رواية سهم الهوى الفصل الثامن عشر 18 بقلم سعاد محمد سلامه

رواية سهم الهوى الفصل الثامن عشر بقلم سعاد محمد سلامه


بداخل غرفة الاجتماعات، كان الأجتماع بالمساهمين وأعضاء مجلس الإدارة.. الجميع منصتًا بانتباه حين كانت تاج تقدم عرضها بثقة تطرح العديد من الأفكار .. قاطعتها ميسون التي كانت تشعر بالغضب من نظرات الإعجاب التي حصدتها تاج بثقتها ورقي حضورها، فقالت بصوت مشوب بالسخرية:

واضح إنك متمكنة أوي يا تاج، لكن يمكن مش كل القرارات اللي بتاخديها تنفع الشركة.


رفعت تاج رأسها بهدوء ونظرت إلى ميسون مباشرة، بثبات كعادتها، وردت:

أنا باخد قراراتي بعد دراسة جيدة يا ميسون، لو عندك رأي تاني، شاركينا بدل من التلميحات.


ساد الصمت للحظة بين الحاضرين، وبدت ميسون وكأنها تبحث عن زعزعة ثبات تاج إستغلت الفرصة قائلة:

أيوه مشكلة أرض المشروع بتاع مرسي مطروح، واضح هيكلفنا خساير كتير قبل ما نبدأ. 


أجابتها تاج بثقة: 

إطمني المشكلة دي سهل حلها وتقريبًا إتحلت. 


نظرت ميسون بنزق وتسألت بنبرة مفعمة بالتحدي:

وإيه الحل اللي فكرتي فيه؟ عايزين نسمع وجهة نظرك العبقرية يا تاج. 


رفعت تاج عينيها نحوها بثقة رغم بداية شعورها بالدوار، وردت بصوت ثابت:

الحل بسيط، إعادة التفاوض مع البدو هناك وتقسيم المشروع على مراحل لتقليل التكلفة الأولية... وكل ده تم بالفعل، بس هتعرفي التفاصيل في الاجتماع الجاي.


نظرات ميسون اشتدت غيظً وشعرت بالحرج... .

بينما عادت تاج لتكُمل حديثها بتركيز، تاركة خلفها تلميحات ميسون الذي بات واضحًا للجميع أنها مجرد إعترضات واهيه،إنتهي الإجتماع نهض الجميع وبدأوا بالخروج من الغرفة عدا 

جاسر... آسر وميسون كذالك فراس الذي لاحظ ملامح تاج التى بدأ الدوار يشتد برأسها ، شعرت بثقل يُطبق على جسدها... حاولت أن تتماسك، لكنها فقدت تركيزها للحظات، واضطرت إلى الإمساك بحافة الطاولة ثم جلست على المقعد توجه نحوها بلهفه سائلًا:

تاج مالك إنتِ عيانه.. هطلب لك دكتور الشركة. 


همسات بدأت تتصاعد بين جاسر الذي إلتفت نحو تاج سريعًا بخضة ، بينما ميسون جلست في مكانها تراقب المشهد بعينين مليئتين بالبرود وسخرية وغضب جم حين سأل جاسر بلهفة وقلق واضح 

تاج فيك إيه. 


ابتسمت تاج ابتسامة خافتة محاولة تقليل حجم الموقف: 

مافيش حاجة، يمكن عشان نسيت أفطر.


لكن ميسون لم تُصدق ذلك التبرير،بداخلها ربما تاج تتدلل، ظلت عيناها تراقبان كل حركة لـ تاج.. كان هنالك شك تتسلل إلى عقلها، بدأت تربط تلك الأعراض لتستنتج شيئًا ما... جحظت عينيها... نظرت نحو جاسر الملهوف على تلك المُتعالية،لو صدق حدثها...أتكون تاج حاملًا،شعرت بالبُغض الشديد 


بينما تاج شبه عادت لحالتها الطبيعية اقتربت ميسون منها برياء وإدعاء وابتسامة تُخفي الكُره المُبطن ومالت عليها قائلة بصوت منخفض: 

شكلك مرهقة أوي، يا ترى السبب شغل ولا حاجة تانية. 


شعرت تاج بتلك النبرة المبطنة، لكنها ردت بثبات: 

متقلقيش، كل حاجة تحت السيطرة...ده يمكن عشان كنت واخدة أجازة ورجعت.


شعرت ميسون بالغضب ثم نظرت نحو آسر الذي كان مجرد مُتفرج فقالت له بنزق:

تاج بقت كويسه إحنا كمان عندنا شغل،يلا يا آسر.


وافقها آسر وانسحب الإثنين سريعًا  تاركان المجال، تشع عيناها نظرات حاقدة ورؤية تتشكل في ذهنها.


بينما جاسر شعر بغضب قائلًا: 

الدوخه دي مش أول مرة، قومي نروح المستشفى حالًا تعملى فحوصات. 


بصعوبه أقنعت تاج جاسر، كذالك فراس الذي شعر بسعادة من إهتمام جاسر بـصحة تاج. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد الظهيرة

بمكتب ليان كانت كعادتها تجلس خلف مكتبها تشعر بتأفف من تنظم الملفات تُحدث نفسها بضجر 

تفاجئت بتلك التى دخلت بخطوات واثقة كعادتها.. تنظر إليها وبداخلها خِطة ربما تنجح فى تنفيذها وهو تجنيد وإستقطاب تلك الحمقاء لحسابها كما فعلت مع غيرها 

لكن طبعها دائمًا يضغي نظرت بابتسامة ساخرة قائله: 

آه ليان... الموظفه المخلصة لـ فراس بيه دايمًا مشغولة بترتيب الأوراق؟ شكل الشغل هنا مريح جدًا ليكِ. 


رفعت ليان نظرها ببرود وتهكمت بضجر قائلة بتريقه: 

مريح جدًا.. يعني أنا أهو بشتغل بنشاط بس مش عاجب . 


ضحكت ميسون بخفوت فيبدوا أن مهمتها مع تلك الحمقاء ستكون سهله سألتها بخبث: 

ومين اللى مش عاجبه شغلك.؟ انا لو مكانك مسمحش  لحد يهدر تعبي عشان أستمر.


وضعت القلم بعنف على المكتب... لا تعلم سبب شعورها بعدم الأُلفه مع ميسون بعدما تعاملت معها أكثر من مره سابقًا، وتحدثت بنبرة جمود: 

وأنا مش محتاجة دروس من حد. 


تعمدت ميسون الضغط قائلة: 

واضح إن فيه إستلطاف بين المدير والموظفه، مش عيب الحياة فُرص، والشاطر اللى يستغلها صح. 


فى البداية لم تفهم ليان تلميح ميسون لكن تداركت ذلك رفعت رأسها ونظرت بإحتقار لـ ميسون قائلة 

للآسف أنا مش من النوعيه الإنتهازيه فعلا  من اللي النوعيه بيرفعوا راسهم فوق بس عشان شايفين نفسهم،وجواهم عارفين إن محدش بيحترمهم.". 


فهمت ميسون قصد تلك الحمقاء فتعمدت:

ما ألومش فراس لما يفضل يستغلك،طول ما أنتِ مالكيش شخصية، عمره ما يقدر مجهودك. 


وقفت ليان بثبات واجهتها بإستهزاء : 

وأنتِ بتعرفي كتير فى تحليل الشخصيات..مدام ميسون، أكيد إنتِ مش جايه هنا عشان تديني نصايح 


مالت ميسون عليها تبتسم بسخرية وهمست: خلي بالك، الدنيا دي ما بترحمش ضعاف الشخصية. 


تعمدت ميسون قول ذلك ثم غادرت المكتب بخطواتها الهادئة،تشعر بغضب ربما أخطأت وظنت تلك الحمقاء سهلة المنال،لكن ربما اخذ بعض من الحذر كبداية لضمها لصفها.. ، بينما ليان تشد قبضتها وتحاول التماسك، وداخلها 

إزدراء لـ ميسون وإستهزأت قائلة:

مفكرة نفسها فوق الجميع هنا.


زفرت نفسها بغضب وجلست تستكمل بقية عملها وهي تشعر بإرهاق وتتثائب. 


بينما بداخل المكتب كان فراس يُراقب ذلك عبر حاسوبه الشخصي شعر بغبطة من طريقة ردود تلك الكسولة ليزداد إعجابه بها. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالمزرعة 

مساءًا

حسمت تاج قرارها لابد أن تقطع الشك باليقين، قامت بإجراء إختبار الحمل المنزلي

في تلك اللحظة التي شعرت فيها تاج أن الأفكار تحاصرها كالطوق، قررت أن تواجه الحقيقة بلا تردد. أمسكت باختبار الحمل المنزلي بين يديها، نظرت إليه بتردد قبل أن تتجه نحو الحمام.


كانت أنفاسها تتسارع، وكآن الوقت يسير ببطئ حتى بدا صوت نبضات قلبها أعلى من صوت الماء الذي تدفق من الصنبور.. وقفت للحظة، تتأمل نفسها في المرآة، تبحث عن علامات قد تخبرها بالإجابة قبل أن تظهر نتيجة الاختبار.


لحظات الانتظار مرت، وفي أعماقها كانت تدور معركة بين الأمل والخوف. أخيرًا، حملت الاختبار، نظرت إلى النتيجة ببطء شديد، وكانت كما توقعت ...همست بخفوت قائله: 

حامل!. 

وضعت يدها فوق بطنها، مشاعر مُختلطة

...غمرتها، بين الفرحة الممزوجة بالرهبة دون سبب، شعرت بقوة غريبة تندفع داخلها، كيانًا جديدًا بدأ يتشكل بالتأكيد سيُغير حياتها مع جاسر، تحسست بطنها بلمسات خفيفة

ولحظات من السكون ، تُفكر بطريقة مُميزة تُخبر بها جاسر بذلك،وشوق لمعرفة ردة فعله،لكن إختفت بسمتها وتذكرت كيف تقبل أنها كانت لا تزال عذراء ببرود دون تعقيب منه،توقفت يدها عن التحسس على بطنها، شعرت بثقل القرار... ماذا لو استقبل الخبر بنفس البرود؟،والحِيرة تسبح بعقلها 

كآنها سحابة ثقيلة قد تحجب ضوء الفرحة التي شعرت بها للحظة. همست لنفسها بتمني تحاول طمأنة قلبها:

لاء الأمر مختلف... يمكن المرة دي تكون ردة فعله مختلفه..رغم تلك الحِيرة هناك شوق خفي يدفعها لتجربة إخبار جاسر، لتختبر حبه لها، وللجنين الذي ينموبداخلهما.. في أعماقها تشعر بنبض جديد، نبض حياة لا يشبه أي شيء آخر. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أثناء عودة جاسر يقود سيارته على الطريق لاحظ جاسر انعكاسًا غريبًا في مرآة سيارته الجانبية... حاول أن يتجاهل الإحساس بالقلق الذي بدأ يراوده،ليست المرة الأولى الذي يلاحظ فيها تلك السيارة، لكن لم يعطي لذلك إهتمام، الى ان بدأت تلك السيارة تقترب منه وإحتكت أكثر من مرة مع سيارته وفى البداية تفاجئ فلم ينتبه ولم يأخذ حذره سُرعان ما إنتبه وراوغ السيارة الأخري الى نهاية الطريق فإنفصلا السياراتان كل منهما بإتجاة آخر بعيد، إستغرب جاسر ذلك، لكن نفض عن رأسه وأكمل إستكمال طريقه. 


بـ فرنسا 

عبر الهاتف وصلتها صور لـ جاسر وتاج وهما يدخلان معّا الى مبني الشركه شعرت بالغضب والبُغض..القت الهاتف على طول ذراعها تهمس بتوعد:

لن أتركك تهنأ مع تلك الحقيرة جاسر،مثلما رفعتك عاليًا سأخسف بك الى الأرض. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بشقة والدة آسر

كان يقف خلف زجاج تلك الشُرفة، عيناه تحدقان في الأفق البعيد  كما لو كان يهرب من المواقف التي يجد نفسه محاصرًا فيها...

فاق من ذلك التحديق على صوت أمينه التى وضعت تلك الصنية على الطاولة ثم جلست على الأريكة، لحظات تراقب تصرفاته...لكن تنحنحت بعد لحظات،فإنتبه،ترك الستاىر ثم نظر نحوها لحظات من الصمت بينهما تزداد ثقلًا، وكآن الكلمات التي يفكر فيها بها عالقة في الهواء

حدث نفسه بصوت منخفض، وهو يتنفس بعمق: 

مفيش حاجة تقدر تغير اللي حصل... لكن إزاي أقدر أواجه اللى جاي


وأمينة تراقب عن كثب، وهي تشعر بالقلق من صمته اليوم عكس طبيعته،.. وقف بهدوء وكتقترب منه، تحاول كسر الصمت بهدوء محاولة أن تُخفف من توتره:. 

آسر... لو في حاجة مضايقاك، أنا ملاحظة إنك ساكت. 


نظر إليها بسرعة، يود أن يجد في عينيها لمحة من الفهم، لكنه لا يستطيع أن يتحدث.. يلفت نظره كيف أن ابتسامتها التي تظهر بين الحين والآخر هي نوع من الطمأنينة التي لا يمكنه الهروب منها، لكنه مازال يشعر بأن هناك حاجزًا بينهما.

حاول إخفاء التوتر قائلًا: 

أنتِ عارفة أنا فى وقت مكنتش قادر أفهم حاجات كتير دلوقتي، الأمور مش واضحة قدامي.


آمينة تقترب أكثر، الى أن وقفت بجواره ، وبتردُد منها وضعت يدها برفق على ذراعه.


تفاجئ من ذلك نظر لها بابتسامة صغيرة، لكن عينها تحمل بريقًا من الحزن ثم تحدثت بعقلانية! 

مفيش حاجة واضحة لأى حد فى جميع أوقات، لكن لو مكنتش لوحدك، يمكن تتقدر تتجاوز ده.


أغلق عينيه للحظة، ثم فتحهما ينظر إليها بابتسامة ضعيفة قائلًا بنبرة ضياع: 

مش عارف لو كنت قادر أفتح قلبي لأي حد، بس يمكن معاكِ...


نظرت له أمينه برقة، وأنزلت يدها قائلة:.

كلنا بيمُر علينا وقت بنحتاج نوقف واقفه مع نفسنا، عشان نفهم. 


تنهد وهو يتوجه نحو تلك الآريكة في الغرفة،جلس يشعر بأنه لا يستطيع البقاء في مكان واحد، والقلق يتسارع في صدره.

تفوه بصوت منخفض، وكأنه يتحدث لنفسه* مش عارف إذا كان ده هو الصح أو غلط... بس أنا مش قادر أتوقف.


إقتربت أمينه وجلست لجواره تنظر إليه بعينين مليئتين بالثقه آسر، بينما آسر يشعر بأنه مثل المُقسم جزء منه يُريد أن يثور ويحذف الماضي الذي جعل منه مُتخاذل ومُتقبل بلا إعتراض، وجزء مُستسلم بعدما فقد الثقة فى أقرب إنسانه له كانت تُمثل له كل شئ بعد وفاة والده وهو طفل صغير، منظر مازال عالقًا برأسه والدته بحضن عمه، عمه الذي كانت معاملته له كآنه لقيط يتفضل عليه، لا صاحب حق بعدما قام بالسطو على ممتلكات والدهُ بصفته كان وصيًا عليه، ذكريات مؤثرة صنعت منه شخص يستسلم بلا إعتراض، حتى ميسون لم يكُن يرغب بها فرضها عليه عمه كذالك زواج أمينه بتلك الفترة كآن القدر يُعاقبه على صمته... لكن الى متي سيظل صامتً بعيدًا عن المواجهه وفرض إرادته... وثقته بمن حوله شبة معدومة... يخشي ان ينتفض فيجد السراب. 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

بالمزرعة ليلًا... فتح جاسر عيناه ونظر الى جواره كانت تاج نائمة ملامحها تبدوا مُرهقه، حتى وقت عودته كانت نائمة لم يشأ أن يُقيظها... تذكر وجودها جواره كان أمنية ببعض الأوقات كان يشعر باليأس من ذلك بالأخص بعدما تزوجت من آسر ظن أن يتملك آسر من قلبها بعدما رفضت سماعه بعد رؤيتها له يتزوج كآنها هي الأخري إستسلمت للقدر وأن كل منهما سار بطريق بعيد عن الآخر لكن صُدفه علم أنها تطلقت بعد عام من زواجها من آسر وآسر عاد لخطيبته.. تاج أصبحت حُره تفرغت لإدارة الأعمال.. كان بداخله تردُد فى العودة والإقتراب منها، ربما كان يخشي أن يجد الضياع كالمرتين السابقتين... ظل تائهًا بعالم يجني منه المال والشُهرة بمجال الإعلانات وسباقات الخيل، وصل أن فاز بالمركز الأول بأشهر سباقات الفروسية وذاع سيطه، لكن ظل مروضًا بمزرعة مانويل... تذكر ذلك السباق الذي كان قبل أشهُر والسبب فى إتخاذ قرار حاسم بالعودة والمواجهه مع تاج... 

[لندن قبل عِدة أشهُر] 

كان متواجدًا هناك للمُشاركة بأحد سباقات الخيل الشهيرة، كذالك تصوير إعلان، كانت روزالينا تحاول إستقطابه للعودة إليها، فهو لم يكُن نزوة بحياتها وحين تقضي معه ليلة ينتهي شغفها به، بل ليلة معه جعلتها تواقه للمزيد، لكن إصراره على الرفض جعلها تستسلم وتظل صديقة مُقربه هكذا ظنت أو تقبلت على أمل واهي ،فهي لا تشغل أي حيز لديه،سوا أنها كانت خطأ فادح أضاع تاج التي ذهبت له ولم يعلم السبب فلم يتحدثا بعدها،رغم محاولته الإتصال عليها لكن كانت تتجاهل الرد عليه،وهي الأخرى ظنت أن هكذا إنتهى حُبهما بطريقة قدرية،زواجها من آسر كان فى نطاق صفقة بينهما من أجل الميراث فقط بلا أي مشاعر من ناحية تاج فهي ضمت وجع العشق بقلبها، وحاولت التغلُب عليه بسطوة سيدة الاعمال الناجحة. 


إنتهي سباق الفروسية بـ لندن شارك فيه جاسر وإنتهى بأنه الفارس الأول، لكن لا سعادة فى ذلك أصبح شيئًا إعتياديًا، قرر البقاء فى لندن ليومين فقط من أجل الراحة... بأحد الفنادق الكُبرى التى لم يكن يومً يتوقع حتى العمل بها كنادل أصبح من زوارها، بالإستقبال وضع البطاقة الخاصه بغرفته وخرج دون هدف فقط يتجول، دخل الى ذلك المقهى الكبير، جلس يحتسي قهوته ببطء بينما يراقب حركة الشارع عبر الزجاج لم يكن هناك شيء لافت حتى لاحت أمامه صورة مألوفة، فتوقف عن خفض بصره وتمعن أكثر.. لم يكن خيالًا... إنها تاج، تسير بخطواتها الواثقة... لكن من ذلك الذي يُرافقها؟ تبتسم وهي تتحدث إليه، وهو يمسك يدها. 


نطق اسمه بصوت مشحون بالغضب والغِيرة: "خليل..."

كآنه يسكب النار على قلبه لا يستطيع أن يصدق أنه يراها مع خليل، الذي كان له دور كبير في حياتها سابقًا، لم يستطيع إخفاء انزعاجه.. 

نهض سريعًا، وضع النقود على الطاولة دون أن ينظر إلى النادل، واندفع خارجًا... مشاعر مختلطة في قلبه... ... تأخر... السيارة انطلقت بهما بعيدًا، تاركة خلفها غبارًا وغصة تختنق في صدره وقف في مكانه، يشعر بغضب عارم يشتعل كاللهب، لكنه عاجز عن التحرك... 

ظل واقفًا يُراقب السيارة وهي تختفي عن ناظريه، تسلل إلى صدره شعور آخر... لا، لم يكن مجرد غضب؛ كان إحساسًا بالإشتياق والمرارة... تنهد قويًا وإتخذ قرار

كفى. 

قالها بينه وبين نفسه، بنبرة صارمة كمن يعلن حربًا على تردده.


استدار بسرعة، وعاد بخطوات ثقيلة نحو الفندق... دلف الى غرفته تمدد على الفراش يُعيد طيفها،حسم قراره 

لم يعد داعي للانتظار أو بالتردد. قرر أن يعود... ليس فقط إلى المواجهة، ولكن إلى كل ما تركه خلفه، سواء كان ماضيه الذي حاول نسيانه أو حاضره الذي يسير بخطى باردة

لن يسمح بالضياع بعد الآن، مهما كانت العواقب لديه هدف الوصل بينه وبين تاج.. 


حقًا كان هنالك عواقب تخطاها وها هي كما تمني أن يفتح عيناه فيجدها جواره، جذبها يضمها لصدره، لوهله فتحت عينيها وتبسمت وهمست إسمه برِقة ثم أغمضت عينيها... قبل جبينها يضمها بتملُك هامسًا: 

حبيبتي. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باليوم التالي 

ظهرًا 

إتصال بين تاج وفايا أخبرتها عن مُشاغبات جديدة بالموقع وعليهما وضع حد فاصل، بالفعل أغلقت تاج الهاتف، قامت بإتصال ثم خرجت من الغرفة ذهبت نحو مكتب آسر دخلت مباشرةً تنهدت حين وجدته وحده تحدثت إليه: 

فى مشكلة فى موقع المشروع وبما إنك صاحب تاني أكبر نسبة المفروض تجي معايا مطروح لازم يكون فى واقفه حاسمه مننا. 


نهض آسر قائلًا: 

تمام. 


تنهدت قائلة: 

أنا اتصلت عالمطار وحجزت تلات تذاكر سفر لـ إسكندرية الطيارة هتقوم كمان ساعة بالظبط. 


سألها بإستخبار: 

مين الشخص التالت اللى هيكون معانا... جاسر. 


أجابته: 

لاء... أونكل خليل أنا إتصلت عليه هو سبق وإتفاوض معاهم، خلينا نلحق الطيارة. 


بالفعل غادرا معًا، لمحتهما ميسون من بعيد فإنسر قلبها. 

...... ـــــــــــــــــــــــــــــ

عصرًا 

ذهب جاسر الى الشركة للإطمئنان على تاج، دخل الى مكتبها كان خاليًا سأل السكرتيرة عنها وقبل أن تجاوبه جاوبته ميسون وهي تدعي البراءة المُبطنة، أنا كمان بسأل عن آسر إكتشفت بالصدفة إن هو وتاج سافروا مع بعض. 


اصابت تلك الوصولية الهدف، وإنطلق السهم وصل الى عقل جاسر شعر بغضب عارم، لم تُخفيه ملامحه التى تغضنت بوضوح، وسأل: 

سافروا فين؟. 


أجابته بنبرة خبيثة:. 

اللى عرفته إنهم سافروا إسكندرية، مش أول مره يسافروا مع بعض كده بدون ما يقولوا. 


نظر لها جاسر بغضب وتركها مُغادرًا يشتطاط، فتح هاتفه وقام بإتصال بشركة الطيران حجز تذكرة على طائرة المسا، وبداخله يتصاعد الغضب. 


بعد ساعات ببهو ذلك الفندق الذي علم بمكوث تاج به، قبل أن يذهب الى الإستقبال تقابل مع خليل و آسر ببهو الفندق، شعر خليل بالتوتر والدهشة عندما رأى جاسر في بهو الفندق،  لم يكن يتوقع حضوره.. حاول خليل الحفاظ على هدوئه وتصرف بشكل طبيعي، لكنه لم يستطع إخفاء نظرة القلق التي ارتسمت على وجهه.. بالنسبة لـ آسر، بدا أكثر هدوءً ، غير مستوعب ملامح جاسر التى إزدادت تجهمً حين رأي تاج تقترب منهم،لكن للحظة

حين رأته تاج توقفت تشعر بـ الارتباك والتردد، كآن الزمن توقف للحظة بين نظراتها المرتبكة ونظرة جاسر التي اشتعلت بالغضب واللوم.. شعرت تاج بثقل الموقف، خاصة مع وجود خليل وآسر، مما جعلها تعجز عن التقدم أو التراجع.. كان قلبها يخفق بشدة وهي تلتقط الأنفاس بصعوبة، محاولة الثبات، ارتسمت على وجهها ملامح الحيرة والدهشة


بينما جاسر لم يُحرّك ساكنًا، لكنه لم يُزل نظراته الحادة عنها، وكأنه يطالبها بتفسير لما يحدث، في حين حاول خليل تهدئة الموقف بابتسامة بسيطة، قائلًا بصوت محايد:

كويس إن جاسر جه هو كمان يبقى حاضر معانا وإحنا بنتفاوض مع البدو. 


شعرت بتيار بارد يسري في أوصالها عند سماع كلمات خليل، حاولت أن تستعيد توازنها، لكنها لم تستطع تفادي نظرات جاسر التي بدت وكأنها تخترق أعماقها، تطالبها بالإجابة على أسئلة لم تُطرح بعد.


بينما جاسر، حافظ على صمته، ضغط على فكه بقوة وكأنه يُحارب الكلمات التي ترغب في الانفلات من بين شفتيه. أخيرًا، قال بلهجة باردة ومقتضبة:

تفاوض إيه؟. 


تجاهل آسر التعليق وحاول تغيير دفة الحديث بلطف مصطنع:

"طيب ما دام كلنا هنا، بلاش نتأخر على اللقاء. 


أومأت تاج موافقه كذالك جاسر أرجأ غضبه لفيما بعد. 


بعد قليل، بخيمة شيخ إحد العشائر البدوية، كان لقاء ودي للتفاوض، كان هنالك بعض من الإعتراضات، حاول خليل التلطيف، كذالك تحدثت تاج بثقة: 

المشروع بتاعنا مش هيهدد أمن عشيرتكم بالعكس المشروع هدفه الاول يستقطب السياحة بالتالي السُياح هيجوا هنا للسياحه ويتعرفوا على موروث المنطقه ويستمتعوا بالمناظر وده هيزود الشغل بالمنطقه وكمان فرصه لعرض منتجات البدو على السُياح وهيزود الدخل، يعني أنتم أول المستفيدين من المشروع، لكن بالمشاغبات اللى بتحصل بتوقفوا فرصة كبيره الكل هيستفاد منها، وفى الآخر القرار لكم، الشركة عندها صلاحيات من الحكومة كشركة إستثمارات عقارية ومش هتتنازل عن الأرض ومش صعب إننا نجيب حراسه خاصه عالموقع غير حماية الشرطة لاننا شغالين قانوني مش بوضع اليد، وانا واثقه أنكم هتختاروا الحل اللى فى صالحكم. 


عقل ذلك الشيخ حديث تاج فهي تحدثت بثقه وبنبرة مُبطنة بالتحدي، رغم كونها امرأة لكن كانت شجاعة بحديثها، نظر حوله ثم قال: 

تمام هنتشاورا مع بعض وهنعطيكم قرار باكر. 


نظر خليل لـ تاج وتبسم بمؤازرة فتبسمت له لكن سُرعان ما زالت بسمتها حين تلاقت عينيها مع عيني جاسر الذي رغم إعجابه بشجاعتها لكن مازال غاضبًا.


بعد وقت 

بمجرد أن دخلا الى الجناح، أغلق الباب بقوة لوهله إنخضت تاج من ذلك وإستدارت تنظر له، وقبل أن تتفوه شهقت حين جذبها من خصرها يضمها لصدره وقبل أن تُعطي رد فِعل كان يلتهم شفتيها بقُبلات قوية يُعززها شعوره بالغِيرة من سفرها مع آسر وحدهما دون إخباره بذلك 

حقًا يعلم أن الذي يجمعهم هو العمل فقط لكن فِكرة سفرها معه وحدها كفيله بسلب عقله، 

ظل يُقبلها بنهم وهي لوهله إنسحب عقلها من المفاجأة لكن شعرت بخشونة قُبلاته، رفعت يديها كى تدفعه عنها، لكن سيطر على إحد يديها يضمها أسفل ذراعه والأخرى ضمها بقبضة يده ظل يُقبلها ويُقبلها الى أن شعر بضيق تنفسها، ترك شِفاها يُقبل وجنتيها نزولًا الى عُنقها يُقبله بضراوة تملُك، إمتدت يده على سِحاب فستانها فتحه ثم أزاح طرفيه عن كتفيها ينسدل من على جسدها أسفل قدميها 

رفعها بين يديه يدهس على ذلك الفستان يُزيل باقي ثيابها عن جسدها يوشم جسدها ببصمات يديه يؤكد لنفسه أنها مِلكهُ فقط، بخياله يشعر بالغِيرة من كل العيون التي تنظر لها بإعجاب ليس بجمالها الافت كذالك بذكاء عقلها، هو من يمتلك كل ذلك 


بينما هي كآنها نسيت شِجارهُ معها وتعنيفه بالقول، تشعر بخشونة لمساته وقُبلاته، ليس هذا أول مره هو ذو عنفوان فى لمساته لكن بدرجة مقبولة تستطيع مُجاراة شغفهُ بها،يستطيع إخراج الأنثى الناعمة الكامنة بداخلها ، هي معه تشعر بأنها إمرأة حقًا،ليست تلك التى تُخفي أنوثتها الرقيقة خلف رداء سيدة الأعمال الصارمة، عشقته بكل جوارحها، عِشق طفولتها وصِباها، وبقية عمرها 

هو الوحيد الذي إمتلكها قلبً وروحً وجسد، تطفوا معه بين مروج ربيعية تُزهر قلبيهم، لحظات غائبين عن كل الوجود هما فقط ، ذابا فى نهرين من العسل يمتزجان بمذاق الغرام. 


بعد تلك اللحظات جذب تاج على صدره يشعر بأنامل يدها تتلمس بنعومة حول عُنقه، نظر لملامح وجهها وقبل جبينها يضمها بين يديه كآنهما قيد حِماية أو بالأحق تملُك، بسبب الإرهاق غفت على صدره، وهو الآخر غفى بهدوء.... 


إستيقظ بعد ساعات قليله مازال يُقيد جسدها بجسده، نظر الى تلك البُقع الداكنة حول عُنقها وصدرها ويديها، لام نفسه على ذلك العنفوان الذي يُسيطر عليه وهو معها، هي فقط تُشعل الغرام من أعماقهُ... 

ضمها يُحارب عقله تلك الذكريات المؤلمة وخذلانه السابق، هي له فقط غفي مره أخري، كآن عقله كان السبب حين وسوس لقلبه أن ما عاشه معها قببة قليل كان حِلمً... فتح عينيه يتأكد أنه واقع، تنهد يعترف قلبه وعقله

أنت عاشق ومُغرم غرامها مثل الشُريان يسير بجسدك... ضمها أقوي بين يديه وعاود الغفيان


صباحً

تمطئت بيدها تشعر ببعض الآلم الطفيف بجسدها،فتحت عينيها حين شعرت بذاك الملمس الناعم أسفل يدها، كما توقعت 

مثلما كان فى الماضي يضع لها كُل صباح زهرة بشُرفة غرفتها، جذبت الوردة وإعتدلت جالسة تحيط جسدها بشرشف الفراش، تستنشق عبق تلك الزهرة، تستمتع برحيقها، رفعت رأسها حين سمعت صوت فتح باب الشُرفه نظرت نحوه تبسمت، كذالك هو تبسم وهو يقترب من الفراش يجلس جوارها على الفراش يُقبل وجنتها وتحدث أولًا: 

صباح الخير. 


ببسمة مُشرقة وهي تشير بالزهرة نحو وجهه ثم تستنشق عبقها بإنتعاش ونبرة دلال: 

صباح الورد. 


إبتسم وضمها، إستمتعت بضمته قائله: 

واضح إنك صاحي رايق، عكس إمبارح كنت... 


قبل أن تنتهي من حديثها ضم وجهها بين يديه يُقبلها برِقة وشغف تجاوبت معه بلحظات غرام 

بعد قليل نهض من فوق الفراش يحملها بين يديه طوقت عُنقهُ بيديها سائله بدلال: 

هنروح فين؟. 


قبل وجنتها قائلًا: 

هناخد شاور وبعدها مفاجأة.


لمعت عينيها بعشق ابتسمت تشعر بسعادة... وهي تتكئ برأسها على صدره الذي ينبض بعشقها. 


بعد قليل،عبر مرسي السُفن كانت تسير لجواره يدها بقبضة يدهُ،تنتعش روحيهما من تلك النسمات الشبة دافئه..

توقف أمام أحد اليخوت،ثم ترك يدها وصعد اليه،ثم مد يده لها قائلًا:

خلينا نرمي كل شئ ورانا،أنا وإنتِ وبس.


لم تُفكر وهي تمد يدها له تصعد على متن ذلك اليخت،جذبها يضُمها يستمتعان بنسمات هواء الأمواج الشبة دافئة... أو ربما منبع ذلك الدفئ هو إلتحامهما معًا وهي تقف بين يديه يضمها لصدره يُقبل عُنقها وهي تنظر الى تلك الطيور التي تطير فوق مياة البحر. 

همست بتنهيد: 

حُره. 


لم يفهم مغزي همسها وسألها: 

إيه اللى حُره. 


مازالت تنظر لتلك الطيور تحوم حول بعضها وأجابته: 

الطيور حُره، رغم إنها في صراع مع الوقت ومع بعضها. 


نظر نحو الطيور قائلًا: 

الحُرية إحساس داخلي، قبل ما يكون مُكتسب. 


أومأت له بتوافق قائله: 

كان نفسي أبقى حُره وأعيش زي الطيور دي. 


ضمها بتملُك قائلًا: 

إنتِ إمرأة الجاسر أنا معنديش رفاهية الإختيار. 


تفوهت بسؤال: 

وهي الحريه عندك رفاهية... 


قبل أن يُجبها إستدارت بجسدها تنظر لوجهه وبمفاجئة سألته: 

إنت لسه بتحبني يا جاسر؟.

الفصل التاسع عشر من هنا

تعليقات



×