رواية بحر ثائر الفصل الحادى عشر بقلم اية العربي
صفعته وارتدت على الأريكة فأسرعت منال تسندها مع دينا وبسمة ثم تملكت منال قوة هجومية شرسة وهي تلتفت وتقف في وجه كمال الذي ألجمته صدمة الصفعه وصاحت بهدير :
- اطلع برا بيتي حالًا بدل ما ألم عليك أمة لا إله إلا الله ، ابعد عن بنتي واولادها يا ندل .
وجد نفسه يهان ووجدها تحتضن الصغيران بقوة والتقطت أذنه صوت تلك الغريبة وهي تتحدث مع النجدة وعيون دينا تطالعه بشراسة وعنفوان و ... ديما لا حول لها ولا قوة بعد أن استنفذت جُل طاقتها في صفعة لذا لم يجد بدًا من المغادرة قبل أن يأتي الجيران ثم الشرطة ويقحموه في مسألة لن يستطيع مواجهتها .
نزع نفسه يغادر وأردف قبلها بتوعد ليداري مذلته مشيرًا بسبابته :
- ماشي يا ديما ، أنا هدفعك تمن القلم ده غالي أوي ، وابقي وريني هتطلقي ازاي ، هتفضلي كدة لا طايلة سما ولا أرض ومالكيش مكان في بيتي بعد كدة .
غار وجلست منال تهدئ الصغيران اللذان أجهشا في البكاء ووقفت بسمة تطالعهما بحزن وحيرة ثم أردفت بحزن :
- أنا لازم امشي دلوقتي ، وماتقلقوش أنا هكلم المحامي يروح لداغر فورًا .
التفتت تحدق في ديما التي كانت على وشك الانهيار واسترسلت بنبرة داعمة :
- ماتقلقيش كل حاجة هتبقى تمام ، إنتِ معاكِ الشرع والقانون .
لم تستطع ديما أن تومئ لها ولكنها أسبلت جفنيها لتغادر بسمة بعدما ودعتهن متجهة إلى قسم الشرطة مع محاميها .
تحاملت كثيرًا على نفسها بالقدر الذي جعلها تريد أن تغفو لعدة أيام متواصلة ، تريد أن تريح هذا العقل المجهد والقلب المتألم على حال صغيريها وأسرتها التي عانت معها خاصةً شقيقها الغالي .
نظرت لوالدتها وأرادت طلب المساعدة لتفهمها منال على الفور وتساندها مع دينا تتحركان بها نحو الغرفة وتردد بقهرٍ على حالها :
- منك لله يا كمال ، حسبي الله ونعم الوكيل فيك .
أدخلتاها وتمددت على الفراش ثم رفعت منال الغطاء فوقها وانحنت تقبل رأسها وتردف بحنانٍ حزين :
- ارتاحي يا عمري شوية .
أومأت إيماءة بسيطة ثم أغلقت عينيها وغفت علها تستيقظ على حالٍ جديد .
❈-❈-❈
عاد إلى منزله بعد قضاء ساعة في رياضة الركض حول منطقته .
دلف يزفر واتجه نحو غرفته ليحضر ثيابه ويأخذ حمامًا منعشًا .
الدقائق مرت سريعًا وخرج يخطو نحو مطبخه يحضر فنجانًا من القهوة مع شطيرة ووقف يفكر دومًا بلا هوادة في حياته الفاقدة للشغف ، خاصة الجزء العاطفي منه وكأنهم وضعوا قلبه داخل صندوقٍ صنع من ثلج .
التقط قهوته بعدما أعدتها الآلة واستل الشطيرة يتجه نحو شرفته ويجلس بها كالعادة ، يحب الاسترخاء هنا لأطول فترة ممكنة .
هنا يلهم بالأفكار وهنا يسافر بخيالاته وهو يسمح لأمنياته بالظهور ، مد يده ليزيح الستار ويفتح النافذة ولكنه قبل أن يفعل لاحظ أمرًا غريبًا .
سيارة جديدة على المكان تقف في طرف الشارع لا يظهر منها سوى مقدمتها ، دقق النظر فيها يحاول افتراص من بها ولكنه فشل ، يبدو أن أحدهم يحاول الوصول إليه .
لذا ادعى أنه يحاول فتح النافذة مبتعدًا بنظره عن مرمى السيارة التي ما إن لاحظ من بها حركة النافذة حتى تحرك يتراجع للخلف ليختفي في المنعطف المقابل ويتأكد ثائر من شكوكه ويدرك أنه مراقب وبالطبع من المؤكد أن هذا المتخفي أحد رجال توماس .
ليتزين ثغره بابتسامة مسلية واضحة وها هو يجد ما كان يتمناه ، اللعب مع أحدهم حيث أنهم يعيدون الشغف إليه شيئًا فشيئًا .
❈-❈-❈
أراد زوجة تكون تحت رهن إشارته ما إن دعاها إلى الفراش لبته على الفور مهما كانت أعذارها ولأنه يستحق الكرم جاءته من هي على شاكلته بل أنها تتخطاه شغفًا في هذه المسألة .
جلس مستندًا على ظهر فراشه يستعيد ما حدث منذ ساعات في منزل عائلة زوجته ، لولا أنه عاد إلى زينة وانتشلت بطريقتها وكلماتها غيظه وغضبه لكان هاج بشكلٍ عاصف ، لم يخبرها أن ديما صفعته بل تحدث متباهيًا عما فعله وتعلل بصراخ الصغيرين وذعرهما لذا قرر أن يغادر .
التفت ينظر إليها ليجدها تتوسط الوسادة وتنام بلا مبالاة ، لقد انتشلت لنفسها ما تريده ولا شيء يثير اهتمامها بعد ذلك .
عاد يبتلع لعابه ويشعر بالجوع يلتهم معدته ولكنه لم يوقظها بل نهض يتحرك باحثًا عن طعامٍ كان قد أتى به ليتفاجأ بأنها لم تترك له أي شيء لذا زفر بضيق وقرر الاتصال على أي مطعم ليقوم بطلب طعام يسد جوعه به .
أغلق بعدما طلب الطعام وارتدّ على المقعد في الصالة يفكر ، لا يريد أن يحررها ، لا يريد خلاصها ولا إطلاق سراحها ، يستنكر أن يعترف لنفسه بأنه يحتاجها لذا يبرر رفضه بطفليه ، يستنكر أن يعترف أنه يعلم يقينًا إن حررها ستنجح وتنهض وربما وجدت عند غيره متاعها لذا فقد أظلمت عينيه وهو يردد داخله بأنه لن يحررها أبدًا مهما فعلوا وهذا قراره مهما كانت العواقب .
ابتسامته ولمعة عينيه جعلتاه يفرد نفسه أكثر معتقدًا أن جُل ما فعله صواب .
❈-❈-❈
أدلى بأقواله إلى الضابط الذي أبدى تعاطفه مع الواقعة ولكن يظل القانون قانونًا وقبل أن ينهي المحضر طرق الشرطي الباب ودلف ينظر لرئيسه قائلًا باحترام بعدما أدى التحية :
- حضرة الضابط الأستاذ وليد محفوظ المحامي والآنسة بسمة الراوي طالبين يقابلوا حضرتك .
توتر داغر في جلسته هو لا يريدها أن تأتي وتراه هكذا ولكنه نظر إلى الضابط يوضح بهدوء :
- الآنسة بسمة الراوي تبعي يا باشا .
أومأ الضابط بتفهم ونظر للشرطي يردف بجدية :
- خليهم يدخلوا .
أومأ الشرطي وسمح لهما بالدخول فدلفت بسمة تنظر إلى عين داغر الذي طالعها بنظرة امتنان وحرج لتومئ له مبتسمة بينما اتجه المحامي يرحب بالضابط ويعرف عن نفسه ثم جلس يردف برسمية وهو يشير نحو داغر :
- طبعًا أكيد الباشمهندس حكالك عن اللي حصل واندفاعه ناحية زوج أخته كان بدافع الكبت والقهر اللي اخته اتعرضت ليهم بس بما إن البلاغ تم فخلينا ندفع كفالة والباش مهندس يروح لعيلته وأنا هتواصل مع الطرف التاني علشان يتنازل .
كان حديثه ناتجًا عما قالته بسمة له طوال طريقهما ليدرك ما عليه فعله حيث أنه عُرف بالدفاع عن قضايا الأسرة ويعلم جيدًا هذا النوع من الكمال كما يدرك جيدًا كيف لم يسيطر داغر على غضبه .
❈-❈-❈
وصلت إلى الأراضي المصرية الطائرة العائدة من فرنسا تحمل على متنها شابة في العشرين من عمرها ، ترجلت تتقدم خطوة وتؤخر الأخرى ، نشب عراكًا من الحزن والألم على ملامحها السمراء .
تعود بخيبة حصلت عليها كمكافأة نهاية الخدمة والندم يصاحبها منذ أن قررت العودة ، لم تكن تدرك أنه تم استغلالها بأبشع الطرق وهي من ظنت أنها وجدت الحب الفرنسي كما كانت تتمنى وتحلم .
دلفت المطار واتجهت لتختم أوراقها بإرهاق وملامح محملة بالهموم التي زادتها عمرًا لا ينتمي لها .
وقفت في الصف تنتظر دورها بضيق ودوار يشعرها أنها ستسقط لا محالة ، التفتت تنظر حولها وبرغم يقينها أن لا أحد هنا ينتظرها إلا أنها تمنت لو ترى والدتها أو شقيقها ولكن هذا يعد ضربًا من ضروب المستحيل فهما تبرآ منها وانتهى الأمر .
جاء دورها فوقفت تتحدث مع الموظف وتناوله أوراقها لتنهي الإجراءات وتغادر سريعًا ولكنها تفاجأت بنظراته التي تحمل الشك الذي أرعبها لذا تساءلت بحروفٍ متقطعة :
- فيه حاجة ولا إيه ؟
باغتها بنظرة شمولية ثم أشار إلى ضابط الأمن الذي جاء يميل عليه فأخبره الموظف أنها الفتاة التي تم التبليغ عنها لذا تحرك الضابط نحوها يردف برسمية :
- اتفضلي معانا .
وقفت مترنحة وتساءلت والشحوب يزداد على ملامحها :
- اتفضل فين ؟ أنا عايزة أفهم في إيه ؟
- اتفضلي معانا وهتفهمي كل حاجة .
انتظرها أن تطيعه حيث الجميع لاحظ ما يحدث ولكنها عاندت تصيح بهياج نبع من خوفها :
- مش منقولة من هنا قبل ما أفهم إيه اللي بيحصل .
زفر الضابط ونادى على دياب الذي يقف يتابع بتأهب فأسرع نحوه ليردف بنبرة آمرة :
- خد منها الشنطة دي وتتفتش كويس .
مد دياب لها يده لتناوله حقيبتها الشخصية مردفًا برصانة :
- ممكن الشنطة لو سمحتِ ؟
أدركت أنها وقعت في فخٍ نُصب لها وبرغم يقينها أنها لم تضع أي شيء مخالف في حقيبتها إلا أنها تعلم جيدًا حقارة توماس أور ليان ولكن ما كان عليها إلا الإذعان لأوامرهم لذا مدت له الحقيبة وما كاد أن يأخذها حتى ذهل مما يحدث حيث مالت الفتاة عليه فاقدة للوعي بين ذراعيه وأمام الأعين التي أثار المشهد فضولها .بعد أن هدأ الصغيران بصعوبة بالغة واستطاعت دينا انتشالهما بدلالها ولعبها معهما اتجهت منال نحو ابنتها التي أدخلتها الغرفة لتستريح .
حملت لها كوبًا من العصير وخطت نحوها تناولها إياه علها استيقظت ولكنها ما زالت نائمة .
وقفت تُمعن النظر لها لثوانٍ قبل أن تلتفت وتعود أدراجها بحزنٍ بالغٍ عما أصابها واتجهت عائدة نحو المطبخ تردد داخلها الدعاء على طليقها والذي يعد سببًا رئيسيًا فيما حدث معها ، لا سلموا من أذيته وهو معهم ولا سلموا منه وهو بعيد ، إلى الآن يجنون حصاد أفعاله وبمنتهى الأسف الحصاد هذه المرة هو مرض ابنتها الغالية وصمتها وكأنها لم تعد تشتهي البوح أو الكلام .
ولكنها لم تنم كما ظنت منال ، هي مستيقظة وأوهمتها بذلك .
حزنها بالكامل ليس على زواجه من أخرى فهي الآن اعترفت كم هي تبغضه ولكن كل القهر بداخلها على ظلمها في حق نفسها ، كيف تحاملت على نفسها إلى حد أن يصل بها الأمر للاشتباه في جلطة ؟
لما لم تتخذ قرارًا منذ زمن ؟ ومتى أصبحت هشة هكذا ؟ هو لم يكن ذلك الزوج الذي يستحق تجاوزها عن أخطائه .
لن تتخذ طفليها حجة فهي رأت كم هما عانا معها ، رأت الخوف في أعينهما من هيأته وهو يحاول نزعهما منها ، رأت رغبتهما في رحيله من حياتهما .
كانت ترى كل هذا ولكنها غضت الطرف لسنوات معللة بأنه سيعتدل يومًا ، لقد أوهمت نفسها أن هناك احتمالًا أن يغير أسلوبه وعادته بعد موت والدته التي زرعت ما زرعته ورحلت ولكنها كانت مخطئة خطأً فادحًا ، كيف لنبتة خبيثة تغذت على الفساد حتى اشتد عودها أن تتبدل إلى زهرة عطرة لمجرد انقطاع الغذاء عنها ! على العكس تمامًا ستصبح متوحشة تقتص غذائها بشراسة ممن حولها ولم يكن حولها سوى زهرة متفتحة مقبلة على الحياة امتصت رحيقها وتركتها ذابلة على وشك السقوط .
رفعت يدها تجفف دموعها الغزيرة وتسعى للملمة ما تبقى منها قبل أن يسقطها خريفه لذا تحلت بملامح العزيمة وهي تؤكد لنفسها أنها ستتحرر منه مهما كانت النتائج ولن تكون منال جديدة بل ستضع نفسها في الحديقة التي تستحق أن تكون بها .
❈-❈-❈
في سيارتها يجلس صامتًا شاردًا حالته تستنكر ما يحدث ، آخر ما كان يتمناه أن تراه هكذا وتساعده في مسألته ، لا يفضل أبدًا أن يكون لأحدهم فضلًا عليه خاصةً هي .
زفر باختناق ورفع رأسه ينظر للأمام وتحدث بنبرة صلدة :
- المبلغ اللي اندفع هيتردلك كله يا آنسة بسمة ومتشكر على وقفتك معايا .
كانت تعلم الصراع الذي يعيشه وتدركه خاصةً مع شخصٍ مثله انفعل على ما أصاب شقيقته لذا حاولت تقبل نبرته وأردفت بتروٍ موضحة :
- هيترد أكيد من مرتبك يا باش مهندس بس ماكنش ينفع أسيبك أبدًا تتحبس بسبب شخص معدوم الضمير زي ده .
التفتت تطالعه سريعًا لتلاحظ ليونة ملامحه بعد الشيء دون النظر إليها لذا زفرت وعادت تتطلع نحو الطريق مسترسلة :
- على فكرة أنا معاك جدًا في اللي حصل وإنسان زي ده ندل وخاين بس لازم قبل ما تتهور تفكر مليون مرة في مامتك واخواتك ، هما ملهمش حد غيرك وفيه مليون طريقة تانية تلجأ ليها غير العنف .
لم ترد إخباره ما حدث بعدما قبض عليه حتى لا يغضب ولكنها تنهدت تتابع حينما لاحظت استجابته لحديثها حتى لو لم يُبدِ ذلك :
- ابعد عن الشخص ده يا داغر وحاول ماتخليهوش يستفزك بأي شكل ، خلص اختك منه وابعد عنه تمامًا ، ولازم يكون الأهم عندك هي حالة أختك النفسية لإن اللي حصلها ده مش سهل أبدًا .
زفر بقوة والتفت يُمعن النظر فيها بعدما نالت كلماتها استحسانه لذا تساءل بما جال بخاطره من حيث رتابة كلاماتها ورشدها :
- هو إنتِ عندك كام سنة ؟
ابتسمت والتفتت تطالعه مردفة باستنكار :
- هو ماحدش قالك قبل كدة إن ماينفعش تسأل بنت السؤال ده ؟
استطاعت انتشاله من حالة الغضب التي كانت تلتهمه ليجيبها ساخرًا :
- نفسي أفهم السبب في كدة إيه ؟ هيصغروا عمرهم هيعيشوا أكتر مثلًا ؟
ابتسمت تردف بقناعة :
- لا بس مافيش أنثى تحب يتقال عنها أنها كبرت ، الأنثى عامةً بتحب دايمًا تعيش على ذكريات سن العشرينات والجامعة ، المرحلة دي بتكون أكتر مرحلة ممتعة بالنسبالها علشان كدة العقل بيحتفظ بيها ومش بيقبل يعترف بغيرها .
مط شفتيه يومئ شبه مقتنعًا ثم زفر وقرر ألا يسألها مجددًا لتسأله هي :
- طيب إنت عندك كام سنة ؟
أجابها على الفور :
- 28 سنة .
التفتت تباغته بنظرة مندهشة واستطردت باستنكار :
- نعم ؟ ده بجد ؟ شكلك أكبر من كدة ، دا أنا فكرتك أكبر مني .
أثارت انتباهه لذا نهشه الفضول وتراجع عن قراره يتساءل مجددًا :
- ليه هو إنتِ كام ؟
ابتسمت والتفتت تنظر أمامها وبرغم أنها شعرت بالضيق الذي لا تعلم سببه من كونها أكبر منه إلا أنها أجابت بوضوح :
- ٣١ سنة ، أكبر منك يابني .
لم يستطع تمالك نفسه من إطلاق ضحكة عالية وهو يطالعها مندهشًا ويستطرد :
- لا مستحيل ، دانا فكرتك أد دينا أختي ، مش باين عليكي خالص .
تنهد يتابع :
- بس أقولك إنتِ كان معاكِ حق ، ماتقوليش لحد على سنك .
- ليه ؟
تساءلت بها وهي تنعطف لتدخل الشارع المؤدي لمنزله ليردف موضحًا بنبرة لا يعلم كيف خرجت منه :
- لإن فعلًا ملامحك أصغر برغم إن عيونك فيها حكايات كتير بس فيه جواكي روح طفلة ظاهرة على ملامحك ، حافظي عليها .
توقفت بالقرب من منزله والتفتت تتمعن فيه ليسرع بالترجل من السيارة قبل أن يزداد الأمر شغفًا هو لن يستطيع عليه مقدرةً لذا التفت للجهة الأخرى ووقف عند نافذتها يردف بامتنان :
- متشكر على اللي عملتيه النهاردة ، من أول زيارتك لأختي لحد التوصيلة ، وديني هسده لأني مابحبش يبقى عليا حاجة لحد .
أمعنت النظر فيه ليتابع :
- واعملي حسابك دي أول وآخر مرة هتوصليني فيها ، إنتِ على راسي بس احترامًا لمكانتك مش هتتكرر ، أنا المرة دي ماحبتش أزعلك بعد اللي عملتيه معايا ، تمام ؟
سألها كي توضح له أنها لم تحزن لتجيبه بسؤالٍ آخر :
- هتيجي الشغل بكرة ؟
زفر ورفع نظره للأعلى ينظر نحو منزلهم لثانيتين ثم عاد إليها يردف بصدق :
- لو ديما بقت كويسة هاجي بإذن الله ، يالا اتكلي على الله ومعلش هنتعبك بس لما توصلي بالسلامة ابقي رني رنة صغيرة .
هكذا اعتاد أن يتعامل مع شقيقتيه ولا يعلم لما أهداها نفس المعاملة برغم أنها لا تنتمي له ولكنه يشعر بأنها تحتاج للحماية كشقيقتيه ... أو ربما أكثر .
ابتلعت لعابها تومئ له ثم تحركت تغادر وما إن ابتعدت حتى تحرك نحو منزله وصعد لتستقبله منال بالأحضان بعدما رأته من النافذة ودلف يبادلها ويطمئنها ويسألها عن ديما وعن الصغيرين لتطمئنه بأن كل الأمور تمام بعدما قررن ألا تخبره إحداهن بمجيء كمال .
ورحلت بسمة عائدة إلى بيتها بعقلٍ شاردٍ فيه وفي أصله الطيب وشخصيته الفريدة نوعًا ما خاصةً في هذا الزمان .
❈-❈-❈
اخترق صوتًا ما عقلها الذي يجاهد ليستعيد وعيه لذا أسبلت أهدابها ببطء لتحاول استكشاف المكان وحينما تذكرت ما حدث انتفضت لتجد نفسها تجلس على أريكة في غرفة بيضاء وأمامها رجلان .
ثبتت مقلتيها عليهما ثم ابتلعت لعابها ونظرت حولها تتساءل :
- أنا فين ؟
أجابها دياب بتمهل :
- ماتقلقيش يا آنسة إنتِ لسة في المطار .
نظرت حولها مجددًا ثم استرسلت بقلقٍ بالغ وهي على وشك البكاء :
- إيه اللي حصل ، لقوا حاجة في شنطتي ؟!
تحرك الآخر خطوة واستل حقيبتها يناولها إياها قائلًا بهدوء :
- اتفضلي كله تمام وتقريبا ده كان بلاغ كيدي ضدك .
شردت لثوانٍ تفكر هل توماس فعلها أم شخصًا آخر لذا تنهدت بعمق ثم نظرت لهما وأومأت وحاولت النهوض فترنحت فتحمحم دياب يردف بطباعه النبيلة :
- لو فيه حد تكلميه ييجي ياخدك أفضل .
أمسكت رأسها بكلتا يديها لتقاوم الدوار الذي يحيطها ثم أردفت بخفوت :
- لاء مافيش ، بس لو ممكن معلش تساعدني لحد ما أركب تاكسي .
أومأ وتحرك يسحب حقيبتها الكبيرة وخطا وهي تتبعه وخرجا من الغرفة باتجاه البوابة الرئيسة لتستقل سيارة أجرة .
في طريقه نظر لها بقلقٍ حيث كانت تتحرك بترنح كأنها ستسقط مجددًا لذا تساءل :
- مكانك بعيد ؟
هزت رأسها بهدوء وأردفت بوهن :
- لاء ، البيت في **** .
تعجب وقطب جبينه فهذه منطقته لذا تساءل :
- فين بالضبط ؟
لا تتذكر تحديدًا لذا دست يدها في حقيبتها تخرج محفظتها وتستل منها ورقة كتب فيها العنوان لذا ناولته إياه تردف :
- هو ده .
أخذها منها يقرأها ليرفع حاجبيه اندهاشًا وأردف :
- ده في نفس العمارة اللي أنا ساكن فيها ، ونفس الدور كمان ، إنتِ بنت فاروق الهواري الله يرحمه ؟
رفعت نظرها تحدق به لثوانٍ ثم أومأت تجيبه :
- أيوة بنته ، إنت كنت تعرف بابا ؟
أومأ ومازال الاندهاش باديًا على وجهه يجيب :
- الله يرحمه كان صديق والدي بس الكلام ده من سنين طويلة ، تقريبا كنتِ لسة صغيرة .
أومأت بتفهم وانتابها الحنين لرؤية شقيقها فعاد يردف بتريث :
- طيب لو كدة أنا خلصت شغل وممكن أوصلك لو تحبي بم إننا طلعنا ساكنين في مكان واحد .
نظرت له وعم الامتنان ملامحها فهي كانت تخشى ركوب سيارة أجرة وهي في تلك الحالة ولكنها قالت بحرجٍ :
- مش عايزة أزعجك ، هاخد تاكسي وخلاص .
ابتسم يخفض مقلتيه ثم استطرد يوجهها :
- مافيش إزعاج طبعًا ، اتفضلي .
تحركت معه نحو سيارته واستقلتها ليضع حقيبتها في الخلف ويتجه يستقل مكانه وينطلق ليجدها تستند برأسها على الجهة اليمين فتركها لتستريح وقاد إلى وجهته متعجبًا من هذا التصادف ، ابنة فاروق الهواري الذي اشترى شقة في نفس عمارته كما فعل والده له وإلى الآن هي خالية حتى ابنه لم يزرها منذ وفاة والديه ، أعادت هذه الابنة لتقطن بها بعد كل هذه السنوات ؟ حتى أنه لم يتذكر ملامحها .
نهشته الأفكار الفضولية ولسان حاله يتساءل :
أين كانت ؟ وماذا حدث معها ؟ بعد عدة أيام .
جلست مقوسة الظهر تضع الطلاء على أظافر قدميها وتلوك العلكة بين فكيها مدندنة كلمات أغنية شعبية بينما يقف يعد له فنجانًا من القهوة ويطالعها من بعيد بنظراتٍ متفرصة حيث سلبت أفكاره وفاقت توقعاته بأفعالها الجريئة .
انتهت من طلاء أظافرها لذا رفعت رأسها تطالعه وتردف بنبرة عالية :
- اعملي واحد قهوة معاك يا كمولتي .
تحمحم يومئ لها ثم صب قهوته وعاد يحضر قهوتها بطاعة كأنها تتمسك بزمام أموره بين أصابعها .
اتجه إليها بعد دقيقتين يحمل الفنجانين وجلس أمامها يحدق بها وهي تنفخ الهواء في أظافرها ثم تعرضهما عليه متسائلة بميوعة :
- إيه رأيك يا كمولتي في اللون ده ؟ عجبك ؟
نظر نحو اللون وأردف مؤخوذًا بها :
- تحفة عليكي ، كل حاجة فيكِ جميلة يا زينة ، تفتحي النفس على الحياة .
ابتسمت واقتربت منه تتعلق برقبته حتى باتت أمام شفتيه تردف بنبرة متحشرجة وأنفاسها تتسارع :
- إنت لسة شوفت حاجة ؟ دانا هعوضك عن كل يوم حزن شوفته ، هخليك تنسى خالص السنين اللي فاتت دي .
وضعت شفتيها على خاصته تقبله قبلة جريئة اندفاعية حتى أنها ناولته العلكة بلسانها لتصبح في فمه وابتعدت تضحك بفجور ثم استلت فنجانها ترتشف منه رشفة قهوة مردفة بمكر :
- القهوة مع البوس بتظبط المزاج ، ولا إيه رأيك ؟
أومأ لاهثًا يؤكد على حديثها ويستطرد وهو يلتصق بها ويده تسري على جسدها :
- حصل .
أبعدت يده عنها وباغتته بنظرة محذرة وكأنها الآمرة الناهية في أي تواصل جسدي تردف بتحذير :
- اصبر لما نشرب القهوة ، وبعدين أنا عايزة أكلمك في موضوع .
لم يصبر بل بات يتعمق أكثر وتساءل متلهفًا :
- موضوع إيه ؟ قولي كل اللي إنتِ عايزاه وهنفذه .
تجلى النصر على ملامحها وهي تعاود إبعاده عنها وتردف بنبرة باردة :
- هتفضل معلق بنت الصابر كدة كتير ولا إيه ؟
ابتعد عنها حينما استمرت في صده وأمعن النظر فيها يتساءل بترقب :
- إنتِ عايزة إيه يا زينة ؟
- إنت اللي عايز إيه ؟ مش بعتولك رسالة تطلقها وقالوا إنها مش هترجع ، مستني إيه يا كمال ؟
نطقتها بنبرة حادة فزفر بضيق ثم حاول مراوغتها متعللًا :
- واطلقها بقى ويقولوا عليا إني اتجوزت عليها وطلقتها ورميت عيالي زي ما بيتقال على ابوها ؟ أنا مش عايز يتقال عني كدة يا زينة .
لم تسرِ مراوغته عليها ولم يستطع خداعها بأسبابه لذا هدرت بصياح وهي تنهض :
- ماتلفش وتدور عليا يا كمال ، عيال مين يا حبيبي إللي مافكرت تبعتلهم جنيه من يوم اللي حصل ، العيال دول آخر اهتمامك بس يبقى يوم مش فايت لو طلعت لسة عايزها على زمتك ، ولا لتكون بتحبها ؟
وضعته أمام مرآته حيث أنه لم يهتم بأطفاله قيد أنملة ولكنه برغم ذلك لا يرغب في تحريرها ولا يستطيع شرح أسبابه إلى زينة لذا نهض يتحلى بجرأة كاذبة ويصيح مقابلها :
- اللا مالك يا زينة فيه إيه ؟ وصوتك بيعلى ليه ؟ اهدي كدة ومالكيش دعوة بموضوع ديما ده علشان أنا في دماغي حاجة كدة ناوي اعملها .
جحظت تردف بجنون تلبسها :
- من هنا ورايح ماتنطقش اسمها قدامي وإلا ورحمة أبويا يا كمال ما هتقرب مني تاني .
ها هي تهدده بما لا يستطيع عليه صبرًا لذا تراجع عن جرأته وعاد تدريجيًا للاسترخاء يقترب منها ويسعى لنيل رضاها ويده تسعى لإثارتها مردفًا :
- يابت اهدي بقى ؟ معقول بتغيري من اسمها ؟ هطلقها بس أنا عايز اذلها شوية بحق اللي وريتهولي طول السنين اللي فاتت ، دانا ماكنتش عايش ولا كنت متجوز ست .
تراقص المكر في عينيها وقد أتقنت دور الاستجابة معه لتزفر بقوة ثم تجيبه بنبرتها اللعوب :
- أيوا مهو واضح أهو ، بتزعّل اللي حبيتك بجد واللي مستعدة تعمل علشانك أي حاجة لكن إنت محدش ياخويا عارفلك راس من رجلين .
سحبها بقوة نحو الأريكة يردف برغبة مستفحلة :
- هقولك فين راسي وفين رجليا .
❈-❈-❈
بعد أسبوع .
استعادت ديما عافيتها واستطاعت النطق ولكن التعلثم مازال يلازمها ولكنها سعت لتسترد صحتها حتى تنفذ قرارها والذي شجعها عليه أسرتها .
وبالفعل عادت إلى المنزل بصحبة داغر بعد نهارٍ مزدحم حيث تم رفع دعوة خلع على المدعو كمال والذي ساعدها في رفعها المحامي وليد محفوظ التابع لبسمة التي قررت دعمها منذ أن رأتها
لم يقبل داغر بأي شكلٍ من الأشكال أن يكون الدعم ماديًا ولكنه قبل الدعم المعنوي والاجتماعي خاصة وأنه منذ اليوم الأول له في المصنع حاول بكل طاقته بذل جهده في العمل المكلف به ونجح في ذلك بمهارة لاحظتها وجعلتها تثق به أكثر .
❈-❈-❈
ليلًا
وصلت بسمة منزلها وصعدت غرفتها ثم خلعت ثيابها وتوجهت نحو الحمام لتخرج بعد دقائق ترتدي بيجامة نومها وتجفف وجهها بالمنشفة وما إن أبعدتها حتى تفاجأت ب ماجد يجلس على الأريكة يتصفح هاتفه وينتظرها .
تجمدت تطالعه بتعجب ، للمرة الأولى يقتحم غرفتها دون إذنٍ لذا تساءلت بضيق جلي حينما رفع نظره لها يبتسم :
- إنت إزاي تدخل أوضتي من غير ما تستأذن ؟
أصابته الدهشة من أسلوبها الحاد معه ونهض يتجه نحوها ويوضح بعتب :
- فيه إيه يا بسمة هو أنا حد غريب ؟ وبعدين على فكرة أنا خبطت بس إنتِ كنتِ جوة ماسمعتيش وشوفتك وإنتِ راجعة قلت آجي أتكلم معاكي شوية .
لم تهدأ ولم تعجبها نبرته وأسلوبه لذا زفرت واسترسلت بنزق :
- بص يا ماجد أنا بعتبرك أخويا اه وبحب أتكلم معاك بس فيه حقيقة ياريت مانغفلش عنها وهي إن أنا بنت عمك ومايصحش تدخل أوضتي أبدًا غير لما أسمحلك .
سافر بعينيه عبر ملامحها فتجهمت أكثر ولفت وجهها عنه ليجيبها بنبرة لينة :
- تمام خلاص أوعدك مش هتتكرر ، أنا بس كنت جاي أتكلم معاكي في موضوع مهم عن المصنع .
تنهدت بقوة لتهدئ نفسها ثم طالعته تتساءل بترقب :
- خير يا ماجد ماله المصنع ؟
وضع كفيه في جيبي سرواله واستطرد وهو يهز كتفيه :
- تضمني منين إن العمال الجداد دول هيفهموا الشغل كويس ؟ مش على الأقل يبقى معاهم مهندس فاهم نظام الشغل من سنين بدل المهندس الجديد ده اللي شكله مش فاهم أي حاجة ؟
حدقت في مقلتيه باستنكار وتساءلت :
- إنت شوفت منه إيه علشان تحكم كدة ده هو لسة يا دوب بقالو أسبوع واحد بس وأنا شايفة إن الشغل ماشي كويس جدًا .
لا يعلم كيف يقنعها بإعادة المهندس السابق إلى عمله والعفو عنه ليحاول استكمال حديثه ولكنها وقفت ثابتة تكمل مقاطعة كلماته :
- اسمعني يا ماجد علشان نبقى واضحين ، أنا برتاح معاك في الكلام علشان بحس إنك بتفهم وجهة نظري هنا عن أي حد تاني إنما لو اسلوبك هيتغير معايا وهتبدأ تشكك في إدارتي صدقني يبقى مافيش داعي نتجادل ، العمال شايفين شغلهم والمهندس الجديد صارم جدا في شغله وده اللي أنا عايزاه ولو حسيت بأي تهاون ماتقلقش أنا هعرف أتصرف وكدة كدة المصنع بقى مسؤوليتي وإنت واونكل عليكوا الشركة .
أسرع يستدرك الأمر قبل أن يخسر معاهدة الصداقة بينهما لذا رفع كفه يشير ويردف :
- تمام روقي ، أنا بس بحاول أقوم بدوري كأخ وصديق وقلت كدة من خوفي مش أكتر إنما أنا واثق فيكي جدًا وفي قدرتك على إدارة المصنع ، ياريت ماتزعليش من كلامي .
زفرت بقوة ثم طالعته تومئ مرارًا واسترسلت :
- تمام حصل خير .
تفاجأت بيده تقترب من وجنتها قاصدًا احتضانها فابتعدت خطوة للخلف تباغته بنظرة تحذيرية فزفر بإحباط وأنزل يده يردف بضجر ماكر وابتسامة :
- أوف عليكي يا بسمة ، بقيتي أوفر .
تركها وتحرك يخطو نحو الباب وقد اختفت ابتسامته وظهر وجهه الحقيقي وتجهمه الواضح ليختفي سريعًا متجهًا إلى غرفته .
أما هي تنفست بقوة والتفتت تنظر لأثره بقلق ثم اتجهت نحو الباب توصده جيدًا عليها .
❈-❈-❈
أما ليلًا فقد عاد ثائر مع ابنه الذي يسعى ليأمنه من شرور أعدائه ويعلم أن مكوثه عند جده هو أفضل قرار لحمايته في هذا الوقت .
كان يتحدث عبر الهاتف مع مارتينا التي تخبره بأنها قادمة إليه وبرغم أنه أخبرها ألا تأتي إلا أنها لم ترضخ كالمعتاد خاصةً وهي لم تره عندما أعاد معاذ حيث كانت تستحم آنذاك .
أغلق معها يزفر بضيق وتحرك يفتح باب منزله ودلف وأغلق الباب ولكنه منذ اللحظة الأولى شعر بأنفاسٍ من حوله فأدرك أنه ليس وحيدًا .
يعلم أنه مراقب منذ أيام ولكن ما لم يتوقعه أن يتم مداهمة منزله!
وقف مكانه يحاول تحديد مكان اللص من خلال أنفاسه حيث أن الأنوار مغلقة وهذا ما يريده لذا تساءل بنبرة هادئة :
- من هناك ؟
سمع خطوات سريعة وكأن اللص يخشى انكشاف أمره لذا تتبعها سريعًا قبل أن يهرب وبحركة متقنة استطاع الإمساك به وتقييد ذراعيه أولًا وهس بغضبٍ عاصف حينما أحكم قبضته عليه :
- من أنت ؟ ولِمَ دخلت بيتي ؟ تكلّم .
لم يجبه الآخر ولكنه بات يحاول تخليص نفسه من قبضة ثائر الذي كان يسبقه بخطوة وتحرك به لينير الإضاءة ويرى وجهه ولكن تنبهت حواسه لوجود شخصٍ ثالث وقبل أن يحاول استيعاب الأمر اخترق سكينًا ضلعه الأيمن فتأوه وتهاوت قبضته ليُفلت اللص ويسرع في مغادرة المنزل هو وشريكه قبل أن ينكشف أمرهما .
تركوه ينزف ويئن...... تحرك ببطئ نحو مفتاح الإضاءة يشعله لتضح الرؤية وينظر نحو ضلعه يحاول السيطرة على نزيفه ولكن الدماء اندفعت بغزاره وبشكلٍ لم يستطع استيعابه ليجد غمامة مشوشة تقتحم رؤيته وتأخذه موجة من اللا وعي ويسقط مرتطمًا بالأرض فاقدًا لوعيه وحيدًا في منزل بارد وبلدٍ أكثر برودة .
❈-❈-❈
لستُ عرابة ولا ساحرة ولكن المصاب كان ابني .
انتفضت علياء من نومها حينما شعرت بوخزة في قلبها لتنظر أمامها بجحوظ مردفة بلهفة :
- ابني ، ثائر .
استيقظ أمجد على صوتها ونهض ثم انحنى يشعل الإضاءة ويطالعها بتعجب ويديه امتدتا تحاوطان جسدها متسائلًا بقلق :
- مالك يا علياء فيه إيه ؟
التفتت تنظر له بصدمة وتردف مترجية :
- كلملي ابني يا أمجد ، كلملي ثائر ، ثائر فيه حاجة .
ملس بيده على ظهرها يطمئنها بهدوء ظاهري :
- اهدي بس يا حبيبتي ده كابوس ، استغفري ربنا وماتقلقيش ثائر إن شاء الله كويس .
حاولت أن تهدأ بالفعل وتعمقت فيه عينيه فأومأ لها يكرر كلماته ويده تسبح على ظهرها تهدهدها :
- مش أحنا كلمناه لسة قبل ماننام وكان مع معاذ ؟ ماتقلقيش هو كويس .
حاولت سحب أنفاسها ورفعت كفها تملس على صدرها لتهدأ والتفتت تنظر في الساعة لتجدها قد تجاوزت الثانية صباحًا لذا عادت تزفر علّ الضيق الذي يحاوط صدرها ينقشع واسترسل أمجد بروّية :
- تعالي نامي في حضني ، الصبح هرنلك عليه تكلميه وتطمني بس إنتِ عارفة إن ثائر لو كلمناه دلوقتي مش هيرد .
أومأت بتفهم ومالت نحوه فعانقها وعاد لنومه معها وباتت يده تسير على طول ظهرها بحنان فحاولت نزع الأفكار السيئة من عقلها ودعت ربها أن يسلمه من أي أذى وحاولت النوم تاركة أمجد ينظر للبعيد ويفكر ، هل حدث شيئًا سيّئًا مع ابنه حقًا ؟!
❈-❈-❈
جلست ليلًا في فراشها تتنهد بارتياح ، ستعيد ترميم نفسها من جديد ، ستصلح ما فسد .
ستكتب بحرية ودون خوفٍ منه ، والأكثر شغفًا بالنسبة لها أنها ستكتب قصتها بثوبٍ مختلف .
تتشابك خيوط الأحداث في عقلها لذا تحمست واستلت من جوارها كتاب بحر ثائر تفتحه من حيث توقفت تعيد قراءة نصائحه التي دونها للقارئ .. أو لها فهي تشعر أن جُل رسائله مبعوثةً لها .
قرأت بعينيها الكلمات ولسان عقلها يردد :
( خمس نصائح من ثائر
إذا شعرت أن ظهرك محمل بالهموم فاسجد
وإذا كنت من حاملي المسؤولية فلا تحني ظهرك
وإن جاءتك وردة من سفيه فلا تفرح
وإن شعرت بالغدر يحوم حولك فابتعد
وإن كنت تخطو بين أعدائك فابتسم )
ابتسمت وتنهدت بعمقٍ وراحة ثم نظرت أمامها بملامح منفرجة وعينين تمتلآن بالأمل لتصبح مثل شرنقةٍ دخلتها حزينة وستخرج منها حرة بأجنحة والآن ستنهض لتصلي و... تسجد .