رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11 بقلم شمس محمد بكري


 رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 

كُنت كَـ الجماد ثابت دائمًا...حتى رأيتُ بسمتها أصبحت لها عاشقًا
_______________

 من قال أن  الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن ؟...فـ حتى الآن لم  نملك السفن بعد....تمزقت الأوراق و تعددت الأسباب و زادت المسافات و انقطع الوصال و السؤال هنا هل كل ذلك بسبب بُعدٍ طال ؟.

وقف «حسان» مشدوهًا حينما أخبرته هي بما حدث منذ عدة أعوام و فقدها لـ رحمها فوجدته يسألها بنبرةٍ مهتزة حتى خرجت كلماته متقطعة:
"أنتِ ....بتقولي إيه يا مشيرة ؟ شايلة الرحم.... إزاي يعني"

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء متقطع:
"تعالى بس نقعد برة و أنا هحكيلك"

أومأ لها موافقًا ثم أمسك كفها يساندها حتى تستطع الخروج من ذلك الممر الضيق، و بعد مرور ثوانٍ جلست على المقعد الخشبي في الخارج لعلها ترتاح قليلًا و كان هو يطالعها بـ عينيه المترقبتين مما جعلها تتنهد ثم أشارت له يجلس بجانبها، وافق هو على مضضٍ ثم جلس بجانبها وهو يقول بنبرة جامدة بعض الشيء:
"أنا أهو قعدت يا مشيرة، عرفيني بقى اللي حصل دا كان إيه"

نظرت له بحزن ظهر جليًا على قسمات وجهها و نبرتها المختنقة حينما تحدثت قائلة:
"بعد حوالي ٣ سنين من اللي حصل زمان أنا حصلي مشاكل صحية كتيرة جدًا و من ضمن المشاكل دي ورم ليفي على الرحم هو نوع ورم حميد"

توقفت عن الحديث حينما زاد الاختناق في نبرتها أكثر، فتنهدت بعمقٍ تنهيدة قوية و هو بجانبها و حينما لاحظ ارتجافتها أمسك كفها يربت عليه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"احكي واحدة واحدة يا مشيرة...و لو مش عاوزة خلاص مش لازم النهاردة"

حركت رأسها نفيًا ترفض مقترحه ثم مدت كفها تمسح بأناملها المرتشعة دموعها ثم قالت بنبرةٍ مهتزة:
"لأ أنا عاوزة أحكي....يمكن ارتاح، الورم دا كان بيسببلي نزيف كل شهر و ساعات كان بيستمر شهر كامل، الدكتورة ساعتها قالت إن الأدوية مش هتجيب نتيجة و بعد ٣ شهور من الوضع دا.... أخر حل إنه يتشال ودي كانت من ضمن الخساير اللي خسرتها.... محدش كان معايا غير فاطمة الله يرحمها و محدش هنا يعرف أني شيلت الرحم غير هي و أنا و ساعتها قولتلهم هنا إنها عملية الزايدة....علشان مكنتش عاوزة شفقة منهم"

سألها بنبرةٍ مندهشة:
"يعني أنتِ لما شيلتي الرحم مكانش حد فيهم معاكي و لا حتى عرفوا لحد دلوقتي"

أومأت له موافقة ثم أضافت بتروٍ نتيجة خجلها مما سبق و فعلته هي:
"محدش فيهم كان بيطيقني و لا كان ليا عين أطلب منهم مساعدة علشان أنا كنت فاكرة إنهم مذنبين في حقي....الدنيا كانت وحشة أوي معانا يا حسان"

أغلق هو جِفنيه بقوة حينما تذكر أن بُعده كان من ضمن تلك الأسباب المتسببة في ضررها أما هي فرفعت رأسها تطالع قسمات وجهه المتألمة و نظرة عينيه المتألمة، فابتسمت هي بسخرية ثم مدت يدها تربت على كتفه وهي تقول بهدوء نسبي و لكن لهجتها خرجت متقطعة:
" أنتَ ملكش ذنب يا حسان دا كان نصيب و مكتوب ليا....صحيح أنا ساعتها اعترضت على حكمته و مرضتش بالنصيب بس خلاص دا كان زمان لكن أنا راضية الحمد لله....كفاية إن عيني ارتاحت بشوفة جميلة و برجوعك ليا"

تنفس الصعداء هو بعد حديثها ثم وضع ذراعه على كتفها يضمها إليه و هو يربت على كتفها مؤازرًا لها مما جعلها ترتمي برأسه على كتفه حتى تنعم بتلك الراحة التي قلما شعرت بها أما هو بتنهد بعمقٍ وهو يفكر في كيفية اعادة الوضع كما كان من قبل.
________________

فوق سطح البيت حيث مكان جلوسهما المعتاد، ابتعدت هي عنه نسبيًا بعدما أخبرها بسفره وهي تنظر له باستنكارٍ واضح تزامنًا مع تفوهها بنبرتها المستنكرة:
"إيه !! أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ تسافر إزاي يعني مش فاهمة"

أخذ هو نفسًا عميقًا ثم أجابها بهدوء أعصاب غريب:
"أنا جايلي فرصة في شركة البرمجة اللي كنت بحلم أشتغل فيها و أنتِ عارفة أني من ساعة التخرج و أنا بسعىٰ علشان أوصل للشغل دا....أنا ما صدقت"

سألته هي بنبرةٍ مندهشة:
"أنتَ بتقول إيه ؟ شغل إيه و سفر إيه اللي يخليك تمشي و تسبني، مفكرتش فيا ؟!"

زفر هو بقوة ثم رد عليها مُردفًا:
"عبلة أنا لو هسافر يبقى هسافر علشانك أنتِ....علشان تتباهي بيا و علشان أليق بيكي...مش عاوز يجي يوم من الأيام و تندمي إنك مع واحد فاشل زيي"

هبت هي منتفضة من جلستها بجانبه و هي تقول منفعلة بنبرة ممتزجة بالبكاء:
"كلامك دا مش منطقي أصلًا، يعني إيه تليق بيا يا وليد، أنتَ مش فاشل و مش وحش، دا أنا كل كلامي أني بفتخر بيك قدام أي حد....ليه عاوز تبعد عني"

وقف هو يُجيبها بانفعال هو الآخر ممتزج بنبرةٍ موجوعة:
"علشان أنا محققتش أي حاجة عاوزها، يا فرحتي بيا و أنا مهندس برمجة و شهادتي منورة في الدرج، عملت إيه أنا في حياتي لنفسي.... مجرد واحد فاشل خريج مصحة إدمان و بشتغل مع ولاد عمي علشان مش لاقي شُغلة تلمني....أنا معنديش استعداد يجي يوم و اتعاير فيه بفشلي"

تبدلت ملامح وجهها للاستنكار من جديد بعدما سمعت حديثه المنفعل لذلك تحدثت هي بنبرة تائهة غير مُصدقة:
"هو...هو أنتَ لسه خايف مني ؟! أنتَ لسه مش مأمن على نفسك معايا يا وليد؟ أنا من ساعة ما عرفت موضوع الادمان دا و أنا عمري ما فتحته تاني علشان مش عاوزاك تتوجع و أنتَ بتفتكر الأيام دي....ليه مش عارف تديني و تدي لنفسك فرصة تعيش"

رغمًا عنه بكى بكاءًا حارًا وهو يتحدث بنبرةٍ موجوعة:
"عـــلـشـان خــايـف...و الله العظيم خايف يا عبلة، أنا نفسي عزيزة و زعلي وحش، مش عاوز أسيب فرصة للزعل يفرق بينا"

بكت هي الأخرى و هي تصرخ في وجهه منفعلة:
"أنــتَ كــداب....أنتَ عاوز تسبني و تمشي تاني، ليه بعد ما أنا اللي اتعلقت بيك يا وليد، ليه بعد ما عرفت قيمتك عاوز تمشي تاني"

اقترب هو منها ثم مد كفه يمسح دموعها المنهمرة على وجنتيها ثم قال بهدوء بعدما تنفس بعمقٍ:
"و الله العظيم ما فيه حاجة توجعني غير فراقك أنتِ...أنا عاوز أأمن مستقبلنا سوا يا عبلة...عاوز أعمل أسمي من جديد علشانك مش علشاني"

رفعت عينيها تطالعه بـ حيرة وهي تسأله مستفسرة بنبرةٍ تائهة تمكنت بها من جديد:
"يعني خلاص.....أنتَ قررت و هتسافر"

أومأ لها موافقًا بـ إيماءٍ بسيطة جعلت مقلتيها تتسع بقوة لكنها آثرت الثبات و هي تقول بلامبالاة:
"ماشي يا وليد....ربنا يوفقك"

نظر لها هو باندهاش و هو يسألها بضيق منفعلًا:
"يعني إيه ؟ أنتِ خلاص موافقة أني أسافر"

أومأت له تزامنًا مع رفعها لـ يُمناها تُزيل بها الأدمع الصغيرة العالقة بأهدابها ثم قالت بنبرةٍ جامدة:
"أنا موافقة طالما أنتَ عاوز تبني نفسك من جديد و أنا مش أنانية علشان أضيع حياتك معايا هنا و أنتَ خايف"

نظر هو لها بتعجبٍ من سلبيتها فوجدها تؤكد حديثها بقولها المتتابع:
"أنا عمري ما هقدر أديك الأمان و أنتَ خايف مني، سافر يا وليد و ابني نفسك من جديد بس ليا طلب منك قبل ما تسافر"

سألها هو بجمود بعض الشيء بعدما التوى ثغره متهكمًا:
"طلب ؟ خير عاوزة مروحة من هناك"

ردت عليه هي بنبرةٍ حانقة:
"أنا مش عاوزة برود....عاوزاك قبل ما تمشي ترمي يمين الطلاق عليا....طالما بتختار البعد بينا يبقى خليني أنا اللي أطلبه"

رغمًا عنه تبدلت نظرته إلى أخرى تشع نيران و هو يحرك رأسه مستفسرًا فوجدها تقترب منه أكثر و هي تنظر له بثباتٍ قائلة:
"قدامك أختيارين ملهمش تالت...يا أنا يا السفر، عاوز تمشي يبقى ترمي اليمين عليا و تنسى أني كنت فـ حياتك أصلًا....يا إما تقعد و تشيل الفكرة من راسك زي ما أنا هشيل كلامك من راسي و أعتبر نفسي مسمعتوش ها اختار"

زادت دهشته أكثر بعد حديثها الأخير الغير متوقع فوجدها تقترب أكثر وهي تقول بنبرةٍ قوية لا تقبل النقاش:
"اختار يا وليد...بس خليك عارف إن قصاد الأختيار دا حياة كاملة هتتغير"

رد عليها هو بنبرةٍ أقوى:
"و لو أنا طلقتك هتروحي فين؟ أنا بقولك هروح فترة مؤقتة و أرجع تاني...ليه مش قابلة فكرة سفري علشانك"

بكت من جديد و هي ترد عليه بنفس النبرة المنكسرة:
"علشان أنا بحبك و حياتي كلها بدأت لما بقيت معاك، مفيش يوم ينفع يعدي من غيرك....افهم بقى"

في تلك اللحظة لا يوجد ما يقال أفصح من العناق، لذلك وجدت نفسها مكبلة بين ذراعيه في عناق قوي منه و هو يشدد تمسكه بها أما هي فـ زاد بكاؤها من جديد و هي تنتحب بشدة مما جعله يبتعد عنها ينظر لها باندهاش وهو يسألها بـ ذهولٍ:
"بتعيطي كدا ليه؟ مالك يا عبلة"

طالعته هي بعيونها الدامعة وهي تجيبه من بين شهقاتها:
"بعيط بسببك....كل مرة عيطت فيها كانت بسببك يا وليد.... ليه مصمم توجعني و تزعلني....
ليه عاوزني أفضل أقولك أني قبلاك زي ما أنتَ و الله العظيم مش عاوزة غيرك"

سألها هو بهمس هادئ:
"قبلاني زي ما أنا؟...يعني مش هيجي يوم و تزهقي مني ولا تتكسفي أني كنت مدمن يا عبلة"

أمسكت تلابيب قميصه بعدما استعادت رابطة جأشها و هي تقول بنبرةٍ قوية:
"و رب الكعبة و لو بتشم كُلة تحت الكوبري على قلبي زي العسل.... كفاية إن أسمي مرتبط باسمك"

تنهدت هو براحة كبرى تزامنًا مع انفراج شفتيه ببسمةٍ راضية مما جعلها تطالعه بريبة فوجدته يقول مُردفًا لها:
"أنا عاوزة أقولك إني دلوقتي بس عرفت إني اختارت صح يا عبلة، لو كنتي وافقتي على سفري كنت هزعل، كنت مستني منك تقوليلي غير نفسك و أعمل اسمك من جديد علشان تليق بيا، كنت فاكر إنك هتتخلي عني"

ردت عليه هي بـ لومٍ و عتاب:
"أنا عمري ما شوفتك قليل و عمري ما أحس إني كتير عليك، أنا قولتلك إنك كتير عليا و على أي حد و لو عاوزني دلوقتي أحلف على كلام ربنا أني مش عاوزة غيرك حتى لو بتشحت فـ الشارع....وليد أنتَ مينفعش تقلل من قيمة نفسك حتى لو قصاد عيني، لو كل عيون الدنيا دي قالت إنك مش كفاية، بُصلي أنا علشان عيونك ليا دنيا كاملة"

احتضنها من جديد و هو يخفيها بين ذراعيه فوجدها تقول بنبرةٍ شبه باكية:
"حرام عليك تعب قلبي كل شوية، ليه عاوز تعمل فيا كدا، ليه توقع قلبي"

رد عليها هو بسخرية:
"طب ما أنتِ قولتيلي نتطلق و طلبتي مني أسيبك و دا مش وجع قلب برضه يا بنت سهير"

أومأت له موافقة وهي تضيف مؤكدة:
"علشان أنتَ بارد و مستفز و كان لازم تجرب الكلام اللي يحرق الدم دا عامل إزاي....بس أنتَ ليه قولتلي كدا يا وليد....أكيد السبب سليم صاحبك دا"

زفر هو بقوة ثم قال:
"أنا هحكيلك يا عبلة كل حاجة".
_________________

في أحد المحلات التجارية الكبرى كانا يسيران معًا بين المنتجات كان هو ينظر لها باستمتاع و هي تنتقي ما تريده لبيتهما معًا، فـ كانت تارةٍ تشعر بالحيرة في الاختيار و تارةٍ أخرى تأخذ ما تريد بـ رضا، و فجأة التفتت له وهي تسأله بنبرةٍ حائرة:
"ياسين أجيب إيه تاني ؟! أو أجيب إيه أصلًا ؟! "

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بلامبالاة:
"مش عارف و الله يا خديجة، دا بيتك أنتِ، شوفي عاوزة إيه يكون موجود فيه"

ردت عليه ببكاء مصطنع:
"و ربنا دا ظلم...أنا عمري ما اتحطيت فـ مسئولية زي دي، طول عمري بلاقي الحاجات في البيت، لكن أنا صغيرة على أني أكون مسئولة عن بيت كامل بطلباته و الله"

ابتسم هو على طريقتها لكنه حاول التحكم بها حينما نظرت له بحنقٍ فوجدته يقول بهدوء:
"على فكرة بقى المفروض تكوني عارفة محتاجة إيه علشان تكوني أسرع من كدا لما تجيبي الحاجة بتاعتك بس معلش مرة مع مرة هتتعلمي و تتعودي"

سألته هي بلهجةٍ متسرعة:
"بجد !! يعني بعد كدا هعرف أجيب الحاجة لوحدي، و الله أنا طول عمري بشتغل فـ بيتنا و شاطرة لكن الطلبات دي مكانتش بتاعتي"

أومأ لها موافقًا ثم أضاف مؤكدًا حديثها:
"محدش بيتعلم من أول مرة يا خديجة، فيه بنات بتتجوز مبتعرفش تشيل كوباية من مكانها، و بعد كدا يببقوا أشطر ستات بيوت"

ضيقت جفونها فوق عينيها و هي تسأله بنبرةٍ متشككة:
"و أنتَ عرفت منين بقى إن شاء الله، أنتَ شكلك بقيت خبرة من كتر العرايس اللي روحت شوفتهم"

ضحك هو عليها تزامنًا مع إشارته لها حتى تقترب منه، فـ انصاعت هي لأوامره ثم اقتربت منه فوجدته يقول بهدوء:
"عرفت من أمي"

قطبت جبينها متعجبةً و هي تسأله بنبرةٍ حائرة:
"أمك !! هي اللي قالتلك يعني"

حرك رأسه نفيًا ثم أجابها بـ همسٍ هاديء:
"لأ.....أمي هي البنات اللي مكانتش بتعرف تشيل كوباية من مكانها"

شهقت بقوة تزامنًا مع تحريك رأسها للخلف تبتعد عنه فوجدت ضحكته تتسع أكثر، لذلك سألته هي بنبرةٍ مندهشة:
"ماما زُهرة ؟! إزاي دي شاطرة أوي، البنات قالولي إنها علمتهم حاجات كتير أوي"

أومأ لها موافقًا ثم أضاف:
"علشان اتعلمت واحدة واحدة، رياض لما اتجوزها مكانتش بتعرف تطبخ و لا حتى بتعرف تقف في المطبخ، بس لما عاشت معاه هو علمها و بقت حاليًا من أشطر ستات البيوت، الخلاصة يعني مش عاوزك تحسي بالذنب ولا تقللي من نفسك، على الأقل أنتِ بتطبخي حلو....غيرك مكانتش بتعرف"

فهمت هي مقصد حديثه و أنه يريد بثها بعض الثقة في نفسها كما كان يفعل من قبل، لذلك ابتسمت له بامتنان حقيقي وهي تقول بنبرةٍ حنونة:
"على فكرة أنا فهمت معنى كلامك، و شكرًا من قلبي علشان بتعرف تطمني يا ياسين"

ابتسم هو لها ثم حرك رأسه موافقًا بهدوء فوجدها تقول بحماسٍ من جديد:
"يلا بقى علشان نجيب باقي الحاجة اللي إحنا مش عارفينها لحد دلوقتي"

قالت جملتها ثم سارت بسرعة كبيرة و هو خلفها يقود عربة التسوق و فجأة توقفت هي أمام ثلاجة كبيرة و هي تشهق بقوة ثم التفتت تنظر له بفرحة تشبه فرحة الطفل الصغير ثم قالت بحماس:
"التلاجة دي قمر أوي يا ياسين، أنا عاوزة أخدها كلها معايا والله"

رفع حاجبيه مُتعجبًا منها و من رد فعلها الغريب لذلك رد عليها مُعقبًا:
"أنتِ عبيطة يا ست الكل؟ علميًا المفروض فرحتك دي تكون قصاد تلاجة الشوكلاتة، أنتِ جايبانا عند تلاجة المخلل و تفرحي ؟!"

ردت عليه هي بحماسٍ غريب لم يعهده هو من قبل معها:
"أنتَ مش متخيل التلاجة دي ممكن تفرحني إزاي، ينفع أجيب منها"

رد عليها ببلاهة مُستفسرًا:
"تجيبي منها ازاي يعني مش فاهم...قصدك على التلاجة"

حركت رأسها نفيًا وهي تقول بنبرةٍ مرحة:
"و الله نفسي فـ تلاجة زيها بس أنا قصدي ينفع أشتري منها عادي صح"

رد عليها مؤكدًا حديثها:
"هاتي اللي أنتِ عاوزاه كله....أي حاجة نفسك فيها هنا هاتيها يا خديجة"

صفقت بكفيها معًا كعادتها حينما تفرح أو تتحمس لشيئًا ثم التفتت تأخذ ما تريد تحت نظراته المندهشة و فجأة وجدها تضع العبوات الزجاجية في العربة فسألها هو بـ ذهول:
"إيه دا كله ؟! مين هياكل المخلل دا كله يا خديجة، أنتِ كدا هيجيلك حصوة....لأ حصوة إيه بقى، أنتِ كدا هيجيلك كلية في الحصوة"

ضحكت هي على رد فعله المندهش ثم أجابته بهدوء:
"على فكرة بقى مش هيكفيني، ياسين أنا بعامل الزيتون المخلل كأنه لب و الله، بس لو متضايق خلاص بلاش"

رد عليها هو بحنقٍ:
"يا بنتي بطلي تستفزي فيا بقى، هتضايق من إيه يعني، أنا بس خايف عليكي علشان المخللات كترها غلط"

ردت عليه بنبرةٍ متسرعة تنفي حديثه:
"لأ و الله خالص، طول عمري باكل مخلل و محصلش حاجة ليا، ثِق فيا بس يا ياسين"

ابتسم هو لها ثم حرك رأسه نفيًا بيأس و قبل أن تتحدث هي وجدت قناة تأتي من خلفها وهي تقول بحماس:
"مش معقول ياسين الشيخ !!"

اتسعت حدقتيه بقوة أما هي فالتفتت تنظر خلفها لتلك الفتاة الغريبة التي تذكر اسم زوجها بذلك الحماس، فوجدتها تتخطاها و هي تقترب منه قائلة بـ حبور:
"إزيك يا ياسين عامل إيه و طنط زُهرة عاملة إيه"

نظر هو لـ «خديجة» لوهلة بسيطة ثم نظر لتلك الفتاة قائلًا بهدوء:
"إزيك يا آنسة نسرين عاملة إيه ؟"

ردت عليه هي بمرحٍ:
"كويسة جدًا الحمد لله، أنتَ إيه اخبارك، لقيت اللي كنت عاوزها و لا لسه ؟"

ابتسم هو بهدوء ثم أشار برأسه خلفها نحو زوجته وهو يقول:
"الحمد لله لقيتها و بقت معايا علطول"

التفتت تنظر خلفها لتلك التي تفرك كفيها معًا ببعضهما و ملامحها هادئة إلى حدٍ كبير صاحبة جمال بسيط، و زاد توترها حينما شعرت بها تمعن النظر بها، أدرك «ياسين» توترها لذلك اقترب منها يقف بجانبها و هو يقول بـ حب:
"دي خديجة مراتي يا آنسة نسرين و دي آنسة نسرين يا خديجة"

أومأت له ثم مدت يدها وهي تقول بهدوء بعدما زينت ثُغرها ببسمةٍ هادئة:
"اتشرفت بمعرفتك يا آنسة نسرين"

مدت الآخرى يدها لها وهي تبتسم لها بسمةٍ مقتضبة و هي تقول بجفاء:
"آهلًا و سهلًا...الشرف ليا أنا"

تعجب «ياسين» من معاملتها لزوجته و قبل أن بتحدث وجدها تقول بمرحٍ زائف له:

"بس سبحان الله اتجوزت بسرعة يعني، أنا قولت على كلامك معايا إنك هتفضل طول عمرك أعذب، أصل كلامك كان غريب بصراحة و فلسفي شوية، دا أنا قولت هتتجوز وزيرة و لا سفيرة ولا من الفضاء حتى  علشان طريقتك الدبلوماسية دي، بس في النهاية برضه مختار بنت عادية"

في نهاية حديثها كانت تقلل من زوجته التي نظرت لها بلمحة حزن حاولت صبغها بالثبات لكن دون جدوى، و حينما رآى هو تلك النظرة في عينيها تحدث يقول بنبرةٍ جامدة لتلك السطحية:

"لأ أنا متجوزتهاش وزيرة ولا سفيرة، أنا اتجوزتها خريجة كلية تجارة قد الدنيا و عندي أحسن من مليون وزيرة و سفيرة، خديجة أشطر من مليون ست في الدنيا، واتجوزتها بسرعة علشان بصراحة ما صدقت ألاقيها و أقابلها، أنا لما اتقدمت لحضرتك قولتيلي إن العريس بيكون مناسب علشان الناس تعرف إننا اتجوزنا جوازة ناجحة، خديجة بقى هي البيت الناجح، و علشان كدا مسكت فيها بايدي و سناني، خوفت إنها تضيع مني"

ابتسمت له باقتضاب أكثر و هي ترد عليه بثبات أنهته بنبرةٍ متعالية:
"الحقيقة إن أصلًا الموضوع مكانش فـ دماغي علشان أنا مش فاضية و كان ورايا شغل و نجاح عاوزة أحققه أهم من الجواز، و آه أنا حاليًا بشتغل مُعدة برنامج***** أكيد عارفه و أكيد خديجة برضه اتفرجت عليه"

ابتسم لها باستفزاز وهو يقول بنبرةٍ باردة ينفي حديثها:
"لأ الحقيقة معرفوش، ولا خديجة كمان تعرفه، أصل خديجة مبتتفرجش على مصري، خديجة بتحب الهندي أوي"

نظرت له «خديجة» باندهاش من طريقته الباردة الغير مهذبة، أما «نسرين» فرفعت حاجبها تنظر له بتهكمٍ فوجدته يضيف بنفس الثبات:
"فرصة حادقة يا آنسة نسرين، أصل زي ما أنتِ شايفة كدا إحنا متقابلين عند تلاجة المخلل"

أومأت له هي ببرود ثم ابتسمت له باقتضاب وهي تقول بهدوء:
"ألف مبروك و فرصة سعيدة"

أومأ هو لها بهدوء اثار حنقها أما «خديجة» فتابعت اختفاء اثرها بتعجبٍ، أما هو فحرك كفه أمام وجهها وهو يقول بمرحٍ:
"إيه يا ست الكل روحتي فين، أنتِ معايا و لا مع الأسف"

انتبهت هي لكفه المُلوح أمام وجهها لذلك نظرت له باندهاش و هي تقول بنبرةٍ تائهة:
"ه‍ــا ؟! آه أنا هنا....معاك أهو"

نظر هو لها بتشككٍ وهو يقول بهدوء:
"أتمنى إنك تكوني معايا فعلًا، يلا نكمل باقي الطلبات و لا إيه رأيك"

أومأت له موافقة بعدما تنفست الصعداء تزامنًا مع تحرك ساقيها في الرحيل من أمامه، أما هو بمجرد التفاتها زفر بضيق بسبب تغير حالتها.
_________________

في شقة «حسن» قام بتجهيز الطعام بعدما طلبه من الخارج له و لها، لكنه جلس حائرًا لا يدري ماذا يفعل فـ هي منذ تركها له و طلبها النوم، لم تخرج له حتى الآن، ظل يفكر مُتخبطًا في جدران الحيرة و لكنه عزم الأمر في النهاية.

في داخل الغرفة كان هي جالسة على الفراش بعدما استيقظت منذ ما يقرب الـ ١٠ دقائق لا تدري ماذا تفعل، حتى حجابها فلم تملك الشجاعة الكافية لخلعه، زفرت بقوة ثم أعادت رأسها للخلف تضربها في ظهر الفراش و فجأة سمعت طرقات خفيفة على باب الغرفة وهو يقول بهدوء:
"هدير أنتِ صاحية؟ أنا جاي أقولك إن الغدا جاهز"

حاولت الرد عليه لكن دون جدوى فقط حركت رأسها موافقة، أما هو حينما أدرك وضعها حمحم بهدوء ثم قال مُقترحًا عليها:
"طب بصي أنا هرن عليكي، و لو عاوزاني أدخل عادي افتحي المكالمة....و لو مش عاوزاني كنسلي بس ملحوظة صغيرة أنا عيل مترباش و في الحالتين هدخل عادي"

اندهشت هي من تغيير لهجته في جملته الأخيرة و قبل أن تأخذ رد فعل وجدت الهاتف يصدح برقمه، لا تدري ماذا تفعل لذلك تجاهلت الهاتف، فوجدته يطلبها من جديد بعد انتهاء المرة الأولى، لذلك قامت هي باغلاق المكالمة في وجهه، فسمعت صوته من الخارج يقول بمرحٍ:
"من أولها كدا بتقفلي في وشي؟ شكلنا هنخلص من بعض في محكمة الأسرة"

ابتسمت هي بخفوت و فجأة وجدته يشرأب برأسه من خلال المساحة الضيقة الواقعة بين الباب و الفراغ وهو يقول بهدوء:
" أنا أسف أني دخلت كدا، بس أنا هموت من الجوع بصراحة، و بعدين أنا طول عمري باكل لوحدي يعني لو سميت بالله على الأكل اللي برة دا يبقى مش هتاكلي غير بكرة"

نظرت له نظرةٍ تائهة فوجدته يفتح الباب على وسعه ثم دخل الغرفة بكامل جسده و قبل إتخاذ أي رد فعل وجدته يقترب منها ثم سحبها من على الفراش و هو يقول بنبرةٍ متعجلة:
"يلا بس الأكل هيبرد، لو فيه راجل فـ عيلة الرشيد عرف إنك ماكلتيش لحد دلوقتي، يبقى هتترحمي عليا"

كان يتحدث و هو يسير بها خارج الغرفة و فجأة وجدت نفسها أمام طاولة السُفرة و الطعام موضوع عليها بنظام شديد، رفعت رأسها تنظر له مستفسرةً فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم رسم باسمة هادئة على ملامح وجهه الوسيمة إلى حدٍ كبير و هو يقول بهدوء:
"أنا عارف إنك مبتاكليش من ساعة اللي حصل و لو حصل و أكلتي بتاكلي حاجة بسيطة، بس دا مينفعش علشان كدا هتضري نفسك، بس أنا واد صايع برضه و جبت الأكل اللي بتحبيه علشان ميكونش ليكي حِجة"

نظرت على الطاولة فوجدت دفتر موضوع و بجانبه قلم أخذته ثم خطت بسرعة كبيرة:
"صدقني مش قادرة و الله، كُل أنتَ بألف هنا و شفا...بس أنتَ عرفت منين أني بحب السمك"

عدلت الدفتر حتى يستطع هو قراءة ما دونته فوجدته يومأ لها متفهمًا وهو يتحدث مُردفًا:
"أنا هعمل نفسي مقريتش النص الأول....بالنسبة بقى للنص التاني أنا خليت وليد يسأل عبلة علشان عارف إنها عارفة عنك كل حاجة و منه عرفت إنك بتحبي السمك اللي هناكله سوا دلوقتي"

حركت رأسها موافقة على مضضٍ فوجدته يسحب لها المقعد حتى تجلس عليه فتنهدت هي بقوة ثم جلست بهدوء، ابتسم هو برضا ثم جلس بجانبها ثم شرع في وضع الطعام أمامها و فعل المثل لنفسه، فوجدها تحرك رأسها نفيًا رافضة تناول الطعام، لذلك بدل ملامح وجهه إلى أخرى بثت الرعب بداخلها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"بصي يا هدير علشان أنا خلقي ضيق و إيدي تقيلة و طويلة، فـ يمين بالله لو ما أكلتي همد إيدي أنا.....و أكلك عادي جدًا علشان أنا محترم و مش همد إيدي على مراتي"

تحولت نبرته من الجمود إلى المرح في ثوانٍ بعدما شعرت هي بالخوف في بداية حديثه فوجدته يبتسم باتساع و هو يقول:
"متخافيش كدا علشان جوزك أهبل و خيبته تقيلة أوي"

ابتسمت هي باتساع و كانت هذه أول مرة ترتسم البسمة على شفتيها منذ وفاة والدتها فوجدته يقول مهللًا بمرحٍ:
"الله أكبر...طب ما أنتِ بتعرفي تبتسمي أهوه أومال مكشرة فـ وشي ليه"

حركت كتفيها تعبيرًا منها عن جهلها للأمر و كأنه تقول له لا دخل لي بذلك، أما هو فأشار برأسه نحو الطعام و هو يقول بهدوء:
"طب يلا كُلي علشان يعتبر  مأكلناش حاجة من إمبارح"

أومأت له موافقة ثم شرعت في تناول طعامها و هو أيضًا شرع في تناول طعامه بعدما بدأت هي ، في بادئ الأمر لم تستطع تناول الطعام و لكنه كان يرسل لها نظرات مُهددة تجعلها تتناول الطعام.
شعر هو بخجلها منه لذلك تناول الطعام بسرعة كبيرة ثم وقف بهدوء، فوجدها تترك الطعام هي الأخرى لذلك تحدث يقول بسرعة حتى يوقف حركتها:
"زي ما أنتِ كملي أكلك، و الله ما أنتِ قايمة يا شيخة"

نظرت له بتعجب و كأنها بذلك تخبره باندهاشها من حديثه و تصرفاته الغريبة، فوجدته يقول مردفًا لها:
"بصي يا هدير احنا هنبقى هنا مع بعض فترة محترمة أتمنى إنها تطول بينا.... طول الفترة دي عاوزك تعرفي إن دا بيتك و إنك زيك زيي هنا، يعني تاكلي براحتك و تشربي و تتحركي في البيت زي ما أنتِ عاوزة، و...و ياريت لو تخلعي الطرحة علشان أنا مش غريب، لو حاسة إن وجودي مضايقك ممكن أسيب البيت ليكي على راحتك"

حركت رأسها نفيًا بعد جملته الأخيرة ثم أشارت له بالهدوء بعدها مسحت كفيها بالمناديل الموضوعة على الطاولة ثم أمسكت الورقة تحت نظرات التعجب منه و كتبت بها:
"أنا بس مستغربة المكان و الوضع علشان جديد عليا أعذرني، لكن و الله وجودك مش مضايقني خالص و أنا آسفة لو سببتلك أي ضيق"

بدلت وضع الورقة حتى تصبح مقابلة لوجهه و يقرأ ما دونته هي بها و حينما قرآها ابتسم هو لها باتساع ثم تنهد بعمقٍ و تتبع تنهيدته تلك بقوله:
"طمنتيني الله يطمنك يا رب، بس لو كلامك صح بقى كملي أكلك و أنا هروح أغسل ايدي و أجهز الشاي....عاوزة حاجة أجبهالك و أنا جاي من عند التلاجة ؟"

حركت رأسها نفيًا بعدما سألها هو بجملته المستفسرة بمرحٍ حتى يمازحها، فابتسم هو لها ثم غادر من أمامها و هي تنظر في أثره بامتنان حقيقي تتمنى لو تعبر له بكلماتٍ عِدة تدري هي أنها لن توفيه حقه فيما يفعله لأجلها.
__________________

فوق سطح البيت قص «وليد» قصة صديقه «سليم» بالكامل مع زوجته التي قامت بمعايرته و حينها ترك هو الدولة بأكملها، كانت هي تنظر له بتعمن و هو يخفي نظراته عنها و بعد إنتهاء سرده وجدها تسأله بنبرةٍ متوعدة:
"آه علشان كدا حضرتك خوفت أني أكون قليلة الأصل زيها و يجي يوم و أعايرك صح ؟!"

نظر هو أمامه تزامنًا مع تنفسه بقوة ثم حرك رأسه موافقًا على مضضٍ، حينها تحدثت هي تقول متهكمة بانفعال:
"يا ليلتك السودا يا ابن مرتضى، بقى أخرتها تقارنّي أنا بواحدة قليلة الأصل زي دي، إزاي تفتكر أني ممكن أعايرك فـ يوم من الأيام"

رد عليها مُعقبًا دون أن يلتفت لها:
"علشان أنا دماغي لعبت بيا، أنا لحد دلوقتي بخاف أصلًا يجي يوم و موضوع ادماني دا يكون طريق مسدود بينا يا عبلة، لكن أنا بحبك و بحب وجودك معايا و عارف إنك متتقارنيش بأي حد في الدنيا كلها، بس غصب عني فكرت بالوحش"

تنهدت هي بقلو حيلة ثم رفعت كفها تُحرك رأسه جهتها و هي تقول بهدوء:
"موضوع إدمانك دا أنا نسيته و شيلته من دماغي و لما حسيت نفسي عاوزة أعرف تفاصيل روحت سألت طارق و هو ساعتها حكالي اللي حصلك و اللي كان بيحصلك و حكالي إنك كنت راجل و استحملت الأعراض الانسحابية من جسمك و استحملت الحُقن و التكتيف و الرعشة اللي كانت في جسمك، ساعتها كبرت فـ نظري و بقيت عاوزة أكون فـ حياتك علشان أنسيك كل التعب دا، مش علشان يجي عليا يوم و أزود وجعك بكلامي يا استاذ وليد"

قالت جملتها الأخيرة بـ لومٍ و عتاب جعله يزفر بقوة ثم ربت على يدها و هو يقول معتذرًا:
"حقك عليا و الله، أنا أصلًا كنت مستني رد فعلك علشان أحدد موضوع سفري دا، لكن أنا شبه رفضت أصلًا يا عبلة، لو كنتي عملتي زي مرات سليم و فرحتي إني أسافر علشان أجيب فلوس و علشان أرفع قيمة أسمي كنت خوفت على نفسي معاكي، ما هو اللي تبيع أيامها مع جوزها علشان شوية فلوس و كمان ترفض إنه ياخد أجازة يتخاف منها يا عبلة"

ألقت رأسها على كتفه و هي تقول بنبرةٍ تائهة:
"حُبك دا هيغرقني يا وليد، أنا خيبتي بقت كبيرة فـ حُبك"

_"تتربى في عزك يا غالية"
قالها هو بسخرية بعدما قالت هي جملتها الأخيرة و كأنها بذلك تؤنب نفسها على حبه، أما هي فابتسمت بيأسٍ منه فوجدته يحرك رأسه يقبل قمة رأسها ثم قال بخجلٍ طفيف:
"أنا أسف يا عبلة....علشان كل مرة بخلي خوفي يتحكم فيا و دا عيب كبير في شخصيتي.....و كتر خيرك إنك قابلاه"

تمسكت بذراعه وهي تقول بمرحٍ:
"لأ هو بصراحة كتر خيري أني مستحملة هبلك أساسًا، يعني قليل الأدب و قولنا ماشي لكن ملبوس و عندك تراست ايشوز كدا كتير عليا و على أعصابي يا ابن الملبوسة"

ابتسم هو بسخرية ثم أضاف قائلًا بمرحٍ:
"نصيبك إني حبيتك أنتِ، ربنا من كرمه رزقني بِـ حُبك علشان هو عالم إنك هتتحمليني يا عبلة، لو واحدة غيرك كانت رمت اللي بيننا فـ داهية، أنا و خديجة عاوزين كل ١٠ دقائق حد يطمنا إننا مقبولين زي ما إحنا"

ردت عليه هي بسرعة كبيرة تؤكد حديثه:
"أنتَ و خديجة مفيش زيكم أصلًا يا وليد، علشان كدا ربنا عوضكم أنتو الاتنين، هي ربنا كرمها بـ ياسين و أنتَ ربنا كرمك بيا و بصراحة يا بختك بيا يا ليدو و الله"

ضحك هو باتساع و هو يقول بقلة حيلة هو الآخر:
"و الله العظيم أنتِ هبلة و عاوزة ضرب الجزمة علشان فلوس أمي اللي ضايعة على السوبيا دي"

نظرت له بحنقٍ و 
قبل أن ترد عليه وجدت باب المصعد يفتح ثم خرج منه الثلاثي المرح كما يلقبهم «طارق» دخلوا تباعًا خلف بعضهم فرفعت رأسها هي من على كتفه تزامنًا مع دخولهم السطح
فسألهم «وليد» بسخرية:
"أكيد عم محمد هو اللي باعتكم...خير يا وش الشر أنتَ و هي"

رد عليه «أحمد» بنبرةٍ باردة:
"بصراحة قرفناه فـ عيشته تحت هو و طارق، فـ طردونا و سلمى جت معانا علشان تذاكر هنا و خلود هتتفرج على المسلسل"

سألته «عبلة» بخبثٍ:
"طب سلمى و هتذاكر و تعمل الواجب و السوسة دي هتتفرج على المسلسل، أنتَ بقى طالع ليه"

تدخلت «خلود» بقول ببراءة كاذبة ممتزجة بالخبث:
"طالع يعلم الواجب يا عبلة...خليها تذاكر بنفس مفتوحة"

أطرقت «سلمى» رأسها للأسفل في خجلٍ بينما «وليد» سحب «خلود» من ذراعها حتى أخفضها إلى مستواه  و هو على الأريكة ثم قال لها بهمسٍ:
"لمى نفسك بعيد عن العيال، و خلي الخبث دا للي جاي بعد كدا، علشان وفاء و بنتها رجعوا من اسكندرية النهاردة و أحمد أهطل و سلمى عبيطة، عاوز شغل حلو كدا يحرق دم منة خصوصًا بعد ما هدير مشيت"

ظهرت لمحة شر في نظرتها ثم أشارت إلى عينيها و هي تقول بهدوء:
"يا مرحب بالغالية بنت الغالية....دي حبيبتي"

سألهما «أحمد» بنبرةٍ جامدة حينما لاحظ همسهما سويًا:
"خير أنتَ و هي بترغوا فـ إيه"

اعتدلت «خلود» في وقفتها بينما «وليد» رد عليه بسخرية:
"لأ متشغلش بالك ، احنا بنأمن مستقبلك....ركز أنتَ فـ الواجب"

تحدثت «سلمى» تقول بتوترٍ ظهر جليًا فـي نبرتها:
"طب....طب أنا هقعد على الترابيزة اللي هناك دي علشان أذاكر.....و ياريت محدش فيكم ينزل و خليكم مونسيني علشان أنا هذاكر فيزيا و أنا بخاف منها"

سألها «وليد» بمرحٍ:
"اذاكرهالك أنا ؟!"

نظر له الجميع بتعجبٍ مما تفوه، و حينما لاحظ هو نظراتهم قال مُردفًا بثبات:
"جرى إيه ياض أنتَ و هي بتبصولي ليه؟ أنا كنت علمي رياضة و كنت ناقص في الفيزيا درجة بس، هي صحيح تقيلة بس تتحب"

ردت عليه «سلمى» بحماس:
"أنتَ لسه هتشرحلي وضعك، قوم يا بني يلا"

ابتسم هو لها باتساع ثم قال:
"طب هاتي الترابيزة دي و تعالي يلا علشان أشرحهالك".
________________

في شقة «خالد» جلس هو على الأريكة و صغيره بين ذراعيه غافيًا في ثباتٍ عميق و كفه الصغير متشبث بملابسه و كأنه يخشى تركه، نظر هو له بحنانٍ بالغ و هو يتذكر والده و مدى تعلقه به و رغمًا عنه غاص في ذكرياته حتى فرت دموعه دون أن يشعر، أو بالأحرىٰ فرت حينما خشىْ فراق الحياة دون أن يعيش مع صغيره كما فعل والده وقفت زوجته من بعيد تراقبه بعدما خرجت من المطبخ، و حينما وجدت أثر دموعه على ملابسه تنهدت بحزن ثم اقتربت منه و دون أن يشعر بها مدت كفها تمسح دموعه، رفع هو رأسه ينظر لها باندهاش من وجودها، فوجدها تبتسم له و هي تقول بنبرةٍ هادئة ممتزجة بالحنان:
"الله يرحمه يا خالد، أنا عارفة إنك لسه متأثر بموته و عارفة إنك لسه مش قادر تنسى وفاته، بس صدقني هو فـ مكان أحسن و كمان فرحان بيك يا خالد"

زادت دهشته أكثر من قبل فوجدها تبتسم و هي تقول مردفة له:
"متستغربش علشان أنا حفظاك يا خالد، أنتَ كل مرة بتبص فيها فـ وش يونس و تشوفه و هو متعلق بيك بتخاف من اللي جاي، بس دا غلط و حرام علشان اللي جاي كله بإيد ربنا سبحانه و تعالى"

أومأ هو لها ثم أخرج زفيرًا قويًا ثم نظر في وجه «يونس» و هو يقول بحنان متأثرًا:
"يونس شبهي أوي يا ريهام، كل حاجة فيه زيي، أنا بحبه أوي بس غصب عني مش عارف أقوله علشان هو مش هيفهمني، أنتِ أم و عارفة إزاي تدلعي و تهادي، لكن أنا صعب عليا أعمل كدا....طب أقولك على حاجة ؟ أنا بفرح لما يفضل يرخم عليا و بفرح لما أجي أنام و ألاقيه بيعيط علشان اقعد معاه"

اعتدلت هي جلستها ثم دست نفسها اسفل ذراعه الأخر و هي تقول بنبرةٍ مرحة:
"يا بختك يا يونس، بابا بيحب فيك و واخدك في حضنه"

ضحك هو بخفة عليها ثم شدد ضمته لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنتِ ست مفترية على فكرة، علشان الواد نايم و سايبنا و أنتِ بتقُري عليه، أنتِ أم أنتِ"

ردت عليه هي بمرحٍ:
"و الله أنتَ و ابنك طلعتوا عين أمي بس يلا كله بثوابه، بس قولي صح أنتَ عاوز يونس يبقى إيه...يعني نفسك يكون عامل ازاي"

نظر هو في وجه الصغير النائم على ذراعه و هو يقول بهدوء ممتزج بالحنان:
"نفسي يكون زي ما هو عاوز، يعني يحلم حلم و يعرف يحققه، بس كشخصية عاوزه زي عمه ياسين حنين و متفاهم و مش قماص، ياسين راجل بجد و معدنه أصيل، و برضه عاوزه زي ياسر بيشيل مسئولية و راجل بيصون العهد، لما رفضت أجوزه إيمان هو كان عنده مليون طريقة  يوصل بيها ليها من ورايا، بس هو معملش كدا و اختار يناهد معايا علشانها، غير كدا جوز أخواته و فرح أمه و حقق حلمه و فحت في الصخر علشان يبقى دكتور ياسر، و للأسف يعني عاوزه زي زفت الطين اللي مجرسني، عامر جدع أوي و مخلص بطريقة غريبة لينا، لدرجة إنه لما سافر أسوان اسبوعين تبع الشغل بتاعه مكانش بينام غير لما يطمن علينا، عامر بيحب كل اللي حواليه و عاطفي أوي صحيح أنا هاخد فيه تأبيدة محترمة بس بحبه للأسف، من الأخر يعني عاوزه زي أعمامه يا ريهام، علشان مش هلاقي أحسن من كدا ابني يكون زيهم"

رفعت رأسها تنظر له بحب وهي تقول بنبرةٍ مرحة ممتزجة بالمرح:
"أنا بقى نفسي يكون زيك، صحيح عصبي و كِشري شوية بس قلبك أبيض و راجل يعتمد عليك...يونس هيبقى راجل زيك يا خالد، كفاية ملامحه اللي كلها منك دي...حلوين حلاوة تجزع يا جدع"

_"أنتِ عمالة تعاكسي فيا من الصبح و كدا غلط، الواد على ايدي يا ريهام لمي نفسك"
قالها هو بمزاح حتى يشاكسها فوجدها تتمسك به و هي تقول بمرحٍ:
"كدا الواد على دراعك و أمه ماسكة في دراعك يا خالد و لا تضايق نفسك"
_________________

في شقة «ياسر» كان جالسًا يتحدث في الهاتف مع زميلته بالعمل و «إيمان» أمامه تمسك بالسكين الحاد تلوح به على كفها و هو ينظر لها بقلقٍ واضح، لكنه حاول تجاهلها حتى أنهى المكالمة فوجدها تقترب منه و السكين في يدها و هي تسأله بتوعدٍ:
"كنت بتكلم مين ياض يا ياسر ؟!"
اذدرد لُعابه بقوة ثم أجابها بنبرةٍ مهتزة:
"و الله العظيم دي دكتورة نورين زميلتي..... بتسألني عن حالة طفل هناك أنا كنت مسئول عنه قبل فرحنا.......و هي دلوقتي بقت مكاني و أنا الوحيد اللي كنت عارف حالته لما كان محجوز عندنا"

ردت عليه هي بتهكمٍ واضح:
"نورين ؟! و ماله يا حبيبي أنا هخليها ضلمة على دماغكم أنتو الاتنين"

رد عليها هو بخوف شديد بعدما حاول التحكم في ثبات نبرته:
"إهدي يا بنت الهبل دي مسيحية أصلًا، غيرانة من واحدة مسيحية"

اقتربت منه تقول بتوعدٍ من بين أسنانها:
"و لو من المعبد اليهودي برضه هغير عليك، و رب الكعبة ياض يا ياسر لو حد من الجنس الآخر دا اتعامل معاك هموتك، أخرك أنا و ندى و نرمين أخواتك و أمك ميرفت، حلو كدا"

أومأ لو مؤكدًا ثم قال لها بخبثٍ:
"إيمان ما تجيبي بوسة و حياة عيني الزرقا"

تنفست بعمقٍ ثم قالت بهدوء:
"متضعفش موقفي قدامك و قدام عيونك الزرقا حبايبي، بس ماشي هات بوسة يا ياسر"

قالتها بمرحٍ و قبل أن تقترب منه وجدته يمسك ذراعها يلويه خلف ظهرها و هو يقول بتوعد:
"بقى أنا يترفع سلاح في وشي يا بنت عليان، لأ أنا دكتور آه، عيني زرقا ماشي شعري دهبي شغال لكن أنا راجل أوي"

تأوهت هي بشدة و هي تقول بألم ظهر جليًا فـي نبرتها:
"دراعي ياض، خلاص مش هزعلك و الله، دا أنتَ حبيبي يا ياسوري"

ضحك هو تزامنًا مع تحريكه رأسه بيأس منها ثم قال و هي تحدق فيه بشررٍ:
"دا أنتِ حكاية و رواية يا إيمان بس بصراحة أنا فرحان بيكي و بوجودك معايا"

سألته هي بتلهفٍ نتيجة حماسها بعد قوله:
"بجد !! يعني أنتَ مش زعلان مني علشان بخنقك في عيشتك"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء بعدما ترك ذراعها:
"لأ مش زعلان...أنا بحبك و فرحان إنك بتاخدي راحتك معايا و دي أهم حاجة إنك تكوني على طبيعتك"

احتضنته هي بقوة دون أن تتحدث، أما هو ضحك عليها ثم طبع قبلة هادئة على قمة رأسها.

في شقة «عامر» تحدث في الهاتف مع أحد أصدقائه، فخرج من الشرفة و هو يقول بحنقٍ:
"خلاص يا زيكو هتصرف أنا و هجبهم بس خالد ممكن ميرضاش، بس أنا هتصرف"

أنهى المكالمة مع صديقه ثم جلس على الأريكة بجانب زوجته و هو يفكر في حل لتلك المعضلة، انتبهت «سارة» لشروده فقالت بنبرةٍ عالية:
"عــامـر، سرحان فـ إيه"

رد عليها هو بمرحٍ كعادته:
"سرحان في طريقة أخلي بيها خالد يوافق على اللي أنا عاوزه"

سألته هي بريبةٍ حقيقة:
"و هو خالد مش هيوافق على إيه يعني ؟ عامر دا لسه شاتمك بأمك فـ الجروب قدام العيلة كلها، كفاية بقى"

ظهرت لمعة خبث في عينيه ثم قال بهدوء:
"بقولك إيه يا مهلبية أنا هنزل شوية و أرجع هتعوزي حاجة؟"

سألته هي بتعجبٍ:
"هتنزل فين يا عامر، مش قولنا هنسهر سوا النهاردة"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ متسرعة:
"و الله مش هنتأخر، هو مشوار صغير ساعتين و هرجع تاني و نسهر سوا، يدوبك لسه مصليين العشا"

أومأت له موافقة فوجدته يقترب منها و طبع قبلة على و جنتها ثم نظر لها هو يقول بهدوء:
"مش هتأخر عليكي يدوبك هعمل حاجة على السريع و هرجع تاني، خلي بالك من نفسك و اوعي تنامي لحد ما أرجع"

نظرت له هي بتوعدٍ و هي تقول:
"و لو اتأخرت أعمل فيك إيه؟ هولع فيك يا عامر، أنا لما بتضايق ببقى واحدة تانية"

غمز لها و هو يقول بمرحٍ:
"ما أنا عارف، أصل كلهم فيهم مرارة زي زيت اللوز و أنتَ يا حلو زبادي بالموز"

ارتفعت ضحكتها بقوة بعد جملته المرحة تلك فوجدته يضيف هامسًا بهدوء:
"و الله ضحكتك دي بتكهرب اللي خلفوني ولو عليا أفضل هنا منزلش، بس أنا متدبس و مدبس ناس معايا"

ابتسمت هي له بحنان ثم قالت:
"انزل يا عامر و أقعد مع صحابك و أنا هستناك متتأخرش بس، علشان بصراحة بحس بملل من غيرك"
أومأ لها ثم تركها حتى يبدل ملابسه لـ أخرى مريحة.
___________________

كانت جالسة في شرفة شقتها على الأرض تتابع حركة النجوم في السماء و القمر بشكله المكتمل، كانت رقيقة في وضعها ذاك، حيث كانت ترتدي تيشيرت باللون الاسود بتناسب مع بشرتها الخمرية و بنطال من نفس اللون و قامت بفرد خصلاتها على ظهرها و طلقت العنان لها حتى داعبتها نسمات الهواء الدافئة، كان «ياسين» يراقبها من الخلف حيث كان واقفًا على اعتابها و حينما تنفست بعمقٍ اقترب هو منها يجلس بجانبها و هو يقول بمرحٍ حتى يُلطف الأجواء:
"قوليلي يا غالية مالك، من ساعة ما رجعنا و أنتِ قاعدة كدا، حتى قومتي صليتي و رجعتي تاني، فيه إيه"

ردت عليه دون أن تكلف نفسها عناء تحريك رأسها له و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا كويسة يا ياسين، متشغلش بالك بيا"

سألها هو بحنقٍ بعض الشيء:
"يعني إيه مشغلش بالي، خديجة لو أنا مش هشغل بالي بيكي هشغله بمين يعني، قوليلي مالك بس و أنا موجود معاكي"

تنهدت هي بعمقٍ ثم حركت رأسها تنظر له بلمحة حزن طفيفة و هي تقول:
"ياسين هو أنا بقيت كدا علشان حياتي كانت كدا، و لا دا فشل و استسلام مني للحياة و لخوفي يتحكم فيا"

نظر له نظرة مستفسرة ممتزجة بالحيرة فوجدها تستطرد حديثها:
"يعني تفتكر لو أنا كنت واجهت و سعيت ورا حلمي كان زماني هبقى زي نسرين دي و لا برضه كنت هبقى خديجة زي ما أنا ؟ و يا ترى بابا هو السبب فعلًا و لا أنا"

علم هو سبب تغيرها و حديثها الحزين لذلك اقترب منها أكثر يستند على ذراعه و هو يقول بهدوء:
"كل حاجة نصيب يا خديجة، يعني كان ممكن تكوني عادية و بتنزلي و تروحي و تيجي لكن معندكيش مبادئ و كان ممكن أشوفك و منبهرش بيكي، و برضه أنتِ طبيعية و مفيش فيكي أي عيوب، يعني بنت محترمة و جميلة و رقيقة و زوجة صالحة و صاحبة جدعة و بنت بارة بأهلها و أخت مفيش منها، و عيونك الحلوة دول بيلففوني العالم و أنا مكاني ببصة فيهم، أنتِ حلوة أوي يا خديجة و حلاوتك مبهرة أوي"

تبدلت ملامحها الجامدة إلى أخرى لينة تتخللها علامات الراحة بعد حديثه فوجدته يضيف هامسًا بهدوء و هو ينظر في عينيها نظرة هائمة:
"أنا لما جيت أول مرة بيت الرشيد ساعتها عمتك و هدير كانوا عاوزين يعرفوا أنا اختارتك ليه، ساعتها أنا قولت جملة من وسط الكلام هي إن خديجة زي الفراشة جميلة و متعرفش جمالها عامل إزاي، ميعرفش جمال خديجة غير قلب حبها و عين آمنت بسحرها، و أنا و الله قلبي و عيوني دابوا فيكي و دنيتهم نظرة عينيكي يا خديجة"

طالعته هي بأعين عاشقة تمتزج بالدهشة فوجدته يغمز لها وهو يضيف بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"

أخفضت رأسها في خجلٍ فوجدته يتابع حديثه بنبرةٍ قوية بعض الشيء:
"و بعدين نسرين دي أخر واحدة يا خديجة ممكن تزعلي منها، دي هبلة و الله، كانت عاوزانا نتجوز علشان تفضحنا على النت و الناس تشهد إنها متجوزة مهندس و انها عايشة معاه مبسوطة، على أخر الزمن أبقى ياسين المفضوح؟"

ابتسمت هي رغمًا عنها ثم سألته بنبرة مهتزة بعض الشيء:
"بس هي حلوة أوي يا ياسين و ناجحة يعني كان ممكن تديها فرصة تانية و تتقابلوا و تتكلموا تاني"

رد عليها هو بحنقٍ من حديثها:
"حلوة لنفسها و ناجحة لنفسها مش ليا، أنا مالي و مالها يا ختي، و بعدين اقابلها تاني ليه إن شاء الله"

ردت عليه هي بهدوء:
"تقابلها تاني يمكن تكون من نصيبك، مش يمكن هي كانت عاوزاك ترجع ليها تاني، أنا حسيت بذنب غريب أني ممكن أكون وخداك منها، مش عارفة ليه بس نظرتها ليا كانت كدا"

رفع حاجبه ينظر لها مُتعجبًا ثم قال بلامبالاة:
"لأ و على إيه تحسي بالذنب أصلًا، رقمها مع ماما و هي عملالي فولو على انستجرام هروح اقابلها و اعتذرلها و أصلح غلطتي و اتجوزها"

سألته هي باندهاش إثر حديثه الغريب:
"أنتَ بتقول إيه يا عم أنتَ، أكيد بتهزر"

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرة باردة غير مبالية:
"لأ و الله مش بهزر، هي عملالي فولو أصلًا و علطول بتعملي قلوب على صوري، شكلها فعلًا ندمانة و أنا أكتر حاجة بكرهها إن حد يندم بسببي"

قال جملته ثم تحرك حتى يعتدل في جلسته فوجدها تمسكه من ذراعه بقوة حتى سقط على الأرض و هي فوقه تسأله بنبرةٍ متوعدة:
"سمعني بقى يا حلو قولت إيه تاني كدا، سمعني الرصة اللي قولتلهالي من شوية دي"

نظر هو لها باندهاش فوجدها تمسك سترته و هي تقول بنبرةٍ شبه متوعدة:
"ها مين بقى اللي بتعمل قلوب على صورك ؟ و عاوز تصالح مين يا حنين ؟ ها يلا سمعني"

رد عليها هو بنفس البرود و نظرة التسلية تتراقص في عينيه:
"نسرين، بس بصراحة بنت أصول أنا رفضتها وهي عملالي فولو، دا عامر الندل معملش ليا غير لما عملتله أنا الأول، بس خلاص أنا بفكر أصالحها علشان متحسيش بالذنب"

أومأت له ببرود ثم أمسكت عنقه بقوة و هي تقول من بين أسنانها:
"و ماله يا حبيبي، بس الحالة الوحيدة اللي ممكن أحس فيها بالذنب لما أموتك و أموتها وراك، لكن غير كدا أنا مبحسش أصلًا، و بعدين تتجوزها ليه، أنتَ حقي أنا و جوزي أنا، خلي واحدة تبصلك كدا علشان.... ولا أقولك خليها مفاجأة لينا كلنا"

سألها هو بخبثٍ:
"طب و نظرتها ليكي اللي خلتك تحسي بالذنب اخبارها إيه"

ردت عليه ببرود مماثل:
"هي حولة كانت بتبص غلط، و أنا عامية مبشوفش يعني نتقابل عند دكتور رمد إن شاء الله"

ضحك هو رغمًا عنه ثم قال بتسلية واضحة في نبرته:
"طب ما أنتَ بتغير يا نجم أهوه، علشان تعرفي إنك عبيطة و كلامك أهبل، واحدة زي دي كانت بتبصلك بحقد و أنتِ فاكرة إنك ظلماها، بس بصراحة أنا مبسوط من اللي حصل دا"

قطبت جبينها متعجبةً منه فوجدته يشير على وضعهما و هو يقول بسخرية:
"وضع التثبيت دا يا خديجة، كنتي عاملة زي الشريدة من شوية، دلوقتي حاسس إن فيه سكينة هتطلع من ضهرك، ماشاء الله منفصمة الشخصية"

تنفست بعمقٍ ثم ابتعدت عنه على مضضٍ أما هو اعتدل و قبل أن يتحدث وجد هاتفه يصدح برقم «عامر» قام بالضغط على زر الإيجاب فوجده يقول بسرعة:
"الحقني يا ياسين أنا متدبس في مشوار و عاوزكم معايا فيه و معاكم واحد كمان"

سأله «ياسين» باندهاش:
"عاوزنا و عاوز حد كمان ؟! ليه يا عامر و هنروح فين"

رد عليه بنبرةٍ متعجلة ممتزجة بالتوسل:
"عند ميمي تعالوا بس، أنا حاولت أشوف عمار أخويا بس هو في الشغل، علشان خاطر أخوك الحقني، أنا كلمت ياسر و هيجي و أنا و هو هنروح سوا تعالى بقى ورانا و خالد أنا هكلمه"

تنفس الصعداء ثم رد عليه بضيق:
"ماشي يا عامر هاجي و هجيب وليد معايا، سلام علشان ألحق أغير"

نظرت له هي باندهاش فوجدته يقول لها باحراج:
"خديجة عامر عاوزنا في مشوار ضروري و عاوز معانا واحد كمان هاخد وليد و نروح سوا، عاوزة حاجة مني"

حركت رأسها نفيًا فوجدته يغمز لها وهو يقول بخبثٍ:
"أنا لما أرجع لازم نكمل كلامنا اللي كان هنا دا"

ردت عليه بحنقٍ:
"أمشي يا قليل الأدب من هنا"

كان «وليد» جالسًا بجانب «سلمى» و هو يقوم بشرح الدرس لها و هي تنصت له بحماس غريب و فجأة وجدته يقول بمرحٍ:
"كدا خلاص الدرس الأول، حلى عليه كتير و لو فيه حاجة وقفت معاكي عرفيني"

سألته هي بنبرة مندهشة:
"أنتَ إزاي كدا بجد؟ وليد أنا فهمتها منك أكتر من المدرس و الله، أنا حليت كل المسائل صح"

أومأ هو لها موافقًا ثم أضاف:
"طبيعي تحلي صح علشان فهمتي، مش حفظتي، الفيزيا و الكيميا لازم تفمي البداية فيهم علشان تكملي الباقي منهم"

تدخلت «خلود» تقول بتوسل:
"ذاكرلي تاريخ و علم نفس أبوس راسك و راس أمك"

ضحك هو عليها ثم رد:
"حاضر ابدأي دروس بس و أنا معاكي، أنا عيني ليكم"

بمجرد انتهاء جملته و جد هاتفه يصدح برقم «ياسين» قطب جبينه و هو يرد على الهاتف، و حينما فتح الخط سمع مطلبه فوافق هو بكلماتٍ مقتضبة ثم أغلق الهاتف بعدها هَبَ واقفًا و هو يقول للجميع:
"ورايا مشوار مهم و هاجي تاني ساعتين بالكتير حد فيكم عاوز حاجة؟"

ردت عليه «عبلة» بقلقٍ:
"رايح فين أنتَ دلوقتي ؟ ومين اللي كلمك دا"

ابتسم هو لها حتى يطمئنها ثم قال بهدوء:
"متقلقيش دا مشوار عالسريع تبع ياسين و راجع تاني"

بعد ما يقرب الساعة تقابل «ياسين» مع «وليد» أسفل شقة «ميمي» و بعد تبادل التحيات بينهما، صعدا سويًا إلى الشقة و بمجرد دلوفهما اتسعت عيني «وليد» بينما «ياسين» حرك رأسه نفيًا بيأس حيث كان الموقف كما المعتاد «عامر» فوق الطاولة و «خالد» أسفلها في يده عصا كبيرة الحجم و هو يقول بنبرةٍ قوية:
"أنا تعبت من أهلك كلهم...انزل يا عامر و خلي ليلتك تعدي بخير"

رد عليه بحنقٍ:
"لأ مش هنزل... العصاية اللي فـ إيدك كبيرة و أنا خايف"

مال «وليد» على أذن «ياسين» يسأله بهمس:
"ياسين هما واقفين كدا ليه، مش غريب الوضع دا شوية"

ابتسم «ياسين» بسخرية ثم رد معقبًا:
"الغريب لو دخلت مرة و لقيت وضعهم غير كدا".

تعليقات



×