رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع عشر بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض "
هو حكاية قدر جميله ...
تصادفك مرة واحدة في حياتك ولن تستطيع تكرارها ..
وتبقي أجمل حكاية إن استمرت ..
او حتي إن انتهت ..
تبقي ساكنة في أعماق روحك كعطر ورد ..
ان غفوت ايقظتك ..
وإن اخمدت مشاعرك ستنعشك ذكرياته ..
و تسالني ماذا أريد منك ؟
دعني أفسر لك :
أريد منك أمانا" و حنانا" و وطنا"
و بيتا" و ظلا" و دفئا"
أريد منك حياة
ماضي و حاضر و مستقبل
نظرة عين تخبرني أني حبيبتك
لمسة يد تعيد الأمان لقلبي
دموعا ﻻ تسيل إلا من شدة الفرح
و آلاما تزول بمجرد رؤياك
أريدك أنت فحسب
ثم ماذا بعد..!!
قلبك لقلبي لينصاع له طوعا
ويعقد معه صفقة العمر ..
اقتربَ راجح وهو يجذبُ سلاحه، وهتفَ بهسيسٍ أعمى:
-بدل أنكرتي وجودنا يابنتِ راجح يبقى الموت حلال عليكي، قالها وهو يوجِّهِ سلاحهِ لتخرجَ طلقتهِ باستدارةِ إلياس الذي يَبعدهُ بخطوة، ودفعهُ بقدمهِ لتخترقَ الطلقةَ كتفَ رانيا، ثمَّ انحنى وبدأ يلكمهُ كالمجنونِ كلَّما تخيَّلَ أنَّهُ سيصيبُ زوجته، شعرت ببرودةٍ تجتاحُ جسدها لتتسمَّرَ بوقوفها وكأنَّها أصيبت بشللٍ كامل، كلَّما تذكَّرت أنَّ والدها هو الذي حاولَ قتلها، حاول طارق إزاحةَ إلياس من فوق راجح ولكنَّهُ لم يقوَ إلا بتدخُّل أمنِ الفيلا، ابتعدَ يبصقُ عليه:
-حيوان، شوفت الحيوانات ظلمتها لأنَّك متستهلشِ تكون أب..قالها واستدارَ إلى زوجتهِ التي ارتعشَ جسدها بالكامل، وانهارت قواها وكأنَّها الحاضرة الغائبة بهذا المكان، وهي تنظرُ إلى رانيا التي سقطت بالأرضِ تمسكُ ذراعها صارخةً باسمها:
-ماتمشيش يامروة، مستعدَّة أفديكي بحياتي ياحبيبتي، ابنِ فريدة بيضحك عليكي يابنتي..عيونًا خاويةً بنظراتٍ باردةٍ تطالعها بها، توقَّفَ إلياس يتعمقُ بنظراتهِ إليها، احتلَّ الضيقُ ملامحهِ وهو يرى ضعفها، واشتعلت حقولُ النيرانِ داخلهِ ظنًّا أنَّها ستحنُّ إليهما، وقفَ كالمشاهدِ ولم يتحرَّك من مكانه، توقَّفت رانيا بمساعدةِ طارق تحتضنُ ذراعها واقتربت منها وعينيها تذرفُ الدموع، تراجعت للخلفِ تحتضنُ ذراعَ إلياس تهتفُ بنبرةٍ قويةٍ عكسَ حالتها:
-إلياس خدني من هنا، اقتربَ و حاوطَ جسدها وتحرَّكَ بعض الخطوات، مع وقوفِ راجح وتناولهِ السلاحَ الذي ركلهُ إلياس بعيدًا عنه، وزمجرَ غاضبًا:
-هموِّتك يابنِ جمال، قالها بإطلاقه الرصاصة، ولكن لم تصب أحدًا سوى اختراقها للجدار، بعدما دفعهُ طارق:
-بابا لو سمحت..قالها طارق ممتعضًا، توقَّفَ إلياس مستديرًا بعدما تعاظمَ غضبه، وغلت الدماءَ بعروقهِ يشيرُ إليهِ بتهديد:
-مش هرحمك، احفر قبرك واستناني.. النهاردة كنت عندك بصفتي إلياس السيوفي راجعلَك بصفتي يوسف الشافعي، ياراجح ياشافعي، قالها وغادرَ المكان..
وصلَ إلى سيارتهِ فتحَ بابها وساعدها بهدوء، ثمَّ أغلقَ الباب واستدارَ متَّجهًا ليستقلَّ السيارةَ بجوارها، أغمضت عينيها وهي تشعرُ بألمٍ يشحذُ جسدها بالكامل، استدارَ إليها بكاملِ جسدهِ وحاوطَ وجهها يزيلُ دموعها بإبهامه:
-ميرو اهدي خلاص، طالعتهُ بتشتُّت:
-مين دول ياإلياس، الناس دي مجرمة..قالتها بشهقاتٍ مرتفعةٍ مع ارتجافةِ جسدها ليضمَّها بحنانٍ هامسًا لها بعضَ الكلمات، ظلت فترةً إلى أن استكانت بأحضانه، ليقودَ السيارةَ بذراعٍ والآخرُ يضمُّها به، وصلَ بعد فترةٍ قليلةٍ فيلا السيوفي، ترجَّلَ متَّجهًا إليها، كانت جالسةً بجسدٍ خاوي، وروحًا مسلوبة، وهناك مايوسوسُ لها، ترجَّلَ واتَّجهَ إليها، ساعدها بالنزولِ وحاصرها بين ذراعيه..
-ياله حبيبتي ، نظرت للمنزلِ بعيون مكدَّسةٍ بالدموع، ثمَّ اتَّجهت بأنظارهاٍ إليه، وأحست بأنها طفلة تائهة، دنى يحاوط جسدها متمتمًا بنبرة حنونة:
-يالة ياميرال أنا معاكي..انهارت باكية ببقهرٍ لسنوات وتركت عبراتها التي عبرت عن كم آلامها، سكت هنيهة تاركًا إياها بإخراج قيح مايخنقها من جروحٍ تنغز بالقلب كالسكين البارد
ظلت لفترة واقفة كالطائر الذي تركه سربه بموطن غير موطنه، شعر بها ليضمها لأحضانه:
-ليه الضعف دا، من إمتى وأنتِ ضعيفة كدا ..عانقت نظراته واخترق صوتها الباكي جدران قلبه المدمي قائلة:
-كان ممكن تكون راجع بيَّا ميتة صح، الراجل كان هيموِّتني ياإلياس، هوَّ فيه واحد ممكن يقتل بنته!..يعني كنت زماني ميتة دلوقتي؟!..
كلمات ماهي سوى كلمات ولكن كادت أن تُزهقَ روحه، لم يشعر بنفسهِ سوى وهو يضمُّها بقوةٍ لأحضانه، كاد أن يذيبَ ضلوعها مع ارتجافةِ جسدهِ ذعرًا وخوفًا من حديثها، مما جعلهُ يهمسُ بنبرةٍ عاشقةٍ متنحيًّا عن كبريائهِ وصموده، فهنا مفترقَ المعنى بين العشقِ والكبرياء:
-ليه بتقولي كدا،وأنا روحت فين، بكت بشهقاتٍ مرتفعةٍ عاجزةٍ عن تحمُّلِ الألمِ الذي اخترقَ روحها
-مش هتبعد عنِّي ياإلياس مش كدا، مش هتاخدني بذنبهم؟.
احتضنَ وجهها بين راحتيه، وتجوَّلَ بعينيهِ فوقَ ملامحها بشغف، وهتفَ بنبرةٍ خشنةٍ ممزوجةٍ بالعشقِ الدفين:
-مقدرشِ أعيش من غيرك، مش إلياس اللي ياخد حد بذنبِ حد، تخيَّلي بقى لو الحدِّ دا روحهِ وعشقه..
ابتسمت من بين دموعها تطالعهُ بنظرةٍ هائمة:
-روحه وعشقه!!
ارتجف جدران قلبه، فابتسمت عيناه قبل شفتيه، وعانقها بنظرة ممزوجة بالعشق الضاري، ليردف بنبرة تخصها وحدها
-عندك شك في كدا..كم مرة اتكلمنا في الموضوع دا
ارتفعت يديها تحتضن وجهه بحنان وعشق متمتمة بنبرة ممزوجة بالعشق
-ممكن تضمِّني اوي، هزَّ رأسهِ بالنفي وانحنى يحملُها بين ذراعيهِ دالفًا بها للداخل، وقلبهِ عبارةٍ عن مضخَّةٍ من دقات عنيفة، قابلتهُ غادة وهي تراهُ يحملها..
توقَّفت تطالعهما واستفهمت عمَّا بها:
-مالها ميرال ياأبيه؟!
تحرَّكَ قائلًا:
-كويسة، هرولت خلفهِ وتساءلت مرَّةً أخرى:
-طيب شايلها ليه..التفتَ لها:
-غادة خفِّي عن دماغي، قالها وصعدَ للأعلى دون حديث..توقَّفت وعينيها على تحرُّكهما إلى أن اختفيا، دلفَ لجناحهما، وأغلقَ البابَ بقدمه، اتَّجهَ إلى فراشهما ووضعها بهدوء:
-ميرو حاولي ترتاحي وتنسي أيّ حاجة تمام ..تشبَّثت بذراعه:
-متسبنيش، أنا محتاجاك أوي، ربتَ على كفِّها:
-أنا معاكي، هغيَّر هدومي وأجبلك حاجة تلبسيها..
هزَّت رأسها بالرفض، مبتلعةً غصَّتها التي بطعمِ مرارِ ماشعرت به:
-متسبنيش ياإلياس مش عايزة أغيَّر، عايزاك تاخدني في حضنك وبس، أنا خايفة..
كان وقعُ كلماتها عليهِ كبيرًا ليشعرَ بالعجزِ أمامها، حينها عاتبَ نفسهِ على ما فعلهُ بها، تمنَّى أن يدفنها بين ضلوعه، حرَّكَ أناملهِ على وجهها يرسمها بحنو..يحفرُ كلَّ إنشٍ بها داخل قلبهِ بعشقٍ هامسًا لها بنبرةٍ مبحوحة:
-تخافي وحبيبك معاكي، كدا تزعَّلي المسكَّر منِّك..ابتسمت وهي تضعُ كفَّيها على وجهه، قاطعهم طرقاتٌ على بابِ الغرفة، سمحَ بالدخولِ لتدخلَ غادة متسائلة:
-هيَّ ميرال كويسة ياأبيه، استدارَ يرمقها بغضبٍ يشيرُ إليها:
-غادة، ميرال كويسة، ممكن تسيبيها ترتاح شوية، اقتربت من نومِ ميرال:
-حبيبتي إلياس عمل فيكي حاجة، تحرَّكَ من أمامها متَّجهًا إلى غرفةِ الملابسِ يسبُّها بداخله، بينما ابتسمت لها ميرال:
-أنا كويسة ياغادة بس عايزة أنام، انحنت تطبعُ قبلةً على جبينها:
-قلقت عليكي، وبعدين ماله أبيه إلياس ، لسة متأثَّر باللي حصل؟..
هزَّت ميرال رأسها بالنفي وأجابتها:
- لا حبيبتي هوَّ بس مرهق، جلست بجوارها وتساءلت:
-ماما قالتلي إنِّك بنتِ عمِّ إلياس صح؟.. وقالت اسمه راجح، وكمان شوفت والدتك كانت هنا، بصراحة متزعليش منِّي دي ستّ كنت عايزة أشتمها، كلِّمت ماما فريدة بقلِّة ذوق، معرفشِ إزاي واحدة جميلة زيك بنتها، ياريتك كنتي بنتِ ماما فريدة، هموت..إزاي الستِّ دي تخلِّف واحدة قمر وطيوبة زيك، لا ياميرال الستِّ دي اتبرِّي منها، بترت حديثها عندما رفعها إلياس من ذراعها، وتحرَّكَ بها إلى خارجِ الغرفةِ ثمَّ أغلقها خلفها يسبَّها، متَّجهًا إلى زوجته:
-ميرال ياله علشان تغيَّري، مينفعشِ تنامي كدا، قالها وهو يضعُ ملابسها فوقَ الفراش، ثمَّ انحنى وساعدها بتبديلِ ثيابها، كانت كالجثَّةِ بين يديه، شعرَ بالحزنِ عليها، وذهبَ بذاكرتهِ ماذا كان سيفعلُ لو كان أهلهِ مثلها، أو أنَّ أحدًا غير مصطفى أخذه، وأصبحَ شخصًا غير سويًا، ارتفعَ تنفُّسهِ وهو يساعدها حتى انتهى ممَّا يفعله، ضمَّها لأحضانهِ يمسِّدُ على خصلاتها ثمَّ هتف:
-يعني طلعنا في الآخر ولاد…
-عارفة المفروض تحمدي ربنا إنِّ ماما فريدة خطفتِك منهم، علشان لو فضلتي هناك مكنَّاش هنتقابل ولا كنتي هتكوني مراتي دلوقتي..
اكتفت برسمِ ابتسامة، ودفنت رأسها بصدرهِ تبتعدُ عن نظراته، لأوَّلِ مرَّةٍ تشعرُ بصقيعٍ بكافةِ جسدها، دسَّ أناملهِ بخصلاتها يرفعها لتنظرَ إليهِ حينما شعرَ بدموعها، أزالها بإبهامهِ وسبحَ بجمالِ عينيها..
-طيِّب ليه العيون الحلوة دي تبكي، أكيد زعلانة علشان أنا طلعت ابنِ عمِّك صح؟..
-حياتنا كلَّها طلعت سراب ياإلياس، الأم اللي طول حياتي بفتخر بيها طلعت مش أمِّي، وبابا اللي رسمته بأحلامي مطلعشِ بابايا.
رفعَ ذقنها وعاتبها بعينيهِ قائلًا:
-طيب مش كفاية أنا حلمك واتحقق، دا لوحده المفروض تحمدي ربِّنا عليه، يابنتي إنتِ متجوزة أحسن راجل في مصر..
أفلتت ضحكةً من بينِ شفتيها، حتى التمعت عيناها، دنا من شفتيها يلمسها بخاصته:
-طيب واللهِ المسكَّر زعلان من البايرة ولازم تراضيني، ياإما..قابلت عيناها عينيهِ القريبة منها هامسةً بنبرةٍ متقطَّعةٍ على غير عادتها:
-المسكَّر ممكن يتخلَّى عن روحه، مش أنا روحك، زي ماإنتَ روحي ياإلياس؟..
لم يظلّ هنا لشفتيهِ حديثًا سوى أن تسكبَ عشقًا يروي به قلوبهما الظمآنة، لقد فاضَ القلبُ وارتفعت دقَّاتهِ وأُلهبت المشاعرَ بنيرانِ العشقِ الجارف، ليظلَّا فترةً لم يشعرا بما حولهما ولم يعلما كم سرقَا من الزمنِ من تلك اللحظاتِ والهمساتِ التي تُعتبرُ ميزانَ الحياة، دقائقَ ربَّما ساعاتٍ وغرفتهما مغلقةً عليهما كأنَّهما انعزلا عن العالمِ، بهروبهما من كابوسهما الواقعيّ الذي سيقلبُ حياتهما..بعد فترةٍ كانت عيناهُ تغازلُ ملامحها المستكينةِ فوق ذراعه، نظراتٌ تقطرُ عشقًا ضاريًا، تمنَّى أن يعودَ به الزمن لقبلِ سنواتٍ حتى يُشبعَ روحهِ من قربها، مرَّرَ أناملهِ على ثغرها الذي يشبهُ عنقودَ العنب وابتسمَ كلما تذكَّرَ لحظاتهِ السعيدة بقربها، لقد دغدغت قلبهِ وانهارت حصونهِ ودوافعهِ بحبِّها الذي زلزلَ أركانهِ بالكامل ..
فتحت عينيها على حركةِ أنامله، لترفعَ رأسها تدفنهُا بحنايا عنقه، لتضربَ أنفاسها الناعمةِ جلده، ليرتجفَ جسدهِ بنيرانِ الرغبة، فلقد فاضَ الشوقُ
جلسَ وقامَ باعتدالها، محاوطها بذراعيه، وضعت رأسها على كتفه، ثمَّ مدَّت كفَّها لتتشابكَ أناملها بأنامله، لديها شعورًا بداخلها أنَّ هذا الرجلَ فاقَ حدودَ الروعة التي فقدت المعاجمَ في سردِ صفاتهِ وحنانه، من يراهُ يقسمُ أنَّهُ هالةٌ من الغرورِ والكبرياء، ولكنَّ الكبرياء هنا كبرياءَ العشق، لأوَّلِ مرَّةٍ ترى بعينيهِ بريقُ الحنان، وكأنَّهُ يضعُ قلبهِ بين راحتيها لتفعلَ به ماتريد، فجميعُ لمساتهِ يمتلكها ذراعَ الحنان، ليثبتَ لها أنَّ قلعتهِ حصنها الآمن وليس سواه..
-بقيتي كويسة؟..رفعت رأسها:
-زهقت ولَّا إيه؟..
-هزهق من إيه بس، أنا بطَّمن عليكي، هتفضلي حبساني كدا، عايز أشوف شغلي، وحضرتك عاملة زي الأطفال، اللي محتاجة والدتها..
-مش يمكن بعتبرك أكتر من كدا..
-وأنا مش عايزك طفلة، عايزك ميرال الواعية، مبحبش ضعفك دا..
أجابتهُ بعبث:
-عايزة أقعد في حضنك، مستكتر عليَّا حضنك شوية..ثبَّتَ نظراتهِ عليها لبعضِ اللحظات ثمَّ أردف:
-وبعدِ ماتقعدي شوية في حضني هيحصل إيه؟..هنفضل طول اليوم في تبادل الأحضان، ميرال عندي شغل، فوقي مش عايز أيِّ حاجة تأثر عليكي..
-دا كلُّه علشان قولتِ لك عايزة أفضل في حضنك ياإلياس، علشان محتاجاك..
زفرَ بحنقٍ ووضعَ كفَّيهِ بخصره:
-خلاص أقعد دادة لسيادتك، ولَّا أقولك نحكي حواديت إيه رأيك؟..
طالعتهُ بتذمُّرٍ قائلة:
-لو رديت زي أيّ راجل بيحبِّ مراته هيدفَّعوك ضريبة مثلًا؟..
رفعَ حاجبهِ وأجابها بتخابث:
-الراجل اللي بيحبِّ ياميرال، هبَّت معتدلةً بمقابلتهِ وأشارت ملوِّحةً بيديها متمتمة:
-متستفزِّنيش ياإلياس، إنتَ بتقلب بسرعة ليه؟..حرام تقعد ساعتين حبيب من غير ماتقلب لبرودك دا ياأخي، نفسي تسلِّفني منهم شوية..
زوى مابين حاجبيه، مستنكرًا حديثها:
-تقصديني بكلامك دا ولَّا حدِّ تاني؟.،
جزَّت على أسنانها متراجعةً تستندُ على سريرها تهمسُ لنفسها:
-يالهوي لو ابنه طلع ببروده، هيدخَّلوني مستشفى المجانين، يارب مايطلع زيه يارب، أنا غلبانة عليهم..
دنا يتنصَّتُ على حديثها، ثمَّ وضعَ كفِّهِ على جبينها
-إنتِ سخنة، صح هعتبر دا هلوسة حمى..أغمضت عينيها حتى لا تطبقَ على عنقه:
-امشي من قدَّامي، اطلع برَّة وسبني بدل ماأقلب عليك..
توقَّفَ قائلًا:
-أنا هطلع بس مش علشان المجنونة طلبت علشان لو قعدت هزعل وأنا زعلي وحش..
رفعت إحدى حاجبيها ساخرة:
-تزعل، هوَّ إنتَ بتفرح أصلًا، نفسي تضحك، أشارت على بطنها:
-حبيبي في هنا بيبي، وإنتَ أبوه اضحك شوية الولد هينزل يشتمنا..
راقَ له دلالها، فتراجعَ يهزُّ رأسهِ مبتسمًا، ودلفَ إلى الحمَّامِ دون حديثٍ آخر..
بفيلَّا الجارحي:
خرجت ملك من غرفتها متَّجهةً إلى الحديقة، قابلها إسحاق:
-ملوكة عاملة إيه ياعمُّو؟.،اتَّجهت إليهِ بعيونٍ حزينة:
-الحمدُ لله ياعمُّو، هوَّ أرسلان مش هيجي النهاردة كمان؟،،حاوطَ أكتافها وتحرَّكَ إلى أرجوحتها وأجلسها وبدأ يحرِّكها بهدوء:
-طيِّب عمُّو مينفعشِ بدل الولد أبو غمازات دا، أه أنا كبرت شوية بس برضو لسة حليوة.،
ابتسمت كالطفلة، ثمَّ تشبَّثت بأرجوحتها واستدارت برأسها تطالعه:
-لا حضرتك زي القمر، معرفشِ الستات أغبية علشان سايبينك سينجل إزاي..
قهقهَ عليها بصوتٍ رجولي، وحاوطَ جسدها قائلًا:
-أخوكي مشغول جدًا، أنا كمان مبقتشِ أشوفه حبيبتي، وهمَّا ساعات اللي بيكون موجود هنا في مصر، مش معقول هنقولُّه تعالَ وسيب مراتك بظروفها دي، متنسيش أنَّها كانت حامل..قاطعَ حديثهما صوتُ الحارس:
-أسحاق باشا، نصبَ عودهِ يطالعهُ باستفهام، اقتربَ منهُ قائلًا:
-فيه واحد طالب يشوف حضرتك والباشا، ودا الكارت بتاعه..
أمسكَ الكارت مابين أناملهِ يردِّدُ ماعليه..
اتسعَ بؤبؤُ عينيهِ متحرِّكًا للداخل سريعًا، ارتسمَت ابتسامةٌ عريضةٌ على محيَّاه، واقتربَ بتحيَّته:
-أهلًا وسهلًا سيادةِ اللوا، مصدَّقتش لمَّا قالولي إن حضرتك شرفتنا..
أومأ له قائلًا:
-أهلًا بيك سيادةِ العقيد، يارب تكون بخير..
أشارَ إليهِ بالجلوسِ مجيبًا:
-ليَّا الشرف طبعًا يافندم إنِّ حضرتك تنوَّرنا..قاطعهم دخولُ فاروق يوزِّعُ نظراتهِ بينهما، ورغم تخبطِ مشاعرهِ إلَّا أنَّهُ ابتسم:
-أهلًا وسهلًا بسيادةِ اللوا، الفيلا نوَّرت..
توقَّفَ مصطفى وحيَّاهُ بنبرتهِ الرخيمةِ والوقورة:
-أكيد بأهلها وناسها، ليا الشرف بمقابلتك..بعد التحية، وزَّعَ فاروق نظراتهِ بين إسحاق الذي صمتَ ومصطفى وتساءل:
-تحت أمرك يامصطفى باشا..تراجعَ مصطفى بجسدهِ ووزَّعَ نظراتهِ عليهما قائلًا بنبرةٍ هادئة:
-عندكم أمانة تخصِّنا ياإسحاق، فتحَ فاههِ للتحدُّثِ إلَّا أنَّهُ أشارَ بيده:
-قبل أيِّ حاجة أنا مش جاي أعاتبكم أو آخد ابنكم، عارف إنِّ ليكم فيه أكتر مننا، بس متنسوش إنِّ دي أم، ومهما السنين مرِّت عليها عمرها ماهتتنازل عن ابنها، أنا جاي نتِّفق وطبعًا تحتِ أمركم، وزي ماقولت أنتوا ليكم فيه أكتر مننا، هسيبكم تفكَّروا بالأبوَّة اللي ربتوه بيها، عارف الموضوع صعب، ويمكن مؤلم أوي، لكن قبلِ أيِّ حاجة مفيش حاجة هتفضل متخبية، حاولت قبلكم وللأسف جه الوقت اللي اتكشفت فيه كلِّ الحقايق، أرسلان كدا كدا هيعرف، فلو عرف منُّكم هيبقى أفضل بكتير أنُّه يتصدم من حدِّ تاني..
-حضرتك بتهدِّدنا ياسيادةِ اللوا..هكذا تساءلَ بها إسحاق؟..
هزَّ رأسهِ باعتراضٍ على حديثه:
-أبدًا لا سمحَ الله ولا ليا حق ولا عين أقف وأطالب بحاجة كان ليكم الفضل الأكبر فيها، بس أنا بناشد قلوبكم وعارف ومتأكد اللي يربي واحد زي أرسلان عمره مايكون أناني، وبكرَّر كلامي للمرَّة التالتة، الولد ليكم فيه أكتر مالينا، الأب هوَّ اللي ربَّى مش اللي خلِّف، بس من حقُّها إنَّها تاخده في حضنها، حقَّها ومنقدرشِ ننكره، وطبعًا أكيد هوَّ مش صغير وهيتفهَّم جدًا، وخاصةً لما يعرف إنِّ إلياس أخوه اللي حضرتك حاولت تبعده عنُّه ياسيادةِ العقيد..
صمتَ للحظاتٍ وتابعَ حديثهِ عندما وجدَ تغيَّرِ وجوههم:
-كان لازم أعرف انقطاع أرسلان بعد زيارة والدته..مسح اسحاق بكفيه على وجهه كي يهدأ من ارتفاع أنفاسه المرتجفة، ورغم ذلك توقّّفَ أخيرًا بعدما فشل في محاولَ تهدئةَ نفسه، ساحبًا نفسًا عميقًا ثم أشار بسبباتهِ
بعدما فقدَ تحكُّمه بالكامل:
-متقولشِ أمُّه دي ياسيادةِ اللوا، أرسلان مالوش غير أم واحدة، أنا مقدَّر مجية حضرتك اللي أكيد اتشرَّفنا بيها، بس حضرتك جاي في بيتنا وبتقول عايز ابننا، الولد مالوش غير أب واحد وأم واحدة ودا آخر كلام عندي..
توقَّفَ فاروق مع ارتجافةِ جسدهِ وهو ينظرُ لأخيهِ بعتاب، ثمَّ التفتَ إلى مصطفى وحاولَ الحديث، إلَّا أنَّ لسانهِ ثقلَ ولم يعد لديهِ قدرةً على التفوُّه، شعرَ به مصطفى فنهضَ من مكانهِ واقتربَ منه محاولًا تهدئته:
-واللهِ أنا ماجاي علشان أحرمكم منُّه، وأطالب بحقِّنا فيه، لأنِّنا مالناش حق فيه غير أنُّه أخو إلياس، اللي مهما الحقيقة اختفت هتظهر، وأكيد إسحاق عرف إنِّ إلياس أخو أرسلان، فبلاش نضحك على بعض يافاروق، أقعد مع نفسك وحطِّ نفسك مكان والدته، دي أم خطفوا ولادها تلاتين سنة ويوم ماتلاقيهم نحرمهم منها، حاولت قبلك أبعده مايعرفشِ حاجة، بس عرف، وإلياس غير أرسلان، خايف عليه من الصدمة، هيكون صعب صعب أوي..
قالها متنهِّدًا بحزنٍ ثمَّ استأذنَ وتحرَّكَ إلى أن وصلَ إلى بابِ الغرفةِ يطالعهم قائلًا:
-أنا جيت قبلِ ماإلياس يعرف، عنده عم سم وبيحفُر في كلِّ مكان علشان يوصلُّه قبلنا، وأكيد إنتَ عارف ياإسحاق دا ممكن يعمل إيه، ياريت تتفهِّموا الوضع..قالها وغادرَ المكان بأكمله، ليهوى فاروق على المقعد، بعدما فقدَ اتزانهِ يتمتم:
-يعني كدا النهاية، الولد مبقاش ابني، ابني اللي بكبَّره بقالي سنين علشان يكون سندي هيروح لحدِّ تاني، رفعَ عينيهِ الخاويةِ إلى إسحاق الذي يدورُ بالغرفةِ مثل الأسدِ الجريح:
-أنا كنت عارف أنُّه جاي يهدِّدنا، لازم ألاقي حل، لا لازم يكون فيه حل، أنا لمَّا دوَّرت ورا إلياس من أوَّل ماعرفت أنُّه ماسك قضيةِ الخلية قبل ماعرَّفته بأرسلان عرفت أنِّ رأسه سم، متأكِّد مش هيسكت، دا راح السويس يوم ماعرف أنُّه مش ابنِ مصطفى وراجع على شغله وكأنّ ماحصلشِ حاجة، الولد دا بيخطَّط لحاجة وخاصةً أنُّه معرَّفشِ أرسلان بأيِّ حاجة..
نهضَ فاروق وتحرَّكَ بخطواتٍ بطيئةٍ وكأنَّهُ طفلًا يتعلَّمُ المشي يستندُ على الجدار، إلى أن وصلَ بابَ الغرفةِ وسقطَ فاقدًا الوعي..
عند أرسلان بأحدِ مدنِ المعمورةِ التي تجمعُ بين التاريخِ والطبيعة، خرجَ من إحدى الكنائسَ لينهي ماوصلَ إليه، استقلَّ سيارتهِ مع رنينِ هاتفه:
-أيوة حبيبتي، قدَّامي ساعتين تلاتة وأكون عندك بإذنِ الله..
كانت تجلسُ بجوارِ أخيها، نهضت مبتعدةً عنه:
-أرسلان أنا عند بابا لمَّا تيجي عدِّي عليَّا هناك، كنت زهقانة فقولت أعدي عليهم علشان أطَّمن عليهم..
توقَّفَ بالسيارةِ وصمتَ لبعضِ اللحظات، ورغم صمتهِ إلَّا أنَّ أنفاسهِ صمَّت أذنها:
-يعني جاية تعرَّفيني بعد ماروحتي ياغرام ولَّا إيه، مالكيش راجل تاخدي الإذن منُّه؟..كلِّمتك الصبح ولَّا لأ، ليه مقولتيش إنِّك رايحة لباباكي؟..
-أرسلان…
-مش عايز أسمع حاجة...قالها وأغلقَ الهاتفَ متحرِّكًا من المكانِ ولم يشعر بتلك السيارةِ التي تراقبه..
بمنزلٍ بإحدى الأماكنِ المتطرِّفةِ بضواحي القاهرة، نهضت من مكانها تشعرُ بوهن، وجسدها الذي أصابهُ الخمول، نادت على خادمتها، فهرولت إليها:
-نعم يامدام..أشارت إلى هاتفها:
-هاتي التليفون، واعمليلي كوباية لبن..
أومأت لها بطاعةٍ واتَّجهت إليها بالهاتفِ قائلة:
-الغدا جاهز يامدام أجبهولك الأوَّل ولَّا تشربي اللبن؟..
تراجعت بجسدها على الفراش تشيرُ إليها بالخروجِ قائلة:
-هاتي اللبن وأخَّري الغدا لحدِّ ماالبيه يرجع..أومأت وتحرَّكت إلى الخارج، رفعت هاتفها تهاتفه:
-إسحاق إنتَ فين اتأخرت ليه؟..
أجابها وهو يتطلَّعُ إلى الطبيبِ الذي يقوم بالكشفِ على فاروق قائلًا:
-دينا بعدين أكلِّمك...قالها وأغلقَ الهاتف..
زفرت بحنق، ونهضت متعثِّرةً بخطواتها تحتضنُ أحشاءها تهمسُ لنفسها:
-هنفضل عايشين لوحدنا حبيبي، باباك اللي كان بيقولِّي هرسملك الدنيا ورد، معبرناش، ياله ناخد شاور لحدِّ ما نشوفه هيرجع ولَّا لأ..
عند إسحاق توقَّفَ أمامَ الطبيبِ الذي هزَّ رأسهِ بأسى وهو يقطعُ تلك الورقة التي يدوِّنُ بها الأدوية:
-حذرتك قبل كدا ياإسحاق، للأسف جلطة ولازم يتنقل مستشفى ومتقولشِ مينفعش، جذبَ إسحاق تلك الروشتة وأشارَ لأحدِ رجالهِ عليها، فالتقطها وخرجَ دون حديث، ثمَّ اتَّجهَ إلى الطبيب:
-متسألشِ في حاجة إنتَ عارفها يادكتور، عايز ممرِّضة ثقة تكون تحتِ رجله أربعة وعشرين ساعة وتكون عندها خبرة كافية، وتقولِّي خلال أسبوع هيرجع يقف، دا اللي عايز أسمعه مش حاجة تانية..
بمنزلِ يزن:
قبلَ ساعاتٍ دلفت مها تنظرُ إلى جلوسهم، ثمَّ اقتربت ودموعها تنسابُ على وجنتيها:
-ضحكت عليَّا يايزن، أخدتني انتقام علشان تشتري أسهم الشركة وتتجوِّزها؟..توقَّفت راحيل تطالعهم باستفهامٍ تجلى بنظراتها، دنت منها وأشارت عليه:
-اتجوِّزتيه، ياترى قالك أنُّه استخدمني علشان يشتري أسهم الشركة ويدخل شريك معاكم؟..تركتها واقتربت منهُ وتوقَّفت تنظرُ إليه:
-ليه عملت كدا، أنا إزاي مفهمتش إنَّك عايز تنتقم منِّي ومن طارق، دارت حولهِ وهمهمت بكلماتٍ غير مفهومةٍ إلى أن رفعت عينيها إليه:
-إزاي مسألتش نفسي عن فلوسِ الأسهم دي، مش معقول تكون بعت نصيبك في الورشة، دي روحك، وياما اتحيلت عليك تبيعها علشان نتجوز اقتربت ورمقتهُ بنظراتٍ ناريةٍ وصاحت تهدرُ بغضب:
عملت فيَّا كدا ليه، عملت لك إيه يايزن؟..
-إيمان خدي راحيل وادخلوا جوَّا..قالها وهو ينظرُ إلى مها نظراتٍ جليدية..
تغضَّنَ وجهها بعبوسٍ ثمَّ ضحكت باستخفاف:
-ليه ياعريس مش عايز المدام تعرف إنَّك رجعتلي؟..
-إيمان، صاحَ بها بصوتٍ صاخبٍ لتجذبَ راحيل من كفِّها، إلَّا أنَّ رحيل نزعت يدها واقتربت منهُ تطالعهُ بترجِّي:
-إيه اللي بتقوله البنتِ دي، وأسهم إيه اللي بتتكلِّم عنها، أطلقت مها ضحكةً صاخبةً تلطمُ كفَّيها ببعضهما:
-كنت عارفة ومتأكدة أنُّه ماقلكيش حاجة، أصله واطي..لطمةً قويةً على وجهها حتى شعرت بتخدُّرِ خدِّها، ثمَّ سحبها من ذراعها بقوةٍ وألقاها بالخارجِ لتهوى على الأرضيةِ متأوهةً تبكي بشهقات، ثمَّ أشارَ بسبباته:
-أنا فعلًا واطي إنِّي ضيَّعتِ وقتي مع واحدة زيك، واحدة زي الكلبة بتجري للي يدفعلها أكتر، عايزة تعرفي عملت فيكي إيه، انحنى مستندًا على ركبتيهِ وغرزَ عينيهِ بمقلتيها:
-أه استخدمتك علشان أشتري الأسهم، علشان أعرَّفك أنا بقيت إيه والكلبِ اللي بعتيني علشانه بقى إيه، ضحكت عليكي.. أه ضحكت عليكي زي ماإنتِ ضحكتي عليَّا قبلِ كدا، اقتربَ يدفعُ رأسها بأنامله:
-عبيطة يابت علشان يزن يرجع لواحدة باعِته، فوقي ياماما، دا أنا كنت بقرف من نفسي من كام دقيقة بكون معاكي فيها علشان أوصل للي أنا عايزه، ودلوقتي حبيبِ القلب فلِّس ياحلوة، ماهو مش الأسهم بس، فيه واحدة رخيصة زيك لفِّت عليه وسحبت كلِّ اللي حيلته، وهوَّ كلب بيجري على أيِّ حتِّة لحمة معفِّنة،
ودلوقتي لو شوفتك في يوم من الأيام قدَّامي حتى لو صدفة هدوس عليكي بجزمتي، قالها وأغلقَ البابَ بوجهها..
تقابلت النظراتُ مع ارتفاعِ أنفاسه، بصعودِ صدرهِ وهبوطهِ من كثرةِ انفعالاته، إلى أن نطقت راحيل:
-معنى الكلام دا إيه يايزن؟..تحرَّكَ إلى غرفته:
-معناه مايخصُكيش ومتفكَّريش إنِّك مراتي علشان تسألي في حاجة خاصة بيا، قالها وصفعَ البابَ خلفهِ بقوَّةٍ حتى أفزعتها، لتهوى على المقعدِ بدموعٍ ممزوجةٍ بخيبةِ الأمل، فالموضوع لا يحتاج لعقلٍ لترجمته..
عندَ آدم قبلَ ساعات:
توقَّفت حنين بجوارِ آدم وأجابت على سهام قائلة:
-أنا حنين مرات آدم..رفعت عينيها لآدم مبتسمة، وتابعت حديثها:
-بقالنا سنتين متجوِّزين، كان عايز يجبني هنا من زمان بس كنت مشغولة بالدكتوراة، ولمَّا نزل طلب مني أخلص وأحصَّله..ألقت كلماتها التي أصبحت كالطلقاتِ الناريةِ..بعد كلماتِ سهام التي أصابت قلبها بنزيفٍ يمزِّقهُ دون رحمة...لتشعرَ بآلامٍ مبرحةٍ تفتكُ جسدها ناهيكَ عن آلامٍ أسفلَ ظهرها مما جعلها تحتضنُ أحشاءها وتهوى على الأرضِ بعدما شعرت بسائلٍ دافئٍ ينسابُ على ساقيها، ورغم كبحِ آلامها ومعاناتها ومحاولتها التماسك بألَّا تضعفَ بحضورها، إلَّا أنَّها انهارت وشقَّ جوفها صرخةً زلزلت جدرانَ الغرفة، ليلتفتَ مذهولًا ينظرُ إلى جسدها الذي سقطَ على الأرض، والدماءُ التي لطَّخت ثيابها، وصلَ إليها بخطوةٍ واحدةٍ وهتفَ بفزع:
-إيل. ين، قالها وانحنى يحملها بين ذراعيهِ متَّجهًا سريعًا إلى سيارته، بوقوفِ زوجتهِ الأخرى تطالعهُ بذهول، كيف يتحرَّكُ بتلك الطريقةِ دون أن يراعي شعورها ويقدِّمها إلى والده، الذي لم يقلّ عنهُ عدمَ تقديرها ليهرولَ خلفهِ يصرخُ باسمِ إيلين..فاقتربت من سهام متساءلةً مين دي؟..
رفعت سهام حاجبها تحرِّكُ فكَّها يمينًا ويسارًا،ولطمت على كفَّيها بعدما وضعتها فوق بعضهما بحركةٍ تنمُّ عن التهكُّم:
- دي مرات آدم المسهوكة ياجميلة مش قدرت توقف قدام جمالك فوقعت وأُغمى عليها، ثمَّ جذبتها واتَّجهت إلى الأريكة:
-تعالي احكي لي ..إزاي اتعرفتي على آدم؟..
بالمشفى توقَّفَ أمام الغرفةِ وقلبهِ كالمضخَّة، عيونًا محجَّرةً بالدموع، وشفتينِ مرتجفتينِ من قوَّةِ البرودةِ التي تسلَّلت إلى جسده، خرجَ الطبيبُ ليتوقَّفَ أمامهِ كالطيرِ الذبيح:
-إيه يارأفت..رفعَ عينيهِ وصمتَ لبعضِ اللحظاتِ حتى تجلَّى الوجعُ على وجهِ آدم ليهتف:
-ربنا يعوَّض عليك، أنا فهِّمتك إنِّ حالة الجنين غير مستقرة، وممنوع الحركة، للأسف ياآدم مقدرناش ننقذه، المهم دلوقتي حالةِ الأم، أتمنَّى تتجاوز المحنة دون مخاطر..قالها وتحرَّكَ من أمامه، التفتَ لوالدهِ كالذي فقدَ الحياةَ متمتمًا:
-كان آخر أمل يابابا، دلوقتي خسرت إيلين للأبد، ربتَ زين على كتفهِ وتحرَّكَ للداخلِ دون حديث، أمَّا هو فهوى على المقعدِ شاردًا حزينًا، يتجوَّلُ بنظراتهِ بالمكانِ كالطفلِ الذي فقدَ والديه..
بعد قليلٍ فتحت عينيها تتأوَّهُ وهي تضعُ كفَّها على بطنها، تتمتم:
-ابني، ابني نزل ياخالو، ابني نزل صح؟..
مسَّدَ على خصلاتها:
-ربنا يعوَّض عليكي يابنتي، المهم تكوني كويسة، أطبقت على جفنيها عندما شعرت بأنينٍ يتسرَّبُ لأعضائها بالكامل، فتحَ البابَ ودلفَ بهدوئهِ المعهود، جذبَ المقعدَ وجلسَ ونظراتهِ ترسمها، التفتت إلى الجانبِ الآخرِ قائلة:
انا عايزة أمشي من هنا، هروح أقعد عند صاحبتي لحدِّ الامتحانات، ولو سمحت ياخالو مش عايزة اعتراض.
نهضَ من مكانهِ دون حديث، يومئُ لوالده، ثمَّ تحرَّكَ للخارج..
بعد عدَّةِ ساعات، وصلت السيارةُ أمام منزلِ رؤى، ترجَّلت بمساعدةِ زين، توقَّفت بين ذراعيه:
-سامحني ياخالو، لازم أبعد عن كلِّ حاجة، عايزة أبني إيلين اللي ابنك دمَّرها..
احتضنَ وجهها وقبَّلَ جبينها قائلًا:
-أسبوع واحد يابنتِ محمود، تغيَّري فيه مودك وهرجعلك وأخدم غصبِ عنِّك، ومش عايز كلمة لا دي، أنا مضطَّر أوافق علشان مسافر مع عمُّو مالك هيعمل عملية، ولازم أكون موجود معاه، أرجع ياإيلين وألاقي إيلين بنتِ أختي اللي محدِّش يقدر يكسرها، أنا خليت آدم يرجَّعك..جحظت عيناها وفتحت فاهها للاعتراض..
-مش عايز كلمة واحدة، مش هستنَّى لمَّا سهام ومحمود يدمَّروكي، اعتبريه مش متجوِّزك، كأنِّك حرَّة ومش هيقرَّب منِّك ودا حفاظًا عليكي يابنتِ أختي، لحدِّ ماتخلَّصي السنة دي وتسافري لأختك وأخوكي، كدا متفقين، أشارَ على منزلِ رؤى التي تقفُ تنتظرها وأردف:
-ادخلي ياله وهكلِّمك لمَّا أوصّل لرحيل..
تراجعت خطوةً للخلفِ وهتفت بنبرةٍ اعتراضية:
-وأنا مش موافقة، نار مرات أبويا ولاجنة ابنك.
-وأنا بقول ادخلي ياإيلين، إنتِ لسة خارجة من المستشفى مش عايز أزعَّلك منِّي، قالها و اتَّجهَ إلى سيارته، ثمَّ توقَّفَ وسألها:
-كنتي تعرفي إن رحيل اتجوِّزت؟..
قطبت جبينها متسائلة بذهول:
-هيَّ اتجوِّزت، إمتى، وإزاي؟!..
أشارَ إليها بالدخول..
-طيب ادخلي علشان ماتوقعيش، خطت إليه
-ابنك يطلقني دون رجوع، ضحكت عليا ياخالو
-ادخلي يابنت محمود، متخلنيش أفقد أعصابي ..قالها واستقل السيارة
بعد أسبوع:
خرجت من عملها واستقلَّت سيارتها وهي تهاتفه:
-أنا خلَّصت شغل الجريدة، بس عندي مقابلة شغل تانية، وأتمنَّى تلمِّ حرسك عنِّي، أنا بتخنق.
كان واقفًا أمام النافذة يرتشفُ قهوتهِ وينظرُ للمارةِ بالشارع، ظلَّ صامتًا إلى أن أنهت حديثها:
-مينفعشِ ياميرال، مقدرشِ أأمِّن لراجح، معرفشِ بيرتِّب لإيه..سكوته مش مطمِّني..
تنهَّدت بصوتٍ عالٍ ثمَّ زفرت بغضبٍ حتى استمعَ إلى صوتِ أنفاسها، أردفَ بملامحٍ جامدة:
-مش عايز دلع وكلام كتير، خلَّصي شغلك وعربية الحراسة معاكي وإياكي تحاولي تعملي حاجة تانية..
انا مش موافقة على الخنقة دي، متخلنيش اهرب منك، ومتعرفش مكاني، عايزة اتنفس زي الناس الطبيعية
-ميرال كلمة كمان وهقلب عليكي واقولك بلاها شغل خالص
قالها وأغلقَ الهاتفَ بدخولِ شريف، جلسَ وانتظرَ قدومه، اتجه إليه يشير برأسه
-ايه الجديد؟..وضعَ أمامهِ بعضَ الأوراق:
-راجح مالوش أيِّ حاجة تثبت أنُّه شغَّال شمال، الورق دا يثبت أنُّه كان شريك مالك، بس من فترة ابنه باع عشرين في المية من أسهمِ الشركة، بس لحدِّ دلوقتي هوَّ المسيطر في مرض مالك العمري، مصنع اللحوم بتاعه إنتَ شمَّعته بالشمعِ الأحمر، رغم أنُّه كان سليم بس معرفشِ ليه استعملت سلطتك في كدا..وعلى فكرة هو سافر هو مراته من يومين السعودية
ارتفع جانب وجهه بابتسامة ساخرة
-ليه ناوي يحج ولا ايه، تفتكر اللي زي راجح دا نقول عليه ياحج، طب والله خايف على الكعبة منه، دا عدى أبرهة الحبشي، ياترى بتخطط لأيه ياراحج
قهقه شريف يهز رأسه
-ليه يابني مايمكن حس بالذنب وعايز يتوب
-يتوب!! دا هيخلي الشيطان يتوب لانه عداها يابني
-المهم الولد ابنه دا فين
-في الشقة إياها!! وزي ما أمرت ياكبير
-برافوو..عايز ملفه اللي كان في الشرطة مع جوازته، واياك يا شريف تجيب سيرة رؤى في الموضوع، خليها لوقتها
-ليه بس مش قولنا هنظبط الدنيا
نقرَ على المكتبِ وذهبَ بأنظارٍ شاردةٍ متسائلًا:
-فكرت في الموضوع ومعجبنيش، خليها دلوقتي ممكن تكون طعم قدام
-المهم شركائهِ الأجانب بتوع المصنع والورشة دول دوَّرت وراهم..تراجعَ شريف بظهرهِ وطالعهُ بنظراتٍ استفهامية:
-ليه دا كلُّه، إنتَ عارف لو اللوا عرف إنِّنا بندوَّر ورا حد من غير إذن دا إيه؟..
توقَّفَ مستديرًا إلى مقعده:
-شريف الراجل دا أكيد من الجماعة إياها، عايز نفسه كدا، ومالكش دعوة إنتَ بحد، شغلي أجهزة التنصُّت وأيِّ جديد عرَّفني بيه، أكيد هنطلع بحاجة منُّه..وكويس انك سحبت من تحته البساط، دلوقتي زي المجنون، انا متاكد سفره دا وراه حاجة كبيرة، كمل بس المستندات اللي بعتهالك وابعتها للناس اللي قولت لك عليهم، خليهم يرموه تحت رجلي
زم شفتيه معترضًا:
-إلياس راجح بعد اللي عملته مش هيسكت انت فتحت عليه النار من كل الجهات وفي نفس الوقت بتحاول تبرئه قدام الحكومة ممكن اعرف راسك فيها ايه
-كل خير ياشريف، انا قاعد معاك أهو لسة معملتش حاجة، المهم الواد اللي اسمه طارق دا، اسحب منه كل اللي عايزينه صوت وصورة ياشريف، واياك الحاجات دي توقع في ايد حد غيري
عندَ ميرال دلفت لأحدِ المؤتمراتِ السياسيةِ التي تضمُّ عددًا من الأحزاب، ظلَّت لبعضِ الوقت إلى أن أتمَّت عملها بعملِ بعضِ اللقاءات بما يخصُّ عملها.
خرجت بعد قليلٍ متَّجهةً إلى المصعد، ولكنَّها شعرت بالغثيان، اتَّجهت إلى المرحاضِ بعدما فقدت اتزانها، دلفت للداخل، وبدأت مرحلةُ القيئ التي سحبت أنفاسها، جلست لبعضِ اللحظاتِ تسحبُ أنفاسها منتظمة، استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ الحمَّام:
-مدام إنتِ كويسة، أغمضت عينيها وحاولت أن تجيبهُ باتزان:
-أيوة وابعد عن الحمَّام عيب كدا، شوية وخارجة..ابتعدَ لبعضِ الخطواتِ وعينيهِ كالصقرِ في كلِّ الأرجاء، استمعَ إلى بعضِ النقاشاتِ والألفاظ الحادة، تراجعَ ليكتشفَ ماذا يحدث، بعدما تردَّدَ اسمَ أحدِ الأشخاصِ الذين يعملون معه، اقتربَ على سبابِ سيدة تشيرُ لأحدِ الرجالِ بأنَّهُ يقتربُ منها بطريقةٍ مقزَّزة..
سحبهُ الرجلَ قائلًا:
-تعالَ معانا للمدير، هرولَ الحارسُ الخاصَّ بميرال إليهما ليخبرهما بهوِّيتهما، استغلَّت رانيا ذلك المشهد، لتشيرَ لأحدِ الرجال بالدخولِ إلى الحمَّام..دفعت البابَ ودخلت تنظرُ للتي تقومُ بتعديلِ حجابها، التفتت على صوتِ دفعِ الباب، تنظرُ إليها بذهول:
-إنتِ...لحظات ولم تشعر بشيئ..
عند فريدة
أنهت صلاتها وجلست على سجادتها كعادتها، ابتسمت برضا كلما تذكرت حديثهما معًا، ليلة الأمس ليلة حانية رطبة على قلبها بعد سنين عجاف، نظرت لذاك المصحف الذي ترتديه بسلسالها بعنقها، لمسته بأناملها وذهبت بذكرياتها الجميلة لأول مرة، نعم لأول مرة سيكتب بذكرياتها ابنها الحنون
"جبت لك هدية عربون محبة، اتمنى متخلعهاش ابدا، إلا وأنت داخلة الحمام، مينفعش طبعًا علشان دي آية الكرسي، حبتها علشان منجية من كل شر، لو ليا معذة عندك متخلعيهاش
قالها وهو يحتضن كفيها يقبلهما
ربتت على ظهره
-تسلملي مجايبك حبيبي، لابس ورايح فين كدا، انت لسة راجع
ابتسم قائلًا:
-لا يامدام فريدة مش علشان عربون المحبة تفكري انك تسيطري عليا، انا راجل وكبير كمان مش لسة طفل
لمعت عيناها بالدموع تهز رأسها مبتسمة
-واحسن راجل في الدنيا ياحبيبي
انحنى يقبل جبينها
-عايزك تسامحيني ودايما دعواتك تسبق خطواتي، احنا هنقعد مع بعض كتير اكيد، بس الوقت دا عندي ضغط شغل، خلي بالك من ميرال، انا وافقت على شغلها علشان متفكرش كتير، هي تعبانة وبتحاول تبين أنها كويسة، بس هي مش كدا
-بتوصيني على بنتي ياالياس ..
ابتسامة متهكمة تشق ثغره قائلًا:
-أيوة صح دا أنا أهبل..قاطعته سريعًا
-لا ياحبيبي متقولش كدا، قاطعهم دخول مصطفى
-ايه قطعت خلوتكم الحلوة..استدار متحركًا وأجابه
-لا ياحبيبي، أنا عندي شغل وكنت بوصي مدام فريدة على مراتي
-مدام فريدة ومراتك يابن مصطفى مش هتتغير ..لوح بكفيه وتمتم
-لازم امشي ياسيادة اللوا، اشوفك بكرة ...قالها وغادر المكان..قطع شرودها هاتفها
-آلوووووو...قالها مقهقهًا
ارتجف جسدها بالكامل لتهب من مكانها فزعة
-عايز ايه ياراجح ؟!
-عايزك يافريدة، ومش هسكت غير وانت في حضني
-في كوابيسك إن شاءالله ياراجح
التوى زواية فمه وابتسامة هازئة
-مش يمكن تغيري رأيك يافيري
لو اتصلت تاني ..بتر كلامها قائلا بنبرة باردة قاسية
-مرات ابنك عندي يافريدة، وكمان حامل، نص ساعة لو مجتيش من غير ماابنك وجوزك يعرف، اقسم بالله لافتح بطنها وابعتلك حفيدك ملفوف في شاشة
شهقت بذعر تضع كفيها على فمها حتى لا يستمع إلى ضعفها، استمعت إلى صوته البغيض
-تلاتين دقيقة يافريدة وبس، يااما ..قاطعته قائلة:
-مش هتقدر ياراجح، هو فيه واحد يعمل كدا في بنته
ضحكات صاخبة حتى شعرت بالصمم، وكأن صوت ضحكاته صوت عويل، لتصرخ منددة بحقارته
-مش هتقدر ياراجح، مش هتقدر
-مابلاش تكوني زي بنت عمك يافريدة وتفكروني غبي، هي مين دي اللي بنتي، مش عيب يافريدة تلبسوني طرحة
هنا سقطت جاثية على ركبتيها بعدما فقدت اتزانها مع دموعها التي حفرت وجنتيها وكأنها نيران وليست مياه، تهز رأسها وتصرخ به
-إنت مجنون..صاح بغضب واتجه إلى غرفة ميرال ، امسكها من خصلاتها
-كلمي امك ياحلوة، واحمدي ربنا أنها ربتك
شعرت بأنفاسها ثقيلة وكأن هناك جبل أطبق على صدرها، لتهتف بتقطع
-ماما فريدة !!
هزة عنيفة وكسقوط نيزك يضرب الكرة الأرضية، لتبتلع غصتها التي شعرت وكأنها اشواك تشحذ جوفها متمتمة بنبرة متقطعة:
-مير..ال ..جذب راجح الهاتف
-عايزة بنتك وحفيدك تسمع هقولك ايه وتنفذيه بالحرف الواحد يافري
عند إلياس
خرج من مكتبه، بعد عدة ساعات بعدما فشل في الوصول إلى زوجته، والى حرسه، اتجه إلى سيارته مع رنين هاتفه:
-إلياس مدام فريدة دخلت فيلا راجح دلوقتي، وفيه فويس لسة سامعه، عصابة راجح اخرجوا أمر تصفيته حالًا..توقف عندما فقد القدرة على الفهم فتسائل:
-ازاي مدام فريدة دخلت فيلا راجح، هو مش مسافر،
-اجابه ارسلان
-معرفش مين قالك مسافر، انا شايف في الصور اللي قدامي بس، لسة معرفش أنه مسافر ولا هنا
-اتأكد ورد عليا واه راجح محدش يلمسه، عايزه حي، عارف لو مات همو تك وراه، حمحم ارسلان وهو يقود سيارته ينظر بجهازه:
-وفيه خبر كمان معرفش وصلك ولا لأ، فيه قرار بإستقالة اللوا مصطفى
-بابا استقال ليه؟!
حمحم معتذرًا:
-اجباري ياإلياس، معرفش مين ورا دا، بس أوعدك خلال ساعات وكل الأخبار هتكون عندك
مرَّ يومينِ كالمجنونِ يريدُ أن يهدمَ الكونَ وماعليه، فتحَ البابَ على صوتِ مصطفى:
-إنتَ عايز مين يابني؟.،
-إلياس السيوفي..أستاذة ميرال رافعة دعوة طلاق..قالها مع رنين هاتفه، فتحه حينما وجد مكالمة غير مسجلة عبر شبكات التواصل
-أيوة !
-إلياس امضي على ورقة الطلاق، وقبل ماتقول حمل ابنك بعد دقايق مش هيكون موجود..رددتها بنبرة باردة وصلت إلى قلبه ليسقط بين قدميه، تابعت الضغط على جروحه متمتمة
-لو مش مصدق افتح فيديو، حقي اني أعيش بدون ضغوط، انت طول الوقت خانقني، بأنامل باردة كبرود الثلج فتح الشاشة وليته لم يفتحها، شعر حينها أنه فتح قبره لدفنه حيًا، أمامه بعيونها السوداء المنطفأة، وخصلاتها التي تحاوط وجهها، نظرت لمقلتيه وتابعت بكل جبروت
" شايف الاوضة دي، هنا هتخلص من كل حاجة تربطني بيك، بلاش ندخل في قضايا انت الخسران فيها، طلقني وبلاش اوصل لوقت اذلك فيه يابن عمي"
كلمات ماهي سوى كلمات ولكنها كالطلقات النارية، ليس فقط كأنها طوق من النيران يلتف حول عنقه يحرقه ولم يرحمه من قسوة الألم، لحظات من النظرات حتى تراجعت تتمدد على الفراش، ويغرز بورديها ذاك المخدر، ليرفع ذاك الطبيب المقنع عيناه إليه مبتسمًا:
-هذا المشهد سينال إعجابك كثيرًا سيدي"