رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن عشر 18 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن عشر بقلم سيلا وليد  


سيبقى كسر قلبي في ذمتكم للأبد..

ف ليت الحزن لم يُخلق ولم يسكن داري..

حزينة مدني وأريافي..

وكل ليلة تشيّع جنائز سكاني..

صرتم اليوم ضربةً كسرت قلبي.

فأصبحت قلب مقطوع الشريان

فؤاد معتل فيه الأبهران

كلام يغطيه كتمان

ونار دون دخان

بركان يوشك على الغليان

سفينة شرد عنها القبطان

ثم بعد 

فوالله رأيتك كطفل يبحث عن ملجأ يحتمى فيه وحين أصبحت الملجأ  لك كنت انت الزلازل الذى هدم أركاني

والآن ترحلُ بعدما استعمرتني

وتقول عذراً إنَّها الأقدارُ 


ارتجفَ جسدها بانتفاضةٍ تطالعهُ مذعورة، ولم تشعر بعبراتها التي انسابت بغزارةٍ فوق وجنتيها، لتجذبَ روبها بأيدي مرتعشةٍ مع شهقاتها التي لم تقوَ على توقُّفها، ثمَّ تحرَّكت بخطواتٍ بطيئةٍ لخارجِ الغرفة، وكأنَّها تساقُ إلى غرفةِ إعدامها، دلفت غرفتهما، وأغلقت البابَ خلفها بهدوء، ومازال جسدها يرتعشُ كالتي أصابها حمَّى، خطت تستندُ على الأشياءِ التي تقابلها حتى وصلت إلى فراشها، وتمدَّدت تحتضنُ نفسها كالجنينِ في محاولةٍ لكتمِ شهقاتها ولكنَّها فشلت، إلى أن اعتدلت جالسةً تضعُ كفَّها على صدرها محاولةً أخذ أنفاسها.. 

عند إلياس بعد خروجها، جذبَ مفاتيحهِ مع جاكيتهِ واتَّجهَ مغادرًا للخارج، قاد السيارةَ ذاهبًا إلى منزله..دلفَ للداخلِ يلقي أشيائه، ثمَّ جلسَ على الأريكةِ يحتوي رأسهِ بين راحتيه.. 

قاطعهُ رنينَ هاتفه: 

-إلياس إنتَ فين؟!.

أشعلَ سيجارتهِ يستمعُ إلى حديثه:

-أنا في البيت فيه حاجة ولَّا إيه؟.


كان يقودُ السيارةَ عائدًا إلى منزله، فأردف:

-عندك وقت، عايزك في موضوع مهمّ..نفثَ تبغهِ وأجابهُ بشرود: 

-وأنا كمان عايزك، تعالَ على بيتي، فيه موضوع مهمّ محتاجك فيه.. 

-تمام عشر دقايق وأكون عندك. 

بعدَ فترةٍ وصلَ إليه، دلفَ للداخل: 

-مساء الورد ياجدع، فينك بقالك فترة مش ظاهر؟..

أشارَ إليهِ بالجلوسِ وتحدَّثَ بتهكُّم: 

-مش عيب تستصغر عقلي ياحضرةِ الظابط.. 

مطَّ شفتيهِ يهزُّ رأسهِ مبتسمًا:

-هعمل مصدَّقك ومحاولتش تدوَّر عليَّا، ثمَّ عقَّبَ على حديثه:

-كنت في إجازة حبيت أبعد شوية عن دوشةِ الشغل.. 

-تبعد ودوشة شغل ياإلياس وهمَّا هنا هيتجنِّنوا عليك. 

مسحَ على وجههِ بعنفٍ ثمَّ تنهَّدَ متسائلًا:

-تشرب قهوة ولا هترغي؟..

أومأ دون حديث، نهضَ إلياس إلى ماكينةِ القهوة، ليعدَّ قهوتهما قائلًا:

-مفيش حدِّ هنا، مااتصلتش بالخدامة، استحمل قهوتي واشربها بدون تريقة..

توقَّفَ أرسلان يتحرَّكُ بالمنزل، طافت عيناهُ على بعضِ الأركان: 

-هوَّ إنتَ مش مستقرّ هنا ولَّا إيه، استدارَ إليهِ وهو يحملُ فنجانينِ من القهوة، ثمَّ اقتربَ منهُ مجيبًا:

-باجي هنا تلات أيام، وعند با..توقَّفَ عن نُطقها ثمَّ حاولَ تغييرَ الحديثِ قائلًا:

-كنت بتقول عايزني، في حاجة ولَّا إيه؟.. 

-المهندس يزن السوهاجي اللي ساعدنا في دخول شركات العمري.. 

ارتشفَ بعضًا من القهوةِ يستمعُ إليه باهتمام، إلى أن استطردَ أرسلان قائلًا:

-المهندس دا حاطينه في لستةِ الناس اللي عايزين يصفُّوها، فبقول لو قرَّبت منُّه وحاولت تشوفله شغل بعيد عن شركةِ العمري يكون أحسن.

دقَّقَ النظرَ إليهِ متسائلًا: 

-مش فاهم، وليه عايزين يموِّتوه، وإنتَ تعرفه منين علشان خايف عليه؟.. 

تراجعَ بجسدهِ للمقعدِ وبدأ يحرِّكُ فنجانهِ لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ رفعَ رأسهِ إلى إلياس قائلًا:

-دي أسرار شغلي مينفعشِ أخرَّجها حتى لأبويا، بما إن إسحاق قدَّام الكلّ عقيد شرطة ودي لأسباب مينفعشِ نتكلِّم فيها، بس كشف نفسه قدَّامك، فبعتني نتفق، الواد نضيف جدًا، بس اتجوِّز بنتِ العمري اللي عايزين يكوِّشوا على شركاتها من تحتِ لتحت.. 


فركَ جبينهِ عندما شعرَ بالصداع، رفعَ رأسهِ وطالعهُ بتشتُّت:

-مش فاهم همَّا مين دول؟..أخرجَ بعض الصورِ ووضعها أمامهِ واسترسل: 

-إلياس اسمعني كويس، عارف اللي بطلبه منَّك صعب بس لازم نربط الأحداث، دلوقتي الأجهزة اللي حطناها مش لاقطة حاجة.. 

أومأ متفهِّمًا حتى يُنهي الحديث، فأردف:

-هشوف موضوعه بعدين، المهم الولد اللي اتقتل في السجن دا، هوَّ السبب في حادثة ابنِ اللوا، عايزك تجيب حياة الواد دا، أكيد له علاقة براجح الشافعي.


قطبَ أرسلان جبينهِ متسائلًا:

-مش فاهم قصدك، ايه اللي حصل ومال راجح بالولد..جذبَ سجائره: 

-عايز كل اللي راجح بيتعامل معهم، دفتره كلُّه ياأرسلان، شغله، حياته، النفس اللي بيخرَّجه، مش هوَّ بس، ومراته وابنه.. 

طالعهُ بتساؤلٍ خرجَ من عينيه، منتظرًا الإجابة، حينما علمَ أنَّها مسألة شخصية، 

أشعلَ سيجارة اخرى وأردف:

-تار قديم زي ماقولت لك قبل كدا، وزي ماقولت أنُّه من فترة انسحبت كلِّ أملاكه منُّه، وخرج من الوظيفة بفضيحة، منين الفلوس اللي شارك بيها مالك العمري، عايز كلِّ حاجة ياأرسلان، وياريت يكون سرِّي هكون شاكر، حمحمَ وابتعدَ بنظره: 

-وأتمنَّى عمَّك مايعرفش..أومأ له ثمَّ أشارَ على الصور التي بيديه: 

-طيِّب كنت عايزك تاخد الصور دي لمدام ميرال تشوفها، عايز أعرف لمَّا اتخطفت شافت حدِّ منهم، أنا عارف الموضوع صعب، بس لازم علشان العيال دي نزلت قبلِ الحادثة بكام يوم، وفيه كاميرات جابتهم وهمَّا قريبين من الجرنال اللي شغَّالة فيه مدام ميرال.. 

أمسكَ الصور بين يديه، ثمَّ رفعَ نظرهِ قائلًا:

-آسف مقدرش، أنا مصدَّقت أنَّها نسيت الحادثة، مقدرشِ أرجع أخليها تفتكر، الموضوع صعب ياأرسلان، مراتي حامل دلوقتي. 

ابتسمَ له قائلًا: 

-ألف مبروك، أنا كنت بعمل محاولة بس، علشان العيال دي اتمسكوا عندك من كام يوم، أكيد لسة شريف مخبَّركش، كنت مفكَّرك عارف، فأنا بربط الأحداث..توقَّفَ يغلقُ زرَّ جاكيتهِ قائلًا:

-هعمل اللي طلبته، بس مش الأسبوع دا، مش هكون موجود بالقاهرة..

أومأ متفهِّمًا ليتوقَّفَ بمقابلته: 

-وقت ماتفضى، عارف إنَّك مشغول ربِّنا يوفقك.. 

أومأ مبتسمًا وسحبَ نفسهِ مغادرًا وهو يهتف:

-على تليفون بقى، متتخبَّاش تاني.. 

ارتفعَ رنينَ هاتفهِ فاستدارَ بعدما أشار له أرسلان: 

-رد أنا مش غريب عارف الطريق كويس..قالها وتحرَّكَ مغادرًا، اتَّجهَ إلى هاتفه: 

-أيوة ...شهقةٌ متألمةٌ من حناياها وأجابتهُ بصوتٍ مفعمٍ بالبكاء:

- إنتَ فين يابني؟.. 

تنهيدةٌ عميقةٌ وآلامٌ محفورةٌ بنيرانِ الغضبِ ليجيبها: 

-عايز أفضل لوحدي، مش عايز أأذي حد، لو سمحتي سبوني براحتي..

قاطعتهُ باكية: 

-مراتك اللي هتموت وراك دي، طيِّب أنا خلاص اتعوِّدت هيِّ ذنبها إيه، إنتَ ناسي إنَّها حامل، ولَّا مش فارق معاك.. 

هزَّةٌ عنيفةٌ أصابت جسده، فقلبهِ لم يعد يتحمَّلُ الفراق، ولكن كيف له الاقترابَ وهي التي تزيدُ من التهابه..

لم يعد يشعر سوى بنيرانٍ سوداء تمنعُ تنفُّسهِ ليردفَ قائلًا: 

-خلِّيها بعيد عنِّي، مش عايز أأذيها، قاطعته سريعا تزيل عبراتها 

-مالهاش ذنب يابني، بلاش وحياتي علشان عارفة ماليش أهمية عندك، بس علشان ابنك ياحبيبي بلاش تاخدها بذنوبنا، هي مالهاش ذنب

-وعلشان هي مالهاش ذنب يامدام فريدة انا بعدت عنها، صدقيني لو قرينا من بعض دلوقتي هنأذي بعض، خليني بعيد بدل ماادمرها بانتقامي، قالها واغلق الهاتف 

-استدارت إلى مصطفى بدموعها 

-عنيد اوي وقاسي يامصطفى ..حاوط كتفها وتحرك إلى الفراش 

-تعالي يافريدة، ارتاحي، أنا شايف أنُّه هوَّ صح، خليه يرتِّب أفكاره، مش سهل اللي مرِّ بيه، لو سمحتي بلاش نضغط عليه.. 


مرَّت عدَّةَ أيامٍ والوضعُ كما هو، سوى من تغيُّرِ ميرال التي نزلت عملها وبدأت تعملُ بنشاط، دفنت حياتها بشغلها حتى تتجرَّدَ من ذكرياتها المأساوية، لا تعلم عنهُ شيئًا سوى أنَّهُ يريدُ الانعزال عن الجميع، مرَّت ساعاتٍ وهي تعملُ إلى أن شعرت بالألم، فتراجعت بجسدها وأغمضت عينيها تحتضنُ أحشائها، استمعت إلى صوتٍ ارادت أن يصيبها اللهُ بالعمى والصممِ ولا أن تراهُ ولا تسمعَ صوته: 

-إزيك يابنتي عاملة إيه..فتحت عينيها تطالعهُ بذهول، اعتدلت وهتفت بشراسة:

-إنتَ عايز  إيه ياراجل إنتَ جاي ليه، لم تكمل حديثها سوى بمحاوطةِ رجلين إلى راجح: 

-مش عايزين نعمل مشاكل للأستاذة، أخرج برَّة من غير شوشرة..قالها أحدهما وهو يجذبهُ من ذراعه، طالعهم بغضب، فلم يكن يتوقَّع بمراقبةِ إلياس لميرال، تحرَّكَ بصمتٍ على أن يعودَ مرَّةً أخرى.. 

خرجت سريعًا خلفه، ولكنَّهُ قادَ سيارتهِ وتحرَّك، توقَّفت أمامهم تصرخُ بوجههم:

-اللي مشغلكم فين؟!.

-معرفشِ يامدام ..سحبت سلاحهِ بلحظةٍ ووضعتهُ على رأسها: 

-لو منطقتش هموِّت نفسي، ويبقى خليه يسامحكم.. 

-في بيت أستاذة رؤى، قالها سريعًا، تجمَّدَ جسدها لتشعرَ بالبرودة، ولم يعد لديها القدرة على الوقوفِ حتى ترنَّحَ جسدها، ليقتربَ أحدهم محاولًا مساعدتها: 

-إنتِ كويسة ياأستاذة..أشارت إليه تهزُّ رأسها ثمَّ تحرَّكت بتخبُّطٍ ودموعٍ تنساب على خديها: 

-روحت عندها ياإلياس، للدرجة دي شعوري مش فارق معاك..قادت سيارتها واتَّجهت إليه، وصلت بعدَ قليلٍ 

وتوقفت تضغطُ على الجرسِ بأناملٍ مرتعشة، لحظاتٍ وفُتحَ الباب، توقَّفت تطالعها بصدمة: 

-ميرال، إيه اللي جابك، جذبتها بقوَّةٍ للخارجِ ثمَّ دلفت للداخلِ بعدما أغلقت بابَ المنزلِ عليها بالخارج، ودلفت بساقينِ هلاميتين، تبحثُ بعينيها عنه، وجدتهُ جالسًا على أحدِ الأرائكِ يعملُ على جهازه، تعمَّقت بملامحه، طولت ذقنهِ بعض الشيئ وفقدَ بعضًا من الوزن، اقتربت تنظرُ إلى ثيابهِ البيتية، وأغمضت عينيها تريدُ أن تُزهقَ روحها..زوجها مع أخرى بملابسٍ منزلية، رفعَ رأسهِ عن جهازهِ بعدما تسلَّلت رائحتها أنفه:

-ميرال..لم تعد ساقيها تحملها لتهوى بركبتيها تحتضنُ بطنها وبكت وكأنَّها لم تبكِ من قبل.


طالعها كالطفلِ الضائع، داخلهِ يحترقُ بقوَّةٍ كبركانٍ ثائر، يضغطُ بقبضته ،حتى كاد أن يمزِّقَ أوردته، أطبقَ على جفنيهِ وصوتُ شهقاتها يصمُّ أذنيهِ  إلى أن انتفضَ من مكانهِ واتَّجهَ إليها، اقتربَ منها حينما وضعت كفَّها تدلكُ صدرها ووجهها الذي شحبَ شحوبَ الموتى،، اقتربَ دون كلامٍ يعانقها عناقًا ساحقًا، لحظاتٍ ولم يقوَ السيطرةِ على حزنها وبكائها، جذبَ كوبَ المياهِ ثمَّ جلسَ محاوطًا جسدها: 

-اشربي ياميرال، خدى نفسك بالراحة، قالها وعينيهِ على تفاصيلِ وجهها.. 

ارتشفت بعضَ المياه، ثمَّ همست من بين شهقاتها: 

-بتعمل إيه هنا..نهضَ من مكانهِ وحملها بين ذراعيه، وضعها بهدوءٍ على الأريكة، ثمَّ دثَّرها بغطاءٍ خفيف، وأمالَ بجسده: 

-إيه اللي جابك هنا، عانقت عينيهِ تهمسُ ببكاء: 

-جاية أدوَّر على جوزي، وأقولُّه وحشتني، أعرَّفه ماليش دعوة.. 

جلسَ بجوارها وحرَّرَ خصلاتها من الحجاب: 

-اتكلِّمنا في الموضوع دا ياميرال، ممكن مش تفتحيه تاني.. 

أغمضت عينيها عندما شعرت بوهن،   وهمست مبتعدةً عنه بنظراتها:


-عايزة أنام ويارب ماأقوم تاني..قالتها وهي تتمدَّدُ تحتضنُ نفسها، تمدَّدَ بجوارِها حينما وجدَ حالتها ليست على مايُرام، رفعَ رأسها إلى صدرهِ وبدأ يمسِّدُ على خصلاتها: 

-ماتنميش وإنتِ معيطة لو سمحتي، عايزك تسمعيني كويس وبعد كدا اختاري براحتك، أنا مستحيل أغضب ربِّنا مهما كان، بس أنا عاجز ياميرال وخايف من بكرة، إحنا دلوقتي مش زي الأوَّل، إنتِ شخص تاني وأنا كمان، رغم القرابة اللي جمعتنا، بس القرابة دي هتكون نار بينا، رفعَ وجهها وسبحَ بملامحها التي شحبَ لونها، مرَّرَ أناملهِ على وجهها يزيلُ عبراتها بإبهامه: 

-لو حد قالي إيه اللي ممكن تتخيَّله أنُّه مايحصلش، عمري ماكنت أتوقع صلة القرابة اللي بينا، ولا عمري كنت أحلم حتى لو بكابوس إنِّي أكون غير الشخص اللي حياتي كلَّها عليه.. 

مالَ بجسدهِ يستندُ بجبهتهِ فوق جبهتها وسحبَ رائحةَ أنفاسها، مطبقَ الجفنينِ يهمسُ بنبرةٍ ممزوجةٍ بالعشق:

-أنا بختار بين حياتي وبين موتي ياميرال، لأنِّي اكتشفت انك حد مهم بالنسبالي، بس دا قدرنا، لازم ننفصل مفيش قرار غير دا..

شهقةٌ تمنَّت أن يأخذَ اللهُ بها أنفاسها: 

-بتموِّتني ياإلياس، إنتَ بتدبحني بإيدك.. 

رفعها حتى أصبحت بأحضانهِ يدفنُ رأسهِ بحناياها:

-وأنا بموت قبلك لو سمحتي بلاش تصعَّبيها، مش هنقدر نكمل حياتنا مع بعض، أنا عرفت حاجات صعب تتحمِّليها ياميرال..رفعَ رأسهِ يطالعها بعيونٍ فاضت من الألم: 

-كلِّ ماأبصّ في وشِّك هفتكر أبوكي اللي فرَّقنا، عارف أنُّه مالكيش ذنب، وضعَ كفِّهِ على أحشائها يمرِّرها: 

-ابني هيكون جدُّه اللي خطف أبوه، جدُّه اللي عذِّب جدِّته ويتِّم ولادها، رفعَ كفَّيهِ يضمُّ جانبَ وجهها ودمعةٌ غادرةٌ انسابت على وجنتيهِ تحرقه:

-أبوكي كان بيغت...صب فريدة ياميرال، 

شهقةٌ خرجت منها بصوتٍ مرتفعٍ تهزُّ رأسها بعنفٍ وعبراتها تتدحرجُ بغزارةٍ كالمطرِ تهتفُ بتقطُّع:

-لا لا..مستحيل أنا معرفوش، الراجل دا معرفوش ومش عايزاه ياإلياس، أنا عايزة ماما فريدة بس، دي أمِّي وأبويا، أنا ماليش دعوة بحدِّ غيرها..

قالتها ببكاءٍ مرتفع، ممَّا جعلهُ يضمُّها لأحضانهِ يربتُ على ظهرها: 

-عندي الأصعب والأوجع، أنا جوايا نار ياميرال، ومش عايزاها تطولك، علشان أنا حبِّيتك، حبِّيتك أوي، وكنت أسعد راجل علشان هيبقى عندنا أطفال، بس حياتي اتهدِّت كلَّها، ماليش وجود ولا هوية، أنا مش أنا ولا إنتِ بقيتي بنتِ الستِّ اللي هيَّ في الأصلِ أمي، اللي طول الوقت كنت مفكَّرها أكبر عدوة.. 


خرجت من أحضانهِ تضمُّ وجههِ وأردفت: 

-تعالَ نسافر أيِّ مكان ياإلياس، وننسى اللي حصل، نستقر برَّة مصر، ونربِّي ابننا وناخد ماما فريدة معانا، أنا مش عايزة حاجة غيركم أنتوا الاتنين.


-ميرال لازم تفهمي..وضعت كفَّها على فمهِ..تهزُّ رأسها قائلة:

-مش عايزة أسمع حاجة، إنتَ اللي لازم تسمعني وبعدِ كلامي دا مفيش كلام تاني، الراجل دا مفيش حاجة تُربطني بيه ولا أعرفه، معرفشِ غير بيت عمُّو مصطفى اللي هوَّ أبوك ماليش أهل غيركوا، إنتَ جوزي وأبو ابني وبس، الباقي ميهمِّنيش حتى لو هوَّ جه وقالي إنتي بنتي أنا مش معترفة بيه، أنا ماليش أب، أبويا مات غرقان في البحر ياإلياس واسمي ميرال جمال الدين وأمِّي اسمها فريدة، وجوزي إلياس السيوفي، غير كدا محدِّش له حاجة عندي. 


تجاهلَ صراخَ قلبهِ بسحقها بين ضلوعهِ وارتوائها من العشقِ مايشعر، وتابعَ حديثه:

-يعني مش هتيجي في يوم تلوميني عملت في بابا كدا ليه، مش هتيجي وتقولي أنا مستحيل أفضل مع راجل بيعذِّب أبويا.. 

دنت منهُ ووضعت خاصَّتها تحتضنُ خاصَّتهِ حتى يصمتَ عن الحديث، كيف يخيِّرها بين الحياةِ والموت، تولَّى قبلتها بخبرتهِ علَّهُ يخرُجا ممَّا عليهِ هما الاثنين، دقائقَ ولم يشعر بما حولهما، يرتوي من لذَّةِ عشقها، بعد فترةٍ كان يضمُّها لأحضانه: 

-متجيش في وقت توقفي قدامي ياميرال وتعاتبيني، بعد موافقتك مستحيل اغير كنيتك، أما لو انت عايزة الإنفصال 

اعتدلت تستند على صدره 

-إلياس بلاش تخيرني بين الموت والحياة لو سمحت، انا حياتي كلها كانت هنا، ومش ناوية أتنازل عن ميرال السيوفي، ومهما حصل ولو حاولت تعمل علشان تضايقني انسى مش هديلك فرصة لدا، إلا إذا انت كرهتني ومش عايزني في حياتك 


ابتسامةٌ من بين أحزانهِ يمسِّدُ على وجهها، ثمَّ انحنى يهمسُ بجوارِ أذنها بعض الكلماتِ لتلكمهُ بصدره، حتى أفلتَ ضحكةً رجوليةً ورغم أنَّها ضحكةٌ ولكنَّها باهتةٌ لم يشعر بها، أشارت إلى حجابها: 

-ياله بقى علشان نرجع بيتنا، بدل ماأتعصَّب وأعمل مجنونة زي زمان.. 


رفعَ حاجبهِ ساخرًا وتهكَّمَ قائلًا:

-تعملي مجنونة، يعني إنتِ مش مجنونة، استندت على ركبتيها تطالعهُ بعيونٍ هائمةٍ تخصُّهُ وحده:

-أنا مجنونة بيك وإنتَ عارف دا كويس..

بسطَ يديهِ يجذبها لتصبحَ بأحضانه: 

-متأكِّدة من قرارك ياميرال، هتقدري تواجهي راجح، ولَّا..وضعت أناملها فوقَ شفتيهِ تنظرُ لعينيه:

-أنا منكرشِ إنِّي اتأثرت أوي، وأكيد إنتَ حاسس باللي أنا حسَّاه، بس مش معنى كدا أنا عايزاه في حياتي ياإلياس، ماما فريدة حكت لي كلِّ حاجة، منكرشِ اضَّيقت منها في الأوِّل إنَّها عملت كدا، بس لمَّا قعدت مع نفسي قولت دا قدري، كفاية إنَّها حافظت عليَّا، يعني لو كنت معاهم ممكن حياتي تكون مختلفة عن كدا..


سحبت نفسًا وابتعدت عنه: 

-أنا تايهة أوي ياإلياس، أوي، بس اللي متأكِّدة منُّه، مش هقدر أعيش بعيد عن ماما فريدة، وأخواتك، إزاي يعدِّي يوم من غير مااتجنِّن مع غادة وأشاكس إسلام..

صمتَت وطالعتهُ قائلة:

-إزاي هقدر أبعد عنَّك بعد الحبِّ اللي بينا..احتوى كفَّيها بين يديه، ثمَّ رفعهما يقبِّلهما: 

-حاسس باللي إنتِ بتقوليه، وعاذرك أكيد، علشان كدا بقولك فكَّري كويس، إنتِ قبل ماتكوني مراتي، انت جزء من العيلة اللي اتربِّينا وكبرنا فيها.. 


أومأت وحاولت تغييرَ الحديث قائلة:

-طيب مش هتقوم نرجع ولَّا بيت الزفتة دي عاجبك، وبعدين تعالَ هنا، ليه جاي هنا، إنتَ مش كنت في البيت التاني، ولَّا تنطيط الستِّ رؤى عجبك.. 


نهضَ من مكانهِ يشيرُ إلى حجابها: 

-اظبطي حجابك علشان حدِّ من الشباب يوصَّلك.

هبَّت من مكانها تصرخُ بوجهه:

-إنتَ إيه ياأخي أنا جيت لك وبقولك نرجع بيتنا، وبرضو حضرتك مصرّ تحرق دمِّي.. 

رمقها غاضبًا، وأشارَ بسبَّباته:

-اتجنِّنتي، صوتك عالي ليه، وأنا قولت عندي شغل لمَّا أخلَّصه هرجع، مش مُنتظر مراتي تقولي أعمل إيه..

دفعتهُ بغضبٍ ووضعت حجابها بعشوائيةٍ تبحثُ عن هاتفها وهي تلقيهِ ببعضِ الكلماتِ القاسية.. 


بالخارجِ قبل قليل، 

بعد دخولِ ميرال، وإغلاقها البابَ خلفها، أمسكت رؤى هاتفها: 

-عمُّو مصطفى الحقني ميرال عرفت إنِّ إلياس عندي، ودخلت وقفلت الباب أنا خايفة يعمِل فيها حاجة.. 

نهضَ من مكانهِ يشيرُ إلى أحدِ الضباط:

-ابعت دا للواء نشأت يابني، ثمَّ جمعَ أشيائهِ واتَّجهَ إلى سيارته: 

-تمام يارؤى نصِّ ساعة وأكون عندك، أنا في ستة أكتوبر، قدَّامي شوية، بس متخافيش هوَّ مش هيئذيها، هوَّ عايز ياخد قرار في حياته، بلاش نضغط عليهم، شوية وأكون عندك. 


فتحت ميرال البابَ وجدت مصطفى أمامها:

-عمُّو مصطفى فيه حاجة..بسطَ كفَّيهِ إليها: 

-تعالي حبيبة عمُّو بتعملي إيه هنا، رفعت عينيها إلى رؤى وأجابته:

-كنت عند جوزي ولَّا مش من حقِّي، ذهبَ ببصرهِ للداخلِ متسائلًا:

-إلياس جوا؟..خطت متَّجهةً إلى السيارة: 

-هيكون فين، الأستاذ عاجبه القعدة هنا.


دلفَ للداخلِ بعدما أشارَ للحرس: 

-ورا المدام ، قابله إلياس على بابِ المنزل: 

-بابا فيه حاجة؟!..

دفعهُ لداخلِ الغرفة،توقَّفَ يضعُ كفوفهِ بخصره:

-فيه إنِّي كنت مربِّي عيِّل كلِّ شوية أدوَّر عليه، أنا مبقتشِ هتكلِّم تاني، اللي مصبَّرني عليك إنَّك نزلت شغلك، استدارَ للمغادرة، ولكنَّهُ توقَّفَ مستديرًا: 

-اسمع أنا مش هطبطب عليك، علشان لو طبطبت يبقى كنت بربِّي بنت، سواء رضيت ولَّا لأ ياله إنتَ إلياس ابنِ مصطفى السيوفي، أنا مكنتش خاطفك، إنتَ القدر كان رحيم بيك، وبدل ماتحمد ربِّنا وتشكره ياللي بتصلِّي ومؤمن بالقضاء والقدر، احمده إنَّك مطلعتش ابنِ شوارع أو بلطجي، أنا لقيتك على باب ملجأ غادة، يعني مش حرامية، هتفوق وتصلب نفسك يابنِ مصطفى ولَّا تمشي وتثبت للناس إنِّ مصطفى السيوفي قذر وحرامي وخطفك من أمَّك و أبوك زي مالزبالة فهِّمك..اقتربَ يغرزُ عينيهِ بعيني  إلياس:

-اسمعني كويس علشان وربِّ المشارق ياإلياس يابنِ السيوفي، وحُطّ تحتِ السيوفي دي مليون كلمة، لو مافوقتش من التوهان اللي إنتَ فيه دا، لآخد أمَّك وأغادر البلد ومش هتعرف مكانَّا، لأنِّي تعبت من عنادك، أنا مكنتش أعرف إنَّك ابنِ فريدة غير بعد كتب كتابك من ميرال، يعني مكنتش عارف أهلك، ولا فريدة كانت تعرف يابنِ مصطفى وخلِّيك كدا لحدِّ ما تروح تدفنها..لكمهُ بصدرهِ صارخًا به:

-فوق ياله دول عايزين ينتقموا من أمَّك عن طريقك ياغبي، واللي متعرفوش أنا زمان دمَّرت راجح من قبلِ ماأعرف إنَّك ابنِ فريدة، خرَّجته بفضيحة من وظيفته، ومش بس كدا خلِّيته على الحديدة، وكلِّ أملاك أبوك حتى بيته أنا اشتريته وأجَّرته للناس هناك، علشان قهرة أمَّك وهيَّ كلِّ يوم تخترف باسمِ ولادها، أمَّك كانت بتقوم تتفزِع من النوم على اللي كان بيعمله فيها، 

سنة وإحنا عايشين مع بعض زي الأخوات وأكيد فاهم كلامي ياحضرةِ الظابط، كانت بتترعب منِّي كلِّ ماأقرَّبلها، وتصرخ من عمايل الحيوان فيها، إيه أكمِّل ولَّا كفاية كدا.. 

تفوق وتدوَّر على أخوك ولَّا تهرب علشان هوَّ يعرف يلعب..

حاوطَ ذراعيهِ يضغطُ بقوَّةٍ عليهما، وهتفَ من بينِ أسنانه: 

-إلياس مصطفى السيوفي، طول ماإنتَ  كدا محدِّش هيقدر يكسرَك، أمَّا هتَّاطي  للموج هيغرَّقك يابنِ مصطفى.. 


تنهَّدَ بمرارةٍ وأردفَ بنبرةٍ منكسرة:

-بحاول أتماسك صدَّقني، بحاول بس صعب، بحاول واللهِ يابابا علشان مراتي وابني، اقتربَ منهُ وبعينينِ تجمَّعت بها غيومَ الدموع: 

-أنا طلبت من مراتي تنزِّل ابني يابابا، شوفت أنا عملت إيه… 

لكمة قويةٌ من مصطفى بصدره يطالعهُ بذهول: 

-فين إيمانك يالا، مستحيل تكون الشخص اللي ربيته وعملت منُّه راجل يسندني وقتِ ماأقع، دفعهُ بقوةٍ مرة

حتى تراجعَ بجسدهِ للخلف: 

-فين قوِّة إيمانك، فين الرجولة اللي فيك على حمايتك لإخواتك وأمَّك لو أنا مت، تطلب من مراتك تنزِّل روح، علشان إيه، قولِّي علشان إيه..


-عارف غلطت بس مكنشِ قصدي أغضب ربِّنا، ولا عمري فكَّرت في كدا، حُطّ نفسك مكاني، بس هو جده

ضربَ مصطفى على صدره: 

-أنا جدُّه، ومفيش حدِّ تاني، وزي ماربِّيت أبوه هربِّيه لو ليَّا في العمرِ بقية ياحضرةِ الظابط، اقتربَ منهُ وأمسكهُ من تلابيبه:

-ميرال مش بنتِ راجح ولا عمره هيوصلَّها، فريدة ومصطفى اللي ربُّوا ميرال، والبنتِ قالتها أنا بنتكم أنتوا، ومراتك، عايز أكتر من كدا إيه… 


-بابا لو سمحت..قالها متراجعًا للخلف.. 

ابتعدَ مصطفى وصدرهِ يعلو ويهبط من كثرةِ الانفعالِ مردِّدًا: 

-إنتَ قولتها ياحضرة الظابط، بابا، يعني هفضل أبوك حتى لو عقلك مش مُعترف بدا، أنا حاولت بكلِّ الطرق متعرفشِ حاجة، ورغم إصرار فريدة رفضت، علشان ماتوقفشِ قدامي كدا وأشوف لمحةِ الإنكار في عيونك.. 

-إنكار!!..أنا بنكر حضرتك!.. 


استدارَ مصطفى وخطا إلى أن وصلَ إلى بابِ الغرفةِ وتوقَّفَ عليه: 

-أنا مبقتشِ هغصب عليك إنتَ كبير وواعي ومش محتاج لحدِّ يعرَّفك الصح من الغلط، استدارَ برأسهِ وتابعَ حديثه:

-فريدة مالهاش ذنب يابني، حاول تعاملها على إنَّها أمَّك مش مرات أبوك زي زمان..قالها مصطفى وغادرَ المنزل بأكمله..جلسَ على المقعدِ بعد خروجِ والدهِ وشريطَ ذكرياتهِ منذ الطفولةِ إلى أن عرفَ حقيقةِ نسبه، تراجعَ على المقعدِ وأغلقَ عينيهِ وكلماتها تتردَّدُ بأذنه، معاملتهِ القاسيةِ لها، كلَّ أفعالهِ بها جعلَ صدرهِ كتلةً ناريةً كادت أن تنفجر، دلفت رؤى تطالعهُ بصمتٍ لدقائق، ثمَّ اقتربت منه: 

-إلياس..

اعتدلَ ينظرُ اليها للحظاتٍ ثمَّ نهضَ من مكانهِ واتَّجهَ إلى الغرفةِ التي اتَّخذها مسكنًا، رفعَ هاتفه: 

-شريف فيه جديد في موضوع المهندس؟.. 

-لسة بندوَّر وراه ياباشا، الناس كلَّها بتشكر في أخلاقه..


بعد عدة أيام 


عند راجح: 

أنهت زينتها وتوقَّفت تنظرُ لنفسها بالمرآة، أوقفها راجح متسائلًا:

-رايحة فين بالشياكة دي؟..

حملت حقيبتها واقتربت منهُ تطبعُ قبلةً على وجنتهِ تهمسُ له بجوارِ أذنه..

رايحة لفريدة، لازم أباركلها برجوع ولادها، أفلتت ضحكةً شيطانية:

-ضربة معلِّم يارجحوتي، الولد صدَّقك وكره أمُّه، ودلوقتي عند عشقيته، وبكدا نعرف نكرَّه البتِّ فيهم ونجذبها بنفسِ الطريقة اللي خلِّينا الولد ينفر منهم،  نفسي أشوف فريدة وأفرح فيها زي ماجت هنا وفرحت فينا..

شيَّعها بنظرةٍ خبيثة، وهتفَ بفظاظته:

-سلِّميلي عليها يارانيا، وسلِّميلي على حبيبة أبوها، وقولي لها أبوكي جايلك قريب..ارتفعت جفونهِ وتابعَ حديثهِ بغلّ:

-أمَّا بقى حبيب أمُّه اللي وقف وعمل راجل عليَّا، بكرة أجيبه زاحف على رجله، هخلِّيه يبوس رجلي كمان..

سحبت نفسًا قويًّا، ثمَّ أخرجتهُ قائلة:

-أنا عايزة بنتي وبس،  وإنتَ وابنِ أخوك أحرار، توقَّفت مستديرة:

-اعرفلنا بس الولد التاني فين، كانت بتقول ظابط مخابرات، دا هيكون صعب توصلُّه خلِّي بالك.. 


بمنزلِ أرسلان: 

أنهت زينتها تنظرُ بساعةِ يدها، توقَّفت متأفِّفة، لقد تأخَّرَ الوقتُ كثيرًا ولم يعد  إلى الآن، أمسكت هاتفها لتحاكيه، ولكنَّها فشلت بسببِ تلك الرسالةِ الغبية.. 

اتَّجهت إلى المطبخِ كي تُلهي نفسها بإعدادِ المائدة، دقائقَ واستمعت إلى فتحِ الباب، هرولت إلى أحضانه:

-أرسلان، واللهِ زعلانة منَّك، دا كلُّه غياب، رفعها إلى مستواه، يستنشقُ رائحتها بهيام: 

-وحشتيني ياروحي، قالها وهو ينظرُ إلى ملامحها الجميلةِ باشتياق، تحرَّكَ بها إلى الأريكةِ ليجلسها بأحضانه:

-وحشتيني كنتي بتعملي إيه، 

لاتريدُ شيئًا سوى أن تطمئنَّ أنَّها بين ذراعيه.. 

خبَّأت آهاتها المؤلمة، وظلَّت بأحضانهِ دون حديثٍ حتى شعر بأنَّها أصابها شيئًا..تأجَّجَ صدرهِ من صمتها، ليُخرجَ رأسها يحتوي وجهها:

-غرام إيه اللي حصل؟..خرجَ صوتها بأنينٍ ودَّت لو أطلقت العنانَ لدموعها أمامهِ، كي تُخرجَ وجعها المكبوتِ بداخلها..

-مفيش ياأرسلان، بتوحشني بس..


هوى قلبهِ بين قدميهِ من حالتها، وتسرَّبَ بداخلهِ شعورٍ قاسٍ بأنَّهُ أصابها مكروهٌ بغيابه..

-معقول دا من غيابي عنِّك كام يوم ولَّا فيه حد أذاكي؟..

تآذر الوجعُ لتشعرَ بأنَّهُ ثقيلٌ مثل ثقلِ الجبل، ورفعت عينيها الغائمةِ بالدموع:

-هوَّ فيه أوجع من إنِّي أكون محتاجة لحضنَك لأحس بالأمان ياأرسلان..

حروفٌ بسيطةٌ خرجت من بين شفتيها، ولكن توحي بكمِّ الألمِ الساكنِ بثنايا روحها، ممَّا شعرَ وكأنَّ كلماتها وقودًا حارقةً تلهبُ قلبه، رغم محاولتها إخفاءَ حزنها، شدَّدَ من عناقها حتى كادَ أن يذيبَ ضلوعها، مطبقَ الجفنينِ يستنشقُ أكبرَ قدرٍ من رائحتها ليجعلَ رئتيهِ مكتظَّةً بعبقها، أخرجها من أحضانهِ وأقبلَ على ثغرِها ينثرُ ترانيمَ عشقه، لم يكتفِ بذلك، ليحملها ويتَّجها بها إلى غرفتهما، ومازالت هناك علاقةٌ منفردةٌ تخصُّ ثغرها الذي جعلهُ أيقونة حياته..


بعد فترةٍ غطَّت بنومٍ عميقٍ وكأنَّها لم تنم منذ شهور، نهضَ بهدوء، يجذبُ هاتفه، ثمَّ اتَّجهَ للخارج: 

-أيوة ياعمُّو، عامل إيه، أنا وصلت الحمدُ لله، وبعتِّلك الداتا، يبقى احفظ كلِّ اللي عليها..

أجابهُ على الجانبِ الآخر: 

-مال صوتك حبيبي..أرجعَ خصلاتهِ للخلفِ وزفرةً قويةً أخرجها من أعماقهِ الحزينةِ قائلًا:

-مفيش، لمَّا تشوف اللي على الداتا هتفهم، المهمّ لازم نكون مصحصحين الفترة الجاية، ياريت يبقى فيه علم بكلِّ كبيرة وصغيرة بتدخل البلد، متنساش الدولة مش مستقرِّة، وكلِّ من هبَّ ودبَّ عايز يثبت نفسه للشعب..

-عُلم ياحضرةِ الظابط، اسمعني فيه خبر لازم تعرفه..

استمعَ إليه باهتمامٍ إلى أن تحدَّثَ إسحاق: 

-أنا استقلت من الشرطة، خلاص مبقاش ينفع شغلي هناك، أكيد فاهم قصدي.. 

-تمام..أنا هنام دلوقتي وبالليل هخرج أتعشَّى برَّة مع مراتي، بلاش شغل حراسة الجيش دا، انا بتخنق.. قاطعه اسحاق:

-لازم أطمِّن عليك، ومش عايز دوشة، ياله روح ارتاح ونتكلِّم بكرة، سهرة سعيدة، سلِّملي على غرام.. 


عند يزن: 

وضعت إيمان الطعامَ على الطاولة، ثمَّ اتَّجهت إلى أخيها، طرقت البابَ ودلفت للداخل: 

-حبيبي العشا جاهز، قوم علشان نتعشى، هروح أصحي راحيل.. 

اعتدلَ يمسحُ على وجهه، ثمَّ جذبَ ساعتهِ ينظرُ بها: 

-لسة بدري على العشا، ليه بدري كدا؟.. 

استدارت قائلة:

-راحيل مااتغدِتش، معرفشِ أكلنا مش عاجبها ولَّا إيه، خليت معاذ يجيب شوية فواكه من عمُّو غالي وشوية جبن منزوعة الدسم، شكلها مابتكلشِ الزيوت دي.. 

نهضَ من مكانهِ متَّجهًا إلى حمامه: 

-يبقى شوفيها بتحبِّ إيه وعرَّفيني أجيبه لها..

-لا بجد!! قالتها باعتراضٍ ثمَّ اقتربت منه: 

-دي مراتك يايزن، يعني إنتَ أولى إنَّك تسألها ليه تدخَّلني في حواراتكم..

رمقها بنظرةٍ ثابتة، ثمَّ التوى ثغرهِ بابتسامةٍ عابثة:

-لا والله، على أساس إنِّك مش عارفة طبيعة جوازنا، عيب يامنمن، هزعل منِّك وأستغباكي..

نفخت بضجرٍ واستدارت مغادرةً الغرفة، تهمهمُ بكلماتٍ غيرُ مفهومة، خرجت متَّجهةً إلى غرفتها التي تشاركها مع راحيل، بسطت كفَّها لتفتحها، ولكن قابلتها راحيل على بابِ الغرفة:

-كنت لسة داخلة أصحِّيكي..ابتسمت لها تضعُ كفَّها على بطنها:

-أنا فعلًا كنت جعانة أوي، كنت هسألك طابخة إيه بس مكسوفة..

قهقهت إيمان تجذبها من يديها واتَّجهت إلى المائدةِ تشيرُ على أنواعِ الطعام.. 

-بصِّي ياستي، دا رز معمَّر بالسمنِ البلدي، واللي جنبه دي بطاية، ودي سلطة، ودي طحينة، ودا لسان عصفور..


أمَّا بقى اللي في الجنبِ دا، جبن منزوعةِ الدسم وعملت لك سلطة كمان، وشوية خُضار بدون سمن وزيوت، ولحمه مشوية، عارفة إنِّك بتحبِّي الأكل الصحِّي.. 

اتَّجهت تجذبُ المقعدَ وجلست تنظرُ إلى البطةِ مبتسمةً كالطفلة:

-بطة يعني إيه، قصدك فرخة..قهقهت تضربُ كفَّيها ببعضهما بخروجِ يزن، أشارت إليه: 

-تعالَ شوف مراتك بتقول إيه، بتقول يعني ايه بط..

ردَّدَ بينهِ وبين نفسه: 

-مراتي، وكأنَّهُ نسيَ ما تعنيهِ الكلمة، خطا إليهما وعيناهُ تحاصرُ جلوسها، نقيةٌ مثلَ المياه، لامعةٌ مثل الذهب، بريئةٌ مثل الطفلة، تقابلت نظراتهما للحظاتٍ ممَّا تورَّدت وجنتيها تسحبُ عينيها عن ملتقى عينيه، انسدلت خصلاتها الناعمةِ حول وجهها، لتغطِّى عينيها الساحرة، حمحمَ وجلسَ على رأسِ الطاولةِ الصغيرة، ورغم صغرها إلَّا أنَّها تشعرهُ بأنَّهُ ملكٌ لتلك العائلة، بحثَ بعينيهِ عن أخيهِ الأصغر ثمَّ تساءل:

-فين معاذ، مش هياكل؟..

سحبت إيمان المقعدَ قائلة:

-جه من الدرسِ ونام، جسمه كان سُخن، إديتله خافض وغطِّيته ونام..

هبَّ فزعًا من مكانه: 

-اتجنِّنتي إزاي مش تعرَّفيني، قالها وتحرَّكَ سريعًا إلى غرفته، دفعَ البابَ ودلفَ إليه ينظرُ إلى نومهِ الهادئ، يتلمَّسُ وجههِ كالأبِ الذي يفحصُ طفله..وصلت إليه تربتُ على ظهره:

-دور برد عادي ياحبيبي متخافش، هوَّ أصلًا كان مرهَق، صحي بدري وراجعنا مع بعض قبلِ الامتحان، وطبيعي أنُّه عايز ينام..

استدارَ إليها يطالُعها بعتاب، ويشعرُ بتأنيبِ الضميرِ قائلًا:

-يعني كان عنده امتحان ومتعرَّفنيش ياإيمان، للدرجة دي مابقاش ليَّا أهمية.. 

احتضنتهُ تهزُّ رأسها بالنفي: 

-أبدًا ياحبيبي والله، أنا شوفتك مشغول محبتشِ أضغط عليك، وبعدين هوَّ كان عنده إنجليزي وهوَّ شاطر فيه ماشاءالله متعبنيش..

احتوى وجهها بين راحتيه:

-بعد كدا إياكي تفصليني عن حياتكم، حتى لو كان فوق دماغي همومُ الدنيا.. أنتوا عندي أهمِّ من أيِّ حاجة.. 

كانت تقفُ على بابِ الغرفة، انسابت دموعها من مشهدهما، تمنَّت لو لها أخًا لحماها من غدرِ الزمن، آه وألفِ آه عن بنتٍ بدونِ سند، فالأخ السند هو القوة.. 

فإذا سألوكَ عن النقاءِ قل هو قلب أخت، واذا سألوكَ عن الأمانِ قل هو عطفُ أخ.

وكما قال أحدُ الشعراء:

أخاك أخاك إنَّ من لا أخًا له كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاح..


ماأجملَ الأخوَّة التي تُبنى على المحبةِ والسلامِ وطيبةِ النفسِ ونقاءِ القلب،  

تراجعت إلى الطاولةِ تزيلُ دموعها، لمحَ تحرَّكها فجذبَ كفَّ أختهِ وتحرَّكَ للخارج، وجدها جالسةً تنظرُ بشرودٍ بنقطةٍ وهمية، حمحمَ قائلًا:

-بقى مش عارفة البط، كدا تضحَّكي إيمان علينا، رسمت ابتسامةً تنظرُ إليهِ ثمَّ أردفت:

-معرفشِ واللهِ يايزن أوَّل مرَّة أشوفه هوَّ البتاع دا..

ارتفعَ صوتُ ضحكاتهِ الرجوليةِ يشيرُ إلى الأرز قائلًا:

-اسمه البتاع دا، جذبَ الصحنَ وسكبَ لها بعضهِ يشيرُ إليها: 

-طيِّب ممكن تدوقي البتاع دا، ومتخافيش همشِّيكي كتير يعني مش هتتخني.

نظرت إلى الملعقةِ التي يرفعها أمامَ عينيها لتأخذها من يديه، ثمَّ إلى الطعام، أشارت إيمان إليها: 

-ياله ياحبيبتي دوقي حاجة بسيطة، الأكل اللي بتاكليه دا مالوش فايدة..


أمسكَ البطَّةَ وقامَ بتقطيعها، كانت تراقبُ تحرُّكاتهِ مبتسمةً وهي تهزُّ رأسها كالطفلة:

-أوعى تقولي هتاكلي منها دا كلُّه..

-أششش، اسكتي إنت، لازم نزغَّطوكي مثل البطَّة دي، ضحكت تضعُ كفَّها على فمها قائلة:

-إيه نزغَّطوكي، يعني إيه، لم يستطع التوقُّفَ عن الضحكِ حتى تضجرَّ وجههِ بالدموية، ينظرُ لأخته:

-عارفة بتفكَّريني بمسرحيةِ المتزوجون، بس أنا مش أهبل علشان أجبلها فرخة تطبخها، ممعيش فلوس الفرخة اللي هتبوظ.. 


ارتفعت ضحكاتهما إلى أن قاطعهم طرقاتٌ على بابِ المنزل، اتَّجهت إيمان لفتحه، وجدت مها تقفُ أمامها بدموعِ عينيها: 

-يزن اتجوِّز ياإيمان، يعني كان بيتلاعب بيَّا..

بمنزلِ الرفاعي وخاصةً بغرفته، جالسًا على جهازهِ يشاهدُ بعض الفيديوهات التي تخصُّ عمله، استمعَ إلى طرقاتِ الباب، دلفَ والدهِ بفنجانِ قهوته، نهضَ من مكانه: 

-بابا حضرتك اللي جايب القهوة بنفسك، وضعها أمامهِ وأشارَ إليهِ بالجلوس: 

-اقعد ياحبيبي، فيه موضوع مهمّ عايز أتكلِّم معاك فيه.. 

تابعهُ بنظراتهِ منتظرًا حديثه، سحبَ نفسًا وأخرجهُ يشعرُ باختناقه:

كلَّمت أخوك ومراته وابنِ عمِّتك النهاردة، ابنِ عمِّتك قال قدامه كام شهر كمان لمَّا يخلص، وأخوك قالي بيخلَّص شوية شُغل واحتمال ينزل على آخرِ الأسبوع..

عقدَ مابين حاجبيهِ متسائلًا:

-مش فاهم حضرتك، ماينزلوا وقتِ ماظروفهم تسمح.. 

رفع عينيهِ إليه قائلًا:

-متعرفشِ إنِّ إيلين بعتت لأخوها وأختها علشان تسافرلهم، وأنا خلِّيت أخوك ينزل علشان يقطعلها السفر..


نهضَ من مكانهِ وولى والدهِ ظهرهِ متَّجهًا إلى شرفةِ غرفته، فتحها وعينيهِ شاردة، قاطعهُ والده:

-إزاي مش قادر تاخد مراتك في حُضنك وتخلِّيها تتمسِّك بيك يابنِ زين، للدرجة دي البنتِ كارهاك ومش طايقة قُربك، طيب لو مش..استدارَ مقاطعًا والده:

-بابا لو سمحت خلِّيك عند كلمتك، حضرتك قولت مش هتتدَّخل بينا، توقَّفَ واتَّجهَ إليه: 

-كنت قولت كدا على أساس اعتمدت على راجل، بس دلوقتي البنت هضِّيع منَّا، استمعوا إلى صوتٍ بالخارج، تحرَّكَ زين بعدما علمَ مصدرَ الصوت، توقَّفَ ينظرُ إليها: 

-خير ياسهام، دفعت الخادمة من أمامها، واقتربت من زين وعينيها على آدم: 

-عايزة بنتنا ياباشمهندس، إيه ينفع البنت تفضل في بيت طلقيها ولَّا كنتوا مفكَّرين إنِّنا مش هنعرف أنُّكم مقدرتوش عليها، تطلَّعت على آدم وتبسَّمت متهكِّمة: 

-إيه يادكتور، صدَّقتني لمَّا قولتلك إنَّك مش قدَّها، أهو البنت طلعت..بترَ حديثها صائحًا بنبرةٍ غاضبة:

-متنسيش نفسك يامدام سهام، إنتِ بتتكلِّمي على مراتِ آدم الرفاعي.. 

جلست تضعُ ساقًا فوق الأخرى وتابعت حديثها ساخرة:

-بالرَّاحة يادكتور، مراتك منين، أبوها جاي بكرة من السفر وقالي أنزل ألقيها في بيت أبوها، ماهو لازم يربِّيها، البنت محدش قادرها، ثارت جيوشُ غضبهِ وتوهَّجت عيناهُ مقتربًا منها ممَّا جعلها تتراجعُ بجسدها، أوقفهُ زين مقتربًا منها: 

-أنا اتحمِّلتك كتير ياسهام، تدخلي البيت وتهيني مرات ابني دا مش مسموح لك أبدًا، لو قصدك على موضوع الطلاق، فدا مالكيش دخل فيه، بنتِ أختي في بيت خالها، هبَّت من مكانها وأردفت بنبرةٍ قاسية:

-يعني البنت اطلَّقت فعلًا يازين، ابنك طلَّق البنت حتى قبل ماتكمِّل سنة، ليه إذا كانت معيوبة..لطمةٌ قويةٌ فوق وجهها ثمَّ جذبها من خصلاتها: 

-اتحمِّلتك مافيه الكفاية، واللي كان مصبَّرني إيلين، إنما تيجي وتهينيها في بيتها دا أدفنك ياسهام، فوقي وشوفي اللي بتكلِّميه مين، ومش معنى سكت زمان هسكُت دلوقتي، بنات أختي تحت إيدي دلوقتي يعني إنتِ وجوزك على الشوز بتاعي، وياله برة، وإياكي تقرَّبي من البيت دا تاني..قاطعهم دلوفُ الخادمة تنظرُ بارتباكٍ لآدم ثمَّ إلى زين مع وقوفِ إحداهنَّ بجوارها: 

-مرحبا كيفكم، نظرت إلى آدم ثمَّ اقتربت من وقوفه: 

-ايه يادكتور نسيتني ولَّا إيه، رحت لك الجامعة وسألت عليك هناك قالولي إنَّك إجازة، وحدِّ وصَّلني لعندك، استدارت سهام تطالعها بغموضٍ لتقتربَ منها: 

-إنتِ مين؟..ابتسمت تنظرُ لآدم بوصولِ إلين لتجيبها بابتسامة: 

-أنا حنين مرات آدم...هزة عنيفة أصابت جسدها، ناهيك عن شعورها بالدوران وهي تنظر لتلك الفتاة التي تعتبر أيقونة من الجمال الاوربي بعينها الزرقاء وخصلاتها الصفراء، ترتدي تنورة قصيرة باللون الاسود تصل لفوق الركبة، وكنزة بيضاء من الستان الابيض الناعم يعكس جمالها، ولا يخلو وجهها من اللمسات التجميلية الناعمة، لتصبح انثى متفجرة، يقف أمامها أعتى الرجال يوقرون بجمالها ورغم لمساتها التجميلية الا جمالها الرباني ملفت لمحط الانظار، دارت الأرض بأيلين بعدما استمعت إلى صوت سهام 

-كدا عرفت ليه طلقت ايلين عندك حق حد يشوف الحور ويسيبه ويروح للماشطة ..نظرت إلى ايلين بعيون شامتة

-ليك حق يادكتور تغيب بالسنين، لم تشعر سوى بالألم الذي افتك احشائها لتطلق انين بخروج سائل دافئ من بين ساقيها

فيلَّا السيوفي: 

خرجت إلى سيارتها، توقَّفَ أحدُ الحرسِ أمامها:

-مدام ميرال لو سمحتِ بلاش تئذينا في شغلنا، الباشا مانع سواقتك..

تأفَّفت ممتعضة، ثمَّ اتَّجهت إلى البابِ الخلفي ليفتحهُ لها، استقلَّت السيارةَ تهاتفهُ بغضب، كان منهمكًا بعملهِ استمعَ إلى رنينِ الهاتفِ بنغمتهِ الخاصة بها، ابتسمَ يجذبه: 

-دا إيه الصباح الحلو دا، هدأت رغمًا عنها، استمعَ الى أنفاسها في بدايةِ الأمر، تراجعَ بجسدهِ على المقعد: 

-سامعك..سحبت نفسًا محاولةً السيطرةَ على غضبها وأردفت بتقطُّع: 

-ليه مانعني من السواقة، متقولشِ خايف عليَّا؟.. 

نقرَ بأناملهِ على المكتبِ وأجابها بنبرةٍ هادئة:

-جدًا عندك شك؟  فتحت فاهها لتوبِّخهُ ولكنَّها توقَّفت عندما شعرت بنبرتهِ الحزينةِ ليتابعَ حديثه:

-سايبك براحتك علشان بعد قرارك مفيش رجوع للخلف، لو زعلانة من قعدتي عند رؤى عندي أسبابي، ولو مش واثقة فيَّا وفي حبُّي يبقى مالوش لازمة نكمِّل مع بعض، معاكي وقتك فكَّري كويس، وحطِّي في عقلك إنِّك في الأوَّل والآخر: 

"ميرال راجح الشافعي في الحقيقة، زي ماأنا في الحقيقة يوسف جمال الشافعي،  واللي حوَّل حياتنا للجحيم دلوقتي هوَّ راجح الشافعي اللي هوَّ أبوكي يابنتِ عمِّي، أنا معاكي في أيِّ قرار وصدَّقيني مهما يكون قرارك هعذرك، لأنِّك مالكيش ذنب، ذنبك الوحيد إنِّك وقَّعتيني في شباك ميرال مرات إلياس وبس.. 

انسابت دموعها تضعُ أناملها على الهاتفِ تبتعدُ عنه؛ حتى لا يستمعَ إلى شهقاتها ولكن كيف لم يستمع وقلبهِ الذي ينبضُ إليها بجنون، همسَ بنبرتهِ الرخيمةِ اسمها: 

-ميرال بلاش أشوفك ضعيفة، إنتِ قوية ويمكن إنتِ أقوى منِّي حاليًا..همست بشفتينِ مرتجفتين: 

"هترجع إمتى لحضنِ مراتك ياإلياس"

توقَّفَ عمَّا يفعله، وهمساتها التي تسلَّلت إلى قلبه، ممَّا جعلهُ يرتجفُ لأوَّلِ مرَّةٍ بتلك الطريقة، ليشقَّ ثغرهِ بابتسامة، فقد فاضَ الشوقُ وطغى الوجدانُ؛ مما جعلهُ يردفُ بنبرةٍ هادئةٍ بعدما راقَ له حديثها:

-في أقرب وقت صدَّقيني، المهم تكوني مقتنعة بردِّك، ومترجعيش تندمي..حاوطت بطنها قائلة:

-ابنك بدأ يتحرَّك ياإلياس، وعايزة أروح للدكتور اطَّمن عليه، مش عايز تشوفه؟..

أظلمت عيناهُ بنيرانِ رغبتهِ بسحقها بين ضلوعهِ الآن، ممَّا جعلهُ يتوقَّفُ يجمعُ أشيائه: 

-تمام بعدين نتكلِّم عندي شغل مهمّ دلوقتي..ابتلعت غصَّتها من برودِة ردِّه،  وأغمضت عينيها تعودُ برأسها إلى النافذة، أمَّا هو فقامَ بمهاتفةِ السائق:

-هتجيب المدام على المستشفى، وتأكَّد مفيش حدِّ بيراقبك من غير ماهيَّ تحس.. 

-تؤمر ياباشا...لم تشعر بشيئٍ وهي غارقةٌ بأحزانها لانقلابِ حياتها وتذكَّرت حديثهِ وحديثُ فريدة، تهمسُ لنفسها:

-معقول أكون بنتِ الراجل الواطي دا، لا أنا عجبني ميرال جمال الدين، قلبت صور هاتفها لتجدَ العديدَ من صورها في مراحلها العمرية، إلى أن توقَّفت على صورةِ زفافها وهو يحتضنُ خصرها وينظرُ لعينيها بعشق، مرَّرت أناملها على ملامحِ وجهه قائلة:

-الموضوع مش حبَّك بس اللي خلَّاني آخد القرار دا، الموضوع الحنان والأمان اللي حسِّيتهم معاك، رغم قسوتك بس جوَّاك طفل ياإلياس، بتحاول تقنعني إنِّي بنته وجوَّاك تتمنَّى رفضي له، رفعت رأسها ومازالت تحدِّثُ نفسها: 

-هعرَّفك ياإلياس مين هيَّ ميرال السيوفي..


بعد قليلٍ وصلت السيارةُ إلى المشفى، ترجَّلت تنظرُ حولها، ثمَّ رفعت عينيها إلى السائق:

-إنتَ جايبني هنا ليه؟..تراجعَ بالسيارةِ مع وصوله، يحاوطُ أكتافها، استدارت مفزوعة، تضعُ كفَّها على صدرها: 

-خضِّتني، فكَّرتك حدِّ تاني، ضمَّها لأحضانه، يدفثُ وجههِ بحجابها يستنشقُ رائحتها بولها، مردِّدًا بنبرتهِ المبحوحة: 

-مراتي وابني وحشوني، بلاش أطَّمن عليهم.. 

تسابقت أنفاسها مع دقَّاتِ قلبها الهادرةِ من أنفاسهِ الحارَّةِ التي تضربُ عنقها رغم ارتدائها الحجاب، ارتجفَ جسدها على إثرها لتهمسَ بتقطُّع: 

-إلياس بتعمل إيه؟..اعتدلَ محمحمًا، لأوَّلِ مرَّةٍ يضعفُ بتلك الطريقة، أمسكها من رسغها بعدما ارتدى نظَّارتهِ وتحرَّكَ للداخل، وكلهِ لهفةٍ واشتياقٍ أن يطمأنَّ عليهما، كانت تحتضنهُ بنظراتها، كيف يتقلَّبُ بتلك الطريقة، خربشَ الشكُّ جدرانَ قلبها من حركاتهِ الغيرِ معهودة لتتوقَّفَ أمامه: 

-ممكن أعرف إنتَ ناوي على ايه، ماهو ماتجنِّنيش، ازاي هاجرني ودلوقتي ملهوف علينا بالشكلِ دا؟!..

راقَ له غضبها فالتمعت عيناهُ بابتسامة: 

-مش قولتي وحشت ابني، كان لازم آجي أشوفه، إيه مش عايزة أشوف ابني، قالها وهو يحاوطُ أحشاءها بكفِّه.. 

جزَّت على أسنانها تتلفَّتُ حولها: 

-تقوم تجبنا الساعة حداشر علشان تشوفه، مش متعوِّدة أروح لدكاترة الصبح.. 

-ليه همَّا الدكاترة الصبح بيكونوا أغبيا، وبالليل بيكونوا ولاد ناس، امشي مش عايز غباء.. 


بفيلَّا السيوفي: 

وصلت رانيا إلى الفيلا، أوقفها الحرس:

-ممنوع يافندم، خلعت نظارتها قائلة:

-قول لمدام فريدة رانيا الشافعي بنتِ عمِّك عايزة تشوفك.


بعد قليلٍ دلفت إلى الداخل، تطوفُ بعينيها على المكان، نزلت فريدة بأناقتها، من يراها يظنُّ أنَّها ابنةُ الخمسةَ وعشرونَ عامًا، رغم مرضها، وصلت إلى وقوفها: 

-أهلًا يارانيا، التفت تطالعها بنظرةٍ شامتة، ثمّّ دنت إليها:

-إزيك يابنتِ عمي، تراجعت فريدة تجلسُ على المقعدِ تضعُ ساقًا فوق الأخرى..

-جاية ليه يارانيا، عايزة إيه؟..

جلست بمقابلتها وفعلت مثلها، تنظرُ إلى مقلتيها:

-جاية أشوف بنتي يافريدة، وبارك لك على ولادك، إيه مش من حقِّي، تراجعت فريدة بجسدها وتقابلت نظراتُ الحربَ بينهما: 

-بنتك..قالتها متهكِّمة رغم ارتعاشةِ قلبها..ثمَّ رمقتها بسخريةٍ وأجابتها بثقة:

-بنتك مين يارانيا، أنا مش حرامية سرقت بنتك، ولو مش مصدَّقة قومي دوَّري عليها، أما عن اولادي مالكيش دخل مباركتك مش مقبولة

ألقت كلماتها التي أشعلت صدرَ رانيا، فهبَّت من مكانِها واقتربت من مقعدِها:

-بنتي هاخدها يافريدة، وهترجعي زي ماكنتي مالكيش ضهر، فرحانة فيكي 

ابنك سابك ومش مصدَّقك، وبنتي بكرة تعرف أدِّ إيه إنِّك قذرة حقيرة..


لم يرفَّ لها جفنٌ وظلَّت كما هي صامدةً شامخة، وكأنَّ ثرثرتها لم تعنيها، شبكت أناملها تهزُّ أقدامها وهاتفتها مستهزئة:

-أيوة هيَّ مين بقى اللي حقيرة إنتِ أكيد، الناس الواطية يارانيا مفكَّرة الناس كلَّها زيها..

انحنت بجسدها تحاصرُ مقعدها بيدها 

وتعمَّقت تسبحُ بعينيها: 

-أوعي تفكَّري مش عارفة إنِّ ابنك الباشا اتصدم ياحرام، وساب البيت وراح لعشيقته، تخيَّلي فيديو حلو لبنتي كدا وهو في حضنِ عشيقته هتعمل إيه..

رفعت فريدة حاجبها باستهزاء:

-هتعمل إيه، إنتِ عارفة؟! ، لو عارفة ياريت تقوليلي، أهو يمكن أساعدك.. 


أثارت حنقها فجزَّت على أسنانها تضغطُ بقوَّةٍ وهي تهمسُ بهسيسٍ مرعب: 

-ابنك هيطلَّق البنتِ يافريدة، وغصب عنُّه ياإما..توقَّفت فريدة تتحرَّكُ بخطواتٍ بطيئةٍ إلى أن وصلت إلى طبقِ الفواكهِ وتمتمت وهي تواليها ظهرها: 

-ياأمَّا إيه يارانيا، هتقتلوه، ولَّا هتخطفوه زي زمان..احتوت التفاحةَ تنظرُ إليها ثمَّ استدارت إليها: 

-فاكرة الكارتون بتاعنا المفضَّل يارانيا، رفعت التفاحة إليها: 

-هأكلِّك التفاحة دي، زي ماإنتِ أكَّلتهالي زمان، أنا أخدتها منِّك بطيب خاطر، مكنتش أعرف إنِّ أمِّنا الشريرة مسمَّمة التفاحة، اقتربت من رانيا ومازالت التفاحةُ بيدها: 

-هبلة متعرفشِ مهما تأكِّلني من تفاح مسموم هفضل ملكة في قلبِ الكلّ..اقتربت تهمسُ بجوارِ أذنها: 

-فاكرة جنان راجح بيَّا يارانيا وكلامه اللي زي السم، ورغم كدا كنت بفرح فيكي أوي علشان النَّار اللي بتحرق قلبك..وهوَّ مش شايف غير فريدة وبس، وهلوسته وهو عندُّه حمَّى باسمي، علشان كدا اتجنِّنتي وخطفتي جمال، بس هبلة أهو اتجوِّزني ياغبية وبقيت ضرتك

مرَّرت أناملها على صدرِ رانيا:

-وانحفرت انا هنا، ماهو أنا فريدة، واسم على مسمَّى، وزي ماجنِّنت جمال زمان وخطفته منِّك وقهرتك جنِّنت راجح، دارت حولَ رانيا وتابعت حديثها بكبرياء انثى: 

-عارفة راجح مجنون ليه يارانيا وبيخدعك أنُّه عايز ينتقم منِّي ومن ولادي، علشان يرجَّعني تاني له، ماهو جالي هنا وقالي كدا، قالي اتجوِّزت كتير يافريدة ومحستشِ بستّ غير معاكي، أفلتت ضحكةً هازئةً تضربُ كفَّيها ببعضهما: 

-شوفتي الهبل، رغم إنِّي مدتلوش وش وكنت بتقزِّز منُّه واتجنِّن كدا، تخيَّلي بقى لو رجعت تاني.. 


قهقهت تجلسُ مرَّةً أخرى: 

-أنا شيفاه مش راجل أصلًا..اختتمت جملتها تشيرُ إلى الحرسِ الذي توقَّفَ على البابِ وأشارت إليه: 

-خد الزبالة دي إرميها برَّة، البيت دا نضيف، أنا بس حبيت أوصَّلها هيَّ وجوزها رسالة، توقَّفت تقتربُ من رانيا المصدومة: 

-أنا عندي أربع رجَّالة يارانيا يدفنوا جوزك في المجاري، إنتِ عندك مين، ابنِ سمية، هه أخرجتها مستهزئة، وتحرَّكت بعض الخطواتِ لتوقفها رانيا: 

-هندِّمك على كلِّ كلمة يافريدة، ورحمة جمال اللي بكَّاني بدل الدموع دم لأجيبك ذليلة ليَّا..

التفتت فريدة ونظرت إليها باستخفاف

-اتكلمي على قدك يامدام رانيا، انت وجوزك اللي خافوا على نفسكم مني ومن ولادي 


عند إلياس:

توقَّفَ بجوارها، تشبَّثت بكفِّهِ والطبيبةُ تضعُ السائلَ على بطنها وهي تنظرُ إلى الشاشةِ بتمعُّن، لحظاتٍ واستمعوا إلى نبضِ الجنين، التمعت عيناهُ بخطٍّ من الدموع، حاولَ السيطرةَ على نفسهِ والطبيبةُ تشيرُ إلى الجنينِ الذي لم يكتمل أعضائه بعد، ابتسمت الطبيبةُ تطالعها:

-زي ماقولت لك قبلِ كدا ياميرال، البيبي ولد، المرَّة دي واضح أوي، استدارت تنظرُ إلى إلياس وأشارت إلى بعضِ أعضائه، كدا باقي عشر أيام وندخل الخامس أهو، فيه أجزاء مكملتش طبعًا، علشان كدا مش واضح، بس المفروض المدام تهتمّ شوية بأكلها، علشان الوضع يكون أحسن. 

-تمام ..قالها وهو يساعدها بالاعتدال، بعد رفضهِ للممرضةِ أن تقتربَ منها، جلست لبعضِ الدقائقِ للحديثِ عن الضرورياتِ الموجبِ فعلها أثناءَ فترةِ حملها.. 


خلَّلَ أناملهِ بأناملها وتحرَّكَ بجوارِها متَّجهًا إلى السيارة، توقَّفت تطالعه: 

-رايحين فين..أشارَ إليها بالركوبِ مجيبًا:

-هوصَّلك على الشغل، وأنا عندي شُغل مهمّ هخلَّصه ونتقابل بالليل عند بابا، فيه موضوع مهمّ لازم نتكلِّم فيه..

أومأت له مقتربةً منه، تعانقُ ذراعه:

-هترجع البيت النهاردة، حاوطَ كتفها ينظرُ لعينيها: 

-ميرال هتكمِّلي معايا مش عايز أسئلة في أيِّ حاجة، كلِّ اللي عايزه إنِّك تثقي فيَّا وبس، وقبلِ أيِّ حاجة،  

مش هرحم راجح لو انتِ عايزة تروحي لعنده هوصلِّك وأنا عند وعدي.. 

-هتقدر تعيش من غيري ياإلياس..سؤال خرج من بين شفتيها تتمنى أن يبرد قلبها، استدارَ إلى بابِ السيارةِ ينظرُ إليها من تحتِ نظراته: 

-ماأنا كنت عايش من غيرك ياميرال ماممتِّشِ ولا حاجة ..


توسَّعت عيناها باتساعِ مابين السماواتِ والأرض، غمزَ لها يشيرُ إلى الباب:

- اركبي حبيبتي ربِّنا يهديكي، وبلاش كلامك العبيط بتاع أشعار الجاهلية، هموت من غيرك ياعنترة..

-كلماتهِ كفيلةٌ لتحطيمِ فكِّه، ليصمتَ عن الحديث، سبَّتهُ بسرِّها واستقلَّت السيارةَ بصمت، داخلها نارٌ تريدُ أن تصفعهُ على فمهِ الذي يبتسمُ به.


بعدَ عدَّةِ ساعات: 

جلسَ على طاولةٍ دائريةٍ يتناقشونَ في قضيَّتهم الهامة، التي تمسُّ أمنَ البلد، وقامَ بوضعِ خطَّةٍ للهجومِ عليهم دون خسائرَ من أرواحهم، خرجَ الجميعُ وظلَّ هو جالسًا، لايعلمُ أيُّ جرمٍ ارتكبهُ ليبتليهُ بشخصٍ مثل راجح، فبعدَ حديثِ أرسلان إليه، يبدو أنَّهُ متورِّطًا مع القضايا التي يشاركها الجماعات الإرهابية.. 

دلفَ المسؤولُ عن مكتبهِ ووضعَ كارت أمامه:

-دا عايز يقابل حضرتك ياباشا..

رفعهُ بين أناملهِ وابتسمَ بسخريةٍ يشيرُ إلى الرجل: 

-دخَّله المكتب أنا جاي وراك، بعد قليلٍ دلفَ إليه، توقَّفَ راجح على دخوله:

-أهلًا ابنِ أخويا..ثنى أكمامهِ وجلس مجيبًا عليهِ بنبرةٍ باردة:

-مش أهلًا ولا سهلًا، عايز إيه ياراجح، اللي بدَّور عليه مش هنا، استندَ راجح على المكتبِ مقتربًا منه:

-إلياس ياسيوفي، أنا ممكن أودِّيك في داهية، إنتَ وأمَّك.

حرَّكَ رقبتهِ يمينًا ويسارًا، محاولًا السيطرةَ على غضبه: 

-لو غلطت مش هرحمك، أقف عوج واتكلِّم عدل، متنساش نفسك.. ثار راجح ونفرت عروقه مرددًا بنبرة استيائية:

-بتكلِّم عمَّك ياله نسيت نفسك، نصبَ عودهِ وتوقَّفَ مستديرًا: 

-يالا دي تقولها لابنك، مش لإلياس السيوفي، جذبَ سجائرهِ مستندًا على مكتبهِ وعينيهِ تحاصرُ جلوسَ راجح:

-جاي وعايز إيه ياراجح؟..

-بنتي..ارتفعت ضحكاتُ إلياس:

-هيَّ بنتك عندنا في قضية ولَّا إيه؟.،

-إلياس ..قالها من بين أسنانه، أمالَ بجسدهِ يردفُ بخفوت:

-إلياس باشا ياراجح متنساش نفسك، ولو أنا رضيت إنَّك تقعد فدا كرم أخلاقي اللي اتعلِّمته من أبويا ومراته اللي حضرتك بتقول عليها أمِّي، يعني أنا المفروض أوزَّع فلوسي كلَّها لله إنِّي اتربيت على أيديهم مش على إيدين راجل واطي.. هب من مكانه، يرمقه بنظرات نارية وتمتم بنبرة حادة:

-اتجنِّنت يالا، إزاي تكلِّمني كدا، دا أنا أودِّيك ورا الشمس..

استدارَ لمقعدهِ وأردفَ بنبرةٍ محذِّرةٍ وهو يشيرُ بسبَّباته:

-صوتك ولسانك هقصُّه متنساش نفسك، جلسَ على مقعدهِ وتراجعَ بجسده: 

-روح دوَّر على بنتك بعيد عنِّنا، مش ناقص صداع..قالها وهو يلوِّحُ بكفِّه..


إنتَ أهبل يالا، مفكَّر معرفشِ أخدها منَّك، دي بنتي ياغبي، أقلِّ حاجة قضية نسب، أودِّي فيها أمَّك ورا الشمس..

هترجع تطول لسانك مش هسكت، انا بحاول امسك نفسي، اصلي لو قومت من مكاني هطيرك عند رانيا بتاعتك، وياريت تروح تدور عليها بدل ماانت مش لاقي شغل 

استند راجح على المكتب ونظر لعيناه

-هخرج من هنا على القسم وهفضحك يابن فريدة، هجرسك بين زمايلك، واعرفهم انك مش ابن السيوفي 

ارتفعت ضحكات بطريقة جنونية، ثم دنى برأسه:

-منتظر يارجوح، منتظر اشوفك هتعمل ايه، لو عايز تاخد عينة دم مني ومن وسيادة اللوا الشريف اللي ليا الفخر أنه رباني اتفضل، بس خايف دمي متقدرش تشيله، أصله تقيل، ولسة هيتقل ياراجح لما يطلبوا مني اتبرعلك بالدم، اااه معلش نسيت اقولك، اصلي ناوي اصفي اعضائك، وابيع كل عضو في دولة علشان ميعرفوش يلموها

ضرب راجح على المكتب:

-إنت مش قدي يابن السيوفي، ولو خرجت من هنا على القسم يعتبر كتبت شهادة وفاتك:


-يا شريف ..أشارَ له:

-وصَّل راجح باشا للقسم عايز يعمل قضية نسب، ولو عايز تساعدُه وتشهد معاه قولُّه إحنا خطفنا بنته.


نصبَ عودهِ بعدما أطفأ سيجارته، واستندَ بكفوفهِ على المكتب:

-راجح باشا أنا مش هسجنك، عارف ليه، علشان لو سجنتك ببقى برحمك منِّي، وإنتَ عارف أنا راجل قانون ومينفعشِ أدخل في سلطةِ القضاء، هسيبك برَّة علشان انا وانت نكون احرار،. اه وخد دي علشان تعرف أنا ديمقراطي ومتقولشِ سلطة ومش سلطة، استقالتي ناقصة الإمضاء، كدا عداني العيب وقزح لعندك، ماهو إنتَ العيب كلُّه..استدارَ مبتعدًا عن مكتبه:

-زمان كنت بشوف أشرار الكارتون مقتنعتش بيهم بس إنتَ عدِّيت سكار، ومراتك الحيزبونة الأم جاثويل، بس مش هتعرف تقول لميرال دلدلي شعرك، لأنَّها مش غبية ولا عبيطة، وياله اطلع برَّة أخدت من وقتي وسحبت الهوا من المكتب، روح كل اقسام مصر ولو عايز محامي أكبرهم هيكونوا عندك، أما شهادة وفاتي اللي بتقول عليها، توقف مائلا بجسده يرمقه بنظرة حادة 

-أنا كدا كدا ميت ومش باقي على حاجة، وحياة بكى امي كل ماكنت بترعبها بقربك، لاخليك تتمنى الموت ومتلقهوش، واسأل عن الياس السيوفي، انا مش بتاع كلام ياراجح، ولو سمعتك في مرة بتقول كلمة عمي دي هفصل راسك عن رقبتك، لو جالي نفس استهزئ هقولها، ياله اطلع برة مبقاش غير المجرمين اللي ياخدوا من وقت إلياس السيوفي 


صمتًا مريبًا بالمكتبِ لم يخلُ من حربِ النظراتِ القتالية، ليقتربَ راجح منه: 

-بتعلن الحرب عليَّا يابنِ جمال، طيِّب شوف مين اللي هيضحك في الاخر. 


عند أرسلان توقَّفَ أمام أحدِ الفنادقِ المشهورة بالعاصمة، وهناك ما يريدهُ أن يوصلَ مابجبعته، توقَّفَ ينظرُ بذهولٍ لتلك التي دلفت أمامهِ بجوارِ أحدهما، لحظة فقط لالتقاطِ صورة، ليرسلها إلى مصدرها، ثمَّ صعدَ إلى واجهته، دقائقَ إلى أن انتهى من عملهِ متَّجهًا للخارج، ولكن لسوءِ حظِّهِ وحسنِ حظِّها أن تصطدمَ به، رجعَ معتذرًا، لتتوقَّفَ مصدومةً تطالعهُ وتهمسُ اسمًا جعلهُ يطالعها بغموضٍ ثمَّ أردفَ بنبرةٍ هادئةٍ معتذرًا:

-آسف ماأخدتش بالي، قالها وتحرَّكَ سريعًا من جوارها كالزئبق، تركت الواقفَ بجوارها وتحرَّكت سريعًا خلفهِ تبحثُ عنه بلهفةٍ ولكنَّهُ لم يكن له أثر.. 


-رانيا فيه حاجة، واقفة كدا ليه؟،، 

بعد اسبوع: 


بفيلَّا السيوفي دلفَ إليها وجدها تغطُّ بنومٍ هادئ، انحنى يطبعُ قبلةً على جبينها يمسِّدُ على خصلاتها بحنان، نزعَ جاكيت بذلته، وتمدَّدَ بجوارها يدفنُ رأسهِ بصدرها، تململت تفتحُ عينيها وتغلقها، شعرت به، تراجعت تبتعدُ عنه وجلست على الفراش: 

-لسة فاكر حضرتك إنِّ ليك ست وكمان حامل، حاوطَ جلوسها بذراعيهِ وجذبها إلى أحضانه: 

-وحشتيني على فكرة، وأنا مفهَّمك انِّي كنت مشغول، ليه زعلانة دلوقتي


اندلعَ الغضبُ من حدقتيها، وأشارت إليهِ بالابتعاد:

-ابعد عنِّي علشان مطلَّعشِ الجنان عليك، ياله روح للستِّ رؤى بتعتك..


ثبَّتَ عينيهِ يطالعها بنظراتٍ باردةٍ رغم توَّهجِ صدرهِ بنيرانه:

-اسمعيني ياميرال علشان أنا معنديش خلق للكلامِ الكتير، هنروح لراجح وتوقفي قدَّامه وتقولي الكلام اللي إنتِ عايزة تقوليه، عايز أشوف ميرال مرات إلياس السيوفي، أكيد فاهمة كلامي.. 


ارتسمَ الألمُ داخلَ مقلتيها، أردفت بنبرةٍ حزينة:

-أنا الراجل دا مش عايزة أقابله ياإلياس، اقتربت بركبتيها منهُ واحتضنت كفَّيه:

-أنا عرفت الراجل دا بلاويه كتيرة ياإلياس، تعرف أنُّه بيراقبنا، أنا شوفت عربية بعد ماوصَّلتني على الجريدة، حدِّ مشي وراك، يعني عايز يئذيك، تعالَ نهاجر ياإلياس، أنا خايفة منُّه أوي، أنا مستحيل أعترف به أب، مش بعد هجومي للمنظَّمات الإرهابية، يكون الراجل دا أبويا..


احتضنَ وجهها ولثمَ جبينها، ورسمَ ملامحها بعينيه: 

-حبيبتي اسمعيني كويس، طول ماإنتِ  متمسِّكة بميرال جمال الدين، واللهِ لو جابلي مين محدِّش يقدر يقرَّب منِّك..

مرَّرَ بأناملهِ على وجهها وعينيهِ تسطرُ وجهها: 

-جوزك مش ضعيف ولا هيِّن علشان يهرب من واحد ضعيف زي دا..

هشوف بابا تكوني جهزتي، الزيارة دي مهمَّة أوي ياميرو، وعندي خطط عليها، لازم اغلطه ياميرو، بس خايف عليكي، خايف تضعفي

-لا متخافش، انا معرفوش ومش عايزة اعرفه، انتوا اهلي 

-مش اسمها انتوا ياميرال، اسمها انت اهلي وحياتي

رفرفت اهدابها تنظر إليه بذهول

-حبيبي انت متقلب ليه، جننتني وراك

-أنا عايزك تتجنني كمان ..قالها وهو يطبعُ قبلةً بجانبِ شفتيها هامسًا:

-حبيبتي يامرمر...دفعتهُ وهي تضحك: 

-منتهز زعلي عارفة..نهضَ متَّجهًا إلى الباب: 

-نصِّ ساعة ونمشي...إلياس…

-توقَّفَ مستديرًا إليها:

-عدِّي على ماما فريدة، مبقتشِ تخرج من أوضتها..أومأ واستدارَ يفتحُ البابَ إلَّا أنَّهُ توقَّفَ على صوتها: 

-بحبَّك يابنِ عمِّي..تجمَّدَ بوقوفه، وشعرَ ببرودةٍ تجتاحُ جسدهِ حتى فقدَ القدرةَ على الحركةِ لدقائق، نهضت واقتربت منهُ تضعُ كفَّها على كتفه:

-حقيقة ومينفعشِ ننكرها، التفتَ قائلًا:

-إنتِ مراتي وبس ياميرال، مش عايز كلمة تاني..خرجَ متجهًّا إلى جناحِ والده، طرقاتٍ هادئةٍ على البابِ إلى أن أُذنَ له بالدخول..

بالداخلِ كانت جالسةً على سجَّادتها وبيدها مسبحتها تردِّدُ الذكر، رفعت عينيها المغيَّمةِ بالسُحبِ بعدما استنشقت رائحته، توقَّفَ للحظاتٍ وهو يرسمها بعينيه، نهضت من مكانها تستندُ على المقعدِ تهتفُ بتقطُّعٍ وبكاء:

-يو..سف، ردَّدتها عدَّةِ مرَّات..اقتربَ منها بعدما وجدها تترنَّحُ بخطواتها، وصلَ إليها ولم يعد بينهما سوى خطوةً واحدة، توقَّفت تنظرُ إليهِ باشتياقٍ وكأنَّهُ غائبًا منذ سنوات، ارتجفَ جسدها تتمتم: 

-عامل إيه ياحبيبي، دقائقَ وهو ينظرُ إليها دون حديث، هربت حروفهِ وكأنَّهُ لم يدرك نُطقها، دقيقةٌ اثنتان وهو متوقِّفٌ ينظرُ إليها حتى أخرجَ آااه من جوفِ قلبه: 

-استحملتيني السنين دي كلَّها إزاي، إزاي قدرتي تتحمِّلي قساوة قلبي وجحودي عليكي، انسابت عبرةً غادرةً عبر وجنتيهِ يضربُ على صدره:

-قلبي مرحمشِ ضعفك وإنتِ بتترجِّي فيَّا إنِّك تحضنيني، وأنا حيوان ومعرفشِ إنِّي بأذي أقرب الناس لقلبي.. 

شهقةٌ أخرجتها وهي تجذبهُ لأحضانها: 

-متقولشِ كدا ياحبيبي، أنا كنت راضية، واللهِ كنت راضية يابني، إنتَ نور عيوني ياإلياس، عمري ماأزعل منَّك..حاوطَ جسدها وبكى لأوَّلِ مرَّةٍ بشهقاتٍ قائلًا من بين بكائه:

-أنا كرهتِك علشان خُنت ماما غادة، كان دايمًا يجيلي إحساس انِّي بحبِّك أكتر منها، علشان كدا فكَّرت إنِّي بخون امي، وأنا معرفشِ إنِّي بخونك إنتِ ياماما.. 


آااه وآااه من كلمةٍ تعني الكثيرَ من الآلام، كلمةٌ تمنَّتها منذ سنواتٍ أنَّ أحدًا من أولادها ينادونها بها، بكت وهي تضمُّهُ إلى صدرها، لتهوى على الأرضِ وهو يحاصرُ جسدها مع صوتِ بكائها مردِّدةً 

"أحمدك وأشكر فضلك يارب، أحمدك وأشكر فضلك يارب"

ظلت الدموعُ تهطلُ كزخَّاتِ المطر، دموعٌ غسلت قلوبهما من كمِّ الألمِ الذي مرَّا بهما، دموعٌ بسنينِ فراقهما، شدَّدت من عناقهِ خوفًا من الابتعادِ عن أحضانها كأنَّهُ سيهربُ ولن يعود، أخرجت وجههِ وظلَّت تقبِّلُ كلَّ إنشٍ بوجهه..رفعَ كفَّها وقبَّلهُ ثمَّ رفعَ وجههِ إليها: 

-سامحيني ياأمِّي..جذبتهُ لأحضانها مرَّةً أخرى:

-مسامحاك ياحبيبي، عمري ماأزعل منَّك ياإلياس..لم تشعر سوى بالتي تدثَّرت بينهما:

-احضنيني أنا كمان ياماما، علشان ابنك البارد دا محضنِّيش..قالتها ميرال لتخرجَ حزنهما الذي سكنَ بروحهما، ضمَّتها فريدة بذراعٍ وضمَّت إلياس بذراعها الأخرى:

-عمري ما فكَّرت إنِّك تتجوِّزي حدِّ من ولادي ياميرال، تعرفي أوَّل ما مصطفى قال نجوِّزكم كنت زعلانة، اتمنِّيتك ليوسف، مكنتش أعرف إنِّ ربِّنا ربط على قلبي.. 

نهضَ يمسحُ دموعه، وابتعدَ عنهم: 

-كدا يامدام فريدة بكيتيني، ابتسمت تطالعهُ بحب، وحشتني مدام فريدة منَّك ياحبيبي.. 

انحنى يجذبُ كفَّ ميرال: 

-طيب هنروح مشوار، ولازم نقعد مع بعض، كان لازم نقعد من زمان، بس مشوار النهاردة هيحطّ النقط على الحروف، قالها وعينيهِ على ميرال..أومأت له فتحرَّكَ يجذبها وغادرَ المكان...وصلَ بعد قليلٍ أمامَ فيلَّا الشافعي، دلفَ للداخلِ بعدما أخرجَ هويته، دقائقَ وكان بداخلِ البهو، لحظاتٍ وتوقَّفَ راجح ورانيا أمامه، أسرعت رانيا تجذبُ ميرال لأحضانها، إلَّا أنَّها توقَّفت متجمِّدةً كلوحِ الثلج، ضمّّت وجهها: 

-مروة حبيبتي أخيرًا جيتي لماما..ابتعدت عنها وعانقت ذراعَ إلياس ..وزَّعَ نظراتهِ عليهما بشماتة:

-انا جبتلك بنتك أهو ياراجح لحدِّ عندك، علشان تعرف تاخد راحتك بالقضية.. مش عايز ترفع قضية نسب، بنتك معاك أهي، أشارَ إليها: 

-إيه ياروحي مش عايزة تسلِّمي على باباكي؟..

-دي مروة بنتي؟!..


اقتربَ وعلى وجههِ ابتسامةً لعوب ثمَّ غرزَ عينيهِ بعينينِ راجح:

-معاك دلوقتي كلِّ الأسلحة وأنا قدامك أعزل أهو، أشارَ على الفيلَّا بيدهِ وتابع: 

-وهيلمان عيلةِ الشافعي كلُّه تحتِ رجلك، أنا لسة مجتشِ عنده، إنتَ ناسي انا ليَّا مِلك عندك ياراجح..استنكر راجح حديثه قائلًا:

-بس معنديش حاجة من بتاعة أبوك يابنِ جمال..

حكَّ ذقنهِ يدورُ حولهِ وتمتم: 

-أممم، قولت لي ماليش حاجة، طيِّب أومال من أين لكَ هذا ياراجح، إيه كسبت ورقة اليانصيب ولَّا إيه؟..

-عايز إيه يابنِ جمال؟.. 

-روحك ياراجح، بس مش هاخدها بسهولة..


-ميرال صاحَ بها مستديرًا برأسه:

-ردِّي زيارة المدام، واشربي قهوتها..

اقتربت من رانيا وتعمَّقت بالنظرِ إلى عينيها:

-إنتِ والراجل دا أنا مش معترفة بيكم،

معنديش غير أم واحدة بس وهيَّ فريدة السيوفي، وأب واحد وهوَّ جمال عز الدين، أنتوا في نظري ناس واطية سلبوا حقوق ناس بريئة، ابعدوا عنِّي بدل ماأعملُّكم قضية السبِّ في شرفي، 

ولو الدنيا كلَّها فارقتني ومابقاش غيركم مستحيل أقرَّب منكم، ماما أشرف ستِّ في الدنيا، حتى لو أنا بنتكم فليَّا الشرف إنَّها خطفتني وربِّتني، لفَّت إلى إلياس وتابعت حديثها وعينيها تطالعهُ بهيام: 

"والراجل دا أغلى من روحي"ولو حاولتوا تقربوا مني، هحكي كل حاجة يامدام رانيا، وعندنا أدلة كتيرة، توقف إلياس بينهما 

-سواء حاولت تقرب مننا ولا لا، انا هقرب واخد روحك وروح الحيزبونة مراتك، اقتربت ميرال منه 

-طول عمري بمشي براس مرفوعة قدام الكل، ليا حسب ونسب وسيرة طيبة، وربنا انعم عليا بزوج وام يجننوا، مش على اخر الزمن تبقوا انتوا اهلي..دلف طارق يوزع نظراته بينهم متسائلًا:

-ايه اللي بيحصل هنا، تقابلت نظرات ميرال معه، ولم تشعر سوى بتلك الرجفة التي انتابت جسدها، ورغم ذلك اقتربت منه تنظر إليه 

-إنت!! يعني انت ابن الراجل دا، حاول تذكرها لتقترب رانيا تحاول نزع فتيل الغضب بينهما، ولكن قرب إلياس إليها متسائلًا:

-تعرفيها منين ياميرال؟!

لطمة قوية على وجهة طارق، ثم بصقت بوجهه واردفت بتقطع:

-هستنى ايه من أب وأم عديمي الاخلاق إلا أنهم يخطفوا بنت، نظرت باشمئزاز وتراجعت إلى إلياس قائلة:

-خدني من المكان المقرف دا ياالياس،

-يبقى تموتي أحسن يابنتِ راجح ..قالها وهو يُخرجُ سلاحه يتوجَّهُ إليها وأطلق طلقةٍ نارية اخترقت أحدهم

الفصل التاسع عشر من هنا

تعليقات



×