رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثاني عشر
فُتنَ فتىٰ فِي فتاةٌ فـتاه...فأذدهرت له الحياة
__________________
خُلقت الحياة حتى؛ نتعثر...نتألم....نتعلم، حتى نعتاد التأقلم، فما من دروبٍ كُتِبَ علينا السير بها إلا و سلكناها حتى نهايتها، فـلا الوقوف في المنتصف يجوز و لا العودة لبداية الطريق تنفع بشيء، لذلك لا يتطلب منك سوىٰ السير في دروبك المعتمة حتى تصل للسلام وتنير طرقاتك المُظلمة..
_"الغريب لو دخلت مرة و لقيت وضعهم غير كدا"
تفوه بها «ياسين» ساخرًا من تعجب «وليد» و دهشته و قبل أن يُعقب الأخر، وجده يمسكه من ذراعه ثم اقترب من الأريكة يجلس بجانب «ميمي» التي كانت تتابع ما يحدث بحنقٍ، رحبت بهما بصوتٍ عالٍ نتيجة صوت «خالد» و «عامر» المرتفع و هما يتعاركان سويًا، جلس الأثنين بجانبها و هما يتابعان ذلك النزاع، فصرخ «خالد» من جديد يقول منفعلًا:
"انزل يا عامر و لِم نفسك بقى، أنا تعبت منك و من هزار أهلك دا"
رد عليه مُتسرعًا:
"دا الحل الوحيد علشان تيجي، هما كلهم سمعوا الكلام، أنتَ كنت هتطلع عين أمي و جيت بالعافية"
أبان ذلك خرج «ياسر» من الداخل و في يده كوب شاي، وقف بجانب الطاولة يتابع صديقيه بهدوء و كأن الموقف لا يعنيه، رفع «وليد» رأسه يتابع الموقف ثم اعتدل في جلسته و هو يقول بنبرةٍ تائهة غير مُصدقة:
"هو إيه العبث دا يا جدعان، أنتو ليه محسسني إننا داخلين و هما بيصلوا العشا، طب محدش فيكم مندهش مثلًا ؟"
ردت عليه «ميمي» بقلة حيلة:
"خلاص خدنا على كدا، حاجة مش جديدة و الشارع كله عارف، ترابيزة السُفرة دي لو بتنطق كانت اشتكت من خالد و عامر"
اتسعت حدقتيه بقوة تزامنًا مع تحريك رأسه بيأسٍ، ثم هَبَ واقفًا يقترب منهما و هو يقول بهدوء يحاول حل الموقف:
"بالراحة كدا يا رجولة أنتَ و هو و عرفوني حصل إيه بس علشان بصراحة عامر منظره مهزق أوي"
التفت له «خالد» يقول منفعلًا:
"ماهو مهزق أنتَ مبتكدبش، البيه خلاني أجري زي المجنون و أركب العربية حافي علشان البيه بيهزر"
_"أنتَ اللي معفن و قاعد من غير شبشب أعملك إيه، دا درس يعلمك يا حافي إنك تلبس شبشب بعد كدا"
تفوه «عامر» بذلك بنبرةٍ حانقة أثارت ضُجر الآخر مما جعله يرفع يده بالعصا حتى يضربه بها فتفاجأ بـ «وليد» يمسك يده و هو يقول بتوسل:
"اهدا يا عم خالد أنتَ حِمقي كدا ليه؟ فهمنا بس عمل إيه...ما تقوم يا عم ياسين تحل الدنيا دي"
وقف «ياسين» ثم اقترب من الطاولة من الجهة الأخرى فكان المشهد كالآتي: «وليد» بجانب «خالد» و «ياسر» عند طرف الطاولة و «ياسين» عند الطرف الآخر و «ميمي» تجلس على الأريكة تشاهد ما يحدث، فأول من تحدث كان «ياسين» حينما قال:
"فهموني حصل إيه علشان الساعة داخلة على ٩ و احنا ورانا شغل بكرة"
زفر «خالد» بقوة ثم قال بطريقةٍ منفعلة يسرد لهم ما حدث:
"الأستاذ كلمني من شوية قالي أنا نازل عند ميمي ورايا حاجة مهمة تيجي معايا؟ قولتله لأ يا عامر يونس طلع عين أمي طول النهار جري ورايا ماصدق قعدت معاه و جسمي مكسر و عندي شغل بكرة، يدوبك نص ساعة و لقيته بيصرخلي في التليفون يقولي لقيت ميمي واقعة على الأرض و مش بترد عليا و هو عارف إن عندي فوبيا من حاجة زي دي من ساعة أبويا خلاني بقيت اجري زي الأهبل و نزلت حافي، أنا مش حِمل كدا"
نظروا جميعهم لـ «عامر» الذي ازدرد لعابه بخوفٍ و هو يضيف هامسًا بنبرةٍ مهتزة إثر خوفه:
"استهدوا بالله كدا و أنا هفهمكم، و الله....كل الحكاية أني محتاجكم معايا و خالد لو رقصتله مش هيوافق يسمع كلامي....أنا كنت عاوزنا كلنا سوا"
رد عليه «ياسين» بضجرٍ:
"مش كدا يا عامر، فيه حاجات مقبولة و حاجات لأ، لو كان ساق بسرعة و جراله حاجة فـ الطريق و كان راح فيها، كنت هتفرح ساعتها؟ أنتَ و أبويا هزاركم غبي و ممكن حد يروح فيه"
رد عليه بخزيٌ بعدما أدرك موقفه:
"ياعم أنا مفكرتش في كدا، و بعدين هو دخل و لقانا زي الفل و ياسر كان في الحمام"
_"دخلت لقيته بيرقص...ابن الباردة اللي مترباش و ميعرفش يعني إيه أدب لأ و يقولي إيه؟....خالد اتأخرت ليه الشاي هيبرد و ياسين زمانه جاي"
تفوه «خالد» بذلك منفعلًا ثم قام بمحاكاة طريقة «عامر» في نهاية حديثه مما جعل الضحكات تنتشر بين الشباب و «ميمي» التي قالت بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص بقى يا حبايبي علشان وليد حتى اللي جديد هنا ميقولش علينا بيت مجانين"
تدخل «ياسر» يقول بسخرية:
"قال يعني هو مقالش كدا، أنا لو منه أطلع اجري من الشقة الملبوسة دي"
رد عليه «وليد» بمرحٍ:
"ياعم أهي حاجة نفك بيها بدل الأكشن اللي أنا عايشه فـ بيتنا، اعتبرها موجة كوميدي"
فور انتهاء جملته سقط «عامر» من أعلى الطاولة حينما كان يسير على طرفها فتفاجأ الجميع بما حدث فتحدث «وليد» مُستفسرًا باندهاش:
"إيه دا حصل إيه ؟"
_"جبنا قناة نايل دراما، نورتنا يا وليد"
قالها «ياسين» بسخرية من الموقف بأكمله و من اندهاش «وليد» مما بحدث في الشقة، فجأة تحدث «ياسر» يقول بهدوء بعدما أوقف «عامر» و هو يتأوه بشدة فـ نظر في ساعة يده:
"طب يلا نشوف البيه عاوزنا ليه علشان ورانا أشغال بكرة"
أمسك «ياسين» ذراع «خالد» و هو يقول بهدوء حتى يقوم بتلطيف الأجواء:
"يلا يا خالد هو وقع أهوه و أخد جزاءه خلينا نشوف بقى عاوزنا ليه، دا مسيبنا بيوتنا و مراتاتنا"
_"يعني هو أنا مسيبكم الحدود، دا أنا عاوزكم في خير و حاجة هتروق علينا كلنا"
قالها «عامر» متهكمًا بسخرية جعلت «خالد» يضغط على شفته السفلى، فتدخل «وليد» يقول بضيق:
"ما خلاص يا جدعان بقى، أنا عاوز أنام ورايا شغل في المطبعة بكرة، دا انتو شلة مقرفة"
بعد مرور ١٠ دقائق جلسوا جميعًا على الانتريه و «ميمي» في منتصفهم، كانوا ينظرون لـ «عامر» بشررٍ يتطاير من أعينهم فقال هو بتلعثمٍ واضح:
"قبل ما حد فيكم يبصلي كدا....أنا...أنا كنت عند ابويا النهاردة بعد صلاة العصر....المهم قابلت زيكو و قالي إن فيه ساعة ماتش بليل و فيه خمسة عندهم حالة وفاة مش هيجوا الماتش...أنا بقى اتسحبت من لساني و قولتله هنيجي احنا الساعة دي علشان هو حاجز الملعب....هو بقى كلمني و محتاجنا"
رد عليه «ياسر» معقبًا بحنقٍ:
"إيه يا روح أمك؟ هو أنتَ جاررنا وراك علشان ساعة ماتش ؟ هو أنتَ مهزق يلا؟"
زفر «عامر» بقوة قبل أن يُجيبه بطريقة تشبه طريقة الأطفال:
"يا ياسر و الله قولتله هنيجي على أساس إن المشكلة تتحل و خلاص، لكن هو مسك في الكلمة و طلبني علشان نروحله"
_"شوفتوا إنه مترباش؟ شوفتي يا ميمي إن عامر عاوز يضرب بالجزمة علشان يتلم و يلم نفسه؟ الاستاذ فاكر نفسه موسيماني"
خرج ذلك الحديث من «خالد» بحنقٍ من أفعال صديقه، بينما «ياسين» رد عليه بضجرٍ:
"و أنا مشحطط وليد معايا و جايبه على أساس مساعدة خيرية و في الأخر عاوزنا علشان ساعة كورة؟"
رد عليه «عامر» بتوسلٍ:
"وافقوا يا جماعة علشان خاطري الواد مستنينا و أنا اديته كلمة و بعدين هو دفع إيجار الملعب يعني حرام يخسر، أبوس راسكم شكلي هيبقى زبالة"
تدخل «وليد» يقول بهدوء:
"بص هو أنا ملعبتش كورة من كام شهر كدا بس أنا معاك تمام و موافق عادي و ممكن لو زنقت أجيب أحمد و طارق"
رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"و رب الكعبة أخويا و رجولة، اقولك على حاجة من النهاردة أنتَ اللي ليا و هما فول و طعمية"
ضحكوا جميعًا بيأسٍ منه، فتحدث «ياسر» يقول بقلة حيلة:
"طب و لو هنلعب...نلعب بهدومنا دي إزاي؟ أنا لابس بدلة و الباقيين لابسين قمصان و بناطيل"
رد عليه «عامر» بطريقةٍ مُبسطة:
"بسيطة فيه هنا تيشيرتات كورة قد كدا كل واحد فينا ياخد تيشيرت حتى وليد هو كمان وافقوا يلا بقى"
_"مش رايح و ابعد عني علشان مخلصش روحك في إيدي الليلة دي، ورايا شغل و مش فاضي"
تحدث «خالد» بذلك الحديث بغضبٍ واضح في نبرته، مما جعل «ياسين» يقول بهدوء:
"خلاص يا خالد بقى خلينا نروح شوية و نرجع قبل نص الليل، بقالنا كتير ملعبناش مع بعض"
رد عليه «خالد» بانفعالٍ واضح:
"قولت لأ يعني لأ.... مش عاوز جدال و محدش يناقشني"
بعد مرور نصف ساعة توقفت السيارات أمام الملعب الرياضي فنزل «خالد» من سيارته و «عامر» برفقته و «ياسر» و «ياسين» برفقة بعضهما من سيارة الأول و «وليد» خرج من سيارته، و كان كلًا منهم يرتدي سترةٍ رياضية ترمز لأحد الفرق الرياضية العالمية مع بنطال رياضي"
نظر «وليد» حوله يتفحص ما حوله و فجأة ضحك بقوة ثم حرك رأسه في عدة جهات غير متناسبة، و هم ينظرون له باندهاش، و حينما لاحظ هو نظراتهم قال هو بعدما حمحم بقوة:
"بصراحة شكلنا حلو أوي و أنا بحب الحاجات دي بس نادرًا لما أجربها، و المضحك أكتر هو وجود خالد معانا"
رد عليه «خالد» بنبرةٍ مرحة ممتزجة ببعض الضيق الطفيف:
"أعمل إيه يعني يا عم وليد؟ مقدرش أزعل واحد فيهم و في نفس الوقت أنا خلقي ضيق أصلًا"
تحدث «عامر» يقول على عُجالة:
"ما يلا يا جماعة علشان نلحق نخلص بدري بدري، الواد عمال يرن عليا".
أومأ الجميع له ثم تبعوه للداخل و كلًا منهم يشعر بالتناقض من حاله، فهم حتى الآن لا يعلموا كيف انصاعوا لمطلب ذلك الوغد «عامر» حتى أتى بهم إلى ذلك المكان.
_________________
في شقة «محمد» جلست «جميلة» بمفردها في الشقة بعد خروج والديه و جلوس «عبلة» مع الفتيات فوق سطح المنزل و فجأة وجدت «طارق» يجلس بجانبها و هو يقول بتعجبٍ:
"قاعدة لوحدك ليه يا جميلة؟ طب قوليلي أجي أقعد معاكي بدل ما أنا متلقح جوة كدا لوحدي"
ابتسمت له بخجلٍ ثم قالت بهدوء:
"أنا بس كنت سرحانة شوية يا طارق، بس أقعد معايا عادي شوية لو مش وراك حاجة"
أومأ لها موافقًا ثم سألها مُستفسرًا بهدوء:
"مالك بقى سرحانة فـ إيه، و عيونك الحلوين دول مين محيرهم كدا يا جميلة"
حركت كتفيها ببساطة وهي تُجيبه بهدوء:
"عادي و الله مش سرحانة فـ حاجة معينة، بس بستغرب هو الوضع دا هيفضل كدا ؟ يعني تايهين و مفيش حاجة محددة"
قطب جبينه يسألها مستفسرًا بنبرةٍ حائرة:
"مش فاهمك يا جميلة؟ مالك فـ إيه، أنتِ عاوزة حاجة محددة يعني ولا بتتكلمي في المُطلق"
تنفست الصعداء ثم أخرجته على مَهلٍ ثم أجابته مُردفةٍ:
"يعني أنا كدا مراتك و لا ضيفة هنا و لا إيه حكايتنا، و هشتغل و أعيش هنا و لا هنزل شقتنا اللي تحت، و هفضل كتير مقاطعة ماما و بابا ولا أكلمهم و خلاص، أنا محتارة يا طارق، أنا حاسة أني لوحدي أوي و أول مرة أحس بكدا"
أومأ هو لها مُتفهمًا ثم أضاف قائلًا بحكمة:
"أنتِ مراتي يا جميلة و حقي في الدنيا دا أمر مفروغ منه، لكن أنا مستني يتعملك فرح زي أي بنت في الدنيا و تلبسي فستان أبيض زي ما تخيلتك طول عمري بيه، إنما علاقة أهلك دي حاجة مفروغ منها، مهما كان هما أهلك يا جميلة، يعني فطرة الإنسان مهما كانت بتحن غصب عنه لأهله، دي حاجة مؤكدة، أما بقى هنعيش فين، هنعيش في شقتنا اللي فـ بيت شباب العيلة"
رغم استماعها لحديثه بالكامل إلا أن ما لفت نظرها حقًا هو حديثه الأخير فسألته بتعجبٍ:
"بيت الشباب ؟ إيه بيت الشباب دا يا طارق، دا هنا برضه"
ابتسم هو لها ثم أجابها بهدوء ممتزج ببعض المرح:
"دا يا ستي البيت اللي خِلانك بنوه لينا سوا، يعني بدل ما كل واحد فيهم يروح يجيب شقة في مكان غريب، راحوا اشتروا حتة أرض و بنوا عليها بيت و كل واحد في الشباب له دور هناك و أنا شقتي في الدور التاني"
سألته هي باندهاش:
"أنا فاكرة إنكم بتقعدوا هنا علشان عرفت من هدى إن شقتها إيجار قريبة من هنا، فافتكرت إنكم برضه بتقعدوا في إيجار"
حرك رأسه نفيًا وهو بجيبها بحماسٍ:
"لأ خالص كل واحد فينا له شقة هناك بس هدى و وئام قاعدين فـ إيجار علشان البيت فاضي و هدى مش هتعرف تقعد لوحدها هناك، وئام أجر شقة سكنية قريبة مننا هنا لحد ما الباقي ربنا يكرمهم و يتجوزوا و يروحوا هناك، ساعتها وئام هيروح هناك هو كمان".
أومأت له في تفهم بعدما أدركت حقيقة الأمر ثم أضافت بمرحٍ:
"ربنا معاهم و يصبر قلوبهم، هي صعبانة عليا أوي و بالذات بعد ما هدير مشيت من البيت و هي حالتها صعبة، نفسي و الله أهون عليها أوي بس مش عارفة أعمل إيه، و هي كلها كام شهر و تخلف يعني لازم يكون فيه اتزان نفسي"
تنهد هو بقلة حيلة ثم رد عليها بنبرةٍ حزينة لأجل رفيقه:
"طول عمري أنا و هي و وئام مع بعض، حتى لما اتخانقوا سوا أنا اللي كنت بصالح بينهم و كنا مع بعض في الدروس و كل حاجة، عمري ما كنت أتخيل إن وئام و هدى ممكن يكونوا كدا، طول عمرهم مبسوطين و هما مع بعض"
حركت رأسها بإيماءة بسيطة توافق حديثه ثم أضافت:
"بس هو طيب أوي و معاها مش سايبها، بصراحة شايفاه بيعمل مجهود علشانها، من يوم تعب مامتها و وئام متحمل كتير"
رد عليها هو مُردفًا بثباتٍ:
"علشان وئام بيحبها من صغره، هدى هي كل حاجة ليه، مراته و أخته و صاحبته و شالته كتير أوي و لما أجل فرحه كذا مرة علشان الظروف مكانتش سامحة طلعت كل فلوسها و حاجتها عنده و قالتله يعمل فرح و يكمل الجهاز بتاع شقتهم، طول عمري كان نفسي أكون عندي حد زيي يقسم معايا الليالي بحملها التقيل، بس كان نصيبي أعيش دا كله لوحدي، هو بقى كان مشاركها فـ كل الليالي"
سألته هي ببسمةٍ هادئة رسمتها على وجهها بوضوح:
"أنا أصلًا لحد دلوقتي مش قادرة أصدق إنك استنيت كل دا بجد، أنا لو مكانك مش هستنى كدا بصراحة، مش كل الناس مخلصة كدا يا طارق"
حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرةٍ عملية:
"اللي عاوز يتحمل هيتحمل يا جميلة، فيه ناس بتحب ناس تانية من مجرد السمع عنهم، لكن أنا عارفك و كبرتي قدام عيوني و بنيت كل حاجة قصادي على إنك ترجعيلي و نكمل حياتنا سوا، صحيح ماخدتش بالي الوقت كان قد إيه بس أهو فات و أنا مستنيكي، و ربنا عوض صبري خير برجوعك ليا، و قطعت وعد قدام نفسي و قدام كل العيلة إني مش هتجوز غيرك و دا حصل الحمد لله و كل دا نساني البعد أصلًا يا جميلة"
نظرت له نظرة هائمة ثم تحدثت تقول له بنبرةٍ ممتزجة بالخجل:
"بصراحة إرادة من حديد إنك تصبر كل دا، علشان كدا أنا بحبك يا طارق...من ساعة ما جيت هنا و أنا عاملة زي البنت اللي متعلقة في باباها و مش عاوزاك تبعد عني، حاسة أني هخاف من غيرك"
اقترب منها هو يقول بهمسٍ طفيف:
"اعتبريني كل حاجة ليكي يا جميلة، أنا مش عاوز غير إنك تكوني مبسوطة و أنتِ معايا و متحسيش إنك اتسرعتي في جوازك مني"
ردت عليه بسرعة كبيرة تنفي حديثه:
"مستحيل يا طارق، عمري ما أندم و أنا معاك و عمري أحس إن وجودي جنبك غلط، يمكن دا الحاجة الحقيقة وسط كل الكدب اللي هنا، عينيك حنينة أوي يا طارق و بصراحة أنا طول عمري ناقصني حنان"
ضحك هو بخفة ثم أقترب منها أكثر يأخذها بين ذراعيه و هو يقول بمرحٍ ممتزج بالحنان:
"و أنا كلي حنان و الله خليكي في حضني بقى علشان أعوض الجفاف اللي جالنا احنا الاتنين"
ابتسمت هي باتساع ثم رفعت رأسها تُقبل وجنته بعدها أخفضت رأسها من جديد على كتفه و هي تتشبث به بقوة و كأنها تخشى فراره و ليس العكس، أما هو رفرف بأهدابه عدة مرات بعد فعلتها تلك ثم ابتسم باتساع تزامنًا مع تحريك يده على كتفها يربت عليه.
بعد فترة من الصمت السائد بينهما و هما على وضعهما و هي بين ذراعيه حتى ظن أنها غفت في ثباتٍ عميق فتحدث يسألها بهدوء:
"جميلة أنتِ نايمة؟"
ردت عليه هي بهدوء بعدما رُسمت بسمة هادئة على فمها:
"لأ....صاحية، بس مرتاحة كدا يا طارق لو أنتَ متضايق عرفني"
رد عليها هو بسخرية:
"اتضايق إزاي بس يا جميلة، كل الحكاية أني عاوزك معايا علشان ننزل عند هدى و وئام نطمن عليها، وئام كلمني و قالي إنها مش عاوزة تاكل، ينفع تيجي معايا"
ابتعدت عنه بسرعة و هي تقول بضيق بعد حديثه:
"و لسه فاكر تقولي يا طارق؟ حرام عليك دا كله عمالين نرغي سوا و حاض....."
شهقت هي بعدما أوقفت كلمتها الأخيرة بخجلٍ حينما أدركت ما كانت ستتفوه به، أما هو فابتسم بخبثٍ يلمع في مقلتيه فوجدها هي تخفض رأسها في خجلٍ فرفع هو رأسها ثم قال بنبرةٍ شبه ضاحكة و هو يحاول كتم ضحكته:
"ماهو بصراحة القعدة معاكي تنسي الدنيا باللي فيها، أنا حبك هيغرقني و أنا مبعرفش أعوم"
ابتسمت هي بهدوء فوجدته يضيف بهدوء:
"يلا علشان ننزل نطمن عليها قبل ما تنام زي كل يوم، ربنا يقدرنا بس و نعرف نغير حالتها دي"
ضيقت جفونها بشدة ثم قالت بحماس شديد:
"يلا بسرعة يا طارق، تعالى معايا جاتلي فكرة هتغير حالة هدى خالص و نطمن بيها على هدير كمان".
__________________
في شقة «محمود» و تحديدًا في غرفة «هدى» جلس «وئام» على مقعد خشبي أمام الفراش و في يده صحنًا من الحساء الدافئ فقال بنبرةٍ منهكة:
"يا هدى علشان خاطري بقى كلي ، اللي فـ بطنك ملوش ذنب لكل دا، و الدوا معاده فات من ساعة"
ردت عليه هي بحزن:
"مليش نفس و الله و مش قادرة آكل خالص، وبعدين آكل إزاي بس و أنا معرفش هدير عاملة إيه ولا حتى ينفع أكلمها، عاوزة أعرف هي أكلت ولا لأ، خايفة ولا متطمنة، دي بنتي يا وئام و قلبي عمال يتقطع من قهرته عليها"
وضع الصحن على الفراش ثم مد يده يمسك كفها يعانقه بين كفيه و هو يقول بهدوء:
"أنا عارف احساسك عامل إزاي، علشان جربته لما وليد كان في المصحة أول يوم سبته في السويس كان هاين عليا أروح ابات على السلم هناك، احساس إن حتة منك بعيد عنك و الله أعلم باللي هي فيه، أنا جربته و جريت على طارق أعيط زي العيل الصغير من خوفي على ابني....آه ماهو وليد ابني مش أخويا، ساعتها منمتش غير في حضن طارق و أنا بعيط، بس أنتِ حاجة تانية، هدير مع حسن يا هدى، حسن دا أضمنه برقبتي علشان تربية أبويا، و الله هدير في أمان معاه، حسن هيديها وقته و حياته و كل مجهوده، هيرجعها هدير تانية عمرنا ما شوفناها"
سألته هي بحماس تلتمس منه تأكيد حديثه:
"بجد ؟! يعني هدير مش هتخاف معاه، هدير جبانة أوي يا وئام و الله بتخاف أوي من كل حاجة في حياتها، يمكن تكون غلطت كتير بس و الله مكانش حد معاها ينصحها و يصلح وراها، هدير مكسورة أوي، دي حتة مش قادرة تعترض على أي حاجة بتحصلها"
رغمًا عنها امتزج حديثها بالبكاء و هي تتحدث عن معاناة شقيقتها فوجدته يمد يده يمسح دموعها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هدير مكسورة و حسن طول عمره مكسور و يمكن ربنا جمع طُرقهم مع بعض علشان يعوضوا بعض، و الله خلي عندك ثقة فيا و في وليد و في حسن علشان محدش فينا عمره هيخذلك ولا يخذل هدير"
أومأت له موافقة عدة مرات و فجأة طرق باب الغرفة عليهما بواسطة عمه و هو يقول بهدوء:
"طارق و جميلة برة يا وئام عاوزين هدى و عاوزينك"
رد عليه هو بهدوء:
"حاضر يا عمي جاي ورا حضرتك أهوه، و هدى كمان هتيجي معايا"
قال جملته ثم نظر لها يقول بهدوء ممتزج بالحنان:
"يلا معايا علشان جميلة مستنية برة و هي كل شوية تيجي تطمن عليكي"
خرجا معًا من الغرفة للخارج عند «طارق» و «جميلة»، فوقفت «جميلة» متأهبةً تقول وهي تقول بنبرةٍ متسرعة:
"هدى أخبارك إيه طمنيني عليكي"
اومأت لها بهدوء ثم قالت بنبرةٍ شبه مسموعة:
"أنا كويسة يا جميلة، شكرًا على تعبك معايا أنا طلعت عينك من ساعة ما رجعت البيت هنا"
ردت عليها «جميلة» بـ لومٍ و عتاب:
"كدا يا هدى أخرتها تشكريني !! هو أنا مش زي هدير ؟ ليه عاوزة تعملي فرق بيننا كدا"
ردت عليها الأُخرى باحراج:
"خالص و الله متقوليش كدا، بس بجد أنا حاسة بتعبك معانا هنا، ربنا يعلم غلاوتك من غلاوة هدير بالظبط عندي، ربنا يكرمك و يراضيكي"
ابتسمت لها باتساع ثم قالت:
"طب طمنيني كلتي ولا لأ ؟ أنا موصية وئام عليكي أوي، أوعي يكون مقصر"
رد عليها «وئام» بنبرةٍ مُحرجة:
"و الله مقصر و مش قارد عليها تاكل خالص، و ماخدتش علاجها النهاردة، شكلي هطلع مقصر فعلًا"
ضحكت «جميلة» في وجهها و هي تقول بنبرةٍ مرحة بعض الشيء:
"هي هتاكل علشان تعرف تشوف هدير و علشان تعرف تركز معاها"
سألتها «هدى» بسرعة كبيرة نتيجة حماسها:
"هشوف هدير ؟! إزاي بس وفين علشان خاطري قوليلي هشوفها إزاي"
اشفقت «جميلة» عليها لذلك ربتت على كتفها و هي تقول بهدوء ممتزج بالحزن عليها:
"كلي دلوقتي و خدي علاجك و أنا هقولك إزاي نكلمها و أخليكي تطمني عليها".
بعد مرور نصف و تحديدًا بعد تناول «هدى» طعامها و الدواء صعدت لـ سطح البيت و معها البقية، دلفت هي مستندة على ذراع زوجها فوقفت «خلود» تقول بمرحٍ:
"أيوا بقى مؤسسين السطح الأصليين طلعوا، وحشتونا و الله"
ضحكوا جميعًا عليها أما «جميلة» سألتها بتعجبٍ:
"أنا مش فاهمة حاجة، يعني إيه المؤسسين الأصليين دي"
غمزت لها «خلود» بخبثٍ و هي تضيف:
"أصل وئام صاحب أول قصة حب تدخل عيلة الرشيد، ليه هنا بطولات عظيمة ولا إيه يا هدى، فاكرة"
ضحكت «هدى» بقوة رغمًا عنها حينما التقطت حديث «خلود» فأخفض «وئام» جسده حتى وصل لأذنها يقول معاتبًا لها:
"يعني جميلة بتعرف تأكلك و خلود بتعرف تضحكك، و أنا اولع يعني؟ ضحكتك وحشتني يا أوي يا هدى"
رفعت عيناها تطالعه بأسفٍ فوجدته يومأ بها بأهدابه حتى يطمئنها و فجأة تحدثت «خلود» بخبثٍ:
"جرى إيه البطولات وحشتكم ولا إيه؟ بتتوشوشوا فـ إيه انتو الاتنين ؟"
تدخل «طارق» يقول بحنقٍ:
"تصدقي يا بت أنا صعبان عليا اللي هيتجوك هو و عبلة أختي علشان هي حظها طلع وليد و هو حظه فيكي أنتِ"
تدخلت «عبلة» تقول بتهكمٍ واضح بعدما وضعت يدها على خصرها:
"و ماله وليد إن شاء الله؟ طول ماهو مش هنا تجيب سيرته عدل هو صحيح مجنني و مخليني ألف حوالين نفسي بس أنا راضية"
جلسوا جميعًا فتحدث «وئام» مستفسرًا:
"هو فين البيه ؟ مختفي من الصبح و مش لاقيينه"
رد عليه «أحمد» بنبرةٍ عادية يجيبه:
"جاله تليفون و فجأة قال ورايا مشوار مهم، نزل و سابنا ممكن يجي دلوقتي"
سأل «طارق» شقيقته بسخرية:
"و أنتِ يا ختي متعرفيش هو فين؟ أباجورة معانا يعني"
ردت عليه بتعالٍ:
"طبعًا عارفة ليدو مش بيخبي حاجة عني أصلًا، هو بيعمل خير و زمانه جاي، ربنا يكرمه"
تدخلت «جميلة» تقول بسخرية:
"لأ و هو ماشاء الله عليه وش خير، ربنا يسترها إن شاء الله"
ضحك الجميع على حديثها الساخر بينما «عبلة» نظرت لها بشرٍ و هي تقول بهدوء مخيف:
"أهدي على نفسك بدل ما أسلط عليكي خلود، آه خلود أصلًا عندها ربع مش موجود و كلنا بندور عليه"
تدخلت «سلمى» تقول مستفسرة:
"قبل ما تبدأوا هزار بس هو إيه سبب إنكم تطلعوا هنا علشان أنا كنت بحل الواجب و خلاص كدا مش هقدر أكمل و أنتو قاعدين"
ردت عليها «جميلة» بهدوء:
"طالعين علشان نكلم هدير و نتطمن عليها كلنا"
سألتها «عبلة» بتعجبٍ:
"إزاي بس؟ ياريت نعرف نكلمها حتى وليد قالي مش هنعرف نكلم حسن علشان ميتحرجش"
أجابتها «جميلة» بفخرٍ:
"هنكلمها فيديو و هي لما تلاقينا بنحاول نوصلها و نطمن عليها هتفرح أوي و هتحس إننا مهتمين بيها، بدل ما نسبب احراج ليهم، أنا هكلمها فيديو من عندي و هي فاتحة نت أصلًا"
نظر لها الجميع بفخرٍ ممتزج بالراحة بعد مقترحها الذي أخبرتهم به .
على الجهة الأخرى جلست هي الأريكة بعدما تناولت الشاي، ثم قامت بضم ركبتيها على صدرها، أما هو فخرج في تلك اللحظة من الداخل يقول بمرحٍ:
"عارفة يا هدير الراجل اللي اخترع غسالة الأطباق دا عاوز ابوسه بوسة؟ هو و مخترع التكييف و اللي اخترع الحضن يحتاجوا وقفة تقدير و احترام"
نظرت له بتعجبٍ وهي تحرك رأسها باستفسار فوجدته يرتمي بجانبها على الأريكة و هو يقول بمرحٍ:
"أصل غسيل الأطباق دا رخم أوي بجد و حاجة متعبة، الغسالة دي بقى ترمي الأطباق فيها و تخرج حاجة تانية، و اللي اخترع التكييف دا لازم البشرية كلها تعمله صدقة جارية على روحه، يعني فكرة إنه يحولك الحر لتلج كدا، دا لازم نبوسه بصراحة، أما اللي اخترع الحضن دا لازم كلنا نحضنه علشان الفكرة الجامدة دي، فكرة إن مجرد دراع يضمك و تعيطي فيه و تخرجي زعلك دي حاجة غريبة، فيه ناس حياتها بتتجدد بحضن يا هدير"
أومأت له توافق على حديثه فوجدته ينظر لها بهدوء و هو يطيل النظر في وجهها أما هي فأخفضت رأسها حينما لاحظت رنين هاتفها برقم «جميلة»، قطبت جبينها متعجبةً مما رآت فوجدته يأخذ منها الهاتف و هو يقول بمزاح:
"استني بقى مدير أعمالك يرد مكانك، أي حفلات أو سهرات مع العبد لله"
رغمًا عنها ابتسمت باتساع فوجدته يضع الهاتف أمام وجهها في تلك اللحظة بعدما ضغط على زر الإيجاب، كانت هي تنظر له نظرة حائرة و هي تضحك عليه و فجأة وصلها صوت «هدى» و هي تقول بنبرةٍ شبه باكية:
"هدير ؟! أخبارك إيه طمنيني عليكي، و حشتيني أوي"
حركت «هدير» رأسها تنظر للهاتف بعدما كانت تنظر له هو و حينما رآت شقيقتها عبر شاشة الهاتف فاض الحنين من مقلتيها لها ثم حركت رأسها موافقة عدة مرات، فتدخل «حسن» يقول بمرحٍ:
"بتقولك إنها كويسة جدًا و فرحانة أوي و مستغربة إزاي كانت طايقة تعيش معاكم....صح يا هدير ؟"
ابتسمت من جديد باتساعٍ أكثر فوجدت «خلود» تقول بخبثٍ بعدما تدخلت تنظر للهاتف:
"الله من أولها ضحكنا أهو، أنا متفائلة خير و الله"
رد عليها «حسن» بمرحٍ:
"أنتِ بتفهمي والله، بس اطمنوا هي كويسة و كلت و شربت اللبن و هتغسل سنانها وتنام دلوقتي"
ردت عليه «هدى» بامتنان حقيقي ممتزج بنبرةٍ باكية:
"شكرًا ليك يا حسن، خلي بالك منها بالله عليك، دي بنتي و أول ما عيني شافت و الله"
التفت ينظر لـ «هدير» فوجد التأثر باديًا على ملامح وجهها، لذلك نظر أمامه من جديد ثم صبغ نبرته بالحنان أنهاها بالمرح :
"هدير في عيني متخافيش، و بعدين سؤال معلش، يعني دلوقتي في مقام حماتي؟ يا نهار مش فايت على دماغ أهلي"
تدخل «وئام» يقول بحنقٍ زائف:
"لم نفسك يا حيوان و أنتَ بتتكلم مع مراتي، خلي بس من هدير لحد ما ناخدها تاني منك"
تبدلت ملامح «حسن» في ثوانٍ إلى الضيق الممتزج بالحزن لذلك حاول تنقية حنجرته ثم قال ينهي تلك المكالمة:
"على العموم احنا كويسين و هي كويسة، سلام يلا علشان بصراحة عاوز أنام، أنا صاحي من بدري"
تم اغلاق المكالمة بينهم و كانت هي تتابع ملامحه الواجمة التي تبدلت بعد المكالمة، أما هو أخفض رأسه ينظر للأسفل و هو يحرك الهاتف في يده يلوح به، تعجبت هي من تغيره لكنها أدركت أن سبب تغيره هو حديث ابن عمها لذلك رفعت كفها تضعه على كتفه و كأنها تستفسر منه عن حالته بذلك، فوجدته يخرج من شروده و هو يقول بهدوء بعدما ابتسم لها باقتضاب:
"نعم عاوزة حاجة؟"
حركت رأسها نفيًا ثم أخذت منه الهاتف ثم ارسلت له تسأله بتعجبٍ من تغير حالته:
"أنتَ كويس يا حسن؟"
وصلته رسالتها عبر هاتفه فأخرجه يقرأ ما أرسلته له، فتنهد بعمقٍ ثم ارسل لها:
"أنا كويس الحمد لله، أنتِ كويسة؟ محتاجة مني حاجة"
_"أنا كويسة الحمد لله، بس عاوزة أنام ممكن ؟"
ارسلت له ذلك عبر هاتفها و حينما قرأ هو ما أرسلته، أومأ لها موافقًا ثم قال لها:
"طبعًا ممكن، تعالي يلا علشان أنا كمان عاوز أنام".
قال جملته ثم اعتدل واقفًا ثم أمسك يدها يوقفها هي الأخرى، فعلت ما أراد ثم سارت بجانبه في هدوء حتى وصلا الغرفة، دخل هو أولًا ثم أشار لها بالتقدم، فامتثلت لمطلبه و ذهبت إلى الفراش فوجدته يقول بهدوء:
"أنا هنام قصادك يا هدير على السرير دا، تليفونك جنبك لو عوزتي مني حاجة رني عليا، لو مصحتش أول مرة كرري تاني، مصحتش برضه ارمي مياه في وشي، كل دا و مصحتش معاكي ادعي عليا و أنا هأمن وراكي علشان دا حقك"
قال حديثه الأخير بمرحٍ جعلها تومأ له عدة مرات بعدما ابتسمت له موافقة، فوجدته يميل بجذعه ثم رفع قدميها على الفراش، أجفلت هي من لمسته لها فوجدته يقول مُطمئنًا لها:
"متخافيش أنا بس هغطيكي علشان التكييف عالي و أكيد هتبردي"
أومأت له بخوفٍ عدة مرات فوجدته يرفع الغطاء يدثرها بها بحنانٍ بالغ كما لو أنه يهدهد طفلًا صغيرًا، بعدها ابتعد عنها يسير نحو فراشه الصغير و فجأة وجدته يخلع ملابسه العلوية ثم ارتمى على الفراش فجأةً، اتسعت حدقتيها بقوة حينما وجدته عاريًا لذلك أحكمت الغطاء عليها بالكامل، أما هو فـ زفر بقوة ثم اغلق جفنيه يذهب في ثباتٍ عميق، أما هي بعد مرور دقائق لاحقته في النوم حينما تأكدت من جمود حركته.
___________________
في الملعب وقف «خالد» في المنتصف حتى يقوم بركل كرة القدم و كان ذلك الهدف هو الفاصل بين الفريقين، فإذا قام «خالد» باحراز الهدف سيصبح الفوز حليفهم، و إذا أخطأ سيصبح الفوز حليف الفرقة الأخرى، كانت لحظة من التوتر يسودها القلق و الترقب من «ياسين» و من معه، و مع إطلاق صافرة الحكم قام «خالد» بركل الكرة و لحسن حظهم أصيب الهدف و أصبح الفوز حليفًا لهم، حينها ركض «عامر» و «وليد» يحملون «خالد» معًا، ثم تبعهما باقي الفريق و هم يهللون فرحًا بنصرهم في تلك المباراة حتى و إن كانت مباراةٍ ودية، إلا أن النصر بها كان عظيمًا، و بعد ما يقرب النصف ساعة جلس الشباب جميعهم بجانب بعضهم برفقة باقي أعضاء فرقتهم عدا «عامر» الذي اختفى، فتحدث «وليد» يسأل «خالد» بتعجب:
"صحيح يا خالد أنا عاوز أسألك سؤال، شكلك لعيب ماشاء الله، بس هو إزاي كان واقف يمين و أنتَ حدفتها يمين ؟ و جت"
رد عليه «خالد» بفخرٍ:
"أنا الكورة دي حياتي و كان حلم حياتي ابقى لعيب مشهور بس الحظ مأسعفنيش، المهم أنا جبتها يمين علشان هو واقف يمين أصلًا"
سأله «وليد» بتعجبٍ:
"يعني إيه برضه مش فاهم؟"
رد عليه «خالد» يجيبه بهدوء:
"هو قاصد يقف يمين و يسيبلي الشمال فاضي علشان أحدفها شمال و هو يعرف يميل بجسمه يوقفها، لكن لما حدفتها يمين مكان وقوفه جسمه تلقائيًا اتحرك في العكس و الناحية بقت فاضية و الكورة دخلت، مفيش حاجة اسمها الجون بيجي في ثانية، علشان قبل الثانية دي في دقايق بتمر في التفكير"
أومأ له «وليد» باستحسان حينما أدرك ماهية تفكيره و قدرته على احراز الهدف، في تلك اللحظة اقترب منهم «عامر» و هو يلهث بقوة من قوة ركضه، فتحدث «ياسين» يسأله حائرًا:
"اختفيت فين يا زفت؟ و إيه اللي معاك دا يالا"
رد عليه «عامر» بصعوبة:
"كنت....كنت بجيب الدُف دا علشان نحتفل بالفوز زي كل مرة"
تدخل «زيكو» يقول بمرحٍ:
"الله ينور عليك يا عامر، دايمًا دماغك عالية و مروق علينا"
تدخل «وليد» يقول بتعجبٍ:
"هو أنتو كل مرة بتكسبوا و كمان بتحتفلوا؟ أنا فاكرها حاجة جديدة عليكم"
رد عليه «ياسر» بمرحٍ ممتزج بالفخر:
"لأ دي عادتنا علطول، احنا لينا ماتش زي دا كل فترة و بنكسب بفضل خالد و تقسيم ياسين و بجاحة عامر علشان بيضرب و بيبجح و محدش بياخد معاه حق ولا باطل"
رد عليه «عامر» متشدقًا بنذقٍ:
"آه إن شاء الله، يلا بقى علشان نحتفل، خلي ياسين يغني و يسمعنا"
سأل «وليد» بنبرةٍ مندهشة:
"ياسين ؟ هو كمان بيعرف يغني؟ كدا كتير عليا و الله"
أومأ له «ياسين» ثم أخذ الدُف من «عامر» و هو يقول بمرحٍ:
"بغني و برقص و بشكل و بعمل كل اللي نفسك فيه، ها تحب تسمع إيه علشان نوجب معاك"
رد عليه «وليد» بمرحٍ:
"حيث كدا بقى سمعني عبد الباسط حمودة، الجو هادي خالص"
تدخل «خالد» يقول ساخرًا:
"كدا هتبقى ليلة فل، قال جو هادي قال"
جلس الشباب جميعهم حول «ياسين» و «عامر» بجانبه يضرب بكفه على الدف في تناغم مع صوت «ياسين» الذي شرع في الغناء بقوله:
"الجو هادي خالص و الدنيا هس هس و أنا و أنتَ يا حبيبي يا حبيبي و نجوم الليل و بس.....الجو هادي خالص و الدنيا هس هس و أنا و أنتَ يا حبيبي يا حبيبي و نجوم الليل و بس، لا فيه عزول ما بينا ولا خلق يغيروا منا، و الكل ناموا ننة و فضلت أنا و أنتَ بس"
أكمل «ياسين» الغناء و الشباب حوله يصفقون بكفيهم في تناغم مع اللحن و صوته، كانت الجلسة ممتعة جعلت «وليد» يشعر بالراحة وسطهم حتى ارتفعت ضحكاته تدريجيًا مع انبساط ملامح وجهه، و بعد قليل ارتفع صوت التصفيق عاليًا حينما أنهى «ياسين» الغناء، و بعدها قال «عامر» بتوسلٍ:
"يلا يا ياسين علشان خاطري سمعني بهاء سلطان، علشان أنا بحبه أوي"
رد عليه «ياسر» بضجرٍ:
"يا بني اخلص بقى و بعدين هي ناقصة نكد يعني؟ بهاء سلطان مين دا اللي نسمعه ؟"
رد عليه «عامر» بطريقة تشبه طريقة الأطفال حتى يتوسله:
"علشان خاطري خليه يغني أغنية قوم أقف و أنتَ بتكلمني علشان بحبها، بس ليا طلب عندكم أول ما ياسين يجي عند الحتة بتاعة قوم أقف نقوم نقف كلنا و نرقص و نصقف، بالله عليكم محدش يحرمني من المتعة دي"
رد عليه «خالد» بضيق حانقًا عليه و على افعاله الصبيانية:
"الوقت اتأخر و احنا لسه في الملعب يا عامر، خلصنا علشان نروح"
رد عليه بتوسل حقيقي:
"يا خالد مرة من نفسي علشان خاطري، يلا يا ياسين متزعلنيش احنا قدامنا قرن كمان علشان نتجمع كدا"
تدخل أحد الشباب يقول بمرحٍ:
"خلاص بقى يا عم ياسين من بدري متجمعناش سوا كدا، يلا علشان خاطر زيكو و صُحبته"
أومأ له «ياسين» ثم قال بهدوء مُرحبًا بطلبه:
"عيني ليك يا حودة أنتَ تؤمر، يلا يا عامر طبل خليني ابدأ"
احتل الحماس تلك الجلسة الشبابية المرحة، فقام «ياسين» بالامتثال لطلبهم و شرع في الغناء:
"علشان أصالحك و أرضى عليك حاجات كتير لازم تعملها...علشان أصالحك و أرضى عليك حاجات كتير و دي أولها.......قوم أقف و أنتَ بتكلمني....قوم أقف بصلي و فهمني"
في تلك اللحظة وقف الشباب معًا يرقصون تزامنًا مع تصفيقهم و هم يتحدثون في آنٍ واحد مع «ياسين»:
"قوم أقف و أنتَ بتكلمني....قوم أقف بصلي و فهمني، و لا تتكلم و أنا بتلكم و إن غلطت ابقى أمشي و ســـبــنــاي"
عند الكلمة الأخيرة وقف «عامر» على المقعد و في يده الدُف و هو يطرق عليه بقوة أشعلت الجلسة بأجواءٍ حماسية جعلتهم يتراقصون جميعهم، و «ياسين» يصفق بكفيه معًا و هو يغني بملء صوته العذب الذي تمكن هو بتقليد المطرب الأساسي لتلك الأغنية.
بعد قليل رحل الشباب تباعًا خلف بعضهم عدا الخمسة شباب، وقفوا جميعهم مع بعضهم فقال «وليد» بمرحٍ:
"بجد دي تاني أحلى ليلة في حياتي بعد فرح خديجة، و الله أنتو القعدة معاكم حياة تانية"
رد عليه «خالد» بمرحٍ:
"أي خدمة...ابقى تعالى أنتَ بس كتير و احنا عنينا ليك"
أومأ له موافقًا ثم شرع في توديعهم، و بعدما ابتعد عنهم، لحقه «ياسين» حتى وقف بجانبه أمام سيارته و هو يقول بهدوء:
"فرحت معانا يا وليد؟ يعني كنت مبسوط معانا"
نظر له «وليد» بتأثرٍ و هو يقول بنبرة تائهة بعض الشيء:
"مش عارف....بس كنت مرتاح و دا مش طبعي، اللي زيي مش بالسهل يتطمن لحد بس معاكم حاجة تانية، أنا عمري ما كان صحاب و عمري ما أعرف وجودهم عامل إزاي، بس وجودهم بيوجع و دا اللي أنا أعرفه يا ياسين، بس أنتو مش كدا خالص....أطمن أنا فرحت أوي"
ابتسم له «ياسين» بتفهمٍ ثم ربت على كتفه و هو يقول بهدوء:
"احنا مش صحاب.... احنا اربع أخوات و يشرفنا نبقى خمسة بيك يا وليد.....ها رأيك إيه"
نظر له «وليد» باندهاش فوجده يومأ له بقوة ثم أضاف:
"مستغرب ليه؟ احنا فعلًا عاوزينك معانا يا وليد علشان احنا حاسبينك واحد مننا"
زفر «وليد» بقوة ثم رد عليه مُعقبًا:
"كلامكم فوق راسي يا ياسين بس أنا صعب افرض نفسي على حد، و انتو عشرة عمر طويلة هاجي أنا أبقى دخيل بينكم؟ أنتَ بس لما تلاقي ماتش زي دا قولي علشان أجي أخرج شوية طاقة من اللي عندي"
رد عليه «ياسين» بـ لومٍ و عتاب:
"عيب عليك لما تقول لأخوك كدا في وشه، هما أصلًا اللي قالولي إنك تبقى معانا علطول هما جدعان أوي يا وليد، متحرمناش من متعة وجودك معانا"
ابتسم له «وليد» ثم أومأ له موافقًا بعدها قال بهدوء:
"سبني اروح بقى علشان دي مش عادتي اتأخر كدا، و بعدين أنتَ إزاي سايب أختي لوحدها لحد دلوقتي"
تلاشت بسمة «ياسين» تزامنًا مع اتساع حدقتيه بعدها قال بذهول:
"يا ليلة مش فايتة؟! أختك !! خديجة....دا أنا سايبها زعلانة اصلًا"
_"يا ليلتك السودا ؟! منكد على أختي يا ياسين، شكلي كدا هبدأ امشي في إجراءات الطلاق"
تفوه «وليد» بذلك الحديث متشدقًا بسخرية، جعلت الآخر يتركه فجأة ثم ركض نحو سيارته و هو يقول بسرعة:
"يلا يا عامر اركب بسرعة، الوقت اتأخر و كل واحد فينا سايب مراته في البيت، يلا حلو منك ليه"
رحلت السيارة و الأخرى تتبعها، فابتسم «وليد» بسخرية ثم حدث نفسه متهكمًا:
"و الله العيال دي عسل.... أجري أنا كمان بقى لعبلة"
_________________
صعد كلًا منهم شقته بسرعة كبيرة حينما تأخر الوقت إلى ذلك الحد، و كلًا منهم يتمنى مرور تلك الليلة بسلام عليه مع زوجته...أمام شقة «ياسر» حاول ادخال المفتاح في الباب فدخل لكن دون جدوى حيث قامت هي بوضع المفتاح من الداخل و غلق الباب بالمقابض الداخلية، حاول مرارًا و تكرارًا و حينما باءت محاولاته بالفشل أخرج هاتفه يطلب رقمها، في المرة الأولى لم يصله منها نتيجة و في المرة الثانية نفس الشيء و في المرة الثالثة أغلقت في وجهه، فرفع هو صوته قائلًا:
"افتحي يا إيمان الوقت اتأخر و كدا مينفعش....أنتِ صاحية و كدا عيب"
ردت عليه من خلف الباب بنزقٍ:
"و ماله....إن شاء الله"
تحدث هو متوسلًا لها:
"و الله الوقت اتأخر و جسمي مكسر افتحي بس و هفهمك يا إيمان يخربيت دماغك"
ردت عليه بنبرةٍ حانقة:
" روح شوف أنتَ كنت فين و خليك هناك يا دكتور، أقولك بات أحرص الشقة على السلم علشان أنا بخاف"
ضغط على شفته السفلى ثم رفع حاجبه بخبثٍ بعدها أخرج هاتفه ثم قام بتشغيل نغمة الرنين، تصنع هو الإجابة على الهاتف بقوله:
"أيوا يا دكتورة نورين ؟.... لأ و لا يهمك صاحي طبعًا....إيه عاوزاني دلوقتي في المستشفى علشان حالة معاذ؟ .... لأ هاجي طبعًا، روحي حضرتك يا دكتور و أنا هبات هناك الليلة دي .... المدام عند والدتها .....خلاص مفيش مشاكل مسافة السكة و أكون عندك"
عند جملته الأخيرة سمع صوت الباب يُفتح من الداخل فابتسم بخبثٍ يلمع في مقلتيه ثم أعاد ثبات ملامح وجهه من جديد و هو يتجه نحو المصعد، فوجد «إيمان» خلفه تسأله بشرٍ:
"رايح فين يا ياسر في نص الليل كدا يا حبيبي؟ إيه رايح تكمل صياعة ؟"
التفت لها ثم حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرة غير مبالية:
"نامي أنتِ متشغليش بالك، دكتورة نورين كلمتني علشان حالة معاذ و مستنياني هناك، هاجيلك الصبح عاوزة حاجة؟"
استشاطت غضبًا منه فخرجت تمسك كفه تسحبه خلفها بقوة و هو خلفها يحاول كتم ضحكته لكنه كان مسالمًا لها في سيره معها نحو الشقة و قبل أن يدلف الشقة معها أوقف قدميه ثم قال بحنقٍ زائف:
"استني هنا بقولك رايح المستشفى، بتدخليني معاكي؟ مش هينفع هما مستنيني هناك"
التفتت له بضيق و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
"مفيش بيات برة البيت، أنتَ هتبات معايا هنا و جنبي"
رد عليها هو بسخرية:
"مش قولتيلي اروح اكمل صياعة برة، هروح بقى أشوف حالي و أصيع مع محلول و لا إزازة بنج تكون مضروبة"
صرخت في وجهه ثم دفعته للداخل و هي تغلق الباب بقدمها، بعدها التفتت تغلق الباب عدة مرات بالمفتاح ثم أحكمت المقبض الداخلي، التفتت من جديد تنظر له فوجدت نظرته خبيثة ممتزجة بتسليةٍ واضحة تضج من أعينه، فقال هو بمرحٍ:
"كان لازم اشتغلك يعني و أقولك يعني أني هبات برة البيت علشان تفتحي الباب ؟ ستات متجيش غير بتشغيل الدماغ"
سألته هي باندهاش حقيقي:
"تشغيل دماغ ؟! آه يا ابن ميرفت، قولي يا دكتور يا محترم كنت فين لحد دلوقتي و الساعة داخلة على اتنين كدا"
رد عليها هو باحراج حقيقي:
"و الله العظيم كنا بننقذ موقف، واحد لو كنا سبناه كان شكله بقى وحش أوي"
أقتربت منه تمسك سترته الرياضية تتفحصها و هي تقول بسخرية:
"شوف و أنا اللي ظنيت فيك ظن سوء ؟! بس هو عمل الخير دا يخليك تقلع البدلة اللي نزلت بيها و ترجعلي بـ تيشيرت ليفربول؟ خير كنتوا بتساعدوا محمد صلاح؟"
اقترب منها يقول بخبثٍ:
"ما تسيبك بقى من محمد صلاح و الدوري الانجليزي كله و ركزي معايا كدا علشان وحشتيني و كنت ضايع من غيرك"
ردت عليه هي بحنقٍ:
"أنتَ ضايع علطول أصلًا و بصراحة كدا مش عاوزة أعبرك"
شبك كفيه خلف ظهرها بعدما اقترب منها أكثر و هو يقول بمرحٍ:
"طب مش عاوزة تعرفي أنا كنت فين؟ ولا عملت إيه و أنا بعيد عنك"
رغم الفضول البادي على ملامحها و الواضح في نظرتها إلا أنها حركت كتفيها ببساطة وهي تُجيبه:
"لأ مش عاوزة أعرف حاجة عنك و ابعد عني يا ياسر علشان أنا زعلانة منك و الله"
أومأ لها موافقًا ثم اقترب منها يقبل رأسها بعدها سألها بهدوء:
"زعلانة مني لسه؟"
أومأت له موافقة فوجدته يبتسم بهدوء ثم حملها فجأة كالطفل الصغير على ذراعيه و هو يقول بمرحٍ:
"و أنا واد متربي و مقدرش أسيب إيمان زعلانة مني، هصالحك أنا"
ردت عليه بلامبالاة:
"براحتك كدا كدا مش هتصالح زي كل مرة، أنا أصلًا أصلًا بقيت بكرهك خلاص"
_"و أنا بحبك و بتمنى بس عمري كله يكون معاكي قصاد عيونك هنا، و انجازي في الحياة هو إنك بقيتي مراتي يا إيمان"
قال حديثه ذلك بكل الحب و الحنان في نبرته مما جعل بسمتها تتسع و لكنها وأدتها بسرعة كبيرة ثم قالت له:
"لو فاكر بكلامك دا إنك هتضحك عليا و أعديها زي كل و كلامك هيعجبني؟ ..... يبقى معاك حق برافو عليك علشان أنا بحبك أوي"
ضحك هو بقوة ثم قال بمرحٍ حتى يشاكسها:
"و الله العظيم أنتِ عندك ربع ضايع و محتاج حد يلاقيه"
________________
عند كلًا من «خالد» و «عامر» وجد كلاهما زوجته نائمة دون إدراك لما يدور حولهم فمر يومهم بسلام بعدما غاص كلًا منهما في ثباتٍ عميق بجانب زوجته.
عند «ياسين» دخل الشقة بهدوء يبحث عنها بعينيه لكن دون جدوى، دخل غرفته يبحث عنها و لم يجدها و كرر الكرة من جديد في الشقة بأكملها و حينها ازداد قلقه حينما لاحظ الشقة خالية من وجودها، و فجأة تذكر الشرفة لذلك أسرع الخطى نحوها ثم وقف على اعتابها فوجدها توليه ظهرها و هي غافية، فتنهد بأريحية ثم جلس بجانبها دون أن يقترب منها فقط جلس يراقب سكونها و فجأة استند بكفيه على الأرضية الرخامية خلفه و هو يخرج صفيرًا متناغمًا ثم شرع في الغناء بسخرية:
"دخل الحرامي و أنا نايمة شوف قلة أدبه ؟! و أنا نايمة.....قرب عليا و أنا نايمة ....شوف قلة أدبه ؟!...و أنا نايمة.... قرب عليا و أنا نايمة.... شوف قلة أدبه....و أنا نايمة.... خد مني بوسة و أنا نايمة شوف قلة أدبه ؟ و أنا عاملة نفسي نايمة..... و أنا عاملة نفسي نايمة ....و أنا عاملة نفسي نايمة"
حاولت هي كتم ضحكتها و نجحت أخيرًا في ذلك فوجدته يقول بصوتٍ مسموع لها و كأنه يحدث نفسه:
"زي الملاك و هي نايمة بشعرها المفرود، طول عمري نفسي أتجوز علشان أشوف مراتي و هي نايمة كدا....بس الحلو مبيكملش للأسف...صوت شخيرها عالي أوي"
عند تلك الجملة انتفضت من نومتها تسأله بحنقٍ ممتزج بالدهشة:
"مين دي اللي بتشخر يا كداب؟ دا أنتَ هتولع في النار بسبب كدبك دا"
سألها هو بدهشة زائفة:
"إيه دا خديجة أنتِ صاحية؟ مأخدتش بالي خالص، افتكرتك نايمة يعيني"
زفرت بقوة في وجهه ثم عادت كما كانت من قبل فتنهد هو بقوة ثم مال عليها يقول بمرحٍ بعدما استند على مرفقه:
"هتنامي دلوقتي يعني ؟ دا كله مستنياني و في الأخر تنامي و تسيبيني يا خديجة ؟"
ردت عليه هي بضيق منه:
"أنا مكنتش مستنياك أصلًا، بس أنا نومي خفيف حسيت بـ باب الشقة و هو بيتفتح، لكن أنا نمت عادي يعني"
سألها هو بمشاكسة:
"كدابة يا ست الكل علشان صوتك طبيعي و مفيهوش أثر نوم، و ملامحك عادية و شكلها طبيعي، بس و الله وحشتيني الشوية دول"
نظرت له نظرة خالية من المشاعر ثم أغلقت أهدابها، فوجدته يسألها بتعجبٍ:
"أنتِ مش هتنامي ولا إيه الوقت اتأخر و دي مش عادتك"
ردت عليه بلامبالاة:
"لأ أنا هنام هنا، الجو في البلكونة حلو"
رد عليها هو بضجرٍ منها:
"أنتِ عبيطة يا ست الكل؟ بلكونة مين دي اللي تنامي فيها؟ قومي يا خديجة علشان ننام في اوضتنا"
ردت عليه هي بنفس النبرة الباردة:
"مش عاوزة أنام فيها أنا حرة، نام أنتَ فيها يا حبيبي"
_"حبيبك ؟! ليه حاسسها ردح"
سألها هو بذلك ساخرًا منها فوجدها تزفر بقوة ثم التفتت أكثر حتى تمنع رؤيته لها، فوجدته يقول بنبرة حادة بعض الشيء:
"هي بقت كدا يعني ؟! ماشي يا خديجة تصبحي على خير"
وقف هو بعد جملته تلك ثم خرج من الشرفة أما هي فنظرت في أثره بلامبالاة ثم غاصت في التفكير لا تدري إن كان سبب حزنها منه أو من تأخره حتى ذلك الوقت، أم أن رؤيتها لنسرين أفسدت يومها أم أن جيوش الذكريات الأليمة هجمت عليها شعرت بسخونة على إحدى وجنتيها دون أن تشعر كـ دليلًا على دموعها، مدت كفها تزيل تلك الدموع و فجأة وجدته يدخل الشرفة و في يده غطاء كبيرة و وسادة كبيرة أيضًا، و فجأة وجدته يلقي ما بيده في الأرض فاعتدلت جالسة تسأله بتعجبٍ:
"أنتَ بتعمل إيه ؟ ما تنام جوة"
رد عليها بلامبالاة:
"هنام هنا، و لا هو الجو الحلو دا ليكي أنتِ بس"
ردت عليه بحنقٍ:
"بس أنا عاوزة أنام لوحدي هنا و مش عاوزة ازعاج"
رد عليها هو بسخرية:
"ازعاج إيه هو أنا ماتور هنام جنبك و بعدين براحتي بلكونتي و شقتي أعمل اللي أنا عاوزه"
أومأ لها بحزن ثم أضافت:
"صح دي شقتك...تصبح على خير أنا هروح أنام جوة علشان تعرف تاخد راحتك"
وقفت هي بهدوء و هو يراقبها و فجأة وجدته يمسك يدها بسرعة كبيرة ثم سحبها بقوة حتى أخفضها لمستواه و هو يقول بهدوء:
"عرفيني مالك و إيه اللي مزعلك علشان مش أنا اللي هسيبك لزعلك يا خديجة، شكلك نسيتي مين ياسين"
ابتسمت هي بسخرية ثم ردت عليه تعاتبه:
"و ياسين نسيني و معبرنيش، أنتَ عارف أني بخاف و أنا لوحدي و عارف أني مش بعرف أقعد من غيرك هنا و اللي زاد و غطا أن النور قطع....و اتصلت بيك كتير مردتش عليا، الساعتين اللي النور قطعهم أنا شوفت ساعتين رعب فيهم"
حينما عاتبته هي بذلك الحديث وجدته يأخذها بين ذراعيه ثم قال بأسفٍ:
"و الله العظيم حقك عليا أنا، أنا مردتش عليكي علشان التليفون كان فـ العربية و الله و حوار النور دا أنا عمري ما اتخيلت إنه ممكن يحصل، أنا عارف إنك بتكرهي الضلمة و عارف إنك بتطمني علشان أنا موجود معاكي، بس أنتِ ما شاء الله، طالبة معاكي نكد من الصبح"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"مش عارفه عاوزة أعيط من الصبح و حاسة أني مخنوقة أوي ، بس غصب عني حاولت أخرج من دوامة الزعل دي معرفتش و لقيت نفسي بفتكر حاجات كتير وحشة و صعبة عليا"
تنهد هو بعمقٍ ثم عاد للخلف و هي بين ذراعيه ثم ربت على كتفه وهو يقول بهدوء:
"علشان أنتِ استسلمتي لزعلك يا خديجة و خلتيه يتحكم فيكي، كان المفروض تحمدي ربنا و تشوفي كنا فين و بقينا فين المفروض الخوف دا ميعرفش طريقك"
ردت عليه هي بسرعة:
"الخوف مش بيسأذن يا ياسين، الخوف بيهجم ورا واحدة، أسألني أنا عيشت عمري كله في خوف من كل حاجة، كان صعب عليا أوي دا أنا كل ما افتكر أني عديت بكل دا بحس أني عاوزة أعيط من تاني"
شدد هو ضمته لها ثم رفع الغطاء يدثرها جيدًا قم قال بانهاكٍ واضح:
"لا نعيط من تاني ولا من الأول ولا نعيط أصلًا، احنا ننام دلوقتي في البلكونة و بكرة نعيط على الآلام و الجراح....و مش بس كدا و على اللي عدىٰ و اللي راح"
ابتسمت هي بخفوت على طريقته الساخرة التي يتحدث بها فوجدتها يميل على أذنها يقول هامسًا:
"أيوا كدا اضحكي و نوري حياتي بوجودك فيها علشان الغلابة اللي زيي مش عاوزين غير ضحكة منك و من عيونك"
رفعت رأسها تطالعه بتعجبٍ فوجدته يقترب منها هو الآخر ثم طبع قبلة هادئة على وجنتها، فابتسمت هي بخجلٍ منه فسمعته يقول بمرحٍ:
"شوفتي شكلك حلو إزاي و أنتِ مبتسمة و بتضحكي؟ ربنا ميحرمناش من الضحكة الحلوة دي أبدًا"
اتسعت بسمتها أكثر ثم تمسكت به بقوة تود الإلتصاق به أكثر حتى تنعم بذلك الأمان و تلك الراحة، هي من عاشت طوال حياتها تتمنى قيد أنملة حنان فاكرمها الله بذراع كامل من الطمأنينة.
________________
كانت «هدير» تركض داخل غرفة معتمة لا ترى بها شيئًا و كلما اقتربت من بداية الغرفة وجدت نفسها في نهايتها من جديد و الأعاصيف تلعب بها و كأنها ورقة في مهب الريح سقطت في البدايات الخريفية حتى دهستها الأقدام بعدما ذَبلت و كسر عرقها، فجأة وجدت حائط كبير أوشك على السقوط عليها و حينما حاولت الصراخ كان دون فائدة فحتى صوتها خذلها هو الأخر وقبل أن يسقط الجدار عليها وجدته هو يمسكه بيده وباليد الأخرى يدفعها بعيدًا عن الجدار و قبل أن تنظر له وجدته يركض نحوها يأخذها بعيدًا قبل سقوط الجدار عليهما و لكن ما حدث كان مفاجأةٍ كبرى حينما رفعت كفها تدفعه بعيدًا فسقط الكوب الزجاجي الموضوع بجانب فراشها نتيجة ذراعها الممدود الذي يلوح في الفراغ، استيقظ «حسن» من نومه نتيجةً لصوت الزجاج و سرعان ما أدرك الوضع فركض إلى الفراش نحوها وجدها تحرك رأسها في عدة جهات و جبينها متعرق بشدة و هي تحاول جاهدة التحدث، نظر لها بشفقة ثم أمسك المياه الموضوعة بجانب الفراش ثم نثر منها على وجهها وهو يربت عليه قائلًا بهدوء:
"فوقي يا هدير دا كابوس مش أكتر.... فوقي و قومي شوفي نفسك إنك كويسة"
فتحت أعينها بسرعة كبيرة و كأنه هو طوق النجاة في تلك اللحظة كما هو دائمًا لها، فهبت منتفضة على الفراش تنظر حولها حتى وجدته بجانبها ينظر لها بترقبٍ و حينما أدركت سلامته ارتمت بين ذراعيه و كأنها تود التأكد من وجوده بجابنها، سرت قشعريرة مثل الكهرباء في جسده نتيجة اقترابها منه و هو عاري الجزء العلوي، لكنه رفع ذراعيه يحتضنها بقوة لا يريد منها مفارقته هو فقط يريدها بجواره هنا كما هي، أما هي فتنهدت بعمقٍ و حينما وجدته يحتضنها بين ذراعيه أدركت فعلتها فشعرت بالحرج منه و من وجودها بجانبه و هو عاري الجسد و هي بدون حجاب منذ أول ليلة معه ؟! هكذا كانت تفكر و فجأة ابتعدت عنه بسرعة كبيرة من المفترض تثير ريبته لكنه أدرك شعورها في تلك اللحظة، لذلك التفت يسألها باهتمام كبير:
"أنتِ كويسة دلوقتي؟ حاسة إنك أحسن يعني، محتاجة حاجة أجبها ليكي"
حركت رأسها نفيًا بهدوء فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم أرجع رأسه للخلف ناظرًا في الفراغ و هو يقول بوجعٍ حقيقي بعدما ابتلع تلك الغصة القوية في حلقه:
"أنا عارف أنتِ شوفتي إيه، و عارف كمان حاسة بإيه.... أصل أنا زيك يا هدير....كنت عيل صغير عندي ٦ سنين و أبويا مات في الامارات و ماكنتش فاهم حاجة غير أني مش هعرف أشوفه تاني....و كنت زعلان أني مش فاهم..... رجعنا مصر تاني و عيشت مع أمي و حنان أختي لحد ما بقيت ١٨ سنة، كنت متعلق بيها أوي كانت كل حياتي و دنيتي عمري كله كانت هي بس، بس الحياة استكترتها عليا
و رجعت من برة في مرة و كنت طلبت منها الأكلة اللي بحبها الصبح بس للأسف لقيت الأكلة.... و هي ملقتهاش....ضاعت مني و أنا ساعتها كنت بتمنى أكون مش فاهم إن اللي في الكفن دي أمي، ساعتها معيطش و متأثرتش و مسكت نفسي علشان الناس قالولي أنتَ راجل....خلي بالك من أختك.... طب أختي عمالة تعيط و تصوت...صحيح هي أكبر مني بكتير بس هي بتعيط، أنا عاوز أعيط زيها هعيط إمتى؟ و ركنت عياطي عليها لحد ما فاض بيا و بعدها بشهر مع أول إحساس صعب قابلني انفجرت في العياط زي المجنون.....صحيح كان عياط متأخر بس ريحني....من ساعتها وأنا مش براكم العياط، آه عيشت حياتي كلها نفسي في حضن و نفسي حد يمسح الدموع دي بس أحسن ما تفضل جوايا.....يمكن في حزني مكنتش عاوز غير إيد حنينة و اللي زيي اتحرم من الحنية مرتين و لما افتكر إن التالتة دي هي العوض، طلعت كاس مليان قسوة، فرجع قلبي تاني يدور على إيد تمسح دموعه"
كان يتحدث بنبرةٍ متألمة مهتزة نتيجة بكاءه و تذكره لما حدث له فوجدها تمد أناملها المرتعشة ثم مسحت دموعه بها، زُهل هو من فعلتها تلك فحرك رأسه ينظر لها باندهاش فوجد نظرتها متأثرة لحزنه و الدموع متحجرة في أعينها فوجدته يزفر بقوة ثم قال بنبرةٍ متحشرجة:
"عيطي...عيطي يا هدير و متعمليش زيي علشان العياط المتأخر بيوجع أوي....خليكي أنتِ أنصح من حسن"
بعد حديثه ذلك انهمرت الدموع على وجنتيها كما لو أنها شلالات ضخمة كانت متوقفة بسبب السدود المنيعة التي تحطمت مع أول سيل من الأمطار، كان البكاء صامت دون أنين أو شهقات و لكن على الأقل هي تبكي، فجأة وجدته يمد يده ثم مسح دموعها المنهمرة فوجدها تزداد في الانهمار لذلك احتضنها فجأة يربت على ظهرها و هي تبكي بقوة دون صوت أما هو فكأن دموعها عدوى أصابته لذلك وجد دموعه تفر من أعينه بقوة، فنزل بجسده على الفراش يتشبث بها فوجدها هي الأخرى تتمسك به مع ازدياد بكاءها بقوة و كلًا منهما يريد مؤازرة الأخر في محنته.
________________
في بيت آلـ الرشيد جلس «وليد» على سطح البيت بمفرده يفكر في اليوم و جلوسه مع أصدقاء «ياسين» و تلك الحياة التي ود أن يعيشها مرةً واحدة، لكن كل مرة كانت تنتهي بالخذلان، أما هو حاليًا يفكر هل حقًا سيستطع التقرب منهم و الوثوق بهم أما أن خوفه سيمنعه من جديد، فجأة ابتسم باتساع ثم قال بعدما رفع رأسه للسماء:
"تعالي يا سوبيا إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي يا شابة"
اقتربت منه تقول بمشاكسة:
"معرفتش أنام و أنتَ برة البيت و بصراحة مكنتش ناوية أطلع تاني و كنت هقلب عليك شوية حلوين علشان تبطل هزارك دا، بس مهنتش على قلبي يعمل فيك اللي أنتَ بتعمله فيا"
طالعها هو بأسفٍ يعتذر لها عن ما بدر منه فوجدها تجلس بجانبه و هي تقول بنبرةٍ معاتبة:
"فيه حد قالي مرة إن إحنا اتخلقنا بشر علشان نتعافى ببعض و علشان الحياة لو صعبة وجودنا مع بعض يخليها أسهل، أنتَ مش عاوز تثق فيا براحتك، لكن أنا واثقة فيك و عارفة إن اللي معاه زيك كسبان كتير أوي، و الله أنتَ كتير على أي حد أصلًا"
تنفس هو بعمقٍ ثم رد عليها بنبرةٍ بها لمحة حزن:
"أنا عارف أني تعبتك معايا و عارف إن اللي زيي صعب التعامل معاه و عارف إن طاقتك مش حمل تعب أعصاب كل شوية، بس خلاص"
سألته هي بقلقٍ واضح في نبرتها:
"خلاص ؟؟! يعني إيه خلاص يا وليد"
نظر لها بهدوء ثم أجابها:
"حرام عليا أعيشك في رعب التفكير كل شوية يا عبلة، بخوفك مني و من أني أسيبك و من أني كنت مدمن لازم كل دا يتغير علشان أعرف أعيش حياتي الطبيعية"
سألته متشدقة بنفس القلق:
"أيوا و إيه اللي هيحصل يعني"
زفر بقوة ثم رد عليها بعدما رفع رأسه للسماء يطالعها:
"أنا هروح اتعالج عند هناء ، اللي زيي مريض نفسي و لازم يحل مشكلته"