له فامسكها هو من يدها وهو يقول بهدوء:

"كنت عارف إنك هتخرجي ورايا و مش هتسبيني أطلع لوحدي"

طالعته هي بجمودٍ وهي تقول بنبرةٍ حادة:

"ورايا على فوق"


قالت جملتها ثم تركته حتى تتوجه نحو المصعد تدلفه بينما هو يلحقها بحيرةٍ لا يدري ماذا حل بها حتى تغيرت لهذه الدرجة، و في المصعد كانت تخفي بصرها عنه حتى لا تتقابل نظراتهما، و بعد وصولهما دلفت هي السطح أولًا وهو خلفه بملامح وجهٍ باردة، فوجدها تلتفت له وهي تسأله بحنقٍ:

"أنا عاوزة أفهم أنتَ إيه؟ برودك دا إيه، أنا عندك إيه يا ابن الحلال"


رد عليها هو بانفعالٍ:

"بالراحة يا عبلة كلميني عِدل، خلاص موضوع و خلص و رجعت منها سليم"


تحدثت هي تصرخ في وجهه:

"فين دا !! بوشك اللي متعور و لا بخوفك و أنتَ قصاد ابراهيم لوحدك؟ ولا بياسين اللي لولا وجوده معاك كان زمانك ...، نهاية الكلام علشان دا كتير عليا و أنا مش حِمل كل دا، أخرتها معاك إيه"


أوقفت كلمتها التي كادت على وشك التفوه بها ثم أعادت الحديث من جديد بنفس الانفعال الذي جعله يطالعها مستنكرًا بما تفوهت به وهو يسألها:

"يعني إيه يا عبلة؟ وضحي علشان أنا مصدع و مش طالبة معايا أفهم بصراحة"


ردت عليه بجمودٍ:

"هتعمل قيمة لحياتك إمتى و تبطل ترميها كل شوية ورا ضهرك، و أنا هتفكر فيا إمتى أني مش حمل تعب الأعصاب دا، لو مش عاوزني قولها أسهل"


رد عليها هو متشدقًا بنبرةٍ ثابتة:

"هو أنا كدا و مش هتغير، أنا روحت لهناء علشانك و بحاول برضه علشانك، و اللي حصل دا مكانش بأيدي"


صرخت في وجهه بحدةٍ ممتزجة ببكاءها:

"كل حاجة بتحصل بايدك أنتَ، قلة ثقتك في اللي حواليك برضه بايدك، لو كنت خدت وئام و طارق معاك كان الوضع اختلف، لو كنت خليت ياسين و الشباب معاك من الأول كان الوضع اختلف، أنتَ ربنا بعتلك رسالة في أخر لحظة علشان تفوق من غبائك دا، هتتغير إمتى و تتعلم من الدرس بقى ؟"


زفر هو بقوة يحاول تهدئة نفسه قبلها وخصيصًا مع ارتجافة يده و تلك الرعشة التي تسير بجسده من قلة النوم و كثرة التفكير و ما عايشهُ من قلقٍ، حينها اقترب منها يقول هامسًا بنبرةٍ خافتة:

"اتعلمت يمين بالله اتعلمت خلاص، فكرة أني كنت هموت من غير ما أشوفك موتتني مليون مرة و أنا واقف، فكرة إن عيونك اللي هما شفا للقلب دول كنت هتحرم منهم علمتني، فكرة أني كنت هتسبب في وجوعك عليا طول العمر موتتني، أني أموت من غير ما تكوني ليا و في بيتي موتتني يا عبلة، أنا رجعت جسم بس، لكن روحي لسه هناك خايفة من اللي حصل، مش هكدب و أقولك جوزك قلبه ميت، علشان اللي حصل دا خلاني أخاف قد الخوف اللي عيشته في عمري كله، أنا عرفت أني مليش غير عيونك و لا في أي مكان يشيلني في وجودك"


احتضنته وهي تبكي بقوة حتى تحول بكاءها إلى شهقاتٍ عالية وهي بين ذراعيه، رفع ذراعه المتراخي فوقها يضمها إليه بقدر ما سمح له آلم جسده وهو يقول ممازحًا لها:

"دي أكيد عين الواد ياسين، خديجة اديته على دماغه و قر على الغلبان اللي زيي"


ردت عليه هي ببكاء:

"أنتَ تستاهل الضرب أصلًا، و لسه بابا هيربيك مش هيسكتلك، أنا مهدياه عليك شوية لحد ما ترتاح مش أكتر"


ابتسم وهو يتحدث ساخرًا:

"و ماله، قابل و قعد يا عم وليد، خليه يجي يجرب حظه و أنا مش نايم و مضروب كدا، علشان نزعل كلنا مع بعض"


رفعت رأسها تطالع وجهه الملكوم وهي تسأله ببلاهة:

"هو وشك بيوجعك أوي؟"


_"لأ عادي زي الخُراج كدا، بطلي هبل بقى أنا جسمي كله مموتني أصلًا و الحمد لله أني قادر أقف"

جاوبها بذلك حانقًا على حديثها الغير جدير بالذكر في تلك الأوقات، بينما هي رفعت رأسها تقبله ثم أعادتها كما كانت على كتفه من جديد، وهو يبتسم عليها.

______________________


في شقة «رياض» دلف هو فوجدها تبكي بقوة تنتظره على الأريكة، و بمجرد دخوله لها ركضت نحوه تسأله ببكاء:

"ياسين حبيبي عامل إيه، طمني قلبي عليك"


احتضنته وهي تتحدث ببكاء تطمئن عليه بعدما عاشت ساعات في القلق و الخوف عليه، بينما هو أحتواها بين ذراعيه وهو يقول بحنانه المعتاد:

"أنا كويس متخافيش والله، و بعدين مين قالك أصلًا على اللي حصل"


ردت عليه هي ببكاء:

"سيدة أم عامر قالتلي على اللي حصل، و أنا من ساعتها قلبي هيقف عليك من الخوف، أنتَ بجد كويس؟"


أومأ لها موافقًا و هو يجاوبها:

"آه والله كويس هما كام خدش في وشي بس، أنتِ إيه اخبارك"


ردت عليه هي بحبٍ بالغ في عاطفتها و نبرتها:

"أنا كويسة علشان شوفتك و اطمنت عليك، بس قولي مراتك فين؟ مجتش معاك ليه؟"


رد عليها هو بهدوء:

"هي شافت ليلة صعبة أوي كلها خوف و تعب و أخوها كمان كان هيروح منها علشان كدا سبتها في بيت مامتها ترتاح شوية و هرجع أخدها تاني"


ربتت على كتفه وهي تقول باستحسان من موقفه:

"جدع إنك عملت كدا، هي أكيد خافت عليكم، دا أنا عرفت بعدها و كنت عاوزة ألطشك بالقلم علشان عملت كدا، و كنت مش هكلمك تاني بس مقدرتش لما شوفتك"


ابتسم هو لها بسمةٍ بسيطة و فجأة دلف والده الشقة وهو يقول بمجرد رؤيته:

"إيه يا بني أمك مخوفاني و مخلية أعصابي بايظة حصلك إيه"


كان والده يتحدث وهو يقترب منه حتى وقف مقابلًا له، حينها رد عليه هو بنبرةٍ هادئة:

"أنا كويس يا حبيبي متقلقش عليا، الحمد لله جت سليمة، أنتَ عامل إيه وحشتني"


أخذه «رياض» في حضنه وهو يقول بامتنانٍ:

"الحمد لله إنك رجعت بالسلامة أنا فهمي لما سألته خوفني بس كلمت الشباب اطمنت عليهم و أنتَ مردتش عليا"


ابتعد عنه وهو يقول مُردفًا له:

"علشان الموبايل فصل مني وقولت أجي أطمنكم أحسن و بعدها هروح لميمي علشان عمالة تعيط و عاوزة تطمن علينا"


تدخلت والدته تقول بتلهفٍ:

"لو مكنتش عملت كدا كنت هزعل منك بجد، الحمد لله إنك قصادي و ربنا ينتقم من الظالم"


رد عليها زوجها:

"طب ادخلي يلا حضري الغدا علشان ناكل سوا قبل ما يمشي"


ركضت من أمامهما وهي تقول بحماسٍ:

"ثواني و الأكل يجهز، اقعدوا في البلكونة لحد ما الأكل يجهز"


أمسكه والده من مرفقه وهو يقول:

"تعالى معايا علشان عاوزك شكلك مش مريحني أصلًا"


سار خلف والده حتى وصل للشرفة يجلسان بها، فتحدث والده يسأله مقررًا:

"مالك، شكلك متضايق مش طبيعي، حصلك إيه"


حرك كتفيه ببساطة وهو يجاوبه:

"عادي يعني، تلاقيني علشان مطبق من امبارح و ماكلتش برضه كل دا مأثر فيا، لكن أنا تمام"


_"أنتَ زعلان مع مراتك صح؟"

كانت جملة مقررة أكثر من كونها مستفسرة من والده بعدما تفحص نظرته، أما هو فأومأ له ثم أضاف:

"مش زعل، بس رد فعلها كان غريب، مكنتش متوقع زعلها يكون كدا، أنا أصلًا عملت كدا علشانها هي، و اللي حركني خوفي عليها هي"


أومأ له والده وهو يضيف:

"ماشي بس هي ست يا ياسين عمرها ما هتفكر بطريقتك، هي كل اللي قصاد عينها إنها كانت هتخسرك من غير ما تعرف، أنا عرفت إنها صحيت لقيت إيمان معاها يعني خَضة تقطم الضهر، صعب عليها تتحملها"


رد عليه هو بضيقٍ:

"ماشي بس على الأقل تشغل مخها و تعرف إن مينفعش أروح اصحيها علشان تشوفني و أنا نازل ألحق أخوها، أنا ماكنتش هقدر أشوف خوفها ساعتها"


سأله والده بهدوء يحاول التوصل معه لنقطة البداية:

"طب لما هي عرفت اللي حصل عاندت معاك برضه؟"


حرك رأسه نفيًا ثم أضاف:

"لأ بالعكس جت تصالحني و عيطت علشان كانت خايفة عليا، بس أنا كنت فصلت مش حمل كلام ولا نقاش، و بصراحة كانت عاوزة تيجي معايا بس أنا مرضيتش"


رد عليه والده بحنقٍ:

"كدا بقى الغبي هو أنتَ، علشان هي ماكنتش فاهمة إيه حصل، بس لما عرفت جتلك تصالحك كدا بقيت أنتَ اللي غبي، الست يا ياسين مشاعرها بتحركها غير الراجل، هي مش مستوغبة غير إن راجلها كان هيروح منها، علشان كدا ربنا سبحانه وتعالى جعل القوامة للراجل علشان يعرف يمشي المركب بينهم، هي عاطفتها بتغلبها و بتمشي بقلبها، روح صالحها أنتَ و عرفها إن هي نقطة بدايتك و نقطة نهايتك، و خلي بالك أنا بعتبرها بنتي يعني هاجي عليك علشانها"


طالع والده بحيرةٍ لا يدري ماذا يفعل فوجده يضيف بسخرية:

"أومال لو مش هي قبولك الوحيد و اللي خليتك تغني و تسهر و تحب كنت عملت إيه؟ اتغدا معانا و روح هاتلها حاجة و صالحها، متبقاش صنم كدا، خليك زي أبوك حنين"


اقترب منه يحتضنه وهو يقول بامتنانٍ:

"والله العظيم أنا محظوظ إنك أبويا، حاضر هروح أصالحها"


ربت والده على ظهره وهو يقول بفخرٍ:

"و أنا فرحان بيك أوي، ياض أنتَ صاحبي و كل حاجة ليا، من بعد زُهرة طبعًا علشان متشوفش نفسك"


ابتعد عنه وهو يقول بعتابٍ واضح في نظرته:

"بقى كدا يا حج رياض؟ طب أنا ولا زُهرة؟"


رد عليه «رياض» بحبٍ:

"زهرة مراتي و شريكة عمري، و أنتَ ابني و ضهري يعني واضحة..... زُهرة طبعًا"

ضحك مع والده وهو يحرك رأسه نفيًا بيأسٍ و والده يشاركه الضحك.

_____________________


في بيت آلـ« الرشيد» وصلت «مشيرة» بعدما علمت من شقيقها ما حدث لابنه، دلفت هي من بين الجميع و فجأة ارتمت عليه تحتضنه بشدة وهي تقول ببكاء:

"طمني عليك يا وليد، اخبارك إيه يا حبيبي، أنتَ كويس صح؟"


وقفوا جميعهم يروا ما يحدث أمامهم بأعين متسعة من هول المفاجأة، بينما هي ابتعدت عنه تتفحصه وهي تسأله بلهفةٍ:

"أنتَ كويس صح؟ طمني عليك طيب و رد عليا"


رغم دهشته و حيرته منها إلا أنه رسم الثبات ببراعة وهو يجاوبها:

"أنا كويس الحمد لله يا مشيرة، أنتِ عرفتي منين؟"


ردت عليه هي تجاوبه ببكاءٍ:

"أنا كنت بكلم مرتضى أتطمن عليكم و عرفت اللي حصل مقدرتش أقعد من غير ما أتطمن عليك، أنتَ كويس صح؟"


ابتسم هو لها وهو يحرك رأسه موافقًا فوجدها تسأله من جديد بنفس اللهفة:

"طب اللصق اللي في وشك دا من إيه طيب؟"


_"التهاب في المعدة متشغليش بالك أنتِ"

جاوبها بذلك ساخرًا من سؤالها الغريب خصيصًا مع ما صار له، ضحك الجميع عليه بينما هي حركت رأسها بيأس وهي تقول:

"أنا كدا اتطمنت عليك خلاص مفيش فايدة فيك"


اقتربت بعدها من «هدير» بعدما وجدت ابنتها تخفض رأسها حتى لا تطالعها، تقول بنبرةٍ مهتزة تنم عن ترددها:

"إزيك....عاملة إيه يا هدير، بقيتي أحسن دلوقتي؟"


حركت رأسها موافقة وهي تقول بنبرةٍ خالية المشاعر:

"الحمد لله يا عمتو كويسة، أنتِ كويسة؟"


أومأت لها موافقة و قبل أن ترد عليها وجدت «راشد» يخرج من الغرفة حينها شهقت بقوة ثم ركضت نحوه تمسكه من تلابيبه وهي تقول بنبرةٍ منفعلة:

"أنتَ ليك عين تفضل هنا يا بجح؟ أبوك عاوز يموت أبني و سيادتك هنا مرزي في بيتنا، غور من هنا"


اقترب منها الشباب وهم يحاولون فك حصاره من يدها فصرخت هي في وجههم:

"محدش ليه دعوة بيا، أنا بقى هخلي ابراهيم يموت بحصرته على اللي هعمله في ابنه بعد اللي كان عاوز يعمله في عيالي"


سألها «راشد» منفعلًا بخوفٍ منها:

"أنا مجتش جنب عيالك يا ستي، عيالك مين دول؟"


_"و حياة أمك ؟! و وليد و هدير دول إيه مش عيالي؟ و قبلهم خديجة، جرى إيه يالا أنتَ هتستعبط عليا"

جاوبته هي بذلك بلهجةٍ حادة وهي تهزه بين يدها، بينما «وليد» طالعها بمشاعر عِدة مختلطة و ما غلب عليها كانت الفرحة بسبب دفاعها عنه بتلك الطريقة، فوجدها تضيف بشراستها القديمة:

"يمين بالله لولا وشك و حالتك اللي تحزن دي، كنت خليتك تلم كرامتك من هنا، و لسه لما العرة أبوك يشرف ساعتها أنا بنفسي هخليه يدوق شبشبي على جسمه"


تدخل «وليد» يبعدها عنه وهو يقول ساخرًا:

"خلاص يا مشيرة أنتِ جاية تغني بعد ما الفرح خلص؟ اقعدي بقى علشان مش معايا دوا الضغط بتاعك"


دفعت هي «راشد» من يدها وهي تقول بنبرةٍ جامدة:

"اقعد لما نشوف أخرتها معاكم، بس خلي بالك أنا قعدالك هنا علشان لو عقلك وزك عليهم و رب الكعبة لأطلع مشيرة القديمة عليك و أخليها ترقصك في أحلامك"


في تلك اللحظة مال «طارق» على أذن «وئام» وهو يقول بخوفٍ:

"وئام، أنا خايف من مشيرة دي بقت حماتي، الحقني"


رد عليه «وئام» ببساطة:

"عيب يا طارق دي عمتو، المفروض تترعب بصراحة"


جلست هي على المقعد بعدما دفعت اذرع الشباب من حولها ثم جلست على المقعد المقابل له و هي ترفع له حاجبها بينما هو أخفض رأسه ينظر في الأرض هاربًا من سهامها الموجهة نحوه، اقترب منها «مرتضى» يقول بضيقٍ:

"هو أنتِ مش هتعقلي يا مشيرة خالص؟ الراجل موجود في بيتنا عيب كدا"


ردت عليه هي منفعلة بحنقٍ:

"ابعد عني يا مرتضى متعصبنيش، وهو ابنك لما كان في نص بيتهم و هيروح كان كويس يعني؟ لما استغل جدعنته دا كان كويس؟"


تدخلت «سهير» تقول بسخرية:

"سبحان الله شوف مين بيتكلم؟ إيه يا مشيرة، دا وليد برضه اللي ياما عملتوا في بعض مقالب"


نظر الجميع لها بترقبٍ فتحدثت هي بثقةٍ:

"أنا وابن اخويا احرار يا سهير، و بعدين أنا بدافع عن ابن اخويا من واحد زبالة كان هيقتله، و اللي بيننا محدش له دعوة بيه"


ردت عليها «سهير» بلامبالاة:

"أنا مليش دعوة بيكم خالص أنتِ حرة حتى مع عيالي أنتِ عمتهم، لكن بقولك بالراحة علشان صحتك حتى"


تدخلت «جميلة» تقول باحراجٍ:

"معلش يا جماعة بس كلنا منفعلين علشان وليد و اللي حصله، و هي أكيد خافت على ابن أخوها"


طالعتها والدتها بفرحةٍ حينما وجدتها تدافع عنها، بينما «سهير» تحدثت تقول بخجلٍ:

"حصل خير خلاص، متزعليش يا مشيرة، أصل أنا مستغربة مشيرة الجديدة دي"


ردت عليها «مشيرة» بهدوء:

"حصل خير يا سهير، دا حقك برضه من اللي حصل زمان، و بعدين مش هنمسك في بعض و نسيب الغريب اللي عاوز ينهشنا"


في تلك اللحظة صعد زوجها الشقة وهو يقول بهدوء:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ازيكم يا جماعة"


ردوا عليه جميعًا التحية بينما هو أخفض رأسه حتى اقترب من «وليد» يسأله بهلفةٍ:

"أنتَ كويس يا وليد طمني عليك، إن شاء الله تكون كويس"


رد عليه هو بسخرية:

"طول عمري أسمع إن محسن جه متأخر، أول مرة أعرف إن حسان كمان جه متأخر"


طالعه «حسان» بدهشة بينما كل من حوله كانت الضحكات مرسومة على وجوههم يحاولون كتم ضحكتهم حتى «وليد»، و حينما أدرك «حسان» مقصده و سخريته تحدث متشدقًا:

"سبحان الخالق يا أخي، مفيش فايدة فيك بس كدا أنتَ كويس"


في تلك اللحظة دلف «أحمد» وهو يقول بانهاكٍ واضح:

"أنا جيت و جبت اللي طلبته يا وليد"


انتبه له الجميع بينما «وليد» ركض له يسأله بلهفةٍ:

"بجد هي فين؟ قولي بس حصلك حاجة منهم أو فيه حد لمسك؟"


حرك «أحمد» رأسه نفيًا وهو يجاوبه:

"لأ كل حاجة تمام، هي بس تعبانة أوي من اللي حصلها و حصل لعيالها، و عاوزة تشوفهم مستنية تحت"


أومأ له موافقًا وهو يقول:

"جدع يا أحمد، أنا كنت واثق إنك هتتصرف صح"

قال جملته ثم انصرف من أمامه راكضًا للأسفل، بينما «زينب» اقتربت منه و هي تقول بلهفةٍ:

"طمني عليك يا أحمد أنتَ فين من الصبح يا حبيبي"


رد عليها هو بهدوء:

"أنا كويس كنت بخلص حاجة لوليد و جيت، صحيح فين خديجة و خلود"


جاوبته هي بهدوء:

"خلود راحت درسها و خديجة فوق تعبانة شوية"


حينذاك دلف «وليد» و معه إمرأةٍ من عمر والدته وهو يقول بفخرٍ:

"احب أعرفكم يا جماعة، الست سماح أم راشد و مرات العِرة ابراهيم".

_________________________


أنهى «ياسين» جلسته في شقة والده بعدما تناول معهما الطعام بمعدةٍ مُغلقة نتيجة توتره، و من بعدها توجه نحو شقة «ميمي»، دلف هو بهدوء، و لكن سرعان مت وضع كفه على رأسه بيأسٍ حينما وجد الروتين المعتاد، وقوف «عامر» أعلى الطاولة و «خالد» أسفلها و في يده كوبًا من الشاي و في اليد الأخرى خنجرًا مما كان معهما في الصباح، و «ياسر» كان جالسًا بجانب «ميمي» على الأريكة يتناولا العصير و يشاهدا ما يصير على الطاولة و كأنه 

 فيلمًا سينمائيًا، بينما هو اقترب من الطاولة وهو يسأل بحنقٍ:

"أنا مش هسأل عمل إيه، بس هسأل عمل إمتى؟ دا احنا واكلين علقة تهد جبل، لحق يعصبك"


نظر له «خالد» بشررٍ وهو يقول:

"البيه قلب علينا الدنيا، خلى أمي و أم ياسر يعيطوا، و راح يقول لأمي ابنك مضروب بمطوة، و ليلة كانت مش معدية"


_"مش أمك هي اللي سألت أمي، و بعدين ذنبي إيه إن أمي بتخاف عليا"

تدخل «عامر» في الحديث بذلك حتى يوضح موقفه، بينما «ياسين» أضاف بنبرةٍ متعبة:

"طب ما أمه عرفت أمي و روحتلها و كانت ليلة على دماغ أمي، خليه ينزل بقى"


رد عليه «خالد» بضجرٍ:

"لو على قد كدا أنا معنديش اعتراض، بس اللي هو عمله خلاني قفلت منه و عاوز أموته"


_"شوف الواطي اللي خوفت عليه الصبح و حضنته، ياريتها كانت جت فيك"

رد عليه «عامر» بذلك، فسأل «ياسين» بقلة حيلة:

"هبب إيه زفت الطين تاني غير إنه فَضِحنا، ها اشجوني"


وقف «ياسر» و في يده هاتفه وهو يقول بمرحٍ:

"لأ أنا مش هينفع أحكيلك، أنا هوريك صوت و صورة"


تفوه بذلك تزامنًا مع اقترابه منه وهو يفتح هاتفه على فيديو مُركب لهم جميعًا و معهم «وليد» ، ضحك «ياسين» بشدة وهو يقول من بين ضحكاته:

"إيه دا بجد؟ جامد و الله، إيه الدماغ دي يا عامر؟"


رد عليه بفخرٍ:

"أي خدمة يا ياسين، شوفت جبتلك صورة حلوة و دقنك مظبوطة فيها"


تدخل «خالد» يصرخ في وجهيهما:

"أنتَ هتشلني منك ليه؟ عجبك العبط دا يعني و الفضايح دي"


تدخلت «ميمي» تقول بقلة حيلة:

"عمل إيه يا بني؟ أنا مش فاهمة منهم حاجة"


رد عليها «عامر» مردفًا:

"أنا كان نفسي حد يصورنا واحنا بنتخانق و أحطها على أغنية دي أسود راجعة، بس محصلش، أنا بقى جبت الأغنية و شيلت راس ولاد رزق و حطيتنا احنا مكانهم، فيها حاجة دي؟ و الله الأغنية جامدة و معبرة عننا"


ضحكت هي بقوةٍ وهي تتخيل المنظر، بينما «ياسين» مد له ذراعه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:

"طب انزل بس، هسامحك علشان صورتي حلوة بس، لكن غير كدا كنت هزعلك"


تدخل «ياسر» يقول بحنقٍ:

"طب ماشي أنتو فيديو و خلصت، أنا بقى يعمل صورتي ميمز على واحد ماسك مطوة و يحطها على أغنية حاجات تتحس و متتقالش !! ليه الفضايح دي يا جدعان"


رد عليه «خالد» بقلة حيلة:

"ما أنتَ فاجئتنا أنتَ كمان، طلعت صايع قديم، أنا كنت شاكك فيك بعيونك الزرقا دي"


نزل «عامر» في تلك اللحظة من أعلى الطاولة وهو يقول بمرحٍ:

"بس جامدين والله يا رجالة، يا رب مشوار تاني زي دا كدا، علشان الموضوع عجبني"


لوحوا له جميعهم بأذرعهم ثم اقتربوا يجلسون على الطاولة، بينما «ميمي» احتضنت «ياسين» الذي جلس بجانبها وهي تسأله بهدوء:

"مالك، شكلك متدمر خالص"


رد عليها هو بانهاكٍ واضح:

"منمتش و دماغي فيها حنة بلدي من بتوع عامر، حتى المُسكن مش نافع معايا في حاجة"


ربتت على ظهره وهي تقول بحنانٍ بالغ:

"سلامتك يا حبيبي، ربنا يبعد عنك التعب إن شاء الله و يبارك في عمرك"


كان «خالد» أبان ذلك يتصفح هاتفه فوقع بصره على عبارةٍ كُتبت بواسطة «سيدة» و الدة «عامر» فقرأها وهو يضحك، حتى تحولت ضحكته إلى قهقهاتٍ عالية، نظروا له جميعهم بتعجبٍ، فأوقف الضحكات وهو يقول:

"واد يا عامر إيه اللي أمك كتباه على النت و عملالك فيه tag"


سأله «عامر» بتعجبٍ من حديثه:

"مش عارف أنا مفتحتش من بعد ما نزلت الفيديو، كاتبة إيه؟"


تحدث «خالد» بنبرةٍ ضاحكة:

"كاتبة كلما رافقت أصدقاء السوء ، كلما إزدادت حياتك سوء....أحذر، و كاتبة اسمك تحتها"


ضحكوا جميعًا على الجملة بينما هو خطف الهاتف من يد صديقه وهو يشاهد ما كتبته والدته، بينما «ياسر» أخرج هاتفه يرى هو الآخر و حينها تحدث بنبرةٍ غير مُصدقة:

"يا نهار أمك مش فايت، أمك بتلقح علينا و عملالنا إحنا التلاتة منشن؟"

رد عليه «عامر» ببساطة:

 " آه، أصل احنا عيلة واضحة"


_"لأ انتو عيلة واطية"

تفوه به «ياسين» مُسرعًا ردًا على جملته، مما جعل الضحكات تأخذ محلها في الجلسة، و بعدها سألت «ميمي» بنبرةٍ هادئة:

"عملتوا إيه مع راشد يا ياسين؟ ولا لسه محصلش حاجة"


رد عليها هو ببساطة:

"محصلش حاجة، هو هناك في بيت العيلة معاهم و هما هيتصرفوا معاه، بس وليد شكله مجهز حاجة علشان كلم أحمد و بعته مشوار مهم"


تدخل «خالد» يقول باشفاقٍ:

"والله العظيم يبان إنه جامد بس صعبان عليا وليد دا، فكرة إنه يخاطر لوحده كدا من غير حد في ضهره صعبة"


تدخلت «ميمي» تقول بهدوء:

"خليكم انتو في ضهروا، خلوه يحس إنه وسط اخواته، أكيد بعد كدا هيفكر فيكم قبل ما يعمل أي حاجة"

_______________________


في بيت آلـ «الرشيد» بعد الترحيب بتلك السيدة بجمودٍ من العائلة بأكملها، دلفت هي بجانب صغيرها «رامي» و هي تبكي بقوة حينما رآته في حالته تلك، بينما «راشد» واقف بجانبها يطالعها بأعين دامعة و هي تبكي، ثم اقترب منها يحتضنها بقوة فوجدها تجهش في بكاءٍ مرير جعله يبكي هو الآخر، بينما في الأعلى و تحديدًا فوق سطح البيت جلست «خديجة» تبكي بقوة حينما لاحظت تأخره ظنًا منها بأنه لازال غاضبًا من تصرفها المُخطيء التي أدركته هي لاحقًا، و بجانبها دفترًا صغيرًا، رفعت رأسها للسماء تبكي من جديد و خاصةً حينما هاتفته فوجدته يغلق الهاتف في وجهها، كانت جالسة فوجدت يدٍ تحاوط كتفها، التفتت تقول بفرحةٍ:

"ياسين كنت عارفة إنك.....وليد؟"


ذكرت امسه باحباطٍ ارتسم على ملامحها و ظهر جليًا فـي نبرتها فوجدته يجلس بجانبها وهو يقول:

"آه وليد، اللي أنتِ غضبانة عليه و مش عاوزة تراضيه هو كمان، ولا أنا علشان مروحتش عند أمي يعني مش هتستنيني كدا"


ردت عليه هي ببكاء:

"متقولش كدا علشان وحشتني و كنت خايفة عليك، حرام عليك تعمل فيا كدا يا وليد، مفكرتش فيا هعمل إيه من غيرك؟"


وضع ذراعه على كتفها يضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"أنا غصب عني اتغابيت، و غصب عني كنت هضيع كل حاجة مني، بس فيه حد تاني يستاهل إنه يتقدر و هو ابن الشيخ، ياسين دا جميل أوي يا خديجة، ضحى بنفسه و أخواته علشاني و علشانك، ياسين دا حالة مفيش منها، قولتلك قبل كدا فيه فرص بتيجي مرة واحدة في العمر، ياسين بقى هو الفرصة دي"


ردت عليه ببكاء تلقي اللوم على نفسها:

"بس أنا غبية و زعلته مني، غصب عني مشاعري دخلت في بعض، الزعل و الخوف و الحزن، فكرة إن واحد فيكم كنت هخسره كانت صعبة، أنا اتولدت من جديد على ايديكم انتو، العمر مفيهوش باقي علشان اعيشه في خوف عليكم، فكرة أني أصحى و هو مش جنبي خوفتني، أنا بحبه أوي يا وليد، بحبه و حبه هو اللي معيشني لسه، مين كان يصدق إن حياتي السودا دي تتلون بإيده هو، أنا خوفت عليه و الله، و خوفت عليك معاه"


رد عليها «وليد» مُردفًا:

"أنا عارف إن احساسك صعب، عبلة اللي عرفت بعد ما كل حاجة خلصت كانت هتموت مني، ما بالك أنتِ بقى و أنتِ من الفجر في الخوف دا، هو يمكن اتصرف غلط لما سابك و نزل و صحيتي لقيتي حد غير متوقع، بس هو خاف على خوفك و زعلك، ياسين حبه ليكي أكبر من إنه يشوفك خايفة أو زعلانة، و هيرجعلك علشان متزعليش"


بنفس البكاء ردت عليه هي:

"لأ مش هيرجع.....ياسين زعل مني بجد بسبب غبائي، بكلمه قفل في وشي....كلمه أنتَ و عرفه أني بحبه و أني غلطانة والله"


_"طب ما هو كمان بيحبك و لا أنتِ هتعلي عليه بقى؟"

تفوه بها «ياسين» حينما دلف السطح بعدما علم من شقيقتها أنها تجلس به، بينما هي ابتعدت عن «وليد» تنظر خلفها فوجدته يقف بشموخٍ و في يده حقيبة هدايا متوسطة الحجم وهو يقول بمرحٍ:

"طب أروح ولا إيه؟ مش هتسلمي عليا و لا لسه زعلانة مني؟"


هبت واقفة ثم ركضت نحوه تحتضنه بقوة وهي تبكي، رفع يده هو الآخر يحتضنها وهو يقول بمرحٍ:

"كفاية عياط بقى يا كتكوتة، جرى إيه يا خديجة بتعيطي ليه"


ردت عليه هي ببكاءٍ:

"علشان كنت خايفة عليك و علشان بحبك و علشان كنت فكراك زعلان مني"


_"حتى لو زعلان بعد الحضن دا مقدرش أفضل زعلان، و بعدين يعني هو أنتِ تعرفي عني أني جاحد علشان أقسي قلبي عليكي"

تفوه بها هو بمعاتبةٍ وهو يربت بيده الحُرة على ظهرها، فحركت هي رأسها نفيًا بيأسٍ، بينما «وليد» وقف وهو يقول بمرحٍ:

"طب الحمد لله سمعوني سلام الصلح خير قوم نتصالح"


ابتسم «ياسين» باتساعٍ وهي حركت رأسها بيأسٍ منه، فأضاف هو:

"أنتَ مش هينفع تروح علشان أنا محتاجك، تروح شغلك بكرة و ترجع على هنا و خديجة هتفضل هنا علشان متقلقش"


أومأ له «ياسين» موافقًا وهو يقول بقلة حيلة:

"أنا اتدبست فيك شكلي كدا، بس عيوني ليك، شوف عاوز إيه و أنا معاك فيه"


ربت على كتفه وهو يقول مُبتسمًا:

"دا العشم يا غالي، تصبح على خير بقى علشان أسيبك تعبر عن أحاسيسك للكتكوتة براحتك، عارف أنا اللحظات دي، بتبقى جياشة"

رد عليه «ياسين» بحنقٍ:

"غور من هنا يالا، دا أنتَ قليل الأدب صحيح"


ضحك «وليد» بقوة ثم خرج من أمامهما، بينما هو طالعها بين ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

"أنتِ نمتي ولا إيه يا ست الكل؟"


ابتعدت عنه وهي تجاوبه بنبرةٍ هامسة:

"لأ أنا صاحية بس مش مصدقة إن بعد الخوف دا كله أنتَ معايا، إحساس كان صعب أوي أني ممكن أخسرك أو أني اتحرم منك، و بعدين ليه كلمتك مردتش عليا؟"

قالت جملتها المتسفسرة بعتابٍ واضح في نظرتها و نبرتها فوجدته يعتدل في وقفته و هو يبتعد عنها ثم أمسك كفها يسير بها نحو الأريكة يجلسا عليها فوجدته يمد يده يكفكفُ دموعها وهو يقول بهدوء:

"اللي حصل دا مع شدة الأعصاب و الخوف و القلق على وليد، كل دا كان موقف مخي خالص، و جه زعلك مني كمل عليا، ممكن أكون اتصرفت غلط من وجهة نظرك دا لانك ست حكمتي بمشاعرك و أنا مش بلومك لأن دي فطرة، لكن أنا راجل و حسبتها بعقلي، لو كنت فكرت زيك بمشاعري كان زماني مصحيكي و بشاركك خوفي و قلقي و ساعتها خوفك كان هيخوفني زيادة و يشل حركتي يا خديجة، أنا اللي خلاني اتصرف كدا حبك لأخوكي اللي لو كان حصله حاجة بسببي كنت شيلت ذنبه العمر كله، و في النهاية مقدرش أسيبك زعلانة مني و لا أقدر أجمد قلبي عليكي"


ردت عليه هي بتعجبٍ:

"طب لما هو كدا ليه مردتش عليا؟ ليه سِبت دماغي تلعب بيا"


رفع الحقيبة في يده وهو يقول بقلة حيلة:

"علشان كنت بجبلك دول يا خديجة، أنتِ كنتي بتتصلي بيا و أنا واقف بنقيهم و مش فاهم حاجة، علشان كدا قفلت في وشك"

مسحت دموعها بكفيها معًا وهي تسأله بنبرةٍ حائرة:

" وهما دول إيه أصلًا، و ليه كنت بتنقيهم"


مد يده لها أكثر بالحقيبة و هو يقول ببمسةٍ هادئة رُسمت على وجهه:

"شوفيهم كدا علشان دول ذوقي أنا، ممكن ميعجبوكيش بس أنا واثق إنك بتحبي ذوقي"


اخذت منه الحقيبة بهدوء تتفحص محتوياتها و سرعان ما شهقت بقوة تزامنًا مع اتساع حدقتيها حينما رآت ما جلبه لها، بينما هو ابتسم باتساع وهو يرى فرحتها، حينها أخرجت هي محتويات الحقيبة فوجدت بها مجموعة عرائس كرتونية شهيرة عبارة عن ٦ عرائس و كلهن من أجود الأنواع، رفعت رأسها تطالعه بفرحةٍ كبرى وهي تقول بنبرةٍ مختنقة من شدة مشاعرها المتأثرة:

"إيه دا يا ياسين، كلهم علشاني أنا؟ كل العرايس الحلوة دي ليا بجد؟"


أومأ لها موافقًا وهو يقول بنفس النبرة الهادئة:

"آه كلهم ليكي، هيكونوا لمين يعني؟ المهم عجبوكي يا خديجة"


أومأت له موافقة وهي تقول بفرحةٍ ظهرت في تعابير وجهها و نبرتها:

"أوي يا ياسين، عجبوني أوي، دول كل أبطال الكارتون اللي بحبهم، دول حلوين أوي"


سألها هو بنبرةٍ ضاحكة:

"طب عرفيني عليهم بدل ما أنا جاهل كدا و شكلي كان زفت و أنا واقف أختار و مش عارف حاجة"


مسحت وجهها بكفها ثم أشارت له على أول واحدة وهي تقول بمرحٍ و كأنها طفلة صغيرة تشارك والدها دميتها الجديدة:

"دي أول واحد اللي شعرها طويل ربانزل، دي أميرة عندها قوة سحرية في شعرها، و تاني واحدة دي فروزن ملكة التلج، و تالت واحدة دي بقى اسمها موانا بحبها أوي، و رابع واحدة دي سنو وايت طبعًا غنية عن التعريف، خامس واحدة دي تنة و رنة أكيد عارفها علشان جبناها قبل كدا؟"


أومأ لها موافقًا وهو يقول بمرحٍ:

"طبعًا عارفها و هي دي تتنسي؟ هي و الواد بيتر بان صاحبها دا، عيل رجولة خلي بالك"


ابتسمت له وهي تنظر للعرائس من جديد لكنها قطبت جبينها بحيرةٍ وهي تقول بنبرةٍ خافتة:

"هو أنا كدا عارفاهم كلهم، بس الأخيرة دي مش كارتون، يعني عروسة عادية مش عارفة اسمها بصراحة، بس شكلها حلو أوي"


قالتها بنفس الفرحة البادية عليها مما جعله يأخذها من أمامها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"دي بقى يا ستي خديجة، عروسة حلوة زيك كدا عندها قوة سحرية في عينها و قلبها، لا بتعرف تزعل و لا بتعرف تكره، عينها بني و شعرها طويل و لونه أسود و لابسة أسود، كلهم كارتون بس هي حقيقية و قدام عيني، يمكن كلهم معروفين بس هي نجمة في سمايا أنا بس"


طالعته بدهشةٍ ممتزجة بالعاطفة بعدما سمعته يتحدث عنها فوجدته يقترب منها يقبل قمة رأسها ثم تبع فعلته بقوله الهادئ 

"أنا فرحتي إنك معايا زي فرحة الطفل الصغير بلعبته الجديدة، بس الفرق إن أنا ناضج و مكتفي بيكي من كل حاجة، و أنتِ ليا كل حاجة"


احتضنته بحبٍ وهي تبكي من جديد ورافق بكاؤها قولها:

"أنا كل يوم بحبك أكتر و كل يوم بتأكد إن أنا مش هينفع أعيش مع حد غيرك، علشان خاطري متخلنيش أخاف عليك تاني"


ربت هو على ظهرها بحنانٍ وهو يقول معتذرًا لها:

" حاضر و الله، على قد ما أقدر هحاول أبعد عنك الخوف، بس دا بيكون غصب عني يا خديجة"


شددت عناقها له وهي تقول بنبرةٍ يشوبها مرحٍ طفيف:

"أنا لو زعلتك تاني افتح تربة و ادفني فيها أسهل، علشان دي قلة أدب مني بصراحة"


ضحك هو على جملتها وهو يربت على ظهرها، ثم رفع رأسها له تطالعه بعدستيها وهو يقول بشجنٍ:

"تُـشـبُهـينَ قَــمّـرٌ رُزقــتَ بِــه لِـيـؤنِــس وِحــدَتــي... أو كَـنـجـوم الـسـمـاءِ أضــاءت لَـيـلـي و أنّــارتْ عَــتـمـتـي"


زادت دهشتها أكثر فوجدته يغمز لها بطرف عينه وهو يقول بمرحٍ كعادته:

"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"


أومأت له بقوة ثم احتضنته من جديد وهي تتشبث به بقوة، فتنهد هو بأريحيةٍ ثم طبع قبلة هادئة على رأسها وهو يقربها منها أكثر.

_______________________


في الأسفل في شقة «محمود» تحدث هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"يلا يا هدير ادخلي اوضتك علشان ترتاحي من العياط اللي عيطتيه النهاردة دا"


طالعه «حسن» بقلقٍ وهي باستنكارٍ واضح، فوجدته يقول:

"إيه يا هدير مش هتنامي في أوضتك ولا إيه؟"


ردت عليه هي بترددٍ بعدما نظرت لـ «حسن»:

"لأ يا بابا أنا هروح مع حسن، مش هنام هنا"


طالعها والدها بتعجبٍ وهو بحيرةٍ، فأضافت هي مؤكدة:

"حسن عنده شغل بكرة و يدوبك نروح علشان يريح شوية، أصلًا هنتحرك دلوقتي"


سألها «محمود» بنبرةٍ حزينة:

"يعني أنتِ مش هتباتي معايا؟ أنا فاكرك جاية تقعدي هنا علطول، بس طالما هتمشي خلاص"


تبدلت نظرتها إلى الحزن وهي تطالع والدها بأعين دامعة، فوجدته يقول:

"هدى هتنام مع جوزها فوق علشان فيه حقنة بتاخدها الفجر، و أنا هبات لوحدي، بس مش مشكلة"


شعرت بالحيرة لا تدري ماذا تفعل وكلاهما في حاجةٍ لها، أمعن هو النظر في وجهها و حينما رآى تخبطها و حيرتها تحدث يقول بنبرةٍ هادئة:

"مفيش مشاكل يا هدير، باتي هنا النهاردة و أنا بعد الشغل هاجي أخدك، علشان عم محمود ميزعلش"


طالعته هي بدهشةٍ من حديثه و موقفه الذي يتنافىٰ مع حديثه صباحًا، فتابع هو قائلًا:

"أنا همشي دلوقتي علشان هنزل بدري بكرة و بعد الشغل هعدي عليكي، عاوزة حاجة"


تدخل والدها يقول بنبرةٍ هادئة:

"معلش يا بني بس أنا مش هقبل كدا، يا تاخدها معاك، يا تبات هنا مع مراتك يا حسن، مفيش حل تاني"


نظرا له كليهما بتعجبٍ فقال هو مقررًا:

"ها اختار تاخدها و تمشي على بيتك و لا تنام هنا في بيتك برضه؟"


رد عليه يجاوبه بترددٍ:

"دا شرف ليا والله، بس أنا مش عامل حسابي على بيات هنا، حتى هدومي مش معايا"


تحدثت هي بحماسٍ:

"أنتَ ماشاء طول بعرض زي وئام و طارق، و وئام ليه هدوم هنا البس حاجة منهم لحد الصبح، طول عمركم بتلبسوا مع بعض"


قبل أن يرد عليها تدخل «محمود» يقول بمرحٍ طفيف:

"أهيه حليتها ليك يا حسن، أظن مش أول مرة تلبسوا سوا، دا أنتو خناقتكم على الهدوم كانت مسمعة في بيت الرشيد كله"


ابتسم هو بهدوء ثم حرك رأسه موافقًا حينما رآى فرحتها، و بعد مرور دقائق بدل هو ثيابه بأخرى بيتية من عند صديقه ثم دخل غرفتها التي سبقته هي نحوها، دلفها بهدوءٍ فوجدها تجلس على الأريكة الصغير تنتظره، و حينما دلف هو هبت واقفة وهي تقول بإحراجٍ منه:

"أنا آسفة على الموقف دا بس أنا بابا صعب عليا علشان هيبات لوحده، و الله كنت هروح معاك بس هو حيرني أنا آسفة"


ابتسم هو لها وهو يقول بمرحٍ:

"إيه الأسف دا كله يا حجة، حصل خير مفيش حاجة لكل دا، أنا مقدر موقفه علشان كدا قولتلك باتي معاه، هو برضه صعب عليه يتعود على العيشة لوحده بعد العمر دا كله"


سألته هي بتلهفٍ:

"طب و أنتَ ؟ يعني اقصد عايش لوحدك برضه"


ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"علشان اتعودت خلاص، لكن هو حاجة جديدة عليه"


أومأت له بتفهمٍ فوجدته يتفحص غرفتها بنظره وهو يقول بمرحٍ:

"بس رايقة أوضتك بصراحة، لون بتنجاني و فرع نور و كهارب، و إيه المراية اللي كلها لُمض دي؟"


نظرت له باشمئزازٍ واضح وهي تقول ساخرةً منه:

"حرام عليك ضيعت الاوضة بكلامك دا، دا لون لافندر يا حسن، و دي مش كهارب دا نور عادي زي الديكور كدا، و دي مرايا ديكور برضه و دي مش لُمض، دي لمبات ليد"


رد عليها هو بسخرية:

"لأ أنا مش جاي أخلص ورق الاقامة، أوضة عادية زي أوض البنات اللي بشوفها على النت"


سألته هي بنبرةٍ ذات مغذى:

"وهو أنتَ بتشوف صور أوض البنات اللي على النت ليه؟ فاتح معرض موبيليا؟"


حرك كتفيه ببساطة وهو يجاوبها مردفًا:

"علشان أنا خريج فنون تطبيقية يعني التصوير و الديكور دا لعبتي أصلًا، شكلك بتنسي"


أومأت له بتفهمٍ فوجدته يقول بهدوء:

"أنا خايف بصراحة تنامي هنا تكرهي شقتي و تحسي بالحنين لأوضتك"


ردت عليه هي تنفي حديثه:

"خالص متقولش كدا، شقتك ليها جو تاني بروح تانية كدا صعب تتقارن بمكان تاني، فيها روح كدا"


_"آه عارفها روح مشمشة، عاملة حس كدا في المكان"

رد عليها هو بذلك بطريقةٍ جادة جعلتها تضحك بقوة على طريقته حتى عادت برأسها للخلف، فـ هام هو بنظره في وجهها وهي تضحك عليه، و حينما لاحظت نظرته بها، حمحمت بقوة حتى تلفت نظره لها، فوجدته يُجلي حنجرته ثم سألها بنبرةٍ جامدة:

"معلش سرحت شوية، هو سريري فين لو سمحت ؟"


حركت كتفيها ببساطة وهي تجاوبه بقلة حيلة:

"للأسف هو سرير واحد في الأوضة، بس فيه أوضة تانية فيها كنبة بتتفرد سرير لو مش حابب تنام هنا"


رد عليها هو بضيقٍ زائف:

"يا خسارة، يعني الأوضة دي مفيهاش غير سرير واحد بس ننام عليه"


أومأت له موافقة فوجدته يبتسم باتساعٍ وهو يقول بمرحٍ:

"و أنا نقطة ضعفي بصراحة الأوضة اللي فيها سرير واحد"


حركت رأسها نفيًا بيأس بمعنى لا فائدةً منك، فوجدته يمسك يدها حتى اقترب من الفراش وهو يقول بهدوء:

"يلا علشان هروح الشغل بكرة مكان ولاد عمك و عاوز أنام، و أنتِ كمان تعبتي من الصبح"


أومأت له موافقة ثم تمددت على الفراش بجانبه وهو الأخر تمدد بجوارها، تركت هي مسافةٍ بينهما فوجدته يختصرها بجسده ملتصقًا به حتى يأخذها بين ذراعيه طالعته هي بسهامها فوجدته يقول بمرحٍ:

"بلاش البصة دي علشان مع أول لسعة برد من التكييف بتتعلقي فيا طول الليل، أنا بقول تتعلقي من دلوقتي علشان شكلك ميبقاش وحش"


ضحكت هي على طريقته ثم أضافت:

"نفسي أفهم جايب البجاحة دي منين؟ طب متكسفنيش على الأقل علشان منظري"


رد عليها هو بلامبالاة:

"هي أشكالك مش عاوزة غير كدا علشان ميقاوحوش، و بعدين هتنامي بالأدب و لا أجيب روح مشمشة و تنامي بقلة الأدب؟ واضح إن الدوغري بيزعل"


ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:

"هو المفروض أني ازعل من كلامك و أخد موقف بس كلامك بيضحكني أوي يا حسن، أنا بحب طريقتك أوي علشان عفوية"


وضع يده على رأسها وهو يقول بمشاكسة:

"و أنا كمان بحبني ربنا يحميني و يكرمني و يبارك فيا يا رب"


ردت عليه هي بيأسٍ منه و لازالت نبرتها ضاحكة:

"ما شاء الله كمان نرجسي، عندك إيه تاني يا أبو علي؟"


رد عليها هو بهدوء:

"عندي كتير أوي، خليكي معايا بس و أنا هبهرك بيا"


أمام نبرته تلك وجدت نفسها تطالعه بحيرةٍ، لا تدري لماذا شعرت و كأنه يطلب منها البقاء بتوسلٍ حتى نظرته تطلب وجودها، حينها وجدته يقبل رأسها ثم حدثها بنبرةٍ خافتة:

"تصبحي على خير يا هدير"


أومأت له موافقة وهي تقول بنبرةٍ خافتة تماثل نبرته:

"و أنتَ من أهل الخير يا رب يا حسن"

_____________________


في شقة «مرتضى» جلس «وليد» في شرفة الشقة و هو يفكر فيما حدث و في والدة «راشد» حينما جلبها إلى ذلك البيت، زفر بقوة وهو يفكر فيما هو آتٍ، و لكنه شرد في موقف عمته معه، وهو يفكر كيف لمنبع القسوة أن يكون حصنًا منيعًا يدافع عنه بتلك الطريقة، حديثها و لهجتها الحادة و سهامها الموجهة نحو «راشد» كانت لأجله فقط، وجد نفسه يبتسم تلقائيًا وهو يتذكر هيئتها اليوم، و قبل أن يغوص في تفكيره أكثر من ذلك، صدح صوت هاتفه برقمٍ انتظره هو منذ عدة ساعات، و بمجرد ضغطه على زر الإيجاب وصله الرد بهدوء:

"زي ما توقعت بالظبط يا وليد، اللي أنتَ قولته حصل، بس جهز نفسك علشان ابراهيم شكله هيجيلك بكرة بالكتير"


ابتسم هو باتساعٍ وهو يقول بتريثٍ:

"يا مرحب بـ هيما، و أنا مستعد ليه بصراحة"

الفصل العشرون من هنا


 

تعليقات



×