رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السادس عشر 16 بقلم شمس بكري


رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السادس عشر 

لقلبٍ مُظلم أتيْت أنتَ تُزيل عتمته...لطريقٍ مُوحش وحدكَ فقط أنَرت ظُلمته.

____________________


إن كان في صدف الزمان ما يطيب النفس فهو في رؤية عيناكِ عزيزتي، تلك العدسة الصغيرة تُعد وطنًا كاملًا لشخصٌ مثلي مشردٌ لن تقبله الأوطان ...و بعد السير وحيدًا في الظلام ...صادفتُ جنة عيناكِ ليصبح ذاك المُشرد مُحاطٌ بالأمان، مثلي من ذاق قسوة الفراق و أتعبه ألم الأشتياق؛ يود فقط مدينة حدودها ذراعين تحتويه في عِناق.


_"ست فردوس !!"

قالها «حسن» بدهشة حينما رآى والدة زوجته السابقة تقف أمامه تطالعه بحنقٍ و كأنها بذلك تبدأ هجومها عليه، أما هو فازدرد لُعابه بخوفٍ و هو يطالعها بترقبٍ فوجدها تبتسم بتهكمٍ و هي تقول:

"إيه يا أستاذ حسن مش هتدخلني ولا إيه ؟ و لا العروسة الجديدة مانعة دخول حد شقتها"


استمعت «هدير» لصوتها لذلك قطبت جبينها و هي تترك الأريكة و تتوجه نحو مصدر الصوت، و حينما اقتربت منهما، وجدتها تقول بضيقٍ حينما رآتها:

"يا آهلًا بالعروسة، لابسة أسود ليه يا حلوة دا حتى فال مش كويس"


نظرت لها «هدير» باستنكارٍ واضح و هي تحرك رأسها باستفهامٍ تطالع «حسن» الذي وقف بملامح وجه واجمة، فوجدتها تقول بسخريةٍ مُتهكمة:

"إيه يا عروسة هو أنتِ متعرفنيش ولا إيه؟ البيه مقالكيش إنه كان متجوز و أنا كنت حماته... حماته اللي كان السبب في موت بنتها و قهرني عليها طول العمر"


اتسعت مقتليها حينما سمعت تلك الجملة و هي تنظر له باندهاش فوجدته يقترب من «فردوس» و هو يقول منفعلًا:

"يمين بالله لو ما بطلتي كلامك الخايب دا لأخليكي تحصلي بنتك"


_"و هو أنتَ عاوز تحرمني منها و تقهرني عليها و تعيش حياتك و تتجوز كمان، إيه بتقتل القتيل و تمشي في جنازته"

صرخت «فردوس» في وجهه بذلك و هي تطالعه بغلٍ واضح، أما «هدير» فلم تشعر سوى بالدموع التي أغرقت وجهها في ثوانٍ، فسمعت «حسن» يقول صاررًا على أسنانه بقوة:

"أنتِ شكلك كدا بنتك وحشتك و أنا ميهونش عليا كدا، و بقول ابعتك ليها و تبقى الجثة جثتين"


طالعته «هدير» بدهشة و هي تسمعه يتحدث بذلك، فوجد «فردوس» تقول بنبرةٍ متشفية:

"الجثة التانية دي هتبقى جثة العروسة، لما تموت و قلبك يتقهر عليها، و أنا بقى اللي هموتها"

قالت جملتها ثم اندفعت بجسدها نحو «هدير» تحاول الامساك بها و لكن يد «حسن» حالت بينهن حتى يمنعها من الاقتراب و هي تصرخ بعدة كلمات حانقة عليهما، في تلك اللحظة شعرت «هدير» بالاختناق و كأن حجرًا عالقًا في حلقها لذلك رفعت كفيها معًا تدلك عنقها بشدة و هي تشعر بالتقيؤ و كأنها تصارع شخصًا آخرًا بداخلها و مع ارتفاع الصوت حولها و زيادة اختناقها و هي ترى «فردوس» تصارع «حسن» حتى تصل إليها سعلت بقوة و كأنها غريقًا خرج من البحر لتوه، و فجأة سقطت مغشيةً عليها بقوة متصادمة في الأرض الرخامية أسفلها، أما «حسن» حينما سمع تلك الاصطدامة، دفع «فردوس» بعيدًا ثم اقترب منها يقول بخوفٍ حقيقي اتضح في نبرته و ملامحه:

"هــديـر....فوقي علشان خاطري، فوقي و متسبنيش"


كان يتحدث و هو يهزها برفقٍ و كف يده يضربها على وجنتها و هو يحدثها متوسلًا حتى تفيق من تلك الدوامة السوداء، أما «فردوس» فوقفت تراقبه بخوفٍ وهي ترى حالته و خوفه على تلك الملقاة أمامها.

_____________________


في بيت آلـ الرشيد فوق سطح البيت خرجت «عبلة» من بين ذراعي «وليد» تطالعه بعتابٍ واضح التقطه هو على الفور لذلك رفع كفه يضعه على إحدى وجنتيها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"بلاش تعيطي علشان أنا مبحبش حد يعيط قصادي، و أنتِ مش حد يا عبلة أنتِ دنيتي كلها، أنا أصعب ما عليا هو دموعك و بالذات لو أنا السبب فيهم"


_"بس أنتَ المرة دي تعبتني يا وليد، أنتِ سبتني و أنتَ عارف إن وجودك بيقويني، كنت عارف أني زعلانة من غيرك و برضه كملت في بُعدك عني"

تفوهت بذلك بنبرةٍ معاتبة و الدموع تسيل على وجنتيها، فوجدته يضيف بنبرةٍ محبة ظهرت بها عاطفته:

"و الله العظيم غصب عني، كل اللي عملته كان علشانك أنتِ، أنا عمري ما قدرت أشوف حد محتاج مساعدة و ابعد عنه، و أنا كان لازم أخد خطوة علشانك، كان لازم أحجم خوفي علشان ميدخلش بيننا، عبلة أنا روحت لهناء علشانك أنتِ، علشان تفضلي معايا علطول، عبلة أنا بحبك"


طالعته هي بحبٍ لم يخفى عليه حينما أمعن النظر في مقلتيها فأضاف من جديد:


"حبك هو اللي بيحركني يا عبلة، لما اصريت اتعالج من الادمان كان السبب هو أنتِ علشان أكون معاكي علطول، و لما اشتغلت مع طارق و وئام كان برضه علشانك، وجودك كان دايمًا الأمل ليا في إن اللي زيي ينفع يتقبل بعيوبه عادي، يعلم ربنا اللي خلى قلبي ميدقش غير ليكي أنتِ و بس إن محدش في الدنيا شاف ضعفي و قلة حيلتي غيرك، لو لكل قاعدة استثناء....فمرحبًا بيكي الاستثناء الوحيد في القلب"


ابتسمت باتساع ثم احتضنته من جديد بحب و هي تقول بنبرةٍ مختنقة من إثر مشاعرها المتداخلة مع بعضها:

"و أنا و اللّٰه قبلاك زي ما أنتَ، بعيوبك قبل مميزاتك، الحب يا وليد هو إنك تقبل اللي قدامك بكل ما فيه الوحش قبل الحلو، و أنا عيوني مش شايفة فيك عيوب، علشان كدا كنت زعلانة إنك بتبعد عني و أنتَ عارف أني بحبك و مش محتاجة اثبات"


ابتسم هو باتساع و هو يشدد عناقه لها ثم قال بهدوء بعدما أبعدها عنه ينظر في عينيها:

"حقك عليا علشان زعلتك، بس لو ليا غلاوة عندك عاوز أطلب منك طلب يا عبلة"


نظرت له باستفسار تطلب منه الاسترسال في حديثه فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم قال:

"مهما حصل بيننا و مهما زعلتك أوعي في يوم تدخلي تامر عاشور بيننا"


ضحكت بقوة بعدما استمعت لجملته الأخيرة التي خرجت بطريقةٍ جادة لا توحي بالمزاح، أما هو فضحك هو الآخر على ضحكتها ثم أضاف بسخرية و لازالت نبرته ضاحكة:

"بكلمك بجد و الله، الراجل عنده أغاني فراق تخلي المتصالحين يزعلوا مع بعض، أنا خوفت أسيبك أكتر من كدا مع أغانيه توصل للطلاق"


ردت عليه هي بحنقٍ زائف يشوبه بعض التوعد و التهديد:

"هو كدا بقى، كل ما تنكد عليا هسمعك تامر عاشور علشان تتربى من جديد و تبطل تزعلني و تقلل من حبي ليك"


حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء ظهرت به العاطفة:

"عمري ما أقلل من حبك ليا، علشان حبك دا هو السبب اللي مخليني عايش، و لو أنا نكرت فضله عليا ابقى بتجاحد على النعمة، و أنتِ وجودك نعمة يا عبلة"


ابتسمت باتساع ثم قالت بمرحٍ:

"تصدق و الله لو كنت زعلانة أصلًا بعد كلامك دا أنا مسحت الايام اللي فاتت بأستيكة، بس نفسي نعيش أنا و أنتَ من غير مشاكل يا وليد، مش عاوزة أحس إنك بترمي نفسك في أي مشكلة، عاوزاك تفكر في نفسك يا وليد، عاوزاك توعدني إنك تحافظ على نفسك علشاني....وعد ؟"


أومأ لها موافقًا و قبل أن يرد عليها صدح صوت هاتفه، أخرجه هو و حينما رآى رقم «حسن» رد عليه بسرعة كبيرة فوصله صوته و هو يقول بنبرةٍ شبه باكية:

"الحقني يا وليد، هدير أغمى عليها و مش بترد عليا هات دكتور و تعالى بسرعة"


ذُهِل «وليد» حينما سمعه لذلك أغلق الهاتف ثم قال لها معتذرًا:

"معلش يا عبلة أنا لازم أمشي دلوقتي علشان حسن عاوزني ضروري، انزلي أنتِ الشقة و أنا هعدي عليكي"


نظرت له بيأسٍ و لم ترد فوجدته يقترب منها يقبل قمة رأسها ثم تركها راكضًا نحو المصعد.

____________________


في الأسفل في شقة «محمد» كانت الدهشة تحتل الجلسة و ملامح الجميع بعدما أدلىٰ «عبده» بمطلبه أمام الجميع، عدا «طارق» الذي التفت ينظر لها رافعًا أحد حاجبيه بحنقٍ فوجدها تزدرد لُعابها بخوفٍ حقيقي، و في تلك اللحظة حنيما لاحظ «عبده» الصمت السائد في المكان تحدث يقول بمرحٍ:

"إيه يا جماعة هو أنا قولت حاجة غلط؟ أنا بطلب ايدها من خالها، سمعني ردك يا محمد"


في تلك اللحظة مال «وئام» على أذن عمه يقول بسخرية:

"أنا هجهز المحامي و أنتَ هات العيش و الحلاوة و قول لطنط سهير تيجي تحضن ابنها"


نظر له عمه بتعجبٍ، أما «طارق» مال بجزعه يضع العصير على الطاولة ثم وقف يهندم ملابسه بغرورٍ و هو يقول متهكمًا:

"طب و مش تستأذن الخروف اللي هي على ذمته؟ يعني يمكن يكون عنده اعتراض"


تدخل «محمد عبده» يسأله منفعلًا بحنقٍ:

"نــعم !! يعني إيه على ذمته و هو مين دا أصلًا، ما تقول حاجة يا بابا"


رد عليه «طارق» بضيق:

"و هو بابا بقى هيقولك إيه؟ أنا جوزها و بقولك أهو أمشي بكرامتك بدل ما تخرج من غيرها"


وقف «عبده» يقول منفعلًا:

"إيه الكلام دا يا محمد، ما ترد على ابنك و قول حاجة، الكلام دا بجد !!"


وقف «محمد» هو الأخر ثم قال باحراج:

"طارق بيقول الحق يا عبده، جميلة مراته من ساعة ما جت البيت هنا، أنا مش عارف إزاي حسان مقالش ليك على حاجة زي دي"


تدخل «محمد عبده» يقول باحراج حينما لاحظ نظرة «طارق»:

"طب احنا آسفين يا جماعة على الموقف دا، مع إن بابا قالي إنه لمح قصادها و هي ما أعترضتش"


اتسعت مقليتها بقوة بخوفٍ حقيقي تزامنًا مع شهقة قوية خرجت منها، أما «محمد عبده» أمسك ذراع والده ثم قال بهدوء:

"أنا آسف مرة تانية، و ربنا يخليكم لبعض"


تحدث والده يقول بحنقٍ:

"يعني إيه هو لعب عيال يا محمد؟ أنا كنت فاتحت حسان أول ما جه القاهرة، ازاي يجوزها لواحد تاني و أنا قايله"


_"مـــحــمد، خــد بــابــا و أمشي من هنا بدل ما أخليكم متشوفوش الشارع تاني، يلا"


قالها «طارق» بصراخٍ في وجهيهما جعل الخوف يَدب في أوصالهما من حِدة نبرته لذلك أمسك يد والده ثم سحبه خلفه حتى يخرج من الشقة، أما كلًا من «محمد» و «وئام» لم يتحكما في ضحكاتهما على ذلك الموقف، مما جعل «طارق» يطالعهما بشررٍ يتطاير من عيناه، و لكنهما استمرا في الضحكات كما هما، فالتفت لها و حينما رآت هي نظرته ركضت من أمامه نحو غرفتها و حينما رآى فعلتها هو ركض خلفها، أما الأثنين فزادت ضحكاتهما بقوة في تلك اللحظة على منظره و هو يركض خلفها.

____________________


وصل «عامر» شقته بعدما نزلت الفتيات من عند زوجته، دخل هو لها فرآى وجهها شاحبًا و الإرهاق باديًا على ملامح وجهها بشدة و هي تجلس في انتظاره، اقترب منها هو يجلس بجانبها ثم سألها باهتمام:

"هو أنتِ شكلك تعبان كدا ليه يا سارة؟ حاسس إنك مش مظبوطة، فيه حاجة مزعلاكي"


ابتسمت له بتوترٍ و هي تُجيبه:

"لأ يا عامر أنا كويسة...هيكون فيا إيه يعني، تلاقي بس شوية ارهاق من الشغل"


نظر لها بتمعنٍ أكثر فوجدها تضيف بهدوء:

"متقلقش والله أنا بخير، صدعت شوية بس من الشغل، و كمان وحشتني و كنت مستنياك علشان نسهر مع بعض"


أومأ لها موافقًا ثم ألقى رأسه على فخذها بارهاق، تعجبت هي منه لذلك سألته باهتمام:

"مالك يا عامر شكلك تعبان، مش عادتك يعني"


رد عليها هو بلامبالاة:

"متشغليش بالك يا سارة أنا كويس، تلاقيه ارهاق من الشغل"


سألته هي بحزن:

"طب مش هتحكيلي مالك؟ من إمتى بتخبي عليا يعني"


اعتدل هو في جلسته ثم قال بنبرةٍ جادة:

"زي ما أنتِ خبيتي عليا إنك تعبانة و إنك روحتي لدكتورة، و في الأخر ألاقي مامتك بتوصيني عليكي و بتقولي خد بالك من أكلها !! هو أنا مجوعك يا بنت الحلال"


ردت عليه هي بسرعة كبيرة حتى تنفي حديثه:

"أنا خبيت عليك علشان مزعلكش و مكنتش هقول لماما علشان متقلقش بس البت اللي في المحل اللي جنبي هي اللي ردت عليها و قالتلها، و الله مش زي ما أنتَ فاكر"


نظر لها باستنكارٍ واضح و هو يقول بضيقٍ منها:

"كلامك مش مقنع يا سارة، أنتِ لحد دلوقتي مش قادرة تصدقي إنك بقيتي مسئولة مني، لسه فاكرة نفسك البنت اللي بـ ١٠٠ راجل و هتفضلي خايفة أشيل معاكي مسئوليتك دي"


نظرت له بحزن فوجدته يضيف:

"مش هتكدبيني صح؟ لسه لحد دلوقتي فاكرة إنك مسؤلية نفسك و أنا وجودي زي عدمه، يدوبك واحد عايش معاكي في نفس المكان و خلاص"


اقتربت منه تمسك كفه وهي تقول ببكاء:

"متقولش كدا و الله محسبتهاش كدا، أنتَ علطول بتفكرني بـ بابا علشان لما كنت بتعب قصاده كان بيتعب هو كمان، و الله بحبك و مش عاوزاك تزعل مني يا عامر، متقولش أني مهمشاك علشان أنا دنيتي أحلوت بيك و الله"


حرك رأسه لليسار بتشككٍ في حديثها فوجدها تضيف بنفس النبرة:

"متبصليش كدا و الله خايفة عليك تزعل علشاني، لكن و الله أنا بحبك و عمري ما أقدر أزعلك أصلًا، أنتَ اللي وقفت في ضهري و رجعت حقي من عمي و دافعت عني و شجعتني و حبتني، و الله يا عامر مقدرش أزعلك"


ابتسم هو باتساع ثم سحبها اسفل ذراعه فوجدها تبكي بقوة و كأنها طفلة صغيرة، تعجب هو من حالها لذلك سألها بهدوء:

"بتعيطي ليه يا ست أنتِ هو أنا جيت جنبك، مالك يا جرثومة"


ردت عليه ببكاء:

"علشان انتَ زعلت مني و أنا مبحبكش تزعل مني، و كمان مهزرتش معايا و أنا مش واخدة عليك إنك جد، بحبك علشان بتضحكني"


_"دا على أساس أني اراجوز قدامك ؟! ما تحسني ملافظك يا بت أنتِ"

قالها هو متهكمًا بسخرية و هو يرفع حاجبه، أما هي ابتعدت عنه تشهر بسبابتها في وجهه و هي تقول بنبرةٍ متوعدة:

"قولتلك مبحبش كلمة بت دي بتعصبني، و بعدين أنتَ عودتني إنك علطول تهزر لما اتكلمت بجد خوفت منك، متتكلمش معايا جد تاني"


ابتسم هو لها ثم سألها بهدوء:

"سيبك بقى من كل دا و قوليلي أنتِ عاملة بقى....طمنيني"


ابتسمت له هي الأخرى ثم قالت بحبٍ:

"بقيت كويسة علشان شوفتك"


_"أنا مالي بيكي يا ستي، عاملة أكل إيه أنا جعان"

قالها هو بحنقٍ حينما جاوبته هي، لذلك نظرت له بدهشة غير مصدقة لما تفوه به، فوجدته يضحك على هيئتها ثم احتضنها من جديد و هو يقول بمرحٍ حتى يمازحها:

"يا ستي بهزر معاكي، أنا أصلًا مخنوق من ساعة ما عرفت إنك تعبانة، و حسيت أني مقصر في حقك و الله"


ردت عليه تنفي حديثه:

"متقولش كدا و الله أنا اللي ماكلتش كويس، مش ذنبك يعني"


أومأ لها موافقًا ثم مد يده الأخرى يربت على ظهرها بحنانٍ بالغ فوجدها تسأله بضيقٍ:

"أنتَ هتفضل ساكت مش هتهزر يعني، و لا أجبلك صحابك بقى تهزر معاهم، شكلي كدا مش مالي عينك"


ابتسم هو ثم قال بسخرية:

"زيك زي أي زوجة أصيلة غاوية نكد، اطمني يا ستي مش هسكت ههزر و هنسهر سوا النهاردة"


سألته هي بنبرةٍ متحمسة:

"قول بجد والله، يعني مش هتنام ولا تسبني و تنزل؟"


رد عليه بنبرةٍ خبيثة يشاكسها بها:

"اسيبك و انزل إزاي بس، دا أنتِ القعدة معاكي تنسي الواحد سنينه؛ زي الجبنة الرومي سايحة في الفينو"


ضحكت هي بقوة عليه فوجدته يقول ببراءة:

"أنتِ اللي طلبتي و أنا مرفضلكيش طلب أبدًا"

________________________


في شقة «ياسين» جلست هي تفكر في حديث «إيمان» و بعدما بدل هو ثيابه و خرج لها وجدها شاردة في الفراغ، جلس بجانبها يسألها بتعجبٍ من صمتها:

"مالك يا ست الكل سرحانة فـ إيه؟ عاملة زي اللي خايف من العقاب"


سألته هي بلهفةٍ حينما وجدته يجلس بجانبها:

"ياسين هو أبو ياسر عايش فعلًا ؟ يعني موجود و عارف إن عياله عايشين ؟"


نظر هو لها بدهشة و هو يسألها بنبرةٍ مهتزة:

"أنتِ عرفتي منين يا خديجة؟ و بعدين أنتِ مالك أصلًا بحاجة زي دي"


ردت عليه هي بسرعةٍ كبيرة:

"عرفت من إيمان يا ياسين، فعلًا هو عايش و زي ما هي حكت كدا، عنده شركة و مبسوط"


زفر هو بقوة ثم أومأ لها موافقًا بقلة حيلة، شهقت هي بقوة فوجدته يقول بنبرةٍ ظهر الحزن بها:

"للأسف عايش و عرفنا من فترة لما جه هو و عيال مراته علشان يمضوا عقد شراكة مع الشركة اللي فيها خالد، و سألنا و جبنا كل حاجة عنه"


سألته هي بنبرةٍ مهتزة:

"طب ....طب هو مش بيدور على عياله ليه يا ياسين، و ليه ياسر ميعرفش، انتو كدا بتخدعوه"


رد عليها هو بنبرةٍ قوية:

"نخدعه !! عاوزاني أروح اقوله تعالى يا ياسر شوف الراجل اللي قهرك طول عمره و حكم عليك تكون يتيم و هو عايش، و لا أخليه يشوف معاملته لعيال مراته علشان يتقهر، أنا مش هقهر أخويا علشان واحد زي دا، هو مات في عين ياسر و عيوننا كلنا"


سألته هي بترددٍ:

"طب لو حاول يوصل ليهم... هتعملوا إيه، هتمنعوه يوصل ليهم؟"


رد عليها مؤكدًا:

"مش هخليه يلمح طيفه حتى، هو عايش حياته مبسوط مع عيال مراته و بقى أب ليهم، خليه بقى مبسوط معاهم، و لو فكر يقرب من ياسر أنا و خالد و عامر هنكسر رجله قبل ما يعملها"


نظرت بحزن أمامها و الدموع تلمع في مقلتيها أما هو نظر لها متفحصًا ثم هزها برفقٍ حتى تنتبه له فوجدها تنظر له و الدموع تسيل على وجنتيها و هي تقول بنبرةٍ باكية:

"هما ليه كدا يا ياسين ؟ ليه بيخلفوا طالما هما مش قد المسئولية دي؟ لو مش قادر يكون هو ضهر عياله بيعمل فيهم كدا ليه؟ ازاي سايبهم يشحتوا الحنان من غيره و هو مش قادر يدوقهم الحنان دا"


احتضنها وهو يقول بهدوء:

"علشان اغبيا يا خديجة، اللي ميقدرش النعمة دي يبقى غبي، واحد زي سمير خسر إنه يكون عنده ابن زي ياسر راجل و يعتمد عليه و حنية الدنيا كلها فيه، بكرة سمير دا هيترمي في الشارع و هتشوفي، و لا واحد زي ابراهيم عمك دا، معرفش يحافظ على ولاده و سايبهم يضيعوا نفسهم، أنا شوفت العجب من ابهات كتير، بس بصراحة الوحيد اللي احترمته هو عم طه، علشان ندم فعلًا و عرف قيمتك، هو آه غلط بس أنا كل مرة بشوف ندمه في عينه يا خديجة"


ابتعدت عنه تطالعه بأعين باكية ظهرت بها الحيرة من حديثه فوجدته يقول من جديد:

"متستغربيش ، أنا عارف إنك لسه بتزعلي كل ما تفتكري اللي حصل علشان كدا أنا بفضل أقول إني بحس نفسي مسئول عنك زي بنتي، و دا مش تلزيق ولا مياعة، بس الراجل اللي بجد هو اللي مراته تحس معاه إنها بنته و أخته و مراته و صاحبته يا خديجة، و ربنا يعلم أنتِ عندي كل دول، اعتبري نفسك هنا بتتأهلي من أول جديد للحياة، زي الطفل الصغير كدا"


سألته هي بلهفة و كأنها طفلة صغيرة تتلمس تأكيد الحديث:

"بجد يعني مش هتحس بخنقة، يعني ممكن أعرضك للخسارة، أو هخسرك كتير بصراحة"


ابتسم هو بهدوء ثم قال لها بنبرةٍ مصطبغة بالحنان:

"خسريني براحتك يا خديجة، وجودك معايا مكسب كبير و البصة في عينك تعوض أي خسارة"


ابتسمت له بخجلٍ فوجدته يبتسم هو الآخر ثم قال بهدوء:

"أي حاجة نفسك فيها أو كان نفسك فيها اطلبيها، سواء بقى طلبك مني أو كان نفسك يكون من باباكي، اطلبي يمكن أقدر أعوضك و لو جزء بسيط عن اللي فات من عمرك في الزعل"


ردت عليه هي بامتنان حقيقي وبحديث خرج من قلبها قبل صوتها:

"هتصدقني لو قولتلك كل حاجة عاوزاها بقت عندي ؟ علشان كل حاجة اتمنيتها فيك أنتَ يا ياسين، لو الدنيا ضلمة أنتَ نورها الوحيد، و لو أنا ماشية في كل طرق الخوف يبقى أنتَ طريق الأمان الوحيد، و لو كل العالم دا طرق شر يبقى أنتَ محطة الخير اللي فيه، صعب أطلب حاجة في وجودك غير إن ربنا يحفظك ليا علشان و الله مليش غيرك"


طالعها هو بدهشة غير مصدقًا لما تفوهت به بتلك النبرة فوجدها تبتسم بهدوء و هي تقول بمرحٍ:

"خلاص يا ياسين طالما سكت يبقى كدا أتثبت"


ضحك بقوة ثم قال متشدقًا بهدوء:

"اتلجمت....يعني ماشاء الله التطور باين، هناء لو سمعتك هتزغرط و الله"


ردت عليه بنبرةٍ مشتاقة:

"تصدق وحشتني أوي؟ دكتورة هناء دي صاحبة فضل عليا و هي السبب بعد ربنا في علاجي"


رفع حاجبه ينظر لها بحنقٍ فوجدها تقول بإحراج:

"و وليد طبعًا علشان هو كان عارف أنا عندي إيه"


_"و الله ؟! هي بقت كدا يعني، طب أنا هروح اشوف حد عند هناء بقى محتاج مساعدة"

قالها هو بسخرية حينما تجاهلته هي فوجدها تقول بمرحٍ:

"خلاص يا عم قلبك أبيض، عرفنا إنك السبب في علاجي، ليك عليا أمشي أعلق يافطة مَرضي كدا؟"


ابتسم هو لها ثم حرك رأسه نفيًا، طالعته هي بدهشة فوجدته يقول مُردفًا لها:

"أنتِ اتغيرتي علشان مجهودك اللي كنت شاهد عليه، و بما أني هنا بأهلك من أول و جديد، اتعودي إن اللي بيعمل حاجة مينفعش يقول أنا عملت، يعني مش مستني إنك تعظمي في دوري، أنا كنت بنكشك بس، لكن أتعودي تدي و متاخديش و اتعودي تكوني أنتِ بداية الخير، علشان الخير دا دايرة يا خديجة ادخليها بارادتك تلاقي الهنا"


سألته هي بنبرةٍ حائرة:

"إزاي يعني أمشي ادور على الخير و لا ازاي مش فاهمة؟"


أجابها هو مُردفًا بثباتٍ:

"علشان تعرفي تعيشي مرتاحة في الدنيا دي؛ لازم تتخلصي من أي مشاعر كُره أو ضغينة لأي حد في قلبك علشان مفيش حد بيكره وبيعرف يعيش مبسوط، علشان إنتَ تحصد الحلو لازم قبلها تكون زارع كويس، إنتَ مش هتكسب غير لما تتخلص من أي روح إنتقام لأي حد وأي حاجة جواك ممكن تخليك في يوم شخص قاسي، وزع حب على الناس علشان ياخد لفته ويرجعلك و خلي شعارك

(كُن غيثًا للغير...و قل الدنيا لا زالت بخير) ساعتها بس هتعرفي قيمة الحياة"


سألته هي بحماسٍ:

"هو دا شعارك في الحياة؟ حلو أوي و معبر عنك و أنتَ عامل زي المطر كدا"


أومأ لها موافقًا و رافق حركته تلك بسمةٍ هادئة فوجدها تقول بتفكيرٍ:

"اممم ممكن أخلي عندي شعار زيك أنا كمان، و أخليه فَرَح....تفرح"


اقترب منها يقول هامسًا بهدوء أنهاه بالسخرية:

"طب مش هتفرحيني و ناكل ؟ و لا هو شعار عضوة في مجلس الشعب؟"

ضحكت بقوة على طريقته و سخريته منها فوجدته يقول بحنقٍ زائف:

"لأ شكلك بوق على الفاضي"

______________________


في غرفة «طارق» بعدما ركض خلفها نحو غرفتهما، اختبأت هي خلف الستار فوجدته يقف أمامها وهو يقول منفعلًا:

"أخرجي يا جميلة من روا الستارة علشان متقعش على دماغك، اخرجي"


ردت عليه هي بخوفٍ:

"لأ مش هخرج يا طارق، أنتَ شاكلك عامل زي الرجل الأخضر، خليها مرة تانية"


حرك رأسه موافقًا بإيماءةٍ بسيطة ثم توجه نحوها و هو يسحب الستار بقوة فوجدها ترتجف خلفه ثم قالت بتوسلٍ:

"إهدا بس و أنا هفهمك، و الله و الله دا سوء تفاهم"


سألها هو بنبرةٍ مُخيفة تحمل التوعد بين ثنايها:

"أنا عاوز أفهم عبده دا شافك فين؟ و إيه موضوع إنه فتح الموضوع قدامك دا و أنتِ معترضتيش؟ أنا هادي أهوه"


ردت عليه هي بنبرةٍ مهتزة:

"و الله هو جه لبابا عند المحل قبل كدا، من قبل حتى ظهورك في حياتنا،..... و ساعتها أنا اتكسفت و سكت و بابا قاله إني عمري ما هسيبه و هفضل طول العمر معاه.....و الله هي دي الحقيقة، و ابنه دا أول مرة أشوفه والله"


سألها هو بنبرةٍ قوية يود منها تأكيد حديثها:

"يعني الواد دا مشافكيش قبل كدا؟ محصلش كلام بينكم"


ردت عليه تنفي حديثه بسرعةٍ كبرى بنبرةٍ شبه باكية:

"خالص و الله دي أول مرة أشوفه، و حتى لو شوفته قبل كدا عيني مش شايفة غيرك أصلًا"


ابتسم هو بهدوء فوجدها تضيف من جديد بهدوء:

"و الله أنا أصلًا مش شايفة إن فيه حد غيرك ينفعني و لا أنا أنفع حد غيرك"


اقترب منها هو بهدوء بعد حديثها ثم رفع ذراعيه يضعهما على ذراعيها و هو يقول بهدوء:

"و أنا عارف يا جميلة، بس غصب عني كنت غيران عليكي، و هو كان بيتكلم بثقة غريبة برضه، بس تصدقي أنا عاوز أشكره علشان سمعت الكلام دا منك"


ابتسمت هي بهدوء ثم احتضنته و هي تقول بفرحٍ ظهر في صوتها:

"أنا قولت أنتَ طيب و الله و مش هتزعلني، علشان كدا أنا بحبك يا طارق"


حرك رأسه نفيًا بيأس ثم احتضنها هو الآخر و هو يقول بمرحٍ:

"و أنا خلاص غرقت فيكي يا بنت مُشيرة، مقدرش أزعلك مني، صحيح غيران و حاسس أني عاوز أروح أضرب عم عبده دا و ابنه بس الطيب أحسن، و أنا طيب"

______________________


في شقة «حسن» وصل «وليد» و معه الطبيب و بعد تفحصه لها قال بنبرةٍ عملية:

"للأسف دي صدمة عصبية شديدة و من الواضح كمان إن فيه إرهاق نفسي عليها علشان كدا مستحملتش كل الضغوط دي"


رد عليه «حسن» بنبرةٍ تائهة:

"طب هي هتبقى كويسة؟...قصدي يعني إيه اللي ممكن يحصل"


رد عليه الطبيب بنفس النبرة العملية:

"أنا دلوقتي اديتها مهديء للأعصاب و هي مسألة وقت مش أكتر و هتفوق بس ياريت تبعدوا عنها أي ضغط عصبي أو نفسي لأن لسه الحالة مش واضحة قدامي"


أومأ له «حسن» ثم شَخص ببصره نحوها يطالعها بحزن في سكونها و هي مستسلمة لتلك الدوامة السوداء، أما «وليد» أخذ الطبيب ثم خرج به من الغرفة فوجد «فردوس» جالسة على الأريكة تبكي بهدوء، زفر هو بقوة ثم أكمل سيره مع الطبيب نحو باب الشقة، و بعد خروج الطبيب أغلق الباب ثم اقترب منها يقول بنبرةٍ جامدة:

"خليكي مكانك أنا عاوزك...على الله تمشي يا تيزة"


قال كلمته الأخيرة بسخريةٍ لاذعة ثم دخل الغرفة من جديد وجد «حسن» يجلس بجانبها على الفراش و كف يدها بين كفيه و هو يبكي في صمت، تنهد «وليد» بقلة حيلة ثم اقترب منه يربت على كتفه و هو يقول بهدوء:

"مش هينفع كدا يا حسن، أنتَ بتعيط كدا ليه تعالى معايا برة خلينا نشوف تيزة فردوس"


سأله «حسن» بلهفةٍ واضحة ممتزجة بحزنه:

"هدير مش هتسبني يا وليد صح؟ مش هتعمل زيهم و ترجعني تاني لوحدي بعد ما بقت معايا....أنتَ مش هتاخدها مني صح؟!"


حرك «وليد» رأسه نفيًا بهدوء ثم أضاف بنبرةٍ حزينة:

"مش هاخدها منك متخافش، هدير معاك في أمان يا حسن، تعالى بس أنتَ معايا علشان الست اللي برة دي"


تبدلت ملامح «حسن» بعد حديث «وليد» إلى أخرى متهجمة بها لمحة توعد، لذلك ترك كفها ثم اقترب منها يقبل قمة رأسها بهدوء، نظر له «وليد» بتمعن يراقب تصرفاته و رغمًا عنه وجد نفسه يبتسم بهدوء، لكنه وأد تلك البسمة حينما وقف «حسن» مقابلًا له و هو يقول بهدوء:

"تعالى معايا يلا يا وليد"


خرجا معًا من الغرفة نحو تلك الجالسة في الخارج تقضم أظافرها من الخوف، فوجدت «حسن» يقول منفعلًا بتوعد:

"احمدي ربنا إنها كويسة، علشان لو الدكتور كان بس خوفني عليها يمين بالله كنت خليتك تحصلي بنتك، و علشان صنفك بجح جاية بيتها و عاوزة تمدي إيدك اللي تتقطع دي عليها"


ردت عليه منفعلةً ببكاء:

"و هو أنتَ لما ضيعت مني بنتي مكنتش بجح؟ لما بنتي حملت علشان خافت تسيبها مكنتش أنتَ السبب؟ و أنا لما بنتي الوحيدة سابتني بسببك دا كان إيه؟ مـــا تــرد عليا"


ضرب كفيه ببعضهما وهو يقول بنبرةٍ غير مصدقة:

"برضه هتقولي موت بنتها بسببي افهمي بقى، أنا مليش دعوة بموتها و دا كان عمرها، بنتك اللي كانت عنادية"


تدخل «وليد» يقول بخبثٍ:

"أو كانت ودانية، يعني لامؤاخذة بتحب تسمع كلام تيزة فردوس كتير"


نظر له كليهما باندهاش حينما تدخل في الحديث، فأضاف هو:

"قصدي يعني إن المرحومة سمعت كلام التيزة علشان تخلف من حسن و تبقى كدا ربطته جنبها طول العمر، و دا مش كلامي لا سمح الله، دا كلام دكتورة رحاب اللي بنتك كانت بتتعالج عندها، مين بقى كدا يا تيزة اللي قاتل القتيل و ماشي في جنازته ؟؟!"


قال جملته الأخيرة متشدقًا بسخريةٍ مُتهكمة عليها، و مع تبدل ملامح وجهها و الدهشة المرتسمة على وجه «حسن» استطرد حديثه قائلًا:

"إيه يا تيزة مش هتكدبيني ولا إيه؟ بس إزاي بقى و أنا و بابا حبيبي روحنا للدكتورة بنفسنا ساعة لما رفعتي عليه قضية، و هي بنفسها قالت إنك أنتِ اللي حاربتي علشان بنتك تحمل و تجيبلك نونو صغير يتربى في عزك، بس للأسف محصلش"


سأله «حسن» بنبرةٍ مندهشة و كأنه ضُرب على رأسه:

"أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ أنا أول مرة أعرف كلامك دا، يعني دا كله هي كانت بتفتري عليا و هي السبب في موت بنتها"


_"متقولش كدا أنا مموتهاش، هي كانت خايفة تسيبها علشان مش هتخلف أنا كنت بطمنها بس إنك مش هتسيبها"

صرخت في وجهه بذلك الحديث من بين بكاؤها، فتدخل «وليد» يقول بهدوء:

"قولي اللي تقوليه، كدا كدا دكتورة رحاب موجودة لسه، و ساعتها بابا رفض يجيب سيرتك علشان صعبتي عليه و قال كفاية عليكي موت بنتك.. بسببك"


اتكأ على كلمته الأخيرة حتى تصل لها فوجدها تجهش في بكاءٍ مرير و «حسن» ينظر لها باشمئزازٍ حقيقي، فأضاف متشدقًا بنبرةٍ مرحة:

"خدي بقى الكبيرة الرقم اللي بعتلك دا رقمي أنا، أصل هدير كانت محتاجة صدمة عصبية تردلها لسانها و أنا واثق إن وشك لوحده جابلها صدمة"


رفعت رأسها تطالعه بصدمة و «حسن» أيضًا فأضاف هو بتأكيد:

"بصراحة قولت استنفع منك، يعني منه تبعدي عن سكة حسن و هدير صوتها يرجع و دا طبقًا للمادة رقم ٣ في قانون وليد الرشيد، اللي مش عارف تستفاد منه؛ يبقى اللي يجي منه أحسن منه، و بصراحة أنتِ لو جاي منك إيه أكيد هيكون أحسن منك يا...تيزة"


بكت من جديد فوجدت «حسن» يقول متوعدًا:

"يمين بالله لو ما غورتي من وشي لأكون رميكي بايدي في الشارع، غـــوري"


صرخ بكلمته الأخيرة في وجهها مما جعل جسدها يجفل بقوة، فتدخل «وليد» يقول بهدوء:


"روحي يا ست فردوس اعملي صدقة على روح بنتك، و شغلي قناة المجد على روحها، بصراحة خايف أقولك أمسكي المصحف"


أخذت حقيبتها ثم رحلت من امامها في انكسارٍ و قبل أن تمد يدها تفتح باب الشقة وصلها صوت «حسن» يقول بنبرة حادة:

"لو رجلك خطت هنا هتمشي من غيرها، و لو فكرتي تيجي جنب هدير و لا حتى جت في بالك، ساعتها موت بنتك هيوصل لكل الناس، كفاية أني طلعت ابن*** بسببكم"


تنفست بعمقٍ ثم تركت الشقة و أغلقت الباب خلفها بقوة، أما هو فارتمى على الأريكة بانهاكٍ واضح، جلس «وليد» بجانبه و هو يربت على فخذه، فاعتدل «حسن» في جلسته و هو ينظر له باستفهامٍ واضح، التقط «وليد» نظرته فقال بهدوء:

"بدل ما تبصلي كدا، كل الحكاية إن هناء قالتلي إن هدير علشان صوتها يرجع محتاجة صدمة قوية، و في نفس الوقت فردوس دي مكانتش هتسكت و كانت هتيجي كدا كدا، بس أنا اتصرفت صح لما جبتها هنا"


سأله «حسن» بانفعالٍ واضح:

"بتراهن على صحة هدير؟ رايح تجيب فردوس علشان يا تصيب يا تخيب؟ افرض كانت عملت حاجة فيها كان وضعي هيبقى إيه، عجبك منظر هدير كدا"


حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرة غير مبالية:

"هدير كدا كدا كان لازم تحصلها حاجة مخالفة للواقع علشان تدي رد فعل للي بيحصل حواليها، في كل الحالات هدير هي الكسبانة"


زفر «حسن» بقوة فوجد «وليد» يربت على فخذه ثم قال بهدوءٍ:

"قوم خليك جنب هدير و أنا هروح علشان متأخرش، بس ابقى طمني عليها"


أومأ له «حسن» دون أن يرد عليه، فتركه «وليد» ج من الشقة، أما هو فدخل الغرفة لها فوجدها كما هي ساكنة الفراش، تنهد بقوة ثم اقترب منها يأخذها بين ذراعيه و حينها شدد عناقه لها وهو يقول مُحدثًا نفسه:

"مين كان يصدق إن الضلمة اللي في حياتي تنور بيكي يا هدير، ليه رجعت أخاف تاني إن حد يسيبني؟ ما كنت متساب و خلاص، بس أنا عشمان في ربنا إنك تفضلي معايا علطول".

_________________________


في شقة «ياسر» جلس في الشرفة بعدما تناول العشاء، و رغمًا عنه شرد في السماء و مظهرها فأخذ نفسًا عميقًا و هو يبتسم بهدوء، فوجدها تركض من الداخل نحوه و هي تقول بمرحٍ:

"واد يا ياسر بُص لقيت إيه"


حرك رأسه نفيًا بيأس بمعنى لا فائدة منها، فوجدها تجلس أمامه و هي تقول بنبرةٍ مرحة:

"بص لقيت إيه، أول سلاح شيلته في حياتي"


نظر لها مندهشًا فوجدها تمد يدها له ب ميدالية صغيرة الحجم على هيئة ثمرة فاكهة الموز، فقطب جبينه يسألها بنبرةٍ ساخرةٍ منها:

"موزايا؟ أول سلاح مسكتيه في حياتك كان موزايا يا إيمان؟ ودي بتثبتي بيها الناس فين؟ عند فرغلي؟!"


ابتسمت هي له بتوعدٍ ثم فتحتها له تمدها في وجهه و هي تقول بتوعدٍ:

"سمعني كدا بقى كنت بتقول إيه يا ياسوري؟ كمل تريقة يا حبيبي"


ابتعد عنها وهو يقول بخوفٍ من ما تحمله في يدها:

"السلاح يطول يا مجنونة، و بعدين مين ابن الهبلة اللي جابلك البتاعة دي"


ابتسمت باتساع و هي تقول:

"خالد قال لعامر يجبهالي و أنا في ثانوي علشان العيال الخطف اللي كان منتشر هو بقى خاف عليا، و طلبها من عامر"


حرك رأسه بيأسٍ ثم قال:

"علشان الاتنين سَفلة و متربوش، بدل ينصحوكي ممسكينك مطوة؟ وبعدين أنتِ ليه محسساني إنك مسكتي وسام فخر من الدولة، اتوكسي"


اعتدلت في جلستها ثم قالت بنبرةٍ مُحبطة:

"تصدق أنتَ مُحبط، بدل ما تفتخر بيا أني كنت جامدة و أي حد يجي جنبه أفتحها في وشه علشان أحافظ على نفسي، بس نقول إيه بومة"


رد عليها هو بسخرية:

"يا سلام ياختي؟ عاوزاني أفرح إن مراتي شايلة مطوة، ليه متجوز تاجرة أعضاء؟ يا بت اتلمي بقى و لمي نفسك بقى، دا بنات المنطقة كلها عندنا بقت بتخاف تبص في وشي"


سألته بتوعدٍ:

"خير يا ياسوري و أنتَ عاوزهم يبصولك ليه إن شاء الله، عرفني كدا"


رد عليها مُردفًا بلامبالاة:

"يبصولي عادي يعني، مش يمكن واحدة فيهم تُعجب بيا و أنا عيوني زرقا كدا، أهو نوسع نشاطنا"


ضغطت على شفتها السفلى بتوعدٍ ثم قفزت تمسكه من تلابيبه و هي تقول بهدوء مخيف:

"سمعني بقى كدا قولت إيه علشان شكلك هتنام على السلم النهاردة، يلا يا حبيبي سمع"


رفع هو يده يُحرك شعرها بعيدًا عن عينيها و هو يقول بنبرةٍ ظهرت فيها العاطفة:

"كنت بقول إن عينك وحشتني، علشان أنا كـ ياسر مليش غيرهم بصراحة، و أنتِ كلك مزايا و جمالك مش محتاج مرايا"


سألته هي بنبرةٍ متقطة من هول مفاجأتها:

"إيه !! أنتَ....أنتَ قولت إيه"


حاول كتم ضحكته و هو يُجيبها بهدوء ممتزج بالمرح الطفيف:

"بقول إن كلهم دوا مؤقت زي الأوجمانتين، و أنتِ لوحدك ثابتة زي الفيتامين"


رفعت رأسها تطالعه بدهشة فوجدته يغمز لها، لذلك قالت له بنبرةٍ شبه باكية:

"نفسي مرة أثبت معاك على موقفي بقى، بس لأ مش هيأس مش ممكن، بص يلا نعيد الخناقة من الأول، و بعدين اضربني فـ أقوم ضرباك أنا كمان، عاوزين شوية أكشن كدا"


ظهرت لمحة حزن في عينيه و هو يقول مُعقبًا على حديثها:

"و أنا عمري ما همد إيدي عليكي ولا حتى هتعصب في البيت دا، الراجل الناقص بس هو اللي يمد إيده على واحدة ست، و أنا مش ناقص يا إيمان"


ردت عليه هي بهدوء حتى تقوم بتصليح الموقف:

"أنا مش قصدي يا ياسر، أنا بس قصدي أنكشك و نهزر سوا، و بعدين مالك زعلت ليه"


زفر هو بقوة ثم قال بهدوء بعدما استعاد اتزانه:

"أنا بس افتكرته لما كان بيضربها، علشان كدا زعلت، طول عمري خايف أطلع نسخة منه أنا أصلًا بكرهني علشان ابنه، عاوزاني إزاي اسمعك و مزعلش وخايف تكرهيني أنتِ كمان"


ربتت على كتفه بهدوء ثم قالت بعدما ابتسمت له:

"مين دي اللي تكرهك أنا !! و الله يا ياسوري أنتَ عبيط، شكلك كدا متعرفش أنا بحبك من إمتى"


سألها هو بهدوء:

"من إمتى يعني، تالتة اعدادي مثلًا؟"


ابتسمت هي بسخرية ثم قالت:

"من تانية ابتدائي يا بني، كنت أول طفلة تعرف يعني إيه حب، أقولك على حاجة كتب ندى أختك كنت بسرقها أنا علشان أجي البيت و أشوفك من ورا خالد، خد الكبيرة بقى، كنت بطلع فلوس لله علشان تبقى من نصيبي"


ضحك هو بقوة عليها ثم قال متشدقًا بسخريةٍ:

"دا أنتِ واقعة من بدري بقى، صح دا أنتِ زغرطتي يوم كتب الكتاب زغروطة جابت شرخ في حيطان البيت"


اقتربت منه ثم وضعت رأسها على كتفه وهي تقول بحنانٍ:

"علشان بحبك و الله، و لو عليا ابعد عنك زعل الدنيا كلها و أخده ليا، نفسي أخليك تنسى كل اللي الوحش ممكن تكون طريقتي هطلة بس أنتَ ادبست خلاص"


حرك رأسه يقبل قمة رأسها ثم قال بهدوء:

"و أحلى تدبيسة و الله، كفاية إنك بتشيلي خاطري و الدنيا كلها عمالة تكسر فيه"

______________________


في شقة «خالد» جلس هو على الأريكة و «يونس» غافيًا على ذراعه، فوجدها تقترب منه تسأله بهدوء:

"هو أنتَ لسه مش عاوز تقول لياسر إنك شوفت أبوه يا خالد؟ هتفضل مخبي عليه كدا"


"أومأ هو لها مؤكدًا ثم قال مقررًا:

"آه هفضل مخبي عليه، أنا ما صدقت يفرح شوية في حياته و كلنا ما صدقنا إنه ينساه، نرجع تاني بقى نفكره بالقهرة دي، سمير دا جاحد يا ريهام، ساب ست أصيلة زي ميرفت و عيال زي الورد و راح لواحدة أرملة علشان معاها فلوس، بذمتك ميرفت دي وحشة؟ دي لحد من سنتين كان بيجيلها عرسان، ياسر لو أبوه ظهر هيتكسر، و احنا اللي يقرب من واحد فينا الباقي ياكلوه، دا عامر كان رايح يضربه و ياخد حق ياسر، ما بالك بقى لو قرب منه؟ صدقيني من مصلحة ياسر إن سمير دا ميظهرش"


ردت عليه هي تحاول اقناعه بحديثها:

"بس هو لما يعرف إنكم خبيتوا عليه و خصوصًا إيمان أكيد هيزعل، فكر تاني"


زفر هو بقوة ثم قال:

"لأ مش هيزعل، هو لما يعرف إننا عملنا كدا علشانه هيقدر موقفنا"


تنهدت هي بقلة حيلة ثم ألقت رأسها على كتفه وهي تقول:

"ربنا يسترها يا خالد، و إن شاء الله ميظهرش و لا نعرف عنه حاجة، خليهم مبسوطين بقى"


وضع ذراعه خلفها يقربها منه ثم قال بهدوء:

"خير إن شاء الله، و أنا قلبي حاسس إنه قبل ما يظهر هيكون ربنا خده من الدنيا كلها"

_______________________


عاد «وليد» إلى البيت فوجدها غافية على الأريكة تنتظره و لكن النوم غلبها، اتسعت بسمته حينما رآها في انتظاره بعد انقطاعٍ دام عدة أيام، اقترب منها يربت على وجنتها بهدوء و هو يقول:

"عبلة....عبلة إصحي أنا جيت، إيه اللي نيمك هنا أصلًا"


فتحت عينيها على مضضٍ و حينما رآته أمامها سألته بنبرةٍ ظهر بها أثر النوم:

"وليد؟؟ اتأخرت كدا ليه أنا استنيت كتير"


رد عليها هو باحراجٍ واضح:

"حقك عليا و الله من غير قصدي، بس أنتِ منزلتيش ليه تنامي تحت؟ اللي نيمك هنا"


ردت عليه هي بقلقٍ واضح:

"خوفت انزل تزعل مني و تفتكرني زعلت، أنا عارفاك موسوس و مش بتثق في حد"


رد عليها هو بمرحٍ و هو يجلس بجانبها:

"ياه دا أنتِ قلبك أسود أوي، أنا صارف و مكلف و عامل حفلة و في الآخر تقوليلي البوق دا"


ألقت رأسها على كتفه وهي تسألها بتثاءب:

"قولي بقى .... كنت فين و سبتني كدا و سِبت البيتزا لوحدها معايا"


ابتسم هو عليها ثم قال متشدقًا بسخرية:

"و طبعًا عبلة حبيبتي قلبها أبيض و صعب عليها البيتزا تفضل لوحدها فكلتيها"


ردت عليه بهدوء:

"آه كلتها، بقالي اسبوع مش باكل علشان فيه حيوان كان مزعلني، بس نقول إيه بقى، قلبي مهزق"


رد عليها هو بهدوء:

"و هو الحيوان دا بيتجوز إيه يعني؟ حيوانة زيه....المهم سيبك من كل دا و قوليلي، وحشتك؟"


_"خالص، هتوحشني ازاي يعني و أنا متبعاك زي ضلك و كنت بخلي طارق يصورك في الشغل و خلود تصورك فوق السطح و عمو مرتضى يصورك و أنتَ في أوضتك"

ردت عليه هي بذلك بنبرةٍ باردة غير مبالية، فوجدته يقول بسخرية:

"ما شاء الله عليا و أنا مفضوح في كل حتة، و أمي مصورتنيش و أنا بستحمى بالمرة؟"


ردت عليه هي بحنقٍ:

"أنتَ سافل و قليل الأدب و تستاهل ضرب الجزم"


رد عليها هو ببرود:

"شوفي أصعب عقاب في الدنيا و حطيه قصاد بُعدي عنك، هتلاقي إن بُعدي عنك من أصعب الحاجات اللي ممكن تحصلي يا عبلة"


ابتسمت هي باتساع ثم حركت رأسها بطريقةٍ درامية و هي تقول بسخريةٍ:

"ناس متجيش غير بالضرب، يلا كله في ميزان حسناتنا"


ضحك هو عليها ثم قال بهدوء:

"وحشتيني يا سوبيا، و لا بعودة يا شابة"


قبل أن ترد عليه صدح صوت هاتفه عاليًا، فأخرج هاتفه دون أن ينظر في شاشة الهاتف ظنًا منه أن الطالب هو «حسن» لكنه تفاجأ حينما استمع للطرف الآخر، و بعد استماعه له رد عليه بهدوء:

"طب تمام هقابلك بكرة خلاص، بعد صلاة الجمعة إن شاء الله"


أغلق الهاتف فوجد «عبلة» تسأله بنبرةٍ يائسة:

"ها هتروح تنقذ مين تاني، ولا ناوي على إيه ما أنا خلاص جبت أخري منك"


زفر هو بقوة ثم قال:

"خير إن شاء الله، ناوي على كل خير، بس قوليلي بصحيح وحشتك ؟"

حركت رأسها نفيًا بيأسٍ منه فوجدته يحتضنها و هو يضحك عليها.

_____________________


في صباح اليوم التالي كان «حسن» جالسًا على الفراش يراقبها بعدما استيقظ هو مُبكرًا بعد ليلةٍ جفاهُ بها النوم، أما هي فبدأت تستعيد وعيها من خلال تحرك عدستيها أسفل داخل جفونها، ثم فتحتهما على مضضٍ بتروٍ فوجدته يقول مُتلهفًا:

"هدير !! أنتِ فوقتي ؟ الحمد لله يا رب، الحمد لله"


حركت رأسها للجهة الخاصة بجلوسه و هي تطالعه بنظرةٍ مشوشة، فوجدته يقول بنفس التلهف:

"قومي طيب يا هدير، اتعدلي علشان أنتِ نايمة من امبارح"


رافق قوله تحركه يقوم بضبط الوسادة خلف ظهرها، ثم رفعها للخلف قليلًا و هي تتحرك معه في خضوعٍ تام، أما هو فسألها بعدما قام بضبط وضعها:

"أنتِ كويسة يا هدير؟ عاوزة حاجة اجبهالك؟ أنا شحنت تليفونك علشان تعرفي تبعتيلي منه"


_"شكرًا....متتعبش نفسك....أنا كويسة"

تفوهت «هدير» بذلك بنبرةٍ خافتة متقطعة جعلته يرد عليها نافيًا حديثها بقوله:

"يعني إيه متعبشـ.....إيـــــه دا !!"


صرخ في وجهها بكلمته الأخيرة بعدما أدرك أنها تفوهت أخيرًا أمامه، فسألها بنبرةٍ آملة:

"هدير هو أنتِ اتكلمتي بجد؟.....يعني أنا مش بيتهيألي صح؟ بالله عليكي قوليلي كدا"


أرجعت رأسها للخلف ثم أعادتها من جديد و هي تقول بهدوء:

"أنا كويسة يا حسن، متخافش صوتي رجع، اللي حصل امبارح دا غالبًا كان السبب في اللي حصل"


أمسك كفها هو بين كفيه و هو يقول بامتنان حقيقي:

"الحمد لله يا هدير، صدقيني دي أحسن حاجة فرحتني في حياتي والله، صوتك رجعلك و إن شاء الله ترجعي أحسن من الأول"


سحبت كفها من يده بسرعةٍ كبرى و هي تنظر له بخوفٍ فوجدته ينظر لها باندهاش، و قبل أن يغوص في دهشته أكثر من ذلك، أيقن أن الحديث المُلقى على مسامعها في الأمس لازال له تأثيرًا حقيقيًا عليها، لذلك جلس بجانبها ثم قال بنبرةٍ حزينة:

"عارف إنك حقك تخافي و تزعلي كمان، بس ينفع أحكيلك أنا مين؟ و حكايتي إيه بما إنك هتعرفي تردي عليا دلوقتي؟"


لم يبقى أمامها سوى الموافقة أمام نبرته تلك، لذلك أومأت موافقة بإيماءةٍ بسيطة من رأسها فوجدتها يزفر بقوة ثم قال بنفس النبرة المنكسرة الممتزجة بحزنه الدائم:

"أنا حسن أحمد المهدي، طبعًا أنتِ عرفاني متربي في بيتكم قبل موت أمي، المهم يا ستي بعد موت أبويا في الإمارات رجعنا مصر تاني، و عيشت مع حنان و أمي لحد ما....لحد ما عمرها انتهى....ساعتها حسن هو كمان انتهى....قضيتها بالطول و العرض و اشتغلت في التصوير علشان بحبه، حنان أختي معجبهاش وضعي، و قررت أني اتجوز و بعد محاولات كتير منها و رفض أكتر مني، كان نصيبي ريم بنت فردوس صاحبة جارتها"


توقف عن الحديث حينما شَعر بارتجافة صوته مما يدل على تجهز بالبكاء في عينيه، فوجدها تسأله بهدوء:

"وقفت ليه؟ كمل يا حسن"


زفر هو بقوة ثم قال بنفس النبرة المنكسرة:

"حسيت إن ريم دي مناسبة يعني كانت مرحة و عنيدة و شخصيتها قوية، و أنا اللي زيي كان عاوز حد زيه في الجنان، قولت كدا كدا مصيري الجواز، اللي يجيلك بالغصب خده بالرضا....اتجوزتها و عيشنا سوا، صحيح مكانش فيه حب بس على الأقل كان فيه ونس و عشرة عمر بينا....لحد ما طلبت إنها تخلف و تبقى أم، أنا مكانش فارق معايا أبقى أب،


 أنا بس كنت عاوز البيت اللي عايش فيه بشوية الونس و خلاص..... و مع اصرارها روحنا كشفنا و ساعتها الدكتور قالي إنها عندها مشكلة في الرحم....يعني الحمل صعب إنه يكمل و لو كمل صعب ينزل حي و لو حصل و نزل حي يبقى هي اللي هتروح فيها....رفضت و خوفت عليها قولتلها إن الموضوع مش في دماغي و أني عاوزها هي و بس"


ابتلع تلك الغصة القوية التي هجمت على حلقه و هي تراقبه بأعين دامعة فاستطرد حديثه قائلًا:

"المهم انها أصرت تحمل و راحت وقفت الدوا من ورايا لحد ما الحمل وصل للشهر التالت و أنا معرفش.....بعد ما عرفت كنت زي المخبوط على راسه مش عارف أعمل إيه، اتفاجأت بطوب الأرض بيعاتبني أني جاحد علشان عاوز أبقى أب و هي عندها مشكلة في الرحم، كل قرايبها و أختي و الجيران و كله، ولما سألتها قالتلي إنها قالت تجيبها فيا على أساس أني مش عاوز حد غيرها يكون أم ابني، وعيشت بتلام من الغريب قبل القريب... لحد الشهر الخامس الجنين بدأ يكبر و الرحم مستحملش و الكيس انفجر في بطنها حصل تسمم ليه و ليها معاه.....و فارقوني حبايب تانيين....و رجعت تاني لوحدي ادور على الونس و ادور على ايد تمسح دموعي لحد ما عيني باشت و الله....طبعًا امها مشيت تقول أني قتلت بنتها و أني حرمتها منها....و رفعت قضية عليا و طلبت العفش، و سرقت العفش في نفس اسبوع موت بنتها و طالبتني بيه، ساعتها عم مرتضى هو اللي خلص الموضوع و عم طه....أنا عيشت عمري كله عندي لعنة الفقد كل ما أحب حاجة تسبني و تمشي، و كل ما اتعلق بحد يسيبني، حتى دلوقتي .....خايف تمشي و تسيبيني يا هدير ...هو ...هو أنتِ هتمشي؟"


امتزجت نبرته المنكسرة بالبكاء و هو يسألها سؤاله الأخير فوجدها تمسح دموعها ثم تنهدت بعمقٍ، بعدها ابتسمت له بهدوء ثم رفعت كفها تمسح دموعه، طالعها هو بدهشةٍ فوجدها تحرك كفها نحو كتفه تربت عليه و هي تقول بهدوء:

"متخافش مش هسيبك يا حسن ....أصل أنا زيك بس أنا اللي بضيع الحاجة بمزاجي"


ابتسم هو بسخرية ثم قال:

"هي عيلة الرشيد عندها علم أني كل يوم أخليكي تعيطي كدا؟ لو عرفوا هياخدوكي مني على فكرة"


ابتسمت هي بهدوء ثم تنهدت بعمقٍ فوجدته يقول بترددٍ:

"ينفع تتكلمي معايا ؟ يعني متفضليش ساكتة علشان أنا بحب أسمع صوتك"


طالعته بدهشة جلية على ملامح وجهها، فوجدته يقول بإحراجٍ:

"قصدي يعني..... هدير هو أنا لو نزلت أصلي الجمعة هرجع ألاقيكي ولا هتمشي ؟"


ابتسمت على طريقته المترددة التي تشبه طريقة الأطفال، ثم قالت له بنبرةٍ مرحة:

"هو كلام عيال ولا إيه يا حسن؟ انزل صلي أنتَ و أنا هنا متخافش، ممكن تقفل الباب عليا كمان لو حابب"


رد عليها هو بنفس المرح:

"هي فكرة حلوة بصراحة، بس أنا هاخد كلامك وعد و شرف"


أومأت له موافقة فوجدته بقترب منها ثم طبع قبلة هادئة على قمة رأسها بعدها نظر في عينيها و هو يقول بهدوء:

"الحمد لله على سلامتك يا هدير، البيت دا نور بيكي، و دلوقتي نوره زاد بصوتك"


قال جملته ثم انسحب من جانبها وهي تنظر له بدهشةٍ و خجلٍ معًا، و بعد خروجه من الغرفة وضعت هي كفها على موضع نبضها الذي يضرب بقوة و كأنه أوشك على الخروج من مكانه.

_____________________


في شقة «ياسين» استيقظ على صوت القُرآن في شقته، فابتسم بهدوء ثم خرج من غرفته وجدها كعادتها تقرأ القرآن و تجلس في انتظاره، اقترب منها يقول هامسًا بهدوء:

"صباح الفل يا ست الكل"


ابتسمت هي بهدوء ثم أغلقت المصحف و هي تقول بهدوء:

"صباح النور يا ياسين، يلا ادخل الحمام علشان متتأخرش أكتر من كدا"


أومأ لها موافقًا ثم تركها و دخل المرحاض، و بعد مرور نصف ساعة وجدته أمامها بعباءته البيضاء، اقتربت منه هي ثم وقفت على أطراف أصابعها حتى تصل إلى وجنته تقبله عليها، فوجدته ينهرها بضيقٍ زائف:

"عيب يا بت أنتِ أنا متوضي، إيه قلة الأدب دي، الناس بقت بتتغرغر بالناس كدا عيني عينك"


ابتعدت عنه و هي متخصرةٍ تقول متشدقةً بنذقٍ:

"لأ و الله؟ طب تمام يا نجم"


سحبها هو له يقربها منه و هو يقول بخبثٍ:

"تمام إيه بس، هو مش اللي يعمل جِميل يتمه، و أنتِ بوستيني يبقى هاتي حضن كدا قبل ما أنزل بقى"


حركت كتفيها ببساطة ثم قالت بهدوء تشاكسه:

"هو دا الموجود يا هندسة، عجبك شيل مش عجبك انزل علشان أنتِ راجل متوضي"


ابتعدت عنه بعد جملتها الأخيرة فوجدته يقول بنبرةٍ عالية:

"خدي يا بت أنتِ هنا، لما أكلمك متسبنيش و تمشي"


وقفت هي في المطبخ تضحك عليه فوجدته يدخل خلفها و هو يقول بنبرةٍ منفعلة:

"أنا مش بكلمك ؟ بتسبيني و تمشي ليه هو أنا شوال بطاطا"


اقتربت منه تقول بهدوء ممتزج بالمرح:

"و أحلى شوال بطاطا و الله في الدنيا، قولي بقى كنت عاوز إيه"


حمحم هو بقوة يُجلي حنجرته ثم قال بهدوء:

"كنت عاوز أقولك اننا هنعدي على ميمي نسلم عليها بعد الصلاة، عاوزة حاجة أجبها معايا"


ابتسمت هي بهدوء ثم حركت رأسها نفيًا فوجدته يغمز لها ثم قال بمرحٍ:

"بشوقك يا جميل بكرة قلبك يميل، أنا هخلي زهرة تكمل تدوير بقى علشان الموضوع عجبني"


حركت كتفيها ببساطة وهي تقول بلامبالاة:

"خليها تدور و يارب تلاقي خديجة تانية"


عاد لها يقول بمرحٍ:

"هي خديجة واحدة يا عسل، الحلويات دي مفيش منها اتنين"


حركت رأسها نفيًا بيأس وهي تسأله بنبرةٍ حائرة:

"بذمتك دي أخلاق واحد متوضي و رايح يصلي؟ عيب يا بابا كدا غلط"


غمز هو لها بخبثٍ ثم قال:

"أنا علشان راجل متقي هنزل أصلي الجمعة، و أجيلك أنتِ بقى نشوف الأخلاق اللي أنتِ عاوزاها"


تركها و نزل للأسفل لدى أصدقائه و قبل خروجه من مدخل بناته شهق بقوة حينما رأى «عامر» وهو يمسك بطرف عباءته بين أسنانه يقف على سقف سيارته و «خالد» و «ياسر» كلًا منهما يقف مُتربصًا له، ركض هو نحوهم و هو يصرخ قائلًا:

"عـــربـيـتي، يا ولاد*****، شقا عمري يالا أنتَ وهو"


رد عليه «عامر» متوسلًا:

"ابعدهم عني بدل ما أبوظلك السقف، علشان خاطري يا ياسين"


اقترب «ياسين» من «خالد» يسأله بلهفةٍ:

"هو عمل إيه يا خالد، العربية هتبوظ، قولي بالله عليك"


رد عليه «خالد» بحنقٍ:

"البيه اتصل بيا و قالي عدي عليا و هات ياسر معاك بسرعة، و ياسين هيجي وراكم علشان فيه موضوع مهم، سمعنا الكلام و روحنا، بس الغلط عليا علشان سمعت كلام عديم التربية دا"


سأله «ياسين» بتعجبٍ:

"ليه حصل إيه لما روحتوا"


تدخل «ياسر» يقول بحنقٍ:

"المهزق ركبنا معاه الأسانسير و كل شوية يوقفه في دور شكل و كل ساكن في دور يشتمنا بالأب و الأم فاكرينا عيال الجيران، ولما سألنا المهزق قال إنه متخانق مع عيال الجيران و كدا السكان هيفتكروا إنهم هما و هيمنعوهم يركبوا الأسانسير تاني، البيه واخدنا ينتقم بينا من شوية عيال" 


نظر له «ياسين» بضيقٍ وهو يقول بضجرٍ:

"أنا عاوز أعرف حاجة واحدة، متخانق مع ولاد الجيران ليه يا شحط يا أبو طويلة؟ سؤال بس"


لوح له «عامر» بيده وهو يقول بضيقٍ:

"عيال مش محترمة يا ياسين، تخيل بيقولولي عمو عامر، و فيهم واحد بيفضل يقول لسارة يا سكر، لما هو يقولها يا سكر أنا أقولها إيه؟ يا ملح؟"


تدخل «خالد» يقول منفعلًا:

"ليك عين تتكلم كمان يا بجح، انزل يالا خلينا نلحق الصلاة"

_______________________


قبل أن يتوجه «وليد» إلى المسجد ذهب في مشوارٍ خاص مع من هاتفه في الأمس، و حينما لمحه لوح له بيده، فاقترب منه الطرف الآخر باحراجٍ واضح، ابتسم له «وليد» وهو يقول بمرحٍ:

"صباح الخير يا عمار، يا ترى حصل إيه خلاك تقدم المعاد كدا، كان المفروض نتقابل بعض الصلاة"


أومأ له «عمار» ثم قال بهدوء نتيجة توتره:

"علشان مفيش دروس دلوقتي و الدرس اللي موجود اتأجل لبعض العصر قولت أقابلك دلوقتي، بس أنا آسف لو ازعجتك"


ربت على كتفه وهو يقول بهدوء:

"متقولش كدا يا عمار، أنتَ زي أخويا برضه، بس ياريت اعرف سبب المقابلة"


تنهد «عمار» بقوة ثم قال:

"بص أنا مش هكدب عليك و مش هلاوع علشان دي مش تربيتي، صحيح معنديش أخوات بنات بس أنا مرضاش إن بنات الناس تتأذي"


نظر له «وليد» نظرةٍ حائرة يتطلب منه الاسترسال في حديثه، فوجده يضيف بهدوء:

"أنا بحب الآنسة خلود يا وليد"


تبدلت نظرته إلى الجمود فوجده يضيف من جديد مُردفًا موقفه:

"أنا مش بقولك كدا علشان حاجة محددة، أنا لسه صغير و الطريق قصادي طويل و هي زيي صغيرة، أنا بس عاوزك تعرف علشان لو حصل و موضوعها اتفتح إن ممكن حد يتقدملها، افتكر أني بحبها و أني عاوزها تكون ليا، و متسألنيش حبيتها امتى و ازاي علشان أنا مش عارف والله"


ابتسم له «وليد» باتساع ثم قال:

"أنا كنت عارف إن معدنك أصيل علشان كدا سبتلك رقمي بمزاجي، كنت عارف إنك هتكلمني يا عمار، بس بصراحة موقفك أشجع مما تخيلت، علشان كدا وعد مني كمل حياتك و شوف مستقبلك و خلود هتبقى ليك، بس دا لو ليك نصيب فيها، لكن لو مش من نصيبك أنا مش هقدر أوعدك بحاجة"


أومأ له «عمار» موافقًا ثم سأله

"أنا كنت حاسس إنك أنتَ اللي هتساعدني، علشان كدا حبيت أكون واضح قدامك، معرفش أنتَ فكرت فيا إزاي بس أنا متفائل خير والله، و يهمني إنك تحافظ على وعدك معايا علشان يكون عندي دافع اتحرك بيه"


ابتسم له «وليد» وهو يقول بهدوء:

"بتفكرني بنفسي في حكاية الدافع دي، بس متخافش في أمان و اعتبر إنك متكلم مع أخوك، اثبت نفسك أنتَ بس و تعالى هتلاقي الطريق متيسر ليك"


احتضنه «عمار» بقوة وهو يقول بامتنان حقيقي:

"أنا مبسوط والله أني خدت قراري و كلمتك، صدقني أنا محظوظ والله أني كسبتك"


رد عليه «وليد» بفخرٍ:

"بصراحة الشباب عرفوا يربوا يا عمار، يلا روح علشان شغلك و أنا هبقى أكلمك"


أومأ له «عمار» ثم تركه و عاد لطريقه أما «وليد» فنظر في أثره بحب و فخر و قبل أن يحرك قدميه صدح صوت هاتفه عاليًا، أخرج هاتفه و نظر في شاشته لكنه تعجب حينما رآى رقم «زيزو» ابن خاله، رد عليه و قبل أن يتحدث وجده يقول بتلهفٍ:

"الحق راشد يا وليد"

الفصل السابع عشر من هنا


 

تعليقات



×